منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

لم يجر فيها الاستصحاب والنسبة مع غيرها وإن كانت عموم من وجه إلا أن تطبيق الامام (ع) بما يختص بالشبهات الموضوعية كصحيح زرارة

__________________

المقرونة بالعلم الاجمالي فيما إذا كان من المشكلات والمعضلات التي لا طريق لها غير الاحتياط فيها ففي مثل هذا المورد شرع الشارع القرعة من غير فرق بين أن يكون المشتبه من حقوق الله تعالى أو من حقوق الناس ولا بين أن يكون له واقع معين في عالم الثبوت وتكون القرعة واسطة ودليل في عالم الاثبات أو لم يكن له واقع معين في عالم الثبوت والقرعة واسطة في عالم الثبوت كما في قوله إحدى زوجاتي طالق أو أحد عبيدي حر بناء على صحة مثل هذا الطلاق أو مثل هذا العتق.

وأما مثل الغنم الموطوءة المشتبه في قطيع من الغنم وأن مقتضى القاعدة الأولية وجوب الاحتياط عن جميع أفراد القطيع إلا أن الشارع لم يوجب الاحتياط لأنه تضييع للمال الكثير الذي لا يتحمل عادة مع عدم إمكان تعيين الموطوءة فيكون من المعضلات والمشكلات في الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي التي هي مورد لتشريع القرعة.

وأما تضمين الواطئ ليس إلا في خصوص الموطوء لا في سائر أفراد القطيع فالاحتياط يستلزم ضرر عظيم على صاحب القطيع ليخرج المورد عن موارد الاحتياط ويصير من المعضلات والمشكلات فيشرع فيه القرعة وبالجملة أن المستفاد من أدلة القرعة هو خصوص موارد الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي الذي لا يمكن فيه الاحتياط أو لا يجوز وان كان ممكنا أو لا يجب ولا يكون فيها امارة توجب انحلال العلم الاجمالي ومعه يخرج بالانحلال عن كون المورد من المعضلة فالمراد من الموضوع المشتبه هو الموضوع الذي ما نزل به لخصوص حكم لا في الكتاب ولا في

٤٠١

ومكاتبة القاساني صار موجبا لانقلاب النسبة إلى العموم المطلق ضرورة أنه لو عمل بقاعدة العامين من وجه وأخرج الشبهات الموضوعية عن مورد الأخبار فلا يبقى مورد للعمل بها والحق تقديم القرعة على الاستصحاب وذلك لأجل التخصيص لأن من قال بتقديم الاستصحاب عليها فلا بد أن يقول بتقديم سائر الأصول عليها وحينئذ فلا يبقى مورد لها إذ ما من مورد من مواردها إلا ويجري فيه أصل من الأصول من الاباحة والاحتياط والاستصحاب فيلزم لغويتها لا يقال بأن تقديمها على الأصول أيضا موجب للغوية الأصول بعين ما ذكر فانه يقال ليس كذلك لاختصاص القرعة بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي فيجري الاصول في الشبهات الحكمية مطلقا وفي الشبهات الموضوعية غير المقرونة بالعلم الاجمالي وكونها بملاحظة كثرة التخصيص في أدلتها موهونا فلا يعمل بها إلا بعد انجبارها بعمل الاصحاب فيبقي للاصول موارد ولا يلزم اللغو كما هو واضح.

الأمر العاشر في بيان تعارض الاستصحابين ومجمل القول فيه أن الشك في أحدهما تارة يكون مسببا عن الشك في الآخر وأخرى لا يكون كذلك بل الشك فيهما ناشئ عن أمر ثالث.

أما الأول كما إذا أستصحب طهارة ماء غسل ثوبه النجس حيث يكون الشك في بقاء نجاسة الثوب بعد غسله مسببا عن طهارة الماء وحكم هذا القسم جريان الاستصحاب في طرف السبب ولا يجري في المسبب إلا مع عدم جريانه في السبب.

أما لعدم الحالة السابقة وأما لمعارضته مع أصل آخر لوجوه وقبل

__________________

السنة ولذا يخرج الموضوعات الحكمية والشبهات البدوية من القرعة لوجود حكمها في الكتاب والسنة. فافهم وتأمل.

٤٠٢

بيان الوجوه فليعلم أنه لو لا جهة السببية بينهما لا مانع من جريان الأصلين فيهما لعدم المعارضة بينهما إذ لا منافاة بين استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب لثبوت التفكيك في الأحكام الظاهرية ووقوعه كما اذا توضأ بمائع مردد بين الماء والبول فانهم حكموا باستصحاب الحدث وطهارة أعضاء الوضوء وبعد معرفة ذلك. فنقول الوجه الأول دلالة صحيحة زرارة الثانية إلى أن قال (قلت فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال (ع) لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) فقد استدل (ع) على عدم وجوب الاعادة بالاستصحاب الرافع لحكم الشك فيها الذي هو سبب للشك في وجوب الاعادة فدل على أن الاستصحاب في طرف السبب يغني عن إجرائه في المسبب ودلالة هذه الرواية وإن كانت لا تخلو عن المناقشات المتقدم ذكرها في محلها إلا أنها لا يضر بما نحن بصدده من دلالتها على ما ذكرناه في المقام ظاهرة الوجه الثاني من الوجوه لتقديم الاستصحاب السببي على المسببي بالحكومة كما هو مختار الشيخ الأنصاري (قده) بتقريب أن عموم قوله (لا تنقض اليقين بالشك) بعد شموله للشك السببي فلا يشمل الشك المسببي لأن معنى البقاء على ما كان على طبق الحالة السابقة وعدم نقضه بالشك في السبب هو ترتيب جميع الآثار الشرعية المترتبة عليه التي منها طهارة الثوب المغسول به فنقض اليقين بنجاسة الثوب ليس من باب نقض اليقين بالشك بل نقض اليقين بدليل معتبر وهو استصحاب طهارة الماء ولا يمكن عكس ذلك بأن يجعل جريان الأصل في المسبب مانعا عن جريانه في السبب إذ الأصل لا يثبت إلا اللوازم الشرعية الثابتة للمستصحب وطهارة الماء ونجاسته ملزوم النجاسة الثوب وطهارته

٤٠٣

والأصل لا يثبت الملزومات فاجراء الأصل في المسبب وطرحه في السبب موجب لطرح الأصل في السبب ونقض الحالة السابقة فيه بالشك من غير دليل.

الوجه الثالث تقديم الاستصحاب في السبب على المسبب بنحو الورود كما ذهب إليه الأستاذ في الكفاية وحاصله أن قوله (لا تنقض اليقين بالشك) دال على العمل باليقين السابق أعم مما كان يقينا بالواقع أو الظاهر فمع جريان الأصل في السبب يحصل له العلم بالطهارة الظاهرية في المسبب فيكون نقضا لليقين بنجاسة المسبب وليس بالشك بل باليقين بالطهارة الظاهرية وذلك اليقين بالطهارة لم يحصل من جريان الأصل في المسبب بل من جهة جريانه في السبب ولا يمكن العكس بأن يجري في المسبب ويخصص به الأصل في السبب ضرورة لزوم أحد المحذورين أعني تخصيص من غير مخصص أو التخصيص بوجه دائر وكلاهما محال.

ولكن لا يخفى أما على نحو الحكومة (١) فلا يخلو عن المنع إذ

__________________

(١) ربما يقال إن الحكومة أي حكومة الأصل الجاري في السبب حاكم على الأصل الجاري في المسبب إنما يتم فيما إذا كان الأصلان من سنخ واحد أو كان الأصل الجاري في السبب من الأصول المحرزة والأصل الجاري في المسبب من الأصول غير المحرزة.

وأما إذا كان الأصل الجاري في السبب من الأصول غير المحرزة والأصل في المسبب من المحرزة فانه يشكل حديث الحكومة حيث أن موضوع أصل المسببي هو الشك في الحكم الواقعي وجريان الأصل لو كان من الأصول غير المحرزة لا يوجب ارتفاع الشك إذ مفاده هو تطبيق العمل على مؤدى الأصل من دون نظر إلى الواقع.

ولكن لا يخفى أن الأصل غير المحرز كأصالة الطهارة مثلا

٤٠٤

المراد من الدليل الذي يكون ناقضا لليقين السابق في طرف المسبب.

إما ان يكون ناقضا لكونه رافعا للشك في المسبب فهو غير معقول الا

__________________

وإن لم يكن له نظر إلى الواقع إلّا أن دليله بنظر العرف ناظر الى الأدلة المثبتة لاحكام الطهارة الواقعية وأن تلك الأحكام تترتب على المشكوك فيه في مرحلة الظاهر بمعنى أن الماء المشكوك في طهارته يجوز غسل الثوب المتنجس وأنه يحكم بطهارته بعد غسله فيكون هذا الدليل بمدلوله اللفظي ناظرا الى إلغاء الاستصحاب ونحوه من الأصول الجارية في المسبب فظهر مما ذكرنا عدم الفرق في حكومة أصل السببي على الأصل المسببي بين أن يكون الأصلان متحدي الجنس كما في المقام من أن كلا من الأصلين هو الاستصحاب ودليل كليهما قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك) أو يكونا مختلفي الجنس كأن يكون أحدهما أصلا تنزيلا والآخر غير تنزيلي أيضا يكون الأصل الجاري في السبب حاكما على الأصل الجاري في المسبب كما لو غسل الثوب النجس بماء مشكوك الطهارة الذي ليس له حالة سابقة من الطهارة أو النجاسة وأصالة الطهارة في الماء الذي هو أصل غير تنزيلي حاكم على استصحاب نجاسة الثوب الذي هو أصل تنزيلي لما عرفت منا سابقا بان مفاد أحد الدليلين لو كان رافعا أو موسعا الموضوع الآخر في مقام التعبد والتشريع فهو يدخل تحت الحكومة من غير فرق بين كون الدليلين لفظيين أو غير لفظيين أو مختلفين.

وبالجملة دائما يكون الاصل السببي الذى تكون السببية فيه شرعية حاكما على الأصل المسببي ورافعا لموضوعه عند التعارض ولكن الأستاذ المحقق النائيني (قده) اشترط في حكومة السببي على الأصل المسببي بأمرين.

٤٠٥

من القول بالتعميم وارادة الأعم من الواقعي والظاهري وهو خلاف مختارة مع أنه موجب للورود لا الحكومة وان كان ناقض حكما في

__________________

أحدهما أن تكون السببية شرعية لا عقلية.

وثانيتهما أن يكون الأصل في جانب السبب رافعا لموضوع المسبب وإلا فلا حكومة كما ينبغي ومثل لذلك أي لعدم كونه رافعا الشك في مأكول اللحم والشك في جواز الصلاة فيه حيث أن الشك الثانى مسبب شرعا عن الشك الأول وأصالة الحل في الشك الأول لا يرفع الشك الثاني الذي هو موضوع عدم جواز الصلاة لما هو معلوم أن جواز الصلاة موضوعه العناوين المحللة كالغنم ونحوه مما هو مأكول اللحم.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ المحقق (قده) محل نظر فان الشك في جواز الصلاة إن كان مسببا من الشك في الحلية فلا بد ان يرتفع بأصالة الحل وإن كان الشك في جواز الصلاة مسبب عن الشك في أنه من العناوين المحللة فليس مسببا عن الحلية حتى يلزم منه رفع الموضوع في جانب المسبب.

وبالجملة أنه من الواضح أن الشك في الأصل المسببي لما كان معلولا للشك السببي شرعا ومن آثاره ومع ذلك لا يرتفع بارتفاعه وذلك ينافي كونه معلولا إذ مقتضى ذلك ارتفاعه.

نعم يبقى في المقام إشكالان ، الأول أن حكومة استصحاب السبى على المسببي إنما يتصور فيما إذا كان لكل منهما دليل مستقل لكي يكون أحد الدليلين حاكما على الآخر مع أنه في المقام دليل واحد متكفل للاستصحابين وهو قوله لا تنقض اليقين بالشك فعليه كيف يمكن أن يكون بالنسبة إلى الأصل السببي حاكما وبالنسبة إلى الأصل المسببى محكوما وهذا أمر غير معقول لحكومة الشىء على نفسه.

٤٠٦

ظرف بقاء الشك في المسبب فلا يخلو إما أن يكون دليل الاستصحاب ناظرا إلى جعل المشكوك منزلة المتيقن من غير نظر إلى تنزيل الشك

__________________

ولكن لا يخفى أن العموم المستفاد من لا تنقض اليقين بالشك انحلالي باعتبار انطباقه على قضايا متعددة فحينئذ باعتبار انطباقه على الأصل السببي يكون حاكما وبانطباقه على الأصل المسبب يكون محكوما الثاني أن دليل لا تنقض اليقين بالشك بالنسبة إلى الأصلين السبي والمسبي شموله لهما على حد سواء فعليه لا وجه لتقديم الاستصحاب السببي على المسببي لكي لا يبقى موضوع للمسببي بل يمكن أن يقال بارتفاع موضوع الاستصحاب في الشك السببي لو أجرى الاستصحاب أولا في الشك المسببي بناء على حجية الأصل المثبت.

ولكن لا يخفى أنا لا نقول بحجية اثبات الاصول فتقديم الاستصحاب في جانب المسبب لا يرفع الاستصحاب في جانب السبب بخلاف العكس اذ الاصل الجاري في السبب واقع لموضوع الاصل الجاري في المسبب بمدلوله المطابقي فلا دخل له بالاصل المثبت وقد اعتذر المحقق الاستاذ النائيني (قده) ممن ذلك بأن حكومة الأصل السبي على المسببي ولو قلنا بحجية الاصل المثبت حيث أنه يتم لو قلنا بتحقق موضوع الاصل المسببي عند جريان الأصل السببي ولكن عند جريانه لا يبقى موضوع للاصل المسببي فلا يثبت لوازمه العقلية لعدم تحقق موضوعه وذلك مثل أصالة الظهور بالنسبة إلى القرينة فان تقديم القرينة على أصالة الظهور لا يبقي موضوعا للظهور

ولكن لا يخفى أنه فرق بين المقام وتقديم القرينة على أصالة الظهور فان تقديم القرينة يوجب عدم انعقاد الظهور ومعدمة له وفي المقام بناء على القول بالأصل المثبت بتحقق الحكومة من الطرفين وكيف كان أن تقديم استصحاب السببي على المسببي بناء على عدم حجية الأصل

٤٠٧

منزلة العلم فيكون في ظرف المسبب باقيا بحاله غير مرتفع لا وجدانا ولا حكما فلا يكون الأصل فى السبب حاكما أيضا سواء كان الأصل بلسان جعل المماثل أو بلسان وجوب التعبد.

وأما لا يكون ناظرا إلى جعل الشك منزلة اليقين بمعنى وجوب التعبد باليقين ووجوب ترتيب آثار اليقين السابق في حال الشك ومن آثاره وجوب التعبد بطهارة الثوب المغسول به وليس اليقين بطهارته من آثاره الشرعية المترتبة على اليقين بطهارة الماء حتى يثبت بوجوب

__________________

المثبت مما لا اشكال فيه ويكون المقام من قبيل القرينة المنفصلة فان تقديم القرينة المنفصلة على ذي القرينة ليس رافعا للظهور حيث أنه بانفصال القرينة يوجب انعقاد الظهور وتقديمها من باب تقديم أقوى الظهورين في تشخيص المراد ، هذا وقد يتوهم جريان أصالة الحل في الحيوان الذي شك في حليته من الأصول الحاكمة على أصالة عدم جواز الصلاة في الثوب المتخذ من صوفه لأن الشك في جواز الصلاة فيه مسبب عن الشك في حلية الحيوان فاذا حكم بحليته بمقتضى أصالة الحل لا تفيد إلا الحلية للحيوان وهي لا تصحح جواز الصلاة في الثوب المتخذ من صوف ذلك الحيوان إذ المصحح هي الحلية الطبيعية بأن يكون الحيوان حلالا بطبعه مع قطع النظر عن حليته من جهة الاضطرار ونحوه ومن المعلوم أن أصالة الحل لا تفيد الحلية الطبيعية وإنما تفيد الحلية الظاهرية الفعلية.

نعم لو شك في طرو الجلل أو وطأ الانسان لحيوان حلال وقلنا أن جلل الحيوان ووطأه مما يوجب عدم جواز الصلاة في الثوب المتخذ منه لجريان أصالة عدم الجلل أو الوطء فجريانه يرتفع الشك في جواز الصلاة في الثوب المتخذ منه كما لا يخفى فلا تغفل.

٤٠٨

التعبد اليقين بطهارة الماء فلا يحصل في طرف المسبب يقين ولا تنزيل حكمي.

وأما على تقرير الحكومة كما هو ما ذهب إليه الأستاذ المحقق الخراساني (قده) بتقريب أن الاستصحاب الجاري في السبب في المثال هو الحكم بطهارته وذلك يوجب اليقين بطهارة الثوب المغسول به لكونه من آثاره فيوجب خروج المسبب حقيقة من أفراد عموم حرمة نقض اليقين بالشك حيث أنه رفع اليد عن بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك بخلاف الاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب فانه يوجب التخصيص لدليل الاستصحاب إلا أنك قد عرفت انصراف اليقين إلى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك وهو اليقين بحكم الشيء بعنوانه الأولى فلا مجال لدعوى الورود لما عرفت من أن مفاد الاستصحاب يكون عبارة عن حرمة بعض المتيقن بلحاظ أثره مع أنه لم يتحقق من قبل الاستصحاب طهارة الماء واقعا وإنما الذي تحقق من قبله العلم بطهارة الثوب المغسول به بعنوان نقض اليقين بالشك بلحاظ عدم الحكم بطهارة نقض يقين بطهارة الماء بالشك به فعليه لم يكن اليقين بطهارة الثوب لهذا العنوان مشمولا لليقين الناقض لاخبار الباب.

وبالجملة تقديمه على تقرير الورود إنما يتم بناء على أن المراد من اليقين هو الاعم من الواقعي والظاهري وقد عرفت عدم صحة هذا المبنى بدعوى الصرافة إلى الحكم الواقعي وعليه لا حكومة ولا ورود إلا على ما هو التحقيق فى تقريب الحكومة أن قوام الحكومة انما يكون بأحد الاصلين أو الدليلين انما يكون بمدلوله ناظرا إلى مفاد الآخر ومدلوله وذلك يتحقق برجوع مفاده إلى التصرف في عقد وضع الآخر بتوسعته

٤٠٩

أو بتضيقه كذلك يحصل بالتصرف في عقد حمل الأخر كأدلة نفي الضرر والخرج بالنسبة إلى الأحكام الأولية حيث أن حكومتها على أدلة الأحكام الأولية إنما هو بالتصرف في عقد حملها ببيان ما هو المراد منه ومن هذا القبيل حكومة الأصل السببي على المسببي حيث أن الأصل السببي متكفل لاثبات الطهارة للماء المشكوك طهارته وناظر إلى إثبات آثار طهارته وبذلك يكون ناظرا إلى مؤدى الأصل المسببي من نفي ترتيب آثار طهارة الماء وبهذا يكفي في حكومة الأصل السببي على المسببي بلا احتياج في في وجه تقديمه لكونه ناظرا إلى نفي الشك عن المسبب في استصحاب المسببي ودعوى أن النظر متحقق في كل من الاستصحابين في غير محله فان نظر كل يختلف عن الآخر فان نظر الأصل السببي الى نفي الاصل المسببى من جهة نظره إليه ومن طرف الاصل المسببي ناظر إلى أثره من باب التخصيص لا من باب الحكومة ومن الواضح أن الدوران بين الحكومة والتخصيص تكون الحكومة مقدمة على التخصيص كما لا يخفى.

هذا كله فيما إذا كان الشك في أحد الاستصحابين مسببا عن الآخر.

وأما الكلام فيما لم يكن كذلك بل كان كل من الاستصحابين مسببا عن أمر ثالث وهو العلم الاجمالي فتارة يكون مستلزما للمخالفة العملية للتكليف المعلوم وأخرى لا يكون مستلزما لها بل يكون موجبا للمخالفة الالزامية. أما الاول كما لو علم بنجاسة أحد الطاهرين فانه على ما هو المختار من علية العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية عدم جريان الأصل في أحد أطراف العلم الاجمالي ولو مع خلوة عن وجود المعارض وقد عرفت مما سبق أن منشأه تنجيز الحكم الواقعي الموجب لفراغ الذمة فان شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ولازم ذلك إباء العقل عن مجيء

٤١٠

الترخيص في أحد الاطراف فانه يوجب الترخيص في محتمل المعصية حيث انه بعد تنجز هذا الاحتمال ويكون كالترخيص في مقطوع المعصية ولذا نقول لا يجري الاصل في أطراف العلم الاجمالي مع عدم المعارضة كما لو علم بنجاسة أحد الإناءين مع كون الحالة السابقة هو النجاسة في أحدهما والطهارة في الآخر فانه يقع التعارض بين استصحاب النجاسة مع قاعدة الطهارة فيتساقطان وتبقى قاعدة الطهارة في طرف الاصل الجاري فيها استصحاب النجاسة بلا معارض وذلك لما عرفت من علية العلم الاجمالي ومعه لا يجري الاصل ولو مع عدم المعارض.

وأما لو قلنا بكون العلم الاجمالي مقتضي بالنسبة إلى الموافقة القطعية فلا إشكال من عدم جواز كلا الاصلين المشتملين على الترخيص لما يلزم من الوقوع في محذور المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال إلّا أنه وقع الكلام في جواز جريان أحد الأصلين ليثبت التخيير أم لا يجوز.

قال (١) الشيخ الانصاري (قده) وتبعه بعض الاعاظم (قده) بدعوى

__________________

(١) والظاهر من كلام الشيخ الانصاري (قده) والاستاذ المحقق النائيني (قده) هو التفكيك بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ففي الاول عليه العلم الاجمالي وليس قابلا للترخيص وفي الثاني أن العلم الاجمالي مقتضى قابلا للترخيص في بعض الاطراف ولكن الحق أن العلم الاجمالي علة بحرمة المخالفة القطعية كما أنه علة لوجوب الموافقة القطعية إلا أن عليته لوجوب الموافقة مثل حرمة المخالفة في عدم جريان الأصول النافية في بعض أطرافه مع جعل البدل له في مقام الامتثال إذ من الممكن أن يجعل الشارع بدلا عن الاجتناب كما هو المعلوم بالاجمال

٤١١

عدم جوازه والقول بتساقط الأصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي ولا دليل على جريان أحد الأصلين ليثبت بجريانه التخيير.

__________________

بل هو واقع مثل ذلك كقاعدتى الفراغ والتجاوز فظهر ومما ذكرنا كونه علة تامة لوجوب الموافقة هو عدم جريان الأصل النافي في بعض أطرافه ولو مع عدم المعارض فيما لم يجعل بعض الأطراف بدلا عن التكليف المعلوم لعدم جريان الأصول النافية في أطرافه ليس للتساقط للمعارضة بل بواسطة تنجز المعلوم بالاجمالي وأن الترخيص في بعض الأطراف ترخيص في محتمل المعصية وذلك مناط عليته ولذلك لا تجري أصالة الطهارة فيما لو علم بنجاسة أحد الإناءين الذي كان أحدهما متيقن الطهارة قبل العلم بنجاسة أحدهما مع الشك في طهارة الآخر ففى المتيقن يجري فيه استصحاب الطهارة فتقع المعارضة بين استصحاب الطهارة مع أصالة الطهارة في الطرف الآخر فتتساقط الأصلان فينتهي الأمر إلى أصالة الطهارة المحكوم باستصحابها فيما تيقن طهارته قبل العلم بنجاسة أحدهما ومع ذلك لا يجري الأصل ولو بلا معارض لما عرفت من أنه لا يجري في أطراف العلم الاجمالي إلا بجعل البدل.

وقد أجاب المحقق النائيني (قده) عن ذلك أن المعارضة وقعت بين الأصلين مع الأصل الجاري في الطرف حيث أن مفاد الاصلين ولو كان أحدهما الحاكم والآخر هو المحكوم مفاد واحد إذ لا يعقل أن يكون مفاد الاصلين حكمان ظاهريان أحدهما مفاد الحاكم والآخر مفاد المحكوم ففى المثال ليس في طرف مستصحب الطهارة طهارتان ظاهرتان أحدهما مفاد الاستصحاب والاخرى مفاد قاعدة الطهارة لما هو معلوم أنه لا يعقل اجتماع طهارتين في موضوع واحد.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره مخالف لما هو مقرر من القواعد في

٤١٢

ولكن لا يخفى من القول به على مسلك الاقتضاء إذ لا مانع من جريان أحد الأصلين لا من جهة بقاء أحدهما المخير مندرج تحت عموم دليل الترخيص لكي يدفع بأن أحدهما المخير ليس من أفراد العام بل من جهة تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف اذ منجز به العلم الاجمالي مانعا من اطلاق الترخيص ولكن الاطلاق مع التقيد يرتفع المحذور المذكور من غير فرق بين الاصول التنزيلية وغيرها وبهذا التقيد ترتفع المعارضة بينهما لبقاء كل من الطرفين تحت عموم دليل الترخيص إلّا أنه يقيد اطلاق كل منهما بعدم ارتكاب الآخر من غير احتياج الى ارتكاب التخصيص باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الترخيص ولو بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح (+) هذا على القول باقتضاء العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية وعليته بالنسبة الى المخالفة القطعية.

__________________

محله فاتضح مما ذكرنا أن أصل النافي لا يجري في أطراف العلم الاجمالي إلا بجعل الاجتناب عن أحد الاطراف بدلا عن الاجتناب كما هو المعلوم بالاجمال ولا يتوهم بأن جريان الاصل النافي في طرف إذا كان بلا معارض يستلزم جعل البدل كما يظهر من المحقق النائيني (قده) إذ ذلك ممنوع إذ جريانه إنما يتحقق بعد تحقق جعل البدل في الرتبة السابقة على جريانه لا أن يكون الجريان سببا لحصوله اللهم إلا أن يقال بجريانه يستكشف جعله في المرتبة السابقة كما يفرض قيام الامارة على الترخيص في طرف بدلية الطرف الآخر لما هو معلوم أن مثبت الامارة حجة وإلا نفس جريان الاستصحاب لا معنى لجعل الطرف بدلا الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى.

٤١٣

وأما لو قلنا بالاقتضاء في المخالفة القطعية أيضا فالقول بالتخيير (١) إذ لا مانع من أن مرجع الاقتضاء حينئذ إلى تعليق حكم العقل في عدم

__________________

(١) وأورد المحقق النائيني (قده) على التخيير ، بأن التخيير أما أن يكون من ناحية الدليل فيكون تخييرا ظاهريا.

وأما من ناحية المدلول فيكون تخييرا واقعيا الأول كما إذا ورد مطلق شمولي وعلمنا بخروج فردين كزيد وعمر إلا أنا شككنا في خروجهما عن تحت العام هل كان مطلقا بمعنى خروج كل واحد منهما عن تحت عموم أكرم العلماء مثلا سواء كان الأخير داخلا أو كان خارجا لكي يكون التخصيص افراديا أو يكون خروج كل واحد مقيدا بدخول الآخر تحت العام لا مطلقا ففي مثل ذلك لازم أن نقول بكون التقيد أحواليا إذ التخصيص الافرادى يستلزم خروج كل واحد منهما من الحالتين بخلاف الأحوالي فانه تخصيص في حالة واحد أي خروج كل واحد منهما في حال دخول الآخر فقط فيكون ذلك من قبيل دوران الأمر بين تخصيص واحد وبين تخصيصين ولا شك في أن تخصيص الزائد المشكوك يدفع بأصالة العموم فينتج التخيير أي خروج كل واحد منهما في حال دخول الآخر فيكون أحدهما غير المعين داخلا تحت العموم والآخر يكون خارجا فيجب إكرام أحدهما دائما وهو معنى التخيير.

وأما الثاني أي التخيير في ناحية المدلول كما في التخيير بين المتزاحمين فان ملاك لزوم الاتيان في كل واحد منهما موجود والطلب في كل منهما في حد نفسه مطلق بمقتضى إطلاق الملاك وحيث لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال لعدم تحقق القدرة التي هي شرط التكليف فقهرا لا يبقى التكليف على إطلاقه بل يقيد بعدم إتيان الآخر فينتج التخيير.

٤١٤

جواز ارتكاب المشتبهين على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف وجريان الأصول المرخصة يرتفع حكم العقل إلا أن ذلك خلاف التحقيق فان العلم الاجمالي علة للتنجيز مطلقا حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية ولازم ذلك عدم جريان الأصل في بعض أطرافه ولو مع عدم المعارضة

__________________

وأما في المقام لا يكون وجها للتخيير لا من ناحية الدليل ولا من ناحية المدلول.

أما الأول فلان دليل الاصل لا يدل إلا على جريانه في كل واحد منهما بعينه ولا يدل على أحدهما لا بعينه حتى يكون مفاده التخيير.

وأما الثاني فالمجعول في باب الاصول ليس إلا الجري العملي من غير فرق بين الاصول التنزيلية أو غيرها فليس المدلول فيها معين مجعول يقتضي التخيير كما كان المدلول والمجعول في باب المتزاحمين معين يقتضي التخيير.

وبالجملة أن موارد العلم الاجمالي بالتكليف لا وجه لاجراء الاصول في بعض الاطراف لكى تثبت التخيير.

ولكن لا يخفى أن دليل الاصل مطلق في حد نفسه بالنسبة إلى جريان الاصل من الطرف الآخر وفي أي مورد إلا أن في أطراف العلم الاجمالي جريانه اذا كان موجبا للمخالفة القطعية والترخيص في المعصية في ظرف جريان الاصل النافي في الظرف الآخر فلا بد من تقييد اطلاق بهذا المقدار.

وأما الزائد على ذلك كاجرائه في ظرف عدم اجراء الآخر في الطرف الآخر حيث لا مانع من جريانه فلا وجه بخروجه عن تحت الاطلاق.

فلو كان المانع من جريان الاصل النافي في أطراف العلم الاجمالي هي المعارضة مع الاصل الآخر في الطرف الآخر فيرتفع بهذا التقييد

٤١٥

هذا كله إذا كان الأصلان نافيين.

وأما إذا كانا مثبتين كما لو علم بطهارة أحد الثوبين النجسين فالظاهر أنه لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في الثوبين لعدم لزومه من جريانهما مخالفة عملية.

نعم يلزم من جريانهما مخالفة التزامية إلا أنها غير مانعة إلا بدعوى أن جريانهما مناف للتعبد ببقاء الواقع فى كل منهما بمقتضى الاستصحاب مع العلم الاجمالي بمخالفة أحدهما للواقع من غير فرق بين أن يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية أو التزامية ممنوعة بعدم المنافاة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بعنوانه التفصيلي وبين الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة بأحدهما لتغاير متعلق اليقين والشك فان متعلقهما بالعنوان التفصيلي ومتعلقي الاحراز الوجداني هو أحدهما

فعليه لا مانع من شمول دليل الاستصحاب لكل من الطرفين (١)

__________________

وينتج التخيير.

نعم بناء على ما هو المختار من عدم جريان الأصل النافي ولو كان بلا معارض ما لم يجعل له بدل فلا مجال للتخيير فافهم وتأمل.

(١) ذكر الشيخ الانصاري (قده) مانعا من الشمول كما ذكر الأستاذ المحقق النائيني مانعا آخر للشمول :

أما ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) هو قصور أدلة الاستصحاب لشمول أطراف العلم الاجمالي في مقام الاثبات بيان ذلك أن اليقين في قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين آخر في ذيل صحيحة زرارة الأولى فانه باطلاقه يشمل العلم الاجمالي فيقع التنافي بين صدر الصحيحة وذيلها إذ المكلف بما أنه شاك في ارتفاع نجاسة كل من الطرفين فمقتضى الصدر يشمل كل من الطرفين فيحرم رفع اليد عن نجاسة كل من الطرفين بخصوصه ومقتضى

٤١٦

وحاصل الكلام أن التعارض فى باب العلم الاجمالي لا يتحقق إذ الأصلين إما أن يكونا نافيين للتكليف كما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين

__________________

الذيل لما كان يعلم بنجاسة أحد الطرفين وهو وجوب رفع اليد عن أحدهما فان أخذنا الذيل تركنا الصدر.

ولكن لا يخفى أولا أن دليل الاستصحاب ليس منحصرا بهذه الرواية فانه يستفاد الاطلاق من بقية الروايات ونحكم بحرمة مطلق نقض اليقين بالشك حتى في أطراف العلم الاجمالي.

وثانيا أن المستفاد من الصحيحة هو اختصاص جواز نقض اليقين بخصوص اليقين التفصيلي اذ الظاهر من قوله (ع) (ولا تنقض اليقين أبدا بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر) هو أنه يعتبر في جواز نقض اليقين باليقين أن يكون متعلق اليقين الثاني عين متعلق الأول غاية الأمر يكون متعلق أحدهما غير متعلق الآخر وفي متعلق العلم الاجمالي ليس عين متعلق اليقين الأول وبعبارة أخرى لا تناقض بين الصدر والذيل اذ المراد من قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين مثله هو اليقين التفصيلي لا الاجمالي وذلك من جهة أنه لا بد في الاستصحاب من وحدة متعلق الشك واليقين وإلّا فلا يصدق النقض ومن الواضح أن متعلق الشك هو خصوص الفرد فلازمه أن يكون متعلق اليقين خصوص الفرد وحينئذ يصير اليقين تفصيلا

وأما ما ذكره الاستاذ المحقق النائيني (قده) من قصور الدلالة الأدلة في مقام الاثبات بيان ذلك أن المجعول في الأصول المحرزة التي منها الاستصحاب هو التعبد ببقاء الواقع في كل من الطرفين وذلك ينافى العلم الوجداني بارتفاع أحد الطرفين ومجرد عدم لزوم المخالفة العملية لا يصحح التعبد بما ينافي العلم الاجمالي هذا في الاصول المحرزة ولا يجري ذلك في غيرها إذ ليس مفاده إلا تطبيق العمل على مؤدى

٤١٧

وكانت الحالة السابقة طهارتيهما أو يكون كلاهما مثبتين للتكليف ولكن يكون جريانهما معا موجبا لمخالفة المعلوم بالاجمال كما إذا علم بحرمة

__________________

الأصل وحينئذ لا منافاة بين التعبد ببقاء كل من الطرفين وبين العلم بطهارة أحدهما واقعا.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قده) يتم لو كان مفاد الاستصحاب نجاسة مجموع الإناءين للزوم التنافي بين مفاد أصل الاستصحاب وبين العلم الاجمالي بطهارة أحدهما.

وأما لو كان مفاده هو نجاسة كل واحد من الأطراف بخصوصه فلا منافاة في ذلك لعدم المنافاة بين التعبد فى خصوص الطرف الذي يجري فيه الاستصحاب وبين العلم الاجمالي بطهارة أحد الإناءين على أن ما ذكره من المنافاة كما يجري في الاصول المحرزة يجري في غيرها إذ التعبد بطهارة مجموع الإناءين من حيث المجموع بمقتضى أصالة الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما مناف للعلم الوجداني المذكور حتى مع غض النظر عن المخالفة العملية.

وبالجملة لا مانع من جريانه في أطراف العلم الاجمالي مع عدم لزوم العمل بها موجب للمخالفة العلمية للتكليف المنجز وما ذكر من المانع ثبوتا أو إثباتا لا يمكن الالتزام به وكيف يمكن الالتزام بذلك مع أن المشهور التزموا في موارد العلم الاجمالي بجريان الأصلين مع العلم بمخالفة الواقع كما إذا توضأ شخص بمائع مردد بين البول والماء فقد حكموا بجريان استصحاب طهارة البدن واستصحاب بقاء الحدث مع أنه مناف للعلم الوجداني بمخالفة أحد التعبدين للواقع وبهذا صح التفكيك بين آثار المتلازمين إلا إذا قام دليل خارجى على عدم جواز التفكيك كما فى الماء المتمم كرّا لعدم صحة جريان استصحاب نجاسة

٤١٨

أحد الإناءين المعلوم وجوب ارتكابهما سابقا أو يكون أحدهما مثبتا والآخر نافيا كما إذا علم إجمالا بحرمة أحد الإناءين المعلوم حرمة

__________________

بالفتح وطهارة المتمم بالكسر وذلك لتنافيهما مع العلم الاجمالي بل لقيام الاجماع على عدم جواز التفكيك بين أجزاء الماء الواحد ومع عدم الدليل لا مانع من جواز التفكيك في الاصول فيما لم تكن هناك مخالفة عملية وقطعية كما هو كذلك بالنسبة إلى المتلازمين من غير فرق بين الأصول التنزيلية كالاستصحاب مثلا أو غيرها كقاعدة الطهارة مثلا وسر ذلك هو عدم القول بالأصل المثبت إذ عليه جريانها لا تثبت اللوازم العقلية بخلاف الامارات مثل البينة كما لو ثبتت البينة على نجاسة الاناء الشرقي وبينة أخرى قامت على الاناء الغربي مع العلم بطهارة أحد الإناءين وحيث أن البينة ونحوها تدل على ثبوت اللوازم الفعلية فيكون مدلولها المطابقي بأحدهما ينافي المدلول الالزامي في الآخر ولذا يقع بينهما التعارض فتعامل بينهما معاملة المتعارضين وهذا بخلاف الاصلين فان الاصل الجاري فى طرف لا نظر له إلى الاصل الجاري في الطرف الآخر أصلا لعدم التنافي بين مفادي نفس الاصلين فتحصل مما ذكرنا من تعارض الاستصحابين أن الشك في أحدهما تارة يكون الشك في احدهما مسببا عن الآخر واخرى لا يكون كذلك بل كلاهما مسببين عن أمر ثالث وهو العلم الاجمالي فعلى الاول يتقدم الاصل السببي على على الاصل المسببي بمناط الحكومة وعلى الثاني فان لزم من العلم بهما مخالفة عملية فتسقط كل واحد منهما بالمعارضة لو لم نقل بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة ومع القول بالعلية لا يجري الاصل في أطرافه ولو بلا معارض وان لم يلزم مخالفة عملية جرى كل من الاصلين بلا تعارض بينهما.

٤١٩

أحدهما سابقا فعلى الأول فاما أن نقول كون العلم الاجمالي مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية ولا يكون علة تامة لها بنحو يصح معه الترخيص المخالفة الاحتمالية إلّا أن جريان الأصلين غير ممكن للزوم المخالفة القطعية المفروض حرمتها تنجيزيا لكون العلم الاجمالي علة تامة بحرمة المخالفة القطعية.

وأما جريان أحد الأصلين دون الآخر فهو مما لا محذور فيه لا بنحو التخصيص لكي يقال بتخصيصه من غير مخصص بل بنحو يكون بنتيجة التقيد بأن يقيد اطلاق دليلي الأصلين بالآخر بيان ذلك أن اطلاق

__________________

هذا كله إذا التعارض لأجل العلم الاجمالي.

وأما إذا كان سبب التعارض التزاحم بأن كان التنافي راجعا إلى مقام الفعلية والامتثال دون مقام الجعل والانشاء كما في استصحابي الوقت وبقاء النجاسة فى المسجد فان التنافي بين الاستصحابين إنما هو في مقام الفعلية فان المكلف من جهة ضيق الوقت لا يقدر إلا على امتثال أحد التكليفين لا فى مقام الجعل إذ طلب كل من الازالة والصلاة أمر ممكن في نفسه بنحو لو فرض محالا قدرة المكلف عليهما لصار وجوب كل منهما فعليا ففي هذا الفرض لا بد من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم من تقديم الأهم منهما بحسب الملاك والمحبوبية إن كان أحدهما ألهم من الآخر ومع عدم أهمية أحدهما يؤخذ بالتخير والابصار الى سقوط الاستصحابين اذ المانع من فعلية التعبد هو حكم العقل بقبح التكلف بغير المقدور ومن المعلوم أن حكم العقل بالقبح برفع فعلية التعبد بأحدها ولا يوجب السقوط في الآخر.

هذا آخر ما أردنا من التعليق على الجزء الخامس لبحث الاستصحاب من كتابنا منهاج الأصول والحمد لله رب العالمين.

٤٢٠