منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

ينحل الى أحكام عشرة فينحل الحكم الى مائة حكم فاذا قال أكرم العلماء في كل يوم فكأنه بالنسبة الى كل فرد منهم قال أكرمه في هذا

__________________

ولا يرجع إلى الاستصحاب لأنه يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر بخلاف ما لو كان مصب العموم الازماني مصب نفس الحكم فانه يكون الحكم واحدا مستمرا في جميع الأزمنة واستمراره لا يوجب تعدده حيث فرض أن الاستمرار الذي مفاد العموم وارد على الحكم ومع هذا الفرض يكون من قبيل العرض بالنسبة إلى موضوعه ومع الشك لا يمكن التمسك بالعموم للزومه كون العرض يثبت المعروض أو الحكم يثبت الموضوع وهو ممنوع فعليه لا بد من التمسك باستصحاب حكم المخصص ومع عدم جريانه لاختلال بعض أركانه فيرجع إلى القواعد الأخرى من براءة أو اشتغال.

ولكن لا يخفى أن الحكم المستمر عبارة عن وجوده في جميع الأزمنة وليس معناه ان الاستمرار يحصل بعد وجوده لكي يكون من قبيل العرض والحكم معروض أو الحكم بعد الموضوع والاستمرار هو الحكم وانما وجوده في الأزمنة المتأخرة عين استمرار عمومه بحسب الزمان فاذا أحرز عمومه بحسب الزمان ينحل إلى قضايا متعددة فيرجع الى التمسك في العام في ما عدا المخصص من غير فرق بين أن يكون الزمان ظرفا للحكم أو المتعلق أو كان قيد المتعلق بأن في جميع ذلك ينحل العام الى جميع قطعات الزمان وعليه مع خروج قطعة منه لا توجب خروج نفس القطعات من الزمان كما هو كذلك بالنسبة إلى الأفراد العرضية ومع عدم الانحلال لعدم ما يوجب الانحلال فالمرجع إلى دليل آخر لو حصل وإلّا فنرجع الى الاصول العملية من الاشتغال والبراءة فافهم وتأمل.

٣٢١

الزمان وذاك الزمان وهكذا فاذا أخرج من تحت هذا العام فرد في زمان خاص من تلك الأزمنة مثلا ورد لا يجب اكرام زيد في يوم الجمعة وشك في حكم ذلك الفرد في الزمان الآخر فلا شبهة في أنه لو كان محكوما بحكم المخصص يلزم تخصيص الزائد بالنسبة إلى الزمان المشكوك لأن من شرطه اتحاد الموضوع في القضية المشكوكة مع المتيقنة والمفروض في المقام تعدد الموضوع باعتبار كون كل زمان فردا مستقلا وموضوعا لحكم مستقل فالاستصحاب في مثله يرجع إلى اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر لا إسراء حكم لموضوع واحد.

قال لصاحب الكفاية (قده) في مقام الاضراب بعد موافقته في أصل الدعوى ولكن قيد ذلك يعني عدم الرجوع إلى الاستصحاب ولو مع عدم العام بما إذا أخذ الزمان في الخاص أيضا قيد لا ظرفا وذلك لأنه كما يؤخذ الزمان في ظرف العام قيدا كذلك يمكن أخذه في ظرف الخاص أيضا قيدا ويمكن أن يؤخذ في ظرف الخاص ظرفا محضا فاذا أخذ في ظرف الخاص قيدا فلا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب ولو مع عدم العام.

وأما إذا أخذ ظرفا فمع وجود العام يكون هو المرجع كما تقدم

وأما مع عدمه فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص لعدم كونه من إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر بل هو إسراء حكم للموضوع الواحد وقد استدل لكون المرجع هو استصحاب حكم المخصص فيما اذا أخذ الزمان في ظرف العام ظرفا لا قيدا بأن الزمان لبيان استمرار حكم واحد محضا من غير أن يكون لكل زمان حكما مستقلا فحينئذ فاذا أخرج من تحت العام فرد منه في يوم الجمعة مثلا وشك في يوم السبت في حكمه فلا مجال للتمسك بالعام لخروج هذا الفرد من

٣٢٢

تحته وبقائه على الخروج في زمان الشك لا يستلزم تخصيصا زائدا فالمرجع حينئذ هو استصحاب حكم الخاص لكونه اسراء حكم لموضوع واحد لاسراء حكم من موضوع الى موضوع آخر بل لو لم يكن استصحاب فلا مجال للرجوع الى العام أيضا بل لا بد من الرجوع الى دليل آخر ووافقه صاحب الكفاية في الرجوع الى الاستصحاب فيما لو أخذ الزمان ظرفا في ظرف العام لا مطلقا بل فيما اذا أخذ في ظرف الخاص أيضا ظرفا

وأما لو أخذ في ظرف الخاص قيدا فلا مجال للرجوع الى استصحاب حكم المخصص ولا يرجع الى العام أيضا لأنه اسراء حكم من موضوع الى غيره لاسراء حكم لموضوع لواحد ثم ظاهر كلام الشيخ في هذا القسم عدم الرجوع الى العام مطلقا.

ولكن صاحب الكفاية قد فصل بين ما اذا كان خروج الفرد تحت العام وخصص بعد ورود العام فيما لو جعل في ظرف العام فوافقه وبين ما اذا خصص من الأول كما يظهر من بعض كلماته فخالفه وقال فيه بامكان الرجوع الى العام دون الاستصحاب ووجهه أنه لو كان الخروج من الأول فلا يلزم بالنسبة إلى المخصص خروجه ويلزم رفع اليد عن اطلاق استمرار حكم هذا الفرد من الأول لا أصل رفع اليد عن شمول العام له بالنسبة الى مقدار ما لم يدل دليل المخصص على خروجه.

ونتيجة هذا البحث وثمرته تظهر بالنسبة إلى مثل أوفوا بالعقود وما ورد من الدليل على الخيار بالنسبة الى أول زمان العقد وشك في الزائد عن المقدار المتيقن كخيار المجلس بالنسبة الى الزائد من المقدار المتيقن منه وبالنسبة إلى ما ورد من الخيار في الأثناء كخيار الغبن بناء على كون ظهور الغبن موجبا للخيار ولو شككنا في أنه فوري أو متراخي فانه على مسلك الشيخ لا موقع للرجوع الى العام كأوفوا بالعقود بالنسبة

٣٢٣

الى زمان الشك بناء على كون الزمان فيه ظرفا بل لا بد من الرجوع الى استصحاب الخيار وبناء على مسلك الكفاية الأمر كذلك في المثال الثاني دون المثال الأول فلا بد من الرجوع الى عموم أوفوا بالعقود دون الاستصحاب.

ولا يخفى أن هذه الثمرة مع الاغماض عما سيجيء تترتب لو كان معنى الوجوب الوفاء بالعقد وجوب ابقاء العقد ووجوب حفظه على أن يكون المراد من وجوب الوفاء هو الوجوب الوضعي الراجع الى الارشاد بأن العقد اذا وقع فلا يزول بالفسخ الذي هو حكم وصفي وعليه يكون نفس دليل الخيار مضادا للعلم فلا بد من تخصيصه به فحينئذ يكون مجالا لتلك الثمرة.

وأما بناء على كون معنى وجوب الوفاء بالعقد وجوب ترتب الأثر على طبقه ما دام باقيا من دون أن يكون هذا الحكم متكفلا لحفظ الموضوع بل كان بالنسبة إليه مشروطا بوجوده وبقائه فنفس دليل الخيار لا يكون مضادا للعموم لعدم كونه مزيلا للعقد ولا لحكمه بل المضاد هو الفسخ الخارجي الفعلي فحينئذ فلا يكون ثمرة النزاع جارية فيه لأنه لو وقع الفسخ بالنسبة إلى زمان نقطع بثبوت الخيار فيه فلا إشكال في أنه يوجب زوال العقد فيزول الحكم بزوال موضوعه ولو وقع بالنسبة إلى زمان الشك فيكون راجعا إلى الشك في أصل التخصيص فيرجع الى عموم العام فينكشف منه عدم تأثير الفسخ وحيث أن الحق هو الاحتمال الثاني كما حققناه في محله فلا ثمرة لهذا البحث بالنسبة إلى عموم أوفوا بالعقود وبالنسبة إلى دليل الخيار ثم على فرض تسليم كون معنى أوفوا هو الاحتمال الأول فما ذهب إليه في الكفاية من أنه لو خصص الأول يرجع إلى عموم العلم بالنسبة إلى الزائد عن المقدار المتيقن يتم لو كان استفادة إطلاق الحكم بالنسبة إلى قطعات الزمان لكل فرد من

٣٢٤

جهة مقدمات الحكمة فانه بناء عليه لا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن من التعبد.

وأما بالنسبة إلى الزائد فعموم العام هو المحكم وأما لو كان استفاد هذا الاطلاق والاستمرار من جهة استفادة ظهور العقد في كونه بحدوثه علة مقتضيا لوجوب الوفاء إلى الأبد فمعناه أن حدوثه إذا خرج عن العلية بدليل الخيار فلا مجال لدخوله تحت العام ثانيا وبعبارة أخرى نحن نستفيد الدوام من جهة ظهور اللفظ في كون العقد بحدوثه علة لاستمرار الحكم بوجوب الوفاء فالاستمرار تابع لكون حدوثه علة فاذا خرجت علية حدوثه لذلك فلا يبقى مجال لشمول العام له بعد ذلك.

وحيث أن الأقوى هو ذلك كما قررناه في محله فلا مجال للرجوع الى العام ولو خصص من الأول كما لا يخفى.

التنبيه الرابع عشر :

إذا تعذر بعض أجزاء المركب فهل يمكن إثبات بقاء الوجوب لبقية الأجزاء بالاستصحاب فيه إشكال لأن الوجوب الثابت لها قبل طرو تعذر الجزء المتعذر فيه كان ضمنيا والمشكوك وجوب نفسي مستقلا فلا يعقل استصحاب الوجوب الضمني لاثبات الوجوب النفسى بل ليس لنا شك في بقاء الوجوب الضمني للقطع بانتفائه ويمكن تقريره بوجوه

الأول أن يستصحب وجوب الثابت للاجزاء قبل تعذر الجزء بالمسامحة في طرف الوجوب بأن يقال كان الوجوب ثابتا للاجزاء الباقية في حال التمكن من الجزء المفقود فيشك في بقاء هذا الاجزاء في حال

٣٢٥

التعذر عن الجزء فتستصحب بقائه والوجوب وإن كان ثابتا لباقي الأجزاء فكان وجوبا ضمنا إلا أن العرف يتسامح ويرى الوجوب الباقي النفسي كان هو الوجوب السابق (١) وبعبارة أخرى لا يرى

__________________

(١) لا يخفى أنه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كالاستصحاب مثلا فيما إذا كان للقيد أو المقيد أو كلاهما إطلاق حيث أن إطلاق أحدهما أو كلاهما يتمسك به لاثبات وجوب باقي الأجزاء بعد الجزء المتعذر لما هو معلوم أن الأصل العملي لا يجري مع وجود الدليل.

نعم يجري الأصل العملي فيما إذا لم يكن لدليل القيد أو المقيد إطلاق وقد قرب الاستصحاب بوجوه الأول : استصحاب الوجوب النفسي الاستقلالي المتعلق بمجموع القيد والمقيد قبل تعذر القيد أو الجزء من جهة أن وجوب المجموع قبل تعذر الجزء مثلا كان معلوما وبعد تحقق التعذر يكون مشكوكا فيستصحب ودعوى أنه لا يجرى الاستصحاب لعدم اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة ممنوعة إذ ملاك الاتحاد هو الصدق العرفي ولو منعنا ذلك لمنعنا جريانه في الأحكام التكليفية كاستصحاب نجاسة الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجس إذا زال تغيره من قبل نفسه بدعوى أن الموضوع في القضية المتيقنة هو الماء المتغير وفي المشكوكة الماء الذي زال تغيره ولأجل ذلك منع بعض المتأخرين جريانه وقد عرفت الجواب منا سابقا.

ومنها استصحاب الجامع من الوجوب النفسي الاستقلالي المتعلق بالمجموع وبين الوجوب النفسي المتعلق بما عدى المتعذر من الجزء أو القيد فان الجامع قبل التعذر معلوم الحدوث وبعد التعذر مشكوك البقاء

ولكن لا يخفى أن هذا الاستصحاب على تقدير جريانه يكون من الأصل المثبت مضافا إلى أنه من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي

٣٢٦

الضمنية والنفسية إلا من الحالات بحسب العرف فلا يوجب تعدد الموضوع.

__________________

ومنها استصحاب الجامع بين النفسي الضمني الذى كان متيقنا قبل التعذر وهو متعلق بما عدا المتعذر من الجزء أو القيد وبين الوجوب النفسي الاستقلالي وهذا الجامع قبل حدوث التعذر متيقن الوجود وبعد حدوث التغيير يكون مشكوك البقاء.

ولكن لا يخفى أن ذلك من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي وكيف كان فنحن لا نحتاج إلى تعلق الخطاب ببقية الأجزاء بعد تعذر الجزء أو القيد بل هناك قواعد أخر كقاعدة الميسور أو قوله ما لا يدرك كله لا يترك كله وقوله (ص) إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم فان دلالتها على ثبوت التكليف وتوجهه إلى ما عدا المتعذر وجودا وعدما أو الجزء المتعذر صريحة واضحة.

نعم بالنسبة إلى الحديث الشريف قال الأستاذ المحقق النائيني (قده) بأن دلالته على ذلك يتوقف على أن يراد من الشيء هو الكل وأجزاؤه لا الكلي وأفراده مع أنه من الواضح أن المورد من إرادة الشىء هو الكلي وأفراده بقرينة سؤال الصحابى وهو عكاشة أو سرادقه عن الحج وأنه يجب في كل سنة أو مرة في تمام العمر فلو كان ظاهرا في الكل وأجزاءه لا بد من صرفه عن ذلك الظهور الى الكل وأفراده لأجل المورد ودعوى إرادة الجامع بين الكل وأجزاءه وبين الكل وأفراده في غير محله لامتناع اجتماع اللحاظين في استعمال واحد إذ في لحاظ الكل وأجزاءه يكون النظر الى المركب وأجزاءه.

وفي لحاظ الكلي وأفراده يكون النظر إلى صرف وجود الطبيعة ومعلوم أن هذين اللحاظين متباينان لا يجتمعان.

٣٢٧

الثاني أن يستصحب القدر المشترك بين الوجوب النفسى والضمني بأن يقال كان الجامع بين الوجوب النفسى والضمني متحققا في ضمن الفرد والمقطوع الارتفاع هو المفقود جزءه فتشك عند تعذر ذلك الفرد بسبب تعذر جزئه في وجوب يقينه الأجزاء فيقال بأن الأصل بقاء القدر المشترك ويثبت به مطلق الوجوب والمطلوبية والمقصود وان كان اثبات الوجوب النفسى المستقل إلّا ان العرف يتسامحون بعد اثبات مطلق الوجوب في المستصحب ولا يرون القدر المشترك في الخارج مغايرا مع الوجوب النفسى ،

وحاصل هذا الوجه يرجع إلى استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلي الثالث أن يقال بجريان استصحاب الوجوب النفسى بالمسامحة في موضوع المستصحب وتقريره أن يقال بأن معروض الوجوب النفسى في السابق هو الأجزاء الباقية مع اتصافها بوجود الجزء المتعذر إلّا أنه يشك في أن مدخلية هذا الجزء لوجوبها كان مختصا مجال الاختبار وحتى يكون تلك الأجزاء الباقية على وجوبها باقية عند تعذر الجزء أو

__________________

ولكن لا يخفى أن لحاظ الشىء بالمعنى الجامع بين الكل والكلي بمكان من الامكان كما إن المراد من لفظة من التبعيضية وهى تصدق على بعض الأجزاء والأفراد.

ولا يخفى أن ذلك متصور ومعقول في أصل الجامع.

وأما بالنسبة إلى خصوصيات الكل وأجزاءه والكلي وأفراده فلا يتصور هناك جامع ولو سلمنا ما ذكره الأستاذ ففى دلالة قوله (ع) ما لا يدرك كله لا يترك كله على الكل وأجزاءه مما لا ينبغى أن يشك فيه كما هو كذلك بالنسبة إلى قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور على ما تقدم في بحث الاشتغال فلا تغفل.

٣٢٨

كان مدخليته على نحو الاطلاق حتى لا يكون باقية فيستصحب فان هذا الجزء يعد من الحالات عند العرف.

ولا يخفى أنه مع قطع النظر عن المناقشات الواردة على كل واحد من هذه الوجوه الثلاث كما يظهر لمن راجع كلام للشيخ (قده) يرد عليها برأيه الثلاث بأنها محكوم أو يعارض باستصحاب قضية تعليقة المتيقنة الثبوت سابقا مع الشك في بقائها عند القطع بحصول المعلق عليه وبيان ذلك أنه لا إشكال في أنه قبل تعذر الجزء المفقود ما كان باقي الأجزاء متصفا بالوجوب لو أتى بها مع عدم الجزء المفقود فيتجمع وما ينطبق عليها الوجوب لو كان الجزء المفقود منفكا عنها ففي حال التعذر والقطع بانفكاك الجزء يستصحب عدم وجوبها وبه يرتفع الوجوب عن باقي الأجزاء ومعه لا يبقى شك في وجوبها فيكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب الوجوب وعلى فرض عدم الحكومة يكون معارضا فيتساقطان ولا يبقى مجال للتمسك باستصحاب الوجوب لاثبات وجوب بقية الأجزاء ولذا لم يتمسك أحد من الاستصحاب غير الشيخ (قده) بالاستصحاب لاثبات وجوب باقي اجزاء المركب عند تعذر بعض أجزاءه بل تراهم يتمسكون في ذلك بقاعدة الميسور وبقاعدة ما لا يدرك كله ويظهر صدق ذلك بالمراجعة إلى الفقه كما لا يخفى.

التنبه الخامس عشر :

إنه قد ورد في أخبار الباب النهي عن نقض اليقين بالشك ويظهر من ذيلها حصر جواز نقض باليقين فقط فيستفاد منه حرمة نقض اليقين بغيره مطلقا سواء كان الناقض هو الشك بالمعنى الأخص أو كان الظن الغير

٣٢٩

المعتبر والتعبير بالشك لعله كان من باب الاكتفاء بالفرد الغالب من قبيل وربائبكم الآتي في حجوركم وبهذا البيان قد انقدح بأنه لا نحتاج في إثبات جريان الاستصحاب في مورد الظن الغير معتبر إلى تكلف بحمل الشك في (١).

__________________

(١) وقد استدل الشيخ الأنصاري (قده) على ذلك بوجهين :

الأول : قيام الاجماع القطعي على عدم كون الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره مانعا من جريان الاستصحاب على تقدير اعتباره وحجيته تعبدا من جهة الأخبار الخاصة.

الثاني : أن الظن ان كان مما قام الدليل الخاص على عدم اعتباره شرعا ، كالظن القياسي ، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع ، وان كل ما يترتب شرعا على عدمه ، فهو يترتب على وجوده ، وان كان الظن مما يشك في اعتباره ، ولم يقم دليل خاص على اعتباره ولا على عدم اعتباره ، فحاله حال الشك في أن رفع اليد عن اليقين السابق بسببه نقض لليقين بالشك.

ولكن لا يخفى أن كلا الأمرين محل نظر.

أما عن الأول : فالاجماع على تقدير تسليمه لا يعتمد عليه في أمثال المقام ، لاحتمال أن يكون منشؤها الأخبار كما هو الظاهر.

وأما عن الثاني : فلان غاية ما يترتب على قيام الدليل على عدم اعتبار الظن أو عدم قيام دليل على اعتباره انما هو عدم جواز العمل بالظن المذكور.

وأما ترتيب آثار الشك عليه ، فهو يحتاج الى دليل آخر : وكون رفع اليد عن الاستصحاب بسبب الظن المذكور ـ رفعا لليد عن الدليل بما ليس بدليل ـ والظاهر أن اثبات ذلك بوجوه ثلاثة :

٣٣٠

الاخبار على خلاف اليقين مع أنه خلاف الظاهر من الشك ما يقابل الظن واليقين لا ما يقابل اليقين فقط ثم الظن الذي لم يكن بمعتبر تارة كان مما فيه اقتضاء عدم الحجية لأجل تعلق النهي به كالقياس وأخرى نعلم بأنه لم يكن فيه اقتضاء الحجية فلم يجعله حجة بمعنى أنه لا نعلم عدم حجية من قبل الشارع فلا اشكال في جريان الاستصحاب في موردها لأنه نقض اليقين بغير اليقين فيحرم وثالثه نعلم بحجيته فلا إشكال فيه ايضا في عدم جريانه في مورده لكونه من قبيل نقض اليقين باليقين التنزيلي الشرعي كما سيجيء ورابعة كان مما نشك في حجيته شرعا

__________________

الأول : أن الشك في لسان الشرع استعمل في معناه اللغوي ، وهو مقابل اليقين ، فالمراد من الشك في قوله (ع): «لا تنقض اليقين بالشك» أعم من الاحتمال المتساوي والاحتمال الراجح.

الثاني : أنه يستفاد ذلك من الاخبار ، مثل قوله (ع): «لا حتى يستيقن أنه قد نام» في جواب زرارة في صحيحته الأولى حينما سأله عما اذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم من دون أن يستفصل أن احتمال القوم كان متساوي الطرفين أو كان راجحا ـ يدل على أن رجحان الاحتمال لا يمنع من اجراء الاستصحاب ما لم يبلغ مرتبة اليقين.

الثالث : أن المستفاد ـ من قوله (ع) في الصحيحة الأولى : «لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين ، وإلّا فانه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك أبدا ، ولكن تنقضه بيقين آخر» ـ هو انحصار جواز نقض اليقين ، وعدم جواز رفع اليد عن اليقين بغير اليقين من مراتب الاحتمال.

فالمتحصل من جميع ذلك هو أن الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره ملحق بالشك ولا يعتد به في حال من الحالات. فلا تغفل.

٣٣١

بمعنى أنه تحتمل أن الشارع جعله حجة ففي مثله لو قيل بجريان الاستصحاب بمقتضى عموم لا تنقض اليقين بغير اليقين لكان ذلك من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لأن المفروض نحتمل أن يكون هذا الظن القائم على خلاف الاستصحاب قد جعله الشارع بمنزلة اليقين فيكون اليقين السابق منتقضا باليقين الشرعي واقعا.

وما يقال بأنه مع الشك في الحجية فلا يتم البيان بالنسبة إلى الواقع ولهذا نقول لا يرفع بذلك موضوع حكم العقل يقبح العقاب بلا بيان فيكون الشك بالنسبة إلى الحكم الفعلي باقيا بحاله مدفوع بأنه وإن لم يكن لنا قطع ويقين بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي بل من جهة عدم وصول البيان نقطع بعدم حكم ظاهري فعلى على خلاف الاستصحاب ولكن الظاهر أن المراد بالشك في باب الاستصحاب هو الشك بالحكم الواقعي كما كان اليقين به أيضا كذلك فلا بد من إحراز كون المقام من قبيل نقض اليقين بالحكم الواقعي بالشك بمعنى عدم اليقين بخلافه وليس الأمر في المقام كذلك لاحتمال كون المقام من قبيل نقض اليقين بما جعله الشارع يقينا بالحكم الواقعي كما لا يخفى.

وتحقيق المقام متوقف على بيان كون الشك في التخصيص كما يرجع إلى عموم العام كذلك الشك في ورود الحاكم على خلاف العام أيضا كذلك كما يستفاد من كلام المشهور من أن الحكومة مرجعها إلى تخصيص أم لا وتوضيح ذلك أنه لا شك في أن التخصيص عبارة عن رفع الحكم العام بالنسبة إلى بعض ما هو المعلوم من أفراده مع حفظ كون الفرد مما ينطبق عليه العام ومن هذه الجهة يكون دليل التخصيص مزاحما ومعارضا لكبرى الكلية المتكفل لحكم العام بالاضافة إلى مورد المخصص غايته من جهة الأقوائية يقدم الخاص على العام فالعام يكون حجة بالنسبة إلى

٣٣٢

كل فرد من أفراده ما لم يكن حجة أقوي على خلافه فمع الشك في الشبهة الحكمية لم نعلم بانطباق العام على المورد بالوجدان فيرجع إلى أصالة العموم.

وأما باب الحكومة فليس أمرها كذلك لأن دليل الحاكم ليس مزاحما لدليل المحكوم ومعارضا له في الحكم مع اتحاد الموضوع بل مرجعه بلسان نفى تطبيق موضوع دليل المحكوم على المورد فاذا ورد عام كأكرم كل عالم ثم قطعنا بأن زيدا ليس بعالم فليس خروج زيد من باب المعارضة لذلك للعام ولو كان من وجه ما لورد من قبل الشارع نفى العلم عن زيد مع أنه عالم حقيقة فهل هذا أيضا ليس مناف لحكم العام أو هو يتنافي مع حكم العام فمن يقول بأن الحكومة مرجعها إلى التخصيص يقول بالثاني ومن يقول لا ترجع يقول بالأول وبعبارة أخرى من يقول بعدم رجوع الحكومة إلى التخصيص يقول في المثال المذكور لو شكلنا وجدانا في كون زيد عالما لا يمكن التمسك بعموم أكرم كل عالم للشك في أصل انطباق العام عليه وجدانا فلو شككنا بورود دليل كان بلسان الحكومة فمرجع هذا الشك إلى الشك في أن هل كان موضوع العام منطبقا كما أنه ينطبق عليه وجدانا أو ليس بمنطبق عليه شرعا لرفع الشارع انطباقه فكيف يمكن التمسك بالعموم ولكن مع ذلك الحق مع المشهور لعدم إمكان رفع اليد عما هو حجة فعليه أعني العموم بمجرد هذا الشك ولا يمكن التشبث بمثل ذلك لرفع اليد عن العموم.

٣٣٣

الخاتمة

في لواحق الاستصحاب وفيها أمور : الأول ـ أنه لا إشكال في أن مفاد لا تنقض اليقين بالشك يرجع إلى حرمة نقض اليقين بشيء بالشك به فيكون بمقتضى اتحاد الضمير والمرجع متعلق اتحاد اليقين والشك وهو مفاد الأخبار وكون الشك بالبقاء واليقين متعلقا بالحدوث لا ينافي اتحاد المتعلق لأن بقاء الشيء من شئون نفس هذا الشيء ويكون عين حدوثه وجودا فلا يعقل تحقق المجرى للاستصحاب إلا مع اتحاد قضية المشكوكة مع القضية المتيقنة موضوعا ومحمولا (١) كما في عبارة الكفاية

__________________

(١) لا يخفى أن ما ذكره المحقق الخراساني (قده) في كفايته من أنه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة بأن يكون متعلق اليقين هو متعلق الشك كما هو مفاد الأخبار لما عرفت سابقا بأن مفادها هو الجري العملي على طبق اليقين السابق وعدم جواز نقضه بالشك.

ومن المعلوم أن عدم الجري على طبق اليقين السابق في فرض عدم اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة لا يكون نقضا بالشك سواء كان ناشئا من تغاير الموضوع كما إذا كان المتيقن عدالة زيد والمشكوك فيه عدالة عمر أم كان ناشئا من تغاير المحمول كما إذا كان المتيقن عدالة زيد والمشكوك فيه اجتهاده أم كان ناشئا من تغاير الموضوع والمحمول معا كما اذا كان المتيقن عدالة زيد والمشكوك اجتهاد عمر فان الاعتناء بالشك في جميع ذلك لا يكون نقضا لليقين بالشك ضرورة أن عدم ترتيب

٣٣٤

وإلا مع بقاء الموضوع والمراد به ما كان معروضا للمستصحب كما في عبارة الشيخ (قده) واختلاف تعبير الكفاية مع تعبير الشيخ (قده) لأجل إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قال الشيخ (قده) والمراد ببقاء الموضوع اعتباره على نحو كان في القضية المتيقنة فان كان معروض المستصحب فيها باعتبار وجوده الخارجي فيعتبر بقاؤه كذلك في حال الشك وإن كان معتبرا ومعروضا له بالنظر إلى نفس الماهية المقررة مع قطع النظر عن وجودها الخارجي فيعتبر

__________________

آثار عدالة عمر مع الشك فيها وكذا عدم ترتيب آثار اجتهاده مع الشك فيه لا يكون نقضا لليقين بعدالة زيد.

وبالجملة اتحاد القضيتين في كل من الموضوع والمحمول يستفاد من اخبار حجّيّة الاستصحاب وعليه لا حاجة الى ما استبدل به الشيخ الأنصاري (قده) من أن جر المستصحب كالعدالة مثلا مع تغاير الموضوع يستلزم بقاء العرض بلا محل لم يرد اثباته لموضوع أو انتقال العرض من موضوع آخر أن أريد اثباته له وكلاهما مستحيل مع أنه محل نظر فان احتياج المحمول الى وجود الموضوع انما هو في القضية الموجبة دون القضية السالبة لصحة قولنا زيد ليس بقائم مع فرض عدم زيد غاية الأمر تكون القضية بنحو سالبة بانتفاء الموضوع يصح استصحاب عدم عدالة زيد عند الشك في اجتهاده ولا يترتب على صحته استحالة بقاء العرض بلا محل على أن استحالة بقاء العرض بلا محل أو انتقال العرض من موضوع الى موضوع آخر انما هي من الأمور التكوينية والوجدان الحقيقي.

وأما في الامور التعبدية والأمور الاعتبارية فبقاء العرض بلا محل أو انتقاله من موضوع الى آخر ليس بمستحيل ضرورة ان التعبد بعدالة زيد عند الشك بعدالة محمد بمكان من الامكان.

٣٣٥

بقاؤه كذلك فاذا أريد استصحاب قيام ما كان القيام ثابتا له باعتبار وجوده في الخارج فيعتبر في ظرف الاستصحاب إحراز بقائه كذلك

وإذا أريد استصحاب الحياة فحياته التي كانت له لا باعتبار وجوده في الخارج بل باعتبار نفس ماهيته وإلّا يلزم اتصاف الوجوب بالوجود في الخارج وهو باطل لكونه ظرف السقوط فيعتبر في استصحاب بقاء تلك الماهية على نحو تقومها في السابق ثم قد أقام البرهان على اعتبار بقاء الموضوع بهذا المعنى بأنه لو لم يكن باقيا على نحو ثبوته في زمان اليقين وحكم بقاء المحمول أعني المستصحب مع الشك فى بقاء الموضوع للزم.

إما وجوب العرض بلا موضوع أو انتقاله من موضوع الى موضوع آخر بكلي شقيه باطل لما تقرر في موضعه وكذا المقدم وأورد عليه صاحب الكفاية بأن الاستصحاب لا يثبت نفس الحكم الواقعي والمحمول النفس الأمري للموضوع حتى يلزم ما ذكر بل إنما هو حكم تعبدي فى مرتبة الشك بثبوت الحكم الواقعى وبقائه التعبدي الذي مرجعه إلى الحكم بترتب الآثار عليه غير موجب لانتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر فيمكن تحققه عند الشك فى بقاء وجود زيد الموجب للشك في بقاء المحمول فيحكم ببقاء المحمول تعبدا.

ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال لا يرد بناء على القول بعدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي بيان ذلك أنه لا إشكال في أن المحمول العارض للموضوع هو الموجود في الموضوع بمعنى أن وجوده بنفسه عين وجوده في موضوعه ولا يكون له استعداد للوجود في نفسه بل استعداده إنما هو فى الموضوع فلو علم بوجود المقتضى والاستعداد لوجود العرض فهو

وأما لو شك في بقاء الموضوع يكون ذلك شكا في المقتضى وليس ذلك موردا للاستصحاب.

٣٣٦

وأما استدلاله المذكور فمرجعه إلى أنه لو لم يكن الموضوع باقيا لم يعلم بوجود المقتضى فلو حكم ببقاء المحمول والحال هذا لزم أحد الأمرين وكلاهما محال حيث لا يراد من بقاء العرض بقاءه الفعلي لكي يقال أن بقاءه تعبدي لا واقع له بل مراده بقاء استعداده فحاصل مراده في الاستدلال أن استعداد وجود العرض لو كان باقيا بلا موضوعه الذي يكون استعداده ببقائه لزم.

أما وجود العرض بلا موضوع يعني يلزم أن يكون استعداد بنفسه

وأما وجود استعداده في موضوع آخر فيلزم انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر مع أنه محال وعلى كل حال لما لم يكن ما ذكره الشيخ مرضيا عند صاحب الكفاية (قده) لذا عدل عما اعتبره الشيخ قال بأنه يعتبر اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة من حيث الموضوع والمحمول فاذا كان زيد قائما مقطوعا به سابقا ثم شك في بقاء القيام لزيد ولو من جهة الشك في الموضوع لا مانع من استصحاب بقاء قيامه لأن الشك تعلق بعين ما تعلق به اليقين ولا نحتاج إلى إحراز بقاء وجود زيد في استصحاب القيام لترتب الآثار الشرعية المترتبة عليه.

نعم قد يكون الأثر الشرعي مما يكون ثبوته له متوقعا على احراز بقاء الموضوع كالعدالة الثابتة لزيد بالنسبة الى جواز الاقتداء به حيث أن جواز الاقتداء به لا يمكن احرازه الا بعد احراز وجوده ففي ترتب مثل هذا الأثر يحتاج الى احراز وجود الموضوع وهذا لا يوجب أن يكون احراز بقاء الموضوع مما له دخل فى أصل تحقق مجرى الاستصحاب بل ذلك ناشئ من جهة خصوصية الأثر فان اشباع زيد عند قيامه المحرز بالاستصحاب لا يمكن إلّا بعد تحقق وجوده ولكن أنت خير بأن توقف الآثار على احراز وجود الموضوع في القسم الأخير من جريان

٣٣٧

الاستصحاب انما يتم بناء على أن مرجع الاستصحاب الى جعل مماثل حكم الموضوع فانه بناء عليه لما كان من شرط وجوب إكرام زيد عند قيامه القدرة على الاكرام ومع الشك في وجود الموضوع نشك فى القدرة عليه وهو يوجب الشك في شمول خطاب لا تنقض مع الشك في الموضوع

وأما بناء على كون مرجعه إلى الأمر بالمعاملة عمل اليقين فلا مانع من جريانه حتى مع هذا الشك فان من آثار اليقين بوجود المستصحب هو حكم العقل بلزوم تحصيل مقدمات العمل ولو مع الشك في القدرة وبالاستصحاب يمكن إثبات وجوب ذلك فيثبت بالاستصحاب إيجاب الاحتياط باتيان المقدمات ولو مع الشك في القدرة على أصل الاتيان بالواجب ثم أن ظاهر كلام صاحب الكفاية في عدم اعتبار بقاء الموضوع وكفاية اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة عدم الفرق في ذلك بين ما إذا كان المستصحب مما يكون مأخوذا في مقام جعله موضوعا بنحو مفاد كان الناقصة وبين أن يكون بنحو كان الناقصة فلا كان فرق بين أن يكون وجوب التصدق بالدرهم مترتبا على وجود قيام زيد وبين أن يكون مترتبا على ثبوت القيام لزيد لاتخاذ القصتين في كليهما

الأمر الثاني في ملاك الاتحاد هل يكون بالدقة العقلية أو بحكم العرف بالنظر إلى لسان الدليل أو بحكم العرف بالنظر الى المسامحة الارتكازية (١) وقبل تنقيح المعال ينبغي أن يقال بأنه لا إشكال في

__________________

(١) قال الشيخ الأنصاري (قده) أنه بناء على كون العبرة بالاتحاد بنظر العقل ينحصر جريان الاستصحاب بما إذا كان الشك في بقاء الحكم ناشئا من احتمال وجود الرافع أو الغاية بعد بقاء الموضوع على ما هو عليه من القيود والخصوصيات وهذا بخلاف ما لو كانت العبرة بنظر العرف أو الدليل المثبت للحكم فانه لا ينحصر جريانه فيما ذكر مثلا لو شك فى نجاسة الماء المتغير بالنجس بعد زوال تغيره من قبل نفسه فان قلنا

٣٣٨

اختلاف الاعتبارين ضرورة أنه ربما يكون الاتحاد بالدقة العقلية

__________________

بأن العبرة في الوحدة المعتبرة بنظر العقل لا يمكن جريان الاستصحاب لعدم اتحاد متعلق اليقين والشك ضرورة أن الماء المتغير بالفعل بالدقة العقلية غير الماء الذي زال عنه التغير وإن قلنا أن العبرة بنظر العرف فلا مانع من جريانه فيحكم بنجاسة الماء إذ الماء بعد زوال تغيره في نظر العرف هو الماء قبل زوال تغيره وإن قلنا بأن العبرة هو الدليل المثبت للحكم فلا بد من ملاحظة الدليل فان استفيد منه أن موضوع النجاسة حدوثا هو نفس الماء والتغير إنما هو واسطة لثبوت النجاسة له كما إذا كان الوارد فى الدليل الماء ينجس إذا تغير على نحو القضية الشرطية جرى الاستصحاب لو شك في مدخلية التغيير في النجاسة بقاء وان أستفيد منه أن موضوعها هو الماء المتلبس بالتغير بأن يكون التغيير علة للبقاء كما كان علة للحدوث كما لو كان الوارد فى الدليل : الماء المتغير ينجس على نحو القضية الحملية. فحينئذ لا يمكن جريان الاستصحاب بعد زوال التغير ، لعدم بقاء الموضوع على الفرض وقد أورد عليه بأنه بناء على عدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضى وانحصار جريانه بموارد الشك فى الرافع والغاية ـ لا وجه لهذا التفصيل ، لأن الشك في بقاء الحكم ان رجع الى الشك في المقتضي ، فلا مورد لجريان الاستصحاب سواء أكانت العبرة في الاتحاد بنظر العقل ، أم كانت العبرة بنظر العرف ، أم بلسان الدليل المثبت للحكم وإن رجع الشك إلى الشك في الرافع والغاية. فالاستصحاب يجرى حتى على القول يكون العبرة في الاتحاد بنظر العقل كما هو المدعي.

وعليه فلا ثمرة لهذا التفصيل وقد أجاب عنه المحقق النائيني (قده) فان مراد الشيخ (قده) من الرافع فى المقام ليس

٣٣٩

حاصلا بمعنى أن الموضوع في القضية المشكوكة بالدقة العقلية يكون عين

__________________

ما يقابل المقتضي بل المراد به ما يقابل المانع ، وحاصل ما أفاده في توضيح ذلك هو أن الرافع له معنيان :

(أحدهما) الأمر الوجودي الذي يوجب ارتفاع الشيء بعد حدوثه وتحققه ، ويقابله المانع ، وهو الذي يمنع عن تأثير المقتضي أثره رأسا.

(ثانيهما) ما يقابل المقتضي ، وهو كل أمر وجودي أو عدمي يرتفع معه الحادث بعد ما كان قابلا للبقاء من عمود الزمان فالرافع المقابل للمقتضي أعم من الرافع المقابل للمانع فانه مختص بالأمر الوجودي ومراد الشيخ (ره) من الرافع في المقام وحكمه بانحصار جريان الاستصحاب بكون الشك شكّا فيه ، بناء على كون العبرة في الاتحاد بنظر العقل ـ هو ما يقابل المانع لا ما يقابل المقتضي.

وعليه فجريان الاستصحاب ـ من موارد الشك في الرافع بالمعنى الأول على هذا المعنى ـ لا يلازم جريانه فى موارد الشك في الرافع بالمعنى الثاني ، حتى يقال بأنه لا ثمرة فى التفصيل المزبور.

مثلا إذا شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره. فهذا الشك وإن كان شكا في الرافع بالمعنى الثاني فان النجاسة من الأمور الباقية في نفسها ولا ترفع في الخارج إلا بحدوث ما لم يكن أو انعدام ما كان ، إلا أنه ليس من الشك في الرافع بالمعنى الأول ، فان زوال التغير ليس أمرا وجوديا كما هو ظاهر ، فان كانت العبرة في الاتحاد بالدقة العقلية ، لم يجر الاستصحاب فيه ، وهذا بخلاف ما إذا كانت العبرة بنظر العرف ، فانه لا مانع من جريان الاستصحاب والحكم بنجاسة الماء ، لحفظ الوحدة المعتبرة وكون الماء بعد زوال تغيره بعينه هو

٣٤٠