التّفسير الحديث - ج ٢

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٢

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٤

ونحن نرجح هذا لأن القسم بالقرآن أعقب حرف (ق) وهذا الأسلوب قد تكرر كثيرا في هذه السور بل هو الأغلب.

أما جواب القسم فإما أنه محذوف وتقديره إن الكفار كاذبون أو إن ما يتلى من القرآن صدق لا ريب فيه أو إن بعثكم أكيد وإما في الآية الرابعة.

وفي الآيات حكاية لما ثار في الكافرين من عجب ودهشة حينما جاءهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو منهم ومثلهم يدعوهم إلى الله وينذرهم بالآخرة. ويبدو من مضمون الآيات وروحها أن عجب الكافرين ودهشتهم كانا منصبين في الدرجة الأولى على البعث الأخروي ، حيث حكت الآية الثالثة تساءلهم عما ينذره النبي من هذا البعث وقولهم إنه مستبعد بعد أن يموتوا ويصبحوا ترابا ، وفي الآية الرابعة ردّ عليهم بأسلوب تقريري بأن الله محيط بهم وبذرات أجسامهم وقادر على بعثهم ، أما الآية الخامسة فهي بسبيل تقرير أنهم في تكذيبهم إنما يكذبون الحق الذي لا ريب فيه حينما جاءهم وأن الأمر قد التبس عليهم واضطرب ، شأن من يبهته الحق فيذهله.

تعليق على ذكر القرآن

والقسم به بعد حرف (ق)

هذه السورة أولى السور التي أعقبت حروفها المتقطعة المفردة الأولى ذكر القرآن. ثم جرى النظم القرآني على ذلك في معظم السور التي تبتدئ بحرف أو حروف منفردة متقطعة مع ورود كلمة الكتاب بدلا من القرآن في بعضها ومع ورود كلمة القرآن والكتاب معا في بعضها ومع القسم بالقرآن أو الكتاب في بعضها ومع الإشارة إلى القرآن أو الكتاب بدون قسم في بعضها.

والقرآن أو الكتاب الذي هو تعبير آخر له ولو كان لكل من الكلمتين معنى أو دلالة خاصة (١) ظلّ يطلق على ما كان ينزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كلام الله عزوجل إلى

__________________

(١) كلمة القرآن تعني كلام الله المقروء. وكلمة الكتاب تعني كلام الله المكتوب حيث كان ما ينزل من القرآن يكتب فيصير كتابا ويقرأ فيكون قرآنا. والله تعالى أعلم.

٢٢١

أن تمّ تمامه. فيصح أن يعتبر القسم بالنسبة لما نزل حين نزوله كما يصح أن يعتبر لمجموعه بطبيعة الحال. والله تعالى أعلم.

تعليق على حكاية تعجب الكفار من مجيء

رسول إليهم منهم وإنذاره بالآخرة

وحكاية عجب الكفار بمجيء رسول إليهم منهم وإنذاره بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب قد تكررت كثيرا في القرآن مما يدل على أن الأمرين كانا مثار الدهشة والخلاف والجحود والعناد دائما. وخاصة أمر البعث والحساب. وهذا يفسر الحيز الواسع الذي شغله هذا الأمر في القرآن حتى لا تكاد سورة من سورة تخلو منه بأسلوب وصيغة ما ، وصفا وإنذارا وتبشيرا وتوكيدا. ويستدل منه ومما تكرر كثيرا من حكاية موقفهم من شخص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن موقفهم من النبي آت من شكهم في صلته بالله تعالى وهو منهم ومثلهم وأن موقفهم من الآخرة آت من اعتقادهم باستحالة البعث بعد أن يصبحوا رميما وترابا. ولقد مرّت أمثلة عديدة من موقفهم من الآخرة. وأما موقفهم من شخص الرسول وشكّهم في صلته بالله تعالى فمن الأمثلة عليه بالإضافة إلى ما احتوته هذه الآيات آيات سورة الإسراء هذه : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤)) وسورة ص هذه : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)) (١).

ومن هنا جاء ما حكته آيات كثيرة من تحديدهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإثبات صلته بالله بالمعجزات واستنزال الملائكة وبإحياء آبائهم مثل آيات سورة الأنبياء هذه :

__________________

(١) اكتفينا بهذين المثالين من أمثلة كثيرة سوف تأتي في السور الآتية.

٢٢٢

(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)) ومثل آيات سورة الحجر هذه : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)) ومثل آيات سورة الدخان هذه : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦)).

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١)) [٦ ـ ١١]

(١) فروج : شقوق أو فتوق.

(٢) رواسي : كناية عن الجبال.

(٣) من كل زوج : من كل صنف.

(٤) بهيج : حسن المنظر.

(٥) حبّ الحصيد : إشارة إلى الزراعة الحبوبية التي تجنى بطريق الحصد كالقمح والشعير.

(٦) باسقات : مرتفعات أو عاليات.

(٧) طلع : هو في اللغة أول ثمر النخلة.

(٨) نضيد : منضد بعضه فوق بعضه أو بعضه إلى جانب بعضه.

٢٢٣

والآيات متصلة بسابقاتها بقرينة جملة (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) التي تنصرف إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة عجبهم من رسالة النبي واستبعادهم البعث الأخروي. وهي بسبيل البرهنة على قدرة الله. والسؤال الذي بدأت به الآيات استنكاري يتضمن التنديد بالجاحدين لإنكارهم قدرة الله بينما يرون آثارها العظيمة ماثلة أمامهم في السماء وبديع خلقها وزينتها ، والأرض ورواسيها وصنوف نباتها وأشجارها والمطر المبارك الذي ينزل من السماء فينبت به الشجر والحب وتحيا به الأرض بعد موتها ويعرفون أن ذلك من آثار تلك القدرة. وليس البعث بأعظم من ذلك.

ولقد حكى القرآن اعترافهم بأن الله هو الذي خلقهم وأنه هو الذي خلق السموات والأرض على ما أوردنا شواهده القرآنية في السورة السابقة وبذلك تستحكم حجة الله فيهم.

ولقد أشير في آيات أخرى إلى تزيين الله سبحانه السماء بالكواكب منها آية سورة الصافات هذه : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦)) حيث يمكن القول إن العبارة القرآنية هنا قد قصدت ذلك.

وجملة (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) التي بدأت بها الآيات قد تفيد أن ما لفت نظر السامعين أو الجاحدين إليه فيها من بديع خلق الله ونواميس كونه ولا سيما عدم وجود شقوق في السماء وزينتها مطابق لما كان في أذهانهم عنها. وبذلك تستحكم كذلك حجة القرآن فيهم من هذه الناحية أيضا.

ولقد انطوت الآية الأخيرة على تشبيه إحياء الأرض بالماء بعد موتها بالبعث الأخروي. وعلى دليل على قدرة الله عزوجل على هذا البعث. فالماء الذي ينزله الله تعالى من السماء يثير في الأرض الميتة الجافة مظاهر الحياة المتنوعة. والذي يقدر على ذلك يقدر بطبيعة الحال على بعث الناس بعد موتهم. وقد تكرر هذا البرهان التشبيهي المقتطع من مشاهدات الناس في المناسبات المماثلة ، ومن ذلك

٢٢٤

ما جاء في آية سورة الروم هذه : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠)) وما جاء في آية سورة الأعراف هذه : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧)).

صورة من الأسلوب القرآني في مخاطبة العقل

والقلب والحسّ في البرهنة على قدرة الله عبر

مشاهد الطبيعة ونواميس الكون

ويلفت النظر الأسلوب البسيط القوي المسترعي للأذهان والحسّ الذي أشير به إلى المشاهد والنواميس الكونية ، والذي هو سائغ لجميع الناس على اختلاف طبقاتهم فلا يقصر أحد به عن إدراك ما في تلك المشاهد والنواميس من عظمة ونفع وقوام حياة وبرهان ، ولا يتردّد به أحد في ردّ ذلك إلى قدرة الله ورحمته ، والإقناع بأنها ليست في نطاق قدرة ما غير قدرة الله عزوجل الخالق البارئ المصوّر الرازق ، وبأن الذي يقدر على هذا يقدر على كل شيء بما في ذلك بعث الناس يوم القيامة ومحاسبتهم ومجازاتهم حسب أعمالهم لأن ذلك من مقتضيات عدل الله وحكمته.

وهذا الأسلوب تكرر في كل المناسبات والآيات المماثلة. وهو أسلوب مخاطبة العقل والقلب والبصر والحس والبرهان الحي الماثل لكل الناس من جميع الطبقات وفي كل زمن ومكان.

وما دام أن هذا الأسلوب في عرض مشاهد الكون والطبيعة في القرآن قد قصد به استرعاء الأذهان والأبصار إلى عظمة الله وقدرته والبرهنة على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه عبر ما يلمسه السامعون ويشاهدونه ويعرفون مداه فالأولى إبقاؤه في هذا النطاق وعدم محاولة الخروج منه إلى بحوث فنية والتوفيق الجزء الثاني من التفسير الحديث* ١٥

٢٢٥

بين ما ورد في القرآن من هذه المشاهد وبين ما عرف فنيا من ذلك ، لأن ذلك مما يخرج القرآن عن هدفه الوعظي والتذكيري ويعرضه للنقاش فيما لم يقصد إليه.

وبعض المسلمين يفعلون ذلك بسبيل البرهنة على أن القرآن احتوى كثيرا مما ظهرت صحته ومداه فنيا ومن الحق أن نذكر أن فيما يفعلونه أحيانا كثيرة تجوّزا وتمحّلا. ونحن لا نرى ذلك ضروريا لإثبات صحة الوحي القرآني وصدق ما احتواه. ففي أساليب القرآن ومحتوياته ما فيه أقوى إثبات لمن يكون حسن النية وراغبا في الإيمان بالله وكتابه. أما غيرهم فإنه يجد دائما ما يورده على من يحاول استخراج نواميس الكون والطبيعة من القرآن. في حين أن هذه المحاولة ليست من ضروريات الدين والإيمان وليست متسقة مع أهداف ما في القرآن من ذلك.

هذا ، والمتبادر أن الآية السابقة قد جاءت استطرادية أو تنبيهية لتهتف بأن في كل هذه المشاهد الكونية والنعم الربانية تبصرة وذكرا لمن حسنت نيته ورغب في الحق وأراد الإنابة إلى الله تعالى حيث يرى في كل ذلك دلائل قدرة الله وعظمته فلا يبقى له مندوحة عن الاستجابة لدعوته. وهي بهذا الشرح متساوقة مع الأسلوب الذي نبهنا عليه آنفا.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)) [١٢ الى ١٤]

الصلة بين الآيات وسابقاتها قائمة بضمير (قَبْلَهُمْ) المنصرف إلى المكذبين الذين حكت الآيات السابقة دهشتهم وعجبهم وتكذيبهم. وقد هدفت إلى تذكير هؤلاء بمصير أمثالهم من المكذبين السابقين وإنذارهم به. ولعل فيها قصد تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا. فالتكذيب الذي يلقاه ليس بدعا. فقد لقيه الأنبياء الأولون قبله من أقوامهم أيضا. وقد استحقّ أولئك نكال الله وحقّ عليهم وعيده. وسيحق على هؤلاء وعيده ونكاله أيضا. وقد تكرر بيان هذا القصد أكثر من مرة ، مثل ما جاء في آية سورة فاطر هذه (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤))

٢٢٦

ومثل ما جاء في آية سورة الأنعام هذه (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)).

تعليق توضيحي لأهل الرسّ والأيكة وتبّع

وقد جاءت إشارة إلى أقوام فرعون وعاد وثمود ونوح في السور السابقة ، وعلقنا عليها بما اقتضى المقام ، أما أقوام الرسّ والأيكة وتبّع فإنهم يذكرون هنا لأول مرة ، وكذلك هي المرة الأولى التي يذكر فيها قوم لوط بصراحة لأن ذكرهم سابقا كان باسم المؤتفكة في سورة النجم.

ولم ترد إشارة في موضع آخر من القرآن إلى أنبياء أرسلوا إلى أصحاب الرسّ وقوم تبّع مثل ما ورد من ذلك بشأن فرعون وعاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط وأصحاب الأيكة ، وكل ما هناك أن أصحاب الرسّ ذكروا بنفس التعبير في سورة الفرقان مرة أخرى دون تبّع.

والرسّ هي البئر المطوية بالخسف أو الردم ، وقد تعددت أقوال المفسرين في أصحابها منها أنهم قوم في شمال جزيرة العرب أو اليمامة منه ، وقيل إنهم أصحاب الأخدود ، وروح التسمية يلهم بأنهم كانوا من أقوام وقبائل جزيرة العرب ، ويطلق اسم بلاد الرسّ اليوم على ناحية في شمال الجزيرة ، ولعلها تسمية ممتدة من القديم. ولقد روى المفسرون عن علماء الأخبار من التابعين فيما رووه في سياق هذه الآيات وآية سورة الفرقان [٣٨] عن أهل الرسّ أنهم أهل قرية اسمها فلج في اليمامة وأن اسم النبي الذي أرسله الله إليهم حنظلة وأنهم وثبوا عليه وقتلوه فأهلكهم الله حيث يفيد هذا أن أهل عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيئته كانوا يتداولون قصصا حول أهل الرسّ. ويدعم كونهم من جزيرة العرب.

والأيكة هي الحرج (١) وقد ذكر أصحاب الأيكة ثلاث مرات أخرى مرتين

__________________

(١) الشجر الملتفّ الكثير.

٢٢٧

بصيغة خاطفة مثل ما ذكروا هنا في سورتي ص والحجر ومرة في سورة الشعراء مع اسم شعيب بصفته رسول الله الذي أرسل إلى أصحاب الأيكة ، وقد ذكرت مدين مع اسم شعيب بنفس الصفة أيضا في سورتي الأعراف وهود. والوصف الذي وصفت به حالة أصحاب الأيكة في سورة الشعراء والخطاب الذي حكى توجيهه إليهم من قبل شعيب وخاصة (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) [الشعراء : ١٨١] وصفت به حال أهل مدين في سورتي الأعراف وهود والخطاب الذي حكى فيهما توجيهه إليهم من قبل شعيب (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) [الأعراف : ٨٥] و (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) [هود : ٨٤] بحيث يسوغ هذا القول إن أصحاب الأيكة هم قوم شعيب وأصحاب مدين.

واسم مدين مذكور في سفر الخروج وغيره من أسفار العهد القديم ، ولا يزال هذا الاسم يطلق على خرائب أو بقايا مدينة في جهات العقبة في شرق الأردن ، ويرجح المفسرون أن شعيبا هو الذي تزوج موسى ابنته على ما سوف نشرحه في سورة القصص.

وفي الإصحاح الثاني من سفر الخروج من أسفار العهد القديم اسم (رعوئيل) كاهن مدين الذي تزوج موسى عليه‌السلام بإحدى بناته. وهذا ما حكاه الإصحاح نفسه وحكته آيات في سورة القصص (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)). وفي الإصحاح الثامن عشر من نفس السفر ورد اسم آخر لهذا الكاهن وهو بترو حمو موسى. وفي الإصحاح العاشر من سفر العدد ورد هذا الاسم (حوباب بن رعوئيل المديني حمي موسى) والتقارب اللفظي بين حوباب وشعيب واضح فضلا عن ما هو ملموح من اللمحة العربية على الاسم. وقد يرد أن هذا هو اسم ابن الكاهن. ولعل هذا هو

٢٢٨

الذي كان النبي المرسل إلى قومه. وليس في آيات القصص ولا في آيات أخرى ما يفيد أن الذي تزوج موسى ابنته هو شعيب النبي. وليس في الأسفار ذكر لرسالة شعيب أو كاهن مدين لقومه. غير أن هذا لا يمنع أن يكون ذلك ورد في قراطيس ضاعت. لأن المتداول اليوم من الأسفار ليس كل ما كان متداولا على ما سوف نشرحه في مناسبة قريبة آتية. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة حول رسالة شعيب لقومه معزوة إلى علماء التابعين. وردت في سياق قصته في السور الأخرى على ما سوف نشرحه بعد حيث يدل هذا على أن قصة رسالته مما كان متداولا في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيئته. ومدين كانت في طريق قوافل أهل الحجاز إلى بلاد الشام ومصر. والراجح أنهم كانوا يتداولون معارف قديمة عنها ومن جملة ذلك رسالة شعيب. وما حلّ في مدين من العذاب الرباني مما ذكر في قصته في السور الأخرى.

وتبّع لقب لملوك اليمن قبل البعثة النبوية مثل ألقاب كسرى وقيصر والنجاشي. وواضح أن المقصد من الجملة أهل اليمن الذين كانوا تحت حكم الملوك التبابعة. وهم غير قوم عاد الذين هم أقدم منهم. وهذا مؤيد بذكر القومين معا في آية واحدة. وفي كتب التفسير والتاريخ بيانات كثيرة عن الملوك التبابعة الذين استمر حكمهم إلى ما قبل عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقليل معزوة إلى علماء التابعين والذين كان منهم الذين اعتنقوا اليهودية واضطهدوا النصارى على ما شرحناه في سياق سورة الفيل والذين كان في عهدهم سيل العرم الذي ذكر في آيات سورة سبأ هذه : (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧)). وقد قرئت على المنقوشات أخبار كثيرة عن المملكة السبئية والحميرية للمدة العائدة إلى ما قبيل الميلاد للمسيح والممتدة إلى أواسط القرن السادس بعد الميلاد وهي مملكة التبابعة التي عناها القرآن وعنتها الروايات العربية على الأرجح والمتبادر أن أهل بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا يتداولون أخبارهم في جملة ما يتداولون من أخبار جزيرة العرب

٢٢٩

الأخرى والأقطار المجاورة القديمة (١) وكان في أذهانهم بالنسبة إليهم صورة قوية فاقتضت حكمة التنزيل ذكرهم في جملة ما اقتضت ذكره في مقام العظة والإنذار.

والأسلوب الذي ذكر به الأقوام واضح الدلالة على أن الهدف هو الإنذار والتذكير ، ولقد جاءت بعد الحملة على الكفار والتنديد بهم ولفت أنظارهم إلى مشاهد عظمة الله وقدرته ، وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني.

ومما يحسن التنبيه إليه أن بلاد قسم من الأقوام الثمانية المذكورين في الآيات هي في جزيرة العرب وهم تبّع عاد وثمود وأصحاب الرسّ ؛ وأن بلاد القسم الآخر متصلة بالجزيرة وهم قوم نوح ولوط وأصحاب الأيكة وفرعون ومتصلة من قريب أو بعيد ببلاد الحجاز مهبط وحي الله ومبعث نبيه المصطفى ، ومنها ما هو على طريق قوافلها كبلاد ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ومنها ما تصل إليه قوافلها كاليمن ومصر ، فالتذكير بهم تذكير بأمور معروفة سمعا ومشاهدة من قبل سامعي القرآن ، وهو المتسق مع هدف القصص كما أن فيه القرينة على عدم جهل السامعين لأخبارهم على ما نبهنا عليه آنفا.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)) [١٥ ـ ١٨]

(١) عيينا : عجزنا أو تعبنا.

(٢) الخلق الأول : الخلق لأول مرة للناس والكائنات.

(٣) لبس : شك أو حيرة.

__________________

(١) انظر تفسير الآيات وتفسير سور الفيل وسبأ والدخان في كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر الجزء الخامس من كتابنا تاريخ الجنس العربي ، ص ٦٠ ـ ١١٤.

٢٣٠

(٤) حبل الوريد : جهاز من الدورة الدموية. والقصد من التعبير هنا بيان شدّة القرب.

(٥) قعيد : قاعد ومترصد.

(٦) رقيب : مراقب.

(٧) عتيد : حاضر.

والآيات متصلة بالسياق السابق. وفيها عود على بدء في مناقشة المكذبين للبعث والردّ عليهم والبرهنة على قدرة الله عليه بأسلوب آخر فيه تنديد وتسفيه ، وفيه في نفس الوقت إنذار بعلم الله بكل ما يدور في نفوس الناس وبأن له عليهم رقباء يحصون كل ما يقولونه ويشهدون على كل ما يفعلونه.

تعليق على موضوع الملائكة الكاتبين على

أيمان الناس وشمائلهم

ولقد روى المفسرون في صدد الآيتين الأخيرتين من هذه الآيات بعض الأحاديث. منها حديث رواه البغوي بطرقه عن أبي أمامة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل. وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر». ومنها حديث رواه الطبرسي عن أنس بن مالك قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى وكلّ بعبده ملكين يكتبان عليه فإذا مات قالا يا ربّ قد قبضت عبدك فلانا فإلى أين قال سمائي مملوءة بملائكتي وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني. اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني وكبّراني وهلّلاني فاكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة».

ومنها حديث أورده الطبري في سياق تفسير الآية [١١] من سورة الرعد مرويا عن كنانة العدوي قال : «دخل عثمان بن عفان على رسول الله فقال يا رسول

٢٣١

الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال : ملك على يمينك على حسناتك وهو أمير على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشرا وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أأكتب؟ قال : لا ، لعله يستغفر الله ويتوب فإذا قال ثلاثا قال اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ما أقلّ مراقبته لله وأقلّ استحياءه منا. يقول الله ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد ، وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله. وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك. وملكان على شفتيك يحفظان عليك إلّا الصلاة على محمد وملك قائم على فيك لا يدع الحية تدخل في فيك وملكان على يمينك. فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي. وإبليس بالنهار وولده بالليل». وهذه الأحاديث لم ترد في كتب الصحاح. ومع ذلك فإن مضمونها إجمالا قد يتسق مع ظاهر الآيتين. وفي سورة الانفطار آيات قد يتسق ظاهرها مع ذلك أيضا وهي : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)) وفي سورة الجاثية آية متصلة بهذا المعنى وهي : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)). وفي سورة الزخرف هذه الآية : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)). وهناك آيات تذكر أن كتب أعمال الناس توضع أمامهم أو توزع عليهم منها آيات سورة الإسراء هذه : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤)) وآية سورة الكهف هذه : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)).

فهذه الآيات وتلك الأحاديث التي تتساوق معها والتي ليس ما يمنع أن تكون صدرت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة وكذلك الآيات الكثيرة التي تذكر قيام الملائكة بخدمات الله المتنوعة ومن جملة ذلك إحصاء

٢٣٢

وتسجيل أعمال الناس توجب الإيمان بما ذكرته من ذلك ولو لم تدرك العقول كيفيته مع الإيمان بأن وروده في القرآن بالأسلوب الذي ورد به لا بدّ من أن يكون له حكمة. وفي الآية [١٦] من آيات (ق) التي نحن في صددها تقرير كما هو ظاهر بأن الإنسان تحت مراقبة الله عزوجل وإحاطته مباشرة وأنه قريب جدا إليه وأنه يعلم كل ما يجول في ذهنه وتوسوس به نفسه فضلا عن ما يباشره من أعمال ويلفظه من أقوال. وفي سورة يس هذه الآية : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)) حيث ينسب الله عزوجل الكتابة والإحصاء إلى نفسه. وهذه التقريرات متكررة أيضا كثيرة في القرآن. وقد مرّ أمثلة منها وستأتي أمثلة كثيرة أخرى.

ولما كان علم الله الشامل محيطا بكل شيء ولا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه وهو غني عن الاستعانة على ذلك بالراصدين والرقباء والكتّاب والشهود وإبراز ذلك يوم القيامة في صورة كتب توزّع على الناس. ولما كان الناس قد اعتادوا في حياتهم تسجيل الأعمال ورصدها والشهادة عليها في مقام الاحتجاج على ما صدر منهم حتى لا يكون أي مجال للإنكار والمماراة. ولما كانت حكمة الله قد اقتضت أن تكون صور المشاهد الأخروية من مألوفات الناس في الدنيا فيتبادر أن هذا من هذا الباب وأنه قصد من ذكره بالأسلوب الذي ورد به تحذير الناس وتنبيههم إلى أن كل ما يفعلونه محصيّ مسجّل عليهم لا يمكن أن يماروا فيه حتى يظلوا مجتنبين ما فيه إثم وفاحشة مجتهدين في الأعمال الصالحة التي يرضى الله عنها. وفي بعض الأحاديث التي أوردناها ما يدعم هذا التوجيه ويتسق مع هذا القصد والله تعالى أعلم.

تعليق على جملة

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)

ولقد رأينا بعض المفسرين يتوقفون عند جملة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فيؤولونها بأن ذلك بواسطة الملائكة تفاديا من معنى حلول الله أو اتحاده بخلقه

٢٣٣

سبحانه وتعالى (١). ولقد تكرر مثل هذا التعبير بالنسبة إلى الله عزوجل كما جاء في آية سورة البقرة هذه : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)) وآية سورة سبأ التي فيها أمر الله للنبي بأن يقول : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)) ولقد روى البخاري ومسلم حديثا عن أبي موسى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع أصحابه يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال : «أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائب ، وإنما تدعون سميعا قريبا وإن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته». حيث يتبادر من ذلك والله أعلم أن المقصود من هذه التعبيرات وأمثالها هو تقرير إحاطة علم الله بخلقه وكون الناس تحت مراقبته التامة استهدافا لجعلهم يرقبونه في كل ما يقدمون عليه من أعمال ويتقونه. وهذا ملموح بقوة في آية سورة المجادلة هذه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)) وهو ملموح كذلك بقوة في الآية التي ورد فيها التعبير الذي نحن في صدده والله تعالى أعلم.

ومن الجدير بالذكر أن شيخ المفسرين القدماء الطبري لم يتوقف عند ما توقف عنده بعض المفسرين المتأخرين من هذه الجملة وكل ما قاله إن بعضهم قال إن معناها نحن أقرب إليه من حبل وريده بالعلم بما توسوس به نفسه.

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير والقاسمي مثلا.

٢٣٤

عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)) [١٩ الى ٣٠]

(١) ذلك ما كنت منه تحيد : تبتعد عن تذكّره أو تنفر منه وتهرب ولا تفكر فيه.

(٢) حديد حاد قوي الإبصار.

(٣) قرينه : مقارنة وملازمة. والمقصود من الكلمة في الآية [٢٣] الملك الموكل على الإنسان حيث يجيء ليشهد عليه والمقصود من الكلمة في الآية [٢٧] الذي أغوى الغاوي الجاحد من الإنس والجنّ بملازمته ووسوسته له على ما ذكره جمهور المفسرين (١).

(٤) لا تختصموا : لا تتجادلوا.

الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو ظاهر. وفيها استطراد إلى حكاية ما سوف يواجهه المكذبون حين احتضارهم ثم حين بعثهم يوم القيامة من الحقائق التي كانوا يتهربون منها أو يرتابون فيها بأسلوب قوي يتضمن التبكيت والتقريع وبعض المشاهد المذكورة في الآيات مما هو مألوف للناس في الحياة حيث يتساوق هذا مع الحكمة الملموحة في وصف مشاهد الآخرة من مألوفات الحياة الدنيا على ما نبهنا عليه في تعليقات سابقة.

ولقد أورد المفسرون أقوالا معزوة إلى علماء التابعين بأن السائق المذكور في الآية [٢١] هو الملك الموكل بالإنسان. وأن الشهيد هو النبي أو عمل الإنسان أو جوارحه. وبأن القرين المذكور في الآية [٢٣] هو الملك وفي الآية [٢٥] هو

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير ابن كثير والبغوي والخازن والطبرسي.

٢٣٥

الشيطان. وهذه الأقوال اجتهادية. ولا تخلو من وجاهة متسقة مع نصوص وروح الآيات هنا وفي مواضع أخرى.

ولقد أوردوا أحاديث في صدد الحوار الذي يجري بين الله تعالى وجهنّم. منها حديث رواه البخاري والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال (١) : «يقال لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الربّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط». وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أيضا قال (٢) : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تحاجّت الجنة والنار فقالت النار وأوثرت بالمستكبرين والمتجبّرين. وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله عزوجل للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي ولكلّ واحدة منهما ملؤها. فأمّا النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فتقول قط قط. فهناك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض. ولا يظلم الله عزوجل من خلقه أحدا. وأمّا الجنّة فإنّ الله عزوجل ينشئ لها خلقا».

ومع واجب الإيمان بما جاء في القرآن وصحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أخبار المشاهد الأخروية يجب الإيمان أيضا بأنه لا بدّ لذلك من حكمة. ويتبادر من نصوص الآيات التي نحن في صددها والأحاديث التي أوردناها أن من هذه الحكمة قصد التبشير والترهيب لإثارة الغبطة في نفوس المؤمنين المخلصين وحملهم على الاستزادة من الأعمال الصالحة المرضية لله تعالى والخوف في قلوب الكفار والمشركين والمجرمين وحملهم على الارعواء عن كفرهم وشركهم وإجرامهم والإنابة إلى الله وكسب رضائه.

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير. وقد نقلنا النصوص من التاج ج ٤ ص ٢١٦ ـ ٢١٧. وفي كتب التفسير المذكورة صيغ مقاربة أخرى بطرق أخرى فاكتفينا بما أوردناه.

(٢) المصدر نفسه.

٢٣٦

ما في التنديد بمنع الخير

من تلقين في الآية [٢٧]

والآية [٢٧] في إطلاقها وعمومها تتضمن تقبيح منع الخير والاعتداء عامة. وإنذار المتّصف بهذه الأخلاق بسخط الله وغضبه بالإضافة إلى وصف الكفار بها في المشهد الأخروي وإعلان استحقاقهم النار بسببها. وفي ذلك تلقين مستمر المدى للسامعين عامة وللمسلمين خاصة.

ولقد سبق في سورة القلم تنديد بمنّاع الخير ، وهنا يأتي هذا للمرة الثانية. وقد تكرر بأساليب متنوعة في أماكن أخرى أيضا حيث يبدو من ذلك تلقين مستمر المدى أيضا بما في منع الخير من جرم وإثم وبما يستحقه المنّاعون للخير من نكال وخزي ربانيين وبوجوب تجنّب هذا الخلق والإقبال على فعل الخير الذي أمرت به ونوّهت بفاعلية آيات عديدة مثل آية سورة البقرة هذه : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)) وآية سورة آل عمران هذه : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)) وآية سورة الحج هذه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)) وآيات سورة المؤمنون هذه : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)) وآية سورة فاطر هذه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)).

والنفخ في الصور هنا كالنقر بالناقور في سورة المدثر. وقد شرحنا مدى ذلك وعلقنا عليه في سياق هذه السورة بما يغني عن التكرار.

والآية [٣٠] مع أنها تحكي ما يقال للمكذبين فإنها تتضمن تقرير كون ما يلقاه الكفار المناعون للخير المعتدون الخبثاء إنما هو جزاء على ما اقترفوه من إثم

٢٣٧

حقا وعدلا. وبمعنى آخر تقرير قابلية الإنسان لاختيار طريقه وعمله ، واستحقاق الضالّ الآثم العقاب بسبب اختياره طريق الضلال والإثم بعد أن بيّن الله عزوجل للناس الطريق وأوعد من حاد عنها كما ذكرته الآية التي قبلها. وفي هذا كذلك تلقين قرآني مستمر المدى كذلك.

تعليق على تعبير

(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)

والآيتان [٢٩ و ٣٠] وبخاصة تعبير (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) كانت موضوع تشاد بين أصحاب المذاهب الكلامية حيث استشهد بها وبأمثالها المعتزلة على أن الجزاء الأخروي هو جزاء عدل على أعمال الناس ومكتسباتهم في الدنيا وحيث أوّلها وأمثالها الأشاعرة ليجعلوا ذلك الجزاء من حقّ الله المطلق (١).

والمعنى الذي شرحناه آنفا هو المتسق مع روح الآيات ومضمونها ومقام ورودها ومع روح الآيات القرآنية عامة. مع التنبيه إلى أننا لا نرى التشاد حولها وحول أمثالها متسقا مع ما استهدفته الآيات من العظمة والترهيب لإثارة هيبة الله وخوف المصير في قلوب الناس وحملهم على الارعواء ولا متسقا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها من السعي والنشاط ونتائجهما في الدنيا والآخرة ؛ ممّا نبهنا إليه أكثر من مرة في السور السابقة. ومما قاله الطبري في معنى الجملة : (ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذبه به). حيث يفيد هذا أن هذا الإمام أخذ الجملة على معناها القريب الصحيح. وقد جاراه في ذلك البغوي والخازن والطبرسي.

ولقد أورد القاسمي في سياق آية الأنفال هذه : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)) حديثا رواه مسلم عن أبي ذرّ يمكن أن يورد في

__________________

(١) انظر تفسيرها في الكشاف للزمخشري وكتاب الانتصاف وحاشية الشيخ محمد عليان المطبوعين مع تفسير الكشاف أيضا الطبعة الأولى مطبعة مصطفى محمد سنة ١٣٥٤.

٢٣٨

مناسبة ورود التعبير المذكور لأول مرة في هذه السورة. وقد جاء فيه : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ الله تعالى يقول إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا يا عبادي. إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه». حيث يتساوق الحديث مع روح الآيات وتأويل المفسرين.

تنبيه إلى مدى عقيدة الشرك عند العرب

والآية [٢٨] تتضمن إشارة إلى ما كان عليه العرب من عقيدة الشرك وتبيّن ماهيتها وهي الجمع بين الاعتراف بالله وإشراك غيره معه في العبادة والدعاء والاعتماد أو بقصد الشفاعة لهم عنده كما جاء ذلك بصراحة في آيات أخرى أوردنا نصوصها في مناسبات سابقة. وقد قامت الرسالة النبوية على الدعوة إلى توحيد الله عزوجل واستحقاقه وحده للعبادة والاتجاه والاعتماد والدعاء وتسفيه إشراك غيره معه وتفنيده ومحاربته في كل ذلك وبأي أسلوب ومقصد كان. ولقد تكررت هذه المعاني في القرآن كثيرا بحيث يمكن أن يقال إن هذه العقيدة كانت عقيدة العرب العامة على اختلاف منازلهم ومداركهم وتنوّع الشركاء الذين كانوا يشركونهم في الاتجاه والعبادة والدعاء.

تعليق على ما حكته بعض الآيات من حوار

بين الله وبين قرناء الإنسان يوم الحساب

وفي الآيات حكاية حوار سوف يكون بين الله عزوجل وبين قرين الكافر المحصي عمله وقرينه الموسوس له. ولقد تكررت حكاية مثل هذا الحوار كثيرا بأساليب متنوعة في سور عديدة كثيرة تغني عن التكرار.

ومع واجب الإيمان بالمشاهد الأخروية التي يخبر بها القرآن على اختلاف صورها فإن من الحكمة الملموحة في ذلك إثارة الخوف في الكفار والضالين والمجرمين وحملهم على الارعواء بإيذانهم بأن الذين وسوسوا لهم من قرنائهم وشياطينهم سيتنصلون منهم وبأن الذين يرافقونهم من ملائكة الله قد أحصوا عليهم

٢٣٩

كل شيء وسوف يقدمونه لله تعالى لمحاسبتهم. وهذا المعنى بهذا القصد ورد في آيات كثيرة منها آية سورة إبراهيم هذه : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)).

تعليق على تأويل روي عن مفسري الشيعة

لجملة (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)

وبرغم ما هو واضح من مدى هذه الجملة وسياقها فإن مفسري الشيعة يؤولونها تأويلا متسقا مع هواهم حيث رووا عن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله سئل عن هذه الجملة فقال : «أنا وعلي نلقي في جهنم كلّ من عادانا» وهذا الحديث لم يرد في الكتب الخمسة ولا في أي كتاب من كتب الأحاديث المعتبرة وهو موضوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتأييد الهوى الحزبي. وهم يصرفون بوجه عام كلمة الكفر والكفار والكافرين في كثير من الآيات إلى جاحدي إمامة علي وأولاده (١). ومن هنا جاء تأويلهم لكلمة (الكفار) في الجملة بأنهم أعداء علي أو الجاحدين بإمامته

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)) [٣١ الى ٣٥]

(١) أزلفت : هيئت وقربت.

(٢) أوّاب : صيغة مبالغة من الأوبة وهي الرجوع وهنا هي الرجوع إلى الله وشدّة التعلّق به أو الدائم التوبة والاستغفار.

__________________

(١) انظر التفسير والمفسرون للذهبي ج ٢ ص ٣٠ ـ ٣١.

٢٤٠