منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

المتولي من جهة الشك في وجود المصحح له حيث أن بيع الوقف لو خلي وطبعه مبني على الفساد ومنها بيع الصرف للشك في صحته للشك في تحقق القبض في المجلس مع العلم بتحقق الايجاب والقبول ومنها الشك في صحة البيع من جهة الشك في اجازة المالك في البيع الفضولي ومنها الشك في صحة بيع الرهن فيشك أذن المرتهن ونشأ الاشكال هو أن المتيقن من مجرى أصالة الصحة في عناوين المسببات هو صور تردد حين وجود العقد بين

__________________

الفرض كيف تجري أصالة الصحة في نفس وجوده مع العلم بعدم تحقق خلل من فقد شرطه أو وجود مانعة ويكون جريانه من قبل تحصيل الحاصل على أنه لا تحرز الجزء الآخر كالقبض في المجلس وهكذا في بقية الفروع فان لو شك فى صدور الاجازة من الفضول والشك في صحة بيع الراهن مع الشك في اذن المرتهن فان جريان اصالة الصحة لا نحرز هذا المشكوك على أنه جريان أصالة الصحة فى هذه الفروع الثلاثة لا تثبت الا الصحة التأهلية بمعنى لو تعقب القبض في المجلس في بيع الصرف والاجازة في بيع الفضولي وبيع الراهن ومن الواضح أن هذه الصحة التأهلية موجودة وإنما الشك في وجود أمر آخر تكون الصحة فعلية وبجريانها لا تحرز ذلك.

وأما الفرع الأخير فيمكن أن يقال أن اصالة عدم تحقق الرجوع الى زمان تحقق البيع يجري بموجب تحقق موضوع الأثر شرعا الذي هو صدور البيع عن مالك الراهن واذن المرتهن فالبيع صدر وجدانا وعدم الرجوع الذي معناه بقاء الاذن بالاستصحاب لعدم الفرق بين بقاء الاذن أو استصحاب عدم الرجوع وبذلك يتحقق كل جزء في الموضوع ودعوى أن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وقوع البيع الى زمان الرجوع ممنوعة لعدم جريانه لكونه من الأصول المثبتة فلا تغفل.

٣٨١

الصحة الفعلية والبطلان لا الصحة التأهلية كما لو شك في صحة البيع وفساده من جهة بلوغ العاقد أو مالية المعوض أو العوض أو من جهة ربوبية المعاملة أو غرريتها فان جميع هذه الصور مجرى لأصالة الصحة لدوران الشك من حين صدور العقد بين الصحة الفعلية والبطلان بخلاف تلك الفروع المذكورة فان الشك ليس دائر في ما ذكر وانما هو دائر بين الصحة الفعلية والتأهيلية بيان ذلك أنه على المشهور من أن القبض في الهبة والصرف والسلم وإجازة المالك بالنسبة الى البيع الفضولي ناقلا أو كاشفا لا يحتمل فيه الصحة والفساد من حين وجود العقد ليست إلّا عبارة عن تمامية العقد بما هو عقد من حيث اقتضائه للتأثير وهذا المعنى مما يقطع به ولو مع اليقين لعدم القبض في المجلس في بيع الصرف وعدم الاجازة من المرتهن لبيع الرهن والاجازة من المالك في بيع الفضولي إذ أن جريان اصالة الصحة في هذه الموارد من قبل تحصيل الحاصل ثم أنه لو علم بصدور البيع عن المالك الراهن وقد علم برجوع المرتهن عن اذنه ولكن شك فى التقدم منها فيشكل جريان اصالة الصحة لزوم جريانها إثبات اصالة الصحة التأهلية ومن الواضح أنها متحققة قطعا فلا حاجة لجريانها كما لا يخفى.

الأمر السابع في نسبة الاستصحاب إلى قاعدة اليد فنقول لا تخلو أما أن نكون اليد من الامارات أو من الأصول من غير اعتبار جهة كشف فيها فعلى الأول لا إشكال في حكومتها عليه بمناط تقدم الامارة على الاستصحاب وعلى الثاني.

أما أن تكون أصلا تعبديا في ظرف الشك وعدم اليقين بالواقع فيكون الاستصحاب حاكما عليها لكونه حينئذ ناظر إلى إبقاء اليقين تعبدا من غير فرق بين كونه ناظرا إلى بقاء اليقين أو إلى المتيقن.

٣٨٢

وأما إن كانت أصلا بمعنى أنها حكم في ظرف الشك بلا ملاحظة إلى عدم اليقين بمعنى عدم أخذه في موضوعها وإن كان لا ينفك الشك عن عدم اليقين فتكون النسبة بينهما هو العموم من وجه فيتعارضان في مادة الاجتماع إلا أنه لا بد من تقديم اليد على الاستصحاب حذرا من لزوم اللغوية لانحصار موردها غاليا بموارد جريان الاستصحاب إذا عرفت ذلك فالمهم تشخيص كونها من الامارات أو من الأصول وذلك يظهر من دليل اعتبارها فنقول من الأدلة الدالة على اعتبارها بناء العقلاء في معاملاتهم على حجيتها والظاهر منهم أن اعتبارها عندهم ليس من باب التعبد وأنها أصل تعبدي بل مبني عملهم عليها لكون الغالب في مواردها كون صاحب اليد سلطة على المال على نحو الاستحقاق على ما تحت يده فان اليد المستقلة غير المالكة قليلة بالنسبة إلى مواردها ومن الأدلة الدالة على اعتبارها السيرة المعمولة عند العقلاء وهي كاشفة عن العمل بالواقع مع عدم الردع ومن الواضح أن هذا العمل فيه جهة كشف عن الواقع وليس ذلك من باب التعبد ومنها رواية حفص بن غياث وفيها ولو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق ودلت على إمضاء الشارع لاعتبارها عند العرف لكونه مبنى عملهم في أمور تعم بنحو لو لا إمضاء عملهم لاختل نظامهم ولا يبقى لهم سوق وقد عرفت أن عملهم عليها من باب الامارة لا من باب التعبد ثم أنه ربما يقال بأنه يستفاد من الرواية تقديم الاستصحاب على اليد حيث أنها في مقام حجية اليد السابقة وجواز الشهادة على طبقها باستصحابها كما يظهر من قوله (ع) اذا رأيت شيئا فى يد رجل أيجوز لي أن أشهد له.

قال نعم فقال الرجل أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أفيحل الشراء منه.

٣٨٣

قال نعم فقال (ع) لعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك (١) ثم تقول بعد ذلك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن

__________________

(١) لا يخفى أن هذه الرواية صريحة في جواز الشهادة مستندا الى اليد بل تدل على جواز الحلف أيضا مستندا اليها بل يظهر منها استنكار على جواز الشهادة مستندا الى اليد وأنه يلزم منه عدم قيام سوق للمسلمين واختلال النظام على أن جواز الشهادة والحلف مستندا الى اليد لقيامها مقام العلم الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية وعليه لا فرق بين اليد وسائر الامارات من هذه الجهة لا لما ذكره بعض السادة (قده) من الوجه من جواز الشهادة مستندة الى اليد حيث أن اليد منشأ انتزاع الملكية فاحساسها اختصاص للملكية بيان ذلك أن الملكية أمر ينتزعها العقلاء من الاستيلاء الخارجي لشخص على مال الشارع أمضى هذه الطريقة.

ومن الواضح أن معلومية الأمر الانتزاعي منشؤه فاذا كان منشأ انتزاعه من الأمور المحسوسة كما في أن الاستيلاء الخارجي الذى سبب الانتزاع للملكية التي هي اضافة خاصة بين المالك والمملوك أمر محسوس فاذا أدرك السبب حسا يجوز أن يشهد بالمسبب كما أنه في سائر الموارد اذا أدرك بالحس آثار العدالة أو الاجتهاد وهما من الحالات والملكات النفسانية يجوز أن يشهد بها بواسطة العلم بهذا الأثر المحسوس.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره يتم لو كان نفس اليد سببا للملكية ولكن ليس كذلك وانما اليد سبب لاثبات الملكية فان قلنا بأنها امارة فيكشف ان اليد دالة على ان ما تحت يدها ملك لديها ثم ان اليد تقدم على الأصول لكونها أمارة وكل امارة يقدم على الأصل بالحكومة حيث أن الامارة ترفع الشك والأصل حكم في ظرف الشك فتقدم اليد على

٣٨٤

تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك ثم قال أبو عبد الله (ع) لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق (١) فمن ذلك يظهر أن فرض الشهادة

__________________

الأصل.

وأما بالنسبة إلى سائر الامارات غير البينة والاقرار فتلحظ دليل اعتبارها عند العقلاء فان كانت مفيدة بعدمها على خلافها فتسقط عن الامارية عند وجود تلك الامارة الأخرى كما لو كان الشياع مثلا على وقفية دار أو دكان أو غيرها وذي اليد يدعي الملكية فان كانت امارية اليد مفيدة بعدم تحقق إمارة أخرى فتسقط امارية اليد.

وأما إذا لم تكن امارية اليد مفيدة بعدم امارة أخرى فيقع بينهما التعارض فيتساقطان لو لم يكن أحدهما أقوى في البين.

وأما بالنسبة إلى الاقرار فان أقر بأن ما تحت يدي ليس لي أو أقر بأنه لزيد مثلا فتسقط يده عن الاعتبار بالنسبة إلى ملكية نفسه.

وأما بالنسبة إلى البينة فلا إشكال فى تقديم البينة على اليد بل حجيته البينة في قبال ذي اليد خصوصا في باب الدعاوي من المسلمات عند جميع المسلمين لقوله (ص) إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان.

(١) يشكل عليها بأن محط نظر السائل في سؤاله الى جواز الشهادة بالملكية لذي اليد بصرف كون شىء تحت يده وذلك غير إثبات الملكية لما تحت اليد لكي تكون حجة.

ولكن لا يخفى ما فيه فان حكمه (ع) بجواز الشهادة مستندا إلى اليد يدل بالالتزام على اثبات الملكية بها أيضا خصوصا بعد ما استند عليه‌السلام على صحة هذا الحكم وجواز الشهادة بجواز الشراء مما في يده على أن احتمال أن يكون جواز الشهادة بملكية ما في يده حكما تعبديا من دون ثبوتها عند الشاهد في غاية البعد كما أن دعوى أن

٣٨٥

على ما في يده بأنه ملكه لكي يكون في يده سابقا مدعيا وهو لا يتحقق إلا بتحقق يد أخرى بالنسبة إلى يده لكي يصير منكرا والسابق مدعيا ويحكم عليه بالبينة لكونه مدعيا واستناد هذه البينة إلى يده بأن المال له إذ من المعلوم أنه لو كان المال باقيا بيده فعلا فلا يصير مدعيا

__________________

ظاهر هذه الرواية جواز الشهادة مستندا إلى اليد من دون حصول العلم للشاهد مع أن المسلم حصول العلم للشاهد بنحو يكون مأخوذا في موضوع جواز أو وجوب أداء الشهادة فكيف للشاهد في المقام يستند إلى الاصول والامارات فعليه ظاهر الرواية عدم العمل فتسقط عن الاعتبار ممنوعة بأن اليد لما كانت من الامارات كما يظهر من أدلتها ومن المعلوم قيام الامارات والأصول التنزيلية مقام القطع المأخوذ في أداء الشهادة جوازا أو وجوبا إنما هو قد أخذ القطع على نحو الطريقة لا على نحو الصفتية إذا لم يكن مورد أمن الموارد في الشرعيات قد أخذ القطع على الصفتية وكون بعض الموارد قد أخذ الاطمئنان موضوعا أو جزئه غير أخذ القطع في الموضوع على نحو الصفتية على أن جواز الشهادة لو لم نقل باستنادها إلى اليد وترتيب آثار الملكية على ما تحت اليد لاختل النظام وعليه كيف يمكن القول بأن هذه الرواية لم يعمل بها الاصحاب.

وبالجملة الاشكال ساقط من أصله فهذه الرواية دالة على اعتبار اليد وأنها بنحو الامارية على دلالتها على ذلك لأجل بناء العقلاء فان جميع الملل متفقون على ترتب آثار الملكية على ما في أيدي الناس ولا يفتشون عن أن هذا الذي بيده هل له أو لغيره أو مسروق أو مغصوب مع أن الشارع المقدس لم يردع عن هذه السيرة والبناء على إمضائها كما هو مفاد رواية حفص بن غياث (ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق وعليه أن اعتبار اليد في الجملة من المسلمات فلا تفعل.

٣٨٦

فالرواية وإن تضمنت المناط في حجية اليد من كشفها عن الواقع إلا أنها دالة على تقديم الاستصحاب عليها.

ولكن لا يخفى أن التعليل في قوله (ع) (لما قام للمسلمين سوق ليس لبيان حجية الاستصحاب وإنما هو لبيان حجية اليد ويترتب على حجيتها استصحابها لاثبات الملكية الفعلية عند الأشهاد بدليل حجية الاستصحاب وليس هذا من تقديم الاستصحاب على اليد بل المقدم عليها والحاكم عليها هي البينة وإن كانت مستندة إلى اليد كما أن العادة في الحيض تقدم على الصفات وإن كانت حاصلة من نفس الصفات لذلك البينة تقدم على اليد فظهر من ذلك أن الرواية تدل على تقديم البينة على اليد وعليه لا حاجة إلى الاستدلال في تقديمها على اليد بأنها امارة رافعة للشك حكما حيث أن اليد حكم مجعولة في ظرف الشك من باب الغلبة وكون الشىء ملحقا بالأعم الأغلب فتكون الامارة حاكمة عليها ورافعة لموضوعها حكما وإن كان باقيا وجدانا كما استدل به الشيخ الأنصاري (قده) ضرورة عدم تماميته.

أما أولا فلان حجية اليد لما كانت من باب الغلبة فلا يخلو أما أن تكون من جهة أن حصول القطع من الغلبة بأن الفرد المشكوك من الأفراد الغالبة أو من جهة أن يحصل الظن الفعلي منها أو من جهة أنه يحصل منها الظن النوعى لا سبيل إلى الأول والثاني لبداهة استحالة اجتماع القطع أو الظن الفعلي على الخلاف مع الشك الفعلي وكذا لا سبيل إلى الثالث أيضا وذلك وإن لم يحصل ذلك المانع من اجتماع الظن النوعي مع الشك الفعلي لأن المراد من الفعلي النوعي هو عبارة عن أن يكون هناك مقتضى للظن وإن لم يحصل الظن بالفعل ولا مانع من اجتماع مقتضى الظن مع الشك الفعلي بل الظن الفعلي على خلافه

٣٨٧

ولكن عدم الاستحالة في الاجتماع فيما إذا لم يكن الشك بنفسه مقتضيا لثبوت الحكم وملحوظا قيدا بأن يكون ثبوت الشك الفعلي مما له دخل في الحكم على نحو كان في ظرف حفظ الشك وإلا فلا يمكن الاجتماع بين مقتضى الظن مع اقتضائه للشك وبعبارة أخرى لو كان حجية اليد من جهة أنها مقتضية للظن فلا يجتمع مع اعتبار حفظ الشك في مورد فلو كانت لحفظ الشك في مورده دخل في حجيتها فيلزم أن يجتمع فيه مرتبتان للحجية.

أحدها مقتضى الظن والآخر الشك الفعلي واجتماعهما محال عقلي هذا فيما لا تكون اليد مجعولة في ظرف حفظ الشك بل الشك المأخوذ فيها كسائر موارد الامارات ابتدائي لا استمراري فتكون حالها حال سائر الامارات وفي مرتبتها فتصير النسبة حينئذ بينهما عموم من وجه.

وأما ثانيها لو سلم أن اليد قاعدة مقررة في ظرف حفظ الشك فلا وجه لتقديمها على الاستصحاب لكونها مثله وفي مرتبته فحينئذ تكون النسبة بينها وبينه عموم من وجه فظهر مما ذكرنا أن الجمع بين تقديم البينة على اليد لكون اليد قاعده مؤسسة في ظرف حفظ الشك وبين تقديم اليد على الاستصحاب بملاك تتميم الكشف كما هو يختاره (قده) غير مستقيم وقد عرفت أن الوجه في تقديم البينة على اليد هو المستفاد من رواية حفص بن غياث المتقدمة ومن مدرك حجية اليد هو بناء العقلاء فتعد من الامارات.

وعليه لا إشكال في أن اليد من الامارات العرفية العقلائية وتقديمها على الاستصحاب بنحو الحكومة وإنما الكلام في اعتبار اليد في الاملاك هل هو بنحو الاطلاق أو مع العلم بالعنوان من بدء حدوثها لكونها عارية أو أمانة أو مع عدم كونها قابلة للنقل والانتقال كالوقف مثلا أو أن

٣٨٨

اعتبارها بخصوص بما إذا كانت من الأول مجهول العنوان بحيث يحتمل انتقال المال من بدء حدوثها بعنوان الغصب أو إجارة أو أمانة ثم انتقاله إليه بناقل شرعي وهكذا.

وأما لو وضع يده على مال لا يكون قابلا للنقل والانتقال كالوقف ثم يحتمل طرو المسوغ الشرعي.

الظاهر عدم حجية اليد في هذه الصورة للشك في شمول دليل اعتبارها إذ عمدة دليلها السيرة العقلائية وحيث أنها من الأدلة اللبية فيؤخذ بالقدر المتيقن وذلك في غير هذين الموردين.

وأما الأخبار فقد عرفت بأنها وردت في مقام تقرير سيرة العقلاء فلا تكون في مقام التأسيس لكي يؤخذ باطلاقها للمورد فليس المورد مشمولا لدليل اعتبارها حتى يكون جريان استصحاب عنوان اليد مانعا من حجيتها أو مع كونها مشمولة لدليل اعتبارها لكى تكون امارة ولا معنى لجريان الاستصحاب لما عرفت أن الامارة تقدم على الأصل ومما ذكرنا من عدم حجية اليد في هذه الصورة لذا تقيل السجلات وينتزع المال من ذي اليد المدعي للملكية إذا كان في يد الطرف الآخر ورقة الاستيجار المعتبرة المثبتة لكون اليد يد إجارة حيث أن بنائهم على قبول السجلات وانتزاع المال من صاحب اليد ليس من جهة تقديم الاستصحاب على اليد بل من جهة عدم كونها مشمولة لدليل الاعتبار على أنه يكفي استصحاب بقاء ملكية الغير للمال بلا حاجة الى استصحاب حال اليد ودعوى بعض الأعاظم (قده) حكومة استصحاب حال اليد من كونها عادية أو أمانة على نفس اليد بتقريب أن اليد وان كانت من الامارات التي مؤداها تتميم الكشف فتقدم على الاستصحاب إلّا أنه ان جرت اليد.

٣٨٩

وأما لو لم تجر لكون موضوعها مجهول العنوان أي لا يعلم بأنها يد مالكة أو أمانة عند جريان استصحاب حال اليد برفع هذا الجهل تعبدا فلا يبقى موضوع لقاعدة اليد.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره يتم لو قلنا بأن الجهل بالحالة السابقة مأخوذ في موضوع دليل اعتبار اليد وحجيتها لا أن الجهل في الحالة السابقة مورد للقاعدة كما هو كذلك وإلّا لزم أن تكون قاعدة اليد من الأصول العملية مع أنك قد عرفت أنها من الامارات.

نعم نقول بعدم حجية اليد في مثل هذه الصورة لا من جهة الاستصحاب وانما نقول بأن بناء العقلاء تدل على امارية اليد إلّا أنه لا تثبت الملكية شرعا إلّا بامضاء من الشارع لذلك البناء فاذا قال الشارع لا تنقض اليقين لكونها يد عادية أو يد أمانة مالكية أو شرعية بالشك في بقاء تلك الحالة السابقة وأبنى على بقاء تلك الحالة السابقة من كونها عادية او أمانة فيكون ذلك ردعا لتلك السيرة وذلك البناء فافهم وتأمل.

الثانية لا يعلم حال اليد حين حدوثها كالوقف مثلا حيث أنه يحتمل حدوثها لطرو مسوغ شرعي فالذي يظهر من السيد الطباطبائي (قده) في قضائه امارية اليد في الملكية وعدم انتزاع المال من صاحبها وتسليمها لأرباب الوقف وقد أورد عليه بعض الأعاظم (قده) بأن إمارة اليد إنما تتحقق فيما إذا كان ما تحت يده قابلا للنقل والانتقال إلى ذي اليد والوقف ليس كذلك حيث أن قابليته لذلك فيما إذا طرأ مسوغ من مسوغات البيع فحينئذ نحتاج إلى إحرازه لكي ينتهي الأمر إلى المرتبة الثانية أي إلى إمارة اليد للملكية وسره أن تلك الجهة إحرازها من قبيل الموضوع إلى الجهة الثانية ومع الشك في تحقق تلك الجهة أي القابلية للنقل والانتقال للشك في طرو المسوغ يجري اصالة طرو المسوغ

٣٩٠

وبجريانه تسقط اليد عن الحجية لارتفاع موضوعها.

ولكن لا يخفى أن القابلية إن كانت واقعية فنفس الشك في القابلية يوجب سقوط اليد عن الحجية من غير حاجة إلى جريان الاستصحاب.

وأما أن تجري لحكومة اليد كما في فرض إناطة الحجية فيها عقلا بالشك في القابلية وحيث كان ذلك مورد الشك للامارة فتجري اليد فيرتفع الشك الذى ما هو مأخوذ في الاستصحاب.

وأما أن يجري الاستصحاب ويعارض اليد كما في فرض إناطة اليد في حجيتها شرعا بالشك في القابلية بناء على غير المختار من رجوع التنزيل في مفاد لا تنقض إلى المتيقن.

وأما بناء على ما هو المختار من رجوع التنزيل إلى نفس اليقين يجري الاستصحاب فبسقوط اليد عن الحجية بمناط الحكومة.

الصورة الثالثة ما اذا كانت اليد على ما تقبل النقل والانتقال بطبعه ويحتمل انتقال المال إلى صاحب اليد من بدء حدوثها فتارة يكون ذلك في مقابل ذي اليد ملكية المال ولم يكن اعتراف من ذي اليد على خلاف ما تقتضيه اليد مع عدم البينة على ملكيته ما في اليد للغير فلا اشكال في الحكم لمن في يده ويجب ترتب آثار الملكية لذي اليد من غير فرق بين أن يكون مسبوقا بيد أخرى أم لا ولا يجري استصحاب بقاء المال على ملك المالك الأول لحكومة اليد على الاستصحاب وأخرى يقر ذي اليد على ملكية اليد السابقة أو تقوم البينة على ملكيته سابقا فانه مع عدم مدعي للملكية الفعلية لا اشكال في تقديم ذي اليد الفعلية اذ ذلك لا يزيد على حصول العلم بذلك وثالثة تكون مقابل ذي اليد الفعلية من يدعي ملكية المال فان لم يثبت ما يدعيه ببينة فلا اشكال في استقرار المال في يده ولا ينتزع منه

٣٩١

وتسليمه للمدعي وان أثبت المدعي بالبينة أو اقرار ذي اليد بالملكية الفعلية فلا اشكال في انتزاعه منه وتسليمه الى المدعي.

وأما لو أثبت بعلم الحاكم محل اشكال منشؤه من جواز حكم الحاكم بعلمه وأما اذا كان الثابت هو الملكية السابقة قبل استيلاء ذي اليد على المال فتارة يكون ذلك بعلم الحاكم الشرعي فلا اشكال أنه لا ينتزع منه اذ لا أثر لعلم الحاكم بأن المال ملكا للمدعي قبل استيلاء ذي اليد مع احتمال أنه انتقل اليه بناقل شرعي واستصحاب بقاء المال على ملك المدعي لا يجري لكونه محكوما باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية وأخرى بالبينة فالظاهر أنه لا ينتزع المال من ذي اليد اذ لا تزيد على علم الحاكم مع احتمال انتقال المال الى اليد بناقل شرعي ودعوى جريان الاستصحاب ممنوعة لما عرفت بأنه محكوم باليد لكونها أمارة وثالثة اقرار ذي اليد بملكية المدعي سابقا فمع عدم انضمامه الى اقراره دعوى انتقال المال اليه فالظاهر أنه لا ينتزع منه اذ مجرد اقراره بالملكية السابقة لا يكذب نفسه في دعواه الملكية الفعلية وبذلك لا تزول كاشفية يده على الملكية الفعلية مع احتمال الانتقال الى ذي اليد حين وضع اليد.

وأما لو انضم الى اقراره دعوى انتقال المال اليه من المدعي فهل تخرج اليد عن الامارية أم لا فعن المحقق الخراساني وجماعة أنها لا تخرج اليد عن الامارية فان مجرد عدم امارية اليد بالنسبة الى مصب الدعوى الثانية وهو الانتقال اليه بشراء ونحوه لا يوجب خروجها عن الامارية ورأسا لا يوجب سقوط أماريتها بالنسبة الى الملكية الفعلية فلا ينتزع المال منه.

وأما دعوى الانقلاب حيث أن يكون المدعي للملكية الفعلية مدعيا لكونه على خلاف الأصل لكون الأصل عدم الانتقال فهو وان

٣٩٢

كان موجبا لاسقاط اليد عن الامارة العقلية وقد عرفت أنه محكوم لليد الفعلية ، وعليه انتزاعه منه يحتاج إلى دليل يقتضي اللغوية وسقوطها على الامارية.

ولكن لا يخفى أن تسليم الانقلاب كما هو المشهور لا يكون إلا بحجية أصالة عدم الانتقال ولولاه لما كان مجال لجعل مخالفه مدعيا ومن المعلوم لازم البناء على حجية الأصل المذكور في مقابل اليد هو سقوط أمارية اليد وبعبارة أخرى أمارية اليد هاهنا مع حجية استصحاب عدم الانتقال من المدعي الذي هو طرف لذي اليد مما لا يجتمعان (١) فبناء

__________________

(١) ولكن لا يخفى أن الغاية من ذلك أنه تقع المعارضة بين هذا الاستصحاب مع اليد في المقام وبناء على أن اليد تعد من الامارات تكون حاكمة على الاستصحاب لما عرفت منا سابقا حكومة الامارات على الأصول والذي ينبغي أن يقال فيما لو أقر بأنه كان له ولكن انتقل إليه بناقل شرعي تنقلب الدعوى ويصير ذو اليد مدعيا بعد أن كان منكرا والمدعي منكرا بعد أن كان مدعيا بواسطة هذا الاعتراف لمطابقته لأصالة عدم الانتقال وهذا من المسلم عند الأصحاب لا كلام فيه وإنما الكلام في أن المال يؤخذ منه ويعطى لمن كان مدعيا فصار منكرا بواسطة اقرار ذي اليد أو يبقى عند ذي اليد ، الظاهر الأخير. ودعوى سقوط امارية اليد بواسطة اعترافه بأن المال كان له ممنوعة ، فان اعترافه بأن المال كان له لا ينافي كون اليد أمارة على الملك الفعلي لما هو معلوم أن كل يد فعلية مسبوقة بأخرى فحال اعترافه كحال العلم بسبق اليد عليه أو تثبت بحكم الحاكم أو بالبينة فانه لا تنافي مع ملكيته الفعلية حيث أن بناء العقلاء على أمارية اليد على ملكية ما في اليد وقد أمضاه الشارع فيحكم بالملكية الفعلية لدى اليد وأجاب الأستاذ المحقق النائيني (قده) عن

٣٩٣

على حجية هذا الاستصحاب لا يبقى مجال لامارة اليد لما ذكرنا أن

__________________

ذلك بأن انقلاب الدعوى من آثار نفس الاقرار وليس من آثار نفس الواقع كي لا يفرق بين العلم والبينة والاقرار فان أقر فيؤخذ باقراره ولو مع العلم بمخالفة الواقع.

ولكن لا يخفى أنه أولا عدم حجية الاقرار مع العلم التفصيلي بالمخالفة للواقع.

وثانيا معنى أخذه باقراره ترتيب آثار الملكية السابقة لا عدم أمارية اليد للملكية الفعلية والظاهر أنه بضم دعوى الانتقال إليه بناقل شرعي لا يوجب الانقلاب فان امارية اليد تحكم على أصالة عدم الانقلاب الذي يصير سببا للانقلاب ولا معنى لانحلاله الى دعويين لكي يكون أحدهما مدعيا والآخر منكرا فانه تكلف كل ذلك لرفعه أمارية اليد بمدلولها المطابقي بأنه لذي اليد وبمدلولها الالتزامي بأنه ليس لغيره فعلا واقراره بأنه كان لغيره وأنه انتقل إليه بناقل شرعي لا ينافي أماريتها لما في يده فعلا اذ لا ينافى أماريتها فعلا انه يملك ما تحت يده اذ الاقرار لا يزيد على العلم او البينة او حكم الحاكم بأنه للمدعي سابقا ولا يجرى استصحاب بقائه على ملكه لعدم جريانه لحكومة اليد التي هي من الامارات عليه كما هو واضح ، هذا كله اذا كانت اليد واحدة على العين.

واما إذا تعددت الأيادى فالمشهور بين الفقهاء تكون امارة على ملكية الكسر من ذلك المال الذي تحت ايديهم مثلا لو كان ذو اليد اثنين فكل يد امارة على النصف ولو كانوا ثلاثة يكون كل واحد منها امارة على الثلث وهكذا ، ويشكل عليه بأن مقتضى حجية اليد واماريتها اثبات ملكية تمام ما في يده وعليه يقع التعارض والتساقط والرجوع الى

٣٩٤

مؤدى الاستصحاب اى التعبد بعدم الانتقال هو عدم ملكية ذي اليد.

وبالجملة مع حجية الاستصحاب لا يمكن ان تكون اليد في هذا المقام امارة.

الأمر الثامن : نسبة الاستصحاب إلى الأصول العملية.

أما بالنسبة إلى الأصول العقلية كالبراءة والاحتياط والتخيير فلا إشكال في تقديم الاستصحاب عليها بمناط الورود حيث ان موضوعها عدم البيان كما في البراءة ، وعدم المؤمن كما في مورد الاحتياط ، والتحير كما في مورد التخيير ، والاستصحاب بيان شرعي فيرفع موضوع البراءة كما انه مؤمن من العقوبة المحتملة من قبل الشارع فيرتفع حكم العقل بوجوب الاحتياط كما انه لا يبقى بجريانه موضوع التخير.

واما الأصول النقلية كحديث الرفع ودليل الحلية فتقديم الاستصحاب عليها بنحو الحكومة لا بمناط الورود بناء على ما هو المختار من المستفاد من دليل الاستصحاب اي لا تنقض اليقين بالشك أنه ناظر إلى إثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك فبهذا الاعتبار يكون حاكما على الأصول

__________________

الأصول العملية ان لم تكن امارة في البين واجيب عنه بأن اليد لما كانت عبارة عن الاستيلاء الخارجي فلا بد ان تكون كل يد من الأيادي وان كانت على المجموع ولكن ليست مستقلة بل يد ناقصة والعقلاء عندهم حساب هذه اليد كاليد التامة المستقلة على الكسر المشاع كما يظهر من بناء العقلاء في مثل ذلك يرونهم شركاء اما شركة قهرية او اختيارية ويحكمون لكل واحد منهم بالكسر المشاع فكأنهم يرون ان كل يد منها يد تامة على الكسر المشاع فتكون كل يد منها امارة على ملكية الكسر المشاع ولذلك لو كانا اثنين وتصرف احدهما في النصف المشاع بالبيع. أو الهبة او غير ذلك لا يرونه متعديا ويقولون بأنه تصرف في ملكه فلا تغفل.

٣٩٥

المغياة بالعلم والمعرفة حتى بالنسبة إلى قوله (ع) كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهي فان الاستصحاب بدليل اعتباره يكون حاكما عليه ورافعا لموضوعه تعبدا بناء على كون المراد بالورود فيه هو وصول النهي والعلم به لا صرف ورود النهي الواقعي لكي يكون اجنبيا على ادلة البراءة.

واما بناء على غير المختار من رجوع النقض فيه إلى المتيقن فبناء على كون الغاية فيها هو العلم بمطلق الحكم اعم من الواقع والظاهر يكون تقديم الاستصحاب بمناط الورود لأن بجريان استصحاب الوجوب أو الحرمة يحصل لنا العلم الاجمالي بالحكم الظاهري فحينئذ يرتفع موضوع تلك الأصول.

واما بناء على ان الغاية فيها عبارة عن العلم بالحكم الواقعي يكون تقديم الاستصحاب بمناط التخصيص دون الورود والحكومة حيث ان جريان الاستصحاب لا يحصل منه العلم بالواقع لا وجدانا ولا تعبدا إذ غاية ما يستفاد من جريانه هو العلم الحقيقي بالحكم الظاهري وهو لم يجعل غاية للحكم الظاهري في تلك الأصول ، فعليه تقع المعارضة بين الأصول وبينه إذ مفاده هو التعبد ببقاء المتيقن من الوجوب او الحرمة في ظرف الشك بالواقع.

ومفاد ادلة تلك الأصول هو التعبد بحلية المشكوك فيه وحينئذ فلا بد من تقديم الاستصحاب على تلك الأصول بمناط التخصيص دون الحكومة وبتوضيح آخر ان نسبة الاستصحاب إلى الأصول العقلية بنحو الورود فلا شبهة في ورود الاستصحاب عليها.

فبالنسبة إلى البراءة العقلية فلأن العقل لا يحكم بها الا من جهة عدم الدليل على التكليف واقعا وظاهرا والاستصحاب دليل على التكليف ظاهرا فهو بيان ومعه لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

٣٩٦

وأما الاحتياط فلان المأخوذ في مورده هو الشك في براءة الذمة بدون الاحتياط وبجريان الاستصحاب يرتفع ذلك الشك حكما فلا يبقى مورد له.

واما التخيير أعني حكم العقل بالتخيير بين الدليلين في مقام الدوران بين المحذورين فالمأخوذ في موضوعه التحير والتردد ومع جريان الاستصحاب لا يبقى حيرة وتردد اصلا فلا يبقى موضوع للتخيير.

واما بالنسبة إلى الأصول الشرعية فما كان منها لسان دليلها لسان حكم العقل كادلة البراءة الشرعية التي ساقها مساق حكم العقل من جهة عدم البيان فتكون واردا عليها ايضا.

وأما ما لم يكن كذلك نحو كل شيء مطلق ونظائره فان قلنا إن المراد بالنهي عن قوله حتى يرد فيه مما هو اعم من الواقعى والظاهري فيكون الاستصحاب واردا عليها لثبوت النهي الظاهري بالاستصحاب فيرتفع موضوع دليل البراءة. لا يقال تقديم الاستصحاب من باب الورود على الأصول إنما هو بعد الأخذ بدليله في مورد مع انه يمكن الأخذ بدليلها ويخصص بها دليل الاستصحاب من غير محذور. لانا نقول الأخذ بدليل الأصول وتخصيص دليل الاستصحاب بها يلزم منه أما تخصصه بلا مخصص واما بوجه دائر كلاهما محذور باطل بخلاف الأخذ بدليل الاستصحاب وتخصيص ادلة الأصول به فانه لا محذور فيه ، بيان ذلك ان تخصيص دليل الاستصحاب.

أما ان يكون بغير دليل البراءة فهو مستلزم للتخصيص بلا مخصص لعدم دليل بالفرض يوجب تخصيصه غير دليل البراءة.

واما ان يكون دليل البراءة فهو مستلزم للدور لأن جريان دليل البراءة في مورده موقوف على عدم جريان دليل الاستصحاب وإلا فيعتبر

٣٩٧

الغاية المأخوذة في دليلها وهو النهي متحققة بقوله لا تنقض اليقين فلو كان عدم جريانه موقوفا على جريان دليل تخصيصه به كان دورا محالا. لا يقال بهذا لو تم لزم عدم جواز تخصيص كل عام بشىء من المخصصات وذلك بعين ما تقدم فيقال إن حجية ظهور أكرم العلماء متوقف على عدم قيام دليل خاص يخصصها وعدم قيام الخاص موقوف على حجيتها فيكون دورا لانا نقول بأن الفرق بين المقامين ظاهر لأن العام والخاص الظهور فيها تنجيزي إلا ان قيام الخاص مانع عن حجية ظهور العام وهذا بخلاف المقام فان انعقاد الظهور في لا تنقض اليقين بالشك تنجزي ولكنه في دليل البراءة تعليقي معلق على عدم قيام دليل الاستصحاب فدليل الاستصحاب مانع عن انعقاد الظهور في دليل البراءة فعموم دليلها موقوف على عدم دليله فلا يعقل تخصيص دليله بدليلها المتوقف على عدم دليله كما لا يخفى.

وان قلنا بأن المراد من الغاية في قوله حتى يرد فيه نهي هو العلم بالنهي الواقعي فاما ان نقول بأن الاستصحاب تنزيل الشك منزلة اليقين ويحصل به العلم تنزيلا فيكون حاكما على البراءة ، وإن قلنا بأنه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن فلا يصير حينئذ حاكما فيخصص ادلة البراءة.

وكذا الكلام بالنسبة إلى ساير الأصول من الاحتياط والتخيير كما لا يخفى.

الأمر التاسع نسبة الاستصحاب إلى القرعة ، قيل بعدم المعارضة لكي يقع الكلام في تقديم احدهما على الآخر إذ المورد الذي تجري فيه القرعة لا يجري فيه الاستصحاب إلا انه يمنع ذلك لوجود موارد لها بيان ذلك يحتاج إلى تقديم مقدمة تشتمل على موارد جريانها فنقول إن المستفاد من ادلتها على اختلافها ففي بعضها (كل شيء مجهول فيه القرعة) وفي بعضها (القرعة لكل امر مشتبه) وفي ثالث (لكل امر

٣٩٨

مشكل) والظاهر منها ومن غيرها انها تجري في الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي وعدم شمولها للشبهات الحكمية والشبهات البدوية لظهور ان عنوان المشتبه المأخوذ في موضوع القرعة هو كونه وصفا لذات الشىء المعنون المتردد بين شيئين او اشياء لا وصفا لحكمه وعنوانه ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق ، فعليه تكون الشبهات الحكمية من غير فرق بين المقرونة بالعلم الاجمالي او غير المقرونة به ليست من موارد القرعة لما هو معلوم ان الشبهة إنما تكون من الشبهة في حكم الشىء لا في ذات الشىء كما ان الشبهات الموضوعية غير المقرونة بالعلم الاجمالي المسماة بالشبهات البدوية خارجة عن موارد القرعة بداهة ان الشبهة فيها إنما تكون بانطباق عنوان ما هو موضوع الحكم كالخمر ونحوه في الموجود الخارجي لا في ما انطبق عنوان الموضوع فارغا عن الانطباق في الخارج لكون هذا او ذاك كالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي حيث ان فيها يكون كل من الخطاب وعنوان الموضوع وانطباقه في الخارج معلومة بالتفصيل ولكن الشك في ان المنطبق عليه عنوان المحرم اي الأمرين ومع خروج هذه الموارد عن القرعة تجري فيها الأصول ولا يحتاج إلى ملاحظة النسبة بين الأصول والقرعة.

واما بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي فينبغي ملاحظة النسبة بين القرعة والاستصحاب لجريان كل منهما في تلك ولكن بالنسبة إلى الموضوع المشتبه وكان بين المتباينين وكان متعلقا لحق الله تعالى لا مجال لجريان القرعة وذلك لا لقصور في القرعة نفسها عن الجريان بل لوجود المانع وهو العلم الاجمالي بالتكليف الملزم بحكم العقل بلزوم الفراغ وذلك يقتضي الاحتياط في جميع المحتملات إلا إذا كان هناك موجب للانحلال او لجعل البدلية.

٣٩٩

أما بالنسبة إلى الانحلال فمن جهة تأخرها عن العلم الاجمالي لا توجب انحلاله إذ لا تزيد القرعة عن العلم التفصيلي المتأخر بثبوت التكليف في بعض الأطراف على التعيين فكما أن العلم التفصيلي المتأخر لا يوجب الانحلال فبالطريق الأولى القرعة لا توجبه.

وأما جعل البدلية أيضا فالقرعة غير صالحة لذلك فاننا لو قلنا بأماريّتها فان ذلك غاية ما يقتضيه من دليلها هو التعبد بكون مؤداها هو الواقع.

وأما إثبات عدم كون المعلوم بالاجمال في المحتمل الآخر فلا يقتضيه إلا على فرض اقتضاء دليلها تتميم كشفها بجميع ما لها من المدلول المطابقي والالتزامي وذلك ممنوع جدا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يقع في نسبتها مع الاستصحاب فنقول لا يخلو أن اعتبار القرعة أما على أنها امارة كما يفضي إليه بعض أخبار الباب والسيرة وارتكاز الأذهان وبناء العقلاء.

وأما على التعبد فعلى الأول فلا إشكال في تقدمها على الاستصحاب بما تقدم من تقديم كل امارة عليه من باب الحكومة وعلى الثاني يتعارضان لأنهما قاعدتان جعلتا في ظرف حفظ الشك وقد أخذ موضوعا فيهما إلا الاستصحاب يقدم عليها لاخصية أدلته عن أدلتها فتختص القرعة بموارد (١)

__________________

(١) لا يخفى أن العناوين العامة الواردة في أدلة القرعة خمسة عنوان المجهول وعنوان المشتبه وعنوان المشكل وعنوان الملتبس وعنوان المعضلات والأولان أي عنوان المجهول والمشتبه وأن كان لهما عموم بحسب المفهوم فيشمل الشبهة الحكمية والموضوعية من غير فرق بين البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي إلا أن التتبع والتأمل في أخبار الباب يظهر أن المراد من تلك العناوين هو المجهول والمشتبه في الشبهة الموضوعية

٤٠٠