تذكرة الفقهاء - ج ٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قال أبو هريرة : جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثمّ مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثمّ مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثمّ مَنْ ؟ قال : ( أبوك ) (١) .

ولو كان الحج واجباً على الأب دونها ، بدأ به ؛ لأنّه واجب فكان أولى من التطوّع (٢) .

مسألة ٧٠ : من وجب عليه الحج فخرج لأدائه فمات في الطريق ، فإن لم يفرّط بالتأخير بل خرج حالة وجوب الحج ، لم يجب إخراج شي‌ء من تركته في الحج ، سواء دخل الحرم وأحرم أو لا .

وإن كان الحج قد استقرّ في ذمّته بأن وجب عليه الحج في سنة فلم يخرج فيها وأخّر إلى سنة أُخرى فخرج فمات في الطريق ، فإن كان قد أحرم ودخل الحرم فقد أجزأه عمّا وجب عليه ، وسقط الحج عنه ، سواء كان وجب عليه الحج عن نفسه أو عن غيره بأن استؤجر للحج فمات بعد الإِحرام ودخول الحرم ، وتبرأ أيضاً ذمّة المنوب ، وإن مات قبل ذلك ، وجب أن يقضى عنه من صلب ماله .

وقال أحمد : يستأجر عنه عمّا بقي من أفعاله (٣) . ولم يفصّل كما فصّلناه .

ونحن اعتمدنا في ذلك على ما رواه الخاصة عن أهل البيت عليهم السلام :

روى بريد بن معاوية العجلي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل ونفقة وزاد فمات في الطريق ، فقال : « إن كان صرورةً فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٧٤ / ٢٥٤٨ .

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٠٠ .

(٣) المغني ٣ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٨ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧١ .

١٠١
 &

الإِسلام ، وإن مات قبل أن يُحرم وهو صرورة جُعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإِسلام ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فهو لورثته » قلت : أرأيت إن كانت الحجة تطوّعاً فمات في الطريق قبل أن يُحرم لمن يكون جمله ونفقته وما تركه ؟ قال : « لورثته إلّا أن يكون عليه دين فيقضى دينه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى ويجعل ذلك من الثلث » (١) .

تذنيب : استقرار الحج في الذمّة يحصل بالإِهمال بعد حصول الشرائط بأسرها ومضيّ زمان جميع أفعال الحجّ ، ويحتمل مضيّ زمان يتمكّن فيه من الإِحرام ودخول الحرم .

آخر : الكافر يجب عليه الحج على ما تقدّم ، ولا يصح منه قبل الإِسلام ، فإن وجد الاستطاعة حالة الكفر فلم يحج ومات ، أثم ، ولم يُقض عنه ، ولو أسلم ، وجب عليه الإِتيان به إن استمرّت الاستطاعة ، ولو فقدت بعد إسلامه ، لم يجب عليه بالاستطاعة السابقة حال كفره ، ولو فقد الاستطاعة بعد الإِسلام ومات قبل عودها ، لم يُقض عنه ، ولو أحرم حال كفره ، لم يعتد به ، وأعاده بعد الإِسلام ، ولو استطاع المرتدّ حال ردّته ، وجب عليه وصحّ منه إن تاب ، ولو مات اُخرج من صلب تركته وإن لم يتب على إشكال .

مسألة ٧١ : من وجب عليه حجة الإِسلام فنذر الإِتيان بها صحّ نذره ؛ لأنّ متعلّقه طاعة ، ولا يجب عليه الإِتيان بحجة اُخرى ، وفائدة النذر : وجوب الكفّارة لو أهمل .

ولو نذر حجّة اُخرى وجب عليه النذر مغايراً لحجة الإِسلام .

ولو أطلق النذر ولم ينو حجة الإِسلام ولا المغايرة ، وجب عليه حجّ آخر غير حجة الإِسلام ، ولا تجزئ إحداهما عن الاُخرى .

وقال بعض علمائنا : إن حجّ ونوى النذر أجزأ عن حجة الإِسلام ، وإن

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٧ / ١٤١٦ .

١٠٢
 &

نوى حجة الإِسلام ، لم يجزئ عن النذر (١) ، لما رواه رفاعة بن موسى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله هل يجزئه ذلك عن حجة الإِسلام ؟ قال : « نعم » (٢) .

ولا دلالة فيه ، لاحتمال أن يقصد بالنذر حجة الإِسلام .

مسألة ٧٢ : لو نذر الحجّ ماشياً ، انعقد نذره ، ووجب المشي إلى بيت الله تعالى ، وأداء المناسك ، فلو احتاج إلى عبور نهر عظيم في سفينة ، قيل : يقوم في السفينة (٣) .

والوجه : الاستحباب .

ولو ركب طريقه بأسرها مختاراً ، قضاه إلّا أن يكون معذوراً بعجز وشبهه ، فيركب ولا شي‌ء عليه .

ولا يسقط عنه الحج ؛ لأنّ نذر الحج ماشياً نذر للمركّب فيستلزم نذر أجزائه ، وبالعجز عن البعض لا يسقط الباقي ؛ لما رواه رفاعة بن موسى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله ، قال : « فليمش » قلت : فإنّه تعب ، قال : « فإذا تعب ركب » (٤) .

ولو ركب البعض مختاراً ومشى البعض ، قال بعض علمائنا : يجب القضاء ماشياً ؛ لإِخلاله بالصفة (٥) .

وقال بعضهم : يقضي ويمشي في القضاء ما ركبه ويركب فيه ما مشاه أوّلاً (٦) .

__________________

(١) النهاية : ٢٠٥ .

(٢) التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٥ ، والكافي ٤ : ٢٧٧ / ١٢ .

(٣) القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٠٥ و ٥٦٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٣ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ٢٣١ .

(٤) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٢ ، الاستبصار ٢ : ١٥٠ / ٤٩٢ .

(٥) ابن ادريس في السرائر : ٣٥٧ .

(٦) الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٠٣ ، والنهاية : ٥٦٥ ـ ٥٦٦ .

١٠٣
 &

ولو عجز عن المشي ، قال بعض علمائنا : يركب ويسوق بدنة (١) ؛ لما رواه ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشياً ، فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال : « فليركب وليسق الهدي » (٢) .

وقال بعض علمائنا : يركب ولا هدي عليه (٣) .

وقال بعضهم : إن كان النذر مطلقاً ، توقّع المكنة ، وإن كان مقيّداً ، سقط ؛ للعجز عن فعل ما نذره (٤) .

مسألة ٧٣ : لو مات وعليه حجة الإِسلام واُخرى منذورة مستقرّتان ، وجب أن يُخرج عنه من صلب ماله اُجرة الحجّتين ؛ لأنّهما كالدّيْن .

وللشيخ ـ رحمه الله ـ قول : إنّ حجّة الإِسلام تُخرج من أصل المال ، وما نذره من الثلث (٥) ؛ لوجوب تلك بالأصالة ووجوب هذه بالعرض ؛ لأنّها كالمتبرّع بها ، فأشبهت الندب .

ولما رواه ضريس بن أعين ، أنّه سأل الباقر عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإِسلام ونذر في شكر ليُحجّنّ رجلاً ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإِسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال : « إن كان ترك مالاً ، حجّ عنه حجّة الإِسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثُلْثه ما يحج به عنه للنذر ، وإن لم يكن ترك مالاً إلّا بقدر حجّة الإِسلام ، حجّ عنه حجّة الإِسلام في ما ترك ، وحجّ عنه وليّه النذر ، فإنّما هو دين عليه » (٦) .

__________________

(١) الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٠٥ ، والمبسوط ١ : ٣٠٣ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٩ / ٤٩٠ .

(٣) الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٩ ، وابن ادريس في السرائر : ١٢١ و ٣٥٧ .

(٤) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٣١ .

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٠٦ .

(٦) التهذيب ٥ : ٤٠٦ / ١٤١٣ .

١٠٤
 &

قال الشيخ : قوله عليه السلام : « فليحجّ عنه وليّه ما نذر » على جهة التطوّع والاستحباب دون الفرض والإِيجاب (١) .

والوجه : ما تقدّم .

تذنيب : لو أوصى بحجّ وغيره من الطاعات ، فإن كان فيها واجب ، قدّم ، ولو كان الجميع واجباً وقصرت التركة ، بسطت على الجميع بالحصص ، فإن لم يمكن الاستئجار بما جعل في نصيب الحج ، صرف في الباقي .

وقال بعض علمائنا : يقدّم الحجّ (٢) ، لأولويته ، وللرواية (٣) .

والوجه : ما قلناه .

آخر : لو أوصى أن يحجّ عنه عن كلّ سنة بمال معيّن ، فلم يسع ذلك القدر للحجّة ، جعل مال سنتين لسنة ، ولو قصرا ، جعل نصيب ثلاث سنين ، وهكذا ؛ لما رواه إبراهيم بن مهزيار ، قال : كتب إليه علي بن محمد الحصيني (٤) أنّ ابن [ عمّي ] (٥) أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة فليس يكفي ، فما تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام « يجعل حجّتين حجّةً ، فإنّ الله تعالى عالم بذلك » (٦) .

مسألة ٧٤ : لو كان عنده وديعة ومات صاحبها وعليه حجّة الإِسلام وعرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه ، فليستأجر من يحجّ عنه ، وليدفع الوديعة في الإِجارة باُجرة المثل ؛ لأنّه مال خارج عن الورثة ، ويجب صرفه في الحجّ ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٦ ذيل الحديث ١٤١٣ .

(٢) القاضي ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ١١٢ .

(٣) أي : رواية ضريس بن أعين ، التي تقدّمت آنفاً .

(٤) في التهذيب : الحضيني .

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : عمر . وما أثبتناه من المصدر .

(٦) الكافي ٤ : ٣١٠ باب بعد باب الحج ، الحديث ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٨ .

١٠٥
 &

فليصرف فيه .

ولما رواه بريد العجلي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل استودعني مالاً فهلك وليس لولده شي‌ء ولم يحجّ حجّة الإِسلام ، قال : « حجّ عنه ، وما فضل فأعطهم » (١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّما يسوغ له ذلك بشروط :

أ ـ علمه بأنّ الورثة لا يحجّون عنه إذا دفع المال إليهم .

ب ـ أمن الضرر ، فلو خاف على نفسه أو ماله ، لم يجز له ذلك .

ج ـ أن لا يتمكّن من الحاكم ، فإن تمكّن منه بأن يشهد له عدلان عنده بذلك أو بغير ذلك من الأسباب بثبوت الحج في ذمّته وامتناع الورثة من الاستئجار ، لم يجز له الاستقلال به ، ولو عجز عن إثبات ذلك عند الحاكم ، جاز له الاستبداد بالاستئجار .

مسألة ٧٥ : إذا نذر الحجّ مطلقاً ، لم يتعيّن الفور ، بل يجوز التأخير إلى أن يغلب على الظنّ الوفاة لو لم يفعله ، فإن مضى زمان يمكنه فيه فعل الحجّ ولم يفعله حتى مات ، وجب أن يقضى عنه من أصل التركة ؛ لأنّه قد وجب عليه بالنذر ، واستقرّ بمضيّ زمان التمكّن ، ولا يسقط عنه بعدم وجوب الفورية .

أمّا لو منعه مانع عن الفورية ، فإنّه يصبر حتى يزول المانع فإن مات قبل زوال المانع ، لم يجب القضاء عنه ؛ لفوات شرط الوجوب ، وهو : القدرة .

ولو عيّن الوقت فأخلّ مع القدرة ، قضي عنه . وإن منعه عارض ـ كمرض أو عدوّ ـ حتى مات ، لم يجب قضاؤه عنه .

ولو نذر الحجّ أو أفسد حجّاً وهو معضوب ، فالأقرب وجوب الاستنابة ، كحجّة الإِسلام .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٧٢ / ١٣٢٨ ، التهذيب ٥ : ٤١٦ / ١٤٤٨ .

١٠٦
 &

مسألة ٧٦ : لا يجوز لمن وجب عليه الحجّ واستقرّ أن يحجّ تطوّعاً ولا نذراً لم يتضيّق وقته ، فإن أحرم بتطوّع ، قال الشيخ رحمه الله : يقع عن حجّة الإِسلام (١) . وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو قول ابن عمر وأنس ؛ لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق (٢) .

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر : يقع ما نواه . وهو رواية أُخرى عن أحمد (٣) .

والتحقيق أن نقول : إن كان قد وجب عليه واستقرّ ، لم يجزئه عن أحدهما .

أمّا عن حجّ الإِسلام : فلأنّه لم ينوه .

وأمّا عن حجّ التطوّع : فلأنّه لم يحصل شرطه ، وهو : خلوّ الذمّة عن حجّ واجب .

وإن كان الحجّ لم يجب عليه ، وقع عن التطوّع .

تذنيب : لو كان عليه حجّة منذورة فأحرم بتطوّع ، لم يصح .

وهل يقع عن المنذورة ؟ الأقرب : المنع ؛ لأنّ المنذورة واجبة ، فهي كحجّة الإِسلام .

وقال أحمد : يقع عن المنذورة ؛ لأنّها واجبة ، فهي كحجّة الإِسلام (٤) .

آخر : العمرة كالحجّ فيما ذكرنا ؛ لأنّها أحد النسكين ، فأشبهت الآخر .

مسألة ٧٧ : لو نذر الحجّ فإن أطلق الزمان ، صحّ النذر ، سواء كان قد

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٠٢ .

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٩ ، المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧٢ .

(٤) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ .

١٠٧
 &

استقرّ عليه حجّة الإِسلام أو لا ؛ لعدم الفورية فيه على الأقوى .

وإن قيّد النذر بزمان ، فإن لم يكن جامعاً لشرائط حجّة الإِسلام ، انعقد نذره وإن كان صرورةً .

ثمّ إن استطاع بعد ذلك ففي وجوب تقديم حجّة الإِسلام نظر أقربه : المنع ؛ لأنّ الزمان قد استحق صرفه بالنذر إلى غير حجّة الإِسلام ، فلو قدّم حجّة النذر ، أجزأ إن لم نوجب تقديم حجّة الإِسلام ، وإن أوجبنا التقديم ، احتمل البطلان ووقوع الحجّ عن حجّة الإِسلام على ما تقدّم البحث فيه .

ومع إطلاق الزمان في النذر لو كان مستطيعاً ، وجب أن يبدأ بحجّة الإِسلام ، وكذا لو تجدّدت الاستطاعة قبل فعل المنذورة .

تذنيب : لو أحرم بالمنذورة من عليه حجّة الإِسلام فوقعت عن حجة الإِسلام ـ كما اختاره بعض علمائنا (١) ـ لم تسقط المنذورة ـ وهو قول ابن عمر وأنس وعطاء وأحمد (٢) ـ لأنّها حجّة واحدة ، فلا تجزئ عن حجّتين ، كما لو نذر حجّتين فحجّ واحدة .

وقال أحمد في رواية اُخرى عنه : إنّها تجزئ عن المنذورة ؛ لأنّه قد أتى بالحجّة ناوياً بها نذره ، فأجزأته ، كما لو كان ممّن أسقط فرض الحجّ عن نفسه ، وهذا كما لو نذر صوم يوم قدوم فلان ، فقدم في يوم من رمضان ، فنواه عن فرضه ونذره (٣) . وهو قول ابن عباس وعكرمة (٤) .

وروى سعيد بإسناده عن ابن عباس وعكرمة أنّهما قالا في رجل نذر أن يحجّ ولم يكن حجّ الفريضة ، قال : يجزئ لهما جميعاً (٥) .

وسئل عكرمة عن ذلك ، فقال : يقضي حجّةً عن نذره وعن حجّة الإِسلام ، أرأيتم لو أنّ رجلاً نذر أن يصلّي أربع ركعات فصلّى العصر أليس

__________________

(١) راجع : النهاية ـ للطوسي ـ : ٢٠٥ .

(٢) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٨ .

(٣ ـ ٥) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ .

١٠٨
 &

ذلك يجزئه من العصر ومن النذر ؟

قال : وذكرت قولي لابن عباس ، فقال : أصبت وأحسنت (١) .

وقد روى علماؤنا مثل ذلك عن الصادق (٢) عليه السلام ، وقد سلف (٣) .

المطلب الثاني : في شرائط باقي أقسام الحج .

وفيه بحثان :

الأول : في شرائط حجّ النذر وشبهه‌

مسألة ٧٨ : يشترط في انعقاد النذر واليمين والعهد : التكليف والحُرّية والإِسلام وإذن الزوج خاصة ، فلا ينعقد نذر الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون المطبق ، ولا من يأخذه أدواراً إذا وقع حالة جنونه ، ولا السكران ولا المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل ولا النائم ولا العبد إلّا بإذن مولاه ، فإن أذن له في النذر ، لم يكن له منعه ، ولا الزوجة إلّا بإذن الزوج ، ومع إذنه في النذر ليس له منعها منه . وللأب حلّ يمين الولد .

ولو نذر الكافر ، لم ينعقد نذره وإن أسلم .

ولا يشترط في النذر شرائط حجّة الإِسلام ؛ لأنّ غير المستطيع بالزاد والراحلة ينعقد نذره ، وكذا المريض ، وإذا صحّ النذر ، وجب الوفاء به إن قيّده بوقت ، وإلّا لم يجب الفور .

نعم لو تمكّن بعد وجوبه ومات ، لم يأثم ، ويقضى من صلب التركة .

ولو كان عليه حجّة الإِسلام ، قُسّمت التركة بينهما ؛ لتساويهما في الوجوب ، ولو اتّسعت لإِحداهما خاصّة ، قُدّمت حجّة الإِسلام ، لأنّ وجوبها بالأصالة . ولو لم يتمكّن من أدائها ومات ، سقط النذر .

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ .

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٧ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٥ .

(٣) سلف في المسألة ٧١ .

١٠٩
 &

ولو قيّده بوقت فأخلّ به مع القدرة ، أثم ، وقُضي عنه ـ لو مات ـ من صلب المال ، ولو أخلّ لا مع القدرة لمرض وعدوّ وشبههما ، سقط .

ولو نذر أو أفسد وهو معضوب ، قيل : وجبت الاستنابة (١) .

البحث الثاني : في شرائط النيابة‌

مسألة ٧٩ : يشترط في النائب : كمال العقل وإسلام النائب والمنوب عنه وعدم شغل ذمّته بحجّ واجب ، فلا تصح نيابة المجنون ولا الصبي غير المميّز ؛ لارتفاع تحقّق القصد منهما .

ولو كان الصبي مميّزاً ، قيل (٢) : لا يصح أن يكون نائباً ؛ لأنّه ليس بمكلّف ، فلا تصحّ منه العبادة ولا نيّة القربة ، ولأنّه يعلم من نفسه أنّه غير مكلّف ولا مؤاخذ بما يصدر عنه ، فلا تحصل الثقة بأفعاله .

وقيل (٣) : تصحّ ؛ لأنّ حجّه عن نفسه صحيح فكذا عن غيره .

ويحتمل الفرق ؛ لأنّ الصحة لا تقتضي الإجزاء فجاز أن تكون النيابة غير مجزئة ، كما لا تجزئ المباشرة عن حجّة الإِسلام .

مسألة ٨٠ : الإِسلام شرط في النائب ، فلو حجّ الكافر عن غيره الكافر أو المسلم ، لم يصح ، سواء استؤجر أو استنيب من غير إجارة ، أو تطوّع بالتبرّع ، لأنّه لا تصحّ منه نية القربة التي هي شرط في صحة الفعل .

وكذا هو شرط في المنوب عنه ، فليس للمسلم أن يحجّ عن الكافر ؛ لقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ ) (٤) .

ولأنّ ثواب الحج مقارن للتعظيم والإِجلال ، وهو ممتنع في حقّ الكافر ؛

__________________

(١) القائل هو الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٩٩ .

(٢ و ٣) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٣٢ .

(٤) التوبة : ١١٣ .

١١٠
 &

لاستحقاقه في الآخرة الخزي والعذاب والاستخفاف ، وإذا انتفى استحقاق الثواب ، انتفى ملزومه وهو صحة الفعل عنه .

مسألة ٨١ : قال الشيخ رحمه الله : لا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفاً له في الاعتقاد ، إلّا أن يكون أباه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه (١) .

ومنع ابن إدريس هذا الاستثناء ، وقال : لا يجوز أن يحجّ عن المخالف سواء كان أباه أو غيره (٢) .

والشيخ ـ رحمه الله ـ عوّل على ما رواه وهب بن عبد ربه ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : أيحجّ الرجل عن الناصب ؟ قال : « لا » قلت : فإن كان أبي ؟ قال : « إن كان أبوك (٣) فنعم » (٤) والاحتجاج بالرواية أولى .

ولاشتمال ذلك على البرّ بالأبوين .

إذا عرفت هذا ، فالرواية مخصوصة بالناصب ، وهو الذي يتظاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام ، وقول الأصحاب أعمّ ؛ لأنّ الذي يستحقّ به الثواب الدائم هو الإِيمان ، فغير المؤمن لا يستحقّ ثواباً .

أمّا المخالف فيجوز أن ينوب عن المؤمن ، ويجزئ عن المنوب إذا لم يخلّ بركن ؛ لأنّها تجزئ عنه ، ولا تجب عليه الإِعادة لو استبصر ، فدلّ ذلك على أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب إذا رجع إلى الإِيمان إلّا الزكاة ؛ لأنّه دفعها إلى غير مستحقّها .

ويدلّ على ذلك كلّه : ما رواه بريد بن معاوية العجلي عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٦ ، النهاية : ٢٨٠ .

(٢) السرائر : ١٤٩ .

(٣) « أبوك » مرفوعاً على تقدير : كان أبوك ناصباً . وفي المصدر : « أباك » .

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٩ ( باب الحج عن المخالف ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٤١ .

١١١
 &

بمعرفته والدينونة به ، عليه حجّة الإِسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال : « قد قضى فريضته ، ولو حجّ لكان أحبّ إليّ » .

قال : وسألته عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب منذ برهة (١) منّ الله عليه بمعرفة هذا الأمر يقضي حجّة الإِسلام ؟ فقال : « يقضي أحبّ إليّ » وقال : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية ، فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، فإنّه يعيدها ، لأنّه قد وضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء » (٢) .

مسألة ٨٢ : يشترط في النائب خلوّ ذمّته عن حجٍّ واجبٍ عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإِفساد ، فلو وجب عليه حجٌّ بسبب أحد هذه ، لم يجز له أن ينوب عن غيره إلّا بعد أداء فرضه ؛ لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سمع رجلاً يقول : لبّيك عن شبرمة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( مَنْ شبرمة ؟ ) قال : قريب لي ، قال : ( حججت قطّ ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة ) (٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه سعد بن أبي خلف ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت ؟ قال : « نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله ، وهي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال » (٤) .

__________________

(١) في المصدر : متدين ، بدل منذ برهة .

(٢) التهذيب ٥ : ٩ / ٢٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٥ / ٤٧٢ .

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٦٩ / ٢٩٠٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٢ / ١٨١١ ، المغني ٣ : ٢٠١ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ٤١١ / ١٤٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ / ١١٣١ .

١١٢
 &

ولأنّ ذمّته مشغولة بصرف الزمان في الحجّ عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره ، لاستلزامه ترك الواجب ؛ لتضادّهما .

مسألة ٨٣ : لو وجب عليه حجّ الإِسلام واستقرّ بأن مضى زمان يمكنه إيقاعه فيه فأهمل ، أو لم يستقرّ بأن كملت الشرائط في ذلك العام فحجّ عن غيره استئجاراً أو نيابةً ، لم يصح حجّه عن غيره ، ولا تقع النية عن نفسه ، بل يقع باطلاً ، قاله الشيخ (١) رحمه الله ـ وبه قال أبو بكر بن عبد العزيز ، وهو مروي عن ابن عباس (٢) ـ لأنّ الحجّ لا يقع عن نفسه ؛ لعدم نيّته ، ولا عن غيره ؛ لوجوب صرف هذا الزمان إلى حجّه ، فكان صرفه إلى حجّ غيره منهياً عنه ، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد .

ولأنّه لمّا كان من شرط طواف الزيارة تعيين النيّة ، فمتى نواه لغيره لم يقع لنفسه ، ولهذا لو طاف حاملاً لغيره ولم ينو لنفسه ، لم يقع عن نفسه .

ولرواية سعد ؛ فإنّ قول الكاظم عليه السلام : « فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله » (٣) .

ولما رواه إبراهيم بن عقبة ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قطّ حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ أتجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإِسلام أو لا ؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء الله ، فكتب عليه السلام : « لا يجوز ذلك » (٤) .

قال الشيخ : إنّه محمول على أنّه إذا كان للصرورة مال فإنّ تلك الحجّة لا تجزئ عنه (٥) .

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٠٢ .

(٢) المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ .

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٨٢ .

(٤) التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٤ .

(٥) التهذيب ٥ : ٤١١ ذيل الحديث ١٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ ذيل الحديث ١١٣٤ .

١١٣
 &

وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق : يقع إحرامه وحجّه عن نفسه عن حجّة الإِسلام ، لحديث شبرمة ، ولأنّه حجّ عن غيره قبل الحجّ عن نفسه ، فلم يقع عن الغير ، كما لو كان صبيّاً (١) .

وحديث شبرمة لا دلالة فيه ؛ لأنّه لم يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع ؛ فأمره النبي صلّى الله عليه وآله بإنشاء الإِحرام عن نفسه ، ورفض ما قاله من التلبية حيث لم يكمل إحرامه ، ولو فرضنا إكمال إحرامه فإنّه أمره بالحجّ عن نفسه ، وهو يكون بتجديد نيّة اُخرى وإبطال الاُولى ، فلا يدلّ على صحته ووقوعه عن نفسه .

إذا عرفت هذا ، فلو وجب عليه الحجّ ولم يستقرّ فخرج نيابةً عن الغير ، لم يجزئ عن أحدهما ، فلو فقد الاستطاعة بعد ذلك والوقت باقٍ وجب عليه أداء حجّة الإِسلام ، ويجب عليه تجديد الإِحرام ؛ لأنّ الأول وقع باطلاً ، ولو أكمل حجّةً عن الغير لم تقع عن أحدهما على ما تقدّم ، ثم يجب عليه الابتداء في العام المقبل بحجّة الإِسلام عن نفسه إذا تمكّن منه ولو مشياً ، ولا يشترط الزاد والراحلة مع القدرة على التسكّع والحجّ .

ولو وجب عليه حجّة الإِسلام ولم يفرّط في المضيّ ثم حدث ما يمنعه من المضيّ ولم يتمكّن منه ثم لم يقدر على الحجّ فيما بعد ولا حصلت له شرائطه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عن غيره ؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمّته ، ولو كان الحجّ قد استقرّ في ذمّته بأن فرّط فيه ، لم يجز أن يحجّ عن غيره ، سواء عجز فيما بعد أو لم يعجز ، تمكّن من المضيّ أو لم يتمكّن .

مسألة ٨٤ : الصرورة إذا لم يجب عليه حجّة الإِسلام أو وجب ولم يستقرّ بأن خرج في عام تمكّنه فتجدّد عجزه ، يجوز له أن يحجّ نائباً عن غيره

__________________

(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٧ ، المجموع ٧ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٧ ، المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ .

١١٤
 &

عند علمائنا ـ وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأيوب السجستاني ، ونقله العامّة عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وهو رواية اُخرى عن أحمد ، وهو قول الثوري أيضاً (١) ـ لأنّ الحجّ ممّا تدخله النيابة ، فجاز أن يؤدّيه عن غيره مَنْ لم يسقط فرضه عن نفسه ، كالزكاة ؛ لما تقدّم (٢) في حديث سعد عن الكاظم عليه السلام .

ولما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، في رجل صرورة مات ولم يحج حجّة الإِسلام وله مال : [ قال ] « يحجّ عنه صرورة لا مال له » (٣)

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، قال : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة » (٤) .

وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد في رواية ، وإسحاق : لا يجوز لمن لم يحج حجّة الإِسلام أن يحجّ عن غيره ، فإن فعل ، وقع إحرامه عن حجّة الإِسلام ؛ لحديث شبرمة (٥) .

ولا دلالة فيه ، وقد تقدّم (٦) .

مسألة ٨٥ : لو كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه دون الآخر جاز أن ينوب عن غيره في ما أسقط فرضه عنه بأدائه ، فلو كان على إنسان حجٌّ وعمرة فحجّ ، جاز أن يحجّ عن غيره ؛ لسقوط فرض الحجّ عنه ، وليس له أن

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٨ .

(٢) تقدم في المسألة ٨٢ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٢ .

(٤) التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٣ .

(٥) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، المجموع ٧ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٧ ، المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ و ٢٠٨ .

(٦) تقدّم في المسألة السابقة .

١١٥
 &

يعتمر قبل أن تبرأ ذمّته من العمرة .

ولو كان قد اعتمر ولم يحج جاز أن ينوب عن غيره في الاعتمار دون الحجّ .

مسألة ٨٦ : الأقرب عندي جواز نيابة العبد عن الحُرّ بإذن مولاه ، لأنّه مكلّف مسلم لا حجّ عليه ، فجاز أن ينوب عن غيره كالحُرّ .

ومنع أحمد من نيابة العبد والصبي في الفرض ؛ لأنّهما لم يسقطا فرض الحجّ عن أنفسهما ، فهُما كالحرّ البالغ في ذلك وأولى منه .

قال : ويحتمل أنّ لهما النيابة في حجّ التطوّع دون الفرض ؛ لأنّهما من أهل التطوّع دون الفرض ، ولا يمكن أن تقع الحجّة التي نابا فيها عن فرضهما ؛ لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فُعلت عنه ، فلا يلزمهما ردّ ما أخذا لذلك ، كالبالغ الحُرّ الذي قد حجّ عن نفسه (١) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ الحُرّ البالغ له أهلية استحقاق وجوب الحجّ عليه ، بخلافهما ، بل حملهما على من أسقط فرضه بالحجّ أولى .

مسألة ٨٧ : إذا حجّ الصرورة العاجز عن غيره ، فقد بيّنّا صحته ، وأنّه يجزئ عن المنوب ، أمّا النائب فلا يجزئه ما فعله في النيابة عن حجّة الإِسلام إن كانت قد وجبت عليه أوّلاً ثم عجز عنها ، أو لم يتحقّق بعد وجوبها عليه .

أمّا الإِجزاء عن الميّت : فلما تقدّم (٢) في حديث محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما السلام ، قال : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة » .

وأمّا عدم الإِجزاء عن النائب : فلأنّه على تقدير عدم وجوب الحج عليه أوّلاً بري‌ء الذمّة من الحجّ ، فلا يتحقّق عليه وجوب ، فلا يتحقّق فيه إجزاء ،

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٠ .

(٢) تقدم في المسألة ٨٤ .

١١٦
 &

وأمّا إذا كان قد وجب عليه أوّلاً : فلأنّه لم يأت بالواجب فيبقى في عهدة التكليف ، لأنّ الحجّ الذي أتى به كان عن المنوب ، فيبقى ما ثبت عليه أوّلاً .

وقد روى معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « حجّ الصرورة يجزئ عنه وعمّن حجّ عنه » (١) .

قال الشيخ رحمه الله : معنى قوله : « يجزئ عنه » مادام معسراً لا مال له ، فإذا أيسر ، وجب عليه الحجّ (٢) .

أقول : ويحتمل أن يكون المراد : أنّه يجزئ عنه عمّا وجب عليه بالاستئجار .

مسألة ٨٨ : النائب كالمنوب ، قاله أحمد ، فلو أحرم النائب بتطوّع أو نذر عمّن لم يحجّ حجّة الإِسلام ، وقع عن حجّة الإِسلام ؛ لأنّ النائب يجري مجرى المنوب عنه (٣) .

والتحقيق أن نقول : إن كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّ تطوّع أو نذر ، ففعل ما استؤجر له ، أجزأ عنه ، ولا يجزئ عن المنوب إن كان عليه حجّة الإِسلام ؛ لأنّه لم ينوها . وإن تبرّع النائب بالحجّ عنه في أحد النسكين : إمّا النذر أو التطوّع ، لم ينقلب إلى حجّة الإِسلام أيضاً .

وإن كان النائب قد استؤجر لإِيقاع حجّة الإِسلام ، فنوى التطوّع عنه أو عن المنوب ، أو النذر كذلك ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما وقع عليه عقد الإِجارة .

مسألة ٨٩ : لو استناب رجلين في حجّة الإِسلام ومنذورة أو تطوّع في عام ، فأيّهما سبق بالإِحرام وقعت حجّته عن حجّة الإِسلام ، وتقع الاُخرى تطوّعاً أو عن النذر ـ قاله أحمد ـ لأنّه لا يقع الإِحرام عن غير حجّة الإِسلام ممّن

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١١ ـ ٤١٢ / ١٤٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٦ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢١ .

(٣) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ .

١١٧
 &

هي عليه فكذا من نائبه (١) . وفيه إشكال .

والأقرب : أنّه إذا اتّفق الزمان ، صحّ العقد ، فإذا حجّا في ذلك العام ، أجزأ حجّهما ، ولا اعتبار بتقديم إحرام أحدهما على إحرام الآخر ، بل إن كان السابق احرام الواجب ، فلا بحث ، وإن كان إحرام المنذورة أو التطوّع ، أجزأ أيضاً ؛ لأنّ الحجّتين تقعان في ذلك العام .

ولو صدّ النائب في حجّة الإِسلام أو أحصر ولم يتمكّن النائب فيها من إتمامها في ذلك العام ، فالأقوى صحة حجّة التطوّع .

ولو تعدّد العام ، فإن استأجر لحجّ التطوّع أوّلاً ، فإن تمكّن من الاستئجار عن حجّة الإِسلام ، فالوجه : عدم الصحة ، لكن لو حجّ النائب مع جهله ، استحقّ الاُجرة .

ولو لم يكن قد تمكّن من الاستئجار لحجّة الإِسلام ، فالأقرب : الصحة ، ثم يستأجر في العام المقبل لحجّة الإِسلام .

مسألة ٩٠ : إذا استؤجر ليحجّ عن غيره ، وكان الحجّ لا يقع عن ذلك الغير ، وجب عليه ردّ ما أخذه من مال الإِجارة مع علمه بذلك ؛ لأنّه استؤجر لفعل لا يصح منه إيقاعه ، فوجب عليه ردّ مال الإِجارة .

ولو كان جاهلاً ، فالأقرب عدم وجوب الردّ ـ ويحتمل وجوب ردّ ما فضل عن اُجرة المثل ـ لتعبه ، فحينئذٍ يحتمل أن يرجع هو بما أعوز .

مسألة ٩١ : يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل وعن المرأة ، وأن تنوب المرأة عن المرأة وعن الرجل في قول عامة أهل العلم (٢) ، لا نعلم فيه مخالفاً إلّا الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه كره حجّ المرأة عن الرجل (٣) .

قال ابن المنذر : وهذه غفلة عن ظاهر السنّة ، فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها (٤) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٠ .

(٢ ـ ٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٩ .

١١٨
 &

وهذا هو الحقّ ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : أتت امرأة من خثعم رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقالت : يا رسول الله أبي أدركته فريضة الحجّ وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على دابّته ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( فحجّي عن أبيك ) (١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه رفاعة عن الصادق عليه السلام ـ في الصحيح ـ قال : « تحجّ المرأة عن أخيها وعن اُختها » وقال : « تحجّ المرأة عن أبيها » (٢) .

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : المرأة تحجّ عن الرجل ؟ قال : « لا بأس » (٣) .

إذا عرفت هذا ، فقد شرط الشيخ ـ رحمه الله ـ في حجّ المرأة عن الرجل شرطين :

أحدهما : أن تكون عارفةً بمناسك الحج .

والثاني : أن تكون قد حجّت أوّلاً (٤) .

لما رواه مصادف عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته تحجّ المرأة عن الرجل ؟ قال : « نعم إذا كانت فقيهةً مسلمةً وكانت قد حجّت ، ربّ امرأة خير من رجل » (٥) .

وعن زيد الشحّام عن الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحجّ المرأة الصرورة عن

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢١٢ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٣ ـ ٤١٤ / ١٤٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤٠ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٣ / ١٤٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤١ .

(٤) التهذيب ٥ : ٤١٤ ذيل الحديث ١٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ ذيل الحديث ١١٤٢ ، والنهاية : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ .

(٥) التهذيب ٥ : ٤١٣ / ١٤٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤٢ .

١١٩
 &

الرجل الصرورة » (١) .

وابن إدريس أنكر ذلك (٢) إنكاراً عظيماً ، ونحن نحمل هذه الروايات على الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطاً ، ولهذا قال عليه السلام : « ربّ امرأة خير من رجل » ولا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من المرأة .

مسألة ٩٢ : يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب ميّتاً من غير إذن ، سواءً كان واجباً أو تطوّعاً ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر بالحجّ عن الميّت (٣) ، ومعلوم استحالة الإِذن في حقّه ، وما جاز فرضه جاز نفله ، كالصدقة .

وأمّا الحيّ : فمنع بعض العامّة من الحجّ عنه إلّا بإذنه ، فرضاً كان أو تطوّعاً ؛ لأنّها عبادة تدخلها النيابة ، فلم تجز عن البالغ العاقل إلّا بإذنه ، كالزكاة (٤) .

وعلّيّة المشترك وثبوت الحكم في الأصل ممنوعان .

مسألة ٩٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في ذمّته أن يحجّ تطوّعاً ولا نذراً ولا نيابةً حتى يؤدّي حجّة الإِسلام ، ويحصل الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإِهمال واجتماع الشرائط .

ولو حصلت الشرائط فتخلّف عن الرفقة ثم مات قبل حجّ الناس ، تبيّن عدم الاستقرار ؛ لظهور عدم الاستطاعة وانتفاء الإِمكان ، وهو مذهب أكثر الشافعية (٥) .

وقال بعضهم : يستقرّ الحجّ عليه (٦) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٣ .

(٢) السرائر : ١٤٩ .

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٢٦٩ / ٩٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٥ .

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٩ .

(٥ و ٦) المجموع ٧ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣١ .

١٢٠