منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

لان الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق ، بل عنوان المضر ، والحكم عليه مقطوع البقاء (وهذا) بخلاف الأحكام الشرعية فانه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع فيستصحب الحكم الشرعي».

وحاصله أن استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي انما يكون من باب الملازمة بين الحكمين ومن الواضح أن العلم بوجود أحد المتلازمين علم بوجود الآخر وكذلك في ظرف العدم وحيث انه لا إهمال ولا اجمال في حكم العقل إذ العقل لا يستقل بحسن شيء أو قبحه إلا بعد الالتفات إلى موضوع حكمه بجميع خصوصياته مما له الدخل في حكمه فمع بقاء الموضوع بجميع الخصوصيات يكون الحكم العقلي مقطوع البقاء وكذلك الحكم الشرعي لما عرفت من التبعية ومع فقد قيد أو خصوصية فالحكم العقلي مقطوع الارتفاع وكذلك الحكم الشرعي فالحكمان دائما اما مقطوع البقاء واما مقطوع الارتفاع فلا شك في البين حتى يجري الاستصحاب في الاحكام العقلية والاحكام الشرعية المستندة اليها وقد أشكل عليه انه لا يلزم أن يكون مناط حكم العقل مبين عنده تفصيلا بل يمكن أن يدرك العقل في مورد على نحو الاجمال بأن يدرك أن في الكذب الضار مناط القبح فيحكم من جهة ذلك بقبحه ولو لم يعلم ان تمام المناط هو الضرر أو هو الكذب أو هما معا فحينئذ مع زوال الضرر يمكن فيه أن يقع الشك في قبحه فيشك في بقاء الحكم الشرعي وان لم يكن هنا شك في حكم العقل لعدم الشك في بقاء مناطه وبهذا ظهر انه يمكن تصور الشك في بقاء الحكم في الشبهة الحكمية أيضا وان كان ذلك من جهة الشك في بقاء الموضوع والمقصود من هذه الاشكال انه لا ينحصر الشك في بقاء الحكم الشرعي

٤١

المستند إلى الأحكام العقلية بخصوص الشبهات الموضوعية فقط بل يجري في الشبهات الحكمية أيضا. كما سيأتي عن قريب ثم انه يشكل على تفصيل الشيخ (قدس‌سره) بين أن يكون دليل المستصحب عقليا أو شرعيا لجريانه في الثاني دون الأول نظرا إلى ان الاحكام العقلية كلها مبينة ومفصلة من حيث مناط الحكم الشرعي والشك في بقاء الحكم المستصحب وعدمه لا بد أن يرجع إلى الشك في موضوع حكم العقل لان الجهات المقتضية لحكم العقل بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل ولو لاجل وجود الرافع لا يكون إلا الشك في موضوعه ومن الواضع ان قوام الاستصحاب أن يكون الموضوع معلوم البقاء (١) ولكن لا يخفى ان ما يؤخذ في

__________________

(١) وبتقريب آخر انه لا اهمال ولا اجمال في حكم العقل لعدم استقلاله بالحسن أو القبح إلا بعد الالتفات إلى موضوع حكمه مع جميع ما يحتمل دخله في حكمه فمع تحقق الموضوع المشتمل على جميع تلك الخصوصيات الموجودة فيه يكون حكم العقل مقطوع البقاء وهكذا الحكم الشرعي المستكشف منه ومع فقد قيد أو خصوصية فالحكم العقل مقطوع الارتفاع وكذلك الحكم الشرعي لما عرفت من تبعيته له فالحكمان العقلي والشرعي دائما أما مقطوع البقاء أو مقطوع الارتفاع وليس في المقام شك حتى يتحقق مورد الاستصحاب ولكن لا يخفى ان ما ذكره (قده) بناء على كون أخذ القيد في موضوع الحكم العقلي بالحسن والقبح له الدخل في مناط حكمه واما لو قلنا بأن العقل يحكم حكما قطعيا بالحسن أو القبح مع اجتماع تلك القيود والخصوصيات من دون أن يعلم بأن تلك القيود والخصوصيات لها دخل في مناط حكمه ومع احتمال وجود المناط في فاقد القيد يحتمل بقاء

٤٢

الموضوع تارة يكون بنحو الوصفية والقيدية واخرى بنحو الشرطية ، فما كان من قبيل الأول بأن كان المأخوذ في الموضوع أجنبيا عن ذات

__________________

الحكم الشرعي وعدم انتفاءه وبانتفاء حكم العقل فيجري الاستصحاب في الحكم الشرعي فيترتب عليه أثار البقاء مضافا الى ما ذكره المحقق الخراساني في كفايته من أن الحكم الشرعي انما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا لا ما هو مناط حكمه فعلا إذ رب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعا مع احتمال بقاءه واقعا ومعه يحتمل بقاء الحكم الشرعي فارتفاع حكم العقل لا يلازم ارتفاع حكم الشرع اذا الحكم الشرعي المستكشف انما يلازم حكم العقل في مقام الاثبات والاستكشاف دون مقام الثبوت ونفس الامر لاحتمال أن لا يكون للخصوصيات الزائلة دخل في الملاك واقعا هذا وقد ذكر الاستاذ المحقق النائيني (قده) فى مجلس درسه الشريف في هذا المقام وجهين :

الاول : ان أخذ الخصوصية في موضوع حكم العقل من جهة كون الواجد لها هو المتيقن في اشتماله على الملاك مع عدم دخل تلك الخصوصية في الملاك فحكم العقل بحسن الواجد وقبحه فى الفاقد من قبيل الأخذ بالقدر المتيقن فان العقل انما حكم بقبح الكاذب مثلا من جهة ان الكذب الواجد للخصوصية هو المتيقن بقبحه وقيام المفسدة فيه مع أنه يحتمل أن لا يكون لخصوصية الضرر مثلا دخل في ملاك القبح وحينئذ لا مانع من جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف لبقائه بعد زوال الخصوصية.

الثاني : أن الخصوصية التي لها دخل في ملاك الحكم العقلي مع زوالها تمنع من جريان الاستصحاب في الحكم العقلي وليست مانعة

٤٣

الموضوع : كما لو أخذ التغير وصفا فمع زواله من قبل نفسه وشك في بقاء النجاسة لا يجري فيه الاستصحاب لأن الشك عندئذ يكون فى بقاء الموضوع ويشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ، وما كان من قبيل الثاني بأن يكون من قبيل المعلول لذات الموضوع : مثل عنوان الضرر الذي أخذ في الكذب الذي يحكم العقل بقبحه ، وكعنوان النفع الذي هو معلول لعنوان الصدق الذي يحكم العقل بحسنه ، ففي مثله موضوع الحكم العقل بقبحه أو حسنه الذي يستكشف به الحكم الشرعي هو ذات الكذب والصدق.

وأما عنوان الضرر والنفع الموجبان للحكم بالقبح والحسن فلم يؤخذا قيدا وانما أخذا بنحو الجهة التعليلية ، حيث أن ذات الكذب أو الصدق في مثل المورد قد أخذ مقدمة وعلة لتحقيق هذا العنوان المحكوم بقبحه أو حسنه : فتكون ذات الكذب محكومة بالقبح بمقتضى المقدمية قبحا غيريا ومحرما شرعيا ، وذات الصدق واجب شرعي غيري وحسن غيري ، وعليه إذا احتمل زوال عنوان الضرر أو عنوان النفع كانت نفس الذات بعينها باقيا ، فلا يكون الشك في بقاء حكمه الغيري لاجل الشك في بقاء الموضوع فيشمله دليل الاستصحاب.

ومما ذكرنا يظهر بطلان ما يقال من أن القيود في الاحكام العقلية بجميعها ترجع إلى نفس الموضوع الذي هو فعل المكلف ، فالشك في

__________________

من جريان الحكم الشرعي المستكشف به فان دخل تلك الخصوصية في ملاك الحكم الشرعي محل شك وعليه لا مانع من الرجوع الى الاستصحاب بعد تحقيق الموضوع في نظير العرف الذي هو المناط في تحققه ، هذا وقد عرفت منا سابقا ان الحق هو التفصيل في الاحكام العقلية فلا تغفل.

٤٤

بقاء الحكم المستكشف من الحكم العقلي يرجع إلى الشك في بقاء موضوعه ولو كان لأجل الشك في الرافع ، لما عرفت من أن دخل بعض القيود في الاحكام العقلية من الجهات التعليلية لعروض الحسن والقبح على نفس الذات ، كما في مثل عنوان الضرر والنفع العارضين على الصدق والكذب فان عروضهما موجب للحسن والقبح على نفس الذات بنحو الجهات التعليلية لا بنحو الجهات التقيدية ، لما هو معلوم من أن هذه الجهات انما حصلت لكون الذات مقدمة لها فتكون الذات مصداقا للمقدمية من دون أن يكون لعنوان المقدمية دخل في موضوع الحكم فالموضوع حينئذ عبارة عن نفس الذات ففي مثله مما يقطع ببقائه في الزمان الثاني حتى مع القطع بانتفاء قيد حكمه فضلا عما لو شك فيه ودعوى عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية المستكشف منها الاحكام الشرعية من جهة عدم اتحاد وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة لقيام احتمال تغاير الموضوع فى كل مورد يكون الشك فى بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في انتفاء ما له الدخل في موضوع الحكم قطعا أو احتمالا من غير فرق بين الشبهة الحكمية أو الموضوعية مثلا لو حكم الشارع على الصدق الضاد لكونه حراما واحتمل دخل ذلك الوصف في موضوع الحكم فالشك في بقائه على المقدمية لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز بقاء الموضوع في الزمان الثاني ممنوعة إذ ذلك يتم على اعتبار وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة على اعتبارها بنحو الدقة العقلية وأما بناء على اعتبار الوحدة العرفية كما هو مرتكز في أذهان المتشرعة في نظائره من أحكامهم العرفية بمناسبة الحكم للموضوع فلا قصور في جريان الاستصحاب فكما أنه يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي

٤٥

المستكشف من الدليل الشرعي كالموضوع المأخوذ في لسان الدليل كذلك يجري في الحكم المستكشف من الدليل العقلي ودعوى أن الحكم العقلي منتف قطعا لعدم ادراكه فعلا مع الشك في ملاك حكمه فغير ضائر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه لما هو معلوم ان استتباع الحكم الشرعي للحكم العقلي انما هو في مقام الكشف والاثبات لا مقام الثبوت وانما هو في هذا المقام تابع لتحقق ملاكه واقعا وبالجملة لا مجال للتفصيل في جريان الاستصحاب بين كون دليل الحكم شرعيا أو عقليا.

مضافا إلى ان ذلك بناء على المنع من جريان استصحاب الاحكام المستكشفة من الأدلة العقلية لأجل الشك في بقاء الموضوع واما بناء على عدم جريانه من حيث مناط الحكم وموضوعه بأن يكون مبنيا ومفصلا لعدم الحكم بشيء حسنا أو قبيحا إلّا بأن يتشخص موضوعه ويعرف ما له الدخل في مناط حكمه مما لا دخل له فاذا كان مناط الحكم الشرعي وموضوعه هو مناط الحكم العقلي وموضوعه فلا يتصور فيه الشك في البقاء حتى يجري فيه الاستصحاب ولكن لا يخفى انه نمنع كون حكم العقل بالحسن والقبح لا بد أن يكون عن مناط محرز تفصيلا بل كما يكون ذلك يمكن أن يكون عن مناط اجمالي كما عرفت سابقا.

فعليه لا مانع عن تحقق الشك في بقاء المناط ولو مع العلم بانتفاء بعض ما له الدخل في العلم بوجوده اجمالا فضلا عن الشك بانتفائه ولا ينافي ذلك انتفاء الحكم العقلي لعدم تحقق دركه للمناط لانتفاء بعض ما له الدخل والجزم بانتفاء الحكم العقلي لا يضر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه لأن بقاء الحكم الشرعي

٤٦

ثبوتا تابع لبقاء مناط القبح واقعا لا تابع لبقائه اثباتا هذا كله في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي.

وأما استصحاب الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه والشارع حكم بوجوبه أو حرمته فيجري استصحابه إذا شك فيه من جهة بعض الامور الخارجية كما لو شك في بقاء وصف الاضرار في الكذب الذي حكم بقبحه.

وأما لو شك من جهة انتفاء بعض الخصوصيات التي يحتمل دخلها في الموضوع فالظاهر عدم جريانه في موضوعات الاحكام في الشبهات الحكمية لرجوع ذلك إلى الشك في نفس الموضوع المردد بين الواجد للقيد أو هو الاعم من الواجد والفاقد فيكون من قبيل دوران أمره بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع وذلك لا يجري فيه الاستصحاب إذ يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد.

نعم لو كان الاثر مترتبا على ما تعنون بالعنوان الاجمالي. فيصح جريان الاستصحاب فيه إلّا ان المفروض ان الاثر مترتب على ما هو معروض الحكم واقعا.

وعليه لا يشك في بقائه هذا إذا كان الشك في بقاء الحكم العقلي من جهة الشك في بقاء قيديّته ، أما إذا كان الشك في بقاء الملاك والمناط فتحقق الشك في غاية الامكان إذ من الممكن دعوى عدم تحقق الحكم العقلي ولكن ذلك لا يوجب عدم تحقق الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي فانه من الممكن الشك في تحقق مناط حكمه لما عرفت منا سابقا من امكانه وتحققه فما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) من استشكاله في استصحاب الاحكام العقلية المستكشفة منها الشرعية من جهة الشك في بقاء الموضوع وصحة جريان الاستصحاب أو كان

٤٧

بلسان الدليل اللفظي إذ فيه يكون لسان الدليل نفس ذات الكذب والصدق وفى الدليل العقلي يكون موضوعه القبح الضار وحسن النافع فعليه مع الشك لا معنى لبقاء الموضوع بخلاف النحو الاول الذي يكون لسانه نفس الكذب والصدق فيكون الشك في العنوان لا يوجب الشك في اصل الموضوع فلا مانع من استصحابه لبقاء الموضوع هذا لو كانت الملاحظة بالنسبة إلى الموضوع بحسب الدقة واما لو كان لحاظه بحسب نظر العرف ، فيمكن دعوى عدم الفرق بين ما يكون لسان الدليل لفظيا أو عقليا إذ يمكن أن يقال إنه بالنسبة إلى الحكم العقلي تؤخذ القيود بنحو التعليل ويكون الموضوع نفس الذات مثلا ، إذ موضوع الحكم بالقبح والحسن لاجل عنوان المضرية أو النافعية أخذا بنحو العلية فلا يكونان داخلين في الذات وإنما أخذا عنوانين مشيرين إلى الذات كما هو بالنسبة إلى الدليل اللفظي نعم حيث انهما مترتبان على الذات أوجبا ضيقا في اطلاق الذات فلا اطلاق في الذات لكي يشمل فاقد القيد كما أن الذات ليست مقيدة بهما وبالجملة الذات في المقامين لم تقيد بالقيود وانما الذات أخذت في لسان الدليل اللفظي غير مقيدة بها كما هو كذلك في لسان الدليل العقلي فلا يكون الشك في تلك العناوين شكا في بقاء الموضوع فافهم.

٤٨

«التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع»

ثم ان الشيخ الانصاري (قده) فصل بين الشك في المقتضي وبين الشك في الرافع فقال بحجية الثاني دون الأول استنادا إلى أن تصحيح تعلق النقض باليقين لا المتيقن كما في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك يحتاج إلى وجود المقتضي للبقاء في المتيقن وحينئذ يكون النقض واردا على اليقين باعتبار وحدة متعلق الشك واليقين وإلّا يلزم أن يكون اليقين مجامعا للشك واستنادا الى ان صدق نقض اليقين بالشك انما يتحقق في زمان لاحق الذي يقع الشك فيه في بقاء المتيقن ولازم ذلك أن يكون المتيقن له جهة استمرار لكي يتعلق الشك بما تعلق به اليقين فيكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين حدوث اليقين لوجوده وقد انتقض اليقين به لعروض الشك في المتعلق فحينئذ يصح بذلك النقض فاذا صح ذلك صح تعلق النهي به بقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك (١). باعتبار البناء العملي

__________________

(١) لا يخفى أن تفصيل الشيخ (قده) مبني على أن المراد من المقتضي ما يكون فيه قابلية المستصحب للبقاء والاستعداد له لا المقتضي الذي هو من أجزاء العلة فانه انما يتحقق في الامور التكوينية والكلام في المقتضي في الاحكام الشرعية وهي امور اعتبارية ولا ملاكات الاحكام التي هي المصالح والمفاسد إذ يلزم أن لا يجري الاستصحاب أبدا إذ ما من مورد الا ويشك في وجود الملاك لعدم معرفته أصلا ولا طريق لنا إلى معرفته إلا من الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) ولا موضوعات الاحكام المعبر عنها في الأحكام

٤٩

إلى غير ذلك من الوجوه التي يستفاد من الاخبار وسيأتي إن شاء الله ان جميع ما ذكر لا يثبت التفصيل المذكور واما التعرض لباقي الأقوال في المسألة فلا يهمنا التعرض لها.

__________________

التكليفية بالشرائط وفي الاحكام الوضعية بالأسباب حيث ان اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب مما لا كلام فيه ولا معنى للتفصيل في الاستصحاب بيان ذلك أن المستصحب أما أن يكون من الموضوعات الخارجية أو من الأحكام الشرعية فان كان الأول فاما أن يعلم مقدار قابليته للبقاء ويكون الشك في طرو عارض كمثل الموت وعليه فتارة يعلم بأن له قابلية البقاء كالفيل مثلا مائة سنة وأخرى لا يعلم بمقدار قابليته للبقاء كالبق مثلا لعدم العلم بمقدار قابليته فان كان من قبيل الاول فمرجع الشك فيه الى الشك في الرافع للعلم بمقدار القابلية فحينئذ يقع الشك في الرافع وإن كان من قبيل الثاني فمرجعه إلى الشك في المقتضي لعدم العلم بمقدار القابلية وإن كان الثاني أي ما يكون الموضوع من الأحكام الشرعية فانه يعلم بجعله غاية للحكم وأخرى لا يعلم بعدم جعله غاية للحكم وثالثة لا يعلم بجعل الغاية.

أما الأول فتارة يكون الشك من جهة الشبهة الحكمية وأخرى يكون من جهة الشبهة الموضوعية فما كان من قبيل الأول كمثل استتار القرص الذي جعل غاية لأداء صلاة الظهرين إلا انه لا يعلم المراد منه هل هو نفس استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية فالشك في ذلك يرجع إلى الشك في المقتضي لرجوعه إلى الشك في قابلية أصل بقاء الحكم وما كان من قبيل الثاني فمرجعه إلى الشك في الرافع إذ بقاء قابلية وجوب صلاة الظهرين إلى الغروب ليس بمشكوك ، وانما الشك في تحقق الغاية الموجب للشك في الرافع ، وسر الفرق بين الصورتين هو أن الشك في القسم الثاني مسبوق بالعدم فيمكن استصحاب العدم

٥٠

وأما التفصيل بين الشبهات الحكمية وبين الشبهات الموضوعية لجريان الاستصحاب في الثاني دون الأول لتعارض استصحاب الوجودي مع استصحاب العدمي في موارد الشبهات الحكمية دون الموضوعية (١)

__________________

بخلاف القسم الأول حيث أن الشبهة حكمية ليس لها حالة سابقة متيقنة لكي يستصحب.

وأما القسم الثاني يعلم بعدم جعل الغاية وحينئذ يكون الحكم مرسلا وله قابلية للبقاء ، ويكون الشك فيه لاجل احتمال عروض عارض يوجب ارتفاعه كالشك في بقاء الملكية بعد الفسخ في بيع المعاطاة فيستصحب لاثبات اللزوم ، ولاجل ذلك ذكر الاستاذ المحقق النائيني (قده) بأن ما أورده السيد في حاشية المكاسب على الشيخ الانصاري من أن هذا الاستصحاب لاثبات اللزوم من الشك في المقتضي غير وارد على مبناه ، لرجوعه إلى الشك في الرافع.

وأما القسم الثالث الذي لا يعلم أن للحكم غاية أم لا كما هو كذلك بالنسبة إلى جملة من الخيارات كخيار الغبن وخيار العيب وخيار الرؤية وغير ذلك مما يشك فيما يحتمل بأن يكون فوريا له زمان محدد وهو أول زمان يمكن أن يقع فيه الفسخ فمع تحقق الشك في ذلك يكون من الشك في المقتضي ، وعليه لا يجري فيه الاستصحاب فلا تغفل.

(١) وقد أجاب الشيخ الانصاري (قده) بأن الزمان ان أخذ قيدا ومفردا جرى استصحاب العدم الازلي حيث أن العدم الأزلي يشمل يوما قبل الخميس ويوم الخميس ويوم السبت نعم خرج من العدم الازلي خصوص يوم الجمعة فلا يجري استصحاب الوجودي للعلم بارتفاعه وإن كان الزمان قد أخذ ظرفا فيجري استصحاب الوجودي ولا يجري

٥١

بيان ذلك انه لو علم بوجوب الجلوس في يوم الجمعة ثم شك في وجوبه يوم السبت فيستصحب الوجوب الثابت يوم الجمعة ويعارضه استصحاب عدم الوجوب المتحقق يوم الخميس ودعوى عدم اتصال الشك باليقين في غير محله إذ يوم الخميس يتيقن بعدم الوجوب وفي ذلك اليوم يشك في وجوب الجلوس يوم السبت وأما بالنسبة إلى الموضوعات فليس للشارع دخل في الجعل فاذا

__________________

استصحاب العدم لانتقاضه بالوجود المطلق وقد وافقه المحقق الخراساني (قده) على ذلك إلّا أنه قال ان ذلك في مقام الثبوت.

وأما مقام الاثبات فقد ادعى ان الزمان بحسب المتفاهم العرفي قد أخذ بنحو الظرفية وقد أجاب المحقق الاستاذ النّائينيّ (قده) عن ذلك بجوابين.

أحدهما عدم اتصال الشك باليقين ولا ينفع اتصال صفة اليقين بالشك ولذا لو تيقن أحد بعدالة زيد فنام ثم شك بعد انتباهته في بقاء عدالته فلا اشكال في جريان الاستصحاب مع أن صفة اليقين ليست متصلة بصفة الشك وعليه لا يمكن جريان استصحاب عدم التكليف في المقام لانفصال زمن المتيقن عن زمان المشكوك :

ثانيهما : أن جريان الاستصحاب انما ينفع إذا كان له أثر فان الجعل وإن كان أمرا حادثا إلّا ان عدمه ليس له أثر اذ الآثار العقلية والشرعية انما تترتب على المجعول ولا تترتب على الجعل ثم لا يخفى ان هذه المعارضة انما تتحقق فيما عدا الاباحة.

وأما بالنسبة إلى الاباحة فلا مانع من جريان الاستصحاب فيها لعدم جريان الاستصحاب العدم الازلي إذ الاشياء قبل الشريعة كانت مطلقة غير ممنوعة حتى يرد النهي من الشارع كما هو مفاد قوله ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنه وكيف كان فليس في المقام

٥٢

تيقن عدالة زيد ثم شك في عدالته لا اشكال في جريان الاستصحاب وعدم معارضته للاستصحاب العدمي لعدم تحقق ملاك المعارضة وأما التفصيل بين الشك في خصوص باب الطهارات حدثيا كانت أو خبثيا

__________________

اشكال من جريان الاستصحاب الوجودي الا لمعارضته بالاستصحاب العدمي وهذه المعارضة تتم بناء على جريان الاستصحاب العدمي والظاهر عدم المانع من جريانه وانه يسقط بمعارضته للوجودي بيان ذلك يتوقف على بيان أمرين :

الأول : ان الحكم في باب الاوامر ليس من الامور الحقيقية وانما هو اعتباري قائم بالنفس وزمامه بيد المعتبر وجاعله حيثما يشاء مثلا الوجوب عبارة عن اعتبار فعل على ذمة المكلف كما ان الحرمة عبارة عن اعتبار حرمانه عنه. غاية الأمر ان هذا الامر النفساني ما لم يظهر بمظهر من القول أو الكتابة أو غيرهما لا يسمى حكما.

الثاني : ان الحكم تارة يكون كل واحد من الاعتبار والمعتبر فعليا كما إذا اعتبر الفعل على ذمة الغير من دون أن يتوقف على مجيء زمان أو زماني بأن يكون مطلقا غير مشروط بشيء وأخرى يكون الاعتبار فعليا والمعتبر متوقفا على مجيء زمان او زماني كما في الحج أو الوصية فان المعتبر في الأول هو وجوب الحج وهو متوقف على الاستطاعة والثاني فان المعتبر هو الملكية وهي متوقفة على موت الموصي فيكون الوجوب والملكية مشروطا لا مطلقا.

فالفرق بين المطلق والمشروط هو أن المعتبر في الاول فعلي بخلاف الثاني فانه متوقف على مجيء زمان أو زماني فهما وان اشتركا في الفعلية إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأحكام كلها من الواجبات والمحرمات على نحو القضايا الحقيقية مشروطة بوجوب موضوعاته من غير فرق بينها سواء

٥٣

وباقي الاحداث وبين غيرها فيكون الاستصحاب حجة في الاول دون

__________________

كان متوقفا على مجيء زمان أو زماني أو غير متوقف عليهما فالحكم انما يتوقف على وجود الموضوع في الخارج وعليه فكما انه يترتب الاثر من وجوب الاتيان في الواجبات والاجتناب عن المحرمات فيما اذا علم وجدانا بتحقق كل من الاعتبار والموضوع ومن عدم وجوبهما فيما إذا علم بعدم تحقق أحدهما أو كليهما كذلك يترتب الاثر فيما اذا حصل تحققها أو عدم تحقق أحدهما أو كليهما بالتعبد الاستصحابي.

وعلى كل فكما يصح الحكم بعدم وجوب الجلوس بعد الزوال في مفروض المثال فيما اذا علم وجدانا بعدم اعتبار الوجوب بالاضافة إلى ما بعد الزوال كذلك يصح الحكم بعدم الوجوب فيما إذا علم اعتباره بالتعبد الاستصحابي.

فعليه لا يكون التعبد باستصحاب العدم الأزلي لغوا فلو لا معارضته استصحاب بقاء الوجوب الثابت قبل الزوال له لقلنا بجريانه فمن ذلك يظهر أن استصحاب الاحكام التكليفية بعثية كانت أو زجرية لا تجري لمعارضتها باستصحاب العدم الأزلي ومن هنا لا مانع من استصحاب الأحكام الترخيصية لعدم جريان استصحاب العدم الازلي فيها لكي يكون معارضا لأن الأشياء قبل الشريعة كانت مطلقة غير ممنوعة.

وأما الاحكام الوضعية :

فما كان فيها كلفة كان الاستصحاب الوجودي معارضا لاستصحاب العدمي وكلما كان موجبا للسعة لم يكن الاستصحاب الوجودي معارضا

٥٤

الثاني ومنشأ هذا التفصيل هو أن موارد الاخبار الآتية هو باب الوضوء والطهارة عن الخبثية ويلحق بهما غيرهما من أقسام الطهارات والاحداث بناء على كون اللام في (اليقين) هي لام العهد وسيأتي ان شاء الله بطلان هذا الاحتمال وان الظاهر من اللام في اليقين هي لام الجنس.

__________________

لشيء. نعم ربما يقال بعدم جريان الاستصحاب في الاحكام انما هو لقصور في المقتضي في مقام الاثبات بدعوى أن أدلة الحجية في الروايات لا تشمل موارد الشك في الاحكام إذ الروايات انما وردت في موارد الشك في الموضوعات الخارجية فلا يمكن التعدي عنها في موارد الشك في الاحكام التكليفية ولكن لا يخفى أن اطلاق الروايات خصوصا اطلاق قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك أبدا) يدل على صحته مطلقا بلا فرق بين الموضوعات والاحكام فلو لا المعارضة لقلنا بجريانه مطلقا لكن منعنا عن القول به في الاحكام من جهة المعارضة. فافهم وتأمل.

٥٥

المقام الثاني :

في الأدلة التي اقاموها على حجية الاستصحاب

هي امور :

الاول الاجماع : فقد ادعى الاجماع على الحجية مطلقا أو في الجملة وفيه ما لا يخفى أنه لا مجال للتمسك بالاجماع في مثل هذه المسألة التي علم أن مدرك المدعي للاجماع هو ما سيأتي من الوجوه المختلفة من بناء العقلاء أو الاخبار أو دليل الانسداد أو غير ذلك ومن المعلوم ان لا حجية لمثل هذا الاجماع المعلوم مدركه مضافا إلى عدم المجال لنقل الاجماع في المسألة مع هذا الاختلاف العظيم بين الاصحاب التي عدت الأقوال فيها إلى أحد عشر قولا بل يمكن أن يكون أكثر كما لا يخفى.

الثاني : التمسك ببناء العقلاء :

بتقريب ان كافة أفراد الانسان بالعمل على طبق اليقين السابق ما لم ينكشف الخلاف بل كافة أفراد الحيوان وارتكازهم فضلا عن الانسان حيث نرى بالوجدان كل حيوان يخرج من مكانه بقضاء وطره يرجع إليه عند الغروب مع احتمال خرابه بأسباب عارضه ويظهر ذلك بالوجدان لمن نظر في أعمال البشر وحركاتهم وسكناتهم في معاملاتهم وتجاراتهم وزياراتهم لأصدقائهم وأقربائهم وعياداتهم يرى انه تجرى على طبق الحالة السابقة وعد تلك سيرة متبعة لكافة العقلاء وحيث لم يردع عنه الشارع فيكشف ذلك عن رضاه وفيه انه لا نسلم استقرار بناء العقلاء بالعمل

٥٦

على طبق اليقين السابق في ظرف الشك في البقاء بما أنه كان على يقين سابق وشك لاحق بل لو كان في مورد عمل بذلك أحد أما من جهة اليقين في البقاء والاطمئنان كما هو الغالب أو من باب الاحتياط أو الغفلة كما هو الشأن في غير الانسان من سائر أنواع الحيوانات وبالجملة لم يكن بناء العقلاء على ذلك بما أنهم شاكون ببقاء ما تيقنوا به سابقا وعلى فرض تسليم ذلك انه يكفي للردع عنه الآيات الناهية عن العمل بغير العلم وما دل على البراءة والاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء ما لم ينكشف إمضاء الشارع هذا على فرض كون بناء العقلاء العمل على طبق اليقين تعبدا من دون نظرهم على الظن بالملازمة وأما بناء على كون بناءهم على ذلك من باب الظن فمرجع دعوى بناء العقلاء إلى أن العقلاء من جهة استفادة الظن بالبقاء من جهة الملازمة الغالبية بين الحدوث والبقاء قد استقر بنائهم على ذلك اللهم إلّا أن يقال بأن العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم رادعه عن ذلك ودعوى عدم صلاحيتها للرادعية مع وجود هذا البناء إذ ثبوت الردع من الشارع عن هذا البناء ينافي تحقق هذه السيرة حتى من المتدينين ممنوعة بأن بناء العقلاء من المسلمين على شيء تارة يكون بما انهم مسلمون وأخرى لا بما هم مسلمون بل انما هو بنائهم من العقلاء وأهل العرف والذي ينافى وجوده مع الردع الشرعي هو الأول لا الثاني.

وحيث أن مقصودنا من السيرة هي سيرة العقلاء الذين هم المسلمون فلا بد في تتميمها من التشبث بمقدمات عدم الردع لاثبات امضاء الشارع إلّا أن الكلام اثبات ان السيرة المذكورة بسيرة المسلمين بما هم كذلك وأثبت بعض الأعاظم (قده) أن هذه السيرة العقلائية ليس العمل بها عملا بما وراء العلم لخروجها عن ذلك بالتخصص فتخرج مواردها عن

٥٧

موضوع تلك النواهي كما هو كذلك بالنسبة إلى الطرق والامارات حيث انها لما كان مفادها تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تكون خارجة عن موضوع الآيات الناهية عما وراء العلم فيكون خروجها بالتخصص ممنوعة بأن ذلك يتم بالنسبة إلى الطرق والامارات كظواهر الالفاظ ونحوها لا في مثل المقام الذي هو من قبيل الاصول المقررة عند العقلاء في ظرف الجهل بالواقع فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا يخرج المورد عن كونه عملا بغير العلم.

نعم لو كان بنائهم على ذلك من باب الامارية نظير العمل بخبر الواحد كان لهذه الدعوى مجال وليس لنا طريق إلى اثباته اذ لازمة كون الاستصحاب من قبيل الامارات مع انك قد عرفت أنه من قبيل الاصول وبالجملة عدم اعتبار السيرة العقلائية في المقام على الاخذ في الحالة السابقة ولو كانت هذه السيرة أقوى من العمل بخبر الواحد إذ الاقوائية لا أثر لها ما لم يحصل امضاء من الشارع ولو بواسطة مقدمات عدم الردع ومع صلاحية الآيات الناهية للرادعية لا معنى لكشف امضاء الشارع لها فما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية في المقام من صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن السيرة العقلائية في المقام بخلاف حجية خير الواحد من دعوى عدم صلاحيتها للرادعية فيه فهو في محله إذ فرق بين المقام وخبر الواحد اذ عدم رادعية الآيات في خبر الواحد انما هو من جهة قيام السيرة العقلائية على تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع الموجب لخروج مواردها عن موضوع تلك النواهي بخلاف المقام فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا بنحو الامارية ولذا عد من الاصول وسره أن الظاهر من «لا تقف ما ليس لك به علم) هو عدم العلم بالواقع لا الاعم من الواقع والظاهر ، إذ ان

٥٨

دليل حجية الخبر رفع الشك بالواقع وفي المقام رفع الشك بحكم الشك وعليه يشمله أدلة الردع. كما لا يخفى.

الثالث : الأخبار المستفيضة منها صحيحة زرارة الأولى وإضمارها غير مضر مع كون الراوي مثل زرارة.

قال : قلت له : «الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء» قال (ع) : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء. قلت فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال (ع) «حتى يتيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر». وفقه الحديث ان سؤال الراوي عن الخفقة والخفقتين يحتمل الوجهان :

أحدهما أن يكون من جهة الشبهة المصداقية بأن يعلم مفهوم النوم بتمام حده وانه عبارة عما يوجب السكون خصوصا القلب ولكنه شك في ان الخفقة والخفقتين مما يكون لهما امارية على ذلك وانه هل يكشف بها حصول النوم الذي يعلم بأنه ناقض قطعا بجميع مراتبه أم لا وهذا خلاف ظاهر جواب الامام (ع) بأنه قد تنام العين فانه يظهر منه ان الخفقة من مراتب النوم غايته انه نوم للعين وان ما يوجب الوضوء ليس هو مجرد نوم العين فقط مع أن قول الرجل ينام ظاهر السؤال عن حكم الخفقة بعد الفراغ عند تحقق النوم.

وثانيهما من جهة الشبهة في مفهوم الحكم اما من جهة الشك في أن النوم بجميع مراتبه ناقض أو انه خصوص مرتبة خاصة ناقضة وهو نوم القلب الملازم لنوم جميع القوى بعد الفراغ عن كون الخفقة أيضا نوم في الجملة فمرجع السؤال حينئذ إلى السؤال عن ناقضية النوم مطلقا

٥٩

أو خصوص مرتبة فيه فتكون الشبهة شبهة حكمية.

وأما من جهة الشك في المفهوم على هذه المرتبة من جهة عدم الاطلاع بجميع حدود المفهوم مع القطع بأنه جميع مراتبه ناقض فتكون الشبهة راجعة إلى الشك في صدق المفهوم فتكون حكمية أيضا وهذا هو الاظهر بقرينة جواب الامام بأنه قد تنام العين إلى آخره إلّا ان السائل لما علم من جواب الامام بأن المدار على نوم القلب والاذن لا نوم العين فقط وجه السؤال بقوله فان تحرك في جنبه شيء وهو لا يعلم إلى آخره بأن يكون راجعا إلى السؤال عن الشبهة الموضوعية كان يكون معناه. بعد الفراغ عن المدار هو نوم القلب والاذن فهل يمكن استكشاف نوم الاذن بعدم دركه مع تحريك شيء معين في جنبه اللهم إلا أن يكون راجعا إلى الشبهة الحكمية وهو بأن يكون المقصود هو السؤال عن أن نوم الاذن بجميع مراتبه ناقض ولو من جهة ملازمته لنوم القلب حتى بمرتبة ضعيفة منه أو أن الناقض منه هو مرتبة خاصة وعلى كل حال ينطبق ذيل الرواية على قاعدة الاستصحاب مع فرض الموضوع وهو الوضوء السابق إلا انه يشكل بأن ذلك ليس قابلا للبقاء قطعا بما هو الفعل المخصوص مع أن المعتبر في الاستصحاب هو الشك في البقاء إلا أن يراد من الوضوء هو الاثر الحاصل منه الذي يكون قابلا للبقاء والنقض بالطهارة مثلا ولكن يرد على الراوي أحد الاشكالين.

وهو انه لو كان فرض السؤال عن الشبهة الموضوعية في تحقيق مصداق النوم الناقض كان الحق في الجواب هو استصحاب عدم تحقق النوم وتطبيق لا تنقض اليقين في الشك على اليقين السابق بعدم النوم والشك في تحققه لان الشك في بقاء الوضوء مسبب عن الشك في تحقق

٦٠