تذكرة الفقهاء - ج ٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الحرم ؟ فقال : « أما إن كان مستوياً خلّيت سبيله » (١) .

إذا ثبت هذا ، فلو أخذه بأحد هذه الأسباب ، ضمنه ، فإن انتقل إليه بالبيع ، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه ؛ لأنّ ملكه لم يزل عنه ، ولو لم يتلف ، لم يكن له ردّه على مالكه ؛ لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم ، فإن ردّه ، سقطت عنه القيمة .

ولا يسقط الجزاء إلّا بالإِرسال ، وإذا أرسل ، كان كما إذا اشترى عبداً مرتدّاً فقُتِل في يده ، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي (٢) .

وكذا لا يجوز للمُحْرم استرداد الصيد الذي باعه بخيار له وهو حلال ، ولا لوجود عيب في الثمن المعيّن ، ولو ردّه المشتري بعيب أو خيار ، فله ذلك ، لأنّ سبب الردّ متحقّق ، ومنعه إضرار بالمشتري ، فإذا ردّه عليه ، لم يدخل في ملكه ، ويجب عليه إرساله .

هذا إذا كان الصيد في الحرم ، ولو كان في الحِلّ ، جاز له ذلك ؛ لأنّ له استدامة الملك فيه ، فله ابتداؤه .

ولو ورث صيداً ، لم يملكه في الحرم ، ووجب عليه إرساله ، خلافاً لبعض العامّة (٣) .

قال الشيخ ـ رحمه الله ـ في جميع ذلك : يقوى عندي أنّه إن كان حاضراً معه ، انتقل إليه ، ويزول ملكه عنه (٤) .

قال : ولو باع المُحِلّ صيداً لمُحِلٍّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع ، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد ؛ لأنّه لا يملكه (٥) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧‌ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٠٧ ـ ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥ .

(٣) المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥ .

(٤ و ٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٧ و ٣٤٨ .

٤٤١
 &

مسألة ٣٦٠ : لو أمسك مُحْرمٌ صيداً فذبحه مُحْرمٌ آخر ، كان علىٰ كلّ واحد منهما فداء كامل ؛ لأنّه بالإِمساك أعانه حقيقةً أكثر من إعانة الدالّ ، ولو كانا في الحرم ، تضاعف الفداء ، ولو كان أحدهما مُحِلاً والآخر مُحْرِماً ، تضاعف الفداء علىٰ المُحْرم خاصّةً .

ولو أمسكه المُحْرم في الحِلّ فذبحه المُحِلّ ، ضمنه المُحْرم خاصّةً ، ولا شي‌ء على المُحِلّ ؛ لأنّه لم يهتك حرمة الإِحرام ولا الحرم .

وقال الشافعي : إذا أمسكه مُحْرمٌ وقَتَله مُحْرمٌ آخر ، وجب جزاء واحد ، وعلىٰ مَنْ يجب ؟ وجهان ، أحدهما : علىٰ الذابح ، والآخر : عليهما (١) .

ولو نقل بيض صيد ففسد ، ضمنه .

ولو أحضنه فخرج الفرخ سليماً ، لم يضمنه .

ولو نفّر طائراً عن بيضة احتضنها ففسدت ، فعليه القيمة .

ولو أخذ بيضة دجاجة فأحضنها صيداً ففسد بيضه ، أو لم يحضنه ، ضمنه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلى بيضه .

ولو أخذ بيض صيد وأحضنها دجاجة ، فهي في ضمانه إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعاً ، حتى لو خرج ومات قبل الامتناع ، لزمه مثله من النَّعَم .

ولو حلب لبن صيد ، ضمنه ـ وبه قال بعض الشافعية (٢) ـ لأنّه مأكول انفصل من الصيد ، فأشبه البيض .

وقال بعض الشافعية : اللبن غير مضمون ، بخلاف البيض ؛ لأنّه يخلق منه مثله (٣) .

مسألة ٣٦١ : لو أغلق باباً على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فإن هلكت وكان الإِغلاق قبل الإِحرام ، ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣١٣ و ٤٣٧ .

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٨٧ ، المجموع ٧ : ٣١٩ .

٤٤٢
 &

بنصف درهم ، والبيض بربع درهم ، وإن كان بعد الإِحرام ، ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ؛ لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادقَ عليه السلام : رجل أغلق بابه على طائر ، فقال : « إن كان أغلق [ الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب ] (١) قبل أن يُحرم فعليه ثمنه » (٢) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقَ عليه السلام : عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فقال : « إن كان أغلق عليها قبل أن يُحرم ، فإنّ عليه لكلّ طير درهماً ، ولكلّ فرخ نصفَ درهم ، ولكلّ بيضة ربع درهم (٣) ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإنّ عليه لكلّ طائر شاةً ، ولكلّ فرخ حملاً ، وإن لم يكن تحرّك ، فدرهم ، وللبيض نصف درهم » (٤) .

ولو أرسلها بعد الإِغلاق سليمةً ، فلا ضمان .

وقال بعض علمائنا : يضمن بنفس الإِغلاق ؛ للرواية (٥) . وليس بجيّد .

ولو كان الإِغلاق من المُحْرم في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة .

ولو أغلق على غير الحمام من الصيود ، ضمن إذا تلف بالإِغلاق .

مسألة ٣٦٢ : لو نفّر حمام الحرم ، فإن رجع ، كان عليه دم شاة ، وإن لم يرجع ، وجب عليه لكلّ طير شاة .

قال الشيخ رحمه الله : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثاً مسنداً (٦) .

وأقول : إنّ التنفير حرام ؛ لأنّه سبب الإِتلاف غالباً ، ولعدم العود ، فكان

__________________

(١) أضفناها من المصدر .

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٥ .

(٣) في المصدر : نصف درهم .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٦ .

(٥) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٩٠ .

(٦) التهذيب ٥ : ٣٥٠ ذيل الحديث ١٢١٧ .

٤٤٣
 &

عليه مع الرجوع دم ؛ لفعل المُحَرَّم ، ومع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة ؛ لما تقدّم أنّ مَنْ أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فإن لم يفعل ، ضمنه .

ولو نفّر صيداً فتعثّر وهلك ، أو أخذه سبع ، أو انصدم بشجر أو جبل ، وجب عليه ضمانه ، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد ، ويكون في عُهْدة المُنفِّر إلى أن يعود الصيد إلى طبيعة الاستقرار ، ولو هلك بعد ذلك ، فلا شي‌ء عليه .

ولو هلك قبل سكون النفار ولكن بآفة سماوية ، ففي الضمان وجهان :

أحدهما : الوجوب ؛ لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة .

والثاني : العدم ؛ لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المُحْرم ولا تحت يده .

مسألة ٣٦٣ : لو أوقد جماعة ناراً فوقع فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، وجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فَعَل جنايةً استند الموت إليها وإلى مُشاركة ، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد وأمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد ، فوجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّ أبا ولّاد الحنّاط قال : خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا ناراً عظيمةً في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نكببه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام بمكة ، فأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة » (١) .

مسألة ٣٦٤ : إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيداً فقتله ، ضمنه ؛ لأنّه سبب الإِتلاف .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ / ١٢٢٦ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ .

٤٤٤
 &

ولأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم وطأ بيض نعام فشدخها ، قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة » قال : وقال الصادق عليه السلام : « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه » (١) .

وإذا كان راكباً على الدابّة سائراً ، ضمن ما تجنيه بيديها وفمها ، ولا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها ؛ لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها ، وقال عليه السلام : ( الرِّجْلُ جُبار (٢) ) (٣) .

أمّا لو كان واقفاً أو سائقاً لها غير راكب ، ضمن جميع جنايتها ؛ لأنّه يمكنه حفظها ويده عليها ويُشاهد رجليها .

ولو شردت الدابّة من يده فأتلفت صيداً ، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه ؛ لأنّه لا يدَ له عليها وقد قال النبي عليه السلام : ( جُرْح العَجْماء (٤) جُبار ) (٥) .

مسألة ٣٦٥ : لو نصب المحرم شبكةً في الحِلّ أو في الحرم ، أو نصب المُحِلّ شبكةً في الحرم ، فتعقّل بها صيد وهلك ، ضمن ، لأنّه تلف بسببه ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦ .

(٢) الجُبار : الهدر . النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٢٣٦ « جبر » .

(٣) سنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٢ ، سنن الدارقطني ٣ : ١٥٢ / ٢٠٨ ، مصنف عبد الرزاق   ٩ : ٤٢٣ / ١٧٨٧٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٩ : ٢٧٠ / ٧٤١٩ .

(٤) العجماء : البهيمة ، سُمّيت به ؛ لأنّها لا تتكلّم ، وكلّ ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ١٨٧ « عجم » .

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٧٥ ، الموطأ ٢ : ٨٦٨ ـ ٨٦٩ / ١٢ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩٦ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٩ : ١٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٣٤ / ١٧١٠ ، وسنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤ / ٦٤٢ ، وسنن النسائي ٥ : ٤٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٨٩١ / ٢٦٧٣ ـ ٢٦٧٥ .

٤٤٥
 &

فكان عليه ضمانه ، كما يضمن الآدمي .

ولا فرق بين أن ينصب في ملكه أو ملك غيره ؛ لأنّه نصب الشبكة يقصد بها الاصطياد ، فهو بمنزلة الأخذ باليد .

ولو نصب شبكةً قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ، لم يضمنه ؛ لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإِتلاف ، فكان كما لو صاده قبل الإِحرام وتَرَكه في منزله ، فتلف بعد إحرامه ، أو باعه وهو حلال ، فذبحه المشتري .

ولو جرح صيداً فتحامل فوقع في شي‌ء تلف به ، ضمنه ؛ لأنّ الإِتلاف بسببه ، وكذا لو نفّره فتلف في حال نفوره .

ولو سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف فهل يضمنه ؟ قال بعض العامّة : لا يضمنه ؛ لأنّ التلف ليس منه ولا بسببه (١) .

وقال بعضهم : يضمنه (٢) .

ولو أمسك صيداً له طفل فتلف بإمساكه ، ضمن .

وكذا لو أمسك المُحِلّ صيداً له طفل في الحرم فهلك الطفل ، ضمن ؛ لأنّه سبب في إتلافه ، ولا ضمان عليه في الاُم لو تلفت .

أمّا لو أمسكها المُحِلّ في الحرم فتلفت وتلف فرخها في الحِلّ ، قال الشيخ رحمه الله : يضمن الجميع (٣) .

مسألة ٣٦٦ : لو أرسل كلباً فأتلف صيداً ، وجب عليه الضمان ؛ لأنّ إرسال الكلب يُسبّب إلى الهلاك .

ولو كان الكلب مربوطاً ، فحلّ رباطه ، فكذلك ؛ لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد ، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط وإن كان الاصطياد لا يتمّ إلّا بالإِغراء .

__________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦ .

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٧ .

٤٤٦
 &

ولو انحلّ الرباط لتقصيره في الربط ، ضمن ، كالحَلّ .

ولو لم يكن هناك صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه ، فظهر الصيد ، احتمل عدم الضمان ؛ لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد ، والضمان ؛ لحصول التلف بسبب فعله ، وجهله لا يقدح فيه .

ولو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، فإنّه يضمنه ؛ لما تقدّم .

وكذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف والأرش مع العيب .

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه (١) .

ولو دلّ المُحْرم على صيد فقَتَله المُحْرِم ، ضمن كلٌّ منهما جزاءً كاملاً ، ولو قَتَله المُحِلّ في الحِلّ ، ضمنه الدالّ .

ولو كان الدالّ محلاً والقاتل مُحْرِماً ، وجب الجزاء على المُحْرم ، ولا شي‌ء على المُحِلّ في الحِلّ ، ولو كان في الحرم ، ضمنه أيضاً ، خلافاً للشافعي (٢) .

ولو دلّ المُحْرم حلالاً على صيد فقَتَله ، فإن كان الصيد في يد المُحْرم ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المستودع السارق على الوديعة .

وإن لم يكن في يده ، فلا جزاء على الدالّ عند الشافعي ، كما لو دلّ رجلاً على قتل إنسان لا كفّارة على الدالّ ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال (٣) ، وبه

__________________

(١) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، والمجموع ٧ : ٢٩٧ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ .

٤٤٧
 &

قال مالك (١) .

وقال أبو حنيفة : إن كانت الدلالة ظاهرةً ، فلا جزاء عليه ، وإن كانت خفيةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، يجب الجزاء . وسلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ (٢) .

وعن أحمد : أنّ الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما (٣) .

وما صيد للمُحْرم أو بدلالته أو إعانته لو أكل منه ، للشافعي قولان :

القديم ـ وبه قال مالك وأحمد ـ أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل ؛ لأنّ الأكل فعل مُحرَّم في الصيد ، فيتعلّق به الجزاء ، كالقتل ، ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده ؛ لأنّ وجوبه بالذبح أغنى عن جزاء آخر .

والجديد : أنه لا تلزمه ، لأنّه ليس بنامٍ بعد الذبح ، ولا يؤول إلى النماء ، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء ، كما لو أتلف بيضةً مذرةً (٤) .

مسألة ٣٦٧ : لو أمسك مُحْرم صيداً حتى قَتَله غيره ، فإن كان حلالاً ، وجب الجزاء على المُحْرم ؛ لأنّه متعدٍّ بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال عندنا ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد ، وهو قول بعض الشافعية (٥) .

وقال بعضهم بالرجوع ، كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتلفٌ من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المُتلف (٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المُتلف في الغصب ممنوع منه ، بخلاف قتل المُحِلّ

__________________

(١) تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ .

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢ .

(٣) المغني ٣ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢ .

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ .

(٥ و ٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧ .

٤٤٨
 &

الصيدَ .

وإن كان القاتل مُحْرماً ، فعلى كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا ؛ لصدور ما يوجب الجزاء كملاً من كلّ واحد منهما .

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّ الجزاء كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة .

والثاني : أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين (١) .

وقال بعضهم : إنّ المُمْسك يضمنه باليد ، والقاتل يضمنه بالإِتلاف ، فإن أخرج المُمْسك الضمان ، رجع به على المُتْلف ، وإن أخرج المُتْلف ، لم يرجع على المُمْسك (٢) .

مسألة ٣٦٨ : لو نفّر صيداً فهلك بمصادمة شي‌ء ، أو أخذه جارح ، ضمنه .

وكذا لو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، ضمنه .

ولو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف ، والأرش مع العيب .

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه ، وقد تقدّم (٣) .

ولو أمر المُحْرم عبده المُحِلّ بقتل الصيد فقَتَله ، فعلى السيّد الفداء ؛ لأنّ العبد كالآلة .

ولأنّ الضمان يجب بالدلالة والإِعانة وغيرهما ، فبالأمر أولى .

__________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧ .

(٣) تقدّم في ص ٤٤٧ ، الهامش (١) .

٤٤٩
 &

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم معه غلام ليس بمُحْرم أصاب صيداً ولم يأمره سيّده ، قال : « ليس على سيّده شي‌ء » (١) وهو يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان بأمره ، لزمه الفداء .

ولو كان الغلام مُحْرماً بإذن سيّده وقتل صيداً بغير إذن مالكه ، وجب على السيّد الفداء ؛ لأنّ الإِذن في الإِحرام يستلزم تحمّل جناياته .

ولقول الصادق عليه السلام : « كلّ ما أصاب العبد وهو مُحْرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإِحرام » (٢) .

ولو لم يأذن المولى في الإِحرام ولا في الصيد ، لم يكن على السيّد شي‌ء ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظمَ عليه السلام : عن عبد أصاب صيداً وهو مُحْرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء ؟ فقال : « لا شي‌ء على مولاه » (٣) .

مسألة ٣٦٩ : قد بيّنّا أنّ إثبات يد المُحْرم على الصيد يوجب عليه الضمان ، فإن وقع ابتداء الإِثبات في حال الإِحرام فهو حرام غير مفيد للملك ، ويضمنه ، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده ، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده ، لزمه الضمان ، كما لو كان راكباً فأتلفت الدابّة صيداً بعضها ، أو رفسها ، أو بالت في الطريق ، فزلق به صيد وهلك ، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة ، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيداً ، فلا ضمان .

ولو تقدّم ابتداء اليد على الإِحرام ، فإن كان حاضراً معه ، وجب عليه إرساله ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأنّ الصيد لا يراد للدوام ، فتحرم

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٣ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤١ .

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٣ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٢ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣ .

٤٥٠
 &

استدامته ، كالطيب واللبس .

والثاني : لا يجب ، كما لا يلزم تسريح زوجته وإن حرم ابتداء النكاح عليه (١) .

وهو غلط ؛ لأنّ النكاح يقصد به الدوام .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : يجب رفع اليد المشاهدة عنه ، ولا يجب رفع اليد الحكمية (٢) .

وعلى قول الشافعي بعدم وجوب الإِرسال ، فهو على ملكه له بيعه وهبته ولكن يحرم عليه قتله ، ولو قَتَله ، لزمه الجزاء ، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة . ولو أرسله غيره ، لزمه قيمته للمالك ، وكذا لو قَتَله وإن كان مُحْرماً ، لزمه الجزاء أيضاً ، ولا شي‌ء على المالك ، كما لو مات (٣) .

وعلى قوله بإيجاب الإِرسال هل يزول ملكه عنه ؟ عنده قولان :

أحدهما ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد ـ : لا يزول ، كما لا تبين زوجته .

والثاني : نعم ، كما يزول حلّ الطيب واللباس (٤) .

فعلى القول بزوال الملك لو أرسله غيره أو قَتَله فلا شي‌ء عليه ، ولو أرسله المُحْرم فأخذه غيره ، ملكه .

ولو لم يرسله حتى تحلّل ، فهل عليه إرساله ؟ وجهان :

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣ .

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٩ ـ ٩٠ .

٤٥١
 &

أحدهما : نعم ؛ لأنّه كان مستحقّاً للإِرسال ، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإِمساك .

والثاني : لا يجب ، ويعود ملكاً له ، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل (١) .

وعلى هذا القول وجهان في أنّه يزول بنفس الإِحرام ، أو الإِحرام يوجب عليه الإِرسال ؟ فإذا أرسل حينئذٍ يزول ، وعلى القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه ، ولو أخذه ، لم يملكه ، ولو قَتَله ، ضمنه بمثابة المنفلت من يده (٢) .

ولو مات الصيد في يده بعد إمكان الإِرسال ، لزمه الجزاء ؛ لأنّ التقدير وجوب الإِرسال ، وهو مقصّر بالإِمساك .

ولو مات الصيد قبل إمكان الإِرسال ، فوجهان ، والمذهب عندهم وجوب الضمان ، ولا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإِرسال على الإِحرام (٣) .

مسألة ٣٧٠ : قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المُحْرم ببيع ولا هبة ولا غير ذلك من الأسباب .

وهل ينتقل بالميراث ؟ الاقرب ذلك ، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضراً معه ، ويجب عليه إرساله .

ولو باعه ، ففي الصحة إشكال .

فإن قلنا بالصحة ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري ، وجب الجزاء على البائع ، وإنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري .

ولو قلنا بأنّه لا يرث ، فالملك في الصيد لباقي الورثة وإن كانوا أبعد .

وإحرامه بالإِضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث ، فحينئذٍ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولى ، وينتقل الصيد إلى الأبعد .

فلو فرضنا أنّه أحلّ قبل قسمة التركة بينه وبين شركائه في الميراث ، أخذ

__________________

(١ ـ ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣١١ .

٤٥٢
 &

نصيبه ، منه ، وإن أحلّ بعدها ، فلا نصيب له . ولو كان هو أولى من باقي الورثة ، لم يكن له شي‌ء وإن أحلّ قبل القسمة .

ولو استعار المُحْرم صيداً أو أودع عنده ، كان مضموناً عليه بالجزاء ، وليس له التعرّض له ، فإن أرسله ، سقط عنه الجزاء ، وضمن القيمة للمالك ، وإن ردّ [ ﻩ ] إلى المالك ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك .

وإذا صار الصيد مضموناً على المُحْرم بالجزاء ، فإن قَتَله مُحِلٌّ في يده ، فالجزاء على المُحْرم ، وإن قَتَله مُحْرمٌ آخر ، فالجزاء عليهما أو على القاتل ومَنْ في يده ، طريق للشافعية وجهان (١) .

وعندنا يجب على كلّ واحد منهما فداء كامل .

مسألة ٣٧١ : المُحْرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقاً ، سواء قصد التخليص أو لا ، فلو خلّص صيداً من فم هرّةٍ أو سبُعٍ أو من شقّ جدار ، و أخذه ليداويه ويتعهّده فمات في يده ، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلى المالك فهلك في يده ، احتمل الضمان ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لأنّ المستحق لم يرض بيده ، فتكون يدُه يدَ ضمان ، وعدمه ؛ لأنّه قصد المصلحة ، فتكون يدُه يدَ وديعة .

وللشافعي قولان (٣) ، كالاحتمالين .

ولو صال صيد على مُحْرم أو في الحرم فقتله دفعاً ، فلا ضمان ؛ لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات ، وبه قال الشافعي (٤) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٣١٣ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ و ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨ .

٤٥٣
 &

وقال أبو حنيفة : يجب عليه الضمان (١) .

ولو ركب إنسان صيداً وصال على مُحْرم ولم يمكن دفعه إلّا بقتل الصيد فقَتَله ، فالوجه : وجوب فداء كامل علىٰ كلّ واحد منهما .

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّ الضمان على القاتل ؛ لأنّ الأذى هنا ليس من الصيد ، فحينئذٍ يرجع القاتل على الراكب .

والثاني : أنّ الضمان على الراكب ، ولا يطالب به المُحْرم (٢) .

ولو ذبح صيداً في مخمصة وأكله ، ضمن ؛ لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد .

ولو اُكره مُحْرمٌ أو مُحِلٌّ في الحرم على قتل صيد فقَتَله ، ضمنه المُكرِه ؛ لأنّ المباشرة ضعفت بالإِكراه .

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّه على المُكرَه ثم يرجع به على المُكرِه (٣) .

وعن أبي حنيفة : أنّ الجزاء في صيد الحرم على المكره وفي الإِحرام على المكره (٤) .

مسألة ٣٧٢ : الجزاء يجب على المُحْرم إذا قتل الصيد عمداً وسهواً أو خطأ ، بإجماع العلماء .

قال الله تعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ .

(٥) المائدة : ٩٥ .

٤٥٤
 &

ولا نعلم فيه خلافا إلّا من الحسن البصري ومجاهد ، فإنّهما قالا : إن قتله متعمّداً ذاكراً لإِحرامه لا جزاء عليه ، وإن كان مخطئاً أو ناسياً لإِحرامه ، فعليه الجزاء (١) .

وهو مخالف للقرآن ؛ فإنّه تعالى علّق الكفّارة على القتل عمداً والذاكر لإِحرامه متعمّداً ، ثم قال في سياق الآية : ( لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) (٢) والساهي والمخطئ لا عقاب عليه ولا ذمّ ، ولا نعرف لهما دليلاً على مخالفتهما لنصّ القرآن والإِجماع ، فلا اعتداد بقولهما .

مسألة ٣٧٣ : لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد على القاتل ناسياً ، والعامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضاً .

وأمّا الخاطئ ، فإنّ الكفّارة تجب عليه كذلك أيضاً عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك والثوري وأصحاب الرأي والزهري (٣) ـ لما رواه العامّة عن جابر ، قال : جعل رسول الله صلّى الله عليه وآله في الضبع يصيده المُحْرم كبشاً (٤) .

وقال عليه السلام : ( في بيض النعام يصيبه المُحْرم ثمنه ) (٥) ولم يفرّق عليه السلام بين العامد والخاطئ .

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسن عليه السلام : « وعليه الكفّارة » (٦) .

ولأنّه إتلاف مال ، فاستوى عمده وخطؤه .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٢٠ .

(٢) المائدة : ٩٥ .

(٣) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١ .

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ ـ ١٠٣٢ / ٣٠٨٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣ .

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٠ / ٦٤ .

(٦) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ / ١٢٥٣ .

٤٥٥
 &

وروي عن ابن عباس أنّه قال : لا كفّارة على الخاطئ في قتل الصيد ـ وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر . وعن أحمد روايتان ـ لقوله تعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا ) (١) .

ولأصالة البراءة ، ولأنّه محظور الإِحرام لا يفسده ، فيجب التفرقة بين الخطأ والعمد ، كاللبس والطيب ، ولأنّه يدلّ بدليل الخطاب (٢) .

وليس حجّةً ، والأصل تُرك ؛ للدليل ، والقتل إتلاف ، واللبس ترفّه ، فافترقا .

مسألة ٣٧٤ : لو كرّر المُحْرم الصيد ناسياً ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً . وإن تعمّد فللشيخ قولان :

أحدهما : يجب الجزاء في الأول دون الثاني (٣) ، وبه قال ابن بابويه (٤) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وهو قول شريح والحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة وأحمد في إحدى الروايات (٥) .

والثاني : تتكرر الكفّارة بتكرّر السبب (٦) ، وهو قول العلماء ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر (٧) ، وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا ) (٨) وهو يتناول العامد .

__________________

(١) المائدة : ٩٥ .

(٢) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١ .

(٣) النهاية : ٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ذيل الحديث ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ذيل الحديث ٧٢٠ .

(٤) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ذيل الحديث ١١١٨ .

(٥) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٤٧٥ .

(٦) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٢ ، الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٥٩ .

(٧) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٤٧٥ .

(٨) المائدة : ٩٥ .

٤٥٦
 &

ولما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه جَعَل في الضبع يصيده المُحْرم كبشاً (١) ، ولم يفرّق .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « عليه كلّما عاد كفّارة » (٢) .

ولأنّها كفّارة عن قتل ، فاستوى فيها المبتدئ والعائد ، كقتل الآدمي .

احتجّ الشيخ : بقوله تعالى : ( وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ) (٣) جعل جزاء العود الانتقام ، وهو يدلّ على سقوط الكفّارة ؛ لأنّه لم يوجب جزاءً .

ولقول الصادق عليه السلام : « فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه » (٤) والنقمة في الآخرة .

والانتقام لا ينافي وجوب الجزاء ؛ لعدم دلالته على أنّه كلّ الجزاء ، ونفي الجزاء محمول على أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّةً ؛ جمعاً بين الأدلّة .

مسألة ٣٧٥ : ويجب الجزاء على القاتل للضرورة ، كالمضطرّ إلى أكله ؛ لعموم قوله : ( وَمَن قَتَلَهُ ) (٥) وهو يتناول المضطرّ وغيره .

ولأنّه قَتَله من غير معنى يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله ، فيضمنه ، كغيره .

ولأنّه أتلفه لنفعه ودفع الأذى عنه ، فكان عليه الكفّارة ، كحلق الرأس .

ولقول الصادق عليه السلام وقد سُئل عن المُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل ؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟ » قلت : بلى ، قال : « إنّما عليه الفداء ، فليأكل وليفده » (٦) .

__________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٤٥٥ .

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٢١١ / ٧١٩ .

(٣) المائدة : ٩٥ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٠ .

(٥) المائدة : ٩٥ .

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٤ .

٤٥٧
 &

وقال الأوزاعي : لا يضمنه ؛ لأنّه مباح له ، فأشبه صيد البحر (١) .

والإِباحة لا تستلزم عدم الكفّارة ، كما في حلق الرأس .

والفرق : أنّ صيد البحر لا يتناوله حرم الإِحرام ولا الحرم ، فلا تجب الكفّارة به ، بخلاف الصيد .

ويجب الضمان على مَنْ أتلف الصيد بتخليصه من سبُع أو شبكة ، أو بتخليصه من خيط في رجله ونحوه ـ وبه قال قتادة (٢) ـ لعموم الأدلّة .

ولأنّ غاية ذلك عدم القصد إلىٰ قتله ، وهو لا يُسقط الضمان ، كقتل الخطأ .

وقال عطاء : لا ضمان عليه ـ وللشافعي قولان (٣) ـ لأنّه فعل اُبيح لحاجة الحيوان ، فلا يضمن ما يتلف به ، كما لو داوى وليُّ الصبيِّ الصبيَّ ، فمات به (٤) .

والجواب : أنّه مشروط بالسلامة .

والجزاء يجب على المُحْرم ، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة ، وسواء كان الحجّ تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وسواء كانا واجبين أو مندوبين ، صحيحين أو عرض لهما الفساد ، للعمومات ، ولا نعرف فيه خلافاً .

وإذا قتل المُحْرم صيداً مملوكاً لغيره ، لزمه الجزاء لله تعالىٰ ، والقيمة لمالكه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٥) ـ للعموم .

وقال مالك : لا يجب الجزاء بقتل المملوك (٦) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٧ .

(٢) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦ .

(٤) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨ .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ و ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥١ .

(٦) حلية العلماء ٣ : ٢٩٧ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ .

٤٥٨
 &

وإذا كان الصيد في الحرم وتجرّد عن الإِحرام ، ضمن ، ولو كان مُحْرماً ، تضاعف الجزاء .

وقال الشافعي : صيد الحرم مِثْلُ صيد الإِحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء : المثل والإِطعام والصوم ، وفيما لا مِثْلَ له يتخيّر بين الصيام والطعام (١) .

وقال أبو حنيفة : لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم (٢) .

مسألة ٣٧٦ : الصيد إذا كان مثليّاً ، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النَّعَم‌ وبين أن يقوّم المثل دراهم ويشتري به طعاماً ويتصدّق به على المساكين ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً ، ولو لم يكن له مِثْلٌ ، تخيَّر بين أن يقوّم الصيد ويشتري بثمنه طعاماً ويتصدّق به ، أو يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً .

قال الشيخ رحمه الله : ولا يجوز إخراج القيمة بحال ، ووافقنا الشافعي في ذلك كلّه ومالك ، إلّا أنّ مالكاً قال : يقوّم الصيد ، وعندنا يقوّم المثل .

وقال بعض أصحابنا : إنّها على الترتيب .

وقال أبو حنيفة : الصيد مضمون بالقيمة ، سواء كان له مثل من النَّعَم أو لا ، إلّا أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النَّعَم ويخرجه ، وبين أن يشتري بالقيمة طعاماً ويتصدّق به ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً ، إلّا أنّه إذا اشترى النَّعَم لم يجزئه إلّا ما يجوز في الضحايا ، وهو : الجذع من الضأن ، والثني من كلّ شي‌ء .

وقال أبو يوسف : يجوز أن يشتري بالقيمة شيئاً (٣) من النَّعَم ما لا يجوز

__________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤٩١ .

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٧ ـ ٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩١ .

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شي‌ء . وما أثبتناه من المصدر .

٤٥٩
 &

في الضحايا وما يجوز (١) .

وإذا اختار المِثْلَ أو قلنا بوجوبه ، ذَبَحه وتصدَّق به على مساكين الحرم ؛ لقوله تعالى : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٢) .

ولا يجوز أن يتصدّق به حيّاً ؛ لأنّه تعالى سمّاه هدياً والهدي يجب ذبحه .

وله أن يذبحه أيّ وقت شاء لا يختصّ ذلك بأيّام النحر ؛ لأنّه كفّارة ، فيجب إخراجها متى شاء ، كغيرها من الكفّارات .

وأمّا المكان : فإن كان إحرامه للحجّ ، وجب عليه أن ينحر فداء الصيد أو يذبحه بمنى ، وإن كان بالعمرة ، ذبحه أو نحره بمكة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّه هدي ، فكان كغيره من الهدايا .

ولقول الصادق عليه السلام : « مَنْ وجب عليه فداء أصابه مُحْرماً ، فإن كان حاجّاً ، نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمراً ، نحره بمكة قبالة الكعبة » (٣) .

ولو أخرج الطعام أخرجه إمّا بمكة أو بمنى على التفصيل في الجزاء ؛ لأنّه عوض عمّا يجب دفعه إلى مساكين ذلك المكان ، فيجب دفعه إليهم .

ويعتبر قيمة المثل في الحرم ؛ لأنّه محلّ إخراجه .

والطعام المخرج : الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب .

ولو قيل : يجزئ كلّ ما يسمّى طعاماً ، كان حسناً ؛ لأنّه تعالى أوجب الطعام (٤) .

ويتصدّق على كلّ مسكين بنصف صاع ، وبه قال أحمد في التمر ، وقال ‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، المسألة ٢٦٠ .

(٢) المائدة : ٩٥ .

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٣ / ١٢٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٢ .

(٤) المائدة : ٩٥ .

٤٦٠