منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

الموضوع في القضية المتيقنة وقد لا يكون كذلك كما بالنسبة إلى الاعتبارين

__________________

الماء قبل زوال تغيره فى نظر العرف ، كما أنه لا مانع من جريانه بناء على كون الميزان في الاتحاد هو الدليل المثبت للحكم إذا أستفيد منه أن الموضوع هو نفس الماء ، والتغير إنما هو واسطة لثبوت النجاسة له ، وعلى هذا فلا بأس بالتفصيل بين كون ملاك الاتحاد هو نظر العقل وبين كونه نظر العرق أو الدليل :

هذا والذي ينبغي أن يقال : أنه بناء على كون العبرة من الاتحاد المزبور بنظر العقل لا يمكن جريان الاستصحاب في الأحكام مطلقا ، سواء أكان الشك في بقاء الحكم راجعا إلى الشك في الرافع المقابل للمانع ، أم كان راجعا إلى الشك في الرافع المقابل للمقتضي ، أم كان راجعا إلى الشك في أصل المقتضي بعد ما كان مقتضي التحقيق عندنا كما تقدم عدم جريان الاستصحاب في الشك في أصل الجعل من جهة النسخ ، وفي الشك في أصل الجعل من جهة احتمال النسخ ، وفي الشك في بقاء الحكم الجزئي من جهة اشتباه الموضوع الخارجي واختصاصه على تقدير جريانه بالشك في بقاء الحكم في مرحلة المجعول. وذلك لأن الشك في هذه المرحلة لا ينشأ إلا من زوال خصوصية من خصوصيات الموضوع ، ضرورة أنه لا وجه للشك في بقاء الحكم مع بقاء موضوعه على حاله بما له من الخصوصيات الوجودية أو العدمية.

والتحقيق أن المناط في اتحاد القضيتين هو الاتحاد بالنظر العرقي الدقي العقلي ولا بحسب ما أخذ موضوعا للحكم في لسان الدليل وذلك من جهة أن خطاب لا تنقض اليقين بالشك كسائر الخطابات الشرعية حجة وكاشف عن مراد الشارع بظهوره الكلامي كما هو طريقة العقلاء من تفهيم مقاصدهم والكشف عن مراداتهم ، إذ الشارع

٣٤١

الآخرين كاللون مثلا تبدل مرتبة شديدة منه التي كانت متيقنة وشككنا

__________________

ما اخترع طريقا خاصا من تفهيم مراداته ومقاصده بل سلك ما سلكه العقلاء في محاوراتهم وهذا معنى حجية ظهور كلام الشارع ولا شك أن المراد من الظهور الكلامي هو ما يفهمه العرف وينسبق إلى ذهنه من الكلام وبالجملة وهذا هو معنى المفهوم العرفي فبناء على هذا لا بد وأن ينظر ويراجع إلى ما يفهمه العرف من هذه الجملة والكلام أي قوله :

(لا تنقض اليقين بالشك) فكل ما يفهمه من نقض اليقين بالشك هو المناط في جريان الاستصحاب وعدم جريانه والمراد من الرجوع إلى إلى العرف وكونه هو المرجع ـ هو في تعيين ما هو المفهوم من نقض اليقين بالشك وإلا فلا اعتبار بمسامحاته مقام تطبيق ما يفهمه على مصاديقه بل التطبيق يكون بيد العقل وفي كمال الدقة ولا ينطبق على غير ما هو مصداقه حقيقة إلا بادعائه وتنزيله فاذا كان المتفاهم العرفي من هذا الكلام أن الموضوع للحكم إذا كان حسب ما يفهمه العرف ولو كان من جهة مناسبات الحكم والموضوع في القضيتين المشكوكة والمتيقنة واحدا ولو كان بالدقة أو بحسب ما أخذ في الدليل موضوعان مختلفان يصدق على عدم العمل على طبق القضية المتيقنة في ظرف الشك في تلك القضية أنه نقض اليقين بالشك فهذا المورد هو مورد الاستصحاب كما أنه فى عكس هذا أي لو فرضنا فى مورد يصدق بالدقة أو بحسب ما أخذ موضوعا في الدليل كانت القضيتان واحدة ولكن بحسب المتفاهم العرفي لم تكونا واحدة ولم يكونا من مصاديق مفهوم نقض اليقين بالشك حقيقة أو بادعاء من الشارع فليس موردا للاستصحاب فمعنى أخذ الموضوع من العرف أي فهم موضوع الاستصحاب وهو نقض اليقين بالشك بيد العرف وإن كان تطبيقه أي ما يفهم العرف من هذه الجملة بيد العقل

٣٤٢

في بقاء مرتبة ضعيفة منه فان المرتبة الضعيفة المشكوكة بقائها بعينها كانت موجودة في ضمن المرتبة الشديدة ولولاها لم يكن شكا في بقاء ما كان سابقا بالدقة ولكنه لا يساعد على الاتحاد العرف ولسان الدليل وربما يكون الأمر بالعكس كما أنه ربما يقع الاختلاف في اعتباري العرف بحسب نظره المسامحي وبحسب نظره إلى مفاد الدليل فلو ورد الماء المتغير ينجس كان بحسب مفاد الدليل موضوع حكم القضية المتيقنة هو الماء بوصف التغير ولكن العرف يتسامح ويرى الموضوع نفس الماء ويحكم بكون التغير من الحالات كما إذا ورد الماء يتنجس إذا تغير كان الموضوع هو الماء كما أنه بحسب نظر الدليل قد يفرق بين التعبير في لسانه من دون نظر المسامحي فاذا اتحد الموضوع بجميع الاعتبارات فلا إشكال في جريان الاستصحاب لأنه القدر المتيقن.

وأما مع الاختلاف فلا إشكال أيضا أنه لا يمكن الجمع بين اللحاظات الثلاث وذلك من جهة أنه ليس لنا في المقام إلّا قوله لا تنقض اليقين بالشك وقد تقدم بأن مرجعه إلى النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك ومن المعلوم أنه لو كان المراد من الشىء الذي كان متعلق اليقين هو ذلك الشيء بالدقة العقلية بأن كان ما تعلق به اليقين عبارة مما تعلق به الشك بالدقة العقلية فلا شبهة في أن هذا المعنى ينطبق على الشك الساري الذي تعلق فيه الشك يعني ما تعلق به اليقين من جميع الجهات حتى حدوثا وبقاء ولا ينطبق على الشك الطارئ الذي هو الملاك في باب الاستصحاب لعدم ما تعلق الشك بعين تعلق به اليقين فان اليقين متعلقه هو الحدوث والشك متعلقه هو البقاء ومن المعلوم

__________________

ولا اعتبار بالمسامحات العرفية في مقام التطبيق ومما ذكرنا يظهر وجه تثلث الأقسام من نفس الاتحاد فلا تغفل.

٣٤٣

أن بقاء الشيء غير حدوثه ولهذا لم يجتمع الشك واليقين في زمان واحد في باب الاستصحاب.

الأمر الثالث : هل من الممكن شمول اخبار الباب للاستصحاب وقاعدة اليقين أم لا.

الحق عدم إمكان ذلك لأن مرجع الضمير المقدر في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك هو ذلك الشيء.

أما أن يكون نفس ذلك الشيء بالدقة حتى بالنسبة إلى زمانه من دون مسامحة أصلا فهو ينطبق على القاعدة.

وأما أن يكون المرجع ذلك الشيء بالنظر المسامحي العرفي فيكون منطبقا على الاستصحاب والجمع بين هذين اللحاظين لا يمكن مع أنه يلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد (١) وحيث لا يمكن إرادة خصوص قاعدة

__________________

(١) استدل الأستاذ النائيني (قده) على عدم إمكان الجمع بين الاستصحاب والقاعدة في استعمال واحد من جهة اليقين ومن جهة المتيقن ومن جهة النقض ومن جهة الحكم.

أما من جهة اليقين فانه يختلف أخذه ففي الاستصحاب أخذ بنحو الطريقية ومن القاعدة أخذ بنحو الموضوعية ومن المعلوم أن لحاظ الطريقية والموضوعية لا يمكن بالنسبة إلى شىء واحد في استعمال واحد ولحاظ واحد

وأما من جهة المتيقن فلان المتيقن في الاستصحاب لا بد أن يكون غير مقيد بالزمان حفظا لوحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة.

وأما المتيقن في القاعدة مقيد بالزمان ووحدة القضيتين في القاعدة وفي حتى يحسب الزمان ولذلك يسمى بالشك الساري ولا يلزم اجتماع الضدين مع وحدتهما بالدقة لاختلاف زمان اليقين والشك.

وأما من جهة النقض فلان في الاستصحاب باعتبار الجري العملي

٣٤٤

اليقين من الاخبار لمنافاتها لمورد الروايات فيتعين إرادة الاستصحاب ولازمه ذلك اعتبار المسامحة العرفية في متعلق الشك واليقين وببيان آخر

__________________

على طبق المتيقن حيث أن اليقين أخذ فيه بنحو الطريقية.

وأما في القاعدة فباعتبار جري العملي على نفس اليقين حيث أخذ فيها على نحو الموضوعية.

وأما من جهة الحكم المجعول فيها فلان المجعول في القاعدة ترتب آثار المتيقن في زمان اليقين مثلا لو تيقن بعدالة زيد يوم الجمعة ثم بعد ذلك شك فى عدالته في نفس ذلك الزمان فبناء على القاعدة يكون مفادها ترتيب آثار العدالة في نفس ذلك الزمان.

وأما المجعول في الاستصحاب حيث أن موضوعه الشك في البقاء وهو متأخر عن زمان الحدوث فيكون المجعول فى زمان الشك الذي بعد زمان اليقين ولكن لا يخفي ما فيه.

أما عن جهة اليقين فان اليقين في القاعدة أو الاستصحاب قد أخذ موضوعا للحكم المجعول بما هو طريق للمتيقن كما أن المجعول فيهما ترتيب آثار المتيقن إلا أنه في القاعدة بحدوث الطريق الى المتيقن أي في طرف الشك الساري وبهذا البيان يجاب عن الأخير فان المجعول في القاعدة والاستصحاب أمر واحد الجامع بينهما وهو الحكم بترتيب آثار المتيقن على المشكوك مطلقا سواء كان المشكوك هو الحدوث لكي يكون شكا ساريا أو كان بقاء ذلك الشيء حتى يكون مفاد الاستصحاب.

وأما عن جهة المتيقن فان المتيقن في كليهما مقيد بالزمان وإنما الفرق في ناحية الشك فان الشك تعلق بنفس زمان المتيقن كما في القاعدة وفي الاستصحاب تعلق في بقاء الشك أي زمانه يعد زمان المتيقن.

وأما من جهة النقض ففي كل منهما أخذ اليقين بنحو الطريقية

٣٤٥

إرجاع الضمير المحذوف أي فيه في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك الراجع إلى بقاء الشيء بالدقة العقلية على أن يكون الشك في بقاء

__________________

هذا وقد قيل بأن قضية لا تنقض اليقين بالشك تشمل القاعدة والاستصحاب بتقريب أن هذه القضية تنحل إلى قضايا متعددة حسب تعدد أفراد اليقين والشك فكما أن اليقين بوجود الشيء والشك في بقاء ذلك الشيء مصداق من المصاديق الذي هو موضوع الاستصحاب كذلك اليقين بوجود شيء في زمان ثم شك فى نفس ذلك الزمان الذي موضوع قاعدة اليقين المسمى بالشك الساري أيضا مصداق من مصاديق تلك القضية وبهذا نجيب عن الاشكال على حكومة الاستصحاب السببى على الاستصحاب المسببي مع أن دليليهما واحد وهو هذه القضية وقد أجاب الشيخ الانصاري (قده) عن ذلك وتبعه الأستاذ المحقق النائيني (قده) عن بأن اليقين في القاعدة وفي الاستصحاب ليسا فردين من طبيعة اليقين حتى يكون كل واحد منهما موضوعا مستقلا لأحد القضايا المنحلة بل تعددهما باعتبار انحفاظه في ظرف الشك وعدم انحفاظه وهذا متأخر عن وجوده لا يمكن أن يكون موجبا لتعدده.

ولكن لا يخفى أن الخصوصية الطارئة على الفرد وإن كانت متأخرة توجب تعدده على أن القضايا المنحلة باعتبار تعدد الشك ، ومن المعلوم تعدد الشك في القاعدة والاستصحاب لاختلاف متعلقهما إذ متعلق الشك في الاستصحاب هو بقاء الشىء بعد القطع بحدوثه فارغا عن أصل وجوده وفي القاعدة الشك في أصل وجوده وحدوثه.

والتحقيق هو عدم إمكان استفادة القاعدة والاستصحاب من قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك لاختلاف متعلق التعبد فان متعلق التعبد في القاعدة هو أصل وجوده في الزمان الذى كان متيقنا وفي الاستصحاب

٣٤٦

ما تعلق به اليقين بالدقة الذي لا ينطبق إلا إذا كان الموضوع واحدا بالدقة العقلية إذ مع اختلاف الموضوع بالدقة ولو بتغير بعض قيوده العقلية لم يكن متعلق الشك هو بقاء ما تعلق به اليقين بعينه لأن متعلق اليقين مثلا لو تعلق اليقين بنجاسة الكلب بما هو حيوان ومتعلق الشك هو بقاء نجاسته ومن المعلوم أنه مع اختلاف الموضوعين بالدقة لا يعقل أن يكون حكم أحدهما بقاء حكم الآخر بالدقة.

وأما أن يكون النظر في إرجاع الضمير إلى بقاء الشيء ولو مسامحة الذي لا ينافي صدق الشك في البقاء بهذا النظر ولو مع عدم اتحاد الموضوع بالدقة ينطبق على الاستصحاب ولا يمكن الجمع بين هذين اللحاظين في مثل قوله لا تنقض اليقين الخ. لعدم وجود لفظ كان بمدلوله جامعا بينهما فلا بد أما من اختيار الأول أو الثاني وحيث أن خطابات الشارع منزلة على طبق فهم العرف فلا بد أن يكون المراد هو الثاني بالنظر المسامحي العرفي أو بالنظر إلى لسان الدليل أو العرفي الارتكازي ثم أنه وقد يتوهم إرادة الأول والثاني وذلك فان إنشاء الاستصحاب كما عرفت هو إحراز الصغريات لكبريات الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها المأخوذة في أدلتها ولو تعبدا فدليل لا تنقض ناظرا إلى إحراز ذلك الموضوع تعبدا أو هو الموضوع المأخوذ فى لسان الدليل فما يفهمه العرف من

__________________

متعلق التعبد في بقاء ذلك الشىء في ظرف الشك فارغا عن أصل وجوده فجعل أحدهما ولحاظه ينافي جعل الآخر ولحاظه ولا يمكن إرادتهما باستعمال واحد وعليه لا يمكن شمول لا تنقض لهما فلا بد وأن يراد أحد اللحاظين بأن يكون ملحوظا فيه بأحد الاعتبارين أي إما لحاظ القاعدة أو الاستصحاب وحيث أنه عليه‌السلام طبق لا تنقض على الاستصحاب في موارد عديدة فلا بد أن يكون مساقها مساق الاستصحاب فافهم وتأمل.

٣٤٧

لسان الدليل هو الموضوع وحيث أن اتحاد الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة بهذا النظر كما يفهمه العرف وأن تغايرا بالدقة العقلية لكنه توهم فاسد وذلك لأن غاية ما يستفاد مما ذكر هو تحكيم فهم العرف فى الاتحاد.

وأما تعيين كون الملاك بحسب لسان الدليل أو فهم العرف فيه الاتحاد بحسب الانكار فلا مع أنه يمكن ترجيح الثاني على الأول بالتبادر وان المنساق إلى أذهانهم هو النظر العرفي المسامحي الارتكازي بحيث لو صدر خطاب لفهموا منه ما هو الموضوع للحكم والاطلاق يجمل على هذا المعنى بمقتضى مقدمات الحكمة فانه لو كان الموضوع غير ما يتبادر إلى أذهانهم فلا بد من نصب قرينة ومع عدم نصب القرينة يعلم إرادة ذلك المعنى فتلخص أن المناط في الاتحاد هو النظر المسامحي العرفي الارتكازي ثم أنه مما ذكرنا ظهر فساد من يقول باستفادة قاعدة اليقين والاستصحاب كليهما من أخبار الباب واستصحاب القهقرى أيضا بدعوى أن قوله لا تنقض اليقين بالشك يشمل ما لو كان الشك بنفس ما تعلق به اليقين بأن يكون متعلقها الحدوث في زمانين كان يكون يوم الجمعة ظرف اليقين بعدالة زيد ويوم السبت ظرف الشك في العدالة المتيقنة يعني تعلق الشك بأصل العدالة أي بحدوثها وكان الشك في استمرار المتيقن السابق الذي هو مورد الاستصحاب كما أن الاصول في مورد القاعدة والشك الساري فيكون معنى لا تنقض اليقين بالشك عدم جواز نقض اليقين بحدوث شيء أو بقائه بالشك بالحدوث أو البقاء والحاصل أن المحتملات في الرواية لا مانع من إرادة جميعها الأول عدم نقض اليقين بحدوث شىء بالشك في الحدوث وهو مفاد قاعدة اليقين الثاني عدم نقض اليقين بالحدوث بالشك في البقاء وهو مفاد الاستصحاب الثالث عدم نقض اليقين بالبقاء

٣٤٨

بالبقاء بالشك في الحدوث وهو مفاد استصحاب القهقري.

الرابع عدم نقض اليقين بالبقاء بالشك في البقاء ويمكن تطبيقه على الاستصحاب الخامس عدم نقض اليقين الحاصل في الحال بالشك في الاستقبال وهو مورد الاستصحاب أيضا فالاخبار نشمل قاعدة اليقين والاستصحاب القهقري وغيره جميعا.

ولكن لا يخفى أن ذلك محل منع يظهر مما تقدم من عدم إمكان الجمع بين اللحاظين وبعد عدم الامكان لا بد من حمل الأخبار على الاستصحاب دون قاعدة اليقين بقرينة موردها.

وأما عدم شمول الاستصحاب القهقري فقد تقدم من أنها تنصرف إلى تقديم اليقين على الشك دون العكس وفي استصحاب القهقري ليس الأمر كذلك ثم أن بعض المتأخرين قالوا بامكان إرادة قاعدة اليقين من الأخبار فقد تمسكوا لاثباتها بوجوه أخرى والحق عدم تماميته شيء منها كما أن التمسك بقاعدة الفراغ لاثبات هذه القاعدة أيضا لا موقع له إذ قاعدة الفراغ موردها أعم منها لجريانها ولو مع الغفلة عن الحالة السابقة المقرونة باليقين وجريان قاعدة الفراغ في موردها لا تدل على اعتبارها لكون موردها من إحدى صغريات موارد قاعدة الفراغ لا من جهة الشك الساري كما لا يخفى.

الأمر الرابع لا إشكال فى أن الاستصحاب يتقوم بيقين سابق وشك لاحق فلو حصل اليقين على خلاف الحالة السابقة فلا يبقى مجرى للاستصحاب قطعا إذ هو من موارد نقض اليقين.

وأما إذا قامت امارة معتبرة غير مقيدة للقطع على خلاف الحالة السابقة فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب وانما الشأن في وجه التقديم هل على نحو التخصص أو التخصيص أو الورود أو الحكومة. بيان

٣٤٩

المختار تتوقف على معرفة معاني هذه الألفاظ فنقول.

أما الورود فهو عبارة عن كون أحد الدليلين بجريانه رافعا لموضوع دليل المورود وجدانا وحقيقة بحيث لو لا جريانه لكان المورود جاريا كما في الطرق والامارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العملية كالبراءة والاحتياط والتخيير حيث أن قيام الامارة تكون بيانا للواقع فيرتفع موضوع البراءة العقلية وبقيامها على الاباحة بتحقق المؤمن ، فيرتفع احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط وبه يرتفع التحير الذى هو موضوع التخيير وهذا الورود نظير التخصص.

وغاية الأمر أن في التخصص يكون خروج المورد ذاتيا كخروج الجاهل عن عموم أكرم العلماء بخلاف الورود فان خروج المورد عرضيا ناشئ من تصرف الشارع بدليل الوارد.

وأما الحكومة فهي عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضا لحال دليل الآخر بتصرف في عقد وضعه أما توسعة بادخال ما يكون خارجا وأما تضييقا باخراج ما يكون داخلا.

وأما في عقد حملة بأن يكون ولو بدوا إلى مفاده كمثل لا ضرر ولا ضرار ولا حرج وبهذا تفترق الحكومة عن التخصيص وإن اشتركا في كون المورد عن العموم إخراجا حكميا لا حقيقيا.

وبالجملة العرف أن خروج المورد عن العام بلا تصرف في المخصص في عقد وضعه أو حمله وفي الحكومة يكون التصرف من الحاكم في عقد وضعه إدخالا أو إخراجا أو عقد حمله إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ الانصاري (قده) ذهب إلى الحكومة وصاحب الكفاية إلى الورود وهذا الاختلاف بينهما في وجه التقديم نشأ من الاختلاف في جعل الطرف والامارات من دليلها فان كان الدليل ناظرا إلى جعل الشك

٣٥٠

بمنزلة اليقين بمعنى إلغاء احتمال الخلاف وتتيمم الكشف وجعل الطريق طريقا يقينا بمعنى توسعة لدائرة اليقين فيكون الظن كالعلم مثلا في جهة كشفه كما هو مذهب الشيخ في باب الامارات. أو أن كان ناظر إلى تنزيل المشكوك والمظنون منزلة المتيقن من غير نظر إلى جعل الظن منزلة اليقين أصلا كما هو مختار صاحب الكفاية فعلى مختار الشيخ في جعل الطرق يلتزم بحكومة الامارات على الاستصحاب بمعنى حكومة دليل الامارة على دليل الاستصحاب إذ معنى الحكومة كون الحاكم بمدلوله ناظرا إلى دليل المحكوم وشارحا للمراد فيه فالحكم مخصصا بلسان الشرح والتفسير بمعنى أنه لو لا المحكوم يكون مجيء الحاكم لغوا ففي ما نحن فيه معنى إلغاء احتمال الخلاف والبناء على أنه ليس شاكا مع كونه شاكا بالوجدان هو رفع ليد عن آثار الشك التي منها حرمة نقض اليقين به لو لا الامارة فالامارة رافعة لتلك الآثار ومخصصة لدليلها لكن بلسان الشرع والتفسير بأن موردها غير مورد الامارة وغير خفي أنه لو لا للشك أثر شرعي كان جعل الامارة بهذا اللسان في مورده لغوا فظهر بوضوح أن وجه تقديمها على الاستصحاب بنحو الحكومة غاية الايضاح وعلى مسلك الكفاية لا خفاء في عدم حكومتها عليه إذ بناء على ذلك المسلك يكون الشك محفوظا غير مرفوعا لا وجدانا كما هو واضح ولا حكما ولا تعبدا لما عرفت أنه على هذا المسلك يكون في مقام جعل المؤدى منزلة المشكوك من دون نظر إلى رفع الشك وجعله منزلة اليقين ولا يكون له حكم برفع اليد عن آثار الشك بلسان عدمه ومع حفظ الشك وعدم رفعه ولو تعبدا يجيء عموم دليل الاستصحاب أعني لا تنقض اليقين بالشك ويكون النسبة بينهما هو العموم من وجه لأن دليل الامارة ناظر إلى جعل المؤدي منزلة المعلوم سواء كان من مورد

٣٥١

الاستصحاب أم لا ودليل الاستصحاب يدل على حرمة نقض اليقين بالشك سواء كان من مورد الامارة أم لا لكن دليل الامارة وارد على الاستصحاب إذ المراد بالشك هو الشك بالحكم مطلقا ولو كان ظاهريا فاذا قامت الامارة على مورد الاستصحاب يحصل اليقين الوجداني بالحكم الظاهري فيدخل في قوله ولكنه تنقضه بيقين آخر فعلى هذا يكون المراد من اليقين في قوله لا تنقض اليقين هو اليقين بالحكم الواقعي والمراد من الشك فيه اليقين بالحكم الواقعي بقوله ولا تنقضه بيقين آخر هو الأعم من اليقين والشك بالواقع فيصبر حاصل المعنى لا تنقض اليقين بالحكم الواقعي بالشك والحيرة واعمل على طبق اليقين بالحكم الواقعي بالشك والحيرة واعمل على طبق اليقين في مقام التحير بل تنقض باليقين الآخر ولو كان بالحكم الظاهري الثابت في مقام الشك ولكن من غير جهة ذلك الشك الذي هو مورد الاستصحاب فاذا حصل القطع من دليل الامارات بوجود التعبد بها وكون مدلولها حكما ظاهريا فيرتفع موضوع الاستصحاب وهذا هو المعنى الورود لأنه عبارة عن رفع أحد الدليلين لموضوع دليل آخر هذا حال الامارات بالنسبة إلى الاستصحاب وهكذا الكلام بالنسبة إلى سائر الاصول من البراءة والاشتغال ولأجل اختلاف هذين العلمين في هذين المسلكين قد ذهب الشيخ رحمه‌الله والامارة بقيام مقام القطع الموضوعي الطريقي دون صاحب الكفاية كما تقدم الكلام فيه في محله.

ولكن لا يخفى أن الورود يتم على مسلك الكفاية لو قيل بالاطلاق في الشك واليقين لكي يشمل الشك واليقين المتعلقين بالحكم الظاهري

وأما لو منع من الاطلاق بدعوى انصرافهما إلى الشك واليقين المتعلقين بالواقع كما هو الظاهر بقرينة اليقين فى قوله لا تنقض اليقين إذ الظاهر كون

٣٥٢

هذا اليقين والشك واليقين في قوله بيقين آخر كلها متعلقا بأمر واحد وهو الواقع خصوصا بقرينة مثله في قوله بل تنقضه بيقين آخر مثله ودعوى الورود ممنوع وقد عرفت أنه لا تتم الحكومة أيضا على هذا المسلك فلا بد من وجه آخر للتقديم ويمكن أن يكون بوجه التخصيص أعني تخصيص دليل الاستصحاب بدليل الامارة في مورد وإن كان بينهما عموم من وجه لما عرفت أنه يلزم اللغوية في جعل الامارات لو لا تقديمها لعدم بقاء مورد لها بيان ذلك أنه لو قدم الاستصحاب على الامارة في مورد الاستصحاب فبعدم القول بالفصل بين الاستصحاب وسائر الأصول أيضا تقدم على الامارات فلا يبقى مورد لدليل الامارات أصلا إذ ما من مورد من موارد الامارات إلا أن يكون فيها أصل.

أما على خلافها أو على وفقها فتبقى الامارة بلا مورد بخلاف ما لو قدم الامارات فانه يبقى مورد الاستصحاب أو غيره من الاصول فيما إذا لم يكن هناك امارة فلا يبقى بلا مورد وقد عرفت أن المنشأ في وجه ذلك هو الخلاف في جعل الامارات فاعلم أن الحق ما ذهب إليه الشيخ (قده) وذلك لأن باب المسلكين في الجعل ليس منحصرا في الشرع بل هو مرتكز في أذهان العقلاء أيضا فهم بارتكازهم يفرقون بين لساني الجعلين فاذا ألقي إليهم أن استتار الواقع بمنزلة انكشافه وأنه منكشف غير مستور بجعله منزلته فبحسب ارتكازهم يفهمون كلا الجعلين والشارع بين مفاد أحد الجعلين بالامارات مفاد الآخر بالأصول وعلي هذا تكون الامارة مقدمة على الاصول ولو لم يكن دليل لفظي في البين حتى يكون بمدلوله اللفظي ناظرا إلى مدلول آخر بل لو كان ثابتا بدليل آخر أيضا كان مقدما على الاستصحاب من باب الحكومة فظهر أن الحق في الامارات مقدم على الاصول من باب الحكومة أيضا من عدم حاجة فيها أن يكون الحاكم بلفظه مفسرا للمراد كما ذكره

٣٥٣

الشيخ (قده) في أول رسالة التعادل والترجيح بل تصح الحكومة ولو كان الحاكم ثابتا بدليل لبي.

وعليه لا وجه لدعوى الورود الا بوجوه ثلاثة.

أما دعوى أن المراد من اليقين الناقض مطلق اليقين الصالح للناقضية كي يشمل اليقين الوجداني والتعبدي أو دعوى أن المراد اليقين الوجداني لكن متعلقه أعم من الحكم الواقعي والظاهرى أو دعوى أن المراد منه مطلق الحجة من غير فرق بين أن يكون عقلية كالعلم أو شرعية كالامارات وهكذا في العلم المأخوذ غاية في سائر الأصول فانه على كل واحد من هذه الوجوه تكون الامارة واردة على الأصول لكونها موجبة لخروج المورد حقيقة عن موضوع دليل الأصول.

ولكن لا يخفى أن هذه الوجوه تنافي ظواهر أدلة الاصول فان ظهورها في أن الغاية هي خصوص اليقين الوجداني المتعلق بالحكم الواقعي كظهورها في اختصاص الشك المأخوذ في موضوعها هو الشك بالحكم الواقعي لا الشك بمطلق الحكم وعليه تكون الامارات حاكمة على الاصول حيث أن المختار أن التنزيل انما هو بمعنى تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع وبذلك تكون رافعة للشك الذي أخذ موضوعا للاصول ومثبتة للمعرفة المأخوذة غاية لمثل دليل الحلية ودليل حرمة النقض وبهذا الاعتبار تكون ناظرة الى نفي الحكم المترتب على عدم انكشاف الواقع واستتاره وعليه لا يكون رفع اليد عن اليقين السابق في الاستصحاب من نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين من غير فرق في ذلك بين أن نقول برجوع التنزيل الى المتيقن بتوسط اليقين أو الى نفس اليقين فعلى كلا التقديرين يكون تقديم الامارة على الاصول بمناط الحكومة أي بالحكومة الظاهرية.

٣٥٤

وأما بناء على غير المختار من أن التنزيل راجع إلى تنزيل المؤدى بلا نظر الى تتميم الكشف كما يدعيه الأستاذ المحقق الخراساني (قده) فلا مجال لدعوى حكومة الامارات على الاصول ولذا هو ادعى نقي الحكومة إلّا أن دعواه الورود فى غير محله كما ظهر لك سابقا وعليه لا بد من تقديم الامارة على الأصل بوجه آخر وهو بمناط التخصيص لا بمناط الحكومة والورود كما أن على هذه الدعوى لا تقوم الامارات مقام القطع المأخوذ جزء الموضوع أو تمامه على وجه الطريقية.

نعم بناء على المسلك المختار من أن مفاد التنزيل تتميم الكشف بكون تقديمها على الأصول بنحو الحكومة ويصح قيامها مقام القطع على نحو الطريقية كما بيناه سابقا هذا بالنسبة الى الأصول الشرعية وبالنسبة إلى الأصول العقلية فتقديم الامارة عليها بمناط الورود حيث أن قيامها يكون بياتا فلا يكون المورد من باب حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وبقيامها يتحقق المؤمن فيرتفع معه احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط كما أنه بقيام الامارة يرتفع التحير الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير فافهم وتأمل ...

الأمر الخامس نسبة الاستصحاب إلى قاعدتي الفراغ والتجاوز (١)

__________________

(١) وهل هما قاعدتان أم قاعدة واحدة قيل بالأول لعدم إمكان الجمع بينهما لجعل واحد حيث أن الشك في قاعدة التجاوز يتعلق بأصل وجود الشيء وفي قاعدة الفراغ بصحة الموجود ولا يمكن الجمع بينهما بلحاظ واحد إذ لا جامع بينهما وكيف يكون جامع بين ما هو بمفاد كان التامة الذي مفاد قاعدة التجاوز ومفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ وأجاب الشيخ الأنصاري (قده) عن ذلك بامكان إرجاع قاعدة الفرغ إلى مفاد كان التامة بمعنى إرجاع بصحة الموجود الى التعبد

٣٥٥

فلا إشكال في تقديمهما على الاستصحاب إلا أنه هل التقديم بنحو الحكومة أو التخصيص قيل بالأول بناء على انهما من الامارات الكاشفة

__________________

بوجود الصحيح بتقريب جعل الصحة قيد للموضوع لا للمحمول كي يكون المحمول هو الوجود المطلق الذي هو مناط كان التامة بأن يقال عند الشك في صحة العمل الذي فرغ منه صلاة كانت أو حجا أو نحوهما العمل الصحيح وجد وعليه يكون الجامع للقاعدتين هو معنى واحد وهو التعبد بوجود الشيء وقد أورد عليه المحقق الأستاذ النائيني (قده) بأمور ثلاثة.

الأول إن التعبد بوجود الصحيح لا يثبت صحة الموجود إلّا بالأصل المثبت اذ الأثر مترتب على صحة الموجود لا على وجود الصحيح.

الثاني أن متعلق التجاوز في الأخبار في قاعدة الفراغ هو ذات الشىء وفى قاعدة التجاوز محله ولا جامع بينهما.

الثالث بأن متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو الجزء وفى قاعدة الفراغ هو الكل ولا جامع بين الجزء والكل في عالم اللحاظ.

ولكن لا يخفى أنه يمكن تصور جامع في المقام بأن يوجد نفس الشىء المنطبق على متعلق كل منهما ويكون التعبد بوجوده من دون عنوان شيئية الجزء أو شيئية الكل حتى يقال أنهما شيئان موجودان بوجودين لا جامع بينهما وعليه لا مانع من شمول عنوان الشىء لهما فاذا أمكن أن يكون لهما جامع في مقام الثبوت يقع الكلام في مقام الاثبات فنقول الناظر الى أخبار الباب يجد امكان أخذ الجامع لهما الى أن يقول (ع) يا زرارة إذا خرجت من شىء ثم دخلت فى غيره فشكك ليس بشىء بتقريب أن الامام (ع) ذكر كبرى كلية تنطبق على الخروج من جزء ودخوله في جزء آخر أو مطلق ما كان

٣٥٦

عن الواقع بتقريب أن المستفاد من الغالب أن كل من يأتي بالفعل المركب من الأجزاء يأتي بجميع الأجزاء وشرائطه على وفق الارادة المتعلقة بذلك الفعل والشارع أمضى هذه الغلبة كما يستفاد من تعليل

__________________

غيره لكن يشمل الجزء الآخر وعلى الخروج عن المركب المأمور به والدخول في غيره مثل الصلاة والحج وغيرها وعليه أنه يمكن الاستفادة من الرواية جامع عام ينطبق على الجزء وعلى الكل والخروج عنه له مصداقان أحدهما التجاوز عن محله الذي عين الشارع له وبهذا الاعتبار يشمل قاعدة التجاوز.

وثانيهما التجاوز عن نفسه والفراغ عنه وبهذا الاعتبار يشمل قاعدة الفراغ والجامع بينهما هو عنوان الخروج عن الشىء ومثل هذه رواية اسماعيل بن جابر (كل شىء شك فيه مما قد جاوزه ودخل فى غيره فليمضي عليه) بتقريب أن الامام (ع) أمر بالمضي وعدم الاعتناء بالشك في كل ما شك فيه من غير فرق بين كان المشكوك فيه نفس المركب أو جزء من أجزائه بعد ما مضى عنه غاية الامر المضي عن المركب باتمامه والفراغ عنه وبالجزء المضي عن محله وهكذا في بقية الأخبار فاته من جميع أخبار الباب يستفاد مفهوم التجاوز والمضى وكلاهما مصداقان لمفهوم التجاوز عن الشيء له مصداقان.

أحدهما التجاوز عن نفس الشىء بمعنى تمام وجوده المضي عنه وهذا مورد لقاعدة الفراغ.

وثانيهما التجاوز عن محله وهذا مورد التجاوز وليس فيهما تجوز أو اضمار بل التجاوز عن المحل الذي عينه الشارع للشىء يكون تجاوزا عن ذلك الشىء حقيقة إذ لا معنى للتجاوز عن نفس الجزء إلا بالتجاوز عن محله الشرعي أو يلتزم

٣٥٧

بعض الأخبار بقوله هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك.

ولكن لا يخفى أن الغلبة لا توجد الامارية واستفادة ذلك من

__________________

بدلالة الاقتضاء تقدير لفظ المحل حفظا للكلام عن اللغوية كما في قوله تعالى (وأسأل القرية) تقدير أهل ثم أنه هل المراد من التجاوز عن المحل الشرعي فقط أو يعم حتى المحل العادي قيل بالثاني اذ التقدير لما كان هو المحل وهو أعم من العادي والشرعي وعليه تترتب ثمرات فقهية مهمة كما لو كان من عادته الوضوء عقيب الحدث الأصغر أو الغسل عقب الحدث الأكبر فعلى تعميم معنى المحل يلزم القول في الأول حيث أن المستفاد من أخبار الباب انه طبق الامام (ع) كبرى القاعدة التي هي انما الشك في شيء لم تجزه على الشك في وجود الأجزاء بعد التجاوز عن محلها الشرعي كما في قوله (ع) بعد قول السائل ورجل شك في الآذان وقد دخل في الاقامة حيث قال (ع) ورجل شك في الاقامة وقد كبر قال عليه‌السلام يمضي وهكذا سأل السائل عن الشك في الأجزاء بعد التجاوز عن المحل الشرعي فأجابه (ع) بأنه يمضي الى أن قال (ع) يا زرارة اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشك ليس بشىء.

وبالجملة المستفاد من الرواية هو الخروج عن محلها الشرعي والمضي والتجاوز عنه اذ هذا المقدار هو الذي طبق الامام (ع).

وأما أكثر من ذلك بنحو يشمل المحل العادي فلا نقتضيه دليل الاقتضاء اذ لبس لفظ المحل في البين حتى يؤخذ بعمومه ثم أنه لو شك فى الجزء الأخير من المركب المترتب الاجزاء كالتسليم مثلا فهل تجري قاعدة التجاوز أو الفراغ أو كلاهما أو لا يجريان احتمالان والذي ينبغي أن يقال أن الجزء الاخير انما يتصور فى الاجزاء المترتبة بعضها

٣٥٨

الاخبار ممنوعة بل المستفاد من الاخبار أنها من الاصول حيث ان المأخوذ في موضوعها الشك كقوله (ع) (اذا خرجت من شيء ودخلت فى غيره

__________________

على بعض وإلّا لو لم يكن ترتب بينها فلا يكون الجزء المشكوك الاخير بل تكون الأجزاء عرضية وبعد الفراغ عن هذه الجهة فيكون المراد بالشك في الجزء الاخير بالنسبة إلى المركب المترتبة الاجزاء كالتسليم مثلا فتارة يعتبر فيه الموالاة وأخرى لا يعتبر فيه ذلك.

أما فيما لا يعتبر فيه الموالاة كالغسل مثلا اذا شك في جزئه الاخير كالجانب الايسر فالظاهر عدم جريان القاعدتين.

أما قاعدة التجاوز فواضح حيث أنه لم يتحقق تجاوز عن وجوده حيث أنه فرض أنه مشكوك ولا عن محله الشرعي حيث أنه فرضه فيما لم يعتبر فيه المولاة ففي أي وقت أتى به لتكون محله يعم لو عممنا المحل للعادي لامكن صدق التجاوز عن محله لكنك قد عرفت أن المستفاد من الاخبار هو المحل الشرعى.

وأما قاعدة الفراغ فجريانها محل اشكال اذ كيف يتحقق الفراغ مع كون الجزء الأخير مشكوك الوجود.

وأما اذا اعتبر فيه المولاة فلا يبعد شمول القاعدتين بناء على عدم اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة حتى في الجزء الأخير وأما بناء على اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة كما لو شك في الجزء الأخير من الصلاة كالتسليم مثلا وقد دخل في التعقيب بعد الصلاة فلا مانع من جريان تلك القاعدتين لصدق التجاوز عن محله الشرعي ويصدق الفراغ بدخوله في التعقيب.

وأما لو شك فى التسليم ولم يكن داخلا في التعقيب فان كان شكه بعد صدور المنافى من غير فرق بين ما يكون المنافى عمدا وسهوا كالحدث أو عمدا لا سهوا كالتكلم كما أنه لا فرق بين أن يكون المنافى

٣٥٩

فشكك ليس بشيء) وكذا الاخبار ولست في مقام الغاء الشك وتتميم الكشف لكي تكون من الامارات وعليه لا مجال لتقديمها على الاستصحاب

__________________

أمر وجوديا كالحدث والتكلم أو عدميا كالسكوت الطويل فان جميع ذلك تجرى كلتا القاعدتين.

أما في التجاوز فانه يصدق بتجاوزه عن محله الشرعي فان محله الشرعي للتسليم قبل فعل المنافى كما أنه يصدق الفراغ بعد الاشتغال بالمنافى.

وأما إذا لم يكن شكه بعد فعل المنافى بل شك قبل فعل المنافي فالظاهر عدم جريان التجاوز لعدم تجاوزه عن محله الشرعى ولا يتحقق الفراغ اذ لو علم بالترك لأتى به وكان فى محله ثم لا يخفى هل يعتبر في القاعدتين الدخول في الغير أم لا قيل بعدم اعتباره بحمل الدخول في الغير في لسان الاخبار محمول على الغالب.

ولا يخفى أن حمل القيد على الغالب خلاف ظاهر التعبير فاذا ظاهر في الأجزاء فالحق أن يقال أن الظاهر من الأدلة في قاعدة التجاوز اعتبار الدخول في الغير لعدم صدق التجاوز إلّا بالدخول في الغير.

وأما حيث لا يتحقق معنى للتجاوز عن محله الا به ولو كان بالسكوت الطويل لو كان الشك في الجزء الأخير وهو التسليم.

وأما في الفراغ فيمكن أن يستفاد من أخبار الباب في اعتبار الدخول في الغير لرواية زرارة قال (ع) لزرارة (اذا خرجت من شىء ودخلت في غيره فشكك ليس بشىء) وقبلها رواية اسماعيل بن جابر كل شىء شك فيه مما قد جاوزه ودخل فى غيره فليمضي عليه ولا يعارض ذلك إطلاق رواية بن بكير لامكان حملها على المقيد مع فرض وحدة المطلوب ثم أنه ما المراد من (الغير) هل هو الغير المختص

٣٦٠