التّفسير الحديث - ج ١

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ١

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٧٤

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة الطبعة الأولى

الحمد لله رب العالمين ، إيّاه نعبد وإيّاه نستعين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين ، المنزل عليه القرآن ، فيه شفاء وهدى ورحمة وذكرى للعالمين.

وبعد ، فإننا بعد أن كتبنا كتبنا الثلاثة وهي : «عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ، و «سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القرآن» ، و «الدستور القرآني في شؤون الحياة» (١) انبثقت فينا فكرة كتابة تفسير شامل ، بقصد عرض القرآن بكامله بعد أن عرضناه فصولا حسب موضوعاته في الكتب الثلاثة ، نظهر فيه حكمة التنزيل ومبادئ القرآن ومتناولاته عامة بأسلوب وترتيب حديثين ، متجاوبين مع الرغبة الشديدة الملموسة عند كثير من شبابنا الذين يتذمرون من الأسلوب التقليدي ويعرضون عنه ، مما أدى إلى انبتات الصلة بينهم وبين كتاب دينهم المقدس ، ويدعو إلى الأسف والقلق (٢).

__________________

(١) طبع الأول في دمشق ١٣٦٥ ه‍ ١٩٤٦ م ، والثاني في القاهرة ١٣٦٧ ه‍ ١٩٤٨ م ، والثالث في القاهرة أيضا ١٣٧٦ ه‍ ١٩٥٦ م.

(٢) ونزيد على ما قلناه في الطبعة الأولى فنقول : إن الحاجة إلى ذلك تشتد يوما بعد يوم بنسبة ازدياد ما يتعرض له شبابنا وناشئتنا من تيارات جارفة عاصفة من الإلحاد والتحلل من مختلف القيم والروابط الأخلاقية والاجتماعية ، والتقليد الأعمى لكل تافه سخيف مخل بالدين والخلق والمروءة. والإقبال على قراءة المجلات والروايات الماجنة الخليعة التافهة والانصراف عن قراءة الآثار الجادة الإسلامية والعلمية والقومية التي بها وحدها يضمن المرء لنفسه الكرامة والمعرفة والنفع بحيث صار الواجب يقضي تنبيههم إلى ما هم معرضون له من هذه التيارات وإنقاذهم من نتائجها الرهيبة بشرح تراثهم الديني والقومي والخلقي والاجتماعي العظيم الرائع شرحا مؤثرا نافذا ، والإهابة بهم إلى الاستمساك بحبل الله والتزود بما في كتابه وسنة رسوله من قواعد ومبادئ وتلقينات من شأنها أن تعصمهم من الزلل وتهديدهم إلى أقوم السبل في شؤون الدين والدنيا.

٥

ولقد تيسّر لنا فراغ جديد مثل الفراغ الذي تيسّر لنا من قبل ، فيسّر لنا كتابة الكتب الثلاثة المذكورة ونعني به سجننا في سجن المزة ثم في سجن قلعة دمشق الذي سجننا فيه الإفرنسيون بتحريض الإنكليز بسبب الثورة العربية الفلسطينية في أعوام ١٩٣٧ ـ ١٩٣٩ والذي امتد ستة عشر شهرا (حزيران ١٩٣٩ ـ مارس ١٩٤١) إذ لم نكد نخرج من هذا السجن بعد انكسار فرنسا في الحرب العالمية الثانية حتى دهمت سوريا قوات الإنكليز والإفرنسيين الديغوليين المنضمين إليهم. فنزحنا عن دمشق إلى تركية حيث قضينا فيها خمسين شهرا كانت لنا فرصة طيبة لتنفيذ تلك الفكرة وكتابة مسودة التفسير (١٩٤١ ـ ١٩٤٥). وقد ساعدنا على ذلك ما وجدناه في مكتبات الآستانة من كتب وتفاسير عديدة. ولما عدنا إلى دمشق صرنا نغتنم الفرص لمراجعة ما كتبناه والرجوع إلى مصادر كثيرة أخرى. فلما اتسق التفسير وتكامل بيّضناه ، وظللنا نراجع ما كتبناه وندخل عليه ما نراه مفيدا من تعديلات حتى إذا يسر الله أن تطبع أجزاؤه أخذنا نبيضه تبييضا جديدا ، ونقدم الأجزاء للطبع واحدا بعد آخر ، حامدين الله عزوجل على تيسيره وتوفيقه.

ولقد كنّا بعد فراغنا من كتابة مسودات التفسير كتبنا في هجرتنا أيضا كتابا في تنزيل القرآن وأسلوبه وأثره وتدوينه وجمعه وترتيبه وقراءاته ورسمه ومحكمه ومتشابهه وقصصه وغيبياته ومناهج تفسيره ، والطريقة المثلى إلى تفسيره وفهمه ، وهو الكتاب الذي طبع بعنوان (القرآن المجيد) وكان بمثابة مقدمة للتفسير. ولقد اجتهدنا في السير في التفسير وفق المنهج الذي رأيناه خير سبيل إلى تفسير القرآن الكريم وفهمه ، على ما شرحناه في القرآن المجيد وهذا هو :

١ ـ تجزئة المجموعات والفصول إلى جمل تامة ، يصح الوقوف عندها من حيث المعنى والنظم والسياق. وقد تكون الجملة آية واحدة أو آيات قليلة أو سلسلة طويلة من الآيات.

٢ ـ شرح الكلمات والتعابير الغريبة وغير الدارجة كثيرا ، بإيجاز ودون تعمّق لغوي ونحوي وبلاغي ، إذا لم تكن هناك ضرورة ماسة.

٦

٣ ـ شرح مدلول الجملة شرحا إجماليا ، حسب المقتضى المتبادر بأداء بياني واضح ، ودون تعمق كذلك في الشروح اللغوية والنظمية. مع الاستغناء عن هذا الشرح والاكتفاء بعرض الهدف والمدلول ، إذا كانت عبارة الجملة واضحة نظما ولغة.

٤ ـ إشارة موجزة إلى ما روي في مناسبة نزول الآيات أو في صددها ، وما قيل في مدلولها وأحكامها ، وإيراد ما يقتضي إيراده من الروايات والأقوال ، والتعليق على ما يقتضي التعليق عليه منها بإيجاز.

٥ ـ تجلية ما تحتويه الجملة من أحكام ومبادئ وأهداف وتلقينات وتوجيهات وحكم تشريعية وأخلاقية واجتماعية وروحية ، وملاحظة مقتضيات تطور الحياة والمفاهيم البشرية. وهذه نقطة أساسية وجوهرية في تفسيرنا وهي كذلك في تفسير القرآن والدعوة القرآنية كما هو المتبادر وقد اهتممنا لها اهتماما عظيما.

٦ ـ تجلية ما تحتويه الجملة من صور ومشاهد عن السيرة النبوية والبيئة النبوية ، لأن هذا يساعد على تفهم ظروف الدعوة وسيرها وأطوارها ، وجلاء جوّ نزول القرآن الذي ينجلى به كثير من المقاصد القرآنية.

٧ ـ التنبيه على الجمل والفصول الوسائلية والتدعيمية (١) ، وما يكون فيها من

__________________

(١) نقصد بالجمل والفصول الوسائلية والتدعيمية ما أريد به تدعيم المبادئ القرآنية المحكمة مثل القصص ومشاهد الحياة الأخروية والجن والملائكة وبدء الخلق والتكوين ومشاهد الكون ونواميسه والمواقف الجدلية والحجاجية والترغيب والترهيب والوعد والوعيد والأمثال والتذكير حيث جاء جميع ذلك لتدعيم تلك المبادئ التي وصفت بوصف (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) [آل عمران / ٧] ووصف ما عداها بالمتشابهات في آية سورة آل عمران السابعة هذه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ...) ومع أن الواجب يقضي بالاهتمام للمحكمات فإن جلّ المفسرين المطولين قديما وحديثا بل كلهم اهتموا لما عداها من الفصول الوسائلية والتدعيمية أكثر من اهتمامهم للفصول المحكمة حتى انعكست الآية أو كادت ، وصارت هذه الفصول جوهرية فأدى ذلك إلى الإشكالات والمناقضات وتشويش الأذهان وتعريض القرآن للنقاش والتضارب وإخراجه عن قدسيته وغايته وهي الهداية والدعوة والموعظة والتشريع وقلبه إلى كتاب تاريخ وفن ونظريات تتحمل الأخذ والرد والنقض والمعارضة على غير طائل ولا ضرورة. بل لم يقف الأمر عند

٧

مقاصد أسلوبية كالتعقيب والتعليل والتطمين والتثبيت والتدعيم والترغيب والترهيب والتقريب والتمثيل والتنديد والتذكير والتنويه ، مع إبقاء ذلك ضمن النطاق الذي جاء من أجله وعدم التطويل فيه. والتنبيه بإيجاز إلى ما ورد في صدده إذا اقتضى السياق بما لا يخرج به عن ذلك النطاق.

٨ ـ الاهتمام لبيان ما بين آيات وفصول السور من ترابط. وعطف الجمل القرآنية على بعضها سياقا أو موضوعا ، كلما كان ذلك مفهوم الدلالة ، لتجلية النظم القرآني والترابط الموضوعي فيه. لأن هناك من يتوهم أن آيات السور وفصولها مجموعة إلى بعضها بدون ارتباط وانسجام ، في حين أن إمعاننا فيها جعلنا على يقين تام بأن أكثرها مترابط ومنسجم.

٩ ـ الاستعانة بالألفاظ والتراكيب والجمل القرآنية في صدد التفسير والشرح والسياق والتأويل والدلالات والهدف والتدعيم والصور والمشاهد ، كلما كان ذلك ممكنا. وهذا ممكن في الأعمّ الأغلب حيث يوجد كثير من الآيات مطلقة في مكان ، مقيّدة في مكان آخر ، وعامة في مكان مخصصة في مكان آخر ، كما يوجد كثير من الجمل المختلفة في الألفاظ المتفقة في المعاني والمقاصد. ثم بعد ذلك بالروايات إذا ما كانت متسقة مع المفهوم والسياق ثم بأقوال المفسرين إذا كانت كذلك.

١٠ ـ العطف على ما جاء في كتاب «القرآن المجيد» من بحوث حين تفسير الجملة ومقاصدها تفاديا من التكرار والتطويل.

١١ ـ عرض المعاني بأسلوب قريب المأخذ سهل التناول والاستساغة ، واجتناب الألفاظ الحوشية والخشنة والغريبة والعويصة.

١٢ ـ شرح الكلمات والمدلولات والموضوعات المهمة المتكررة شرحا

__________________

هذا ، فهناك من صرف كثيرا من الآيات عن مفهومها الواضح ودلالتها البينة إلى ما يشبه الألغاز والمعميات بل الهذيان ويتجاوز غاية القرآن بالهدى والموعظة وصلاح البشرية تأثرا بالنزعة الصوفية. وهناك من فعل مثل ذلك وحمل الآيات غير ما تحتمله واستخرج ما زعم أنه باطنها تأثرا بالأهواء وتأييدا لها. مما سوف نوضحه بالأمثلة في مناسباته ثم في شرح مدى آية سورة آل عمران المذكورة إن شاء الله.

٨

وافيا وخاليا من الحشو عند أول مرة ترد فيها ، والعطف على الشرح الأول في المرات التالية دون تكرار شرحها في مواطن تكررها.

وقد رأينا بالإضافة إلى هذا من المفيد وضع مقدمة أو تعريف موجز للسور قبل البدء بتفسيرها ، يتضمن وصفها ومحتوياتها وأهمّ ما امتازت به ، وما يتبادر من فحواها من صحة ترتيبها في النزول وفي المصحف ، وما في السور المكية من آيات مدنية ، وفي السور المدنية من آيات مكية حسب الروايات ، والتعليق على ذلك حسب المقتضى. وكذلك وضع عناوين للموضوعات والتعليقات الهامة التي تناولناها بالبحث والشرح والبيان ، ليسهل على من ينظر في التفسير مراجعة ما يريد منها.

ولقد رأينا أن نجعل ترتيب التفسير وفق ترتيب نزول السورة ، بحيث تكون أولى السور المفسرة الفاتحة ثم العلق ثم القلم ثم المزّمل إلى أن تنتهي السور المكّية ثم سورة البقرة فسورة الأنفال إلى أن تنتهي السور المدنية ؛ لأننا رأينا هذا يتّسق مع المنهج الذي اعتقدنا أنه الأفضل لفهم القرآن وخدمته. إذ بذلك يمكن متابعة السيرة النبوية زمنا بعد زمن ، كما يمكن متابعة أطوار التنزيل ومراحله بشكل أوضح وأدقّ ، وبهذا وذاك يندمج القارئ في جوّ نزول القرآن وجوّ ظروفه ومناسباته ومداه ، ومفهوماته ؛ وتتجلى له حكمة التنزيل.

وقد قلّبنا وجوه الرأي حول هذه الطريقة ، وتساءلنا عما إذا كان فيها مساس بقدسية المصحف المتداول ، فانتهى بنا الرأي إلى القرار عليها ؛ لأن التفسير ليس مصحفا للتلاوة من جهة ، وهو عمل فني أو علمي من جهة ثانية ، ولأن تفسير كل سورة يصح أن يكون عملا مستقلا بذاته ، لا صلة له بترتيب المصحف ، وليس من شأنه أن يمسّ قدسية ترتيبه من جهة ثالثة.

ولقد أثر عن علماء أعلام ، قدماء ومحدثين تفسيرات لوحدات وسور قرآنية ، دون وحدات وسور (١). كما أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كتب

__________________

(١) من القدماء هشام الكلبي الذي روى ابن النديم في كتاب «الفهرست» (ص ٥١) طبعة المطبعة الرحمانية ، أن له كتاب تفسير الآيات التي نزلت في أقوام بأعيانهم. ومنهم شيخ الإسلام

٩

مصحفا وفق نزول القرآن (١) ، ولم نر نقدا أو إنكارا لهذا وذاك ، مما جعلنا نرى السير على هذه الطريقة سائغا. لا سيما والقصد منه هو خدمة القرآن بطريقة تكون أكثر نفعا. وليس هو الانحراف والشذوذ. والله أعلم بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى. ومع ذلك فقد رأينا أن نستوثق من صحة ما ذهبنا إليه فاستفتينا سماحة الشيخ أبي اليسر عابدين مفتي سورية والشيخ عبد الفتاح أبا غدة ، الذي كان من المرشحين لإفتاء مدينة حلب ، فتلقينا منهما جوابا مؤيدا حيث قال الأول في جوابه : «إن التأليف والتصنيف تابع لأغراض المؤلفين حسبما يعرض لهم من أشكال ، لإظهار الفوائد التي يطلعون عليها ، وليس التفسير بقرآن يتلى حتى يراعى فيه ترتيب الآيات والسور ، فقد يعنّ للمفسر أن يفسر آية ثم يترك ما بجانبها لظهور معناها وقد يفسر سورة ثم يترك ما بعدها اعتمادا على فهم التالي. ولا مانع من تأليف تفسير على الشكل المذكور ، والله أعلم».

وحيث قال الثاني : «إن شبهة المنع لهذه الطريقة آتية من جهة أنها طريقة تخالف ما عليه المصحف الشريف اليوم من الترتيب المجمع عليه والمتواتر إلى الأمة نقله جيلا بعد جيل. ودفع هذه الشبهة أن المنع يثبت فيما لو كان هذا الصنيع مسلوكا من أجل أن يكون هذا الترتيب مصحفا للتلاوة ، أي ليتلو الناس القرآن على النحو الذي سلكتموه. أما وإن الغرض للمفسر والقارئ معا غير هذا فلا مانع من

__________________

ابن تيمية الذي كتب تفسيرا خاصا لسورة الإخلاص طبع في المطبعة الحسينية بالقاهرة سنة ١٣٢٣ ه‍ ، وكتب تفسيرا لسور الأعلى والشمس والليل والعلق والتين والبيّنة والكافرون. وقد طبعت مجموعتها في بمباي الهند سنة ١٣٧٤ ه‍ ١٩٥٤ م من قبل عبد الصمد شرف الدين ، ومن المحدثين الشيخ محمد فوزي مفتي أدرنه ، وقاضي بيت المقدس الذي كتب رسالتين : واحدة بتفسير سورة ألم نشرح ، وأخرى بتفسير سورة النجم ، وقد طبعتا في دار الطباعة العامرة. ومنهم الإمام الشيخ محمد عبده الذي نشر له تفسير سورة العصر وتفسير جزء عمّ ، والإمام الشيخ محمد مصطفى المراغي الذي نشر له تفسير ميسّر لآي خاصة من القرآن الكريم.

(١) «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي ج ١ ، ص ٦٥ مطبعة عثمان عبد الرزاق ، طبعة عام ١٣٠٦ هجرية.

١٠

سلوكه إطلاقا. ويستأنس لسواغية هذه الطريقة بما سلكه أجلّة من علماء الأمة المشهود لهم بالإمامة والقدوة من المتقدمين في تأليفهم ولم يعلم أن أحدا أنكر عليهم ما صنعوا. ويحضرني منهم الآن الإمام ابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ للهجرة ، فقد مشى في تفسير ما فسّره في كتابه المطبوع «تأويل مشكل القرآن» على غير ترتيب النزول وعلى غير الترتيب المتلوّ الآن. ويبدو هذا جليا في الصحف (٢٤٠ ـ ٣٣٩).

على أن القول بالمنع تبعا لهذه النظرة الضيقة ينبغي أن يشمل ما سلكه الشيخ جلال الدين المحلّي ، ثم جلال الدين السيوطي في تفسير هما المعروف بتفسير الجلالين ؛ إذ قد بدأ الأول بالتفسير من آخر القرآن الكريم وهو صاعد إلى سورة الكهف ، ثم مات فأتمّ الجلال السيوطي من حيث وقف سلفه إلى أول القرآن الكريم. فهما لم يراعيا في مسلكهما هذا البدء على ترتيب القرآن من أوله إلى آخره. وكذلك ينبغي أن يشمل ما صنعه الشيخ عبد الوهاب النجار في كتابه «قصص الأنبياء» ، والشيخ محمد أحمد العدوي في كتابه «دعوة الرسل إلى الله». فهما أيضا لم يراعيا في موضوعات كتابيهما ترتيب المصحف المتلو اليوم بل راعيا اعتبارا آخر ، وكذلك ينبغي أن يتناول المنع كتابكم «الدستور القرآني في شؤون الحياة» ، فقد سلكتم فيه نحو طريقتكم في التفسير من جمع طائفة من الآيات الكريمة في صعيد واحد ، ثم تفسيرها وبيان ما تلهمه من المعاني الكريمة. فإن قيل إن هناك فارقا بين صنيعكم في الدستور وصنيعكم في التفسير لأن الأول يمكن أن يجعل من باب التأليف على اعتبار وحدة الموضوع التي ينظر فيها إلى مدلول الآيات فحسب ، في حين أن النظر في الثاني متجه إلى مراعاة النزول فحسب ، فالجواب : فليجعل هذا أيضا من باب وحدة الموضوع بين السورة والسورة من حيث زمن نزولها سابقة أو لا حقة. وللعلماء أقوال في صدد ترتيب السور وما إذا كان توقيفيّا أو اجتهاديّا. فقد ذكر السيوطي في كتابه «الإتقان» : أن جمهور العلماء على الثاني ، منهم مالك والقاضي أبو بكر في أحد قوليه. ومما استدل به على ذلك اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور ـ والكلام للسيوطي ـ فمنهم من رتّبها على النزول وهو مصحف عليّ. كان أوله اقرأ ثم المدّثر ثم نون ثم المزّمل ثم تبّت

١١

ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني. وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة ثم النساء ثم آل عمران. وكذا مصحف أبيّ وغيره. ثم ساق السيوطي رحمه‌الله بعد نحو صفحتين صورة عن الترتيب الذي في مصحف أبيّ بن كعب ومصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما (١). وقد قال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه‌الله تعالى : إن ترتيب السور بالاجتهاد لا بالنصّ في قول جمهور العلماء من الحنابلة والمالكية والشافعية ، فيجوز قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة.

ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها ، نعني لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان صار هذا مما سنّه الخلفاء الراشدون. وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب اتباعها. وواضح كل الوضوح أن محل اتباع هذه السنة التي يجب اتباعها إنما هو في كتابة المصحف الذي يكون للتلاوة لا في كتابة تفسير وشرح لمعاني الآيات والسور الكريمة. فإن ذلك غير داخل في موضوع اختلاف العلماء أو اتفاقهم إطلاقا. بل هم فيما روي متفقون على سواغيته وجوازه. والله تعالى أعلم».

وقد استخرنا الله بعد أن تلقينا هذين الجوابين من الأستاذين الجليلين وعزمنا على السير في الطريقة المذكورة لما لها من فوائد عظيمة دون أن يكون لها مساس بقدسية ترتيب المصحف.

ولقد أورد السيوطي في كتاب «الإتقان» (٢) ترتيبات نزول للسور المكية والسور المدنية منسوبة إلى جابر بن زيد والحسين وعكرمة وابن عباس ، وترتيبا رابعا لم يذكر صاحبه. ولقد اطلعنا في مقدمة «تفسير الخازن» على ترتيب وفي مقدمة تفسير «مجمع البيان» على ترتيب آخر ، وفي المصحف الذي كتبه الخطاط الشهير بقدر وغلي ـ والذي طبع بتصريح من وزارة الداخلية المصرية وإذن مشيخة المقاريء المصرية من قبل عبد الحميد أحمد حنفي ـ ترتيب آخر أشير إليه في رؤوس السور. وبين هذه الترتيبات السبعة بعض التخالف من ناحية التقديم

__________________

(١) الكلام الذي ساقه الأستاذ أبو غده للسيوطي هو من كتابه «الإتقان» ج ١ ، ص ٦٥ وما بعدها أيضا من الطبعة المذكورة قبل.

(٢) انظر الجزء الأول من طبعة مطبعة عبد الرزاق ص ١٠ وما بعدها.

١٢

والتأخير والمدني والمكي ، على أن من الحق أن نقول : إنه ليس في الإمكان تعيين ترتيب صحيح لنزول السور القرآنية جميعها ، كما أنه ليس هناك ترتيب يثبت بكماله على النقد أو يستند إلى أسانيد قوية ووثيقة. وزيادة على هذا فإن في القول بترتيب السور حسب نزولها شيئا من التجوّز. فهناك سور عديدة مكية ومدنية يبدو من مضامينها أن فصولها لم تنزل مرة واحدة أو متلاحقة ، بل نزلت بعض فصولها أولا ثم نزلت بعض فصول سور أخرى ، ثم نزلت بقية فصولها في فترات ، وأن بعض فصول سور متقدمة في الترتيب قد نزلت بعد فصول سور متأخرة فيه أو بالعكس ، وأن فصول هذه السور قد ألّفت بعد تمام نزول فصولها ، وأن ترتيبها في النزول قد تأثر بفصلها أو فصولها الأولى ، وأن بعض السور المتقدمة في الترتيب أولى أن تكون متأخرة أو بالعكس ، أو بعض ما روي مدنيه من السور أولى أن يكون مكّيا أو بالعكس ، مما سوف ننبه إليه في سياق تفسير كل سورة إن شاء الله.

ومع ذلك فإن هذا لا يعني أن الترتيبات المستندة إلى روايات قديمة أو المنسوبة إلى أعلام الصحابة والتابعين غير صحيحة كلها ، أو أنها لا يصحّ التعويل عليها. فالقسم الأعظم من السور المكية نزل دفعة واحدة أو فصولا متلاحقة على ما يلهم سياقها ونظمها ومضامينها. ولم تبدأ سورة جديدة حتى تكون السورة التي قبلها قد تمت. ومضامين سور عديدة مكية ومدنية تلهم أن كثيرا مما روي في ترتيب النزول صحيح أو قريب من الصحة ، وكل ما يعنيه أن فيها ما يدعو إلى التوقف وأن الأمر بالنسبة لبعض السور يظل في حدود المقاربة والترجيح. ولهذا لم يكن ما يمكن أن يوجه من مآخذ إلى ترتيب نزول السور ليغير ما قرّ رأينا عليه. لأننا رأيناه على كل حال يظل مفيدا في تحقيق ما استهدفناه والمنهج الذي ترسّمناه ، وخاصة بالنسبة إلى فائدة تتبع صور التنزيل القرآني مرحلة فمرحلة والاستشعار بجوّ هذه الصور ، حيث يكون ذلك أدعى إلى تفهم القرآن وحكمة التنزيل.

وقد اعتمدنا الترتيب الذي جاء في مصحف الخطاط قدر وغلي المذكور قبل. لأنه ذكر فيه أنه طبع تحت إشراف لجنة خاصة من ذوي العلم والوقوف ، حيث يتبادر إلى الذهن أن يكون قد أشير إلى ترتيب النزول فيه (السورة كذا نزلت بعد

١٣

السورة كذا) بعد اطلاع اللجنة على مختلف الروايات والترجيح بينها. ولقد جاء في تعريف المصحف «إنه كتب وضبط على ما يوافق رواية حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التي بعث بها عثمان بن عفان إلى البصرة والكوفة والشام ومكة ، والمصحف الذي جعله لأهل المدينة والمصحف الذي اختص به نفسه ، وعن المصاحف المنتسخة عنها. أما الأحرف اليسيرة التي اختلفت فيها أهجية تلك المصاحف فاتبع فيها الهجاء الغالب مع مراعاة قراءة القارئ الذي يكتب المصحف لبيان قراءته ومراعاة القواعد التي استنبطها علماء الرسم من الأهجية المختلفة على حسب ما رواه الشيخان أبو عمرو الداني وأبو سليمان بن نجاح ، مع ترجيح الثاني عند الاختلاف. والعمدة في ذلك على ما حققه الأستاذ محمد بن محمد الأموي الشريشي المشهور بالخراز في منظومته (مورد الظمآن) وما قرره شارحها المحقق الشيخ عبد الواحد بن عاشر الأنصاري الأندلسي. وأخذت طريقة ضبطه مما قرره علماء الضبط على حسب ما ورد في كتاب «الطراز على ضبط الخراز» للإمام التنيسي ، مع إبدال علامات الأندلسيين والمغاربة بعلامات الخليل بن أحمد وأتباعه من المشارقة. واتبعت في عدّ آياته طريقة الكوفيين عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي عن علي بن أبي طالب على حسب ما ورد في كتاب «ناظمة الزهر» للإمام الشاطبي وشرحها لأبي عبيد رضوان المخللاتي ، وكتاب أبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي ، وكتاب «تحقيق البيان» للأستاذ الشيخ محمد المتولي شيخ القراء بالديار المصرية سابقا. وأخذ بيان مكّية ومدنيّة من الكتب المذكورة وكتاب أبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي ، وكتب القراءات والتفسير على خلاف في بعضها.

وهذا هو ترتيب نزول السور على حسب ما ورد في مطالع سور هذا المصحف :

١٤

السور المكية

اسم

السورة

رقم

ترتيب

نزولها

رقم

ترتيبها في

المصحف

اسم

السورة

رقم

ترتيب

نزولها

رقم

ترتيبها في

المصحف

اسم

السورة

رقم

ترتيب

نزولها

رقم

ترتيبها في

المصحف

العلق

١

٩٦

النجم

٢٣

٥٣

طه

٤٥

٢٠

القلم

٢

٦٨

عبس

٢٤

٨٠

الواقعة

٤٦

٥٦

المزمل

٣

٧٣

القدر

٢٥

٩٧

الشعراء

٤٧

٢٦

المدثر

٤

٧٤

الشمس

٢٦

٩١

النمل

٤٨

٢٧

الفاتحة

٥

١

البروج

٢٧

٨٥

القصص

٤٩

٢٨

المسد

٦

١٠١

التين

٢٨

٩٥

الإسراء

٥٠

١٧

التكوير

٧

٨١

قريش

٢٩

١٠٦

يونس

٥١

١٠

الأعلى

٨

٨٧

القارعة

٣٠

١٠١

هود

٥٢

١١

الليل

٩

٩٢

القيامة

٣١

٧٥

يوسف

٥٣

١٢

الفجر

١٠

٨٩

الهمزة

٣٢

١٠٤

الحجر

٥٤

١٥

الضحى

١١

٩٣

المرسلات

٣٣

٧٧

الأنعام

٥٥

٦

الشرح

١٢

٩٤

ق

٣٤

٥٠

الصافات

٥٦

٣٧

العصر

١٣

١٠٣

البلد

٣٥

٩٠

لقمان

٥٧

٣١

العاديات

١٤

١٠٠

الطارق

٣٦

٨٦

سبأ

٥٨

٣٤

الكوثر

١٥

١٠٨

القمر

٣٧

٥٤

الزمر

٥٩

٣٩

التكاثر

١٦

١٠٢

ص

٣٨

٣٨

غافر

٦٠

٤٠

الماعون

١٧

١٠٧

الأعراف

٣٩

٧

فصلت

٦١

٤١

الكافرون

١٨

١٠٩

الجن

٤٠

٧٢

الشورى

٦٢

٤٢

الفيل

١٩

١٠٥

يس

٤١

٣٦

الزخرف

٦٣

٤٣

الفلق

٢٠

١١٣

الفرقان

٤٢

٢٥

الدخان

٦٤

٤٤

الناس

٢١

١١٤

فاطر

٤٣

٣٥

الجاثية

٦٥

٤٥

الإخلاص

٢٢

١١٢

مريم

٤٤

٣١٩

الأحقاف

٦٦

٤٦

١٥

اسم

السورة

رقم

ترتيب

نزولها

رقم

ترتيبها في

المصحف

اسم

السورة

رقم

ترتيب

نزولها

رقم

ترتيبها في

المصحف

اسم

السورة

رقم

ترتيب

نزولها

رقم

ترتيبها في

المصحف

الذاريات

٦٧

٥١

المؤمنون

٧٤

٢٣

النازعات

٨١

٧٩

الغاشية

٦٨

٨٨

السجدة

٧٥

٣٢

الانفطار

٨٢

٨٢

الكهف

٦٩

١٨

الطور

٧٦

٥٢

الانشقاق

٨٣

٨٤

النحل

٧٠

١٦

الملك

٧٧

٦٧

الروم

٨٤

٣٠

نوح

٧١

٧١

الحاقة

٧٨

٦٩

العنكبوت

٨٥

٢٩

إبراهيم

٧٢

١٤

المعارج

٧٩

٧٠

المطففون

٨٦

٨٣

الأنبياء

٧٣

٢٢١

النبأ

٨٠

٧٨

السور المدنية

البقرة

٨٧

٢

الرحمن

٩٧

٥٥

التحريم

١٠٧

٦٦

الأنفال

٨٨

٨

الإنسان

٩٨

٧٦

التغابن

١٠٨

٦٤

آل عمران

٨٩

٣

الطلاق

٩٩

٦٥

الصف

١٠٩

٦١

الأحزاب

٩٠

٣٣

البينة

١٠٠

٩٨

الجمعة

١١٠

٦٢

الممتحنة

٩١

٦٠

الحشر

١٠١

٥٩

الفتح

١١١

٤٨

النساء

٩٢

٤

النور

١٠٢

٢٤

المائدة

١١٢

٥

الزلزلة

٩٣

٩٩

الحج

١٠٣

٢٢

التوبة

١١٣

٩

الحديد

٩٤

٥٧

المنافقون

١٠٤

٦٣

النصر

١١٤

١١٠

محمد

٩٥

٤٧

المجادلة

١٠٥

٥٨

الرعد

٩٦

١٣

الحجرات

١٠٦

٤٩

١٦

ولقد رأينا مع ذلك أن نخالف ترتيب هذا المصحف بعض الشيء. فسور العلق والقلم والمزمل والمدثر التي وردت فيه كالسور الأولى والثانية والثالثة والرابعة بالتوالي ليست كذلك إلا بالنسبة لمطالعها فقط على أحسن تقدير ، حيث إن ما يأتي بعد هذه المطالع لا يمكن أن يكون نزل إلّا بعد نزول سور وفصول غيرها ، على ما سوف نشرحه في سياق تفسيرها ، في حين أن هناك رواية معزوّة إلى ابن عباس ومجاهد (١) تذكر أن سورة الفاتحة التي تأتي الخامسة في ترتيب النزول هي أول ما نزل من القرآن. وهناك حديث أخرجه البيهقي والواحدي ووصف رجاله بالثقات عن شرحبيل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن الفاتحة أول ما نزل من القرآن (٢). ولما كان هناك أحاديث صحيحة منها حديث رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها سنورده في سياق سورة العلق تذكر أن آيات سورة العلق الخمس الأولى هي أولى آيات القرآن نزولا (٣) فيمكن أن تحمل رواية أولية سورة الفاتحة على أنها أولى السور التامة نزولا بعد مطلع سورة العلق ومطالع السور الثلاث التالية لها في الترتيب والفاتحة بالإضافة إلى ذلك هي فاتحة المصحف ، والواجب تلاوتها في كل ركعة صلاة ، ولذلك رأينا أن تكون فاتحة التفسير أيضا.

وهناك أربع سور ذكر المصحف الذي اعتمدناه أنها مدنية وهي الزلزلة والإنسان والرحمن والرعد ، في حين أن مضمونها وأسلوبها مشابهان كل المشابهة للسور المكية دون السور المدنية ، وأن هناك روايات تذكر أنها مكية. ولذلك فسرناها في عداد السور المكية.

وهناك سور يمكن أن يلهم مضمونها أنها نزلت قبل سور متقدمة عليها في

__________________

(١) «الإتقان في علوم القرآن» ج ١ ص ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) انظر المصدر نفسه ...

(٣) انظر المصدر نفسه. وانظر أيضا تفسير الفاتحة في «تفسير المنار» للسيد رشيد رضا. ومما ذكره السيوطي في «الإتقان» أنه لم يرو أنه كان في الإسلام صلاة بغير الفاتحة ، وهذا من المرجحات.

١٧

الترتيب أو بعد سور متأخرة عنها فلم نشأ الإخلال بترتيبها واكتفينا بالتنبيه إلى ذلك في مقدمة كل سورة منها.

وإننا لنرجو من الله تعالى أن نكون قد وفقنا فيما عملناه إلى السداد والصواب. وأن يشملنا بعفوه ورحمته ، وأن يتجاوز عما وقعنا فيه من خطأ ونسيان. وأن يتقبل منا هذه الخدمة لكتابه المجيد خالصة لوجهه الكريم وهو ولي التوفيق ولا حول ولا قوة إلّا به.

المؤلف

دمشق الشام في : ٣ من المحرم الحرام ١٣٨٠

الموافق ٢٧ حزيران ١٩٦٠

١٨

مقدمة الطبعة الثانية

وهذه كلمة بين يدي الطبعة الجديدة نذكر فيها بعض ما فاتنا التنبيه عليه في مقدمة الطبعة الأولى وننبه على ما أدخلناه على هذه الطبعة من تنقيحات وتعديلات وإضافات.

أولا : مع ترجيحنا السير في التفسير حسب الروايات الراجحة في ترتيب نزول السور ، فإننا حافظنا على وحدة السور لأنه ليس هناك ما يمكن الاستناد إليه ولا الاستئناس به بقوة وثقة في أمر وقت نزول فصول وآيات السور وبخاصة الطويلة المدنية التي تلهم مضامينها أن منها ما هو متقدم النزول ومنها ما هو متأخر ، وأنها ألّفت بعد تمام ما اقتضت حكمة الله ورسوله أن تحتوي عليه من فصول وآيات بالنسبة لسائر فصول وآيات السورة أو فصول وآيات السور الأخرى التي يمكن أن تكون نزلت قبلها أو بعدها. وقد اختصصنا بالذكر السور المدنية والطويلة منها بخاصة لأنه لم يكن في معظم السور المكية مواضيع متعددة تتحمل مناسبات متباعدة بل الغالب عليها وحدة الموضوع فكانت تنزل متلاحقة الفصول على ما هو المتبادر من نظمها وروحها ، ولم تكن تبدو سورة جديدة منها حتى تتم السورة التي قبلها باستثناء بضع سور منها. ولأن فحوى السور المدنية القصيرة يلهم أنها نزلت دفعة واحدة ، مما سوف ننبه عليه في مقدمات السور.

ثانيا : بالإضافة إلى السور الأربع التي يروي المصحف الذي اعتمدنا عليه أنها مدنية وتروى روايات عديدة أنها مكية وتلهم محتوياتها بقوة رجحان مكيتها ونعني بها سور الزلزلة والإنسان والرحمن والرعد ، فهناك سورة خامسة أيضا يروي

١٩

ذلك المصحف أنها مدنية وتروى روايات أخرى أنها مكية ومعظم فصولها تلهم بقوة رجحان مكيتها مع احتمال أن يكون بعضها مدنيا وهي سورة الحج. وقد بدا لنا أن نفسرها هي الأخرى في عداد السور المكية.

والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن سورة الرعد نزلت بعد سورة محمد وسورة الحج نزلت بعد سورة النور وسورة الرحمن نزلت بعد سورة الرعد وسورة الإنسان نزلت بعد سورة الرحمن وسورة الزلزلة نزلت بعد سورة النساء. ولما لم يكن في كتب التفسير التي تروي مكيتها ما يمكن أن يفيد ترتيب نزولها سورة بعد أخرى فقد رأينا أن نفسرها بعد الانتهاء من السور المكية وفق ترتيب نزولها المرجح. وسنفسرها حسب ترتيبها في المصحف بعد سورة (المطففون) هكذا :

١ ـ الرعد

٢ ـ الحج

٣ ـ الرحمن

٤ ـ الإنسان

٥ ـ الزلزلة.

ثالثا : لقد تبادرت لنا مرجحات قوية جعلتنا أن لا نلتزم ترتيب النزول الذي رواه المصحف الذي اعتمدنا عليه بالنسبة لبعض السور المدنية بحيث صار ترتيب السور المدنية على الوجه التالي :

١ ـ البقرة

٢ ـ الأنفال

٣ ـ آل عمران

٤ ـ الحشر

٥ ـ الجمعة

٦ ـ الأحزاب

٧ ـ النساء

٨ ـ محمد

٩ ـ الطلاق

١٠ ـ البينة

١١ ـ النور

١٢ ـ المنافقون

١٣ ـ المجادلة

١٤ ـ الحجرات

١٥ ـ التحريم

١٦ ـ التغابن

١٧ ـ الصف

١٨ ـ الفتح

١٩ ـ المائدة

٢٠ ـ الممتحنة

٢١ ـ الحديد

٢٢ ـ التوبة

٢٣ ـ النصر.

وسوف نذكر تلك المرجحات في مقدمة كل سورة.

رابعا : لقد كان يفوتنا بعض التنبيهات في مناسباتها الأولى فنستدركها في المناسبات التالية ، ولقد وقعت أغلاط مطبعية متنوعة ، منها أغلاط في الحروف والكلمات وأرقام الهوامش. ومنها وضع نبذ في غير مكانها الصحيح تقديما أو

٢٠