التّفسير الحديث - ج ١

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ١

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٤

وهناك قول معزو إلى ابن عباس رضي الله عنه بأنها للتنبيه واسترعاء الأسماع أي من نوع هلا ، ألا. ولقد روى الترمذي حديثا في سياق أوائل سورة الروم جاء فيه «إنّها لمّا نزلت خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة : «الم ، غلبت الروم» (١) الآيات ونحن نرجح هذا القول. واتباع الحروف في معظم السور بالتنويه بالقرآن وبجمل قسمية به مما يقوي في نظرنا هذا الترجيح. وهو ما أخذنا به مع القول إن تنوع الحروف التي أريد بها الاسترعاء والتنبيه متصل بحكمة التنزيل. ولا بأس بالقول إنها أقسام ربانية وردّ حكمة ذلك وعلمه إلى الله عزوجل أيضا قول عليم

__________________

المرحلة إليها آيات وفصول أو أنقص منها آيات وفصول. ومن السور المكية ما أضيف إليه آيات مدنية ومن السور المدنية ما أضيف إليه آيات مكية. وإن من السور ما كان متداخلا بعضه في بعض فلما رتبت آيات السور وفصل بعض ما كان داخلا في سور أخرى عن بعضها ووضع في سور أخرى أو جعل بعضها سورا مستقلة اختل العدد الذي ترمز إليه الحروف في الحساب الأبجدي. وهنا سلاسل من هذه السور متشابهة في حروفها المتقطعة. فذهب في بعضها إلى أن أحدها كان يرمز إلى عدد جميع آيات السور وذهب في بعضها إلى أن حروف إحداها هي التي كانت ترمز إلى عدد آياتها جميعا دون تعليل مقنع لتكرر الحروف المتشابهة في هذه السلاسل. وهذا الرأي يعني أن إضافة آيات أو فصول في سورة ما مرموز فيها إلى عدد آياتها في مرحلة من المراحل أو إنقاص آيات وفصول قد أخل في هذه الرمزية إذا كانت الحروف وحيا قرآنيا كما نعتقد ونزلت لترمز لذلك حسب رأي السيد الطاهر الذي نعتقد أنه هو الآخر لا ينكر كونها وحيا. وبالتالي قد أفقدتها حكمتها التي علمها الله. فإذا فرضنا أن ترتيب السور في صورتها النهائية قد تم في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمره وهو ما نعتقده استنادا إلى دلائل وقرائن كثيرة قرآنية وغير قرآنية فيكون النبي قد أخل بحكمة الرمزية الربانية وحاشاه أن يفعل. وإذا كان الترتيب قد تم بعد وفاته على ما يقول به بعض العلماء فيرد حينئذ سؤال عما إذا كان النبي قد أخبر أصحابه بمفهوم الرمز. فإذا لم يكن قد أخبر به فيكون قد خالف أمر الله فلم يبين بعض ما أنزله الله عليه وحاشاه أن يفعل.

وإذا كان قد أخبرهم به فيكونون قد خالفوه وأخلّوا بحكمة الرمزية الربانية معا وحاشاهم أن يفعلوا. ويبقى هناك فرض وهو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يعرف مفهوم ورمزية الحروف. وظل هذا خفيا عليه وعلى جميع الناس من بعده إلى أن كشف عنه للسيد الطاهر ولا نظن هذا السيد يدعي ذلك.

(١) انظر «التاج الجامع» ج ٤ ص ١٧٨ ـ ١٧٩.

٣٦١

حكيم متسق مع مذهب السلف الإسلامي الأول في تجنب الخوض والتخمين والمراء في العبارات القرآنية التي يصعب على الأفهام اكتناه كنهها. وحساب الحروف لاستخراج عدد السنين الباقية للدنيا أو محاولة الاستدلال بها على عدد آيات السور في مرحلة من المراحل أو القول بأنها تنطوي على أسرار وألغاز ورموز لأحداث مغيبة مستقبلة يؤدي إلى القول إن في القرآن أسرارا خفيت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو كتمها عن أصحابه ، وليس من أثر نبوي وثيق في ذلك. ولا يجوز أن يظن أن الله تعالى أخفاها عن النبي أو أن النبي أخفاها عن أصحابه ، والقرآن يقرر أن الله أنزله ليتدبر الناس آياته ويعقلوها وأن الله أمر نبيه أن يبين للناس ما نزل إليه من ربه.

تعليق على ما ورد من أحاديث

وأقوال عن مدى (القلم) في الآية

لقد أورد المفسرون في سياق الآية الأولى أحاديث عديدة عن معنى القلم مفردا ومعناه ومعنى النون معا. منها حديث ورد في كتب الأحاديث المعتبرة أو الصحيحة حيث روى الترمذي وأبو داود حديثا جاء فيه : «قال عبادة بن الصامت لابنه يا بنيّ إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتّى تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال يا ربّ وماذا أكتب؟ قال : اكتب مقادير كلّ شيء حتى تقوم الساعة» (١). ومنها ما رواه المفسرون بطرق أخرى ، من ذلك حديث أخرجه ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أول ما خلق الله القلم والحوت. فقال للقلم اكتب. قال : ما أكتب. قال : كلّ شيء كائن إلى يوم القيامة. ثم قرأ (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) [القلم / ١]. فالنون الحوت والقلم القلم».

وحديث أورده ابن كثير رواه ابن عساكر عن أبي هريرة قال : سمعت رسول

__________________

(١) انظر «التاج» ، ج ١ ص ٣٣.

٣٦٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إن أول شيء خلقه الله القلم ثمّ خلق النون وهي الدواة ثم قال له اكتب قال وما أكتب قال اكتب ما يكون أو ما هو كائن من عمل أو رزق أو أجل فكتب ذلك إلى يوم القيامة. فذلك قوله (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ). ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة. ثم خلق العقل وقال وعزّتي لأكملنّك فيمن أحببت ولأنقصنّك ممن أبغضت». وحديث رواه ابن جرير الطبري مرويا عن معاوية بن قرة عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ). لوح من نور. وقلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة». وأورد المفسرون أقوالا عن بعض التابعين تفيد أن القلم المقسم به في الآية هو هذا القلم الذي أمره الله أن يكتب ما هو كائن. ومع ذلك فقد قالوا أيضا إنه أريد بالقلم المقسم به جنس القلم مطلقا وأريد بالقسم به تعظيم الكتابة وأدواتها حيث يفيد هذا أن الذين قالوا هذا لم يأخذوا الأحاديث النبوية كتفسير قاطع للمراد بالقلم المقسم به في الآية. ونحن نرى هذا هو الأوجه. ولعل اتباع القلم بجملة وما يسطرون وسبقه بكلمة نون المفسرة بالدواة من مقويات هذا الترجيح. لأن صيغة المضارع تفيد الحاضر والمستقبل في حين أن أمر الله للقلم المذكور في الأحاديث هو في صدد أمر مضى. كما أن الاتساق في المعنى والموضوع بين معنى وعمل القلم هنا وفي آيات سورة العلق من مقوياته أيضا ، والله أعلم.

وما احتوته الأحاديث من كتابة المقادير بالقلم على اللوح متصل ببحثي القدر واللوح مما سوف يكون موضوع تعليق في مناسبات آتية.

تعليق على الأقسام القرآنية

والآية الأولى تضمنت قسما ربانيا ، والآيات الثلاث هي جوابه. والأيمان الربانية أسلوب قرآني مألوف كثير الورود والصور ، بسبب كون الأيمان أسلوبا تخاطبيا مألوفا كما هو المتبادر. وهناك سور عديدة تبدأ بالأيمان مما يمكن أن يعتبر كأسلوب من أساليب النظم القرآني في مطالع السور.

٣٦٣

ولقد تنوع المقسم به تنوعا كبيرا فشمل مشاهد الكون السماوية والأرضية وموجوداته الحية والجامدة. غير أن الذي يتبادر من المقسم به وأسلوب القسم أن ذلك مما له خطورة في أذهان الناس أو واقع حياتهم. سواء أكان ذلك بسبب ما فيه من عظمة مشهد وروعة مظهر وقوة صورة ، أم بسبب ما يثيره من معان وآثار نفسية ، أم بسبب ما له من نفع عظيم ، أم بسبب ما يتصل به من عادات وتقاليد ومفهومات. وإن مما هدفت إليه الأقسام التوكيد واسترعاء الأذهان والأسماع لما يأتي بعد القسم من تقريرات متنوعة الأهداف والمعاني.

وقت نزول الآيات الأولى

من هذه السورة

وقد روي (١) أن هذه الآيات هي التي أعقبت آيات سورة العلق الأولى. ووضع سورة القلم في ترتيب ثانية سورة قرآنية نزولا إنما هو بسبب ذلك. فإذا صحت الرواية فتكون الآيات قد نزلت وحدها وبقية آيات السورة نزلت بعدها بمدة ما. ثم ألحقت بها وتم بذلك تأليف السورة وشخصيتها. وتكون كذلك قد نزلت لتطمين النبي عليه‌السلام وتثبيته ، ونفي ما ظنه وخشي منه ، وهو أن يكون ما رآه وسمعه حينما أوحي إليه لأول مرة مسّا من الجن حتى إنه أراد أن يلقي نفسه من شاهق الجبل على ما رواه الطبري (٢) في حديث معزو إلى عبد الله بن الزبير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن لم تصح الرواية فيكون في الآيات تطمين وتثبيت من جهة ، ورد

__________________

(١) «السيرة الحلبية» ، ج ١ ص ٢٤٤.

(٢) «تاريخ الطبري» ، ج ٢ ص ٤٨ ـ ٤٩ مطبعة الاستقامة.

ومما جاء في هذا الحديث عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما انصرف عني الملك وهببت من نومي وكأنما كتب في قلبي كتابا قال ولم يكن من خلق الله أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون. كنت لا أطيق أن أنظر إليهما. قلت الأبعد يعني نفسه شاعر أو مجنون ، لا تحدث بها عني قريش أبدا. لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها فلأستريحن ..».

٣٦٤

على نعت الكفار للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنون من جهة. وقد حكى ذلك القرآن عنهم في آيات عديدة مثل آية سورة الحجر هذه : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦) ، ومثل آية سورة المؤمنون هذه : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٧٠) ، ومثل الآية الأخيرة من سورة القلم نفسها : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢).

ويلحظ الانسجام والتلاحق بين هذه الآيات وما بعدها ، وهذا قد يضعف الرواية الأولى ويسوغ القول إنها نزلت هي وما بعدها سلسلة واحدة أو متلاحقة ، وإن ترتيبها كثاني سورة غير صحيح ، لأن الآيات التالية لها تضمنت مشاهد تكذيبية وجدلية ، وحملة تنديدية وحكاية لقول المكذبين إن القرآن أساطير الأولين ، مما لا يمكن أن يكون وقع إلّا بعد نزول جملة غير يسيرة من القرآن واتصال النبي عليه‌السلام بالناس وتلاوته عليهم واشتباكه معهم بالجدل والحجاج.

أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

والثناء من الله على خلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الأسلوب البليغ التوكيدي ، ووصفه بالعظمة رائع كل الروعة ، يتضاءل أمامه كل ثناء ووصف وتكريم بشري ، ثم كل ما حاوله بعض المسلمين في وصف شخصيته بأوصاف تكاد تخرجه عن نطاق البشرية ، مما جاء في بعض كتب السيرة والشمائل (١) على غير طائل وضرورة ، وعلى غير ما صرح به القرآن من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشر كسائر البشر في جميع الأعراض والمظاهر ، ورسول قد خلت من قبله الرسل ، وليس بدعا فيهم كما جاء في آية سورة الأحقاف هذه : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩) ، وفي آية سورة آل عمران

__________________

(١) انظر كتابنا «سيرة الرسول عليه‌السلام» ، ج ١ ص ٢٤ وما بعدها.

٣٦٥

هذه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [١٤٤] ، وفي آية سورة الأعراف هذه : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [١٨٨] ، وفي آية سورة الكهف هذه : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) ، والمتبادر أن ذلك متأتّ من قصور الأفهام عن إدراك ما في أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عظمة وما في نفسه من صفاء ، وما في قلبه من إيمان وإخلاص جعله أهلا لاصطفاء الله ، فحفزهم إلى البحث عن أسباب أخرى ، فيها ما فيها من الغلو الذي لا ينسجم مع طبائع الأشياء ، ولا يتسق مع نصوص القرآن.

والآيات من أوائل القرآن نزولا على كل حال ، وهذا يعني أن الخلق العظيم الذي كان عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستحق به هذا الثناء البليغ الرباني ، قد كان مما تحلى به قبل البعثة ، وهو الذي أهّله للاصطفاء والمهمة العظمى ، والله أعلم حيث يجعل رسالته. ولقد جاء في حديث للبخاري عن عائشة أن السيدة خديجة رضي الله عنها حينما عاد إليها بعد نزول الوحي عليه لأول مرة ، وقصّ عليها ما رآه وسمعه وقال لها : «إني خشيت على نفسي قالت له كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» (١) ، وجاء في الحديث الذي رواه الطبري عن عبد الله (٢) بن الزبير أنها قالت له حينما قال لها إني خشيت أن أكون شاعرا أو مجنونا : «أعيذك بالله من ذلك يا أبا القاسم ، ما كان الله ليصنع ذلك بك مع ما أعلم منك من صدق حديثك وعظم أمانتك وحسن خلقك وصلة رحمك» وهذا مما يؤيد قولنا ، لأن هذه الأخلاق الكريمة مما كان يتحلى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل بعثته.

__________________

(١) انظر كتاب «التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول» للشيخ منصور علي ناصف ج ٣ ص ٢٢٦ طبعة ثانية نشر دار إحياء الكتب العربية.

(٢) «تاريخ الطبري» ج ٢ ص ٤٧ ـ ٤٨.

٣٦٦

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦))

(١) المفتون : الضال أو المنحرف.

(٢) تدهن : تلاين أو تصانع.

(٣) همّاز : عيّاب أو شتّام.

(٤) مشاء بنميم : يسعى بالنميمة.

(٥) عتلّ : جاف غليظ.

(٦) زنيم : دعيّ. ويقال للئيم زنيم أيضا.

(٧) الخرطوم : هذا التعبير خاص بالفيل والكلمة هنا على الاستعارة لفم القائل ، فيكون في النار عقابا على قوله.

(٨) أساطير الأولين : الأساطير جمع أسطورة وهي مشتقة من سطر بمعنى كتب ، والجملة تعني قصص الأولين وكتاباتهم.

(٩) سنسمه : مشتقة من وسم أي جعل علامة للشيء. وخاصة العلامة التي تعلم بالكيّ على جلود الأنعام وهي عادة عربية بدوية لتمييز الأنعام عن بعضها وخاصة الإبل.

شرح الآيات [٥ ـ ١٦] من سورة القلم

وما انطوى فيها من صور وتنبيهات

عبارة الآيات واضحة. وفيها حكاية لبعض ما وقع بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين الكفار ورد عليهم وتنديد بهم وتثبيت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

٣٦٧

١ ـ فقد أخذ بعضهم يعيره بأنه مفتون ضال خارج عن دين آبائه وتقاليدهم. فردت الآية الأولى عليهم بأن الحق لن يلبث أن يظهر ويعرف من هو المفتون ، ثم وجه الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منطويا على التثبيت بأن ربه هو الأعلم بمن هو ضالّ حقّا ومهتد حقّا.

٢ ـ وقد أخذ بعضهم يقترح على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يلاين فيلاينوا بالمقابلة. والملاينة التي طلبوها على ما ذكرته الروايات (١) عدم تسفيه أحلامهم وسبّ آلهتهم ، ومشاركتهم في تقاليدهم وعبادتهم ، والملاينة التي وعده بها هي تركه وشأنه أو مجاراته في بعض ما يدعو إليه. وكان بعضهم يحلف له الأيمان على ذلك ، فأمرته الآيات بعدم تصديقهم وعدم إطاعتهم لأنهم كاذبون.

٣ ـ وقد أخذ بعضهم إذا ما تلا النبي القرآن يقولون إنه مقتبس من صحف الأول وقصصهم ، منكرين أنه من وحي الله ، معتزين بمالهم وأولادهم وقوتهم ، وقد حملت الآيات حملة عنيفة على هؤلاء ، فهم كاذبون مهينون ، عيابون شتامون ، مشاؤون بين الناس بالفساد والنميمة ، مناعون للخير ، غلاظ القلوب لؤماء أو مدخولو الأنساب ، وقد توعدتهم الآية الأخيرة بكيّ أفواههم بالنار ، جزاء ما يصدر منها من الكذب والتكذيب والافتراء والأيمان الكاذبة الخداعة. وهو وعيد مستمد من عاداتهم ليكون تأثيره أشد في نفوسهم.

والضمير في الآيات [١٠ ـ ١٦] مفرد ، وقد ذكر المفسرون (٢) اسم الأخنس ابن شريق واسم الأسود بن عبد يغوث وقالوا إنها عنت أحدهما. والآيات تبدأ بكلمة (كل). والآيات السابقة لها جاءت بصيغة الجمع ضمائر وأفعالا حيث يسوغ ذلك القول أن أسلوبها أسلوب خطابي وأنها بسبيل التعبير عن طبقة وليس عن فرد ، ولو صح ما ذكره المفسرون.

وفي الوقت نفسه انطوى فيها تنبيهات عامة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منها أن الذين هم على

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والنيسابوري.

(٢) المصدر نفسه.

٣٦٨

مثل تلك الأخلاق الذميمة لا يمكن أن يصدروا عن رغبة صادقة في الاهتداء ، ومنها أن الملاينة في الحق والمبادئ والتساهل فيها لا يجوز أن يكون موضع بحث وجدل ، وفي هذا ما فيه كذلك من التلقين القرآني الجليل المستمر المدى في كل زمن ومكان.

وعلى اعتبار أن هذه الآيات مما نزل مبكرا فإن فيها تأييدا لما استدللنا عليه من آيات سورة العلق من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد سار في الدعوة علنا منذ بدئها كما هو المتبادر.

تعليق على ما في التنديد بأخلاق المتصدين

لمناوأة الدعوة النبوية من تلقين مستمر المدى

ومع أن الآيات كما قلنا قبل هي بسبيل وصف أخلاق الطبقة الغنية المترفة التي تصدت لمناوأة الدعوة النبوية وأهدافها فإن فيما احتوته من تنديد بالكذب والأيمان الكاذبة والنميمة والعيب في الناس وشتمهم ومنع الخير عنهم والبغي عليهم وغلظ القلب وقسوة العاطفة تنطوي على تلقينات قرآنية جليلة مستمرة المدى بوجوب احتقار ونبذ المتصفين بهذه الصفات واجتناب هذه الصفات والأفعال الذميمة المكروهة وتنقية النفس من الأوضار. ولقد تكرر ذمّ هذه الأخلاق والصفات ومدح أضدادها في مختلف السور المكية والمدنية معا وبكثرة تغني عن التمثيل مما فيه دلالة على شدة اهتمام القرآن بالأخلاق وتقويمها على اعتبار كون أفعال الناس إنما تصدر عنها وتتأثر بها.

ونكتفي هنا بهذه الكلمة لأن التنديد بالأخلاق السيئة والتنويه بالأخلاق الحسنة سوف يتكرر في تجدد المناسبات الكثيرة الآتية.

ولقد أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث عديدة ورد بعضها في كتب الأحاديث الخمسة في الأخلاق السيئة المندد بها في الآيات. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن حذيفة قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لا يدخل

٣٦٩

الجنة قتّات وفي رواية نمّام» (١). وحديث رواه الأربعة عن أبي هريرة قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إنّ شرّ الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» (٢). وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إيّاكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة» (٣). وحديث رواه مسلم عن عبد الله قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا أنبّئكم ما العضه هي النميمة القالة بين الناس» (٤). وحديث رواه أبو داود عن عمّار قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار» (٥). وحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حقّ ومن الكبائر السبّتان بالسّبة» (٦). وحديث رواه أبو داود والترمذي عن أبي برزة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم فإنه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» (٧). وحديث رواه الترمذي عن عبد الله قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء» (٨). وحديث رواه أبو داود عن سفيان بن أسيد قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كبرت خيانة أن تحدّث أخاك حديثا هو لك به مصدّق وأنت له به كاذب» (٩). وحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلّة منهنّ كانت فيه خلّة من نفاق حتى يدعها إذا

__________________

(١) «التاج» ، ج ٥ ص ٢٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر نفسه ص ٢٣ ـ ٣٩.

(٦) المصدر نفسه.

(٧) المصدر نفسه.

(٨) المصدر نفسه.

(٩) المصدر نفسه.

٣٧٠

حدّث كذب وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر» (١).

وحديث رواه أبو داود عن أنس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» (٢). وحديث رواه الشيخان والترمذي عن حارثة بن وهب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ألا أخبركم بأهل الجنة ، كلّ ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار كلّ عتلّ جوّاظ مستكبر» (٣). وحديث رواه الترمذي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «دبّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدّين. والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا. ألا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم أفشوا السلام بينكم» (٤).

وهكذا يتساوق التلقين القرآني مع التلقين القرآني في التنديد بالأخلاق السيئة. وهذا ليس كل ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهناك أحاديث كثيرة من بابها وردت في كتب ومساند أئمة آخرين فاكتفينا بما أوردناه نقلا من الكتب الخمسة. وهناك أحاديث أخرى في هذه الكتب سنوردها في مناسبات أكثر ملاءمة.

تعليق ثان على موقف المناوأة

الذي وقفه الزعماء والأغنياء

ووصف الكذاب الحلاف بذي مال وبنين يدل على أن الذين وقفوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه المواقف وطلبوا منه المداهنة ونعتوه بالضلال هم بصراحة من ذوي اليسار. وفي الآيات صورة ثانية من صور مواقف زعماء الكفار من الدعوة النبوية منذ بدئها كرد فعل لما كان يتلوه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آيات وسور قرآنية فيها دعوة ملحة

__________________

(١) «التاج» ج ٥ ص ٢٣ ـ ٣٩.

(٢) المصدر نفسه ، ص ٢٥ ـ ٢٧.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

٣٧١

إلى التصدق على الفقراء وإطعام المساكين ونعي على شدة حب المال والتكالب عليه على ما شرحناه في سورة العلق.

تعليق على مفاوضات وعروض

زعماء قريش على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وآية (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم / ٩] (١) صريحة بأنها تحكي رغبة بعض الزعماء في ملاينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم ومجاراته لهم حتى يقابلوه بالمثل. وقد ذكر بعض المفسرين أنهم طلبوا منه ذكر آلهتهم بالخير أو السكوت عنها ، حتى يستمعوا إليه ويجاروه في بعض ما يطلب. ومن الجدير بالذكر في هذه المناسبة أن هذا لم يبق وحيدا. بل تكرر في ظروف عديدة في العهد المكي ، على ما أشارت إليه بعض الآيات وروته بعض الروايات مما فيه صورة خطيرة من صور السيرة النبوية في هذا العهد.

ولقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ البدء ـ وظل ـ شديد الحرص على هداية قومه شديد الحزن من انقباضهم عن دعوته وبخاصة الزعماء ، لأنهم يسدون الطريق أمام السواد الأعظم من العرب على ما ذكرناه قبل قليل. فكان بعض الزعماء يستغلون هذه العاطفة ويعرضون عليه مباشرة أو بواسطة عمه أبي طالب بعض العروض والاقتراحات بسبيل تبادل الملاينة والمسايرة.

من ذلك ما تضمنت الإشارة إليه آيات سورة الإسراء هذه : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٤) ، وقد روى المفسرون (٢) في صددها روايات عديدة ، منها أن فريقا من زعماء قريش اقترحوا عليه السكوت عن شتم آلهتهم وتسفيه أحلامهم ليحاسنوه ويسايروه. ومنها أنهم طلبوا منه الإبقاء على

__________________

(١) انظر تفسيرها في كتب تفسير البغوي وابن كثير والطبري والخازن والطبرسي.

(٢) المصدر نفسه.

٣٧٢

بعض تقاليدهم وطقوسهم مدة من الزمن ، ومنها أنهم طلبوا منه الإلمام بأصنامهم كما يفعل بالحجر الأسود ، ومنها السماح لهم بذلك. ويظهر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطر لباله أن يسايرهم بعض المسايرة ، فثبته الله تثبيتا ينطوي فيه التنبيه المنطوي في آيات سورة القلم والذي نوهنا به آنفا.

وفي سورة يونس هذه الآية : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥) ، وقد روى المفسرون (١) أنهم طلبوا منه قرآنا خاليا من الحملة عليهم وعلى شركائهم.

ولقد روى ابن هشام (٢) أن زعماء قريش جاءوا إلى أبي طالب متذمرين أكثر من مرة ، طالبين منه ردع ابن أخيه عن شتم آلهتهم وتسفيه عقولهم. ومما قالوه له في إحدى المرات وكان حاضرا في مجلسهم : إننا نحب أن يسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا. وفي إحدى المرات قال لعمه : أريد منهم أن يعطوني كلمة يملكون بها العرب ويدين لهم بها العجم فقالوا له : نعم وأبيك وعشر كلمات ، قال تقولون : لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه. فصفقوا وقال بعضهم لبعض : ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا.

وفي سورتي الأنعام والكهف آيات تلهم نصوصها وما رواه المفسرون في صددها (٣) أن الزعماء كانوا يقترحون عليه طرد الفقراء والمساكين من حوله إذا كان يريد منهم أن يجلسوا إليه ويستمعوا منه ويستجيبوا له ، ويتمجحون بهم لعدم استجابتهم لدعوته وهي هذه :

١ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ

__________________

(١) انظر تفسيرها في كتب تفسير البغوي وابن كثير والطبري والخازن والطبرسي ..

(٢) ابن هشام ج ١ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٥ وج ٢ ص ٢٦ ـ ٢٨.

(٣) المصدر السابق نفسه.

٣٧٣

حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) [الأنعام : ٥٢ ـ ٥٣].

٢ ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨) [الكهف : ٢٨].

وقد تضمنت الآيات تحذير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الاستجابة لاقتراحات زعماء الكفار ، وبإغداق عطفه واهتمامه على أصحابه الذين آمنوا به والتفوا حوله مهما كانت طبقتهم الاجتماعية لأنهم أظهروا من صدق الرغبة في الإيمان والاتجاه إلى الله وحده ما رفع شأنهم وقدرهم عند الله. وفي الآيات من التلقين الجليل ما هو ظاهر.

هذا ، وجنوح الزعماء إلى طلب المداهنة والملاينة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووعدهم بالمقابلة بالمثل منذ عهد مبكر ، واستمرارهم على ذلك يدل على أنهم لم يكونوا يجدون في أنفسهم من القوة ما يستطيعون به إرغامه على الكف عن دعوته والاعتدال في تنديداته وحملاته ، كما يدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لديه من الجرأة والقوة الروحية والاستغراق في الله ما يجعله غير مبال بما كان عليه الزعماء من قوة ومال وكثرة ، وما يجعله يظل يقذف بنذر القرآن وحملاته في وجوههم ويقرع بها آذانهم منذ بدء الدعوة ، ويدل في الوقت نفسه على أن الزعماء يعرفون ذلك ، وفي هذا ما فيه من العظمة وبليغ الأسوة.

ولقد قلنا قبل إن هذه الآيات لا بد من أن تكون نزلت بعد طائفة من السور التي فيها مبادئ الدعوة من وحدانية الله تعالى وإيجاب اختصاصه وحده بالعبادة والدعاء وترك كل ما عداه والإيمان باليوم الآخر وإيجاب الأعمال والأخلاق الحسنة وتجنب الأعمال والأخلاق السيئة وعدم الاستغراق في حب المال واكتنازه وإيجاب البر بالمساكين والفقراء والإنفاق على سبل الخير المختلفة إلخ .. ومعنى

٣٧٤

أمر الله تعالى لرسوله بعدم إطاعتهم في ما يطلبونه من مسايرة مقابل وعدهم له بالمسايرة في بعض ما يدعو إليه أن المبادئ الأساسية للدعوة لا يصح في أي حال وظرف أن تكون محل مساومة وتمييع. وهذا الأمر قد تكرر على ما تفيده آيات سورة الإسراء [٧٣ ـ ٧٤] التي أوردناها آنفا.

وفي هذا ما فيه روعة وتلقين جليل مستمر المدى.

تعليق على جملة

(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)

وجملة أساطير الأولين قد تكررت كثيرا في القرآن حكاية لزعم الكفار عن القرآن ، وهذه الجملة أو بتعبير أدق كلمة أساطير تعني الآن القصص التي لا تستند إلى أصل أو يشوبها الغلو أو الخرافة. غير أن الذي يتبادر لنا أن استعمالها في القرآن لم يكن لهذا المعنى فقط ، وإنما كان أيضا لمقصد الإشارة إلى كتب الأولين وصحفهم ، بما في ذلك كتب النصارى واليهود التي كانت متداولة. وفي سورة الفرقان آية قد تؤيد ذلك حيث جاء فيها : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٥) ، وحيث أراد الكفار أن يقولوا إن ما يتلوه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اقتبسه واستكتبه وحفظه من الكتب الأولى المتداولة وليس وحيا.

والجملة في السورة تدل في حد ذاتها على أن ما نزل من القرآن قبل هذه الآيات كان شيئا غير يسير حيث رأى الكفار فيه من التطابق والمواضيع ، ما سوغ لهم هذا القول ؛ وتؤيد ما قلناه في صدد ترتيب هذه السورة.

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ

٣٧٥

أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣))

(١) بلوناهم : امتحنّاهم واختبرناهم.

(٢) الصرم : القطف أو القطع.

(٣) مصبحين : في الصباح الباكر.

(٤) لا يستثنون : لا يقولون إن شاء الله بعد القسم.

(٥) فطاف عليها طائف من ربك : كناية عن بلاء رباني أصاب ثمر الجنة فأيبسه وجعله كالصريم أي كالمقطوف.

(٦) حرثكم : هنا بمعنى بستانكم.

(٧) يتخافتون : يتهامسون.

(٨) حرد : شدة التصميم أو سوء النية والقصد.

(٩) ضالون : هنا بمعنى حائرون أو تائهون.

(١٠) أوسطهم : أعقلهم وأرشدهم.

(١١) ظالمين : وردت كلمة الظلم في القرآن كثيرا وفي معان عديدة ، منها الجور ضد العدل. ومنها الانحراف عن طريق الحق. ومنها الجناية على النفس والإضرار بالنفس والغير. ومنها العدوان والبغي على الغير. ومنها الإجرام. ومنها النقص والبخس. وهي هنا بمعنى الجناية على النفس.

(١٢) يتلاومون : يلوم بعضهم بعضا.

(١٣) طاغين : متجاوزين الحد في البغي والتمرد.

هذه الآيات تحكي قصة جماعة كان لهم بستان ، أقسموا على قطف ثمره دون أن يقولوا إن شاء الله ، وصمموا على حرمان الفقراء منه وغدوا مصبحين إلى تنفيذ عزيمتهم معتمدين على قدرتهم ، فسلط الله على الثمر بلاء جعله كالمقطوف عقابا لهم

٣٧٦

على سوء نيتهم ، ولما رأوا بستانهم على هذه الحالة ذهلوا حتى لقد ظنوا أنهم ضلوا عنه ، ثم عرفوا الحقيقة فأدركوا أنهم قد خسروا ثمرهم وحرموا منه ، وكان فيهم رجل صالح عاقل كان ينصحهم بالاعتدال وعدم البغي فقال لهم : ألم أخبركم بما سوف ينتج عن سلوككم؟ وطلب منهم أن يستغفروا الله ويسبّحوه ويعترفوا بذنبهم ، فأخذ بعضهم يلوم بعضا وسبّحوا الله واستغفروه واعترفوا بظلمهم وطغيانهم ، وأعلنوا توبتهم وإنابتهم إلى الله على أمل أن يعوضهم بما هو خير مما خسروه وحرموا منه.

وقد ابتدأت الآيات بما يفهم منه أن الله قد امتحن المكذبين بما امتحن به أصحاب البستان ، وانتهت بالتنويه بعذاب الله الشديد الذي يحل بالظالمين الجاحدين لنعمة الله في الدنيا وبالوعيد بعذاب الآخرة الذي ينتظرهم والذي هو أشد وأكبر.

تعليق على قصة البستان وهدفها

وقد روى المفسرون (١) أن البستان المذكور في القصة كان في اليمن والحبشة ، وذكر بعضهم أنه كان لرجل من ثقيف ، وأنه كان يترك ما يسقط من الثمر للفقراء ، فلما مات وورثه أبناؤه قالوا إن أبانا لأحمق ، وصمموا على حرمان الفقراء من ذلك. وبعبارة أخرى إن الحكاية لحادث واقعي. وروح الآيات ومضمونها يلهمان ذلك ويلهمان أيضا أن الحادث مما كان معروفا عند السامعين.

وضمير (بَلَوْناهُمْ) راجع مباشرة إلى المكذبين الذين حكت الآيات السابقة موقفهم وهم زعماء قريش كما هو المتبادر ، وفي ذلك قرينة على أنهم كانوا يعرفون قصة البستان.

وواضح أن القصة أوردت في معرض التذكير والمثل. وهذا شأن جميع القصص والأمثال القرآنية ؛ والأسلوب القرآني في ذلك من خصوصيات القرآن ،

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والنيسابوري مثلا.

٣٧٧

لأن ما احتوته الكتب الدينية اليهودية والنصرانية من القصص هي في صدد التاريخ والإخبار. والعظة والتذكرة اللتان تنطويان في هذه القصة هما أن الله قد امتحن المكذبين بالرسالة النبوية ، كما امتحن أصحاب البستان بالنعمة التي أنعمها عليهم بثمرهم ، وكما أن هؤلاء قد تعرضوا لعذاب الله وبلائه لعدم استماعهم لنصيحة عاقلهم ومرشدهم وعدم شكر نعمة الله ، ولسوء النية التي بيتوها بحرمان الفقراء فإن أولئك ـ أي كفار قريش المكذبين ـ أمام امتحان رباني ، فإذا لم يستمعوا لنصيحة ناصحهم ومرشدهم ولم يستجيبوا إليها ولم يشكروا نعمة الله التي أنعمها عليهم فإنهم سيتعرضون لبلاء الله وعذابه في الدنيا فضلا عما سيتعرضون لعذابه الأكبر في الآخرة. ولهم الأسوة بأصحاب البستان الذين أدركوا مدى ظلمهم وانحرافهم وسوء نيتهم فاستجابوا لمرشدهم وتابوا إلى الله واستغفروه.

والمصحف الذي اعتمدنا عليه يذكر أن هذه الآيات مدنية ، غير أننا نلاحظ أولا : أنها منسجمة مع ما قبلها وما بعدها كأنما جميعها في سياق واحد وموضوع واحد. وثانيا : أن مضمونها يلهم كون المثل موجها إلى الناس في مبادئ الدعوة وعهد النبوة. وثالثا أن الضمير في (بَلَوْناهُمْ) راجع إلى الذين كانوا موضوع الآيات السابقة مما ينطوي فيه الاتصال بين هذه الآيات وسابقاتها. ورابعا أن أسلوبها وطابعها أكثر شبها لأسلوب وطابع الآيات المكية ولذلك فإننا نتوقف في صحة الرواية ، وإذا صحت ملاحظاتنا فتكون هذه القصة أولى القصص القرآنية نزولا والله أعلم.

ونقول في هذه المناسبة إن القرآن قد احتوى كثيرا من القصص بأساليب متنوعة ، مسهبة حينا ومقتضبة حينا وبإشارات خاطفة حينا ، منها قصص خاصة بحياة وسيرة أنبياء الله ورسله ، ومنها مزيجة بين حياة وسيرة أنبياء الله ورسله وما جرى بينهم وبين أقوامهم أو الذين أرسلوا إليهم ونتائجه. ومنها قصص أشخاص أو جماعات غير أنبياء. ومن هذه القصص ما ورد جزئيا أو كليا أو مباينا بعض الشيء مع التوافق في أمور. وفي الأسماء في الأسفار التي يتداولها اليهود

٣٧٨

والنصارى التي يجمعها ما يسمى بالكتاب المقدس أو ما يسمى أسفار العهد القديم وأسفار العهد الجديد. ومنها ما هو عائد إلى أسماء وردت في هذه الأسفار دون القصص. ومنها قصص عربية لجماعات وأنبياء وأقوام عاشوا في جزيرة العرب قبل الإسلام. ويصدق على جميعها ما قلناه من أنها جاءت في القرآن في معرض التذكير والمثل ، ولسوف نزيد كل هذا شرحا في مناسبات آتية.

تعليق على روايات الآيات

المدنية في السور المكية

وبمناسبة ذكر رواية مدنية الآيات المذكورة لأول مرة نقول : إن هناك روايات عديدة عن وجود آيات مدنية في السور المكية. والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي مدنية [١٤٧] آية في [٣٤] سورة مكية ، وهناك روايات تزيد في عدد الآيات وأخرى تنقص منها.

والمتدبر في الآيات يرى طابع العهد المكي وصوره وأحداثه بارزا على معظمها ، كما يرى انسجام معظمها انسجاما تاما في السياق والمضمون بل والنظم مع ما قبلها وما بعدها ، ولا يستبين الحكمة في وضعها لو كانت مدنية حقا بحيث يسوغ الشك والتوقف في صحة الروايات التي تروي مدنيتها وتروي أسباب نزولها في المدينة ، إلا إذا فرض أن تكون حكمة التنزيل اقتضت تدعيم السياق المكي بها وهو فرض لا يمكن أن تطمئن النفس به. ومن الجدير بالذكر أن معظم الروايات ليست أحاديث نبوية أو صحابية موثقة ومسندة على أسلوب توثيق الأحاديث وإسنادها. ومما يرد على البال تعليلا لها أن الآيات المكية ذكرت أو استشهد بها بمناسبة بعض أحداث جرت في المدينة وكان بعضهم قد نسيها فالتبس عليهم الأمر وظنوها آيات مدنية.

والكلام ينطبق كما قلنا على معظم الآيات ، وهناك بضع آيات في بعض السور المكية تستثنى من ذلك يسوغ طابعها ومضمونها الجزم بصحة رواية مدنيتها. وقد وضعت في السياق المناسب لمضمونها على ما سوف نشرحه في مناسباتها.

٣٧٩

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣))

(١) تدرسون : تقرءون أو تتعلمون أو تعلمون منه.

(٢) تخيرون : تتخيرون وتختارون.

(٣) أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة : بمعنى هل لكم عهد من الله بالنجاة مستمر وشامل ليوم القيامة.

(٤) زعيم : كفيل أو ضامن أو مؤيد.

(٥) يوم يكشف عن ساق : كناية عن وقت اشتداد الخطب ، حيث كان من عادة العرب إذا اشتدت معركة الحرب أن يكشفوا عن سيقانهم ، وهنا يعني يوم القيامة واشتداد الخطب فيه.

(٦) ترهقهم : تلحقهم أو تزعجهم أو تحيق بهم.

في هذه الآيات :

١ ـ تقرير تبشيري بما للمتقين المصدقين عند ربهم من النعيم في جناته.

٢ ـ تساؤل على سبيل الإنكار عما إذا كان يصح أن يجعل الله المسلمين كالمجرمين في اليوم الآخر.

٣ ـ أسئلة فيها تحد وتهكم موجهة للمكذبين : فهل يظنون أن الله حقا يمكن أن يجعل المسلمين كالمجرمين؟ وبأي وجه يحكمون بصحة هذا الظن ؛ وهل عندهم كتاب من الله يستندون إليه ويعلمون أن لهم في ذلك اليوم ما يشتهون ويختارون؟ وهل عندهم عهد من الله مستمر وشامل ليوم القيامة بأن لهم فيه ما يبتغون ويحكمون؟.

٣٨٠