دراسات في الأصول - ج ١

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-92-7
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٧٠

١
٢

٣
٤

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الّذي إذا أحبّ عبدا فقّهه في الدّين واصلّي واسلّم على خاتم المرسلين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين واللّعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدّين.

أمّا بعد ، إنّ هذا المشروع الّذي بين يديك هو أحد التقريرات لما أفاده المرجع الدّيني المجاهد المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني قدس‌سره في علم الأصول ؛ قرّره أحد الأماجد من تلامذته ، الأخ الفاضل حجّة الإسلام والمسلمين السيّد صمد علي الموسوي «دامت افاضاته» راعيا للإيجاز والاختصار ، مبيّنا للمقصود ، وافيا بالمراد ، مع عبارات واضحة ، خاليا عن التعقيد والإطناب المملّ والإيجاز المخلّ ، وكان المقرّر ممّن حضر درس الاستاذ في الدورة الثانية من محاضراته الاصوليّة ، فطبعا قرّر ما استفاده مشافهة من نفس هذه الدورة وأكمل ما نقص منها ممّا طبعت من الدورة الاولى ـ باللّغة الفارسية في ستة عشر مجلدا ـ وكان المقرّر قد قرّر ثلثي المباحث في زمان حياة الاستاذ قدس‌سره وطبعها في مجلّدين مزيّنا بتقريظ الاستاذ ومع الأسف اكتملت تقرير المباحث بعد مضيّ سنة من ارتحال الاستاذ إلى جوار ربّه ، تغمّده الله برحمته وأسكنه بحبوحات جنّاته. وحيث اضيفت إلى ما كتبه في حياة الاستاذ مباحث اخرى إلى آخر علم الاصول فلا بدّ من التغيير في تنظيم الكتاب فرأينا أنّ الأجدر طبعه في أربع مجلّدات.

٧

ومن اللازم علينا أن نشكر جميع من ساعدنا في مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام لإنجاز هذا المشروع سيّما سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد رضا الفاضل الكاشاني مدير المركز وحجّة الإسلام والمسلمين الشيخ علي الحميداوي الأنصاري «زيد عزهما» الّذي بذل غاية جهده في تنسيق المتون وتقويم النصوص وايراد العلائم المساعدة على القراءة وإعداده للطبع. نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لمرضاة وليّه حجّة بن الحسن العسكري «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» الّتي هي مرضاته ، إنّه هو السميع الدعاء.

مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام

٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كلمة المقرّر

الحمد لله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين ، سيّما بقيّة الله في الأرضين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

أمّا بعد :

فأشكر الله سبحانه ـ كما هو أهله ومستحقّه ـ بما تفضّل عليّ وأجاد بتوفيقي لتقرير دورة كاملة في اصول الفقه من بحوث شيخنا الاستاذ الفقيد الراحل المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني رحمه‌الله.

قد كان لي شرف الحضور في دروسه العليا ـ أي بحوث الخارج في الفقه والاصول ـ في مدّة عشر سنوات فكان معظم ما قرّرته ممّا استفدته من درسه حضورا ، وكنت قد أكملت بعضه من الدورة الاولى لتدريس خارج الاصول المنتشرة باللغة الفارسيّة في ستّة عشر مجلّدا.

وكان من دأبي أن التقي به في كلّ يوم خميس من الاسبوع لملاحظة ما قرّرته ، ورفع النقائص منه وتكميل التقرير من حيث الاسلوب ، وبيان المطالب المدعومة بالبراهين والاستدلالات الرصينة. وكان ذلك بعد مراجعتى للتقرير وتهذيبه وملاحظته مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء في كلّ يوم.

والاستاذ رحمه‌الله كان يتعاطف معي ـ كولده ـ بكلّ حنان وشفقة ، ويرشدني بإشاراته

٩

القيّمة ، فلا أنسى أبوّته ولطفه الجسيم ، سائلا المولى القدير أن يتغمّده برحمته الواسعة ، ويسكنه فسيح جنّاته ، وينزل على مضجعه شآبيب رحمته.

ثمّ أقول بكلّ صراحة : إذا لاحظ القارئ الكريم نقصا في الاسلوب أو في أداء المطالب أو إيصال المفاهيم والمسائل الاصوليّة فهو منّي وقلّة بضاعتي ، وما يكون في التقرير من كمال وإحكام وعمق فهو من سماحته رحمه‌الله.

وقد فرغت من تكميل تقرير مباحث هذا الكتاب (دراسات في الاصول) بعد سنة من رحيل الاستاذ العظيم إلى جوار ربّه الكريم بعد الطبع وانتشار مجلّدين منه من الابتداء إلى انتهاء بحث البراءة في زمان حياة الاستاذ مزيّنا بتقريظه ، وفي هذه الطبعة ـ حيث اضيفت إليها بقية المباحث وتغيّرت تنظيمات المجلّدات ـ طبع في أربع مجلّدات.

واللازم عليّ أن أشكر كلّ من ساعدني في تصحيح وطبع ونشر هذا الكتاب سيّما رئيس مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام سماحة آية الله الشيخ محمّد جواد الفاضل اللنكراني (زيد عزّه) ومدير المركز سماحة حجّة الاسلام والمسلمين محمد رضا الفاضل الكاشاني (زيد عزّه) وسماحة حجّة الاسلام والمسلمين الشيخ عليّ الحميداوي الأنصاري (زيد عزّه) الذي بذل غاية جهده في تنسيق المتون وتقويم النصّ وإيراد العلائم المساعدة على القراءة وإعداده للطبع.

واهدى ثواب ما كتبته إلى روح الاستاذ أوّلا وإلى روح والدي الفقيد السيّد عبد الحسين الموسوي سائلا المولى الكريم أن يتقبّله منّا بأحسن قبول ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

العبد السيّد صمد عليّ الموسوي

الحوزة العلميّة ـ قم المقدّسة

١٣ / ج ٢ / ١٤٢٩ ه‍. ق

٢٨ / ٣ / ١٣٨٧ ه‍. ش

١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين سيّما بقيّة الله في الأرضين ، ولعنة الله على أعدائهم ومدّعي شئونهم ومخرّبي شريعتهم من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد ، فقد رتّب هذا الكتاب تبعا لصاحب الكفاية على مقدّمة ومقاصد وخاتمة.

١١
١٢

المقدّمة

وهي تشتمل على امور

١٣
١٤

الأمر الأوّل

موضوع العلم ومسائله

ثمّ إنّ المتداول بين العلماء في بحوثهم أنّهم يذكرون قبل الورود في المقاصد مطالب ونكات بعنوان المقدّمة ، ونحن بعون الله تعالى نتأسّى بهم ، ونقول : من المقدّمات التي أشار إليها المحقّق الخراساني في الكفاية في ضمن المقدّمة الاولى هي بيان موضوع العلوم.

قال المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) : «إنّ موضوع كلّ علم وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ...» إلخ.

ومراده من بيان هذا المطلب هنا تفسيره الخاصّ للعرض الذاتي.

وأمّا المهمّ في المقدّمة الاولى فهو البحث عن النسبة بين موضوع العلم وبين موضوعات مسائله ، ولذا قال صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) : «موضوع كلّ علم هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتّحد معها خارجا ، وإن كان يغايرها مفهوما تغاير الكلّي ومصاديقه والطبيعي وأفراده».

ولكنّنا قبل الورود في هذا البحث نذكر مطالب حول موضوع العلم ،

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٢.

(٢) المصدر السابق.

١٥

فنقول :

أوّلا : هل أنّ كلّ علم يحتاج إلى الموضوع أم لا؟

وثانيا : على فرض الاحتياج هل اللّازم وحدة الموضوع في كلّ علم أم لا؟

وثالثا : أنّ تعريف صاحب الكفاية للموضوع صحيح أم لا؟

ورابعا : ما هو المقصود من العرض الذّاتي؟

وممّا يستفاد من تعريف المحقّق الخراساني قدس‌سره للموضوع ضمنا أنّ هذا المعنى عند العلماء أمر مفروغ عنه ، والمناطقة أيضا عرّفوه كذلك. وهذا المعنى يدلّ على مطالب :

١٦

الأوّل والثاني

احتياج العلم إلى الموضوع وأنّ الموضوع في كلّ علم يكون واحدا

فقد أنكر استاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ (١) الأوّل ، وبيان ذلك ـ حسب تقرير مقرّره ـ : أنّه لم يكن لمدوّن العلم في بادئ الأمر موضوع مشخّص معلوم حتّى يبحث حوله ، بل العلوم كانت في بادئ الأمر عدّة مسائل متشتّة ومباحث مهملة ناقصة ، وأضافوا إليها في طول الزمان مسائل متجدّدة حتّى بلغ ما بلغ ، بحيث تعدّ بالآلاف من المباحث والمسائل ، بعد ما كانت أوّل نشوءها تبلغ عدد الأصابع.

ويشهد لذلك ما نقله الشيخ الرئيس في تدوين المنطق عن المعلّم الأوّل : من أنّنا ما ورثنا عمّن تقدّمنا في الأقيسة إلّا ضوابط غير مفصّلة ، وأمّا تفصيلها وإفراد كلّ قياس بشروطه فهو أمر قد كدّرنا فيه أنفسنا (٢).

وعلى هذا لم يكن في بادئ الأمر موضوع معيّن للعلوم ، وهذا الاستدلال منوط بدعوى الاستاذ.

وأمّا ما قرّره المقرّر ـ من أنّه لا يصحّ أنّ تكون نسبة موضوع العلم

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ : ٥.

(٢) ذكره الامام قدس‌سره في هذا البحث.

١٧

وموضوعات المسائل نسبة الكلّي ومصاديقه والطبيعي وأفراده ؛ إذ يمكن أن تكون نسبة موضوع العلم وموضوعات المسائل نسبة الكلّ والجزء ، مثل : علم الجغرافيا ، أو تكون نسبة الموضوع وموضوعات المسائل نسبة التساوي ، مثل : علم العرفان ـ فهو منوط بالمرحلة الرابعة من بحثنا وسوف يأتي إن شاء الله.

كما أنّ قوله بأنّ العلم لا يحتاج إلى موضوع مشخّص معلوم غير تامّ ، فإنّ علم الفقه موضوعه فعل المكلّف ، ولكنّ أكثر مسائله التي تبحث فيه لا ربط لها بفعل المكلّف ، مثل مسائل الإرث والنجاسات وأمثالها ، بل هي مربوطة بالمرحلة الثالثة من بحثنا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا إن قام الدليل على احتياج العلوم إلى الموضوع فلا منافاة بين ما تقدّم وما ذكره الاستاذ ؛ إذ العلوم وإن كانت في بادئ الأمر مهملة وناقصة ولكن نعلم بالبداهة أنّ المناطقة لم يبحثوا في ضمن مباحث المنطق عن مباحث علوم اخرى كالنحو والفقه ـ مثلا ـ وأنّ النقص والكمال لا ينفي احتياج العلم إلى الموضوع.

والمشهور من العلماء أقام دليلا على وحدة الموضوع ، فإن تمّ هذا الدليل فيثبت به أصل الاحتياج أيضا ، ولهذا الدليل مقدّمتان :

الاولى : أنّ كلّ علم يترتّب عليه غرض واحد وفائدة واحدة ، أي على أساس الغرض الواحد يدوّن علم واحد ، فمثلا : دوّن علم النحو لصيانة الإنسان عن الخطأ في المقال ، ودوّن المنطق لصيانة الإنسان عن الخطأ في الفكر ، وهكذا.

الثانية : أنّ الواحد لا يصدر إلّا من الواحد ، يعني لا تؤثّر أشياء متباينة على

١٨

شيء واحد ، إلّا أن تكون بينها جهة مشتركة كالنار والشمس في الحرارة ، فإن كان المعلول متّصفا بالوحدة كانت العلّة أيضا كذلك.

وهاتان المقدّمتان بضميمة أنّ كلّ علم عبارة عن مجموعة مسائله ، تنتجان :أنّ المؤثّر في الغرض الواحد هو المسائل ، ويترتّب غرض علم النحو ـ مثلا ـ على مسائل شتّى مثل : الفاعل مرفوع ، والمفعول منصوب ، والمضاف إليه مجرور ، وأمثال ذلك.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ لكلّ مسألة من مسائل العلم ثلاثة عناوين : وهي : الموضوع ، والمحمول ، والنسبة بينهما.

وإذا لاحظنا مسائل علم النحو ـ مثلا ـ قد يكون المحمول فيها واحدا مع وحدة الموضوع كالمرفوعات ، فإنّ الخبر في كلّ مسألة منها يكون مرفوعا ، وقد يكون الموضوع فيها واحدا والمحمول متعدّدا ، مثل : الأحكام الثابتة للفاعل نحو الفاعل مقدّم على المفعول ، والفاعل مرفوع ، ونحو ذلك ، وقد يكون الموضوع والمحمول في المسائل متباينين ، مثل : الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ، والمضاف إليه مجرور ، وأمثال ذلك ، فلا بدّ من فرض جامع واحد مؤثّر في الغرض والمعلول الواحد.

ويحتمل في بادئ الأمر أنّ الجامع المؤثّر هو الجامع بين الموضوعات ، أو الجامع بين المحمولات ، أو الجامع بين النسب ، ولكنّ المفروض في القضايا أنّ عنوان المحمول عنوان عرضي يعرض على الموضوع ، ففي مثل «زيد قائم» الموضوع متّصف بوصف القيام ، فالمحمول عرض والموضوع معروض ، ومعلوم أنّ المعروض مقدّم من حيث الرتبة ؛ لأنّه يكون جامعا.

ومن هنا يعلم أنّ الموضوع مقدّم على النسب أيضا في جعله جامعا.

١٩

وذلك أوّلا : أنّها معنى حرفي وهو متأخّر عن الموضوع.

وثانيا : أنّها متأخّرة عن المحمول أيضا ، وعنوان النسبة عنوان تبعي ، فلا بد أن يكون الجامع المؤثّر هو الجامع بين الموضوعات ، فالجامع بين الفاعل والمفعول والمضاف إليه هي الكلمة والكلام بناء على كونهما شيئا واحدا.

والحاصل : أنّه لا بدّ لنا من جامع بين الموضوعات حتّى يعبّر عنه بموضوع العلم ، ولا بدّ أيضا أن يكون الجامع شيئا واحدا.

ولكن اشكل عليه :

أوّلا : بأنّه لا دليل لترتّب غرض واحد على علم واحد ، بل يمكن أن يترتّب على علم واحد غرضان وفائدتان ، بحيث يكون بينهما تلازم.

فإن قلت : إنّه يترتّب خارجا على علم واحد غرض واحد ، أي ليس في الخارج علم يترتّب عليه غرضان.

قلنا : هذا أمر غير معلوم فلعلّه يترتّب على علم واحد غرضان أو أغراض متعدّدة.

أمّا هذا الإشكال فليس من الإشكالات المهمّة. والمناسب في ذيل هذا الإشكال ذكر ما تعرّض له صاحب الكفاية قدس‌سره (١) هاهنا ، وهو قوله : قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل ممّا كان له دخل في مهمّتين ؛ لأجل كلّ منهما دوّن علم على حدة ، فيصير من مسائل العلمين.

لا يقال : على هذا يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كان هناك مهمّان متلازمان ...

فإنّه يقال : ـ مضافا إلى بعد ذلك بل امتناعه عادة ـ لا يكاد يصحّ لذلك

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٥.

٢٠