منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

الثاني أنه لازم اعتبار الظن الشخصي استحالة تعارض الاستصحابين إذ لا يعقل حصول الظن الشخصي لحالتين متناقضتين أو متضادتين عند تحقق الاستصحابين المتقارنين.

الثالث : انه على اعتباره يلزم عدم تعقل حكومة أحد الاستصحابين على الآخر كما في حكومة الاستصحاب السبي على المسببي بقول مطلق إذ لا كلام لهم في تقديم السببي على المسببي ، وفي جميع هذه الوجوه نظر.

أما الأول فلا يتم إلا اذا كان مقتضى الظن ببقاء القلة في الأول والكرية في الثاني متحققين في زمان واحد في ماء الحوض الواحد بأن يكون مسبوقا بالقلة والكثرة في زمان واحد ، فانه في مثله يقع التمانع بين النقيضين في تأثير الظن الفعلي فان الماء البالغ إلى حد خاص الجاري فيه استصحاب القلة تارة والكرية أخرى فانه مستحيل عقلا حصول الظن الفعلي في أحدهما بالخصوص مع حصوله في الآخر فانه من الظن الفعلي بالنقيضين وذلك محال كالقطع بتحققهما في الاستحالة.

وأما إذا كان الاستصحاب جاريا في زمانين بأن يكون في زمان مسبوقا بالقلة وفي زمان آخر مسبوقا بالكثرة فلا محذور في جريانهما إذ لا يلزم منه اجتماع الظن بطرفي النقيض كما هو كذلك في المقام فان الماء الشخصي البالغ إلى حد خاص في زمان يكون مسبوقا بالقلة فيجري فيه استصحاب القلة وفي زمان آخر يكون مسبوقا بالكثرة فيجري استصحاب الكثرة ، فجريان كل في زمان لا يمنع جريان الآخر في الزمان الآخر فلا يلزم المحذور المتقدم من تحقق الظن بطرفي النقيض ، ولكن لا يخفى أن هذا المسلك أي الظن الشخصي مبني على تحقق الملازمة بين الحدوث والبقاء فحينئذ يلزم محذور الظن بطرفي النقيض الذي هو

٢١

من المستحيلات الأولية ، ففي الفرض المذكور أن ملازمة الظن بالكرية تارة والقلة أخرى ولو في زمانين من المستحيلات بل لو فرض ماءان في مكانين نقطع بتساويهما مقدارا كان أحدهما مسبوقا بالقلة والآخر مسبوقا بالكرية لا يعقل تحقق الظن في أحدهما مع الظن بالآخر إذ مع القطع بتساوي الماءين يوجب القطع بعدم وجود المقتضي لأحد الظنين.

ولكن هذا الاشكال يرجع الى الاشكال الثاني بل يكون من صغريات مورد العلم الاجمالي بخلاف أحد الاستصحابين والجواب عن ذلك هو الجواب عن الاشكال الثاني فنقول : ان منشأ التعارض تارة يكون للتزاحم بين المقتضيين بما هما مقتضيان وذلك من حيث المدلولين واخرى لا يكون كذلك بل يكون من جهة حصول المانع فيهما فان كان من قبيل الأول لا يعقل تحقق الظن الفعلي بهما قطعا للزوم الظن بطرفي النقيضين وهو من المستحيل عقلا ، وان كان من قبيل الثاني فلا محذور فيه فان المقتضي لتحقق الظن بهما موجود وانما المانع بحسب وجود الملازمة الغالبية بين الحدوث والبقاء وذلك متحقق في كلا الاستصحابين. فعليه لا مانع من القول بتحقق التعارض بين الاستصحابين كما انه لا مانع من القول بحكومة أحدهما على الآخر كالسبي الذي هو حاكم على المسببي (١).

__________________

(١) والانصاف أنه لا يعقل تحقق المعارضة أو الحكومة بين دليلين لكون منشأ حجيتهما من باب تحقق الظن الفعلي لعدم معقولية تحقق الظن بطرفي النقيضين أو الضدين للزوم اجتماع صفتين فعليتين متناقضتين أو متضادتين وذلك مستحيل تحققه ، إذ كيف يعقل حصول الظن الفعلي بعدم اللازم في فرض حصوله بالملزوم وبالعكس ، وسيجيء

٢٢

نعم تبقى جهة من الاشكال الثالث وهو أن في بعض الأحوال يوجب الظن بالمعلول الظن بالعلة كما أنه في بعض الأحوال القطع بالمعلول يوجب القطع بالعلة كما لو انحصرت معرفة النار بالدخان. إلّا ان ذلك انما يتحقق فيما اذا كان الانتقال الى علته منحصرا بالمعلول واما اذا لم يكن كذلك بل يكون الانتقال الى العلة بمقتض آخر غير مقتضى المعلول كما فيما نحن فيه فلا يوجب القطع بها ، ولكن لما كانت العلة بالطبع متقدمة عليه ومقتضى الانتقال اليها أيضا بالفرض متحقق في رتبة مقتضى الانتقال من المعلول وهذا يمنع من تأثير مقتضى الانتقال من المعلول على خلاف ما تقتضيه علته ، ولازم ذلك الظن بطرفي النقيض وهو باطل قطعا.

وكيف كان فهذه الوجوه لا يستفاد منها القول بالظن النوعي لما عرفت انه لا مانع من القول بحجية الاستصحاب من باب الظن الشخصي حيث ان مدرك هذا المسلك دعوى حكم العقل بالملازمة بين الحدوث والبقاء ولو من باب الغلبة ، ولذا نقول بأن العقل يحكم ببقاء ذات ما حدث وان ما حدث باق ، فيكون الاستصحاب من الأدلة العقلية ، وعليه لا مانع من القول بكون الظن من باب الظن الشخصي.

هذا غاية ما يقال في اعتبار الظن من باب الظن الشخصي ، ولكن لا يخفى ان اشكال تحقق الملازمة بين الحدوث والبقاء في الماء البالغ قدرا خاصا للظن الفعلي بالكرية تارة والقلة أخرى ولو في زمانين من المستحيل ، فعليه لو اردنا أن نقول بالظن الشخصي اما ان لا نقول

__________________

ان شاء الله تعالى ان التعارض أو الحكومة تتحقق بناء على اعتبار الظن من باب الظن النوعي أو حجية الاستصحاب من باب الأخبار.

٢٣

بجريان أحد الاستصحابين أو عند أحدهما نغفل عن جريان الآخر ، على أنه لا يتحقق التعارض بين الاستصحابين ولا حكومة استصحاب السببي على المسببي لاستحالة تحقق اجتماع ظنين متنافيين أو تعارضهما نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار فلا مانع من ذلك اذ لا مانع من التعبد بطرفي النقيض في زمانين كما انه يصح تحقق المعارضة والحكومة بل حتى لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي كما لا يخفى.

٢٤

الامر الخامس

في انه يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع فنقول :

لو شك في بقائه لا معنى لابقاء الحكم للقطع بأن الشك في بقاء الموضوع يوجب القطع بعدم بقاء الحكم. ومن هنا وقع الاشكال في استصحاب الأحكام الكلية من غير فرق بين أن يكون مدرك الاستصحاب النقل أو العقل بتقريب : ان الشك في بقاء الحكم الكلي ناشئ من اختلاف الحالات وتبدلها ، وذلك يوجب الشك في بقاء موضوعها حيث أن موضوع الأحكام الكلية هو المفاهيم الكلية ، واختلاف الحالات يوجب الاختلاف في ناحية المفهوم الذي أخذ موضوعا للحكم.

وبعبارة أخرى ان القيود التي تؤخذ في القضية بحسب الحقيقة ترجع إلى الموضوع وان كان ظاهر القضية رجوعها الى الحكم حيث إن لها دخلا في الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة ، ولازم دخولها في مصلحة التكليف دخولها في موضوع التكليف وإلا فبدونه يلزم إطلاق مصلحة الموضوع ، ولازمه عدم دخلها في مصلحة التكليف وهو خلف.

لا يخفى أنه فرق بين القيود الراجعة الى ناحية الموضوع والقيود الراجعة الى ناحية الحكم ، فان الأولى لها دخل في مصلحة التكليف كالزوال والاستطاعة بالنسبة الى الصلاة والحج ، بخلاف قيود الحكم فان لها الدخل في تحقق المحتاج اليه وهو وجود ما هو متصف بالمصلحة كالطهور والستر بالنسبة الى الصلاة لعدم صلاحية رجوع مثل هذه القيود الى ناحية المصلحة وان أوجبت تضييقا في ظرف الحكم والمصلحة

٢٥

ويمتنع اطلاقهما إلّا انها توجب ضيقا لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه ففي مثل هذا الموضوع قد أخذ فيه الحكم على نحو التوأمية لا مطلقا ولا مقيدا ، لما عرفت من أن كل عرض يعرض على الذات يوجب تضييقا في ذات المعروض بنحو لا يكون له اطلاق يشمل حال عدمه ولا يكون قيدا فصليا فيكون الموضوع في امثال هذه القضايا نفس الذات القابلة للبقاء حتى مع اليقين بانتفاء قيد حكمه فضلا عن الشك بانتفائه فمع الشك في قيديته يجري فيه الاستصحاب كسائر أعراضه الخارجية لأجل الشك في بقاء عللها ، ودعوى ان الموضوع وان كان غير مقيد بقيود الحكم لكنه لا اطلاق له لكي يشمل حال عدم القيد فيكون الشك في قيدية الحكم موجبا للشك في انتفاء الموضوع ممنوعة ، إذ مناط بقاء الموضوع في الاستصحاب هو نظر العرف لا ينظر العقل إذ لو كان بنظر العقل فلا محيص في نفيه عند الشك ، حيث إن الشك في الموضوع يكفي فيه مجرد عدم اطلاق الموضوع بما هو موضوع الشامل لحال عدم القيد.

وبعبارة أخرى ان ذات الموضوع في الاستصحاب هو ذات ملحوظة في الحالتين لا بوصف كونها معروضة لليقين والشك ولازم ذلك تجديد متعلق اليقين والشك من هذه الجهة لكي يتعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين كما هو كذلك بالنسبة الى جريان الاستصحاب في الأعراض الخارجية ، فكما يجري فيها يجري في الأحكام الكلية من غير فرق بينهما وان كان الفرق بالنسبة الى القيود فانها في الاعراض بوجودها الخارجي علل عروضها على محالها وفي الاحكام علل اتصاف الموضوعات باحكامها.

نعم يتم هذا الاشكال على ما ذكره الشيخ (قده) من عدم تصوير الواجبات المشروطة وارجاعها بحسب اللب الى المطلقة ، واما بناء على

٢٦

ما سلكه الاستاذ في الكفاية من تصوير الواجب المشروط فيمكن له الالتزام بما ذكرنا من انه يتحد الموضوع في المقام بنحو الدقة حيث ان الموضوع في الاستصحاب يتجرد عن وصف اليقين والشك لكي يصدق عليه تعلق اليقين بعين ما تعلق به الشك ، ولو لا ذلك لا يتصور اجتماع اليقين والشك في زمان واحد بل يمنع استصحاب الاعراض الخارجية كسواد الجسم وبياضه وهو كما ترى.

وعليه لا بد من اعتبار الذات المحفوظة في حالتي اليقين بعروض العارض وشكه لكي يصدق تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين ، وحينئذ الاستصحاب كما يجري في الأعراض الخارجية يجري في الأحكام الكلية من غير فرق بينهما ، إلا من جهة أن القيود بوجوداتها الخارجية في الأعراض علل عروضها على محالها ، وفي الأحكام علل اتصاف الموضوعات بأحكامها لا علل عروضها عليها لعدم احتياجها الى وجود قيودها خارجا في مقام العروض وانما يحتاج في هذه المرحلة هو الوجود اللحاظي وكيف كان لا حاجة الى ما ذكر الاستاذ في الكفاية من أن المنظور في الموضوع في الاستصحاب الى النظر العرفي لا الدقي لما عرفت من انه لو اعتبرنا النظر الدقي فالموضوع متحقق وحده حقيقة ودقة.

٢٧

الأمر السادس

في انه هل يشترط فعلية الشك

أم يكفي التقديري؟ فنقول :

(١) ان الاستصحاب عند الأصحاب يتقوم بركنين :

أحدهما ـ اليقين السابق وهو تارة يلاحظ باعتبار نفس اليقين ، واخرى يلاحظ باعتبار المتيقن ، فعلى الأول لا بد في الاستصحاب من فعلية اليقين والشك إذ ذلك قوام حقيقة الاستصحاب فلا يتحقق مع الغفلة لعدم حصوله معها ، واما بناء على تعلق حرمة النقض بالواقع بجعل اليقين المأخوذ في الدليل بنحو المرآتية للواقع فيمكن دعوى كفاية التقديري في الاستصحاب.

ثانيهما ـ الشك في بقائه كما هو معتبر في جميع موارد الاصول والامارات ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في انه ما المراد بالشك هل هو الفعلي أو الأعم منه ومن التقديري؟ ويترتب على ذلك انه لو تيقن بالحدث في زمان وغفل عنه ودخل في الصلاة ثم بعد الفراغ حصل له الشك في انه تطهر من الحدث قبل الصلاة ام لا ولكنه بحيث لو التفت الى ذلك في الصلاة لشك فالظاهر عدم كفاية التقديري منه فلا يجري الاستصحاب في حقه كعدم كون الشك فعليا فيجري في حقه

__________________

(١) استنادا إلى أن كل عنوان أخذ موضوعا في لسان الدليل يستفاد منه الفعلية ، وفي المقام قد أخذ متعلق المتعلق أي متعلق النقض

٢٨

قاعدة الفراغ فلا تجب الاعادة والقضاء ، نعم يجب تجديد الوضوء بالنسبة الى الصلاة الآتية.

وأما بناء على كفاية الشك التقديري فلا بد من الحكم بالبطلان ووجوب الاعادة والقضاء عند الالتفات الى حاله لجريان استصحاب الحدث قبل الصلاة في حال الغفلة ومقتضاه الحكم بفساد الصلاة ، ولكن الظاهر ان ما ذكر من الثمرة لا يترتب على التقديرين ، وذلك

__________________

الذي هو فعل المكلف المتعلق به الحرمة ومتعلق النقض هو اليقين والشك فعلية حرمة النقض ووجوب الابقاء الذي هو الاستصحاب متوقفة على فعلية الشك واليقين ففي مورد لا شك ولا يقين فعليين لا استصحاب ، إلّا ان ترتب الثمرة يحصل بجريان استصحاب الحدث التقديري فيمن تيقن الحدث وغفل ثم صلى وبعد الصلاة شك في الحدث فيحكم بالبطلان لو قلنا بعدم كفاية الشك التقديري في الاستصحاب ويحكم بالصحة لو قلنا بكفاية التقديري في الاستصحاب محل نظر ، إذ لا ترتبط الصحة والبطلان بجريان الاستصحاب وعدمه وانما الذي له الدخل في الصحة والبطلان جريان قاعدة الفراغ وعدمه في موارد الغفلة ، بيان ذلك : ان قاعدة الفراغ تارة نقول بجريانها في موارد الغفلة ، كما هو المستفاد من قوله (ع): «كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا اعادة عليك» وقوله (ع): «انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» فيحكم بالصحة وإن قلنا بجريان الاستصحاب التقديري لحكومة قاعدة الفراغ حسب الفرض.

واخرى نقول بعدم جريانها في تلك الموارد واختصاصها بموارد ذكر المكلف والتفاته كما هو المستفاد من تعليل قوله (ع): «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك».

٢٩

أما بملاحظة الشك الفعلي الحاصل بعد العمل فلا معنى لجريان الاستصحاب من جهة حكومة قاعدة الفراغ ، وأما بملاحظة الشك التقديري قبل العمل فلا ينفع استصحاب الحدث لبطلان العمل المترتب عليه وجوب الاعادة بالنسبة الى ذلك.

وبتقرير آخر : ان الاستصحاب أما ان يكون حجة عقلية كالقطع أو تعبديا كالامارات ، فالأثر المترتب على كل جهة سواء كان أثرا عقليا أو شرعيا انما يترتب ما دامت الحجة قائمة لا مطلقا حتى بعد انقطاعها وزوالها بانكشاف الخلاف أو بالنسخ ، مثلا الاستصحاب في كل آن انما يثمر ويجب ترتب الأثر عليه في آن جريانه لا مطلقا حتى في الأثر المترتب بعد وجود الشيء في غير هذا الآن ، ومع زوال الاستصحاب في ظرف ترتبه ، كما لو فرضنا انه قد تيقن الحدث في زمان ثم تيقن الطهارة في الزمان المتأخر وصلى في حالة تيقنه بالطهارة فمقتضى حجية اليقين يحكم بصحة عمله وعدم وجوب الاعادة.

ولكنه لو زال بعد ذلك تيقنه بالطهارة وشك بالشك الساري بالطهارة بعد الحدث فلا موقع لان يقال إنه في ذلك الزمان أيضا يحكم

__________________

فلا يحكم بالصحة إذ الحكم بفساد الصلاة ووجوب الاعادة لا يتوقف على جريان الاستصحاب التقديري بل يكفي الاستصحاب الجاري بعد الصلاة عند الالتفات الى حاله ، فان متعلقه هو الحدث السابق على الصلاة وذلك يكفي في الحكم ببطلان الصلاة على تقدير عدم جريان قاعدة الفراغ كما هو المفروض.

وبالجملة ان هذه المسألة من فروع جريان قاعدة الفراغ في موارد الغفلة ، لا من فروع جريان الاستصحاب التقديري وعدم جريانه فلا تغفل.

٣٠

بصحته وعدم وجوب الاعادة ، بل بمقتضى استصحاب الحدث الى زمان الشك يحكم الآن بفساد عمله من الأول وتجب الاعادة عليه فعلا كما فيما نحن فيه لو تيقن الحدث قبل الصلاة بزمان ثم حصل الشك الفعلي في بقائه قبل الصلاة فبمقتضى الاستصحاب في هذا الآن انه يشترط صحة عمله بالطهارة وانه لو دخل فيه بلا طهارة اوجب عليه الاعادة ظاهرا ولو كان في الواقع صحيحا ولكنه لو غفل بعد ذلك ودخل في العمل فلا يجري في حقه الآن الاستصحاب لغفلته ثم بعد الفراغ لو حصل له الشك الفعلي فلا يجب عليه الاعادة بنفس الاستصحاب قبل العمل في هذا الزمان بعد ما انقطع عنه بغفلته السابقة على العمل لانقطاع أثر الحجة بانقطاعها بالغفلة ، فحينئذ لا بد من ملاحظة حال الفعل وهو شكه الفعلي.

وحيث إن مورد قاعدة الفراغ هو الشك الحادث بعد العمل وهذا الشك ليس حادثا بعده بل انما هو نفس الشك الفعلي قبل الصلاة الذي طرأت عليه الغفلة ثم تذكره بعد الصلاة فلا تجري فيه قاعدة الفراغ ، فحينئذ يجري في حقه الآن استصحاب بقاء الحدث فيستكشف به وقوع الصلاة فاسدة فيترتب عليه وجوب اعادة الصلاة ، والوجه في وجوب الاعادة هو أن الاستصحاب بعد الفعل قبل العمل وإلّا لو قلنا بجريان قاعدة الفراغ وحكومتها على الاستصحاب بعد العمل لقلنا بصحة العمل حينئذ.

اذا عرفت ذلك فنقول :

في فرض مورد النزاع لما كان الشك الحادث بالفعل حادثا بعد العمل فباعتبار وجوده الفعلي بعد العمل لا يجري فيه الاستصحاب بل

٣١

تجري قاعدة الفراغ لحكومتها قطعا ولا تنفع ملاحظة الحالة قبل الصلاة التي كان الشك تقديريا فيها ، اذ لا ثمرة في جريانه لترتب الاثر في زمان بعد الفراغ.

بيان ذلك ان حجية كل طريق من امارة أو اصل معتبر انما يجب اتباعه ويترتب عليه الاثر من كونه منجزا أو معذرا انما هو في ظرف وجوده وبقائه على حجيته لا في ظرف انعدامه أو خروجه من الحجية ، وعليه بناء على كفاية الشك التقديري الموجب لجريان استصحاب الحدث في حال الغفلة قبل الصلاة فانه لا يوجب إلّا بطلان الصلاة سابقا.

وأما وجوب الاعادة أو القضاء فيما بعد الفراغ فهو ليس من الامور المرتبة على الاستصحاب المذكور وانما هو من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ.

وانما أثر ذلك الاستصحاب هو عدم جواز الدخول في الصلاة وجواز قطعها لو دخل فيها وهو غافل فاذا كان الاستصحاب الجاري بعد الفراغ محكوما بقاعدة الفراغ فمن حين الفراغ لا بد من الحكم بالصحة لأجل القاعدة لا البطلان لعدم جريان الاستصحاب في ذلك الحين ولا اثر للحكم ببطلانه سابقا بعد كون العمل محكوما بالصحة بمقتضى القاعدة.

ودعوى انه المانع من الحكم بصحة الصلاة وعدم جريان القاعدة هو الحدث الاستصحابي السابق على طرو الغفلة ممنوعة ، إذ ذلك لا يمنع عن الصحة لزواله بطرو الغفلة قبل الشروع بالصلاة لعدم صلاحية مانعية الحدث الاستصحابي السابق عن صحة الصلاة ، كما انه ليس صالحا لمانعية جريان قاعدة الفراغ حيث ان الشك متجدد بعد الفراغ

٣٢

وبالجملة تنحصر المانعية عن صحة الصلاة في عدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ لاختصاص القاعدة في جريانها في صورة الشك الحادث بعد الفراغ من العمل بحيث لا يكون مسبوقا بالالتفات والشك قبل العمل وان غفل حين الشروع فيه فيظهر من ذلك أنه لا مجال لمثل هذه الثمرة بين القولين بعد أن كان الشك بالحدث متحققا بعد الفراغ من الصلاة فمن حين الفراغ تجري فيه قاعدة الشك بعد الفراغ المقتضية لصحتها والحاكمة على اصالة فسادها بعد الصلاة من غير فرق بين القول باعتبار الشك الفعلي من جريان الاستصحاب أو لكفاية الشك التقديري ، فمن ذلك يظهر النظر في كلام الشيخ الانصاري (قده) من ترتب الثمرة وتعليل بطلان الصلاة وعدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ بسبق الأمر بالطهارة والنهي عن الدخول بالصلاة ، نعم يمكن أن نترتب الثمرة بين القولين فيما لو علم بالطهارة فشك فيها قبل الصلاة ثم غفل وصلى وبعد الفراغ من الصلاة حصل له الشك للعلم الاجمالي بتوارد الحالتين عليه قبل الصلاة فانه بناء على كفاية الشك التقديري في الاستصحاب يحكم عليه بالصحة وعدم وجوب الاعادة.

وأما بناء على اعتبار الشك الفعلي فلا طريق لنا إلى احراز صحة صلاته وبطلانها لحصول الشك المفروض بالعلم الاجمالي بتوارد الحالتين ولا مجال لجريان الاستصحاب لعدم جريانه مع العلم الاجمالي أو لسقوطه بالمعارضة ، وأما قاعدة الشك بعد الفراغ فهي غير جارية لاختصاص جريانها بصورة الشك الحادث بعد الفراغ عن العمل.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه يقع الكلام في بيان الاستصحاب في مقامين :

الأول في تنقيح محل النزاع وبيان الاقوال :

٣٣

الثاني في أدلة الاستصحاب.

أما الاول فنقول ينقصم الاستصحاب تارة باعتبار المستصحب وأخرى باعتبار الدليل الدال عليه وثالثة باعتبار الشك المأخوذ فيه.

أما الأول فالمستصحب تارة يكون وجوديا وأخرى عدميا ، وعلى التقديرين فتارة يكون حكما شرعيا واخرى يكون موضوعا ذا حكم شرعي ، وعلى الأول تارة يكون حكما كليا واخرى حكما جزئيا ، وعلى التقديرين فتارة يكون من الأحكام التكليفية وأخرى من الأحكام الوضعية.

واما بالاعتبار الثاني فالدليل الدال على ثبوت المستصحب تارة يكون عقليا واخرى يكون شرعيا ، وعلى الثاني تارة يكون لفظيا كالكتاب والسنة وأخرى يكون لبيا كالاجماع.

وأما بالاعتبار الثالث فالشك في بقاء المستصحب تارة يكون من جهة المقتضي بمعنى الشك في قابلية المستصحب في نفسه للبقاء وأخرى يكون في الواقع مع القطع ببقاء قابلية المستصحب ، وعلى الثاني يكون الشك في جود الرافع تارة وأخرى في رافعية الموجود ، وقد وقع الخلاف بالنسبة إلى كل واحد من هذه الاقسام كما يستفاد من كلمات الاصحاب إلا ان العمدة من تلك الأقوال قولان مشهوران بين الاصحاب : أحدهما القول بالحجية مطلقا ، وثانيهما عدمها مطلقا.

وأما باقي التفصيلات فيظهر بطلانها من بيان القول المختار ، نعم ينبغي لنا بيان ما فصله شيخنا الانصار (قده) من التفصيل بين الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية وبين غيرها فقال بعدم الحجية فى الأول دون الثاني ، واخرى بالتفصيل بين المقتضي والرافع وقال

٣٤

بالحجية في الثاني دون الأول. وسيأتي ان شاء الله الكلام على كلتا الجهتين.

وأما ها يقال بأن استصحاب العدم ليس محلا للنزاع بل هو أمر مسلم عندهم كما يظهر من كلماتهم من استصحاب عدم النقل وعدم القرينة وعدم النسخ وأمثالهما مما هو مسلم عندهم فهو محل نظر ، إذ تلك الأمور انما تكون مسلمه عندهم لو بنينا على حجيته من باب الظن فتكون من صغريات الباب. غاية الأمر خرجت تلك الأمور بالاجماع ولا يلزم من اخراجها اخراج جميع الاستصحابات العدمية.

وأما لو بنينا على حجيته من الاخبار خرجت من صغريات الباب لما هو معلوم ان مثبتات تلك الأمور حجة عند جميع الاصحاب مع انه لو كان مدرك حجية هذه الامور هي الاخبار فلا تكون مثبتاتها حجة ولا بد من استكشاف حجية تلك الامور من سيرة العقلاء ، ولا صلة لذلك بأدلة الاستصحاب.

ومثل هذا التوهم توهم آخر منسوب الى بعض المحققين ان استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل التكليف أو قبل الشرع من جهة عدم المقتضي للحكم مما لا اشكال فيه بتقريب ان الاستصحاب سواء كان بالنسبة إلى الأحكام او الموضوعات انما يجري بلحاظ الأثر الذي يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وفي غير ذلك لا موقع لجريان الاستصحاب فمرجع استصحاب الحكم الى جعل المماثل للحكم الثابت سابقا في ظرف الشك في بقائه بلسان التعبد به.

وعليه لا بد من أن يكون نفس ابقاء ذلك الحكم ورفع بقائه بيد الشارع لكي يمكن له أن يجعل مثله في ظرف الشك بلسان التعبد ببقائه ، فاذا ظهر ذلك فنقول أن تقي الحكم تارة يكون مستندا إلى

٣٥

وجود المانع بمعنى ابقاء مقتضي الحكم تاما في ملاك الجعل والتشريع بحيث لا قصور في تمامية المقتضي لملاك الجعل ولكنه مع ذلك لما كان هناك مانع في نظر الشارع من الحكم فلهذا نفي الحكم ولم يجعله ففي مثله كان نفس الحكم ووضعه بيد الشارع لأن الفرض ان المقتضي للحكم كان تاما في الاقتضاء والملاك فاذا كان تاما في الملاك فليس في البين الالحاظ المانع فينتفي الحكم من جهة لحاظ المانعية ويثبته من جهة عدم لحاظ مانعيته فيكون أمر وضعه ورفعه بيده واخرى كان عدم الحكم من جهة عدم المقتضي والملاك بحيث لا ملاك للحكم أصلا ففي مثله لا يكون نفي الحكم بيد الشارع بل كان منتفيا بانتفاء ملاكه قهرا فكما أنه ليس له وضعه لاستحالة تحقق المعلول بلا علة وإذا كان عدم الحكم سابقا من قبيل هذا القسم كالأعدام الثابتة قبل التكليف أو الشرع فلا مجال لاستصحاب بقاء العدم على حاله لعدم كون رفعه ووضعه بيد الشارع فلا معنى للتعبد بعدم الحكم بلسان إبقاء العدم الذي ليس بيده ومن هذه الجهة لا يكون الاستصحاب في العدميات قابلا للنزاع في عدم حجيته.

ولكن لا يخفى أن دفع هذا التوهم يتوقف على ما هو مفاد الكلية المستفادة من الأدلة الدالة على جعل الطرق والاستصحاب من قوله «لا تنقض اليقين بالشك» من دون اختصاص لدليل الاستصحاب فنقول : ان مفاد قوله لا تنقض اليقين بالشك أو قوله صدق العادل عبارة عن اثبات اليقين بالشيء في ظرف الشك تعبدا فاذا كان الشيء مما يشك في بقائه فبدليل الاستصحاب يثبت اليقين بهذا البقاء في ظرف الشك ويرجع ذلك إلى رفع ما ينافي اليقين به تعبدا وحينئذ نقول انه اذا شك في بقاء العدم الأزلي على حاله فحقيقة هذا الشك مركب

٣٦

من تحقق احتمالين أحدهما بقاء العدم على حاله وثانيهما انتقاضة بالوجود كما هو واضح.

ومن البديهي أن ما لا ينافي اليقين بالبقاء ليس إلّا الاحتمال الأول لأن احتمال البقاء لا يناقض اليقين به وانما يناقض اليقين به خصوص الاحتمال الثاني وهو احتمال الانتقاض بالوجود فمعنى جعل اليقين تعبدا في ظرف الشك ليس إلا القاء هذا الاحتمال ونفيه فاذا كان الأمر كذلك فاحتمال انتقاض العدم الأزلي بالوجود لا يتصور إلا في المرتبة المتأخرة عن كون محتملة مما تحقق فيه ملاك الحكم وصار مقتضيه تاما في الاقتضاء على فرض ثبوته واقعا وإلّا فمع عدم كون محتمله مما لا يتحقق فيه الملاك فلا يعقل انتقاضه بالوجود بحسب الواقع وحينئذ كان وضعه ورفعه بابقاء العدم على حاله بيد الشارع لأنه كما أن وجوده الواقعي المحتمل لو كان واقعا كان عن مقتض فمن هذه الجهة كان وضعه بيد الشارع فكذلك رفع هذا الوجود وابقاء العدم الأزلي في هذه المرتبة كان بيد الشارع ، إذ كل ما يكون وضعه بيد الشارع يكون رفعه بيده.

وأما تفصيل الشيخ (قده) بين استصحاب حال العقل فقال بعدم حجيته وبين استصحاب حال الشرع فقال بحجيته فمنشؤه هو اعتبار وحدة الموضوع في الاستصحاب لكي تكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة وإلا مع عدم اتحاد القضيتين لا يجري الاستصحاب مطلقا لانه يكون من قبيل اسراء حكم من موضوع الى آخر.

بيان ذلك ان المأخوذ في لسان الدليل تارة يكون مناط اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة هو الموضوع الواقعي وأخرى يكون مناط الاتحاد هو الموضوع العرفي فعلى الأول يكون عندنا مجال للتفصيل المذكور دون الثاني حيث

٣٧

ان الموضوع الواقع في لسان الدليل لو كان من قبيل الأول كما لو أخذ في الدليل نفس الموضوع مثل قوله (الماء ينجس إذا تغير) فالاستصحاب لو شك في بقاءه على النجاسة لزوال تغيره من قبل نفسه لا لعارض فيكون الموضوع في الدليل هو الماء.

وأما إذا فرض أخذه في لسان الدليل الماء المتغير ينجس فلا يجري الاستصحاب بعد زوال نغيره لعدم بقاء الموضوع الذي هو الماء المتغير هذا بالنسبة إلى لسان الدليل.

وأما بالنسبة إلى حكم العقل يقبح الكذب أو حسن الصدق النافع فتارة لا يكون موضوعه ذات الكذب أو الصدق بل هو العنوان الضار أو النافع بما هو ضار ونافع بعنوان الموضوعية فاذا شك في بقاء الضرر في الأول والنفع في الثاني لا يكون الموضوع بما هو الموضوع باقيا فلا مجال للاستصحاب. وأخرى يكون المناط في الموضوع هو العرفي كما لو كان الموضوع في الحكم بالحرمة الشرعية في الكذب الضار هو ذات الكذب.

واما الضرر المأخوذ فيه انما هو حاله فيكون الموضوع باقيا في حال الشك فيجري فيه الاستصحاب مضافا إلى أن لازم ذلك هو التفصيل بين استصحاب حال الشرع وبين حال الاجماع.

إذ المنشأ لذلك موجود في المقامين توضيح ذلك. هو ان الملاك هو عدم احراز بقاء الموضوع ففيما اذا قام الاجماع على نجاسة الماء المتغير فالموضوع هو الماء بوصف التغيير فيكون الموضوع ذات الماء المتغير فالموضوع هو الماء بوصف التغير فمع زوال تغيره لا يجري الاستصحاب لعدم احراز الموضوع لما هو معلوم ان الاجماع دليل لبي يؤخذ بالقدر المتيقن فمع الشك في قيد من قيود الموضوع يشك في بقاء الموضوع

٣٨

مع ان الشيخ (قده) لم يعد ذلك من الأقوال المفصلة في المسألة بل نسب ذلك إلى بعضهم لانه قال ان الاستصحاب حال الاجماع لا يكون داخلا في محل النزاع بل أكثر الأصحاب على عدم حجيته وقد عرفت ان عدم الحجية فيه كاستصحاب حال العقل من انه مرتب على جعل المدار على الموضوع في لسان الدليل هو الموضوع الواقعي لا العرفي وسيأتي ان المختار على اعتبار الموضوع العرقي فلا مانع من جريان استصحاب الحكم الشرعي المستند إلى حكم العقل هذا ولكن المذكور في كلام الشيخ (قده) هو عدم جريان استصحاب الحكم الشرعي المستند إلى حكم العقل بوجه أخر غير ما ذكرنا (١) فقال ما لفظه ولم أجد

__________________

(١) لا يخفى أنه وقع الخلاف في استصحاب الاحكام الشرعية المستندة إلى حكم العقل فقال الشيخ بعدم جريانه خلافا للمحقق الخراساني صاحب الكفاية والاستاذ المحقق النائيني فقالا باستصحابه والحق التفصيل بين ما كون الأحكام العقلية مستقلة مع قطع النظر عن حكم الشارع كالحكم بحسن العدل وقبح الظلم فان العدلية والمعتزلة حكموا باستقلاله خلافا للاشاعرة حيث أنكروا ذلك وبين ما لا تكون مستقلة وانما يكون حكم العقل كاشفا عن الحكم الشرعي بادراك ملاكه وعليه يكون الحكم الشرعي المستكشف وليس تابعا للحكم العقلي وانما هو متقدم عليه حيث انه استكشف بادراك ملاكه فعلى الأول لا يجري الاستصحاب حتى بالاضافة الى الحكم الشرعي حيث انه لما كان مستكشفا من الحكم العقلي بالملازمة فيدور مدارها وجودا وعدما فمع فرض عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي لأجل تبدل عنوان الموضوع لزوال الخصوصية كما لو فرض تبدل عنوان الظلم فلا مجال لاستصحاب حرمته شرعا المستكشفة من حكم العقل بقبح الظلم مثلا بخلاف ما اذا

٣٩

من فصّل بينهما الا في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا نظرا إلى أن الاحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم والشك في بقاء المستصحب وعدمه لا بد وأن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لان الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه والموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجىء ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع وبين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم لان ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه فيرجع الأمر بالاخرة إلى تبدل العنوان ألا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام ومعلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم يتحققه سابقا لأن قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا ولا ينفع في اثبات القيح عند الشك في بقاء الضرر ، ولا يجوز أن يقال أن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه ،

__________________

كان من قبيل الثاني فانه لا مانع من جريان استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بادراك ملاكه لاحتمال أن يكون ملاك الحكم الشرعي أوسع مما أدركه العقل أو يكون له ملاكان مستقلان والعقل قد أدرك أحدهما وعليه يمكن أن يقال بأن ما ذكره الشيخ الأنصاري من منع جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي راجع إلى القسم الأول وما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية ووافقه الاستاذ النّائينيّ راجع إلى القسم الثاني فلا تغفل.

٤٠