تذكرة الفقهاء - ج ٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الولي ، لم يلزمه أن يحلله ، ويلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ ؛ لأنّه شرع في واجب عليه ، فلزمه الإِتمام .

ولو شرع في حجّ تطوّع ثم حجر الحاكم عليه ، فكذلك ؛ لأنّه بدخوله فيه وجب عليه الإِكمال .

أمّا لو شرع فيه بعد الحجر ، فإن استوت نفقته سفراً وحضراً ، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته ، لم يكن له أن يحلله ، وإن زادت نفقة السفر ولم يكن له كسب ، كان له إحلاله .

مسألة ١٢ : الحجّ والعمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في حجّة الإِسلام وعمرته : التكليف والحرّية والاستطاعة ومؤونة سفره ومؤونة عياله وإمكان المسير .

وشرائط النذر وشبهه من اليمين والعهد أربعة : التكليف والحرّية والإِسلام وإذن الزوج والمولى .

وشرائط حجّ النيابة ثلاثة : الإِسلام ، والتكليف ، وأن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار المضيّق أو الإِفساد .

ولو وجب عليه الحجّ وجوباً مستقرّاً فعجز عن أدائه ولو مشياً صحّ أن يكون نائباً عن غيره .

وشرط المندوب أن لا يكون عليه حجّ واجب ، وإذن الولي ـ كالزوج والمولى والأب ـ على من له عليه ولاية ، كالزوجة والعبد والولد ، وسيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء الله تعالى .

*       *      *

٢١
 &

تذكرة الفقهاء الجزء السابع للعلامة الحلّي

٢٢
 &

الفصل الثاني في تفصيل هذه الشرائط‌

وفيه مطلبان :

الأول : في شرائط حجة الإِسلام‌ .

وفيه مباحث :

الأول : البلوغ والعقل‌

مسألة ١٣ : لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ؛ لفقد شرط التكليف فيه .

وما رواه العامة عن علي عليه السلام ، قال : ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت (١) ، وعن المعتوه حتى يعقل ) (٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة

__________________

(١) في المصدر : حتى يشب .

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، وأوردها عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٦ ـ ١٦٧ .

٢٣
 &

الإِسلام » (١) .

وعن شهاب قال : سألته عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : « عليه حجّة الإِسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت » (٢) فلو كان الصبي من أهل الحج لسقطت الإِعادة عنه بعد بلوغه .

مسألة ١٤ : الصبي إن كان مميّزاً ، صحّ إحرامه وحجّه إذا أذن له الولي .

والأقرب : أنّه ليس للولي أن يُحْرم عن المميّز . وللشافعية وجهان (٣) .

وإن كان غير مميّز ، جاز لوليّه أن يُحرم عنه ، ويكون إحرامه شرعياً .

وإن فعل ما يوجب الفدية ، كان الفداء على الولي .

وأكثر الفقهاء على صحة إحرامه وحجّه إن كان مميّزاً ، وإن كان غير مميّز ، أحرم عنه وليّه ، فيصير مُحرماً بذلك ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو مروي عن عطاء والنخعي (٤) .

لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه مرّ بامرأة وهي في محفّتها ، فقيل لها : هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأخذت بعَضُد صبيّ كان معها وقالت : ألهذا حجٌّ ؟ قال : ( نعم ولكِ أجر ) (٥) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « مرّ رسول الله برويثة (٥) وهو

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦ / ١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٧ ، والكافي ٤ : ٢٧٨ / ١٨ .

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٦ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩ ، الوجيز ١ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٣ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، المجموع ٧ : ٢٢ ـ ٢٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٩ .

(٥) موطّأ مالك ١ : ٤٢٢ / ٢٤٤ ، وأوردها الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ .

(٦) رويثة : موضع بين مكة والمدينة على ليلة منها . معجم البلدان ٣ : ١٠٥ .

٢٤
 &

حاج ، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيُحجّ عن مثل هذا ؟ قال : « نعم ولكِ أجره » (١) .

ولأنّ الحجّ عبادة تجب ابتداءً بالشرع عند وجود مال ، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير ، كصدقة الفطر .

وقال أبو حنيفة : إحرام الصبي غير منعقد ، ولا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات ، ولا يصير مُحرماً بإحرام وليّه ؛ لقوله عليه السلام : ( رُفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ) (٢) .

ولأنّ كلّ من لا يلزمه الحج بقوله لا يلزمه بفعله ، كالمجنون ، ولأنّها عبادة على البدن ، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير ، كالصوم والصلاة ، ولأنّ الإِحرام سبب يلزم به حكم ، فلم يصح من الصبي ، كالنذر (٣) .

والجواب : القول بموجب الحديث ؛ فإنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ، وهو معنى رفع القلم عنه ، وذلك لا يقتضي نفي صحته منه .

والقياس باطل ، مع أنّا نقول بموجب العلّة ؛ فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله ، وإنّما يلزمه بإذن وليّه .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الجنون مرجوّ الزوال عن المجنون في كلّ وقت ، فلم يجز أن يُحرم عنه وليّه ؛ لجواز أن يفيق فيُحْرم بنفسه ، وأمّا البلوغ فغير مرجوّ إلّا في وقته ، فجاز أن يُحرم عنه وليّه ؛ إذ لا يرجى بلوغه في هذا الوقت حتى يحرم بنفسه .

ولأنّ الصبي يقبل منه الإِذن في دخول الدار وقبول الهدية منه إذا كان

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦ ـ ٧ / ١٦ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ ـ ١٤٧ / ٤٧٨ .

(٢) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٠ .

٢٥
 &

رسولاً فيها ، بخلاف المجنون فافترقا .

والفرق : أنّ الصلاة لا تجوز فيها النيابة عن الحي ، بخلاف الحج .

ووافقنا أبو حنيفة على أنّه يُجنّب ما يجتنبه المُحرم (١) ، ومن جُنّب ما يجتنبه المُحرم كان إحرامه صحيحاً ، والنذر لا يجب به شي‌ء ، بخلاف مسألتنا .

مسألة ١٥ : الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلّا بإذن وليّه ، فإذا كان مراهقاً مطيقاً ، أذن له الولي في الإِحرام ، وإن كان طفلاً غير مميّز ، أحرم عنه الولي .

فإن أحرم الصبي المميّز بغير إذن وليّه ، لم يصحّ إحرامه ؛ لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال ، والإِحرام يتضمّن إنفاق المال والتصرّف فيه ؛ لأنّ الإِحرام عقد يؤدّي إلى لزوم مال ، فجرى مجرى سائر أمواله وسائر عقوده التي لا تصحّ إلّا بإذن وليّه ، وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ إحرامه منعقد ، كإحرامه بالصلاة (٢) .

والفرق : أنّ إحرام الصلاة لا يتضمّن إنفاق المال ، وإحرام الحجّ يتضمّنه ، فعلى الثاني للولي تحليله وليس له الإِحرام عنه ، وعلى الأول للولي أن يُحرم عنه ـ وهو أحد وجهي الشافعية (٣) ـ لأنّه مولّى عليه ، والثاني : المنع ؛ لاستقلاله بعبادته (٤) .

مسألة ١٦ : أولياء الأطفال على ثلاثة أقسام : أنساب واُمناء الحُكّام وأوصياء الآباء ، فالأنساب إمّا آباء وأجداد لهم أو اُمّ أو غيرهم .

والآباء والأجداد للآباء لهم ولاية الإِحرام بإجماع من سوّغ الحجّ

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٠ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ ، الوجيز ١ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣ .

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ .

٢٦
 &

للصبيان ـ وهو قول علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ للأب والجدّ للأب ولاية المال على الطفل ، فكان له ولاية الإِذن في الحجّ .

ولا يشترط في ولاية الجدّ عدم الأب ، وهو أحد وجهي الشافعية تخريجاً ممّا إذا أسلم الجدّ ، والأب كافر ، يتبعه الطفل على رأي (٢) .

وأمّا الاُم فقال الشيخ رحمه الله : إنّ لها ولايةً بغير تولية ، ويصحّ إحرامها عنه ؛ لحديث المرأة التي سألت النبي صلّى الله عليه وآله عن ذلك (٣) .

وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : المنع ، وهو ظاهر كلام أحمد (٤) .

وأمّا من عدا هؤلاء من الأنساب الذكور والإِناث فلا يصحّ إذنهم ، ولا ولاية لهم في الحجّ والإِحرام ، كما أنّه لا ولاية لهم في المال ، وليس لاُمناء الحكّام الإِذن .

وقال الشيخ رحمه الله : الأخ وابن الأخ والعمّ وابن العمّ إن كان وصيّاً أو له ولاية عليه وليها ، فهو بمنزلة الأب ، وإن لم يكن وليّاً ولا وصيّاً ، فلا ولاية له عليه ، وهو والأجنبي سواء (٥) .

وهذا القول يعطي أنّ لأمين الحاكم الولاية ، كما في الحاكم ؛ لأنّ قوله : أو له ولاية عليه وليها ، لا مصرف له إلّا ذلك .

والشافعية اتّفقوا على ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب ، وعلى انتفائها عمّن لا ولادة فيه ولا تعصيب ، كالإِخوة للاُم والأعمام للاُم والعمّات من الأب والاُم ، والأخوال والخالات من قِبَل الأب والاُم وإن كانت لهم ولاية في

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٤ .

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٩ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٤ ، المغني ٣ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٠ .

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ .

٢٧
 &

الحضانة .

وأمّا من عدا هذين القسمين فقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب بناءً على اختلافهم في معنى إذن الأب والجدّ له .

أحدها : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ له : استحقاق الولاية على ماله ، فعلى هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الاُم ولا إذن الأخ والعمّ ؛ لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله .

وأمّا الاُم والجدّة فالصحيح من مذهب الشافعي أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها ، فلا يصحّ إذنها له .

وعلى قول بعض الشافعية : إنّها تلي عليه بنفسها ، فعلى هذا يصحّ إذنها له ؛ لقوله عليه السلام لاُم الصبي : ( ولكِ أجره ) ومعلومٌ أنّ الأجر ثبت لها لإِذنها له ونيابتها عنه .

الثاني : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ ما فيه من الولادة والعصبة ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر الآباء والاُمّهات ؛ لوجود الولادة فيهم .

الثالث : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ وجود التعصيب فيهما ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإِخوة والأعمام وأولادهما ، ولا يصحّ إذن الاُم ولا الجدّ لها ؛ لعدم التعصيب .

وأمّا اُمناء الحكّام فقد اتّفقوا على أنّه لا يصح إذنهم ؛ لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه ، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب .

ولهم وجه آخر بعيد : الصحة ؛ لأنّهم يتصرّفون في المال .

وأمّا أوصياء الآباء فلهم وجهان في صحة إذنهم :

أحدهما : الصحة كالآباء لنيابتهم عنه .

والثاني ـ وهو الأصحّ عندهم ـ أنّ إذنهم لا يصحّ كاُمناء الحكّام (١) .

__________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ .

٢٨
 &

مسألة ١٧ : الصبي إن كان مراهقاً مميّزاً يطيق على الأفعال ، أذن له الولي فيها ، فإذا أذن له ، فَعَل الحجّ بنفسه ، كالبالغ .

وإن كان طفلاً لا يميّز ، فإن صحّ من الطفل من غير نيابة ، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ، أحضره الولي فيهما ، وإن لم يصحّ من الطفل إلّا بنيابة الولي عنه ، فهو كالإِحرام يفعله الولي عنه .

قال جابر : خرجنا مع النبي صلّى الله عليه وآله حُجّاجاً ومعنا النساء والصبيان ، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان ورمينا عنهم (١) .

ويجرّد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم ـ وروى علماؤنا من فخ (٢) ـ وإن صحّ منه بمعونة الولي ، فإذا أحرم الولي عن الطفل ، جاز .

وهل يجوز أن يكون الولي مُحْرماً ؟ للشافعية وجهان :

أحدهما : المنع ، فليس للولي أن يُحرم عن الطفل إلّا أن يكون حلالاً ؛ لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره .

والثاني : يصح إحرام الولي عنه وإن كان مُحْرماً ـ ولا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإِسلام أو قد حجّ عن غيره ، وغيره ـ لأنّ الولي ليس يتحمّل الإِحرام عنه فيصير به مُحرماً حتى يمتنع من فعله إذا كان مُحْرماً ، وإنّما يعقد الإِحرام عن الصبي ، فيصير الصبي مُحْرماً ، فجاز أن يفعل الولي ذلك وإن كان مُحْرماً (٣) .

والأخير أقرب .

فعلى الأول يقول عند الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت عن ابني ، وعلى هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ولا مشاهد له إذا كان الصبي

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٠ / ٣٠٣٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧٠ ـ ١٧١ نقلاً عن سنن سعيد بن منصور .

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٩٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢١ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩ .

٢٩
 &

حاضراً في الميقات . وعلى قول آخر : إنّه لا يشترط حضوره .

وعلى الثاني يقول عند الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت بابني ، وعلى هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ، فإذا فعل ذلك ، صار الصبي مُحْرماً دون الولي ، فيلبسه ثوبين ، ويُجنّبه ما يجتنبه المُحْرم ، وعلى وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين ومنى ليشهدها بنفسه .

وأمّا الرمي فإن أمكن من وضع الحصى في كفّه ورميها في الجمرة من يده ، فَعَل ، وإن عجز الصبي عن ذلك ، أحضره الجمار ورمى الولي عنه ، ويستحب للولي أن يضع الحصى في كفّ الصبي وأخذها من يده .

قال ابن المنذر : كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي ، وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق (١) .

وأمّا الطواف والسعي فعلى وليّه أن يحمله ويطوف به ويسعى ، وعليه أن يتوضّأ للطواف ويوضّئه .

فإن كانا غير متوضّئَيْن ، لم يجزئه الطواف .

وإن كان الصبي متطهّراً والولي مُحْدثاً ، لم يجزئه أيضاً ؛ لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ ، والطواف لا يصحّ إلّا بطهارة .

وإن كان الوليّ متطهّراً والصبي مُحْدثاً ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجزئ ؛ لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي مُحْدثاً فأولى أن لا يكون الصبي مُحْدثاً .

والثاني : أنّه يجزئ ؛ لأنّ الصبي إذا لم يكن مميّزاً ففِعْلُ الطهارة لا يصحّ منه ، فتكون طهارة الولي نائبةً عنه ، كما أنّه لمّا لم يصح منه الإِحرام صحّ إحرام الوليّ عنه (٢) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧١ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩ .

٣٠
 &

ويصلّي الوليّ عنه ركعتي الطواف إن لم يكن مميّزاً ، وإن كان مميّزاً صلّاهما بنفسه .

ولو أركبه الولي دابّةً ليطوف به ، وجب أن يكون الوليّ معه سائقاً أو قائداً ؛ لأنّ الصبي غير مميّز ولا قاصد ، والدابّة لا تصحّ منها عبادة .

ويرمل به في موضع الرمل .

وللشافعية في الرمل به وجهان (١) .

مسألة ١٨ : لو كان على الولي طواف ، حَمَل الصبي وطاف به ، ونوى بطوافه ما يختص به ، وينوي بطواف الصبي طوافه .

وقال الشافعي : يجب عليه أن يطوف عن نفسه أوّلاً ثم يطوف بالصبي ثانياً ، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناوياً عنه .

فإن نوى الطواف عن الصبي دون نفسه فله قولان :

أحدهما : أن يكون على الولي الحامل دون الصبي المحمول ؛ لأنّ مَنْ وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره ، انصرف إلى واجبة ، كالحجّ عن نفسه .

والثاني : أنّه يكون عن الصبي المحمول دونه ؛ لأنّ الحامل كالآلة للمحمول ، فكان ذلك واقعاً عن المحمول دون الحامل .

وإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي المحمول ، أجزأه عن طوافه .

وهل يجزئ عن الصبي ؟ وجهان مخرَّجان من القولين .

وإن لم تكن له نية ، انصرف إلى طواف نفسه ؛ لوجوده على الصفة الواجبة عليه ، وعدم القصد المخالف له (٢) .

وقد بيّنّا نحن الصحيح عندنا .

مسألة ١٩ : مؤونة حجّ الصبي ونفقته الزائدة في سفره تلزم الولي ، مثل

__________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ .

٣١
 &

آلة سفره واُجرة مركبه وجميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنياً عنه في حضره ـ وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد (١) ـ لأنّ الحجّ غير واجب على الصبي ، فيكون متبرّعاً ، وسببه الولي ، فيكون ضامناً .

وليس للولي صرف مال الطفل في ما لا يحتاج إليه وهو غير محتاج حال صِغَره إلى فعل الحج ؛ لوجوبه عليه حال كِبَره ، وعدم إجزاء ما فَعَله في صِغَره عمّا يجب عليه في كِبَره .

وله قول آخر : إنّه في مال الصبي ؛ لأنّ ذلك من مصلحته كاُجرة مُعلّمه ومؤونة تأديبه ، ولأنّ الحجّ يحصل له ، فكان كما لو قَبِل له النكاح يكون المهر عليه (٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ التعلّم الذي إن فاته في صِغَره قد لا يدركه في كِبَره ، ويخالف النكاح ؛ فإنّ المنكوحة قد تفوت ، والحج يمكن تأخيره .

مسألة ٢٠ : يُحْرم على الصبي كلّ ما يُحْرم على البالغ من محظورات الإِحرام ؛ لأنّ إحرامه شرعي على ما تقدّم ، فتترتّب عليه أحكامه ، لا بمعنى أنّه مخاطب بالتحريم وأنّ العقاب يترتّب على فعله ، بل بمعنى أنّ الولي يجنّبه جميع ما يجتنبه المُحْرم .

فإن فعل الصبي شيئاً من المحظورات فإن وجب به الفداء على البالغ في حالتي عمده وخطئه كالصيد ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ عمد الصبي كخطأ البالغ .

ويجب في مال الصبي ؛ لأنّه مال وجب بجنايته ، فوجب أن يجب في

__________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٩ ، التفريع ١ : ٣٥٣ ، المغني ٣ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٢ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥ .

٣٢
 &

ماله ، كما لو استهلك مال غيره .

وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : أنّه يجب في مال الولي ـ وهو الذي نصّ عليه الشافعي في الإِملاء ـ لأنّ الولي هو الذي ألزمه الحجّ بإذنه ، فكان ذلك من جهته ومنسوباً إلى فعله (١)

وإن اختلف حكم عمده وسهوه في البالغ ، كالطيب واللبس ، فإن فعله الصبي ناسياً ، فلا فدية فيه ؛ لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولى .

وإن فعله عمداً ، قال الشيخ رحمه الله : الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة على وليّه .

وإن قلنا : لا يتعلّق به شي‌ء ؛ لما روي عنهم عليهم السلام من أنّ « عمد الصبي وخطأه واحد » (٢) والخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به كفّارة من البالغين ، كان قويّاً (٣) .

وللشافعي قولان مبنيان على اختلاف قوله في عمد الصبي هل يجري مجرى الخطأ أو مجرى العمد من العاقل ؟ على قولين :

أحدهما : أنّه يجري مجرى الخطأ ، فلا فدية فيه ، كالبالغ الناسي .

والثاني : أنّه عمد صحيح ، فالفدية واجبة (٤) .

وأين تجب ؟ على الوجهين :

أحدهما : أنّه على الصبي ؛ لأنّ الوجوب بسبب ما ارتكبه .

وأصحّهما في مال الولي ـ وبه قال مالك ـ لأنّه الذي أوقعه وغرّر بماله (٥) .

__________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ـ ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢ .

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٠ .

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٩ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٤ ، المجموع ٧ : ٣١ .

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢ .

٣٣
 &

لكن لو طيّبه الولي كانت الفدية في ماله لا (١) في مال الصبي وجهاً واحداً (٢) .

هذا كلّه إذا أحرم بإذن الولي ، وإن أحرم بغير إذنه ، فلا فدية ، وهو أحد وجهي الشافعية .

ولهم آخر : أنّه يجوز إحرامه ، فالفدية في ماله (٣) .

مسألة ٢١ : إذا وجبت الفدية في مال الصبي ، فإن كانت مترتّبةً ، فحكمها حكم كفّارة القتل ، وإلّا فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصغر ؟ للشافعية وجهان مبنيان على أنّه إذا أفسد الحج هل يجزئه قضاؤه في الصِغَر ؟ وليس (٤) للولي والحال هذه أن يُفدي عنه بالمال ؛ لأنّه غير متعيّن .

ولهم وجه آخر : أنّه إذا أحرم به الأب أو الجدّ ، فالفدية في مال الصبي ، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه (٥) .

مسألة ٢٢ : لو وطأ الصبي في الفرج ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا يفسد حجّه ، كالبالغ سواء .

وإن كان عمداً ، قال الشيخ رحمه الله : على ما قلناه من أنّ عمده وخطأه سواء لا يتعلّق به أيضاً فساد الحجّ .

ولو قلنا : إنّ عمده عمد ؛ لعموم الأخبار في من وطأ عامداً في الفرج من أنّه يفسد حجّه ، فقد فسد حجّه ، وعليه الإِتمام ، ولزمه القضاء .

قال : والأقوى الأول ؛ لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلى المكلّف وهذا

__________________

(١) كلمة « لا » حُرّفت في النسخ الخطية والحجرية إلى « أو » وما أثبتناه هو الصحيح .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٣٣ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢ .

(٤) كلمة « ليس » صُحّفت في النسخ الخطية والطبعة الحجرية إلى « ان » وما أثبتناه هو الصحيح .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٣ .

٣٤
 &

ليس بمكلّف (١) .

وقالت الشافعية : إذا جامع ناسياً أو عامداً وقلنا : إنّ عمده خطأ ، ففي فساد حجّه قولان ، كالبالغ إذا جامع ناسياً .

والأظهر أنّه لا يفسد .

وإن قلنا : إنّ عمده عمد ، فسد حجّه .

وإذا فسد فهل عليه القضاء ؟ فيه قولان :

أحدهما : لا ، لأنّه ليس أهلاً لوجوب العبادات البدنية .

وأصحّهما : نعم ؛ لأنّه إحرام صحيح ، فيوجب إفساده القضاء ، كحجّ التطوّع (٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن أوجبنا القضاء فإنّه لا يجزئه حالة الصبا ، بل يجب عليه بعد بلوغه .

وللشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ :

أصحّهما : نعم ؛ اعتباراً بالأداء .

والثاني : لا ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لأنّه فرض والصبي ليس أهلاً لأداء فرض الحج (٣) .

وعلى هذا القول لو لم يقض حتى بلغ ، نظر في ما أفسده ، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإِفساد ، أجزأت عن حجة الإِسلام ، فإن بلغ قبل فوات الوقوف ، أجزأ القضاء عن حجة الإِسلام ، وإن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإِفساد ، لم تجزئ عن حجة الإِسلام ، وعليه أن يبدأ بحجة الإِسلام ثم يقضي (٤) .

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٩ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٣٤ ـ ٣٥ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ ـ ٣٦ .

٣٥
 &

فإن نوى القضاء أوّلاً ، قالت الشافعية : انصرف إلى حجة الإِسلام (١) .

وفيه إشكال .

وعلى تقدير تجويز القضاء في الصِّغَر لو شرع فيه وبلغ قبل الوقوف ، انصرف إلى حجة الإِسلام ، وعليه القضاء (٢) .

وإذا فسد حجّه وأوجبنا القضاء ، وجبت الكفّارة أيضاً ، وإن لم نوجب القضاء ، ففي الكفّارة للشافعية وجهان ، والأصحّ عندهم : الوجوب (٣) .

وإذا وجبت الكفّارة فهي على الولي أو في مال الصبي ؟ فيه الخلاف (٤) .

مسألة ٢٣ : لو فعل الولي في الصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطاً أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي ، كما لو طيّبه تداوياً ، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي ؛ لأنّه وليّه ، وقد فعل شيئاً لمصلحته ، فيكون ما ترتّب عليه لازماً للصبي .

وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ الفدية على الولي ؛ لأنّ المباشرة وقعت منه (٥) .

والأقرب الأول‌

مسألة ٢٤ : أجمع علماء الأمصار على أنّ الصبي إذا حجّ في حال صِغَره ، والعبد إذا حجّ في حال رقّه ، ثم بلغ الصبي وعُتق العبد ، وجب عليهما حجة الإِسلام إذا جمعا الشرائط .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على ذلك إلّا مَنْ شذّ عنهم ممّن لا يُعدّ قوله خلافاً (٦) .

__________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٦ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٦ ـ ٣٧ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٧ .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٣٤ .

(٦) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٧ .

٣٦
 &

وبه قال ابن عباس وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي (١) .

لما رواه العامة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إنّي اُريد أن اُجدّد في صدور المؤمنين عهداً : أيّما صبي حُجّ به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أدرك فعليه الحج ، وأيّما مملوك حُجّ به فمات أجزأت عنه ، فإن اُعتق فعليه الحجّ ) (٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم ، كانت عليه فريضة الإِسلام ، ولو أنّ مملوكاً حجّ عشر حجج ثم اُعتق ، كانت عليه فريضة الإِسلام إذا استطاع إليه سبيلاً » (٣) .

ولأنّ الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها ، فلا تقع مجزئةً ، كما لو صلّى قبل الوقت .

مسألة ٢٥ : لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو اُعتق في أثناء الحجّ ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإِسلام ـ وهو قول العلماء ـ لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان .

وما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : مملوك اُعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » (٤) دلّ بمفهومه على عدم إدراكه للحج إذا لم يدركهما معتقاً .

ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقياً ولم يقف فيه أو قد فات ، وهو

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٤ ، المجموع ٧ : ٥٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٠ .

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٧ نقلاً عن سعيد في سننه .

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٨ / ١٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٥ .

(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٩٠ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٨ / ٤٨٥ .

٣٧
 &

قول أكثر الشافعية (١) .

وقال ابن سريج : إذا بلغ ووقت الوقوف باقٍ ، يجزئه عن حجة الإِسلام وإن لم يَعُدْ إلى الموقف (٢) .

وإن بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقاً وفَعَل باقي الأركان ، أجزأ عن حجة الإِسلام ، وكذا لو بلغ أو اُعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عباس ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق (٣) ـ لما قدّمناه في الحديث عن الصادق (٤) عليه السلام .

وقال الحسن البصري في العبد : يجزئ (٥) .

وقال مالك : لا يجزئهما . وهو قول ابن المنذر (٦) .

وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ العبد ، فأمّا الصبي فإن جدّد إحراماً بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه ، وإلّا فلا ؛ لأنّ إحرامهما لم ينعقد واجباً ، فلا يجزئ عن الواجب ، كما لو بقيا على حالهما (٧) .

ويعارض : بأنّه أدرك الوقوف حُرّاً بالغاً ، فأجزأه ، كما لو أحرم تلك الساعة ، ولا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو اُعتق بعرفة وهما غير مُحْرمين فأحرما ووقفا بعرفة وقضيا المناسك ، فإنّه يجزئهما عن حجّة الإِسلام .

ونُقل عن ابن عباس أنه إذا اُعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ، وإن

__________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ .

(٤) تقدّم آنفاً .

(٥) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ .

(٦) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠ .

(٧) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ .

٣٨
 &

اُعتق بجَمْع ، لم تجزئ عنه (١) .

وقد تلخّص من هذا أنّ مالكاً شرط في الصبي والعبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف (٢) ، وأبو حنيفة لا يعتدّ بإحرام الصبي (٣) .

ولا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٤) ـ لأنّه لا بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإِحرام .

وأصحّهما عندهم : وجوب الإِعادة ؛ لوقوعه في حالة النقص ، ويخالف الإِحرام ؛ فإنّه يستدام بعد البلوغ ، والسعي لا استدامة له (٥) .

والأصل براءة الذمة .

وقد بنى الشافعية الوجهين على أنّه إذا وقع حجّه عن حجّة الإِسلام فكيف تقدير إحرامه ؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضاً أو نقول بأنّه انعقد نفلاً ثم انقلب فرضاً ؟ فإن قلنا بالأول ، فلا حاجة إلى الإِعادة ، وإن قلنا بالثاني فلا بدّ منها (٦) .

مسألة ٢٦ : إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإِسلام بأن يُدركا أحد الموقفين كاملين ، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي .

وللشافعية طريقان ، أظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ إحرامه من الميقات ناقص ؛ لأنّه ليس بفرض .

وأصحّهما : لا ؛ لأنّه أتى بما في وسعه ، ولم تصدر منه إساءة (٧) .

__________________

(١) كما في المغني ٣ : ٢٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٨ .

(٢) كما في فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ .

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المجموع ٧ : ٥٨ ـ ٥٩ .

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٦٠ .

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٩ .

٣٩
 &

وبنى بعضهم القولين على أصل التبيّن ، فإن قلنا به ، فلا دم عليه ، وإن قلنا بانعقاد إحرامه نفلاً ثم انقلب فرضاً ، لزم الدم (١) .

والطريق الثاني : أنّه لا دم عليه (٢) .

وهذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يَعُدْ بعد البلوغ إلى الميقات ، فإن عاد إليه ، لم يلزمه الدم بحال ؛ لأنّه أتى بالممكن أوّلاً وأخيراً ، وبذل ما في وسعه (٣) .

وقد بيّنّا مذهبنا في ذلك .

مسألة ٢٧ : لو بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإِتيان بالحجّ ، وجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الحجّ واجب على الفور ، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحُرّ ، خلافاً للشافعي (٤) .

ومتى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه ، فقد استقرّ الوجوب عليهما ، سواءً كانا موسرين أو معسرين ؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده .

مسألة ٢٨ : المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإِجماع ، لأنّه ليس محلّاً للتكليف ؛ لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت ، وعن المعتوه حتى يعقل ) (٥) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ .

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٥٩ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٤ ، المجموع ٧ : ١٠٢ و ١٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٣ .

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، وأوردها عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، وفيها : ( حتى يشب ) بدل ( حتى ينبت ) .

٤٠