المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ٢

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-51-5
الصفحات: ٥٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

المعجزة أو غيرها يكون موجودا في إخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن لا يخفى عليك عدم تمامية استدلاله ، حيث إنّ ما يكون محتاجا الى الدليل والمعجزة هو ما يكون دعوى منصب من قبيل النبوة ، فالعقلاء في ادّعاء المناصب لم يعتنوا بخبر الواحد ولم يكتفوا به ، وأما فيما لا يكون الإخبار عن منصب فيكون بناء العقلاء على الاتباع ، فعلى هذا السر في عدم جواز الإخبار عن الله هو ذلك ، كما أن من يخبر عن الله بمنصب كالنبوة لا يمكن التعويل على قوله ، كما أنّه لو أخبر شخص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنصب الولاية والإمامة لم يقبل منه ، وأما لو أخبر بغير ذلك مثل أنّه لو أخبر رجل بوجوب شيء أو غير ذلك فيمكن التعويل عليه ، من غير فرق بين الله وبين النبي ، لكنّه لم يقع إخبار عن الله إلّا عن طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالسرّ في جواز التعويل وعدم جواز التعويل بالخبر الواحد هو ما قلنا من أنّه لو كان دعوى منصب كالنبوة والإمامة والولاية لا يقبل ، وإن لم يكن دعوى منصب فيقبل.

الوجه الثاني : إذا عرفت ما بيّنّا لك من عدم ورود ما استشكله ابن قبّة على إمكان التعبّد بالظنّ ، فيقع الكلام بعد ذلك في وقوع التعبّد ، بمعنى أنّه وقع حجّية الظنّ ، أم لا؟

فنقول بعون الله تعالى : إنّ الكلام يقع أوّلا في الأصل في مورد الشكّ في الحجّية وعدمها ، فنقول : أمّا على ما قلنا في باب حجّية القطع وأنّ حجّيته ليس إلّا ترتّب آثار الواقع عليه ، حيث إنّ وظيفة القطع ليس إلّا إراءة الواقع فمعنى حجّيته ليس إلّا ترتّب آثار الواقع ، وكذلك قلنا بأنّ معنى حجّية الظنّ لا يكون إلّا هذا فلا إشكال في أنّ في مورد الشك في حجيته وعدمها يكون مقتضى الأصل عدم حجيته ؛ لأنّه بعد ما قلنا من أنّ القطع حيث يكون كشفا ولا يكون معه احتمال الخلاف فبمجرّد القطع يمكن تطبيق الكبريات على الصغريات ، مثلا اذا قطع بنجاسة هذا الشيء فينطبق عليه الكبرى ، وهو : أنّ كلّ نجس يجب الاجتناب عنه ، ولهذا قلنا

٨١

بأنّ القطع ليس قابلا للجعل إثباتا ولا نفيا ، بداهة أنّه بمجرّد القطع تنطبق الكبريات على الصغريات.

وأمّا الظنّ فحيث إنّه لا يكون انكشافا تاما ، بل يكون فيه جهة الاستتارة ومعه يكون احتمال الخلاف ، ولهذا لا بدّ في حجّيته من الجعل ، وإلّا لا يكون حجّة ، فعلى هذا بمجرد الشكّ في الحجية وعدمها يكون مقتضى الأصل عدم الحجية ، لأنّ مع الشك في الحجية لا يمكن تطبيق الكبريات على الصغريات ، وهذا واضح ، وكذلك يكون الأمر على ما مشى عليه المحقّق الخراساني رحمه‌الله ، حيث إنّه قال بأنّ معنى حجية القطع ليس إلّا التنجّز في صورة الإصابة ، والعذر في صورة الخطأ ، وكذلك الظنّ بعد جعله حجة لا يكون إلّا منجّزا في صورة إصابته مع الواقع ، وعذرا في صورة مخالفته مع الواقع ، فبمجرد الشك في حجية الظنّ لا يكون حجة ، وعلى هذا يصرف الشكّ في الحجّية ويكون مقتضى الأصل عدم الحجية ، ولا يحتاج الى استصحاب عدم الحجية على ما هو الحق ، كما قال شيخنا الأنصاري رحمه‌الله وهو من لطائف كلماته ، بداهة أنّه في كلّ مورد يكون الشكّ في شيء ذي أثر لا يحتاج الى الاستصحاب ، حيث إنّه لا يثبت بالاستصحاب إلّا ما يثبت به ، فبمجرّد الشكّ يحكم بالعدم واقعا ويكون جريان الاستصحاب لغوا.

فعلى هذا فيما نحن فيه بعد ما كان صرف الشكّ في عدم الحجية هو عدم الحجية فلا حاجة الى جريان الاستصحاب والحكم بعدم حجّيته ، حيث إنّه بمجرد الشك لا يكون حجة واقعا ، وكذلك يكون الأمر في دوران الأمر بين قاعدة الاشتغال والاستصحاب ، مثلا : اذا صلّى وشكّ في أنّه هل يكون صحيحا ، أم لا؟ فبمجرّد الشك يكون مقتضى قاعدة الاشتغال هو لزوم الإعادة فلا حاجة الى جريان الاستصحاب والقول ببقاء التكليف.

بل يمكن أن يقال : ولو لم يقل الشيخ رحمه‌الله بأنّه لا يمكن في المقام جريان

٨٢

الاستصحاب ؛ لأنّه بعد ما كان مورد جريان الاستصحاب في ما كان الأثر على الواقع وفيما لم يكن الأثر على الواقع لا مجال للاستصحاب فيقول : بأنّه لا إشكال في أنّ ما نحن فيه ما يكون عليه الأثر هو العلم بالحجية ؛ لما قلنا من أنّ مع عدمه لا يمكن تطبيق الكبرى على الصغرى ، فاذا كان كذلك يكون الأثر على العلم بالحجية ، لا على واقعه ، وإلّا فلو فرضنا كون الظنّ حجّة في الواقع ولم يعلم به المكلف لم يكن حجّة له ، فما ترتّب عليه الأثر هو العلم لا الواقع ، فعلى هذا لا مجال للاستصحاب أصلا ، فافهم.

ومن هنا ظهر لك عدم ورود ما قاله المحقق الخراساني إيرادا على الشيخ رحمه‌الله ، حيث قال : بأنّه لو كان الأثر على الواقع فقط يكون مجرى الاستصحاب ، ولو كان على الشك فقط يكون مورد القاعدة ، وأمّا إن كان الأثر على الواقع وعلى الشكّ أيضا فإنه وإن كان مورد القاعدة والاستصحاب إلا أنّه لا بدّ من جريان الاستصحاب ؛ لتقدمه وحكومته على القاعدة ، لما قلنا من أنّه لا حاجة الى جريان الاستصحاب ، حيث إنّه بمجرد الشك لا يكون الظنّ حجة فلا حاجة الى جريان الاستصحاب والحكم لعدم الحجية ، خصوصا على ما قلنا من أن في المورد يكون الأثر مترتبا على الشك فقط فباعترافه لا يكون مورد الاستصحاب ، فافهم.

هذا كلّه على القول بجعل الحجّية ، وأنّ الأصل في مورد الشك هو عدم الحجية.

وأمّا على ما ذكره الشيخ رحمه‌الله وما قاله من أنّ ما مقتضى الأصل في مورد الشكّ في وقوع التعبد بالظنّ وعدمه فلا إشكال في أنّه على هذا أيضا يكون مقتضى الأصل عدم وقوع التعبد ، سواء كان على وجه التعبد أو الاستناد ، وأما لو لم يكن العمل بالظنّ حتى على وجه الاستناد فلا إشكال في جواز العمل به من باب الاحتياط إن لم يزاحم مع احتياط آخر ، أمّا فيما كان العمل بالظنّ بعنوان التعبّد

٨٣

فتحريمه واضح ، لأنّه يكون تشريعا محرّما ، وأمّا فيما لم يكن العمل على وجه التعبد بل يكون على وجه الاستناد فيكون حراما لأجل الواقع ، فلو عمل بالظنّ وخالف الواقع يكون حراما ، ولكن ذكر الشيخ رحمه‌الله في الرسائل : أنّ الدليل على ذلك من الكتاب قوله تعالى : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) وإنّا لا نعلم كيف يمكن الاستدلال في الشكّ في التعبّد بالظنّ على هذه الآية؟ حيث إنّ هذه الآية تكون في مقام بيان الفتوى ، وإنّه كيف يمكن الفتوى بغير العلم؟ وإنّ ما تفتون به هل أذن الله لكم به أم على الله تفترون ، ولا يكون مربوطا بالعمل مع قطع النظر عن الفتوى؟ ولو سلّم أنّه شمل غير صورة الفتوى أيضا لكن تكون صورة الفتوى على خلاف العلم ، بمعنى أنّه مع العلم على خلاف الواقع تكون الفتوى أو العمل هو الافتراء لا يكون أيضا مفيدا لما نحن فيه ؛ حيث إنّا لا نعلم بأنّ التعبد بالظنّ يكون افتراء على الله فلا يخفى ما في كلام الشيخ.

وما قاله أيضا من التمسّك بالرواية من أنّه ورد أنّه يكون في عداد أهل النار (ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم) ، فالقضاء مع كونه بالحق لأجل عدم العلم يكون في عداد أهل النار فكيف يمكن التعبد بالظنّ فيه؟ ما لا يخفى حيث إنّ هذا أيضا يكون في مقام الفتوى ، ولعله يكون صرف القضاء ولو بالحق منشأ لدخول النار ، فافهم.

وما أورده المحقّق الخراساني رحمه‌الله من أنّ العمل بالظنّ يكون أعمّ من التعبّد والاستناد فلا وجه لاختصاص النزاع بصورة التعبّد به ليس بسديد ؛ لأنّ الشيخ حيث عنون البحث في التعبد وأنّ ابن قبّة رحمه‌الله أشكل على التعبد بالخبر وأجاب عنه ، ثم بعد ذلك لأجل هذا قال : ويقع الكلام في وقوع التعبد به ، ولأجل ذلك اختصّ النزاع بمورد التعبد ، فافهم.

ثمّ إنّ ما قلنا بأنّه كلما يكون الأثر على الشكّ لم يكن موردا الاستصحاب ،

٨٤

وأنّه لو كان موردا له لا حاجة اليه مع كون صرف شكه منشأ للاثر ، والمقام لا يكون واقعه منشأ للأثر ؛ لأنّ الأثر يكون مترتبا على العلم بالواقع لا على صرف الواقع ، فيكون فيما لا يكون للواقع من حيث هو أثر ، بمعنى أن الواقع من حيث هو لا يكون أثر ؛ لان واقع الحجية لا يكون أثرا ، فهذا لا ينافي أن يكون للواقع أثر بسبب انطباقه مع عنوان آخر ، فهذا المورد لا يكون محلّ كلامنا ، بل يكون محلّ كلامنا فيما لا يكون للواقع من حيث هو أثر ، واذا لم يكن للواقع من حيث هو أثر لا يكون مورد الاستصحاب ، فما قاله شيخنا الأعظم رحمه‌الله في الدرر : (وإن شكّ فيه فهل لواقعه أثر على تقدير ثبوته ، أو لا ، بل يكون ما شكّ في حجّته مع ما علم بعدم حجّيته سواء وإن كانت حجة في الواقع؟ والحقّ فيه التفصيل ... الى آخره).

وقلنا : إنّ للحجة أثرين : أحدهما إثبات الواقع وتنجيزه على تقدير الثبوت. والثاني إسقاطه كذلك ، وفصّل تفصيلات وقال في بعضها : بأن الأصل عدم الحجية ، وفي بعضها لا يكون حجة ، وقال : (فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الطريق المشكوك بعد الفحص ليس بحجّة قطعا لا إثباتا ولا إسقاطا ، وقبل الفحص ليس بحجة إسقاطا مطلقا وإثباتا إن قلنا بأنّ الحجة نفس الشك قبل الفحص ، وإن لم نقل بذلك بل قلنا بأنّ الحجة هو الدليل الذي لو تفحّص لظفر به فما لم يكن الدليل الواقعي كذلك فهو غير حجة أيضا ، وأمّا فيما كان الدليل الواقعي بحيث لو تفحّص لظفر به فوجوده الواقعي حجة على المكلف وإن كان مشكوكا فيه فعلا ، فتدبّر) ليس في محلّه ، حيث إنّ في الموارد التي قال فيها بحجّية الأمارة لا يكون الواقع حجّة إلّا لأجل انطباقه على عنوان آخر ، مثل دفع الضرر المحتمل ، وفيما قال بعدم حجيّته لا يكون الواقع غير حجّة إلّا لأجل انطباق الواقع أيضا على عنوان آخر ، مثل قبح العقاب بلا بيان ، فكلامه مع قطع النظر عن صحّته وسقمه لا يكون بما كنا نحن بصدده ، وهو : أن الواقع من حيث هو لا يكون عليه أثر مترتب ، فافهم.

٨٥
٨٦

فصل

في بعض الظّنون

٨٧
٨٨

فصل

في بعض الظّنون

إذا عرفت أنّ الأصل في مورد الشكّ في حجّية الظنّ هو عدم الحجية فيقع الكلام بعد ذلك في بعض الظنون التي ورد دليل خاصّ على اعتباره وحجيته مع قطع النظر عن القول بحجية مطلق الظنّ ، فعلى هذا نقول : ما خرج عن تحت ذلك الأصل أو قيل بخروجه نذكر لك في طيّ مقامات :

المقام الأوّل

هل يكون الظنّ الحاصل من ظهور الألفاظ حجة ، أم لا؟

اعلم : أنّه تارة يقع النزاع في أنّه هل يكون اللفظ الفلاني ظاهرا في المعنى الفلاني ، أم لا؟ مثل انّ البحث في أنّ ظاهر الأمر يكون هو الوجوب أو الاستحباب؟

وتارة يقع البحث في أنّه بعد ما كان اللفظ الفلاني ظاهرا في المعنى الفلاني هل يكون الظنّ الحاصل من هذا الظهور حجة ، أم لا؟

أمّا النزاع في الأول فهو لم يكن مربوطا بالاصول.

٨٩

وأمّا النزاع في الثاني فنقول : بأنّه لا إشكال أولا في أنّ طريق التفهّم والتفهيم منحصر بالألفاظ ، ومن كان له حاجة لا بد من أن يفهم باللفظ.

وثانيا : لا إشكال في أنّ المناسبة بين اللفظ والمعنى لا تكون إلّا بالوضع ، وفي بعض الموارد بالاستعمال ، فتكون مناسبة اللفظ مع المعنى إما بالوضع التعيينيّ أو التعيّني.

وثالثا : من الواضح أنّ اللفظ وإن كان موضوعا لمعنى إلّا أنّه يمكن استعمال هذا اللفظ في غير معناه بسبب القرينة.

ورابعا : أنّه من كان في مقام الإفادة والاستفادة وألقى اللفظ وكان مراده خلاف ظاهره فلا بدّ له من نصب القرينة ، وإلّا لأخلّ بغرضه.

إذا عرفت ما قلنا فنقول : بعد ما كان الشخص بصدد بيان مراده وألقى اللفظ لذلك ولم ينصب قرينة على خلاف ظاهر اللفظ فيكون ظاهر اللفظ مرادا له ، ولا بد من الأخذ بظاهر كلامه. نعم ، لو لم يكن في مقام بيان مراده لا يجوز الأخذ بظاهر كلامه ، إلّا أنّ هذا الفرض خارج عن محلّ الكلام.

واحتمال أن يكون مراده غير ظاهر الكلام ويكون عدم نصب القرينة على خلاف الظاهر لأجل النسيان فمدفوع بالأصل ، حيث إنّ الأصل هو عدم النسيان ، فعلى هذا بعد هذه المقدمات لو ألقى متكلم كلاما لا بدّ من الأخذ بظهوره ، إذ لا احتمال في عدم كون ظاهره مرادا له إلّا احتمال أنّه نصب قرينة ولم تصل الينا ، ولا يخفى عليك أنّ بناء العقلاء من هذا المورد ، أعني فيما كان المتكلّم بصدد بيان مراده ويكون بصدد التفهيم ، واحتمال أنّه لم ينصب قرينة لأجل السهو ، أو احتمال أنّه نصب قرينة ولم تبلغ الينا مدفوع بالأصل ، ويؤخذ بظهور كلامه ، والشارع أيضا لا بدّ أن يكون في محاوراته كذلك ، إذ بعد ما كان بصدد تفهيم مراده وأنّه يرى أنّ العرف يفهمون من اللفظ الفلاني المعنى الفلاني فلو كان غرضه غير ما هو ظاهر فيه فلا بدّ

٩٠

من نصب القرينة ، وإلّا لأخلّ بغرضه ، وهذا قبيح.

ولو كان له طريقة اخرى غير طريقة العرف فلا بدّ من الإعلام ، إذ كما قلنا في باب الاستصحاب : يكون مورد الكلام ممّا يكفي فيه عدم الردع ، حيث إنّ المقام يكون ممّا بيد العرف ، فلو كان للشارع طريق غير طريق العرف لا بدّ له من البيان ، فما لم يبلغ طريق خاصّ منه لا بدّ من أن يعامل مع كلماته معاملة طريقة العرف ، إلّا أن يبيّن طريقا خاصّا مثل بعض الألفاظ التي جعلها حقيقة في المعاني الخاصّة ، كالصلاة مثلا على القول بثبوت الحقيقة الشّرعيّة وما لم يبيّن طريقا خاصّا نأخذ بظهور كلامه كسائر ظهور كلمات المتكلمين ، فعلى هذا الإشكال في أنّ بناء العرف يكون في محاوراتهم على ذلك بأن يبيّنوا مرادهم بالألفاظ ، والألفاظ ، وإن كانت موضوعة لمعان إلّا أنّه يمكن استعمالها في غير معانيها بالقرائن ، بل على ما قلنا : إنّ مناسبة المجازات مع معاني الحقيقة يكون بالوضع أيضا ، وقلنا : بأنّ ما قاله المحقق الخراساني رحمه‌الله من أنّ صحة استعمال اللفظ فيما يناسب مع ما وضع يكون بالطبع ليس في محلّه ، بل يكون بالوضع ؛ لما قلنا من أنّ الواضع اذا وضع اللفظ الفلاني للمعنى الفلاني ويلاحظ ثمّ استعمل كما يلاحظ الموضوع له كذلك يلاحظ ما يناسبه ، بل قلنا بأنّ الواضع ولو بنى فرضا على عدم لحاظ ذلك يستفاد قهرا كذلك صحة مناسبة الاستعمال وضعا ، كما ترى أنه لو نصب أحد علامة على بابه كي يعلم الناس أنّ في داره مجلس عزاء الحسين عليه‌السلام فلا إشكال في أنّه لم يضعه إلّا لذلك ، ولكن مع ذلك يمكن أن يقال من كان داره في مقابل هذه الدار : إنّ داري في مقابل الباب الذي عليه العلامة ، فعلى هذا صحّة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له يكون بالوضع ، غاية الأمر لو ألقى المتكلم اللفظ ولم يعيّن قرينة يكون ظاهرا في معناه الحقيقي ، ولا بدّ من الحمل عليه ، وإن عيّن قرينة يكون ظاهرا في معناه المجازي ، واذا علم بعدم إرادة المعنى الحقيقي فإن كان له ظهور في المعنى المجازي من بين المجازات فهو يتعين ، وهذا معنى ما قالوا من أنّ أقرب المجازات يتعيّن.

٩١

فعلى هذا ظهر لك : أنّ اللفظ وإن كان موضوعا لمعنى إلّا أنّه يمكن استعماله في غيره بالقرينة ، ولكن لو كان المتكلّم بصدد بيان مراده ولم يكن بصدد الإجمال والإهمال ولم ينصب قرينة على خلاف ظاهر لفظه فمن المقطوع أنّ ظاهر كلامه مراد له ؛ لأنّه لو كان بصدد بيان مراده ولم يكن ظاهر اللفظ مرادا له فلو لم ينصب قرينة لأخلّ بغرضه وهو قبيح ، فعلى ذلك ظاهر كلامه يكون مرادا له قطعا وهذا ممّا لا سترة عليه ، ففي ما يكون كذلك يكون الظاهر مرادا له بالقطع لا بالظنّ ، ومن المسلّم أنّ نظر الشارع أيضا يكون كذلك ، لما قلنا من أنّ الشارع أيضا يكون تابعا للعرف ، خصوصا مع ما قال الله سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) نعم ، يمكن للشارع أن يضع لفظا لمعنى غير ما يكون موضوعا له عند العرف ، كما يكون الأمر كذلك في الحقائق الشرعية ، ولكن مع ذلك فلو أنّ الشارع وضع ألفاظا لمعان غير ما يكون موضوعا له كما لا بدّ وأن يكون ، مثل العرف في مقام تفهيم مراده فلا بدّ من أن يفهم مراده بالألفاظ ، واذا كان مراده غير ما هو اللفظ ظاهر فيه فلا بدّ له من نصب القرينة اذا كان في صدد تفهيم مراده ، وإلّا لأخلّ بالغرض ، وهو قبيح ، مع أنّ الشارع لا يكون له طريق خاصّ مسلّما ، ولو كان له طريق خاصّ لا بدّ من الإعلام عنه ، فاذا كان الشارع في صدد البيان فاستعمل اللفظ قطعيا يكون مراده ظاهر اللفظ اذا لم ينصب قرينة على خلاف الظاهر ، لما قلنا من أنّه لو كان غير ذلك لأخلّ بالغرض ، فافهم.

فاذا لقي المتكلم اللافظ فالمخاطب حيث إنّه يحتمل أن لا يكون المتكلّم في مقام البيان ، أو يحتمل أن يكون مراده غير ظاهر اللفظ وعدم نصب القرينة يكون لأجل النسيان ، أو لأجل أنّه نصب القرينة ولكن لم تبلغ المخاطب كما يكون غالبا في كلام الشارع هذا الاحتمال ، فحيث إنّ المخاطب يحكم بمقتضى الأصل يكون المتكلم في مقام بيان المراد وأن الأصل عدم النسيان ، وأنّ الأصل عدم نصب القرينة ، وهذا هو البناء عند العقلاء في محاوراتهم ، حيث إنّهم في مورد الشكّ في هذه الامور لم يعتنوا

٩٢

بذلك للاحتمالات ، بل يأخذون بما هو ظاهر اللفظ لا يكون استفادة مراد المتكلم من اللفظ قطعيا ، بل يوجب هذه الاصول الظنّ ويكون الظاهر مرادا للمتكلم ، وهذا هو الذي يقال بأنّ الظنّ النوعي الحاصل من ظهور الألفاظ يكون حجّة.

فظهر لك مما قلنا : أنّ للعقلاء في ظواهر الألفاظ بناءين :

الأوّل : بناء المتكلّمين ، وأنّ المتكلّمين إذا كان بناؤهم التّفهيم والتفهّم ، وأن الألفاظ يمكن استعمالها في غير ما هو ظاهر فيها ، فاذا كانوا في صدد بيان مراداتهم ويستعملون اللفظ فلو كان غير ظاهر اللفظ مرادا لهم فلا بدّ لهم من نصب القرينة ، وإلّا لأخلّوا بالغرض ، فعلى هذا في هذا المورد لو علم هذه المقدمات يكون ظاهر اللفظ مرادا للمتكلم قطعيّا ، ولا إشكال فيه.

الثّاني : هو بناء المخاطبين ، وأنّ بناء المخاطبين من العرف في محاوراتهم هو : أنّه إذا ألقى المتكلّم اللفظ فمع احتمال عدم كونه في صدد البيان ومع احتمال كون ظاهر اللفظ غير مراد له واحتمال كون عدم نصب القرينة لأجل النسيان أو أنه نصب ولم يبلغ بأيدينا يحكمون بمقتضى الأصل كون المتكلم في صدد البيان ، وأن الاصل عدم النسيان ، وأنّ الاصل عدم القرينة ، وأنّ ظاهر اللفظ مراد للمتكلم ، ويحصل الظنّ النوعي على كون ظاهر اللفظ مرادا له ، فعرفت أنّ هنا بناءين : أحدهما للمتكلمين ، والآخر للمخاطبين ، ففي الأول يكون ظاهر الكلام مرادا قطعا ، وفي الثاني يكون ظاهر الكلام مرادا لا بالقطع ، بل يحصل الظنّ النوعي على كون ظاهر اللفظ مردا للمتكلم.

فقد ظهر لك ممّا قلنا : أنّ بناء المتكلّمين هو أنّهم لو كانوا في مقام التفهيم ولم ينصبوا قرينة على خلاف ظاهر كلامهم على كون الظاهر مرادهم قطعا ، وبناء المخاطبين على أنّ المتكلم لو صدر منه لفظ وشكّوا في كونه في مقام البيان ، أو شكّوا في كون ظاهر كلامه غير مراد له ويكون عدم نصب القرينة إمّا لأجل الغفلة ، أو لأنّه

٩٣

نصب القرينة ولم نعلم بها أن يدفعوا الاحتمالات بالأصل ويعملون بما هو ظاهر كلامه ، فالأول بناء المتكلّمين ، والثاني بناء المخاطبين ، فعلى هذا يكون أصالة الظهور مع تلك الاحتمالات محتاجة الى أصالة عدم القرينة ، كما تكون محتاجة الى أن الأصل كون المتكلم في مقام البيان ، وكما تكون محتاجة الى أنّ الأصل عدم الغفلة ، وإلّا مع الشكّ في هذه الامور لا تكفي أصالة الظهور ، بل تكون محتاجة الى جريان سائر الاصول ، فيلزم أوّلا إجراء أصالة عدم القرينة ، ثم أصالة الظهور ، حيث إنّ الشك في الظهور يكون مسببا عنها ، فأصالة عدم القرينة في ما شكّ في القرينة محتاجة اليها ، غاية الأمر يمكن التعبير بحسب الموارد بغيرها ، فتارة يعبّر عنها بأصالة الإطلاق ، أو أصالة عدم التقيّد ، أو غيرهما.

فما قاله الشيخ رحمه‌الله من أنّه لا بدّ أولا في الشك في القرينة من إجراء أصالة عدم القرينة ، ثمّ أصالة الظهور فهو ممّا لا إشكال فيه ويكون كلاما متينا ، حيث إنّ أصالة الظهور لا تكون محتاجة الى أصالة عدم القرينة اذا قطع المخاطب بعدم نصب القرينة ، وأمّا اذا شكّ في ذلك فلا بدّ أوّلا من إجراء أصالة عدم القرينة ، ثم أصالة الظهور.

فما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله من أنّ ما قاله الشيخ رحمه‌الله من إرجاع الاصول الوجودية الى العدمية وأنّه لا بدّ من أصالة عدم القرينة ثم أصالة الظهور لا وجه له ؛ لأنّه قلنا : بأنّ الاصول العدمية ترجع الى بناء المخاطب ، والأصل الوجودي ـ يعني أصالة الظهور ـ يرجع الى بناء المتكلم ، ففي مورد الشكّ لا بدّ للمخاطب من إجراء أصالة عدم القرينة حتى يصير موضوعا لجريان أصالة الظهور ، فمع الاصول العدمية التي منها أصالة عدم القرينة يقطع بكون الظاهر مرادا للمتكلم فيحصل بالاصول العدمية الظنّ النوعي ، ولكن في موضوع جريان الاصول العدمية يحصل القطع بكون الظاهر مرادا ، ولا يجري مع الشك في القرينة أصالة الظهور ، حيث إنّ أصالة الظهور محلّها عدم نصب القرينة ، فمع الشكّ في نصب القرينة لا بدّ من إجراء أصالة

٩٤

عدم القرينة ثم أصالة الظهور.

وأعجب من هذا ما قاله من أنّ الشاهد على عدم الحاجة الى أصالة عدم القرينة وعدم بناء العقلاء على ذلك : أنه في صورة القطع بعدم القرينة لا حاجة اليها ، ويكفي أصالة الظهور في تشخيص ظاهر كلام المتكلم ، فكذلك في مورد الشك في القرينة ، لأنّه في مورد القطع بعدم القرينة يكون عدم القرينة مسلّما ، وقلنا بأنّ الحاجة اليها في مورد الشك في عدم القرينة فلا وجه لقياس مورد الشكّ في القرينة بمورد العلم بعدم القرينة ، فظهر لك أنّه لا بدّ من المشي طبقا لما حقّقه الشيخ رحمه‌الله في المقام.

ثمّ إنّه لا إشكال في حجية ظهور الألفاظ ، وكذلك ظهور كلمات الشارع ، لما قلنا من أنّ الشارع أيضا في ذلك موافق للعرف ولم يكن له بناء على حدة ، فلا بدّ من الأخذ بظهور كلامه ، فأصل المسألة لا يكون محلّ إشكال ، إنّما الإشكال في بعض خصوصياته ، منها : أنّه هل يكون ظهور الكلام حجّة لخصوص المقصودين بالإفهام ، أو يكون أعمّ من المقصودين بالإفهام وغيرهم؟

اعلم : أنّه ما يظهر من كلمات الشيخ رحمه‌الله وغيره هو التعميم ، وأنّ الظهور يكون حجة ولو لغير المقصودين بالإفهام ، ولكن ما ينبغي أن يقال هو : أنّه لا تكون المسألة بإطلاقها صحيحة ، بل لا بدّ من التفصيل.

فنقول : تارة لا يكون المتكلّم أصلا في صدد البيان ، فقلنا بأنّه لا يكون الظهور حجة ، وفي هذه الصورة يكون مورد قبول الشيخ رحمه‌الله أيضا.

وتارة يكون في مقام البيان بالنسبة الى شخص ولا نعلم بأنّه يكون في مقام البيان للآخرين أيضا أم لا؟ فأصالة الظهور حجة ، ويكون بناء العقلاء في هذا الغرض أيضا بالأخذ بالظهور.

وتارة يكون في مقام البيان بالنسبة الى بعض ولم يكن في مقام البيان بالنسبة

٩٥

الى بعض آخر.

وتارة يكون المتكلّم في مقام البيان بالنسبة الى بعض ويكون بالنسبة الى بعض آخر بصدد الكتمان ، مثل التورية في الصورتين الأخيرتين لا يكون الظهور حجة لغير المقصودين بالإفهام ، سواء كان بالنسبة اليهم بصدد الكتمان ، أو لم يكن بصدد الكتمان بل يكون غرضه صرف التفهيم المقصودين بالإفهام.

وذلك لما قلنا من أنّه يمكن الأخذ بالظهور بعد كون المتكلّم بصدد البيان ، يعني بصدد التفهيم لا بصدد البيان الذي قلناه في مقدمات الحكمة ، ويكون مراده ظاهر اللفظ ولو يستكشف ذلك بأصالة عدم القرينة ، ففي هذا المقام يكون بناء العقلاء على الأخذ بالظهور ، وأمّا فيما لم يكن بصدد تفهيمه كما يكون في غير المقصودين بالإفهام أو يكون غرضه الكتمان عنهم فلا يكون الظهور حجة ، ولم يكن بناء للعقلاء على الأخذ بالظهور.

فما قاله الشيخ رحمه‌الله من أنّ ظهور اللفظ حجة ولو لغير المقصودين بالإفهام لو كان غرضه أنّ الظهور حجة لهم لو لم نعلم بأنهم مقصودون بالإفهام وشككنا في ذلك ، كما قلنا في الصورة الثانية فيكون كلاما جيدا ، وأمّا لو كان غرضه أنّ الظهور حجة لغير المقصودين بالإفهام حتى فيما نعلم بعدم كون المتكلّم في صدد تفهيمهم ، أو حتى في ما يكون المتكلم بصدد الكتمان بالنسبة اليهم فليس كلامه في محلّه ، لما قلنا من عدم بناء العقلاء في الموردين على الأخذ بالظهور.

وما مثّلوا له من قبيل الوصية والإقرار واستشهدوا على ذلك بالمطلب ، وأنّ في مورد الوصية ولو لم يكن غرضه تفهيم الغير ولكن يكون ظهور كلامه حجة لغير المقصودين بالإفهام فأيضا في هذين الموردين ـ أعني الإقرار والوصية ـ وامتثالهما يكون من قبيل القسم الثاني ، أعني لا نعلم بأنّ المقصود يكون هو صرف من أقرّ له مثلا ، أو يعمّ غيره ، وفي هذا الفرض قلنا بأنّ بناء العقلاء على التمسّك بالظهور ،

٩٦

فعرفت أنّ الحق في المسألة هو التفصيل ، وكان غرض المحقّق القمّي رحمه‌الله من أنّ الخطاب لا يشمل غير المقصودين بالإفهام أنّ ظهور الكتاب لم يكن لنا حجة ؛ لأنّا لم نكن من المقصودين بالإفهام ، وعلى ما قلنا لو ثبت أنّنا لم نكن مقصودين بالإفهام فلا إشكال في عدم ظهور ألفاظ القرآن لنا ، وأمّا لو شككنا في ذلك ولم ندر بأنّ المقصود بالإفهام يكون هو النبي والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ خاصة أو الأعمّ منهم ومن غيرهم فيمكن لنا الأخذ بظهور الكتاب المبين ؛ لما قلنا من بناء العقلاء في هذا المورد ، فنقول بعون الله تعالى :

اعلم : أنّه لا وجه لأن يقال من عدم حجّية ظهور الأخبار لنا ؛ لأنّا لم نكن مقصودين بالإفهام ، لأنّه من الواضح أنّ في ما ورد من المعصومين ـ سلام الله عليهم ـ تقريرا وقولا وفعلا ما يدلّ على جواز تمسّكنا بالأخبار وأخذ معالم الدين منها ، فمن راجع الأخبار يرى ذلك ، مثل ما ورد أنّ الراوي يقول : كان عندي كتاب حريز وآخذ به وقرّره المعصوم ، أو مثل ما ورد من أنّه يكتبون الآثار لأنّه يأتي زمان يعملون بالكتب وغير ذلك ، فعلى هذا في الاخبار لا يبقى إشكال ، إمّا من باب كوننا من المقصودين بالإفهام وإمّا من جهة أنّه ولو لم نكن من المقصودين بالافهام لكن أمضى المعصوم عملنا بالأخبار ، فافهم.

وأمّا الكتاب الكريم فالإشكال في العمل به يكون من جهات :

منها : الأخبار الواردة ، وهذه الأخبار أيضا على طوائف لا بدّ من التفكيك بينها.

فطائفة من الأخبار هي ما ورد في التفسير بالرأي ، مثل أنّه «من فسّر القرآن بالرأي فقد كفر» ، أو «من فسّر القرآن بالرأي فليتبوّأ مقعده من النار» ، أو غير ذلك من الأخبار التي تكون متواترة ، وبهذه الأخبار قالوا بأنّه لا يجوز التمسّك بالقرآن.

وفيه : أنّه من الواضح أنّ هذه الأخبار على كثرتها تدلّ على حرمة التفسير

٩٧

بالرأي ، والإشكال في أنّ الأخذ بالظهور لا يكون تفسيرا بالرأي ، لأنّ التفسير بأي معنى كان لا يكون الأخذ بالظهور تفسيرا ، سواء كان التفسير كشف القناع أو غيره ممّا قالوا ، فلا إشكال في أنّ الأخذ بالظهور لا يكون تفسيرا أصلا ، حيث إنّه ترى أن معنى الأخذ بالظهور هو : أنّه اذا قال في القرآن : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فلا إشكال في أنّ الصلاة المراد منها الصلاة المعهودة ، ولا يستفاد منها إلّا وجوب الصلاة ، وهذا هو ظاهره.

نعم ، لو قلنا بأنّ المراد من الصلاة هي عليّ عليه‌السلام كما فسّر به يكون تفسيرا بالرأي ، فهذا الخبر لا يكون مربوطا بحمل الكلام ، بل يكون دالا على أنّ تفسير القرآن بالرأي يكون حراما ، مثل بعض تفاسير العرفاء ، أو بعض التفاسير المتداولة في هذا العصر ، فافهم.

وطائفة من الأخبار تدلّ على أنّ المعصومين عليهم‌السلام عالمون بالقرآن ، وعلم القرآن عندهم ، فاذا كان علم القرآن عندهم فلا يكون ظاهر الكتاب لنا حجّة ، ولكنّ هذه الطائفة من الأخبار أيضا لا تكون دليلا على عدم جواز الأخذ بظواهر الكتاب ، حيث إنّ العمل بالظهور مع الفحص أولا عن الروايات ، حتى أنّه لو كان خبر واردا في الباب يؤخذ به وببركته يعمل بظاهر الكتاب ، ثمّ لو لا رواية واردة فيعمل بظاهر الكتاب لا يكون فيه بأس ، والأخبار تدلّ على أنّ علم القرآن عندهم ونحن لم نكن مخالفين لهذا ، بل كلّ ما قالوه عليهم‌السلام حول الكتاب الكريم نأخذ به ، ولم نكن مثل بعض ما يستندون بالكتاب مع مخالفته لقول المعصوم بقول غير المعصومين كابن عباس وغيره ، فهذه الأخبار تكون في مقابل هذه الطائفة من الناس الذين يقولون بالقرآن ويعتمدون على قول غير الأئمّة ، مع أنّ رأي الأئمة مخالف لقولهم ، ونحن لم نكن كذلك في العمل بالظواهر ، فهذه الطائفة تكون في مقابل عمل العامة الذين يأخذون بالقرآن من دون رجوعهم الى أهل البيت عليهم‌السلام والأخذ بقولهم ، فافهم.

٩٨

وطائفة من الأخبار تدلّ على أنّ علم القرآن مخصوص بأهل البيت عليهم‌السلام ولم يكن علمه عند غيرهم ، كما ورد عن المعصومين عليهم‌السلام مضمونا ، كقوله عليه‌السلام لقتادة : «ما ورثت من كتاب الله حرفا» و «إنّ العالم به من خوطب به» ، فهذه الأخبار دالّة على اختصاص علم الكتاب بهم عليهم‌السلام ، وأنّ غيرهم ما ورث من كتاب الله حرفا ، بخلاف الطائفة الثانية فإنّها دالّة على أنّ علم القرآن عندهم ، وأمّا أنّه لم يكن عند غيرهم فلا تكون دالّة عليه ، فيمكن أن يقال في الجواب : ما قلنا من أنّه يمكن أن يكون علم عند غيرهم أيضا بخلاف هذه الطائفة فانّها دالّة على الاختصاص ، فهذه الأخبار ظاهرة في عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن ، إذ لو كان الأخذ به بدعوى العلم به فهو مناف لهذه الأخبار ، وإن كان الأخذ به مع عدم العلم فيشمله الأخبار الدالة على أنّ من فسّر القرآن بغير علم فقد كفر ، وغير ذلك ، فهذه الطائفة من الأخبار أيضا بعضها دالّ على أنّ علم القرآن مخصوص بأهل البيت عليهم‌السلام ، وبعضها دالّ على أنّ العمل بالقرآن مخصوص بمن كان عالما بتمامه من الناسخ والمنسوخ ، فعملنا بالظواهر مع عدم كوننا عالمين بتمام القرآن لا يجوز. وبعضها دالّ على أنّ علم القرآن مكتوم على غير أهل البيت حتى يرجع اليهم.

فهذه الأخبار مع كثرتها واختلاف دلالتها جميعا تدلّ على أنّ القرآن لا يمكن العمل به كما تعملون به ، ولا يمكن أن يقال بأنّ هذه الأخبار أيضا في مقابل العامة ، إذ في بعض رواياتها ما يدلّ على أنّ شخصا تمسّك بالقرآن للزهد مثلا فقال : لا يمكن العمل ، كذلك ففي الأخبار ما يدلّ على عدم التمسّك بالظواهر ، وفي بعضها ما يدلّ على خصوص ما قاله المحقق القمّي رحمه‌الله ، فعلى هذا بعد ورود هذه الأخبار لا يمكن العمل بالظواهر.

وغاية ما يمكن أن يقال بمقتضى الجمع بين هذه الأخبار وما ورد من التمسّك بالقرآن : إنّه يمكن العمل بالقرآن بعد مراجعة الروايات والناسخ والمنسوخ ، ثم بضميمة ذلك يمكن العمل بالقرآن ، وأما في ما ورد في الروايات على خلاف الظاهر

٩٩

كيف يمكن طرحه والأخذ بظاهر القرآن أو معاملة التعارض بينهما؟ فهذا هو الذي يمكن أن يقال في المقام ، فافهم وتأمّل ، ولو شئت أن ترى الأخبار فارجع الى باب القضاء من الوسائل أو المستدرك أو غير ذلك ، فالإنصاف أن ما يكون متداولا بالعمل بالقرآن بهذه المثابة لا يمكن استفادته من الأخبار ، وغاية ما يمكن من العمل بالظواهر هو ما قلناه ، والحمد لله.

فتحصّل : أنّه لا يستفاد من الأخبار عدم كون الظهور للقرآن ، بل ما يستفاد من الأخبار هو أنّه لا يمكن العمل بظواهر القرآن ، لعدم الإحاطة بجميعها ، أو أنّ علمه عند أهل البيت عليهم‌السلام ، فعلى هذا لا إشكال في أنّه في كلمات القرآن يكون ظواهر ، ولا يمكن العمل بظواهره للمانع ، فمن هنا ظهر لك أنّ الأخبار الدالة على عرض الروايات على الكتاب والأخذ في مورد التعارض بما وافق الكتاب ، أو بعض ما ورد من أمر الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ بالتمسّك بالكتاب مثل ما ورد من قوله : «يعرف ذلك وأشباهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج» أو غير ذلك فلا يدلّ على حجية ظواهر الكتاب ، وإمكان العمل به بأن يقال : إنّه لو لم يكن للقرآن ظاهرا فكيف يمكن الأمر بالعرض بالكتاب؟ لأنّه بعد ما قلنا من أنّ للقرآن ظاهر ولكن لا يمكن العمل به فهذه الأخبار دالة على الرجوع بما يكون ظاهرا من الكتاب ، وظهر لك أنّه لا يستفاد من الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب أزيد من أنّه لا يكون علم الكتاب إلّا عند من كان محيطا بتمام الكتاب ، فالعمل بالظواهر بضميمة ما ورد من الأخبار فيها ممّا لا إشكال فيه ، وأمّا فيما تفحّصنا ولا يكون في الأخبار تفسيرا في بابه إمّا موافقا لظهوره أو مخالفا فأيضا نعمل بظهور الكتاب ، لما قلنا من أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب في الأخبار الدالة على الرجوع به هو جواز العمل بظاهر الكتاب فيما لم يرد فيه خبر من المعصومين عليهم‌السلام. فهذا حاصل الكلام في هذا الوجه ، فافهم وتأمّل في المقام.

الوجه الآخر ممّا يستدلّ به على عدم جواز العمل بظواهر الكتاب هو العلم

١٠٠