منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

وجود النوم الناقض ولا اشكال في تقديم استصحاب السبب على المسبب مضافا إلى عدم جريانه في فرض السؤال حيث أن الشبهة حكمية لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع فيكون من قبيل دوران الأمر بين الاقل والاكثر.

حيث أن الاثر الشرعي الذي هو وجوب الوضوء يترتب على واقع النوم الحاكي عنه للمفهوم وقد تردد بين ما يقطع ببقائه لصدقه على مرتبة من النوم وهو نوم الاذن وبينما يقطع بعدم تحققه وهي المرتبة الاخرى بأن ينطبق على نوم القلب كما هو شأن جميع المفاهيم المجملة وعليه لا شك في البين لكي يجرى الاستصحاب وحينئذ لا ينطبق جواب الامام (ع) عليه فان المستفاد من الجواب أن الامام (ع) أرجعه إلى ابقاء الحالة السابقة الذي هو مجرى الاستصحاب ولا يكون مجراه إلا في مورد الشك فعليه لا يمكن الفرار من هذا الاشكال إلّا جعل فرض السؤال في الشبهة الموضوعية على أنه يمكن أن يقال بعدم جعل المقام من السبب والمسبب.

حيث أن قضية الطهارة والنجاسة إنما هما من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع وحينئذ لا يكن الوضوء مسببا عن عدم النوم وانما يكونان من الامور المتلازمة فلا يكون أحدهما مسببا عن الآخر.

ولو سلمنا ان الوضوء متفرع من عدم النوم إلّا أنه يعد من لوازمه فاثبات الوضوء باستصحاب عدم النوم يعد من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبالجملة ليس بينهما سببية ومسببية لكي يقال أن الاستصحاب في السبب مقدم على الاستصحاب في المسبب.

على أن تطبيق الرواية على عدم النوم بتقريب أن المستفاد من قوله (ع) لا ، حتى يستيقن أنه قد نام ، ان المراد من اليقين هو

٦١

عدم النوم وابقاؤه إذ ابقاء اليقين بعدم النوم وحيث أن عدم النوم ينطبق على عدم وجوب الوضوء عليه لما بينهما من شدة الملاءمة فيكون عدم وجوب الوضوء كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم محل نظر.

اذ ذلك خلاف ظاهر الرواية حيث إن ظاهرها في مقام تطبيق قوله (ع) حتى يستيقن على استصحاب الوضوء دون عدم النوم ويظهر ذلك من سؤال الراوي عن وجوب الوضوء عليه مع تحقق مرتبة منه وهو نوم الاذن فأجابه بما هو نتيجة الاستصحاب أي عدم رفع اليد من اليقين بالوضوء ما لم يعلم بتحقق رافعه الذي هو النوم والحدث.

مضافا إلى انه خلاف ما تقتضيه الأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات الوضوء ولذا جرى الاصحاب على جعلها من موجبات الوضوء كما هو ظاهر.

وكيف كان فلا يضر ما ذكرنا من الاشكال في الرواية بما هو المهم لنا من صحة الاستدلال بها فانها على كل حال دالة على الاستصحاب نعم قد يشكل على الاستدلال بها لحجية الاستصحاب مطلقا بأن الاستدلال يتم لو كان الاستدلال بها لحجية الاستصحاب مطلقا بأن الاستدلال يتم لو كان المراد من اليقين في الكبرى المذكورة في كلام الامام عليه‌السلام هو لام الجنس بأن يكون المعنى أنه لا يجوز نقض مطلق اليقين بالشك به ومن المعلوم أن حمل اللام على الجنس يتوقف على أن لا يكون هناك ما يصلح اشارة إليه وإلا فمع معهودية أمر في البين لا يتم الحمل على الجنس لان الوجه في الحمل على الجنس هو مقدمات الحكمة في ناحية المدخول.

ولا تتم تلك المقدمات إلا فيما اذا لم يكن قدر متيقن في البين ومعهودية بعض الافراد يوجب تيقن ذلك الفرد فلا تتم مقدمات الحكمة ولا يتم الحمل على الجنس المفروض سبق ذكر اليقين بالوضوء في

٦٢

الصغرى يوجب معهودية خصوص هذا اليقين فحينئذ تكون اللام في اليقين الكبرى أيضا اشارة إليه فيثبت بذلك ضرب قاعدة الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ويلحق به باقي الطهارات من جهة عدم القول بالفصل.

فلا يمكن حينئذ اثبات الاستصحاب بالنسبة إلى ساير الابواب ، وتوهم أنه مع تسليم كون اللام للعهد يمكن أيضا الغاء الخصوصية باعتبار امكان كون قوله (وضوؤه) متعلقا بالظرف أعني (على) بمعنى أن متعلقه بما يتعلق به (على) فيكون اليقين حينئذ أيضا مطلقا فان معناه أنه استقر من قبل وضوئه على يقين فيكون اليقين في الكبرى أيضا مطلقا. مدفوع إذ على فرض كون من وضوئه متعلقا بالظرف دون اليقين ولم يكن اليقين حينئذ مقيدا بالوضوء ، ولكن حيث انه كان مسببا عن ناحية الوضوء فلا يمكن أن يكون له أيضا اطلاق يشمل غير الوضوء فيكون فيه نتيجة التقيد وهذا المقدار يكفي في عدم كون اليقين في الكبرى غير شامل لغير باب الوضوء ، كما لا يخفى ، فالحق في الجواب عن هذا الاشكال بوجهين :

الأول : كون الظاهر من اليقين في الكبرى هو مطلق اليقين لكل شيء من جهة كون ظاهره تطبيق الامام (ع) على الموارد والامام (ع) اكتفى بما هو في ذهن السائل من الكبرى وعدم اختصاصها بباب دون باب ويشهد لذلك تطبيق تلك الكبرى في موارد في غير واحد من الاخبار كما سيجىء.

الثاني :

على فرض تسليم كون اللام للعهد وكون مفاد الكبرى هو ضرب

٦٣

قاعدة في باب الوضوء ولكن من جهة تنقيح المناط القطعي يتعدى إلى غير باب الوضوء أيضا :

بيان ذلك : أنه لو بنينا على أن المراد باليقين هو المتيقن وان المراد هو عدم نقض المتيقن بالشك في بقائه ، فلا يمكن التعدي في باب الوضوء ، إلى غيره بناء على العهدية لعدم تنقيح ما هو المناط في عدم جواز نقض المتيقن الذي هو الوضوء بالشك ،

وأما لو بنينا على أن المراد من اليقين نفسه وانه يحرم نقض اليقين بالشك ولو كان المورد هو نقض اليقين المضاف إلى الوضوء ولكن من المقطوع في نظر العرف أن المناط في حرمة النقض هو كون اليقين من الامور التي لا يمكن رفع اليد عنها بمجرد الشك وانه من الامور المستحكمة التي لا تزول بتشكيك مشكك وليس أمره كمطلق القطع الزائل بادنى تشكيك وحينئذ اضافته الى الوضوء والى شيء آخر ليس له دخل في هذا المناط مطلقا فاذا لم يكن المناط الا ما هو قائم بنفس ذات اليقين فلا بد من التعدي إلى كل مورد ذي يقين ولو كان مضافا الى غير الوضوء أيضا (١) فتحصل مما ذكرنا أن كون اللام في اليقين

__________________

(١) مضافا الى ما يلزم منه التكرار المستهجن حيث أنه يكون مبينا لجملتين :

أحدهما قوله (ع) (لا حتى يستيقن انه قد نام) فانها دلت على عدم جواز الاعتناء باحتمال النوم في مقام اليقين.

ثانيهما : مورد الاستشهاد وهو قوله (ع) (وإلا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك) فانه لو أريد من اليقين بالوضوء والشك بالنوم خاصة لكان اعادة لما سبق ومن المعلوم أن هذا التكرار يستهجن في الكلام فكيف يحمل كلام الامام (ع) عليه

٦٤

هو للجنس لا المعهد وفاقا للشيخ الأنصاري (قده) لشيوع استعماله في الجنس أو لتجريد اضافة اليقين من الوضوء أو لتنقيح المناط ،

__________________

وكيف كان ان هذه الفقرة الأخيرة من الرواية مورد الاستشهاد تدل على ان لزوم البناء على بقاء الوضوء هو الجري العملي عليه على طبق يقينه من جهة كونه متيقنا سابقا وشاكا فيه لاحقا ومورد الرواية وان كان اليقين بالوضوء والشك فيه إلا انها تدل على لزوم الجري على طبق اليقين السابق مطلقا وسر ذلك هو أن قوله (ع) ، فانه على يقين من وضوئه كونه علة للجزاء المقدر والشرط هو الجملة المقدرة الدالة عليه كله (لا) في قوله (ع) (وإلّا فانه على يقين من وضوئه) فيكون المعنى وأن لم يستيقن بالنوم ولم يجئ من ذلك أمر بيّن فلا يجب عليه الوضوء فانه على يقين من وضوئه فحذف الجزاء واقيمت العلة مقامه على حد قوله سبحانه (ومن كفر فان الله غني عن العالمين) وعليه تدل الرواية على لزوم جرى من تيقن على اليقين السابق) في جميع الموارد أخذا بعموم اليقين كما في قول القائل لا تأكل الرمان فانه حامض ، توضيح المقام هو ان المحتمل في الرواية امران :

الأول : أن يكون المراد في اليقين والشك هو المتيقن بالوضوء والشك في النوم بخصوصه بأن تكون اللام عهدية.

الثاني : المراد من اليقين جنس اليقين والشك بأن تكون اللام للجنس ، وقد عرفت منا سابقا بطلان ارادة اللام للعهد ، فتعين ارادة الاحتمال الثاني لظهور قوله (ع) ولا تنقض اليقين أبدا بالشك بحسب المتفاهم العرفي في مثل ذلك هو العموم فعليه تكون اللام للجنس ، على أن المستفاد من التعليل للجزاء المحذوف هو ان المتيقن لا يرتفع ولا يزول إلا بالمتيقن وواضح ان ذلك لا يختص بالوضوء والنوم

٦٥

إلا أنه يرد عليه إيرادان :

الأول : ان لازم ذلك اجراء الاصل المسببي مع وجود الأصل السببي حيث انه يستصحب بقاء الوضوء مع انه مسبب عن الشك في

__________________

ولا ينافي كون المورد هو ذلك فان المورد لا يخصص العموم الوارد في القضية فانه يكون من قبيل الصغرى والعموم الوارد من قبيل الكبرى ومما ذكرنا ظهر أن الجزاء للشرط هو محذوف ولا يصح أن يقال بأن قوله (ع) ، فانه (على يقين من وضوئه) توطئة للجزاء والجزاء هو قوله (ع) (ولا تنقض اليقين بالشك) حيث ان الجزاء ينبغي أن يكون بالفاء لا بالواو كما ان دعوى ان الجزاء هو قوله (ع) (فانه على يقين من وضوئه) في غير محله حيث إن الجملة الاسمية ان كانت خبرية لا تصح كونها جزاء وان كانت انشائية بمعنى أنه يجب المضي والجري العملي على اليقين السابق كما ادعاه الاستاذ المحقق النائيني (قده) وإن كان ما ذكره يصحح ترتب ولا تنقض اليقين بالشك ترتبا صحيحا إلا أن الطلب لا يستفاد من الجملة الاسمية المقصود منها الانشاء فان المتفاهم العرفي لا يستفاد من قوله (زيد معيد لصلاته) طلب اعادة الصلاة على انه لو اتفق استفادة ذلك لا يمكن استفادته في المقام لاحتياج تقدير كلمة ماض وإلا لا يستفاد من الكون على البقاء طلب ذلك.

وبالجملة استفادة العموم منوط بأمرين :

أما كون اللام للجنس : أو بتجريده عن الاضافة الى الوضوء في هذه الرواية لو أريد من اللام العهد من غير فرق بين أن يكون جواب الشرط هو الذي يستفاد من كلمة (لا) أى وان لم يستيقن انه قد نام محذوفا كما ادعاه الشيخ الانصاري (قده) وهو لا يجب شيء لشيوع ذلك في القضايا العرفية أي بحذف الجزاء ويقوم مقامه علته

٦٦

النوم الجاري فيه استصحاب عدم النوم الحاكم على استصحاب بقاء الوضوء وعليه لا يبقى : مجال لاستصحابه.

__________________

وقد ذكر له نظائر كثيرة مثل قوله تعالى (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) إلى غير ذلك. أو كان الجزاء هو قوله (ع) فانه على يقين من وضوئه كما ادعاه الاستاذ المحقق النائيني (قده) غاية الأمر انه على مختار الشيخ (قده) يكون الجزاء محذوفا ويكون مجموع الصغرى والكبرى بصورة القياس هو علة للجزاء المحذوف وعلى مختار الاستاذ المحقق النائيني (قده) يكون الجزاء هو قوله فانه على يقين من وضوئه فتكون الجملة الخبرية استعملت في مقام الجزاء ، وتكون الكبرى فقط أي قوله (ع) (ولا تنقض اليقين بالشك أبدا) علة للجزاء وكيف كان فمن حيث النتيجة لا فرق بين القولين من حيث ان لا تنقض اليقين بالشك قاعدة كلية جاءت لتدل على عم نقض اليقين بالشك كلية نعم لو أريد من اللام العهد بأن يكون اليقين في قوله (ع) (فانه على يقين من وضوئه) مقيدا لكونه متعلقا بالوضوء لا أنه يكون ذكره من باب كونه موردا للسؤال فلا يدل على اعتبار الاستصحاب بل يكون قاعدة كلية في باب الوضوء كما ذهب إليه أصحابنا المحدثون إلا ان ذلك خلاف الظاهر. بل الظاهر أن اللام للجنس أو للعهد بتجريد اليقين من اضافته فعلى ذلك تستفاد القاعدة الكلية وهي عدم جواز نقض كل يقين بما هو مرآة ، متعلق بأي حكم شرعي أو موضوع ذي حكم شرعي بالشك وهو عين الاستصحاب من غير فرق بين الاحتمالات الثلاثة في الجزاء من كونه محذوفا وهو لا يجب عليه شيء ومن كونه فانه على يقين من وضوئه ومن كونه من نفس الكبرى (أي لا تنقض اليقين بالشك أبدا) فافهم وتأمل.

٦٧

الثاني : ان الوضوء لما كان عبارة عن الغسلتين والمسحتين فلا يعد من الأمور القارة لكي يستصحب وانما هو من الامور غير القارة ولكن لا يخفى ان كلا الايرادين لا وجه لهما.

أما عن الأول : فلا يرد حيث انه من الفرد المردد بينما هو مقطوع الوجود ومقطوع الانتفاء لما عرفت من أنه إذا صدق النوم على نوم الاذن فقط.

فهو مقطوع الوجود واما على تقدير صدقه على نوم القلب فهو مقطوع العدم ومع هذا التردد بينما هو مقطوع الوجود ومقطوع العدم فلا يجري فيه الاستصحاب أي استصحاب بقاء الوضوء كما هو شأن جميع المفاهيم المرددة بين الاقل والاكثر كالشك في الرضاع المحرم المتحقق في عشر رضعات فانه لا مجال لجريان اصالة عدم تحقق الرضاع لعدم ترتب أثر شرعي على المفهوم منه لتردد ما له الاثر الشرعي بينما هو مقطوع بتحققه وبينما يقطع بعدم تحققه.

ولا يقاس المقام بباب الكلي المردد بين فردين أحدهما مقطوع الارتفاع وبينما هو مقطوع البقاء كالحدث المردد بين الاصغر والاكبر للفرق بين المقامين حيث ان الأثر في الكلي مرتب على كلي الحدث بخلاف المقام وأما عن الثاني فالمراد من الوضوء هو الأثر المترتب عليه لا خصوص المسحتين والغسلتين وعليه هذا الأثر هو الباقي ومع الشك في بقاءه فيستصحب ولا مانع منه كما لا يخفى.

٦٨

صحيحة زرارة الثانية

ومنها صحيحة أخرى لزرارة مضمرة (قال : قلت له (ع) : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شىء من المني ، فعلمت أثره إلى ان اصيب له الماء فأصبت فحضرت الصلاة ونسبت أن بثوبي شيئا ، وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله قلت : فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر علية فلما صليت وجدته قال (ع) : تغسله وتعيد. قلت فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا.

فصليت فيه فرأيت فيه؟ قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال (ع) : لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا ، قلت : فانى قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله؟ قال (ع) : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى يكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل علي ان شككت انه أصابه شيء ان انظر فيه؟ قال (ع) : لا ، ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع من نفسك. قلت : ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال (ع) : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنيت على الصلاة ، لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).

والكلام يقع في تحليل قفرات الرواية ، أما قوله (قلت له أصاب ثوبي

٦٩

دم رعاف أو غيره أو شيء من المني ، فعلمت أثره الى أن اصيب الماء فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا ، وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله).

وهذه الفقرة صريحة في صورة نسيان النجاسة ، وانها ظاهرة في وجوب الاعادة في تلك الصورة لظهور جملة الخبرية في الوجوب ، لكنه تعارض بعض الأخبار ، وان كان قد عمل المشهور بظاهر أخبار وجوب الاعادة ، والكلام في هذه الفقرة يحتمل وجوها.

الأول :

انه يعد الفحص قد بقي على علمه الاجمالي الاول ، ولكنه لم يصب موضع النجاسة تفصيلا :

الثاني :

انه بالفحص قد زال علمه ، فعرض له الشك.

الثالث :

أنه قد تبدل علمه بالاصابة بالعلم بالعدم وقد يؤيد ذلك بأنه كيف يدخل في الصلاة مثل زرارة مع العلم بالنجاسة ولو اجمالا ، أو مع الشك بها ولكن التأييد بها ممنوع باحتمال كون النجاسة الغير المعلومة غير مانعة بحسب الواقع. وقد سأل عن ذلك. وأما الدخول في الصلاة فلعله كان برجاء الواقع والاظهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأول فيشكل على الرواية بانه بعيد عن مثل زرارة انه لا يعلم حكم صورة العلم بالنجاسة ، وهو بطلان الصلاة ومن هذه الجهة قد

٧٠

حملها بعضهم على صورة تبدل علمه بالشك وان كان دخوله في الصلاة من جهة بناء على استصحاب الطهارة السابقة وهو يعيد عن ظاهر الرواية جدا كما أن احتمال علمه بالعلم بالعدم أبعد من مساق الرواية «قلت فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت : لم ذلك : قال لانك كنت على يقين من طهارتك ، وشككت ، فليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (١) وهذه الفقرة أيضا تحتمل وجوها :

__________________

(١) لا يخفى أن هذه الرواية الشريفة تتضمن أمورا :

الأول : عن حكم نسيان نجاسة الثوب عند الصلاة بعد العلم بها فأجاب عليه‌السلام بوجوب اعادة الصلاة بعد الغسل.

الثاني عن حكم العلم الاجمالي باصابة النجاسة بأحد أطراف الثوب فأجاب عليه‌السلام وجوب الاعادة بعد الغسل وذلك مقتضى تنجز العلم.

الثالث : عن حكم رؤية النجاسة بعد الصلاة مع الظن بالاصابة وعدم وجدانها بالفحص من غير فرق بين بقاء الظن بالاصابة أو تبدله بالشك ، فاجاب عليه‌السلام بوجوب الغسل وعدم وجوب الاعادة بقوله تغسله ولا تعيد الصلاة وحيث ان عدم وقوع الصلاة مع النجاسة أمرا مفروغ عنه لذا وقع السؤال في المقام عن علة ذلك. فأجاب عليه‌السلام بانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك.

الرابع : عن كيفية الغسل بأن علم باصابة النجاسة لأحد أطراف الثوب اجمالا وأجاب (ع) بوجوب غسل جميع أطراف العلم الاجمالي بقوله (ع) تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون

٧١

الأول : انه بعد الفحص علم بالعدم ، وإن قوله فلم أر كناية عن العلم بالعدم كما هو الغالب بعد الفحص وعدم الوجدان ، ثم وجد بعد الصلاة تلك النجاسة المظنونة قبل الشروع فكان دخوله في الصلاة من جهة القطع بعدم النجاسة ، وعلى هذا تنطبق هذه الفقرة على قاعدة الاستصحاب لا على قاعدة اليقين ضرورة أن المورد من موارد حصول اليقين بعد اليقين الآخر ومن المعلوم ان حصول الشك من اركان كلا القاعدتين ولكن هذا الاحتمال مدفوع بتعليل الامام (ع) لعدم الاعادة بقوله لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت.

الثاني : في أن يحصل له القطع بالعدم أيضا ولكن بعد الصلاة لما رأى النجاسة حصل له الشك في انها هل هي التي ثبتت عليه قبل الصلاة أم نجاسة حدثت جديدة ، فيكون شكه ساريا الى اليقين الحاصل قبل الصلاة من جهة الفحص بعدها فيكون مفاد الخبر حينئذ قاعدة اليقين والشك الساري ولكن لا يخفى الظاهر أن المراد هو اليقين الحاصل بالفحص المنطبق على اليقين بالطهارة قبل الظن بالاصابة فينطبق على قاعدة الاستصحاب أيضا ولو حملت الرواية على هذا الاحتمال لم يرد عليه شيء من الاشكالات لانه على هذا الاحتمال لما

__________________

على يقين من طهارتك.

الخامس : عن حكم الفحص عند احتمال الاصابة ، فاجاب (ع) بعدم وجوبه بقوله ولكنك انما تريد ان تذهب الخ.

السادس : عن حكم رؤية النجاسة في اثناء الصلاة وأجاب بالتفصيل بين صورتي سبق العلم بالاصابة والشك في موضعها ، وبين عدم سبقه فحكم بوجوب الاعادة في الاولى ووجوب الغسل والاعادة في الثانية بقوله وان لم تشك قطعت الصلاة وغسلته الخ فلا تغفل.

٧٢

حصل له القطع بالعدم بعد الفحص لم يجر في حقه استصحاب عدم النحاسة قبل الصلاة لزوال شكه في القطع بالعدم ولكنه بعد الصلاة لما وجد فيه النجاسة واحتمل أن تكون هي النجاسة المشكوكة قبل القطع بالعدم ، فمن الآن زال عنه القطع السابق بالعدم فيبقى اليقين بالطهارة السابقة قبل الظن بالاصابة والشك بحدوثها قبل الصلاة فيجرى في حقه الاستصحاب بلا محذور أصلا وسؤال زرارة بعد جواب الامام بأن لا تعيد بقوله ولم ذلك : لعله كان من جهة تخيله بأن اليقين الحاصل في البين كان مانعا عن استصحاب الطهارة بعد الصلاة كما أنه كان مانعا عن استصحاب الطهارة قبلها فأجاب عنه الامام بأن ليس بمانع (لانك كنت على يقين فشككت ... الخ).

ولا منافاة لهذا المعنى مع ما سيجيء من معنى الفقرات الأخر وأما مع الغض عن هذا الاحتمال فلا يخلو الاحتمال الثالث عن اشكال.

الوجه الثالث ان لا يحصل له بعد الفحص القطع بالعدم بل صار باقيا على شكه بالاصابة فيكون المراد من اليقين بالطهارة قبل الظن بالاصابة ولكن حيث وجد النجاسة بعد الصلاة احتمل أن تكون تلك النجاسة المظنونة قبل الصلاة واحتمل أن يكون قد حدث حدث بعدها فيكون الخبر دليلا على الاستصحاب وهذا الاحتمال وان كان أيضا سالما عن الاشكال السابق ولكنه لا يناسب الوجه في سؤال زرارة عن العلة وذلك لان المفروض على هذا ان رؤية النجاسة بعد الصلاة مع الشك في طهارة الثوب قبل الصلاة والمفروض انه دخل في الصلاة مع الشك في الطهارة قبل الصلاة دخل ولو من جهة ارتكاز الاستصحاب في ذهنه وانه بعد الصلاة والرؤية أيضا لم ينكشف الخلاف فلا يبقى

٧٣

مجال للسؤال أصلا فضلا عن سؤال العلة نعم لا يرد عليه ما يرد على الاحتمال السابق.

الوجه الرابع الغرض بحاله ولكن بعد الصلاة لما علم بالنجاسة حصل له القطع بكونها من المضنونة قبل الصلاة وعلى هذا الاحتمال كان الخبر أيضا دليل الاستصحاب بلحاظ اليقين ، أو الشك قبل الصلاة وقد ادعى أقربية هذا الاحتمال بدعوى ان الوجه في سؤال زرارة عن العلة في عدم الطهارة انه كان المرتكز في ذهنه هو الاستصحاب قبل الصلاة من جهة اليقين والشك قبلها ولكن بعد الصلاة لما علم يكون هذه النجاسة هي النجاسة قبل الصلاة فقد علم بأنه قد انتقض اليقين بالطهارة قبل الصلاة باليقين بالنجاسة في حال الصلاة ولكن يرد على الرواية بأنه لا موقع لتطبيق قاعدة الاستصحاب في مقام الجواب عن هذا السؤال وذلك لان المعلل هو عدم الاعادة ومن المعلوم ليست نقضا لليقين السابق بالطهارة بالشك بل باليقين كما عرفت وتوهم بأن جواب الامام بالاستصحاب بلحاظ حال قبل الصلاة وان الوجه في عدم الاعادة هو الاستصحاب قبل الصلاة لان من آثاره قبل الصلاة عدم وجوب اعادة تلك الصلاة لان الأجزاء وعذم الاعادة من أثار وقوع الصلاة مع الطهارة الواقعية فيترتب على الطهارة المستصحبة أيضا مدفوع بأن عدم الاعادة من الآثار العقلية لاتيان المأمور به لا من الآثار الشرعية فلا يترتب على استصحاب الطهارة إلا على الأصل المثبت :

وأما قولهم ان الاستصحاب كان بلحاظ حال قبل الصلاة فصحة التعليل يكون باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء فهو وإن كان ذلك مفروضا عند الراوي كان موجبا لصحة التعليل ولكنه مدفوع بأن

٧٤

ذلك يصح لو كان لأجل اجزاء الامر الظاهري عن الأمر الواقعي إلا انه لا يلتزم به أحد مضافا الى انه ينافي ما هو الوجه لسؤال السائل وهو العلم بثبوت النجاسة قبل الصلاة وان الصلاة وقعت بالنجاسة واقعا فأجاب عليه‌السلام بقوله لا يعيد.

هذا وقد ذهب صاحب الكفاية (قده) الى كون الشرط في المقام شرطا علميا (١) وقد أوضح ذلك بعض الاعاظم وقال في المقام ثلاث طوائف من الأخبار الأول ما دل على شرطية الواقعية على الاطلاق وان

__________________

(١) وحاصله أن دلالة قوله (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت تدل على قاعدة اليقين بأن يكون المراد هو الطهارة الحاصلة عن الفحص بعد ظن الاصابة الزائل بالرؤيا مضافا إلى ان نقض اليقين في المقام ليس نقضا بالشك حتى يكون دالا على الاستصحاب وانما هو من نقض اليقين باليقين والمفروض انه قد علم بالنجاسة في الصلاة فلا ينطبق التعليل على ذلك نعم يصح التعليل بلحاظ الدخول في الصلاة بعدم العلم بالنجاسة عند الشروع في الصلاة فعليه يشكل انطباق التعليل لو أريد منه الاستصحاب ولكن لا يخفى ما فيهما.

أما عن الأول فما استظهره (قده) ينافي قوله (فرأيت فيه) فان الظاهر من الرؤية هو رؤية النجاسة المحتملة قبل الشروع لا النجاسة المحتملة الحدوث إذ الرؤية أجنبية عن مورد قاعدة اليقين المتقومة بالشك الساري.

وأما عن الثاني فمبني على أن الطهارة المأخوذة شرطا انما هو شرط احرازي بمعنى أن الشرط هو احراز الطهارة لا الطهارة الواقعية وإلّا لم تصح الصلاة فيما إذا وقعت مع احراز الطهارة وعدم مطابقتها

٧٥

الطهارة عن الخبثية كالطهارة عن الحدثية شرط واقعي في الصلاة الثانية : ما دل على كونها شرطا علميا للصلاة بمعنى أن العلم بالنجاسة وعدم الطهارة مانع ثالثها هذه الصحيحة فانها من جملة تلك الاخبار الواردة في هذا الباب ومقتضى الجمع العرفي بين تلك الاخبار هو أن تكون الطهارة عن الخبثية شرطا علميا في حال الغفلة دون حال الالتفات فهي ليست شرطا واقعيا محضا ولا شرطا علميا كذلك بل هي برزخ

__________________

للواقع ولكن ذلك محل منع إذ لو كان الشرط هو الاحراز لزم عدم صحة الصلاة فيما إذا قامت امارة على نجاسة ثوبه ثم غفل وصلى فيه فانكشف طهارة الثوب واقعا والظاهر ان شرطية الطهارة بوجودها الاعم من الواقعي والظاهري كما هو المستفاد من هذه الصحيحة وغيرها الدالة على كفاية الطهارة الظاهرية وعدم وجوب الاعادة فيما لم يعلم بالنجاسة قبل الصلاة.

ومن هنا يحكم بصحة الصلاة في أحد الثوبين اللذين يعلم بنجاسة أحدهما مع الغفلة عن ذلك فصلى في أحدهما لاستصحاب الطهارة فيما يحتمل نجاسته جاريا من دون معارض وانما المعارضة بين الأصلين الجاريين في كل واحد من الطرفين بخصوصه في المكلف الملتفت.

واما مع عدم الالتفات فلا محذور فيه بل لو صلى غير الملتفت بالنجاسة في ثوب نجس واقعا صحت صلاته ومن ذلك يظهر وجه الاستدلال بما ذكر من قوله تغسله ولا تعيد ... الخ.

على الاستصحاب حيث ان عدم الإعادة لمن لم يعلم بالنجاسة معلوم عند السائل وانما سأل عن حكم احتمال الاصابة بالرؤية بعدها ومن الواضح أنه حال الصلاة كان شاكا في طهارة الثوب واقعا فأجاب الامام (ع) بتطبيق الاستصحاب عليه حيث ان الامام (ع) بين أن

٧٦

بين الامرين بمعنى كونها واقعيا اقتضائيا علميا احرازيا فباعتبار كونها شرطا واقعيا اقتضائيا يصح جريان الاستصحاب فيها فلا يرد عليه بأنه لو لم يكن شرطا واقعيا فلا يجر فيه الاستصحاب لانها ليست ذات أثر شرعي ولا موضوع ذا أثر شرعي وباعتبار انه ليس شرطا علميا على الاطلاق بل هو كذلك في حال الالتفات فهو شرط علمي احرازي وبه يندفع ما يقال من أن المتفق عليه هو التعليل بعدم العلم في حال الغفلة لا بالاستصحاب فان المتعين حينئذ هو التعليل بالاستصحاب فانه محرز

__________________

وجه عدم وجوب الاعادة هو جريان الاستصحاب كما هو مقتضى التعليل بذلك ولا يضره العلم بالخلاف بعد الفراغ لما عرفت منا سابقا من كفاية الطهارة الظاهرية كما يمكن جعل التعليل بلحاظ اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء كما ادعاه البعض ويمكن أن يكون لأجل الأمرين خلافا للشيخ الانصاري (قده) حيث قال بأنه متعين حمله على الاستصحاب اذ حمله على اقتضاء الآمر الظاهري للاجزاء مناف لظاهر قوله عليه‌السلام فلا ينبغي أن تنقض اليقين بالشك وأيد ذلك المحقق الخراساني (قده) في كفايته حيث قال ولا يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء كما قيل ضرورة ان العلة عليه هو اقتضاء ذلك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء وعدم الاعادة لا لزوم النقض من الاعادة اللهم إلا أن يقال انه يمكن ارجاع الأمرين إلى أمر واحد في المقام بالخصوص باعتبار أن شرطية الطهارة الى الوجود الاعم من الظاهرى والواقعي كما لو دل دليل على عدم الاعادة بالنسبة إلى من أحرز القبلة بالامارة ثم انكشف الخلاف فانه بنفس هذا الدليل مثلا يدل على أن القبلة هي الاعم من القبلة الواقعية أو من قامت عنده امارة على القبلة.

٧٧

للشرط لا بعدم العلم وباعتبار انه شرط واقعي محض يندفع ما يقال من أن الاعادة ليست نقضا لليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين على أنه أيضا ينافي ما هو الوجه في جهة سؤال الراوي عن علة عدم الاعادة حيث ان المرتكز في ذهنه لما تيقن وقوع الصلاة في النجاسة هو وجوب الاعادة في صورة كشف الخلاف.

فلذا يسأل عن علة عدم الاعادة فأجابه بالاعادة بتطبيق قاعدة الاستصحاب في حقه بلحاظ حال قبل الصلاة فانه لا ينافي ما هو جهة السؤال على الاحتمال الثاني من أن النظرية هو تطبيق الاستصحاب بلحاظ حال ما بعد الصلاة وعلى كل تقدير لا يضر بها مثل هذه الاشكالات على بعض الاحتمالات في ظهور الاستدلال بالرواية على الاستصحاب ثم قال الراوي قلت فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك.

وهذه الفقرة في بيان العلم الاجمالي بالنجاسة يوجب غسل جميع

__________________

هذا وقد ذكر المحقق الاستاذ النائيني (قده) انه لا يصح التعليل إلا بأحد امرين اما باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء أو كون الشرط أعم من الطهارة الواقعية ومن احرازها وحيث ان اقتضاء الامر الظاهري محل منع لذا المتعين صحة التعليل بدلالة الاقتضاء من القول بأن الشرط هو الاعم من الطهارة الواقعية والمحرزة ولكن لا يخفى أن المستصحب في ظرف الشك في بقائه لا بد أن يكون له اثر عملي سابق على استصحابه لكي ترتب ذلك الأثر باستصحابه فلا معنى لكون الأثر يحصل بجريان الاستصحاب اللهم إلّا أن يقال بأن الطهارة عن الخبث كالطهارة عن الحدث من المجعولات الشرعية لكي تناله يد الجعل فعليه لا يحتاج إلى أثر سابق فافهم وتأمل.

٧٨

اطراف الشبهة المحصورة ولا اشكال فيه (قلت فهل على إن شككت ان اصابه شيء أن انظر فيه قال لا ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك قلت ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته).

والمراد من هذه الفقرة مورد شك في النجاسة قبل الصلاة مع كونه متيقنا بالطهارة قبله ثم علم في أثناء الصلاة كان من الاول نجسا فيجب عليه الاعادة لعدم وقوع الصلاة في النجاسة وهذه تنافي الفقرة السابقة بناء على الاحتمال الرابع وعلى كل حال تلك التوجيهات المتقدمة محل نظر بخلاف ما قويناه من الاحتمال الثاني كما هو ظاهر ثم قال (وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلت ثم بنيت على الصلاة وغسلت ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).

وهذه الفقرة ظاهرة في مورد عدم حصول الشك له قبل الصلاة أصلا بل كان على يقين بالطهارة وفي الاثناء رأى النجاسة رطبة فشك في أنها كانت قبل الصلاة أو حدثت في الاثناء فيكون من مورد قاعدة الاستصحاب ، فلذا أجابه (ع) بلا تنقض اليقين بالشك فدلالة الخبر على قاعدة الاستصحاب مما لا اشكال فيه.

ومنها صحيحة ثالثة لزرارة في شك ركعات الصلاة (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام ، فأضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) يقع الكلام فيها تارة في أصل دلالة الرواية على الاستصحاب وأخرى في مقدار دلالتها

٧٩

من حيث عمومها لجميع الموارد واختصاصها بموردها وهو الشك في الركعات.

أما المقام الأول فقد أشكل على دلالتها بأن ظاهرها هو البناء على الأقل والاتيان بالركعة المشكوكة متصل بلا تشهد ولا تسليم معللا بحرمة نقض اليقين بالشك ، وهو موافق لمذهب العامة دون الخاصة فيكون محمولا على التقية من حيث العلة والمعلول فالحكم على لزوم البناء على الأفل والقاعدة المعلل بها كلاهما موافقان للتقية فعليه لا يكون دليلا على الاستصحاب.

ولكن لا يخفى ان الحكم بالبناء على الأقل كما هو ظاهر الرواية من قوله (قام وأضاف اليها أخرى وان كان على مذهب العامة) فيكون محمولا على التقية إلّا ان ذلك في تطبيق القاعدة المعلل بها على مورد التقية من دون أن تكون نفس القاعدة (١) موردا للتقية فتكون

__________________

(١) وحاصله ان التقية ليست في الكبرى وانما في تطبيق الكبرى على المورد بمعنى أن لا تنقض اليقين بالشك. لبيان حكم الله الواقعي ولا تقية فيه ، وانما التقية في تطبيق هذه الجملة على المورد بناء على أن يكون المورد (اتيان الركعة المشكوكة موصولة كما هو مذهب العامة).

فعليه ان حمل الصحيحة على التقية لا يوجب عدم استفادة الاستصحاب منها بل تدل هذه الجملة على اعتباره.

ولا ينافي بين أن يكون أصل الكبرى في بيان الحكم الواقعي وتطبيقه على المورد يكون من باب التقية كما وقع نظيره في قوله (ع) للخليفة العباسي (ذاك الى امام المسلمين ان صام صمنا معه وان أفطر افطرنا معه) فان أصل الكبرى أي الحكم بكون اليوم الفلاني عيدا من

٨٠