تذكرة الفقهاء - ج ٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وللشافعية طريقان : أظهرهما : أنّه على قولين كالقولين فيما لو حلّ السلم والمسلم فيه منقطع :

أحدهما : ينفسخ ؛ لفوات مقصود العقد .

وأصحّهما : لا ينفسخ ، كما لو أخّر أداء الدَّيْن عن محلّه لا ينقطع .

والثاني : القطع بالقول الثاني .

وعلى القول بعدم الانفساخ يُنظر إن صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه ، فله الخيار ؛ لتفويت المقصود ، كما لو أفلس المشتري بالثمن ، فإن شاء أخّر ليحجّ في السنة الاُخرى ، وإن شاء فسخ ، واستردّ الأُجرة ، وارتفق بها إلى أن يستأجر غيره (١) .

وإن كان الاستئجار لميّت من ماله ، فقد قال بعضهم : لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد ؛ لأنّ الأُجرة معيّنة لتحصيل الحجّ ، فلا انتفاع باستردادها (٢) .

وقال آخرون : له الخيار ؛ لأنّ الورثة يقصدون باسترداد الأُجرة صرفها إلى مَنْ هُو أحرى بتحصيل المقصود ، ولأنّهم إذا استردّوها تمكّنوا من إبدالها بغيرها (٣) .

وقال بعضهم : إنّ على الولي مراعاة النظر للميّت ، فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل ، ضمن (٤) .

أمّا لو كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه إنسان بمائة مثلاً ، لم يجز الفسخ ؛ لأنّ الوصية مستحقّة الصرف إلى المعيّن .

ولو استأجر إنسان للميّت من مال نفسه تطوّعاً عليه ، فهو كاستئجار المعضوب لنفسه ، فله الخيار .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٢٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ .

(٢) الوجيز ١ : ١١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٢٦ .

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٢٧ .

١٤١
 &

ولو قدّم الأجير الحجّ على السنة المعيّنة ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه قد زاد خيراً ، وبه قال الشافعي (١) .

وأمّا إن لم يعيّن الزمان بل أطلق ، صحّ العقد ، واقتضى الإِطلاق التعجيل .

ولو شرط التأخير عاماً أو عامين ، جاز ، ومع الإِطلاق إذا لم يحجّ في السنة الاُولى ، لم تبطل الإِجارة ؛ لأنّ الإِجارة في الذمّة لا تبطل بالتأخير ، وليس للمستأجر فسخ هذه الإِجارة لأجل التأخير ، فإذا أحرم في السنة الثانية ، كان إحرامه صحيحاً عمّن استأجره .

وقال بعض الشافعية : إذا أطلقا العقد ، لم يقتض التعجيل ، وجاز للمستأجر التأخير مع القدرة ، ويثبت للمستأجر الخيار ؛ لتأخير المقصود (٢) .

مسألة ١٠٨ : إنّه سيأتي أنّ المواقيت المؤقّتة للإِحرام مواضع معيّنة وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله لكلّ إقليم ميقات معيّن (٣) ، لا يجوز الإِحرام قبلها عند علمائنا إلّا لناذر على خلاف بين علمائنا فيه . وكذا للمعتمر في شهر رجب إذا خاف تقضيه يجوز له الإِحرام للعمرة قبل الميقات .

وأجمعت العامة على جواز الإِحرام قبل الميقات (٤) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا استأجره للحج فانتهى الأجير إلى الميقات المتعيّن شرعاً أو بتعيينهما إن اعتبرناه فلم يُحرم بالحج عن المستأجر ولكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم عن المستأجر بعد فراغه من عمرته ، فإمّا أن لا يعود

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٢٨ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٢ ـ ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٢٦ .

(٣) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ٣١٩ / ١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ٥٥ / ١٦٦ ـ ١٦٨ ، صحيح البخاري ٢ : ١٦٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٨ / ١١٨١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٣ / ١٧٣٧ و ١٧٣٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ / ٨٣١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦ .

(٤) المغني ٣ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، الوجيز ١ : ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٩٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٤ .

١٤٢
 &

إلى الميقات بأن أحرم من جوف مكة ، وقع الحجّ عن المستأجر بحكم الإِذن ، فكان يجوز أن يقال : المأذون فيه الحجّ من الميقات ، وهذا الخصوص متعلّق الغرض ، فلا يتناول الإِذن غيره ، فيحطّ شي‌ء من الاُجرة المسمّاة وإن وقع الحجّ عن المستأجر ؛ لمجاوزته الميقات وكان الواجب عليه أن يُحرم منه .

وقال أبو حنيفة : إذا أحرم عن نفسه ثم حجّ عن المستأجر بإحرام من مكة من غير أن يرجع إلى الميقات ، لم يقع فعله عن الآمر ، ويردّ جميع النفقة إليه ؛ لأنّه أتى بغير ما اُمر به (١) .

والأول مذهب الشافعي ؛ لأنّه ما أخلّ إلّا بما يجبره الدم ، فلم تسقط اُجرته (٢) .

وفي قدر المحطوط اختلاف مبني على أنّ الاُجرة تقع في مقابلة أعمال الحجّ وحدها ، أو يتوزّع على المسير من بلد الإِجارة والأعمال ، فإن قلنا بالثاني ـ وهو الأظهر عند الشافعية (٣) ـ فقولان : أحدهما : أنّ المسافة لا تُحتسب له هاهنا ؛ لأنّه صرفه إلى غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة من الميقات ، فعلى هذا توزّع الاُجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإِجارة وإحرامها من الميقات ، وعلى حجّة منشأة من جوف مكة ، فإذا كانت اُجرة الحجّة المنشأة من بلد الإِجارة مائة ، واُجرة الحجّة المنشأة من مكة عشرة ، حطّ من الاُجرة المسمّاة تسعة أعشارها .

وأصحّهما عندهم : أنّها تحسب له ؛ لأنّ الظاهر أنّه يقصد بها تحصيل الحجّ الملتزم ، إلّا أنّه أراد أن يربح في سفره عمرة ، فعلى هذا تتوزّع الاُجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإِجارة إحرامها من الميقات وعلى حجّة منشأه منها أيضاً إحرامها من مكة ، فإذا كانت اُجرة الاُولى مائة واُجرة الثانية

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٩٠ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٥ ، المجموع ٧ : ١٢٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٩٠ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٥ ، المجموع ٧ : ١٢٩‌ .

١٤٣
 &

تسعين ، حطّ من الاُجرة المسمّاة عُشرها (١) .

وإن قلنا : إنّ الاُجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها ، فتوزّع الاُجرة المسمّاة على حجّة من الميقات ، وهي التي قوبلت بها ، وعلى حجّة من جوف مكة ، فإذا كانت اُجرة الاُولى خمسة واُجرة الثانية درهمين ، حططنا من الاُجرة ثلاثة أخماسها .

ولو جاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم بالحج عن المستأجر ، يلزمه دم الإِساءة ، وسيأتي الخلاف في أنّ الاساءة هل تنجبر بالدم حتى لا يحطّ شي‌ء من الاُجرة أم لا ؟ قال بعض الشافعية : إنّ ذلك الخلاف عائد هنا ، وإنّ الخلاف في قدر المحطوط مفرَّع على القول في قدر الحط ، ويجوز أن يقطع هنا بأنّه لا تنجبر الإِساءة ، ويفرّق بأنّه ارتفق هاهنا بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه (٢) .

القسم الثاني (٣) : أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة وأحرم بالحج ، فإن قلنا : الاُجرة في مقابلة الأعمال وحدها أو وزّعناها عليها وعلى السير واحتسبنا المسافة هنا ، وجبت الاُجرة بتمامها ، وهو الأظهر عندهم (٤) ، وإن وزّعناها عليها ولم تحسب المسافة هاهنا ، فتوزّع الاُجرة على حجة منشأة من بلد الإِجارة إحرامها من الميقات وعلى حجّة من الميقات من غير قطع مسافة .

ولو جاوز الميقات بلا اعتمار ثم أحرم بالحج عن المستأجر ، فإن عاد إلى الميقات وأحرم منه عن المستأجر ، فلا شي‌ء عليه ولا حطّ من الاُجرة ، وإن لم يَعُدْ ، فعليه دم الإِساءة بالمجاوزة .

وهل ينجبر به الخلل حتى لا يحطّ شي‌ء من الاُجرة ؟ فيه قولان

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٦ ، المجموع ٧ : ١٢٩ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٦ ـ ٥٧ ، المجموع ٧ : ١٢٩ .

(٣) وقد مرّ القسم الأول عند قوله : فإمّا أن لا يعود إلى الميقات . . .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٧ ، المجموع ٧ : ١٢٩ .

١٤٤
 &

للشافعية :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ الدم شُرّع للجبر .

وأظهرهما : المنع ؛ لأنّه نقص من العمل الذي استأجره له ، والدم يجب لحقّ الله تعالى ، فلا ينجبر به حقّ الآدمي ، كما لو جنى المُحْرم على صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء (١) .

ومنهم من قطع بالقول الثاني (٢) .

وعلى القول بعدم الانجبار فقد المحطوط يبنى على أنّ الاُجرة في مقابلة العمل وحده أو توزّع على السير والعمل جميعاً ؟ إن قلنا بالأول ، وزّعت الاُجرة المسمّاة على حجة من الميقات وحجّة من حيث أحرم ، وإن قلنا بالثاني واعتبرنا المسافة ، وزّعت على حجّة من بلدة الإِجارة وإحرامها من الميقات وعلى حجّة منها إحرامها من حيث أحرم .

والخلاف في اعتبار المسافة هاهنا إذا رتّب على الخلاف فيما إذا أحرم بعمرة عن نفسه ، كانت هذه الصورة أولى بالاعتبار ؛ لأنّه لم يصرفها إلى غرض نفسه .

ثم لهم وجهان في أنّ النظر إلى الفراسخ وحدها أم يعتبر ذلك مع ذكر السهولة والحزونة ؟ والأصحّ عندهم : الثاني (٣) .

ولو عدل الأجير عن طريق الميقات المتعيّن إلى طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد ، فلا شي‌ء عليه ، وهو المذهب عند الشافعية (٤) .

هذا كلّه في الميقات الشرعي ، أمّا إذا عيّنا موضعاً آخر ، فإن كان أقرب إلى مكة من الميقات الشرعي ، فهذا الشرط فاسد مفسد للإِجارة ، فإنّه لا

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٧ ـ ٥٨ ، المجموع ٧ : ١٣٠ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٨ ، المجموع ٧ : ١٣٠ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٨ ، المجموع ٧ : ١٣١ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٩ ، المجموع ٧ : ١٣١ .

١٤٥
 &

يجوز لمريد النسك أن يمرّ على الميقات غير مُحْرم ، وإن كان أبعد ، قال الشيخ في المبسوط : لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه باطل (١) .

والتحقيق أن نقول : إن كان المستأجر قد نذر الإِحرام قبل الميقات ، لزمه الوفاء به عنده ، فإذا استأجره لذلك ، وجب على الأجير الوفاء به ، وإن لم يكن قد نذر ، لم يلزم الأجير فعله .

إذا عرفت هذا ، فإن استأجره للإِحرام من قبل الميقات الشرعي وسوّغناه فتجاوزه غير مُحْرم ، فهل يجب على الأجير الدم في مجاوزته غير مُحْرم ؟ للشافعية وجهان :

أحدهما : عدم الوجوب ؛ لأنّ الدم منوط بالميقات الواجب شرعاً ، فلا يلحق به غيره ، ولأنّ الدم يجب حقّاً لله تعالى ، والميقات المشروط إنّما يتعيّن حقّاً للمستأجر ، والدم لا يُجبر حقّ الآدمي .

وأظهرهما عندهم : أنّه يلزم ؛ لأنّ تعيّنه وإن كان لحقّ الآدمي فالشارع هو الذي يحكم به ويتعلّق به حقّه ، فإن قلنا بالأول ، حطّ قسط من الاُجرة قطعاً ، وإن قلنا بالثاني ، ففي حصول الانجبار الوجهان (٢) .

وكذلك لزوم الدم بسبب ترك المأمور به كالرمي والمبيت .

وإن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللُّبْس والقَلْم ، لم يحط شي‌ء من الاُجرة ؛ لأنّه لم ينقص شي‌ء من العمل .

ولو شرط على الأجير أن يُحرم في أول شوّال فأخّره ، لزم الدم ، وفي الانجبار الخلاف (٣) ، وكذا لو شرط عليه أن يحجّ ماشياً فحجّ راكباً ؛ لأنّه ترك شيئاً مقصوداً .

مسألة ١٠٩ : أنواع الحجّ ثلاثة على ما يأتي (٤) : تمتّع وهو أفضلها ،

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٢ .

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٥٩ ، المجموع ٧ : ١٣١ .

(٤) يأتي في المسألة ١٢٥ .

١٤٦
 &

وقران وإفراد ، فعندنا إنّ التمتّع فرض من نأى عن مكة لا يجوز له غيره إلّا مع الضرورة ، والقران والإِفراد فرض أهل مكة وحاضريها لا يجوز له غيرهما إلّا مع الاضطرار .

إذا ثبت هذا ، فإذا استأجره ليحجّ عنه ، وجب تعيين أحد الأنواع ، فإذا أمره بالحجّ متمتّعاً فامتثل ، أجزأه إجماعاً ، ودم المتعة لازم للأجير ؛ لأنّه من مقتضيات العقد ، كفعل من الأفعال ، إلّا أن يشترطه على المستأجر فيلزمه ، وإن خالفه إلى القران ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه .

وإن استأجره ليُفْرد فتمتّع أو قرن ، أجزأه ، قاله الشيخ (١) رحمه الله ؛ لأنّه عدل إلى الأفضل وأتى بما استؤجر فيه وزيادة .

وإن استأجره للقران فقرن ، صحّ ؛ لأنّه استأجره له ، والهدي الذي به يكون قارناً لازم للأجير ؛ لأنّ إجارته تتضمّنه ، فإن شرطه على المستأجر ، جاز .

وإن خالفه وتمتّع ، قال الشيخ رحمه الله : جاز ؛ لأنّه عدل إلى ما هو الأفضل ، ويقع النسكان معاً عن المستأجر ، وإن أفرد ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه (٢) .

وقال الشافعي : إذا أمره بالقران فامتثل ، وجب دم القران على المستأجر في أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مقتضى الإِحرام الذي أمره ، وكأنّه القارن بنفسه .

والثاني : على الأجير ؛ لأنّه قد اُلزم القران ، والدم من تتمتّه .

فعلى الأول لو شرطا أن يكون على الأجير ، فسدت الإِجارة ؛ لأنّه جمع بين الإِجارة وبيع المجهول ، كأنّه يشتري الشاة منه وهي غير معيّنة ولا موصوفة ، والجمع بين الإِجارة وبيع المجهول فاسد .

ولو كان المستأجر معسراً ، فالصوم يكون على الأجير ؛ لأنّ بعض الصوم

__________________

(١ و ٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٤ .

١٤٧
 &

ينبغي أن يكون في الحج ، والذي في الحج منهما هو الأجير (١) .

وقال بعضهم : هو كما لو عجز عن الهدي والصوم جميعاً . وعلى الوجهين يستحقّ الاُجرة بتمامها (٢) .

وإن عدل إلى الإِفراد فحجّ ثم اعتمر ، قال الشافعي : يلزمه أن يردّ من الاُجرة ما يخصّ العمرة (٣) .

وهو محمول عند أصحابه على ما إذا كانت الإِجارة على العين ، فإنّه لا يجوز له تأخير العمل فيها عن الوقت المعيّن .

وإن كانت في الذمّة ، فإن عاد إلى الميقات للعمرة ، فلا شي‌ء عليه ، وقد زاد خيراً ، ولا شي‌ء على المستأجر أيضاً ؛ لأنّه لم يُقْرنْ ، وإن لم يَعُدْ ، فعلى الأجير دم ؛ لمجاوزته الميقات للعمرة .

وهل يحطّ شي‌ء من الاُجرة أم تنجبر الإِساءة بالدم ؟ فيه الخلاف السابق (٤) .

وإن عدل إلى التمتّع ، فقد قال بعضهم : إن كانت الإِجارةُ إجارةَ عين ، لم يقع الحج عن المستأجر ؛ لوقوعه في غير الوقت المعيّن ، وإن كانت الإِجارة على الذمّة ، نُظر إن عاد إلى الميقات للحج ، فلا دم عليه ولا على المستأجر ، وإن لم يَعُدْ ، فوجهان : أحدهما : لا يُجعل مخالفاً ؛ لتقارب (٥) الجهتين ، فإنّ في القران نقصاناً في الأفعال وإحراماً من الميقات ، وفي التمتّع كمالاً في الأفعال ونقصاناً في الإِحرام ؛ لوقوعه بعد مجاوزة الميقات ، فعلى هذا : الحكمُ كما لو امتثل (٦) .

وفي كون الدم على الأجير أو المستأجر للشافعية وجهان (٧) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٦٠ ـ ٦١ ، المجموع ٧ : ١٣٢ .

(٢ ـ ٤) فتح العزيز ٧ : ٦١ ، المجموع ٧ : ١٣٢ .

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : لتفاوت . وما أثبتناه من المصدر .

(٦ ـ ٧) فتح العزيز ٧ : ٦٢ ، المجموع ٧ : ١٣٢ .

١٤٨
 &

وقال بعضهم : يجب على الأجير دم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات ، وعلى المستأجر دم آخر ؛ لأنّ القران الذي اُمر به يتضمّنه (١) .

ولو أمره بالتمتّع فأفرد ، فالأقرب أنّه لا يستحقّ أجراً ؛ لأنّه لم يفعل ما استؤجر له .

وقال الشافعي : يُنظر إن قدّم العمرة وعاد للحجّ إلى الميقات ، فقد زاد خيراً ، وإن أخّر العمرة فإن كانت الإِجارةُ إجارةَ عين ، انفسخت فيها ؛ لفوات الوقت المعيّن للعمرة ، فيردّ حصتها من المسمّى ، وإن كانت الإِجارة على الذمّة وعاد للعمرة إلى الميقات ، لم يلزمه شي‌ء ، وإن لم يَعُدْ ، فعليه دم ؛ لترك الإِحرام بالعمرة من الميقات ، وفي حطّ شي‌ء من الاُجرة الخلافُ السابق .

وإن قرن فقد زاد خيراً ؛ لأنّه أحرم بالنسكين من الميقات وكان مأموراً بأن يحرم بالعمرة منه وبالحجّ من مكة .

ثم إن عدّد الأفعال ، فلا شي‌ء عليه ، وإلّا فوجهان في أنّه هل يحطّ شي‌ء من الاُجرة ؛ للاختصار في الأفعال وفي أنّ الدم على المستأجر ؛ لأمره بما يتضمّن الدم ، أو على الأجير ؛ لنقصان الأفعال ؟ وكلّ ذلك مخرَّجٌ على الخلاف المقدّم في عكسه ، وهو ما إذا تمتّع المأمور بالقران (٢) .

ولو أمره بالإِفراد فقرن ، فالأقرب : الإِجزاء ، وهدي القران على الأجير ؛ لتبرّعه .

وأمّا الشافعية فقالوا : إن كانت الإِجارة على العين ، فالعمرة واقعة لا في وقتها ، فهو كما لو استأجره للحجّ وحده فقرن ، وإن كانت في الذمّة وقعا عن المستأجر ؛ لأنّ القران كالإِفراد شرعاً في إخراج الذمّة عن العهدة ، وعلى الأجير الدم .

وهل يحطّ شي‌ء من الاُجرة أو ينجبر الخلل بالدم ؟ فيه الخلاف

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٦٣ ، المجموع ٧ : ١٣٣ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٦٣ ـ ٦٤ ، المجموع ٧ : ١٣٣ .

١٤٩
 &

المتقدّم .

وإن تمتّع ، فإن كانت الإِجارة على العين وقد أمره بتأخير العمرة ، فقد وقعت في غير وقتها ، فيردّ ما يخصّها من الاُجرة .

وإن أمره بتقديمها أو كانت الإِجارة على الذمّة ، وقعا عن المستأجر ، وعلى الأجير دم إن لم يَعُدْ للحجّ إلى الميقات ، وفي حطّ شي‌ء من الاُجرة الخلافُ السابق (١) .

واعلم أنّ بعض الشافعية استشكل هذه المسائل ، فإنّها قد اشتركت في العدول عن الجهة المأمور بها إلى غيرها ، وهو [ غير ] (٢) قادح في وقوع النسكين عن المستأجر .

وفيه إشكال ؛ لأنّ ما يراعى الإِذن في أصله يراعى في تفاصيله المقصودة ، فإذا خالف ، كان المأتي به غير المأذون فيه (٣) .

مسألة ١١٠ : إذا جامع الأجير قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، وانقلبت الحجّة إلى الأجير ، فتلزمه الكفّارة ، والمضيّ في الفاسد ، والقضاء للفاسد عنه ؛ لأنّه استؤجر للحجّ الصحيح ولم يأت به بل بحجّ فاسد ، فليصرف إليه ، كما لو أمره بشراء شي‌ء بصفة فاشترى على غير تلك الصفة ، يقع عن المأمور ، والحجّ قابل للنقل عن الحالة التي انعقد عليها ؛ فإنّ حجّ الصبي ينعقد نفلاً ، فإذا بلغ قبل الوقوف ، انقلب فرضاً ، وهو أحد قولي الشافعي (٤) .

والثاني : أنّه لا ينقلب الحجّ إلى الأجير ولا يجب القضاء ؛ لأنّ الإِحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلى غيره ، ولا قضاء ؛ لأنّ مَنْ له الحجّ لم

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٦٤ ، المجموع ٧ : ١٣٣ .

(٢) أضفناها من المصدر .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٦٥ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٦٦ ، المجموع ٧ : ١٣٤ .

١٥٠
 &

يفسده ، فلا يؤثّر فعل غيره فيه (١) .

وفي رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام في رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة ، قال : « هي للأول تامّة ، وعلى هذا ما اجترح » (٢) .

إذا عرفت هذا ، فعلى ما اخترناه إن كانت السنة معيّنةً ، انفسخت الإِجارة ، ولزم المستأجر أن يستأجر مَنْ ينوب عنه فيها ، وإن لم تكن معيّنةً ، بل كانت في الذمة ، لم تنفسخ ، وعليه أن يأتي بحجّة اُخرى في المستقبل عمّن استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه ، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإِجارة عليه ، والحجّة الاُولى فاسدة لا تجزئ عنه ، والثانية قضاء عنها عن نفسه ، ثم يقضي بعد ذلك الحجّ الذي استؤجر له .

وقال الشافعي : إن كانت الإِجارة على العين ، انفسخت ، والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه ، وإن كانت في الذمّة ، لم تنفسخ .

وعمّن يقع القضاء قولان :

أحدهما : عن المستأجر ؛ لأنّه قضاء للأول ، ولولا فساده لوقع عنه .

وأصحهما : عن الأجير ؛ لأنّ القضاء بحكم الأداء ، والأداء وقع عن الأجير ، فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجّة اُخرى للمستأجر ، فيقضي عن نفسه ثم يحجّ عن المستأجر في سنة اُخرى ، أو يستنيب مَنْ يحجّ عنه في تلك السنة . وحيث لا تنفسخ الإِجارة فللمستأجر خيار الفسخ عند الشافعي ؛ لتأخّر المقصود (٣) .

مسألة ١١١ : إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإِحرام إلى نفسه ظنّاً منه بأنّه ينصرف ، فأتمّ الحجّ على هذا الظنّ ، فالوجه عندي : فساد

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٦٦ ، المجموع ٧ : ١٣٤ .

(٢) الكافي ٤ : ٥٤٤ / ٢٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦١ / ١٦٠٦ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٦٦ ـ ٦٧ ، المجموع ٧ : ١٣٤ .

١٥١
 &

الحجّ .

أمّا بالنسبة إليه : فلعدم انصرافه إليه .

وأمّا بالنسبة إلى المستأجر : فلأنّه لم يَنْو بباقي الأفعال النيابة ، بل نوى وقوعها لنفسه ولم يقع ؛ لبطلان الإِحرام لنفسه ، ولاستحقاق المستأجر ذلك الزمان ، ولا يستحق الأجير الاُجرة ، لأنّه لم يأت بالمقصود عليه .

وقال الشافعي : يقع الحجّ للمستأجر ، وفي استحقاق الأجير الاُجرة قولان :

أحدهما : لا يستحقّ ؛ لأنّه أعرض عنها حيث قصد بالحجّ نفسه .

وأصحّهما عنده : الاستحقاق ؛ لانعقاد الحجّ للمستأجر ، وحصول غرضه .

وهذا الخلاف جارٍ فيما إذا دفع ثوباً إلى صبّاغ ليصبغه ، فأمسكه لنفسه وجحده وصبغه لنفسه ثمّ ردّه ، هل يستحقّ الاُجرة ؟

وعلى القول بالاستحقاق فالمستحقّ المسمّى أو اُجرة المثل ؟ وجهان : أصحهما عندهم : الأول (١) .

مسألة ١١٢ : إذا مات الحاجّ عن نفسه فلا يخلو إمّا أن يكون الحجّ قد وجب عليه أوّلاً واستقرّ أو لا ، فإن كان الحجّ لم يجب عليه قبل هذه السنة ، سقط الحج عنه مطلقاً .

وإن كان الحجّ قد وجب عليه أوّلاً واستقرّ وفرّط بالتأخير ثم خرج لأدائه فمات قبل فعله ، فالأقرب ـ على ما يقتضيه مذهبنا ـ التفصيل ، وهو أنّه إن مات بعد الإِحرام ودخول الحرم ، أجزأه عن الحجّ ، وبرئت ذمّته ؛ لأنّ ذمّة الأجير تبرأ بذلك على ما يأتي ، فكذا الأصل ، وإن مات قبل الإِحرام ودخول الحرم ، وجب أن يقضى عنه ، ولم يعتدّ بما فعله .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٦٧ ، المجموع ٧ : ١٣٤ ـ ١٣٥ .

١٥٢
 &

وإن كان الميّت الأجير ، فإن كان بعد الإِحرام ودخول الحرم ، أجزأه ما فعله عن نفسه وعن المنوب عنه ، وسقط الحجّ عن المنوب عند علمائنا ، وقد تقدّم .

وإن كان قبل ذلك ، لم تبرأ ذمّة المنوب ، ويجب على الأجير (١) ردّ باقي مال الإِجارة بعد إسقاط ما قابل فعله إن كان قد استؤجر لقطع المسافة والحجّ ، وإن كان قد استؤجر لفعل الحجّ خاصّة ، لم يستحقّ شيئاً في مقابلة قطع المسافة .

وقال الشافعي : إذا حجّ عن نفسه ثم مات في أثنائه ، هل يجوز البناء على حجّه ؟ فيه قولان ، وشبّهوهما بالقولين في جواز البناء على الأذان والخطبة .

فالجديد ـ وهو الصحيح عندهم ـ : أنّه لا يجوز البناء على الحجّ ؛ لأنّه عبادة يفسد أوّلها بفساد آخرها ، فأشبهت الصوم والصلاة .

ولأنّه لو اُحصر فتحلّل ثم زال الحصر فأراد البناء عليه ، لا يجوز ، فإذا لم يجز له البناء على فعل نفسه فأولى أن لا يجوز لغيره البناء على فعله .

والقديم : الجواز ؛ لأنّ النيابة جارية في جميع أفعال الحج فتجري في بعضها ، كتفرقة الزكاة .

فعلى القديم لو مات وقد بقي وقت الإِحرام بالحجّ ، أحرم الثاني بالحجّ ، ووقف بعرفة إن لم يقف الأصل ، ولا يقف إن وقف ، ويأتي ببقيّة الأعمال .

ولا بأس بوقوع إحرام النائب وراء الميقات ، فإنّه مبني على إحرام اُنشئ منه .

وإن لم يبق وقت الإِحرام بالحجّ ، فبِمَ يُحْرم ؟ وجهان :

__________________

(١) أي : على ورثة الأجير .

١٥٣
 &

أحدهما : أنّه يُحرم بعمرة ؛ لفوات وقت الإِحرام بالحجّ ، ثم يطوف ويسعى ، فيقعان عن الحجّ ولا يبيت ولا يرمي ؛ فإنّهما ليسا من أعمال العمرة ، لكنهما يجبران بالدم .

والأصح عندهم : أن يُحرم بالحجّ أيضاً ، ويأتي ببقية الأعمال ؛ لأنّه لو أحرم بالعمرة ، للزمه أفعال العمرة ، ولما انصرفت إلى الحجّ ، والإِحرام المبتدأ هو الذي يمنع تأخيره عن أشهر الحجّ ، وهذا ليس إحراماً مبتدأً ، وإنّما هو مبني على إحرام اُنشئ في وقته .

وعلى هذا فلو مات بين التحليلين ، أحرم النائب إحراماً لا يحرّم اللبس والقلم ، وإنّما يحرّم النساء ؛ لأنّ إحرام الأصل لو بقي لكان بهذه الصفة .

هذا كلّه فيما إذا مات قبل حصول التحليلين ، فأمّا إذا مات بعد حصولهما ، فقد قال بعضهم : لا يجوز البناء والحال هذه ؛ إذ لا ضرورة إليه ، لإِمكان جبر ما بقي من الأعمال بالدم (١) .

مسألة ١١٣ : لو مات الأجير ، فعندنا قد تقدّم حكمه .

وأمّا الشافعي فقد قال : إن كان قد مات بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها فهل يستحقّ شيئاً من الاُجرة ؟ فيه قولان :

أحدهما : لا يستحق ؛ لأنّه لم يسقط الفرض عن المستأجر ، وهو المقصود ، فأشبه ما لو التزم له مالاً ليردّ عبده الآبق فردّه بعض الطريق ثم هرب .

والثاني : نعم ؛ لأنّه عمل بعض ما استؤجر له ، فاستحقّ بقسطه من الاُجرة ، كما لو استؤجر لخياطة ثوب فخاط بعضه .

ثم اختلفوا فبعضهم بنى القولين هنا على القولين في أنّه هل يجوز البناء على الحجّ ؟ إن قلنا : لا ، فلا شي‌ء له ؛ لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله ، وإن

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٦٨ ـ ٦٩ ، المجموع ٧ : ١٣٥ .

١٥٤
 &

قلنا : نعم ، فله القسط .

وبعضهم نازع في هذا البناء ، وقالوا : الجديد هنا : أنّه يستحقّ القسط ، والجديد من القولين في أنّه هل يبنى على الحجّ ؟ : المنع .

وأيضاً فقد رجّح كثير من الشافعية الاستحقاق هنا ، وفي خلاف البناء الراجح المنع بالاتّفاق (١) .

وتوسّط الجويني فقال : إن جوّزنا البناء ، استحقّ الأجير قسطاً من الْأُجرة ، وإلّا ففيه الخلاف .

ووجه الاستحقاق : أنّه لا تقصير من الأجير ، والمأتي به ينفع المستأجر في الثواب .

ووجه المنع : أنّ ما كان على المستأجر قد بقي بحاله ، فكأنّ الأجير لم يعمل له شيئاً (٢) .

وإذا قلنا : يستحقّ قسطاً ، فالْأُجرة تقسّط على الأعمال وحدها أو عليها مع السير ؟ فيه قولان .

وجه الأول : أنّ المقصود الأعمال ، والسير وسيلة إليها ، والْأُجرة تقابل المقصود .

والثاني ـ وهو الأظهر عندهم ـ : أنّ الوسائل تأخذ حكم المقاصد ، والتعب في السير أكثر منه في الأعمال ، فيبعد أن لا يقابل بشي‌ء (٣) .

ومنهم من قال : لا خلاف في المسألة ، ولكن إن قال : استأجرتك لتحجّ عنّي ، فالتقسيط على الأعمال خاصة ، ولو قال : لتحجّ عنّي من بلد كذا ، فالتقسيط عليهما معاً (٤) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٧٠ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٧٠ ـ ٧١ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٧١ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٧١ ، المجموع ٧ : ١٣٦ .

١٥٥
 &

ثم إن كانت الإِجارة على العين انفسخت ولا بناء لورثة الأجير ، كما لم يكن له أن يبني بنفسه .

وهل للمستأجر أن يستأجر من يتمّه ؟ فيه قولان مبنيّان على القولين في جواز البناء ، إن جوّزناه فله ذلك ، وإلّا فلا .

وإن كانت الإِجارة على الذمّة ، فإن لم نجوّز البناء ، فلورثة الأجير أن يستأجروا من يحجّ عمّن استؤجر له مورّثهم ، فإن تمكّنوا منه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك ، وإلّا فللمستأجر الخيار ، وإن جوّزنا البناء ، فلهم أن يتمّوا الحجّ (١) .

وإن مات الأجير بعدما أخذ في السير وقبل أن يُحرم ، فالمنقول عن نصّ الشافعي في عامّة كتبه أنّه لا يستحقّ شيئاً من الْأُجرة ؛ لأنّه بسبب لم يتّصل بالمقصود ، فأشبه ما لو قرّب الأجير على البناء آلات البناء من موضع الى موضع البناء ولم يبن شيئاً (٢) .

وفيه وجه لأصحابه : أنّه يستحقّ قسطاً من الْأُجرة ؛ لأنّ الْأُجرة في مقابلة السير والعمل جميعاً ، فإنّها تختلف باختلاف المسافة طولاً وقصراً (٣) .

ولو مات بعد إتمام الأركان وقبل الفراغ من سائر الأعمال ، فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوّز البناء ، فيجبر بالدم من مال الأجير . وفي ردّ شي‌ء من الْأُجرة الخلافُ السابق .

وإن جوّزنا البناء فإن كانت الإِجارة على المعيّن انفسخت ، ووجب ردّ قسطها من الْأُجرة ، ويستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ، ولا دم على الأجير ، وإن كانت على الذمّة ، استأجر وارث الأجير من يرمي ويبيت ، ولا حاجة إلى الإِحرام ؛ لأنّهما عملان يفعلان بعد التحلّلين ولا يلزم الدم ولا ردّ شي‌ء من

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٧١ ـ ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٣٦ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٣٦ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٣٧ .

١٥٦
 &

الْأُجرة (١) .

مسألة ١١٤ : لو صدّ الأجير عن بعض الطريق ، قال الشيخ رحمهما الله : كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق الذي يؤدّي فيه الحجّ إلّا أن يضمن العود لأداء ما وجب (٢) .

ونحن نقول : إن كانت الإِجارة في الذمّة ، وجب على الأجير الإِتيان بها مرّة ثانية ، ولم يكن للمستأجر فسخ الإِجارة ، وكانت الاُجرة بكمالها للأجير ، وإن كانت معيّنةً ، فله أن يرجع عليه بالمتخلّف ، ولا يجب على المستأجر الإِجابة في قضاء الحج ثانياً ، بل له فسخ العقد واستئجار غيره ، وله أن يجيبه إلى ذلك .

مسألة ١١٥ : لو اُحصر الأجير ، جاز له أن يتحلّل بالهدي ؛ لعموم الآية (٣) .

ويقع ما فعله عن المستأجر ؛ لأنّه قصد الفعل له .

وقال بعض الشافعية : يقع عن المحصر (٤) .

إذا عرفت هذا ، فالدم على الأجير .

ولم لم يتحلّل وأقام على إحرامه حتى فات الحج ، تحلّل بعمرة ، ولا يستحقّ الْأُجرة على ما فعله من وقت الوقوف إلى التحلّل ؛ لأنّ تلك الأفعال لم يفعلها للمستأجر ، بل ليتحلّل من إحرامه ، وأمّا ما فعله قبل ذلك فإنّه يستحقّ به الْأُجرة عندنا .

وقال الشافعي : لو اُحصر الأجير ، فله التحلّل ، كما لو اُحصر الحاج لنفسه ، فإن تحلّل فعمّن يقع ما أتى به ؟ وجهان : أصحّهما : عن المستأجر ،

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٧٢ ـ ٧٣ ، المجموع ٧ : ١٣٧ .

(٢) المقنعة : ٦٩ ، النهاية : ٢٧٨ .

(٣) البقرة : ١٩٦ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٧٣ ، المجموع ٧ : ١٣٧ .

١٥٧
 &

كما لو مات ؛ إذ لم يوجد من الأجير تقصير . والثاني : عن الأجير ، كما لو أفسده ؛ لأنّه لم يحصّل غرضه ، فعلى هذا دم الإِحصار على الأجير ، وعلى الأول هو على المستأجر ، وفي استحقاقه شيئاً من الْأُجرة الخلاف المذكور في الموت .

وإن لم يتحلّل وأقام على الإِحرام حتى فاته الحج ، انقلب الحجّ إليه ، كما في صورة الإِفساد ، ثم يتحلّل بعمرة ، وعليه دم الفوات .

ولو فرض الفوات بنوم أو تأخّرٍ عن القافلة وغيرهما من غير إحصار ، انقلب المأتي به إلى الأجير أيضاً ، كما في الإِفساد ؛ لاشتراكهما في إيجاب القضاء ، ولا شي‌ء للأجير (١) .

مسألة ١١٦ : يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب بالقلب ، ويستحب ضمّ اللسان ، ولا يجزئ لو تجرّد عن القلب ؛ لأنّ الحجّ فعل يحتمل وجوهاً ، وصرفه إلى الفاعل أقرب ، فلا بدّ من تخصيص الفعل بالمنوب ليقع له .

ويستحب له أن يذكره في المواقف كلّها ؛ لما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : قلت له : ما يجب على الذي يحجّ عن الرجل ؟ قال : « يسمّيه في المواطن والمواقف » (٢) .

وأمّا عدم وجوب التلفّظ بذلك : فللأصل .

ولما رواه مثنى بن عبد السلام عن الصادق عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإِنسان يذكره في جميع المواطن كلّها ؟ قال : « إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، الله يعلم أنّه قد حجّ عنه ، ولكن يذكره عند الْأُضحية إذا ذبحها » (٣) .

ويستحب للنائب عند عقد الإِحرام أن يقول ما رواه الحلبي عن الصادق

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٧٣ ـ ٧٤ ، المجموع ٧ : ١٣٧ .

(٢) الكافي ٤ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ ـ ٤١٩ / ١٤٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٤ / ١١٤٨ .

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٩ / ١٣٦٨ ، التهذيب ٥ : ٤١٩ / ١٤٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٤ / ١١٤٩ .

١٥٨
 &

عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يحجّ عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس ، هل ينبغي له أن يتكلّم بشي‌ء ؟ قال : « نعم يقول بعدما يُحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو سغب فأجُر فلاناً فيه وأجُرني في قضائي عنه » (١) .

مسألة ١١٧ : إذا فعل الأجير شيئاً تلزمه الكفّارة به من محظورات الإِحرام ، كانت الكفّارة عليه في ماله من الصيد واللباس والطيب وغير ذلك ؛ لأنّها عقوبة على جناية صدرت عنه ، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه ، فاختصّت بالجاني ، وجرى مجرى الأجير إذا جنى على إنسان ، فخرق ثوبه أو جرحه ، يجب الأرش عليه لا على المستأجر ، كذلك هاهنا .

مسألة ١١٨ : قال الشيخ رحمه الله : إذا أخذ الأجير حجّةً من غيره ، لم يكن له أن يأخذ حجّة اُخرى حتى يقضي التي أخذها (٢) .

والتحقيق أن نقول : إن كانت الإِجارة الْأُولى وقعت على تلك السنة ، لم يكن له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها ؛ لأنّ فعله صار مستحقاً للأول ، فلا يجوز صرفه إلى غيره .

وإن استأجره الأول مطلقاً ، فإن استأجره الثاني للسنة الْأُولى ، فإن قلنا باقتضاء الإِطلاق التعجيل ، لم يصح العقد الثاني ؛ لأنّ الإِجارة الْأُولى وإن كانت غير معيّنة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الْأُولى ، فلا يجوز حينئذٍ صرف العمل فيها إلى غيره ، وإن استأجر للسنة الثانية ، جاز .

ولو استأجره مطلقاً ، فالأقرب الجواز ؛ للأصل ، واقتضاء التعجيل هنا مندفع بسبب استحقاق الأول .

ولو استأجره الأول للسنة الثانية ، جاز للثاني أن يستأجره مطلقاً وأن

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٨ / ١٤٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٤ / ١١٤٧ وفيه : « شعث » بدل « سغب » .

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٦ .

١٥٩
 &

يستأجره للسنة الْأُولى .

مسألة ١١٩ : لا يجوز لحاضر مكة المتمكّن من الطواف الاستنابة فيه ؛ لأنّه عبادة بدنية يمكن الإِتيان بها مباشرة ، فلا تجوز الاستنابة فيها كالحجّ .

ولو كان غائباً ، جاز له أن يستنيب فيه مع وجوبه عليه وعدم تمكّنه منه ، أو مع ندبيته ؛ لأنّه بغيبته عاجز عن المباشرة ، فجاز له الاستنابة .

ولما رواه عبد الرحمن بن أبي نجران عمّن حدّثه عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكّة ، قال : « لا ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب » قلت : وكم قدر الغيبة ؟ قال : « عشرة أميال » (١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز للحاضر غير المتمكّن من الطواف ؛ لعدم تمكّنه من الطهارة ، بأن يكون مريضاً لا يستمسك الطهارة ، فإنّه يُطاف عنه ، ولو استمسك ، طيف به .

والمغمى عليه والكسير يُطاف به ويُرمى عنه ؛ لما رواه حريز عن الصادق عليه السلام ، قال : « المريض والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه » (٢) .

وفي رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال : « الكسير يُحمل ويُطاف به ، والمبطون يُرمى عنه ويطاف عنه » (٣) .

مسألة ١٢٠ : الأجير يملك الاُجرة بالعقد ، فإذا حجّ فإن فضل له شي‌ء من الاُجرة عن نفقة الحج ، استحبّ له ردّه إلى المستأجر ليكون قصده بالحج القربة لا العوض ، وليس ذلك بلازم ؛ لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : أعطيت الرجل دراهم ليحجّ بها عنّي ، ففضل

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٩ / ١٤٥٥ .

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٤٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٧٩ .

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤٠٩ .

١٦٠