التّفسير الحديث - ج ١

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ١

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٤

لأخذته الملائكة عيانا» (١). ومنها حديث رواه مسلم عن ابن عباس أيضا قال : «قال أبو جهل : هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم ـ يريد على ما يظهر هل يصلّي ويسجد ـ قيل : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلّي فما فجئهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه فقيل له : ما لك ، فقال : إنّ بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا فأنزل الله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) (٦) إلى آخر السورة» (٢).

ومنها حديث رواه الترمذي عن ابن عباس قال : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي فجاء أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا ألم أنهك عن هذا؟ فزبره النبي ، فقال أبو جهل : إنّك لتعلم ما بها ناد أكثر منّي فأنزل الله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨). قال ابن عباس : (فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله) (٣).

والحديث الأخير قد يفيد أن الآيات نزلت على دفعات. غير أن الذي نرجّحه على ضوء الحديث الثاني أنها نزلت دفعة واحدة. ولا يمنع هذا أن يكون ما روي عن لسان أبي جهل مما ذكره الحديث الأخير صحيحا من جملة ما قاله وفعله وحاول أن يفعله فكان كل هذا مناسبة لنزول الآيات جميعها.

وتسمية (أبي جهل) تسمية إسلامية ، واسم هذا الرجل هو عمرو بن هشام المخزومي وكنيته أبو الحكم. ولقد روى ابن هشام أن أبا سفيان وأبا جهل والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا لرسول الله وهو يصلي في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقالوا لبعضهم : لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا. ثم انصرفوا غير أنهم عادوا ليلة ثانية

__________________

(١) «التاج» ، ج ٤ ص ٢٦٢.

(٢) انظر المصدر نفسه.

(٣) انظر المصدر نفسه.

٣٢١

ثم ليلة ثالثة. وذهب الأخنس إلى أبي سفيان فقال له : ما رأيك يا أبا حنظلة فيما سمعت من محمد؟ قال : والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها وما يراد بها ، فقال له : وأنا والذي حلفت به كذلك. ثم خرج حتى أتى أبا جهل فقال : ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال : ما سمعت : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه ، والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه (١).

حيث يفيد هذا أن موقف أبي جهل كان متأثرا بالاعتبارات الشخصية والأسرية.

علنية الدعوة في بدئها

والمشهد الذي احتوته الآيات والأحاديث المروية في صدده يدلّ بقوة على أن الدعوة بدأت علنية خلافا لما روي (٢) أو لما هو مستقر في الذهن. وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يمارس صلاته الجديدة جهرة ويدعو الناس إلى الله وتقواه. وفي المشاهد المماثلة التي ظلت تذكر في السور العديدة المبكرة في النزول ، مثل القلم والمزمل والمدثر والتكاثر والماعون والكافرون تأييد لذلك. وكل ما يمكن أن يقال إزاء ما ورد في الأحاديث التي تروي أقوال بعض أصحاب رسول الله مثل ما روي عن عمر في قصة إسلامه حيث سأل بعد إسلامه : «أنحن على حقّ أم باطل؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل على حقّ ، فقال عمر : ففيم التخفي إذن؟». ومثل ما روي عن ابن مسعود أنه قال : «ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالكعبة ظاهرين آمنين حتى أسلم عمر» (٣). إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حماية لأصحابه ـ كان يلزم الحذر والتحفظ في الصلاة والاجتماع بهم. غير أن دعوته للناس كانت

__________________

(١) انظر «السيرة الحلبية» ، ج ١ ، ص ٣٣٠ وما بعدها. وانظر تفسير آية سورة الحجر (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [٩٤] في كتاب تفسير ابن كثير والبغوي بل وغيرهما من المفسرين.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) انظر «سيرة ابن هشام» ج ١ ص ٣٤٢ وما بعدها.

٣٢٢

وظلت جهرة. وهذا هو المعقول المتسق مع هدف الدعوة وإيمان النبي بالله ورسالته.

والمتبادر أن هذه الآيات قد نزلت بعد نزول الآيات الخمس الأولى بمدة ما ، وبعد نزول جملة من القرآن تتضمن أمرا بالدعوة وشيئا من مبادئها وأهدافها. وبعد أن سار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دعوته شوطا ما ، حيث أخذ يتصل بالناس ويدعوهم ويبشرهم وينذرهم ويتلو عليهم ما أوحي إليه من آيات القرآن وسوره ويصلي جهرة ، فتصدى له الطاغية فنزلت منذرة منددة ، مذكرة قارعة.

وإلحاق هذه الآيات بالآيات الخمس الأولى حيث تكونت شخصية السورة يدل على أن سور القرآن كانت تؤلف أولا فأولا ، وعلى أن المشهد الذي احتوته لم يتأخر كثيرا. ولعله من أوائل مشاهد المناوأة للدعوة والتعرّض لصاحبها مما يدل عليه إلحاق آياته بأولى آيات القرآن نزولا.

موقف الزعامة من النبي

وموقف النبي منها منذ البدء

وفي الآيات وبخاصة في الآيات [١٥ ـ ١٩] تطمين وتثبيت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إزاء تعرض الزعيم الطاغية كما هو واضح ، وقد ثبت فيه بدون ريب الطمأنينة والقوة والعزم على متابعة مهمته العظمى. ومما لا ريب فيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تلا الآيات حتى وصلت إلى مسامع الطاغية ، بل من المحتمل القوي أن يكون قذف بها في وجهه مباشرة.

وإذ يتصور المرء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصرخ في وجه هذا الطاغية المعتدّ بماله وقوته وناديه صرخته المدوية تردادا لوحي الله : كلا كلا ، ثم يقذف بكلمات التنديد والتهديد والتحدي والإنذار القرآنية غير مبال بالزعامة وقوتها وهو من دون نصير من الناس ولم يكن قد آمن به من يستطيع له نصرا ويقف في جانبه يدرك من دون ريب تلك الشجاعة التي كان يتحلى بها والتي استمدها من إيمان عميق مستول على

٣٢٣

مشاعره جعله لا يرى عظمة إلا لله ولا قوة إلا لله ولا سلطانا إلا لله ، وجعله يرى كل ما عداه أضعف من أن يخشى ، وأعجز من أن يستطيع له نفعا أو ضرا ، أو يقف أمام دين الله ويحول دون الدعوة إليه. ويدرك بهذا ما تحلى به من عظمة الخلق وقوة الجنان وعمق اليقين ، مما كان موضوع ثناء الله في آية القلم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤).

وفي كل هذا أسوة يجب على المسلمين أن يتأسوا بها وبخاصة الدعاة إلى الإصلاح والمتعرضين للظلم والطغيان. لأن الله سبحانه أمرهم بأن يكون لهم في رسوله الأسوة الحسنة كما جاء في آية سورة الأحزاب هذه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١).

ويتبادر من عنف الآيات وقوتها القارعة أن الحكمة الربانية اقتضت أن يكون الرد على أول متصدّ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الزعماء الأقوياء بهذا الأسلوب لتثبيت النبي وأصحابه القلائل الذين آمنوا به ، ومواجهة الزعيم القوي بقوة وعنف يصدمانه على غير توقع. ولا شك في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تلا الآيات على أصحابه ، فقوّت من روحهم وزادتهم إيمانا ، ووصلت إلى صاحبها وناديه فصعقتهم بعنفها وجعلتهم يشعرون بالقوة الروحية التي يستمد منها النبي ، وازداد النبي بهذا وذاك قوة وعزما على الاستمرار في مهمته ، غير مبال بالزعيم القوي وناديه.

على أن جملة : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) تسوغ القول أن أبا جهل لم يكن وحيدا في موقفه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو ما تدل عليه الآيات التي نزلت بعد هذه الآيات في مناسبات عديدة مبكرة.

وليس بعيدا أن يكون تعبير «ناديه» قد عنى دار الندوة التي كان يجتمع فيها أهل الحلّ والعقد في مكة الذين هم رؤساء الأسر القرشية البارزة ، وقد كانت هذه الدار قرب الكعبة ، فإذا صحّ هذا فإن من السائغ أن يقال إن السلطات الرسمية قد رأت في صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم علنا بصلاة جديدة لا عهد للناس بها ، وفي دعوته الناس جهارا إلى دين يخالف ما عليه الناس بدعة ، ورأت وجوب الوقوف في وجهها ،

٣٢٤

وأنها عمدت إلى أحد أعضائها بتنفيذ ذلك ، أو أن هذا العضو كان أشدّ حماسا ضدها من غيره فكان هو المتصدي.

وهكذا ينطوي في الآيات المبكرة جدا في النزول أولى صورة من صور مواقف زعماء مكة الشديدة المناوأة التي تكررت واستمرت إلى أن تمّ الفتح المكي. وأولى صورة من صور الردّ القرآني المبلغ للرسول والمعلن للناس من قبله على هذه المواقف التي تكررت وحكاها القرآن المكي في مختلف أدوار التنزيل. وفي الرد القرآني المنطوي في آيات السورة تعليل لهذا الموقف وقد انطوى في الردود القرآنية مثل هذا التعليل أو ما يقاربه. وهو على الأكثر الاستكبار ومكر السيء والاستهتار والاعتداد بالمال والولد والحرص على التقاليد التي كانوا يستمدون منها قوة وجاها والحسد والاعتبارات الشخصية والأسرية. ومن ذلك آيات سورة فاطر هذه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) ، وآيات سورة الزخرف هذه : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١) ، وآيات سورة ص هذه : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (٨).

وقد يعني هذا أن الزعماء الذين كان أكثرهم أغنياء وأولو عصبية في الوقت نفسه قد رأوا في الدعوة النبوية تحدّيا لهم وتهديدا لمركزهم وثرواتهم فانبروا إلى مناوأتها من أول أيامها ، وأدى ذلك إلى نضال طويل مرير مختلف الصور والأشكال بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما شغلت حكايته وصوره حيزا كبيرا من القرآن وبخاصة المكي منه على ما سوف يأتي متواليا.

٣٢٥

تعليق على ما في الآيات

(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧))

من تلقين ثم من مدى ومغزى

في صدد أهداف الرسالة الإسلامية

وهذه الآيات بخاصة محل لتعليق آخر من حيث إنها تجعل الطغيان نتيجة لكثرة المال والغنى. ولقد احتوت سور كثيرة مبكرة في النزول حملة على شدة حبّ المال والحرص عليه والتباهي به واعتباره عنوانا للكرامة وتنديدا بذلك مثل سور القلم والمزمل والمدثر والمسد والفجر والعاديات والتكاثر والهمزة والبلد ممّا لم نر إيراده لأنه سوف يأتي بعد قليل.

ولقد احتوت هذه السور وسور أخرى مبكرة في النزول أيضا مثل الليل والأعلى والنجم فضلا عن سور كثيرة أخرى نزلت في مختلف أدوار التنزيل حضا على إطعام المساكين والتصدّق على الفقراء وتزكية المال والإنفاق في سبيل الله. واحتوت في الوقت نفسه صورا عديدة من مواقف الأغنياء المناوئة لنبوة النبي ودعوته إلى جانب الزعماء حيث يبدو أن الأغنياء بدورهم رأوا في هذه النبوة والدعوة تهديدا لثرواتهم فتضامنوا مع الزعماء في المناوأة منذ عهد مبكر جدا واستحقوا وصف الطغيان الذي احتوته الآيات.

وبالإضافة إلى ما في هذا من تلقين جليل سلبي وإيجابي للمسلم فإنه ينطوي على مدى ومغزى عظيمين في صدد الرسالة الإسلامية التي يمثلها القرآن في الدرجة الأولى. وهما كون هذه الرسالة قد جاءت في جملة ما جاءت به للحدّ من جشع الإنسان للمال وتكالبه عليه والدعوة إلى مساعدة المحتاجين خطورة إليه. وورود هذا في السور المبكرة في النزول يسبغ على ذلك المدى والمغزى خطورة خاصة ، وقد استمر ذلك بأساليب متنوعة في سور كثيرة أخرى مما يزيد في قوة هذه الخطورة.

٣٢٦

وهناك أحاديث كثيرة مأثورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم متساوقة مع كل ذلك أيضا شأنها مع كل المبادئ والتلقينات القرآنية سنوردها في مناسبات آتية أكثر ملاءمة.

تعليق على كلمة الصلاة

وبمناسبة ورود كلمة «صلى» لأول مرة نقول : إن الصلاة تعني في اللغة الدعاء والبركة وقد جاءت بهذين المعنيين في القرآن كما يفهم من آيات سورة الأحزاب هذه : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، و (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) ، ومن آية سورة التوبة هذه : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) ، وتعني كذلك الشكل الخاص الذي يتعبد المتعبد به لمعبود ، كما هي في هذه السورة وغيرها ، والمعنيان متقاربان ولعلّ الأصل هو الأول ، ولا سيما والعبادة هي الاتجاه للمعبود ودعاؤه.

وإطلاق كلمة الصلاة على الشكل الخاص من العبادة مطلقا ليس إسلاميا ، بل كان كذلك قبل البعثة كما تدل عليه آية الأنفال هذه : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) (١) [٣٥] ، حيث عبرت عما كان يؤديه المشركون من الطقوس الدينية عند الكعبة بكلمة الصلاة.

ومع أن الروايات تذكر (٢) أن شكل الصلاة الإسلامية المعروف هو الشكل الذي أدّى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاته الأولى بتعليم الملك ، فإن ورود تعابير الركوع والسجود والقيام في القرآن وتكليف المشركين بالسجود تارة ، والركوع أخرى كما جاء في آية سورة البقرة هذه : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ

__________________

(١) المكاء هو التصفير ، والتصدية هي التصفيق على ما جاء في تفسير الزمخشري «الكشاف».

(٢) ابن هشام ج ١ ص ٢٢٩ وما بعدها ، و «السيرة الحلبية» ج ١ ص ٢٦٣ وما بعدها.

٣٢٧

وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥) ، وفي آية سورة الحج هذه : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٢٦) ، وفي آية سورة الفرقان هذه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) (٦٠) ، وفي آية سورة المرسلات هذه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) (٤٨) ، يلهم أن هذه الأشكال كانت معروفة قبل البعثة وممارسة ، كأشكال عبادة وصلاة ، وكمظهر خضوع لله أو للمعبودات.

ولقد روى ابن هشام خبر أولى صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عزوا إلى ابن اسحق : «حدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه‌السلام ورسول الله ينظر إليه ليريه كيف الطهور إلى الصلاة ثم توضأ رسول الله كما رأى جبريل توضأ. ثم قام به جبريل فصلى به ، فصلى رسول الله بصلاته ثم انصرف جبريل. فجاء رسول الله خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل ، فتوضأت كما توضأ لها رسول الله ثم صلّى بها كما صلى به جبريل». وقال كذلك عزوا إلى ابن اسحق : «وحدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير وكان كثير الرواية عن ابن عباس قال : لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاه جبريل عليه‌السلام فصلى به الظهر حين مالت الشمس ، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ، ثم صلّى به المغرب حين غابت الشمس ، ثم صلّى به العشاء الأخيرة حين ذهب الشفق. ثم صلّى به الصبح حين طلع الفجر. ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله. ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه ، ثم صلّى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس ، ثم صلّى به العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل الأول ، ثم صلّى به الصبح مسفرا غير مشرق. ثم قال : يا محمد الصلاة فيما بين صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس» (١).

__________________

(١) ابن هشام ج ١ ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

٣٢٨

ولقد روى الترمذي وصاحباه حديثا عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه معظم ما جاء في هذا الحديث وهذا نصّه : «أمّني جبريل عليه‌السلام عند البيت مرّتين ، فصلّى الظهر في الأولى منهما حينما كان الفيء مثل الشّراك ، ثم صلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ، ثم صلّى العشاء حين غاب الشّفق ، ثم صلّى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم. وصلّى المرّة الثانية الظهر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله لوقت العصر بالأمس ، ثم صلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثليه. ثم صلّى المغرب لوقته الأول ، ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ، ثم صلّى الصبح حين أسفرت الأرض ، ثمّ التفت إليّ جبريل فقال : يا محمّد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين» (١).

ولقد روى الخمسة إلّا الترمذي عن أبي مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نزل جبريل فأمّني فصلّيت معه ثم صلّيت معه ثمّ صلّيت معه ثمّ صلّيت معه ثمّ صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات. زاد في رواية ثمّ قال بهذا أمرت» (٢).

وليس في هذه الأحاديث تعيين لوقت هذا التعليم والإمامة. ولكن ورود الإشارة إلى صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه السورة التي هي من أبكر ما نزل من القرآن قد يدل على أن ذلك كان عقب نزول أول وحي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد يؤيد هذا ما جاء في حديث ابن اسحق الأول من مجيء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك إلى بيته وتعليمه ما علمه إياه الملك لخديجة رضي الله عنها التي كانت أول من آمن به ، والتي لم يكن بعد على ما هو محتمل مؤمنا به غيرها. وقد يؤيد ذلك أيضا أن الإشارة إلى الصلاة والدعوة إليها وخبر ممارستها قد ذكرت في سور أخرى مبكرة جدا في النزول مثل سور المزمل والمدثر والأعلى والشرح والكوثر. هذا في حين أن البخاري ومسلم والنسائي والترمذي يروون حديثا عن أنس جاء فيه : «فرضت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة

__________________

(١) «التاج الجامع» ، ج ١ ، ص ١٢٥ و ١٢٦.

(٢) المصدر نفسه.

٣٢٩

أسري به الصلوات خمسين ثم نقصت حتّى جعلت خمسا ثم نودي يا محمد إنه لا يبدّل القول لديّ ، وإنّ لك بهذه الخمس خمسين» (١).

والإسراء ذكر في سورة الإسراء بأسلوب قد يلهم أنه ذكر عقب وقوعه ، وسورة الإسراء ليست من السور المبكرة في النزول بل يخمن أنها نزلت في أواخر الثلث الأول من العهد المكي. وهناك روايات تذكر أن الإسراء وقع في مثل هذا الظرف.

ولقد روى الترمذي ومسلم حديثا عن عبد الله في سياق تفسير بعض الآيات الأولى من سورة النجم التي تروي بعض الأحاديث أنها في صدد مشاهد الإسراء والمعراج جاء فيه : «إنه لما بلغ رسول الله سدرة المنتهى قال : انتهى إليها ما يعرج من الأرض وما ينزل من فوق ، فأعطاه الله عندها ثلاثا لم يعطهنّ نبيا قبله. فرضت عليه الصلاة خمسا وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لأمته المقحمات ما لم يشركوا بالله شيئا» (٢).

وسورة النجم نزلت كذلك بعد عدة سور ذكرت فيها الصلاة مثل المزمل والمدثر والأعلى والشرح والكوثر والماعون.

وعلى هذا فإن الصلاة إما أن تكون غير مفروضة فرضا مستقرا وكانت تؤدى كمظهر من مظاهر العبادة لله تعالى وحسب قبل نزول سورتي النجم والإسراء أو قبل سورة النجم ـ لأن هناك احتمالا أن يكون الإسراء وقع قبل نزول سورة الإسراء بمدة ما وأن يكون ذكره في سورة الإسراء من قبيل التذكير به ـ إذا صح حديثا أنس وعبد الله رضي الله عنهما. وإما أن يتوقف في هذين الحديثين استئناسا بالآيات وبحديث ابن اسحق الأول. ويقال إنها كانت تمارس كفرض محدود الأوقات في عهد مبكر من البعثة النبوية وقبل الإسراء النبوي ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) «التاج» ج ١ ص ١١٧.

(٢) «التاج» ، ج ٤ ص ٢٢١ ، المقحمات : الذنوب العظيمة.

٣٣٠

وليس في القرآن مما يتصل بشؤون الصلاة والاستعداد لها إلّا إشارات في صدد الوضوء والاغتسال من الجنابة والتيمم بدلا منهما ، واستقبال القبلة والأذان وتطهير الثياب والبدن وقصر الصلاة وصلاة الخوف وصلاة الجمعة شاءت حكمة التنزيل أن تشير إليها في مناسبات حادثة في بعض السور. أما كيفيات الصلاة وأوقاتها وأركانها وركعاتها والدخول فيها والخروج منها وما يقرأ ويدعى ويسبح فيها والنوافل المؤكدة وما يفعل في السهو فيها والعجز عن بعض كيفياتها وأركانها وما يكره فيها ... إلخ. فقد تكفلت ببيانها السنة النبوية القولية والفعلية على اختلاف في أسانيدها ورتبها حفلت بها وبشرحها كتب الحديث والفقه وتعددت المذاهب بسبب ما بها من اختلاف في النصوص مما لا يدخل تفصيله في منهاج التفسير وما صار متمما لتشريعها القرآني وجزءا منه وصار العمل بالثابت منه واجبا كما هو الشأن في كل ما سكت عنه القرآن أو جاء فيه غامضا أو مطلقا أو غير مستوف لكل جانب في مسألة من المسائل عملا بالمبدأ القرآني المنطوي في آية سورة النساء هذه : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، وآية سورة الحشر هذه : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). وقد أوردنا من قبل بعض هذه الأحاديث ونورد فيما يلي طائفة منها مما ورد في الكتب الخمسة تحتوي صورا وسننا رئيسية مع التنبيه على أنها ليست كل ما ورد في هذه الكتب ، فضلا عن أن هناك أحاديث كثيرة من بابها وردت في كتب الأحاديث الأخرى. من ذلك ما رواه الخمسة عن أبي هريرة : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلّى ثم جاء فسلّم على النبي فردّ النبيّ عليه‌السلام فقال : ارجع فصلّ ، فإنّك لم تصلّ. فصلّى ، ثم جاء فسلّم على النبيّ فقال : ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ ثلاثا. فقال : والذي بعثك بالحقّ ما أحسن غيره فعلّمني ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبّر ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن ثمّ اركع حتى تطمئنّ راكعا ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما ثمّ اسجد حتى تطمئنّ ساجدا ثمّ ارفع حتى تطمئنّ جالسا ثم اسجد حتى تطمئنّ ساجدا ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها». وزاد أبو داود : «فإذا فعلت هذا فقد تمّت صلاتك

٣٣١

وما انتقصت من هذا شيئا فإنّما انتقصته من صلاتك» (١).

وروى الخمسة أيضا عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (٢). وروى الخمسة إلّا البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ الكتاب فهي خداج ثلاثا غير تمام. فقيل لأبي هريرة : إنما نكون وراء الإمام ، فقال : اقرأ بها في نفسك». وروى الخمسة عن عبد الله قال : «كنّا نقول في الصلاة خلف رسول الله : السلام على الله السلام على فلان ، فقال لنا رسول الله ذات يوم : إن الله هو السلام فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح في السماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله ثمّ يتخيّر من المسألة ما يشاء».

وروى الخمسة عن كعب بن عجرة قال : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في الصلاة : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد».

وروى الخمسة عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اعتدلوا في السّجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» وروى أبو داود والترمذي عن حذيفة : «أنه صلّى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى». وحديث رواه أصحاب السنن عن أبي مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تجزىء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود». وروى أصحاب السنن

__________________

(١) هذا الحديث وما نورده بعده من أحاديث منقولة من الجزء الأول من كتاب «التاج الجامع» ، انظر الصفحة ١١٧ وما بعدها.

(٢) هناك أحاديث صحيحة عديدة تذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء قرآنا غير الفاتحة.

٣٣٢

عن الحسن بن علي قال : «علّمني رسول الله كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر : اللهمّ اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولّني فيمن تولّيت وبارك لي فيما أعطيت وقني شرّ ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذلّ من واليت ولا يعزّ من عاديت تباركت ربّنا وتعاليت». وروى الخمسة إلّا مسلما عن عمران بن حصين قال : «كانت بي بواسير فسألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة فقال صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب». وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر». وروى الشيخان والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة». وروى أبو داود والنسائي والحاكم وأحمد والترمذي عن سبرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مروا الصبيّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها». وروى الخمسة عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من نسي صلاة فليصلّ إذا ذكرها لا كفّارة لها إلّا ذلك. أقم الصلاة لذكري». وروى مسلم حديثا جاء فيه : «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلّها إذا ذكرها». وروى الترمذي والبيهقي والحاكم عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر». وروى الخمسة عن عبد الله قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكبّر في كلّ خفض ورفع وقيام وقعود».

وروى الخمسة عن ابن عمر قال : «رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم افتتح التكبير للصلاة فرفع يديه حين يكبّر حتى يجعلهما حذو منكبيه وإذا كبّر للركوع فعل مثله وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله وقال ربّنا ولك الحمد». وفي رواية : «إذا قام من الركعتين رفع يديه ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود». وروى مسلم وأبو داود حديثا جاء فيه : «كان النبيّ إذا كبر رفع يديه ثم التحف بثوبه ثم أخذ شماله بيمينه». وروى الخمسة إلّا البخاري عن علي قال : «كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة كبّر ثم قال وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ

٣٣٣

العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت ، أنت ربّي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلّا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت ، واصرف عني سيّئها لا يصرف سيّئها إلّا أنت ، لبّيك وسعديك ، والخير كلّه في يديك ، والشرّ ليس إليك ، وأنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك».

وروى أصحاب السنن عن أبي سعيد قال : «كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة كبّر ثمّ يقول : سبحانك اللهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك ، ثم يقول الله أكبر كبيرا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه». وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا أمّن الإمام فأمّنوا فإنّه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه».

وروى الترمذي وأبو داود عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربّي العظيم ثلاث مرات فقد تمّ ركوعه وذلك أدناه. وإذا سجد فقال في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تمّ سجوده وذلك أدناه». وروى أصحاب السنن عن الفضل بن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الصلاة مثنى مثنى تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع وتضرّع وتمسكن وتقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول يا ربّ يا ربّ ومن لم يفعل فهي خداج».

وروى أبو داود والنسائي عن ابن أبي أوفى قال : «جاء رجل إلى النبي فقال : إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلّمني ما يجزئني منه ، فقال : قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلّا بالله العظيم. قال : يا رسول الله هذا لله فما لي؟ قال : قل اللهمّ ارحمني وارزقني وعافني واهدني. فلمّا قام قال هكذا بيديه. فقال رسول الله : أما هذا فقد ملأ يديه من الخير». وروى البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة قالت : «سألت رسول الله عن الالتفات في

٣٣٤

الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». وروى الخمسة إلّا البخاري عن أم حبيبة قالت : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ما من عبد مسلم يصلّي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوّعا غير فريضة إلّا بنى الله له بيتا في الجنة». وزاد الترمذي : «أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر».

وروى الخمسة عن ابن عمر قال : «حفظت من رسول الله عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل صلاة الصبح». وروى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن خارجة بن حذافة قال : «خرج علينا رسول الله فقال : إن الله قد أيّدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النّعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر». وروى الأربعة عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا». وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتّى لا يدري كم صلّى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس». وروى مسلم وأبو داود وأحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشّكّ وليبن على ما استيقن ثمّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم فإن كان صلّى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلّى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان».

وروى الخمسة عن أبي هريرة قال : «صلّى لنا رسول الله صلاة العصر فسلّم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله : كلّ ذلك لم يكن ، فقال : كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله على الناس فقال : أصدق ذو اليدين؟ فقالوا : نعم يا رسول الله ، فأتمّ رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم». وروى الخمسة عن عبد الله : «أنّ رسول الله صلّى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة؟ فقال : وما ذاك؟ قال : صلّيت خمسا ، فسجد سجدتين بعد ما سلّم. وفي رواية قال : أنا بشر

٣٣٥

مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون. ثم سجد سجدتي السّهو». وروى الخمسة إلّا الترمذي عن أبي قتادة قال : «رأيت رسول الله يؤمّ الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت رسول الله على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها» وروى أصحاب السنن عن عائشة قالت : «جئت ورسول الله يصلي في البيت والباب مغلق فمشى حتى فتح لي ثمّ رجع إلى مكانه ووصفت الباب في القبلة».

وروى الخمسة إلّا الترمذي عن عائشة قالت : «لقد رأيتني ورسول الله يصلّي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يسجد غمز رجليّ فقبضتهما». وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن سهل بن سعد عن النبي قال : «من نابه شيء في صلاته فليسبّح فإنّه إذا سبّح التفت إليه». وروى البخاري ومسلم عن عائشة : «أنّ رسول الله كان يصلّي الصبح بغلس فينصرف نساء المؤمنين لا يعرفن من الغلس». وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». وروى الخمسة إلّا أبا داود عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة». وروى أصحاب السنن وأحمد عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحبّ إلى الله عزوجل». وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله كان يأمر المؤذّن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلّوا في الرّحال». وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلّى. قالوا وما العذر؟ قال : خوف أو مرض».

وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن مالك بن الحويرث قال : «قال لنا رسول الله إذا حضرت الصلاة فأذّنا ثمّ أقيما وليؤمّكما أكبركما ، ولأبي داود ، ليؤذّن لكم خياركم وليؤمّكم قرّاؤكم». وروى الخمسة إلّا البخاري عن أبي مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يؤمّ القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم

٣٣٦

بالسّنة فإن كانوا في السّنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمّنّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلّا بإذنه». وروى أصحاب السنن عن مالك في الحديث قال : «سمعت رسول الله يقول من زار قوما فلا يؤمّهم وليؤمّهم رجل منهم». وروى الخمسة عن أبي مسعود أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ منكم منفّرين فأيّكم صلّى بالناس فليتجوّز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وإذا صلّى لنفسه فليطول ما شاء».

وروى أبو داود والحاكم وابن خزيمة وصححه عن عبد الرحمن بن خلّاد : «أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يزور أمّ ورقة في بيتها فاستأذنته في مؤذّن فجعل لها مؤذّنا وأمرها أن تؤمّ أهل دارها». وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر قال : «لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضعا بقباء قبل قدوم النبيّ كان يؤمّهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا». وروى أبو داود وأحمد عن أنس : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف ابن أمّ مكتوم يؤمّ الناس وهو أعمى». وروى أبو داود والدار قطني حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه : «الصلاة المكتوبة واجبة خلف كلّ مسلم برّا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر». وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهمّ ربّنا لك الحمد. وإذا صلّى قائما فصلّوا قياما وإذا صلّى قاعدا فصلّوا قعودا أجمعين». وروى الطبراني عن أبي بكرة أنه ركع دون الصف فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «زادك الله حرصا ولا تعد صلّ ما أدركت واقض ما سبقك» (١).

وروى الطبراني عن ابن مسعود في الذي يفوته بعض الصلاة مع الإمام قال : «يجعل ما لا يدرك مع الإمام آخر صلاته» (٢). وروى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الأرض كلّها مسجد إلّا الحمّام

__________________

(١) عن «مجمع الزوائد» ج ١ ص ٧٦. ويفيد الحديثان أن على من يدرك الإمام وقد صلى بعض الركعات أن يتمم ما فاته منها بعد انتهاء الإمام من صلاته.

(٢) المصدر نفسه.

٣٣٧

والمقبرة». وروى الترمذي عن ابن عمر : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يصلّى في سبع مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمّام ، ومعاطن الإبل ، وفوق ظهر بيت الله الحرام». وروى النسائي وأحمد وابن ماجه عن عمر قال : «صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تماما ليس بقصر على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

وروى أبو داود وأحمد والترمذي عن عائشة : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يكبّر في الفطر والأضحى. في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمسا». ولفظ الترمذي : «كان النبي يكبّر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة». وروى الخمسة إلّا الترمذي عن جابر قال : «شهدت العيد مع رسول الله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثمّ قام متوكّئا على بلال فأمر بتقوى الله وحثّ على طاعته ووعظ الناس وذكّرهم». وروى النسائي عن أبي رمثه قال : «رأيت النبي يخطب وعليه بردان أخضران» وروى أصحاب السنن عن ابن عباس : «أن رسول الله خرج في الاستسقاء متبذّلا متواضعا متضرّعا حتى أتى المصلّى فرقى المنبر فلم يخطب خطبكم هذه ولكن لم يزل في الدّعاء والتضرّع ثم صلّى ركعتين كما يصلّي في العيد». وروى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أوصاني خليلي بثلاث بصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر وركعتي الضّحى وأن أو تر قبل أن أنام». وروى الخمسة إلّا البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله الحرام وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل». وروى الترمذي وأحمد والحاكم عن أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «عليكم بقيام الليل فإنّه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربّكم ومكفرة للسّيئات ومنهاة للإثم. وفي رواية ومطردة للدّاء عن الجسد».

وروى الخمسة عن ابن عمر : «أنّ رجلا قال : يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال : مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة». وروى مسلم عن عائشة قالت : «لما بدّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا». وروى الخمسة عن جابر قال : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلّها ، كما يعلّمنا السورة من

٣٣٨

القرآن يقول إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل اللهمّ إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب. اللهمّ إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسّره لي ثمّ بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عنّي واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به قال ويسمّي حاجته».

وروى الخمسة عن زيد بن أرقم قال : «كنّا نتكلّم في الصلاة يكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصّلاة حتى نزلت : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة / ٢٣٨] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام». وروى مسلم وأبو داود وأحمد عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». وروى الخمسة إلّا الترمذي عن ابن عمر : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يركز له الحربة فيصلّي إليها». وروى أبو داود وأحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا صلّى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا ثمّ لا يضرّه من مرّ أمامه». وروى الخمسة عن أبي جهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمرّ بين يديه ـ قال أبو النضر أحد رواة الحديث ـ لا أدري قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة».

وهناك أحاديث كثيرة أخرى في طهارة الثياب والوضوء والغسل من الجنابة ونظافة البدن والمياه وستر العورة والقبلة وصلاة الخوف والسفر والجمعة والميت والأذان والإقامة والمساجد مما له صلة بالصلاة سنورد الرئيسي منها في سياق إشارات وردت إليها في سور أخرى.

هذا ، والصلاة في أصلها تمجيد وتسبيح وابتهال لله تعالى وأداء حقه من العبادة وطلب الرحمة والهدى منه. والصلاة الإسلامية من أكمل أشكال ذلك ،

٣٣٩

حيث توجب على المسلم أن يستعد لها بطهارة البدن والثوب ثم يدخل فيها متفرغا لله وحده بعبارة الله أكبر التي تعني التحرر من الغير وتقرير الكبرياء والعزّة والقوة لله وحده. ويكرر هذه العبارة عند كل حركة من حركات القيام والركوع والسجود والجلوس ، ويتلو في مفتتح كل ركعة سورة الفاتحة التي تقرر الحمد لله رب العالمين ، وتعلم إعلان الخضوع والعبادة له وحده وطلب الرحمة والهداية والعون منه وحده ، ويركع ويسجد في كل ركعة مسبحا في ركوعه وسجوده باسم الله العظيم الأعلى.

ولقد أسبغ القرآن على الصلاة خطورة عظمى فجعلها من عناوين الإيمان والتقوى المتلازمة معهما كما جاء في آيات سورة البقرة هذه : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) ، ونوّه بالمؤمنين الذين يقيمونها باستمرار وخشوع كما جاء في آيات سورة المؤمنون هذه : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢) ، و (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩) ، ووصفها بأنها كتاب ، أو فرض معين الأوقات يجب أداؤها فيها على أي حال وفي أي ظرف ولو في ظرف القتال والحرب ، كما جاء في آيات سورة النساء هذه : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (١٠٣).

٣٤٠