المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ٢

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-51-5
الصفحات: ٥٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

منحصر بحال القدرة. هذا لو علم بأنّ جزئيته مطلقة أو منحصرة بحال القدرة ، وأمّا لو شكّ في ذلك فما التكليف؟ فهل نلتزم بسقوط التكليف المركّب بتعذّر الجزء أو نلتزم بعدم سقوطه؟

لا يخفى عليك أنّه تارة يقع الكلام في ما يمكن أن يقال بمقتضى أوامر نفس الأجزاء المتعذّرة وما يستفاد من أدلة نفسها ، واخرى يقع الكلام في بعض الأدلة الاخرى المتمسك بها للمطلب ، مثل قاعدة «الميسور» وغيرها إثباتا أو نفيا.

أمّا الكلام في المقام الأول فنقول : بأنّ الأوامر المتعلقة بالأجزاء المتعذّرة تارة تكون الأمر الواحد الذي تعلق بالمركب ، واخرى تكون الأمر المستقل غير الأمر المركّب ، فإن كان الأول أعني يكون الأمر بالجزء هو الأمر الواحد الذي تعلّق بالمركب فعلى ما التزم به الشيخ رحمه‌الله من أنّ ما تعلّق به الأمر في العبادات ـ مثلا ـ هو الفرد التام الجامع لجميع الأجزاء ، والأفراد النازلة تكون أبدالا فلا إشكال في سقوط التكليف عن المركّب ، إذ بعد ما كان الأمر بالتام فلو كان قادرا على إتيانه بجميع خصوصياته لزم الإتيان ، وإلّا فلا ، لأنّ المقيّد ينتفي بانتفاء قيده ، فما تعلق به الأمر غير قادر على إتيانه ، ومطلق الشيء آخر فاقد للجزء ، ولو كان قادرا عليه لكن لم يتعلّق به الأمر إلّا أنّ يدل دليل بالخصوص على لزوم إتيان الفاقد وبدليّته التامة.

وأمّا على ما قلنا من تصوير الخطاب بالناسي وأنّ المأمور به هو الجامع ، غاية الأمر له أفراد فيمكن تصوير كون الجزء قيدا للفرد القادر فقط دون العاجز ، كما قلنا بذلك في الناسي فنقول بعد الشكّ في أنّ الجزء جزء مطلقا ، أو للقادر فقط فجزئيّته للقادر مسلّمة ، وأمّا للعاجز فمشكوك فيكون من قبيل دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، ولكن مع ذلك في المقام لا مجال لجريان البراءة ؛ لأنّ لازم جريان البراءة هو عدم جزئية الجزء في حال العجز ، فلازمه عدم سقوط التكليف عن المركّب ، فبجريان البراءة يثبت التكليف بإتيان باقي الأجزاء ، وليس هذا محلّ جريان

٣٢١

البراءة ؛ لأنّ البراءة وردت مورد الامتنان ، وهو فيما يكون موجبا لرفع التكليف ، وفي المقام جريانها موجب لإثبات التكليف ، وهذا خلاف الامتنان فلا تجري البراءة.

وأمّا لو كان الأمر بالجزء بأمر مستقلّ ، مثل أن أمر بالصلاة التي أجزائها سبعة للقادر والعاجز ، ثمّ أمر بأمر على حدة بجزئية جزء آخر للصلاة ، ثمّ وقع الشكّ في أنّ هذا الجزء جزء مطلقا ، أو جزئيّته مختصّة بحال القدرة ففي هذه الصورة ولو أنّه لا إشكال على مذهبنا بأنّه من مصاديق الشكّ بين الأقلّ والأكثر ولكن لا مجال لجريان البراءة ؛ لما قلنا من أنّ جريانها خلاف الامتنان ، فتدبّر. فعلى هذا كلّما لا يكون للمقيد إطلاق ولم تكن قيدية القيد مخصوصة بحال القدرة فلا إشكال في سقوط التكليف عن المقيد أيضا.

ثمّ ما يظهر من مطاوي كلمات الشيخ رحمه‌الله وممّا قال النائيني رحمه‌الله على ما في تقريراته من أنّه يصحّ التمسّك بإطلاق المقيّد على القول بالأعمّ ، وأمّا على القول بالصحيح فلا ، لما قيل في الصحيح والأعمّ من أنّ هذا من الثمرات بين القول بالصحيح وبين القول بالأعمّ صحيح لكن لا مطلقا ، بل كما قلنا في الصحيح والأعمّ بأنّ الاطلاقات لو كانت في مقام بيان الموضوع كما لو قال : «الوضوء غسلتان ومسحتان» فيصحّ التمسّك بها على كلا القولين.

وأمّا الكلام في بعض الأدلة المتمسك بها لإثبات وجوب سائر الأجزاء بعد تعذّر الإتيان بجزء فنقول : بأنّه ممّا تمسّك به للمطلب هو الاستصحاب ، بأن يقال مثلا : اذا دخل الظهر وجبت الصلاة ، وبعد تعذّر إتيانها مع السورة يقع الشكّ في بقاء وجوب السابق فيستصحب.

ولكن لا يخفى عليك أنّه ما المراد من استصحاب الوجوب؟ فإن كان الغرض استصحاب وجوب الصلاة التي لها عشرة أجزاء منها السورة فلا إشكال في ارتفاع

٣٢٢

هذا الوجوب ، وإن كان الغرض استصحاب وجوب ما بقي من الأجزاء غير السورة فهو لا يمكن ؛ لأنّ وجوب سائر الأجزاء قبل ارتفاع القيد كان ضمنيا ، والحال الغرض هو استصحاب وجوب المستقلّ ، وهذا ليس له حالة سابقة.

وقال الشيخ رحمه‌الله : إنّ العرف يتسامحون في ذلك ، فإن قلنا بالمسامحة العرفية فيمكن جريان الاستصحاب ، وممّا تمسّك به للمطلب هو قاعدة الميسور.

اعلم أولا : أنّ ورد الوجوب تارة يكون تحليليا ، بمعنى أنّ العقل يحلّله الى وجوبات متعدّدة ، كما قلنا في العامّ الأفرادي ، فيكون لكلّ فرد وجوب مستقلّ ، ولازم ذلك هو أنّه لو أتى بفرد وترك فردا أطاع بالنسبة الى ما أتى به وعصى بالنسبة الى ما ترك ، فإن كان مورد الوجوب كذلك فلا إشكال في أنّه لو تعذّر إتيان فرد لم يسقط الوجوب عن سائر الأفراد بحسب القاعدة ؛ لما قلنا من أنّ لكلّ فرد وجوب مستقلّ.

وتارة يكون مورد الوجوب هو القيد والمقيّد ، ولكن يكون بنحو تعدّد المطلوب ، مثل أن تكون نفس الصلاة مطلوبا ، وكونها في الوقت مطلوبا آخر ، ففي هذا المورد أيضا لا اشكال في أنّه لو تعذر الإتيان بالقيد لم يسقط الوجوب عن المقيّد بحسب القاعدة ، لما قلنا من تعدّد المطلوب.

وتارة يكون مورد الوجوب هو المركّب ويكون وجوبه بأمر واحد ، نظير العامّ المجموعي ، ففي هذه الصورة يقع الإشكال في أنّه اذا تعذّر الجزء فهل يبقى وجوب سائر الأجزاء ، أم يسقط الوجوب من سائر الأجزاء ويكون المورد هو التمسّك بالاستصحاب وقاعدة الميسور؟

ولا يخفى عليك أنّه لو كان مورد الوجوب هو القسمين الأوّلين فلا إشكال في أنّه بعد تعذّر بعض الأفراد في القسم الأول وتعذّر القيد في القسم الثاني يكون بالنسبة الى سائر الأفراد وبالنسبة الى المقيد وجوب الأول باقيا ، لا أن يكون

٣٢٣

وجوب الأول ساقطا وتعلق به وجوب آخر ، وهذا بخلاف القسم الثالث ، فإنّ في القسم الثالث لا إشكال بعد تعذّر القيد لو كان القيد مطلقا لسقوط الوجوب عن المقيد أيضا على القاعدة ، ووجوب آخر منفيّ بالبراءة ، وفي ما نحن فيه هو في مقام إثبات وجوب آخر من دليل آخر.

اذا عرفت ذلك فنقول : إنّه قيل في إثبات الوجوب بالاستصحاب ، وقد تقدم ذكره ، وبقاعدة الميسور فنقول : إنّ مدرك هذه القاعدة هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» ، و «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه».

أمّا الأول فهو من النبويات العامية وليس في كتب الخاصّة ، ولكنّ الإنصاف عدم إمكان الاستدلال به لما نحن فيه ، فنقول : إنّ هذه الرواية وردت في الحجّ ، وقد تمسك بها بعض العلماء ، لكون الأمر للاستحباب من «ما استطعتم» ، يكون «ما شئتم» ، فيكون المعنى : أنّه اذا أمرتكم بشيء فأتوا منه بالمقدار الذي شئتم ، وهذا معنى الاستحباب.

وقد قال من قال بكون الأمر للوجوب بأن معنى «ما استطعتم» يكون «ما قدرتم» ، فيكون المعنى هو الإتيان بمقدار القدرة ، وهذا معنى الوجوب ، فكلّ من المستدل والمجيب جعل لفظ «من» في الرواية «من» البيانية بمعنى الباء ، وأمّا فيما نحن فيه مع قولهم في الأوامر بأن «من» تكون بيانية فقالوا بأن «من» تكون للتبعيض ، فكيف يمكن لهم الجمع بين كلامهم في الأوامر؟ وفي ما نحن فيه ومع قطع النظر عن مورد الرواية فإنّها وردت في الحجّ فيما سأل السائل عن وجوب فرد آخر من الحجّ غير الفرد الآتي به ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا ، ومع قطع النظر عن كون «من» بيانية مسلّما فلا ينطبق على ما نحن فيه أصلا ، فلا أقلّ من الشكّ في مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يمكن التمسك أيضا بها للمورد ، يعني لما تعذّر جزء من أجزاء المركّب ، ويكون وجوب واحد على

٣٢٤

مجموع من حيث المجموع وإثبات وجوب سائر الاجزاء بها ، بل تنطبق الصورة الاولى ، يعني ما يكون الوجوب كالعامّ الأفرادي ، فتدبّر.

وأمّا الكلام في «الميسور لا يسقط بالمعسور» و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» فنقول بأنّهما أيضا لا يكونان مرتبطين بما نحن فيه ، ولا يمكن إثبات الوجوب بهما بالنسبة الى سائر الأجزاء ؛ لجهتين :

الاولى : أنّه لا إشكال في أنّ هاتين الروايتين دالّتان على أمر ارتكازي ويكون الارتكاز على هذا ، فعلى هذا لا بدّ من كونهما راجعتين الى القسم الأول.

والثانية : أنّه كلّما كان الأمر انحلاليا أو كان من باب تعدّد المطلوب فالارتكاز حاكم ببقاء الوجوب بالنسبة الى الغير المتعذر ، وأمّا في القسم الثالث الذي يكون محلّ الكلام فهو بحاجة الى إثبات أمر آخر على التعبّد من ناحية الشرع ؛ لما قلنا من أنّ الأمر الأول ساقط ، ولو كان دليل آخر في البين فلازمه إثبات وجوب آخر ، فليس الروايتان راجعتين اليه ؛ لأنّ الروايتين تكونان دالّتين على أمر ارتكازي ، وليستا في مقام بيان حكم تعبدي ، والشيخ رحمه‌الله مع اعترافه بأنّهما في مقام بيان أمر ارتكازيّ واعترافه بأنّ الارتكاز على هذا حتى عند الصبيان مع هذا قال بأنّ الروايتين شاهدتان لما نحن فيه ، وظهر لك ممّا قلنا خلافه : إنّ الروايتين غاية ما يثبت بهما هو عدم ارتفاع الوجوب الأول ؛ لأنّه قال : الميسور لا يسقط بالمعسور ، فهذا دالّ على عدم سقوط حكم الميسور أو موضوعه بسقوط المعسور ، وكذلك «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» دالّ على هذا ، فلا تدلّان على إثبات تكليف آخر بالميسور ، وفي المقام على ما قلنا لا بدّ من قيام دليل على إثبات وجوب آخر ، وعليه ففيما نحن فيه لا دليل على ذلك.

فظهر لك عدم إمكان التمسّك بالروايات الثلاثة لإثبات وجوب آخر لأجزاء الغير المتعذر إتيانها بعد تعذّر إتيان جزء منها ، فما ترى من تمسّكهم في الفقه غالبا

٣٢٥

بقاعدة الميسور لا وجه له. نعم ، لو كان التكليف انحلاليا أو كان من باب تعدّد المطلوب فبعد تعذّر الإتيان بفرد من الأفراد أو بالقيد فلا يسقط الوجوب عن سائر الأفراد في القسم الأول ، وعن المقيّد في القسم الثاني.

فروع

الفرع الأوّل : إذا دار الأمر بين سقوط الجزء أو الشرط فهل يكون مقتضى القاعدة التخيير ، أو تقديم سقوط الشرط ، أو العكس؟

اعلم : أنّه تارة يكون الدوران بين سقوط شيء وشرط هذا الشيء ، سواء كان هذا الشيء جزءا أم لا ، كما لو دار الأمر بين سقوط أصل زيارة عاشوراء وشرط من شرائطه.

وتارة يكون الدوران بين سقوط جزء شيء وشرط هذا الشيء ، مثل أن يدور الأمر بين سقوط قيام الصلاة وسقوط طهارتها.

والشيخ رحمه‌الله عنون المطلب ابتداء بالصورة الثانية ، ولكن مثّل لها بما يطابق الصورة الاولى ، فإنّه مثّل بزيارة عاشوراء ، وواضح أنّه لو كان الكلام في الصورة الاولى فلا إشكال في ترجيح سقوط الشرط ؛ لأنّ حفظ الموصوف أهمّ من حفظ وصفه ، كما قال الشيخ رحمه‌الله.

ولكن في الصورة الثانية لا يجري هذا الكلام ؛ لأنّه ربّما يكون شرط شيء أهمّ من جزء شيء ، كما يكون كذلك في الوقت ، فالوقت مع كونه شرطا للصلاة أهمّ من القيام.

وكذلك لا وجه لما قاله النائيني رحمه‌الله على ما في تقريراته : بأنّ نسبة الجزء الى الشرط نسبة المقتضي فهو مقدم على الشرط ؛ لأنّه ولو فرض كونه كذلك ولكن مع ذلك يمكن أن يكون الشرط أهمّ ، فلا بدّ من الإتيان قاعدا في الوقت بالصلاة ، فلا بدّ في الصورة الثانية من إعمال قواعد التزاحم ، فلو كان أهمّ في البين فلا بدّ من

٣٢٦

حفظه ، وإلّا فالتخيير.

الفرع الثاني : لو كان لمركّب بدل اضطراريّ وتعذّر إتيان المبدل بجميع ما يعتبر فيه فهل يقدّم الناقص أو البدل ، كما لو دار الأمر بين الوضوء مع الجبيرة وبين التيمّم؟

اعلم : أنّه في المقام لا بدّ من أن يقال بأنّه لو كان الناقص فردا للمأمور به كالتام ـ كما قلنا شرح ذلك في الصحيح والأعمّ ـ فلا إشكال في تقديمه على البدل ؛ لأنّ مع قدرته على إتيان الفرد المأمور به الأوليّ لا تصل النوبة الى البدل ، وإن لم يكن كذلك فلا بدّ أيضا من جريان قواعد باب التزاحم ، فلو كان أهمّ في البين فيؤخذ به ، وإلّا فالتخيير.

وظهر لك ممّا قلنا : أنّه ليس في كلّ مورد يدور الأمر بين سقوط شيء بلا بدل وإتيان ناقصه وبين سقوط شيء مع البدل بتقدّم حفظ الأوّل وسقوط الثاني بالتمسّك بأنّ له بدل وليس له بدل ؛ لأنّه ربّما يكون الناقص الذي ليس له بدل فرد تام فلا بدّ من حفظ ما يكون له بدل والإتيان بالناقص الذي لا بدل له.

الفرع الثالث : لو دار الأمر بين شرطية شيء ومانعيته مثل الجهر في صلاة الجمعة حيث إنّ أمره دائر بين أن يكون شرطا وبين أن يكون مانعا.

اعلم : أنّ الشيخ رحمه‌الله قال في المقام : إنّه يكون من قبيل الشكّ بين الأقلّ والأكثر ، لأنّه لا يدري شرطيّته ولا مانعيّته ، فمقتضى البراءة عدمهما ، غاية الأمر في المقام يكون ذلك علما إجماليا في البين أيضا ، وقلنا بأنّ في العلم الإجمالي اذا لم يوجب جريان الأصل في أطرافه لمخالفته العملية فلا مانع من جريان الأصل في أطرافه ، ويكون ذلك من باب دوران الأمر بين المحذورين.

ولكن لا يخفى عليك أنّه ليس المقام كذلك ، ونحن ولو قلنا بدوران الأمر بين المحذورين بالتخيير لكنّ ذلك يكون لأجل أن يكون أمره دائرا بين الوجود والعدم

٣٢٧

تكوينا ، ولا يمكن له الاحتياط ، بل لا بدّ ، إمّا من الفعل أو الترك ، وأمّا فيما نحن فيه فيمكن الاحتياط بإتيان العمل تارة مع ما يشكّ في كونه شرطا أو مانعا ، واخرى يأتي بالعمل بدون الشيء المشكوك كونه شرطا أو مانعا ، فافهم وتدبّر جيّدا.

٣٢٨

فصل

في الاستصحاب

٣٢٩
٣٣٠

فصل

في الكلام في الاستصحاب (١)

اعلم : أنه قد اختلف الاصوليون في حجّية الاستصحاب وعدمها ولهم فيها أقوال كثيرة ، والحقّ هو حجّيته مطلقا في مقابل جميع الأقوال. وقد استدل لحجّيته بما ليس بدليل مثل الاجماع ، وهذا واضح فساده ، إذ مع هذا الاختلاف الكثير لا مجال لدعوى الإجماع على حجّيته.

وكذا لا وجه للتمسّك بها بأنّ «ما ثبت يدوم» ، إذ من أين ثبت «أنّ ما ثبت يدوم»؟ ومثله التمسّك بالاستقراء في الأحكام الشرعية ، إذ مع فرض دليلية الاستقراء لا بدّ من أن تكون موارده التي حكم فيها الشارع بثبوت الحكم موافقة مع الاستصحاب ، أعني لاحظ الحالة السابقة والشكّ بعدها ، وليس المورد كذلك. وكذلك بناء العقلاء ليس دليلا عليها ، إذ يمكن أن يكون بناء العقلاء على طبق الحالة السابقة لأجل العلم والاطمئنان ، أو الغفلة عن طرفه ، وغير ذلك ، ومع قطع النظر عن ذلك فلا دليل على حجية هذا البناء ؛ لأنّه يكفي في ردعه عدم الإمضاء ؛ لما قلنا في باب خبر الواحد.

__________________

(١) نظرا لعدم حضوري ذلك اليوم في حلقة درس الاستاذ ـ دام ظله ـ لسبب ما وكان أوّل يوم من الشروع في البحث فكتبت ما يقرب من ذلك المطلب. (المقرّر).

٣٣١

ولا يخفى عليك أنّ العمدة في الباب هو الأخبار ، ونحن نتعرّض للأخبار التي تدلّ على عموم حجية الاستصحاب.

منها : صحيحة زرارة ، قال : «قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال : يا زرارة ، قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء ، قلت : فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ قال : لا حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ، ولكن تنقضه بيقين آخر.»

اعلم : أنّ هذه الرواية من الروايات الصحيحة ، وليست مضمرة كما توهّموا وقالوا بأنّ إضمارها غير مضرّ ؛ لأنّ زرارة لم يرو إلّا عن المعصوم عليه‌السلام كما أنّ الرواية لو كانت مضمرة لا يكفي هذا البيان بعدم مضرّية إضمارها ، إذ يمكن أن يكون زرارة أيضا يسأل من غير المعصوم ، بل كما قلنا تكون الرواية صحيحة ، وحيث يكون المرسوم عند المتقدمين كما نرى في بعض كتبهم التي تكون في البين أنّه في أول كتبهم إذا كانت الرواية عن أحد من الأئمّة يقول مثلا : سألت الصادق عليه‌السلام ، ثم يقول بعد ذلك : وسألته ، وسألته ، وهكذا الى آخر ما يروي عنه عليه‌السلام ، وما ذكرنا من هذا القبيل أيضا ، ولذا صار مورد التوهم والتخيل بأنّها مضمرة ، والحال أنّ هذا موجود أيضا في كتاب حريز وهو من الثقات ، فعلى هذا تكون الرواية صحيحة ولا وجه للتعبير عنها بالمضمرة.

اذا عرفت هذا فنقول : إنّ المعصوم عليه‌السلام بيّن في الرواية حكم الشبهة الحكمية ، حيث سأل السائل «أيوجب الخفقة ... الوضوء؟» فأجاب عليه‌السلام بأنه «اذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء» حيث إنّ السؤال راجع الى حكم الخفقة والخفقتين. وبيّن أيضا حكم الشبهة الموضوعية ، حيث سأل «فإن حرّك ... الى آخره.» ، فيعلم أنّ النوم موجب للوضوء ، لكن لا يدري أنّه لو حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم

٣٣٢

يتحقّق النوم أصلا؟ فأجاب عليه‌السلام حيث قال : «لا» ، ولا إشكال بصراحة الرواية في حجّية الاستصحاب في باب الوضوء ، والغرض هو أنّه يمكن استفادة حجية الاستصحاب مطلقا في باب الوضوء وغيره من الرواية ، أم لا؟

فنقول بعونه تعالى : إنّه هل قد احتمل في هذه الرواية عدّة احتمالات :

الاحتمال الأول : ما قاله الشيخ رحمه‌الله من أنّ «فإنّه على يقين من وضوئه» يكون علّة لجزاء المحذوف ، فإنّ الجزاء محذوف وقامت العلّة مقام الجزاء ، وهو قوله : «فإنّه على يقين من وضوئه» ، ولا إشكال في متعارفية ذلك ، أعني تعارف حذف الجزاء وذكر العلّة ، كما ورد مكرّرا في الكتاب الكريم مثل (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ) و (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) و (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) و (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ) وغير ذلك ، فعلى هذا يكون «فإنّه على يقين من وضوئه» صغرى من الكبرى الكليّة ، وذكر بعد هذه الصغرى الكبرى الكليّة ، وقال : «ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» ، فيستفاد منها قاعدة كلّية في تمام الموارد ، لكنّ ما يكون مورد الإشكال هو : أنّه يمكن أن يكون الألف واللام في «اليقين» في قوله : «ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» للعهد لا للجنس ، بقرينة ذكر جملة «فإنّه على يقين من وضوئه» سابقا ، فعلى هذا أيضا لا تستفاد القاعدة الكلية ، بل يكون الاستصحاب حجّة في خصوص باب الوضوء ، ولكنّ الذي أظنّه في المقام هو أن يقال : إنّه لا إشكال بأنّ الألف واللام ليستا إلّا للتعريف ، وما قيل من كونهما مشتركين بين العهد والجنس ففاسد جدّا.

ولا إشكال أيضا في أنّ حمل الألف واللام على الاستغراق لا وجه له ويحتاج الى مئونة زائدة ؛ لأنّ استيعاب جميع الأفراد مع إمكان حمله على فرد أو الطبيعة فيه مئونة زائدة ، ثمّ بعد ذلك أنّه بعد الدوران بين العهد والجنس بأنّ ما قلنا في باب المطلق من استفادة الإطلاق بمقتضى مقدّمات الحكمة ليس مختصّا بباب المطلق ، بل

٣٣٣

نلتزم بذلك في غيره أيضا اذا ثبتت مقدمات الإطلاق ، فعلى هذا نقول في المقام أيضا بأنّ الألف واللام لا يفيدان إلّا التعريف ، والمدخول لا يدلّ إلّا على صرف الطبيعة والجنس ، فيستفاد منهما تعريف الجنس والطبيعة ، فلو كان المتكلّم في مقام بيان تعريف أحد أفراد الطبيعة أو الاستغراق فلا بدّ له من البيان بمقتضى مقدمات الحكمة ، وحيث لم يبيّن نفهم منه الجنس ، فهذا شاهد على أنّ المراد بلفظ «اليقين» هو الجنس ، لا أن يكون للعهد أو إشارة الى باب الوضوء فقط.

وإن قلت : إنّ ذكر «فإنّه على يقين من وضوئه» بيان.

فنقول : إنّه بحسب ظاهر القضية بعد حذف الجواب يكون «فإنّه على يقين» صغرى ، ويكون «ولا ينقض اليقين» كبرى ، والشاهد على أنّ «اليقين» للجنس هو أنّه قال : «ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» ، حيث إنّه لو فرض كون اليقين إشارة الى الوضوء فلفظ «بالشكّ» لا يكون كذلك ، فلو كان مراده خصوص الوضوء فينبغي أن يقال : «بالشكّ في الوضوء».

وأيضا قال المعصوم عليه‌السلام «ولكن تنقضه بيقين آخر» وعبّر بلفظ «يقين» بدون الألف واللام ، ولا إشكال في أن المراد جنس اليقين فظهر لك ممّا قلناه أنّه يستفاد من هذه الرواية قاعدة كلّية بلا إشكال ، ويؤيّد ذلك : أنّه قد وردت هذه العبارة في بعض أخبار أخر في غير الوضوء.

نعم ، مع احتمال كون الألف واللام للعهد فعلى مذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب ، فلا يمكن استفادة قاعدة كلّية إلّا بما ذكرناه من القرائن ، فافهم.

الاحتمال الثاني : وهو أن يكون «فإنّه على يقين من وضوئه» جزاء للشرط ، فيكون المراد مثلا «ابن على اليقين» ، وهذا الاحتمال مضافا الى كونه خلاف الظاهر لا يمكن استفادة قاعدة كلّية منه ، حيث إنّه على هذا لم يكن «فإنّه على يقين» صغرى

٣٣٤

حتى يكون «ولا ينقض» كبرى له ، بل هو جزاء ، فاذا كان هو جزاء فيمكن أن يكون «ولا ينقض» إشارة الى خصوص باب الوضوء.

والعجب من النائيني رحمه‌الله قوله : إنّه لو قلنا بكون «فإنّه على يقين» علّة للجزاء يوجب التكرار ، وغفل عن أنّه لو كان الجزاء مقدّرا فتكون العلّة صغرى و «لا ينقض» كبرى ، فالإمام عليه‌السلام بعد بيان الحكم ذكر صغرى وكبرى ، وهذا ليس تكرارا ، ولكن على احتمال كون «فإنّه على يقين» جزاء يوجب التكرار ، لأنّه بعد بيان الحكم مع ذلك قال : «وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ، ولكن تنقضه بيقين آخر».

فظهر لك من هذه الرواية إمكانية استفادة قاعدة كلية لحجّية الاستصحاب ، وظهر لك أنّ ما قاله الشيخ رحمه‌الله هو ممّا لا بدّ من الذهاب اليه ، كما قلنا لك بلا إشكال ، فافهم وتدبّر.

ومنها : صحيحة لزرارة نقلت عن رسائل الشيخ رحمه‌الله ، قال : «قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المنيّ فعلمت أثره الى أن أصبت له الماء ، فحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال عليه‌السلام : تعيد الصلاة وتغسله ، قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلمّا صليت وجدته؟ قال عليه‌السلام : تغسله وتعيد ، قلت : فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت ولم أر شيئا فصلّيت فيه فرأيت فيه؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا ، قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو؟ فأغسله ، قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت : فهل عليّ إن شككت أنّه أصابه شيء أن انظر فيه؟

قال : لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع من نفسك ، قلت : إن رأيته في

٣٣٥

ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ؛ لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ ...» الحديث.

وهذه الرواية الشريفة يستفاد منها أحكام ، ومنها حجّية الاستصحاب ، ولا مجال لأن يقال بأنّ الرواية مضمرة ، حيث إنّه وإن كانت قد نقلت في بعض الطرق مضمرة إلّا أنّ في علل الشرائع نقلها عن المعصوم عليه‌السلام ، والعمدة في وجه الاستدلال بالرواية لحجّية الاستصحاب هو قوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» ، فبيّن صغرى وكبرى ، فيستفاد من الرواية قاعدة كلّية على حجية الاستصحاب مطلقا.

لكن ما يوهن التمسّك بالرواية هو عدم انطباقها على المورد ، بمعنى أنّه لا يمكن تطبيق الكبرى على الصغرى ؛ لأنّه قال : «قلت : فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت ولم أر شيئا فصلّيت فيه فرأيت فيه؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ... الى آخره» ، فعلّل الإمام عليه‌السلام عدم إعادة الصلاة بقوله : «لأنّك كنت على يقين» ، والحال أنّ إعادة الصلاة ليست نقضا لليقين بالشكّ ، بل هي نقض لليقين باليقين ، لأنّه تيقّن بكون صلاته بلا طهارة ، حيث إنّه بعد الصلاة رأى النجاسة التي ظنّ قبل الصلاة بوقوعها في ثوبه.

ولكنّ هذا الإشكال يرد فما لو كان ما رأى بعد الصلاة من النجاسة هو النجاسة السابقة.

ولا يخفى عليك أنّه على ما يخطر بالبال قويا هو أنّه ليس فرض السائل في الرواية هذا ، بل يمكن أن يقال بأنّه قبل الصلاة ظنّ بوقوع النجاسة ، فتفحّص فما رأى شيئا فصلّى ، ثم بعد الصلاة رأى نجاسة في ثوبه ، ويمكن أن تكون نجاسة حادثة بعد الصلاة ، ولم يفرض السائل أنّ ما رأى من النجاسة بعد الصلاة هو نفس ما رآه قبل

٣٣٦

الصلاة حتى يرد الإشكال ويقال : هذا ليس نقض اليقين بالشك ، بل هو نقض اليقين باليقين ، لأنّه على ما قلنا من احتمال كون النجاسة حادثة بعد الصلاة فيكون إعادة الصلاة من قبيل نقض اليقين بالشكّ ، لأنّه قبل الصلاة ما علم بالنجاسة ، فبمقتضى استصحاب الطهارة صلى فصلاته صحيحة بمقتضى كونه على الطهارة ، ولا ينبغي نقض اليقين بالطهارة بصرف الشك.

فيستفاد من الرواية قاعدة كلية لحجّية الاستصحاب مطلقا في كلّ باب ، ولكن لو لم نقل بذلك فتطبيق المورد على الاستصحاب يكون مورد إشكال.

وقال بعض : إنّه يمكن توجيه الرواية بضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء بأن يقال : إنّه في حال الصلاة كان طاهرا واجدا للطهارة بمقتضى اليقين السابق ، أمّا الشك الذي حصل له قبل الصلاة بحكم الاستصحاب وبضميمة كون الأمر الظاهري مقتضيا للإجزاء فيصحّ تطبيق القاعدة على المورد.

ولكنّ فيه : أنّه قلنا بعدم اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء. وقال النائيني رحمه‌الله على ما في تقريراته بأنّه يمكن تطبيق الاستصحاب على المورد مع كون النجاسة المرئية بعد الصّلاة هو ما ظنّ بها قبل الصّلاة بأن يقال : تارة نقول بكون الطهارة المحرزة شرطا للصّلاة ، وتارة نقول بأنّ النجاسة المحرزة مانعة عن الصلاة.

فإن قلنا بالأول فهو حين الصلاة محرز للطهارة بمقتضى الاستصحاب فيصح التعليل.

وإن قلنا بالثاني فنقول : إنّ العلم تارة مأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية ، واخرى على نحو الطريقية وبما هو طريق الى الواقع ، وثالثة يؤخذ في الموضوع بما هو منجز ، وهذا القسم الثالث على ما قاله في القطع واستدركه هنا قائلا بأنّ العلم على نحو الصفتية ما نرى في الشرع أنّه اخذ في موضوع ، فيبقي الاحتمال الثاني والثالث. ولا إشكال في أنّه لو كانت النجاسة المحرزة مانعة فما لم يحرز ذلك إما بالعلم أو الاصول لا مانع من الصلاة ، والتزم في محلّه بأنّ الاصول تقوم مقام العلم اذا اخذت

٣٣٧

طريقا في الموضوع أو بما هو منجّز ، وعلى هذا فحيث تيقّن قبل الصلاة بالطهارة سابقا ثمّ شكّ فبمقتضى الاستصحاب يحكم ببقاء الطهارة ، فلا يحرز النجاسة التي كانت مانعة عن الصلاة ، فعلى هذا تصحّ صلاته ، ولا وجه للإعادة لأجل الاستصحاب ، فتطبيق المورد على الاستصحاب لا إشكال فيه ، هذا حاصل كلامه.

أمّا على القول بشرطية الطهارة وأنّ الطهارة المحرزة شرط فمع قطع النظر عمّا قلنا في مقامه بأنّ النجاسة مانع لا يكفي لدفع الإشكال ، حيث إنّه على هذا يكون معنى العبارة هو : أنّه لأنّك كنت على يقين من طهارتك فلذا أصبحت محرزا للطهارة ، وهذا خلاف ظاهر العبارة ، ولا إشكال في أنّ ظاهر العبارة صغرى وكبرى ، لا أنّ تكون صغرى لكبرى اخرى وهي أنّ كلّ من كان محرزا للطهارة فلا إعادة عليه.

أمّا لو قلنا بكون النجاسة المحرزة مانعة للصلاة فنقول بأنّه مع فساد ما زاد في تقسيم القطع من أنّه تارة يؤخذ في الموضوع بما هو منجّز ؛ لأنّه قلنا في محلّه بأن القطع كاشف للواقع ، والتنجّز أثر كشف الواقع ، فالتنجّز ليس قسما في مقابل كون القطع طريقا الى الواقع ، كما قال الشيخ رحمه‌الله في استصحاب الاشتغال وعدم جريانه بأنّه في كلّ مورد يكون نفس الشكّ موردا للأثر وحكم الشارع على نفس الشكّ فلا مجال للاستصحاب ، فاذا كان نفس الشكّ في بقاء الطهارة حكمه هو الطهارة فلا حاجة الى استصحاب الطهارة وجر الحكم السابق بأنّ الشكّ له أثر ، فلا مجال للاستصحاب حينئذ ، ولا وجه للتعليل بالاستصحاب وهذا شاهد على فساد ما قاله من التوجيه.

وللمحقّق الخراساني في المقام عبارات في توجيه الرواية في المتن وهامش الكفاية ، ولا يخفى عليك أنّ نظره في المتن يذهب الى عدم شرطية الطهارة الواقعية في الصلاة ولكنّه اختار إحراز شرطية الطهارة ، فقال بأنّ الرواية تكون في مقام بيان أنّ الإعادة ليست واجبة ؛ لأنّك بمقتضى الاستصحاب تكون محرزا للطهارة فصلاتك صحيحة ، فلا وجه للإعادة.

وأمّا في الحاشية فكان نظره الى ما قال في باب الإجزاء بأنّ الأمر الظاهري

٣٣٨

لا يقتضي الإجزاء إلّا كان منقّحا للموضوع. وبعبارة اخرى : كان لسانه التوسعة ، وقال بأنّ الاستصحاب من هذا القبيل ، وقال في توجيه الرواية في الحاشية بأنّه ولو لم يكن الأمر الظاهري مقتض للإجزاء لكن مع هذا يمكن ؛ لأنّ الاستصحاب لسانه التوسعة ، والتعليل بالاستصحاب أيضا يصحّ على هذا ، ولكن من مطاوي كلماتنا في توجيه الرواية وردّ النائيني رحمه‌الله يظهر لك ما في كلامه من الفساد ، فافهم.

ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة : «واذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف اليها اخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ، ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشك في حال من الحالات».

ولا يخفى أنّ هذه الرواية لو كان المراد بها إتيان الركعة متّصلة فهي خلاف ما ذهبوا اليه من وجوب إتيانها منفصلة ، فعلى هذا يضعف التمسّك بها للاستصحاب.

ولكن يرد في المقام إشكال أصعب من ذلك ، وهو عدم حجية الاستصحاب في باب الصلاة ، والسرّ في ذلك على ما في التحقيق هو : أنّه مع قطع النظر عن هذه الرواية لو فرض حجية الاستصحاب بأخبار أخر ولكن على التحقيق لا يكون مثبته حجة ، بمعنى أنّ بالاستصحاب لا يثبت لوازمه ، وهذا هو المشهور من عدم حجّية الاصول المثبتة ، مثلا لو وجب نزح أربعين دلوا بحدّه ـ بمعنى أنّه لا زاد ولا نقص ـ فلو نزح دلاء وشكّ في أنّ هذا الدلو هو الدلو الرابع أو الخامس فالاستصحاب ولو يحكم بكونه رابعا إلّا أنّه لو نزح ممّا بقي ما وجب عليه لا يثبت الاستصحاب أنّه نزح الأربعين بحدّه ؛ لأنّ هذا لازمه وهو لا يكون مثبته حجة.

اذا عرفت ذلك فنقول بعونه تعالى : إنّ الصلاة أيضا على ما يستفاد من الأخبار والآثار هو أنّ الحدّ مأخوذ فيها ، فصلاة الصبح ـ مثلا ـ واجبة بجدّها فيجب الاتيان بها بحدّ الاثنينية لا يزيد عليه ولا ينقص منها ، فاذا كان الأمر كذلك فكيف

٣٣٩

يكون الاستصحاب حجّة في باب الصلاة؟ فلو شكّ في الثلاث والأربع ولو أنّ الاستصحاب مقتضاه عدم الإتيان بالركعة الرابعة إلّا أنه لو أتى بركعة اخرى لم يثبت بالاستصحاب أنّه أتى بأربع ركعات بلا زيادة وبحدّها.

فعلى هذا لا يمكن حمل الرواية على الاستصحاب ، وليس مربوطا به ، وما يمكن أن يقال في توجيه الرواية هو : أنّه كما قلنا في بعض كلماتنا من أنّ المعصوم عليه‌السلام تارة يبيّن الحكم الواقعي بلسان التقية كذلك في المورد ، حيث إنّ العامة قائلون بإتيان الركعة في صورة الشكّ بين الثلاث والأربع متّصلة متمسّكين في ذلك بالاستصحاب ، فالمعصوم عليه‌السلام بيّن حكم الله الواقعي وهو إتيان الركعة منفصلة ، كما بين ذلك في بعض أخبار أخر بلسان التقية ، وبصورة الاستصحاب ، وإلّا ليس نظره الى حجّيته.

والشاهد على هذا قوله عليه‌السلام بعد ذلك من العبارات : «لا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر» ، فإنّ في الاستصحاب ليس دخول الشكّ ولا اختلاطه باليقين ، فيكون غرضه أنّ الركعة المشكوكة لا يدخلها في الركعات المتيقّنة ، وهذا ما يستفاد من بعض الأخبار من أنّ إتيان الركعة المنفصلة كان تعليما بأنّه لو كانت الصلاة ناقصة فهي تجبرها ، ولو كانت تامة فتقع هذه الركعة نافلة ، وأما لو أتى بها متّصلة فيمكن أن تزيد في الصلاة ، وتعليم المعصوم عليه‌السلام يكون لدفع هذا الاحتمال ، يعني احتمال الزيادة في الصلاة ، فعلى هذا ليست الرواية مرتبطة بباب الاستصحاب أصلا ، ولا وجه للاستدلال بها على حجيته ، فتدبّر.

ثمّ إنّ البعض حيث توهّم أنّ الإشكال في الرواية منحصر بأنّ لازم الرواية والاستصحاب هو إتيان الركعة المشكوكة متّصلة ، والحال أنّه لا بدّ من إتيانها منفصلة ، وغفلوا عن ما قلنا من إشكال أصعب من هذا الإشكال في الرواية صار في مقام تصحيح الرواية بنحو يدفع الإشكال ، فقال المحقّق الخراساني رحمه‌الله بأنّ الرواية

٣٤٠