منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

الصيغة الخاصة ولكنه ينافي ظاهر كلامه في بحث الظن بكون العلم بالنبوة شرطا للوجوب أو الواجب بالنسبة إلى وجوب الاعتقاد بها كما أنه ظهر ما في كلام الكفاية من قوله بجريان الاستصحاب في المقام مع قوله بأنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي أصلا إلا أن يلتزم بكون العلم في المقام لا يكون مأخوذا إلا بعنوان الطريقية المحضة هذا كله هو الكلام بالنسبة الى وجوب الاعتقاد.

وأما الكلام بالنسبة إلى وجوب المعرفة مع قطع النظر عن كونه طريقا أو موضوعا لوجوب الاعتقاد فهل يجري فيه الاستصحاب عند الشك فيه أم لا وجهان بل قولان وتفصيل الكلام فيه أنه قد يكون الشبهة الحكمية كما اذا حصل لنا شك في وجوب معرفة بعض تفاصيل المعاد بعد ما كنا قاطعين بوجوبها سابقا وكان منشأ طرو الشك مثل احتمال النسخ أو شىء آخر فلا اشكال في مثله أنه يجري استصحاب وجوب المعرفة فيه وقد يكون الشبهة موضوعية كما اذا شككنا في بقاء الامام السابق الذي كنا عارفين بأنه هو الامام هل هو الامام السابق أو غيره وكذلك بالنسبة الى النبي وقال في الكفاية أنه ما ملخصه لا مجال لاستصحاب حياته وبقائه لأجل أن يترتب عليه وجوب المعرفة بمعنى اثبات وجوب المعرفة بالاستصحاب لكون الاستصحاب متقوم بالشك فكيف يرفع الشك (١)

__________________

(١) لا يخفى أن جريان الاستصحاب يعتبر فيه ترتب أثر عملي من غير فرق بين أن يكون من أفعال الجوارح كالأكل والشرب وأمثالها وأخرى من أفعال القلب مما يكون قد أخذ العلم فيها على نحو الطريقية كالتصديق بما جاء به النبي والاعتقاد بأحوال ما بعد الموت من سؤال القبر وحشر الأجساد وتطاير الكتب والصراط والميزان وغير ذلك من تفاصيل يوم القيامة فيجري الاستصحاب لتمامية أركانه اذا كان

٣٠١

وفيه أن ذلك يتم لو كان المراد من المعرفة الواجبة تحصيلها هو رفع

__________________

للمستصحب أثر عملي كما أنه لا يجري الاستصحاب لو لم يكن له أثر عملي من غير فرق بين كون المستصحب مجعولا شرعيا فمثل النبوة والامامة بناء على كون العلم قد أخذ فيهما بنحو الطريقية إن لم يكن لبقائهما أثر عملي لا يجري الاستصحاب فيهما وإن كانا من المجعولات الشرعية والمناصب الإلهية إن كان لبقائهما أثر عملي شرعي فيجري الاستصحاب وإن لم يكونا من المجعولات الشرعية بل كانا أمرين تكوينيين بأن يكون كل واحد منهما عبارة عن مرتبة من كمال النفس فما أفاده في الكفاية لجريان الاستصحاب من الأول دون الثاني محل نظر.

نعم لا يجري الاستصحاب فيما لو كان ترتب الأثر على الموضوع الوجداني وذلك فيما أخذ العلم واليقين في الموضوع كما هو كذلك بالنسبة إلى النبوة حيث أنه لا يتصور فيه الشك إذا الشك فيه يوجب القطع بارتفاع الموضوع فلو شك في وجود نبي أو في نبوته لا يمكن الحكم بوجوب الاعتقاد تمسكا باستصحاب وجوده أو نبوته إذا الاستصحاب لا يفيد العلم واليقين وعليه لا يبقى مجال للاستصحاب بل اللازم الفحص عن وجوده أو ثبوته إذا العلم حسب الفرض قد أخذ في موضوع الاعتقاد والانقياد ومع الشك لا يبقى موضوع لوجوب الاعتقاد والانقياد.

نعم إذا علم بوجود النبي أو تحقق نبوته وشك في بقاء وجوب الاعتقاد والتدين بعد اليقين بثبوته فعلى ما هو الحق من جريان الاستصحاب من الأحكام فلا مانع من جريان استصحاب الاعتقاد والانقياد وهكذا الكلام في نفس الشريعة فلو شك في مورد من بقائها فلا يجري الاستصحاب ببقائها إذ العلم ببقائها والتدين بها مأخوذ في موضوع التسليم والانقياد بل اللازم عليه الفحص عن بقائها وارتفاعها هذا بالاضافة إلى المسلمين

٣٠٢

الحجاب. وأما لو كان المراد هو اليقين بالشيء فالاستصحاب يثبت اليقين بكون الامام الحاضر هو الامام السابق ببركته يسقط وجوب معرفة

__________________

والشريعة الاسلامية.

وأما بالاضافة إلى غيرهم من أهل الكتاب كأهل التوراة والإنجيل فتارة من التمسك بالاستصحاب اقتناع الكتابى نفسه وأخرى يراد إلزام المسلم بذلك.

أما الأول فقد عرفت أن العلم قد أخذ في الموضوع فلا شك في البين لكي يجري الاستصحاب ومع فرض الشك يلزم عليه الفحص والمراجعة إلى أدلة الأديان لعدم صحة الرجوع إلى الأصول قبل الفحص ومراجعة الأديان ومع فحصه يجد صدق دعوى نبي الاسلام (ص) وإن شريعته نسخت الشرائع.

وأما الثاني أي تمسك الكتابي بالاستصحاب لالزام المسلم فذلك لا يقيد إذ لا معنى محصل له لأنه ان كان مع يقينه بنسخ الشريعة السابقة وأحقية الشريعة الاسلامية كما هو كذلك فلا مجال للاستصحاب لعدم الشك فيه.

وأما لو فرض شك في ذلك فيلزم عليه الفحص حتى يحصل العلم بذلك وبعبارة أخرى أن تمسك الكتابي بالاستصحاب لاثبات نبوة عيسى مثلا أو لبقاء ثبوته الى هذا الزمان لا وجه له لا لنفسه ولا الزام المسلم لعدم تصوير الشك له لأنه متيقن بثبوته ووجوب تبعيته في أحكامه وإلّا ليس بنصراني وهو خلاف الفرض ولا بمسلم لأنه عالم بثبوته وعالم بنسخ دينه وأحكامه فلم يحصل لكل واحد من الكتابي والمسلم شك في بقاء ثبوته لكي تصل النوبة الى الاستصحاب ومع فرض الشك لهما أو لاحدهما يجب رفع الشك لهما أو لأحدهما بالفحص والمجاهدة

٣٠٣

غيره ، نعم في المقام اشكال آخر بالنسبة الى جريان الاستصحاب في المقام وكذلك بالنسبة الى مسألة وجوب الاعتقاد وهو أنه قد تقدم أن دليل الاستصحاب ولو كان مرجعه الى الامر بالعمل على طبق اليقين بالشيء سواء كان عملا جوارحيا أو جوانحيا إلّا أنه ينصرف الى ما يكون عملا شرعيا بمعنى كونه عملا مترتبا على المستصحب شرعا والمراد به ما كان داخلا تحت كبرى شرعية من الأحكام الخمسة فمعنى الأمر به بدليل الاستصحاب هو الأمر بجريانه فيما يترتب على العمل أثره مطلقا سواء كان عقليا أو عاديا أو شرعيا فلا يجري الاستصحاب فيما لو كان الحكم العمل المترتب على المستصحب حكما عقليا محضا ولازم ذلك أنه لا مجال لاستصحاب بقاء النبوة أو بقاء النبي أو الامام لأن بترتب عليه وجوب الاعتقاد والمعرفة لكون مثل هذا الحكم حكما عقليا من قبيل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول على ما هو التحقيق عندهم حيث استدلوا لوجوب مثل ذلك بأنه من مراتب شكر المنعم الذي كان وجوبه عقلي محض ولو ورد فيه ألف خطاب لكان ارشاديا لا مولويا وبناء على هذا لا موقع لتمسك الكتابي بالاستصحاب لاثبات نبوة نبيه بناء على حجيته من باب التعبد لعدم أثر شرعي يترتب عليه.

وأما بناء على كونه من باب الظن فيقع الكلام في حجية مثل هذا الظن فانه لو كان من باب الانسداد فلا يتم لأنه من مقدماته التمكن من الاحتياط وهو لا يجري في المقام لا مكان الانقياد والاعتقاد بالواقع على ما هو عليه ولو كان من جهة حكم العقل بحجيته كالعلم

__________________

والسعي في طلب المعرفة حتى يحصل له العلم والمعرفة فان معرفة الرسول بل الامام عند الطائفة الامامية من أصول الدين الذي لا يكتفي فيه بالظن فافهم وتأمل.

٣٠٤

فهو موقوف على أن يكون الظن مثل العلم فى نظر العقل فى الاعتقادات عند التعذر عن العلم وهو ممنوع لعدم ملاك وجوب تحصيل العلم في الظن ومع غض النظر عن ذلك الاشكال أن الكتابي يتمسك بالاستصحاب سواء كان من باب التعبد أو الظن أما أن لا يكون مقصوده إلزام المسلم به بمعنى أنه يريد أن يفهمه ويلزمه قبوله لمدعاه فهذا باطل قطعا لعدم تماميته اركان الاستصحاب فى حق المسلم لقطعه بنسخه وثبوت نبيه محمد (ص).

وأما أن يكون مقصوده دفع المسلم عنه بمعنى أنه يريد أن يدفع المسلم عن نفسه بأنك لا حقّ لك علي بأن تجبرني بأن أرفع يدي عن اعتقادي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك من هذا الالتزام بالفحص لأجل ثبوت نبوة عيسى أو موسى بل نشك في بقاء نبوته فيجري في حقي الاستصحاب فلا يجب علي معرفة نبي آخر والاعتقاد والانقياد لاحكامه فيرد عليه أنه إذا كان تمسكه بالاستصحاب من باب الظن لا تسلم كونه مفيدا للظن وعلى فرض تسليم ذلك لا نسلم حجية مثل هذا الظن لعدم الدليل عليه من العقل والنقل ولو قيل بأن حجيته من باب الانسداد لا نسلمه في المقام لامكان تحصيل العلم بالفحص ومعه لا يكون داخلا في باب الانسداد وعلى تقدير تسليم اندراجه تحت باب الانسداد فلا موقع له لأنه إن كان دليل التعبد به بلحاظ وروده في الشريعة السابقة فليس له التمسك به لكونه شاكا في بقاء أحكامها التي منها حرمة نقض اليقين بالشك لاحتمال نسخها بالشريعة اللاحقة وإن كان بلحاظ حجية الاستصحاب في الشريعة اللاحقة فالتمسك به غير جائز له إذ يلزم من وجوده عدمه لأن الأخذ به مساوق لطرح الشريعة السابقة لفرض كونها ناسخا لها.

نعم لو كان الاستصحاب حجة في الشريعتين فله التمسك به لعلمه

٣٠٥

بحجيته على كل تقدير.

وأما إذا كان مقصوده أن يقنع نفسه عن الفحص عن دين الحق من دون أن يكون له خصم من المسلمين فيرد عليه تمام ما تقدم.

والحاصل أن المسلم المتدين ليس شاكا حتى يجري في حقه الاستصحاب وانما هو قاطع بانقطاع نبوة عيسى وموسى ونسخ شريعتهما بمجيء نبينا (ص) على أنه كيف يتصور للمسلم المتدين بنبوة النبي اللاحق الشك في بقاء نبوة النبي السابق لكي يجري في حقه الاستصحاب كما أن المتدين الكتابي يقطع ببقاء شريعة نبيه فلا يجري في حقه الاستصحاب

نعم قد يتصور في حقه الشك بالنسبة إلى بعض أهل الكتاب المطلع على مزايا الاسلام على سائر الأديان فيحصل له الشك بنبوة نبينا (ص) فيشك في بقاء شريعة نبيه فاذا حصل له ذلك فيجدي له الاستصحاب لنفسه ولا يجدي له في إلزام المتدين نبي الاسلام حيث أن الاستصحاب وظيفة عملية للشاك وليس للمسلم شك في بقاء نبوة نبيه بل هو قاطع بعدم بقائها وقد نسخت شريعته بمجيء نبي الاسلام فلا يقع الاستصحاب على أن صحة أخذ الكتابي فى الاستصحاب ولو في عمل نفسه إنما هو في فرض حجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه اجمالا.

أما ببقاء السابق واقعا أو محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب وإلّا مع عدم علمه بحجية الاستصحاب الا في الشريعة السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة فلا ينفعه في عمل نفسه لأن علمه على الأول دوري وعلى الثاني لا يجديه نفعا لجزمه بمخالفة الاستصحاب للواقع لملازمة الحجية فى الشريعة اللاحقة تنسخ الشريعة السابقة فلا يحصل له العلم الاجمالي ببقاء الشريعة السابقة أما واقعا أو استصحابا وعليه لا وجه لتمسك الكتابي بالاستصحاب في مناظرته مع السيد باقر القزويني

٣٠٦

لما عرفت غير نافع لاقناع نفسة ولا للمسلمين بالتدين بدين الكتابي فان المسلمين بتحقق دين الكتابي من أخبار نبينا (ص) إلّا أنهم عالمون بانقطاع النبوة ونسخ شريعته فلا شك عندهم في بقاء نبوته لكي يكون مجالا للاستصحاب.

وأما لو كان لالزام المسلمين على اقامة الدليل على مدعاهم من من الدين الجديد فيمكن جريان الاستصحاب إلّا أنه لا ينفع لكونه وظيفة عمليه يجري في مقام الشك في البقاء إلا أنه خلاف ما هو المنقول عنه بأنه عليكم كذا أو كذا فان غرضه إلزام المسلمين على الأخذ بالدين السابق بالاستصحاب وكذا أفاد السيد في الجواب بما هو مضمون ما ذكره الرضا (ع) في جواب الجاثليق بل يرجع إليه فقال بأنا نؤمن ونعترف بنبوة كل من موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا (ص) بيانه أن هذا القيد أي الاقرار بنبوة نبينا (ص) أخذ بنحو المعرفية للشخص الخارجي أي المسمى بموسى وعيسى ويكون ذلك كسائر المعرفات للشخص الخارجي ككونه طويلا أو أسمر اللون ونحو ذلك من سائر المعرفات وليس المراد من القيد منوعا قد جيء به تضييقا لدائرة الكلي فيشكل عليه بأن موسى أو عيسى موجود واحد جزئي اعترف المسلمون به وكيف كان

فحاصل الجواب أنا كما نقطع بنبوتهما كذلك نقطع بنسخ شريعتهما بل باعترافهما بنبوة نبينا (ص) حسب تصديقنا بنبوته وتصديقنا بكل ما قال (ص) الذي منها أخباره باخبارهما بمجيء نبي بعدهما اسمه أحمد (ص).

ثم لا يخفى أن الأجوبة التي ذكرها الشيخ الأنصاري (قده) في الرسائل واختارها في مقام الجواب عن استصحاب الكتابي على تقدير تماميتها تتوقف على أن يكون مقصود الكتابي الزام المسلمين بالتمسك بالاستصحاب وإلّا فبناء على كونه في مقام دفع المسلم عن نفسه فلا تتم

٣٠٧

تلك الأجوبة.

نعم ما أجاب به بعض كالنراقي من تعارض استصحاب النبوة باستصحاب عدمها الأزلي الثابت قيل ثبوتها على الفرض الثاني إلا أنك قد عرفت لجواب عنه بأن ذلك من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الذي لا تقول بحجيته كما أن جواب المحقق القمي بأن هذا الاستصحاب من قبيل الشك في المقتضى لا يتم بناء على المختار بأنه حجة مطلقا.

وأما جواب الشيخ عن كلام المحقق القمي يمكن خدشه فلا تغفل.

التنبيه العاشر :

الذي كان ينبغي لنا التعرض له قبل هذا التنبيه وهو أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك واردا على اليقين واليقين مورودا كما إذا شك في اليوم الحاضر بما تيقن في اليوم السابق.

وأما لو كان اليقين واردا على الشك كما لو تيقن في فسق زيد في اليوم الحاضر وشك في فسقه في اليوم السابق فهل يجري فيه الاستصحاب بأن يحكم بجر المتيقن الحاضر إلى الزمان السابق إذا ترتب عليه أثر في الزمان الحاضر وهو المسمى باستصحاب القهقري أم لا يصح جريان هذا الاستصحاب قيل لا مانع من جريانه لتمامية أركانه ولكن الظاهر أنه يمنع من جريانه لانصراف الاخبار عنه اذ الظاهر منها ورود الشك على اليقين فان المستفاد من قوله (لا تنقض اليقين) سبق اليقين زمان الشك لا بالعكس كما لا يخفى.

٣٠٨

التنبيه الحادي عشر :

أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون له أثر شرعي عملى كوجوب قضاء الفريضة لاستصحاب نجاسة الماء الذي توضأ به من غير فرق بين أن يكون المستصحب موضوعا أو حكما تكليفيا أو وضعيا ذا أثر شرعي حين الاستصحاب.

وأما لو لم يكن له أثر شرعي كان يكون خارجا عن محل الابتلاء أو كان حكما تعليقيا قبل حصول المعلق عليه لا مجال بجريانه بناء على ما اخترناه من أن المستفاد من (لا تنقض اليقين بالشك) هو الأمر بمعاملة المشكوك منزلة المتيقن من حيث الجري العملي لا يستفاد منه جعل المماثل لما عرفت منا سابقا بأن الأخبار دالة على التنزيل من حيث الجري العملي تنصرف اليه لكون ورودها في مقام وظيفته العملية للشاك وذلك يختص بمورد له أثر عملي حين توجه خطاب لا تنقض اليقين بالشك ولازم ذلك أن يكون الأثر مترتبا على الواقع.

وأما لو كان الأثر مترتبا على الواقع المعلوم بنحو يكون العلم أخذ بنحو الصفتية لا مجال لجريان الاستصحاب كما هو كذلك في باب الشهادة فان العلم قد أخذ في موضوع الأثر بنحو الصفتية اذ من الواضح أن الاستصحاب يحرز الموضوع في ظرف الشك فلذا لا يقوم مقام العلم المأخوذ بنحو الصفتية حيث أن الموضوع الواقعي غيره منكشف في الاستصحاب فكيف يقوم مقام ما أخذ صفة العلم وبهذه الجهة يمتاز الاستصحاب عن الامارة حيث أن لسان دليلها هو تيمم الكشف وعليه عند قيامها نرفع الستر عن الواقع بخلاف الاستصحاب فانه لا يرفع

٣٠٩

الستر عن الواقع دائما وإنما هو حكم في ظرف الشك وإلّا لزم أن يكون الحكم لموضوعه وهو أمر غير معقول وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة على الاستصحاب.

وبالجملة الاستصحاب يجري بعد احراز ثبوت الآثار بأي كيفية تحرز فان كانت مترتبة على نفس الواقع أو الواقع المعلوم بنحو يكون العلم مأخوذا بنحو الطريقية فيجري الاستصحاب وان كان العلم مأخوذا بنحو الصفتية فلا يجرى الاستصحاب فافهم وتأمل.

التنبيه الثاني عشر :

في استصحاب صحة العبادة قد يقال بجريانه عند الشك في طرو مفسد وهو الذي يعبر عنه بأصالة الصحة في العبادة والمستفاد من كلام الشيخ الأنصارى (قده) هو التفصيل في جريان الاستصحاب بين القاطعية والمانعية.

وحاصل ما أفاده أن دخل شيء في شيء يتصور على وجوه :

الأول أن يكون اعتباره بلحاظ دخل وجوده في العمل لتحصيل المصلحة بأن كان لوجوده دخل في تحقيقها فيعتبر من هذه الحيثية وحدة في عالم المصلحة.

الثاني أنه بعد تعلق الأمر الواحد به مع أشياء أخر تحصل وحدة أخرى من جهة الأمر فينتزع الجزئية من هذا الشيء.

الثالث أن يكون اعتباره بلحاظ دخل وجوده في تحقق العمل في الخارج من دون أن يكون له دخل في أصل المصلحة المترتبة على العمل وهذا هو الشرط الرابع أن يكون اعتباره بلحاظ دخل عدمه في العمل

٣١٠

بأحد النحوين وهذا يعبر عنه بالمانع فلو كان لعدمه دخل في ترتب المصلحة على العمل يكون مانعا في عالم المصلحة ولو كان لعدمه دخل في تحقيق وجود العمل في الخارج يكون مانعا عن وجود العمل.

الخامس أن يكون اعتباره بلحاظ دخل عدمه في تحقق الهيئة الاتصالية المعتبرة في بعض الأعمال وهو المسمى بالقاطع والفرق بينه وبين المانع أن القاطع ما كان قاطعا للهيئة الاتصالية ومانعا عن وجود الجزء الصوري المعتبر فى العمل والمانع ما كان مانعا عن تحقق أصل الماهية بجزئها المادي واذا الشارع عبر عن بعض الأشياء بالقاطع يكشف اعتبار جزء صوري في العمل وهو الهيئة الاتصالية وذلك وارد في خصوص باب الصلاة وتشخيص موارده موكول إلى مراجعة محله.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا مجال للتمسك بالاستصحاب عند الشك في مانعية شىء من جهة الشبهة الحكمية وذلك لأن غاية ما يمكن أن يقال بالاستصحاب فيه أمران :

أحدهما استصحاب عدم مانعية الأمر الموجود.

الثاني صحة الأجزاء السابقة ولا يصح الأول لعدم الحالة السابقة فيما شك في مانعية شىء فيجرى فيه الاشتغال أو البراءة على الخلاف في مسئلة الشك فى باب الأقل والأكثر الارتباطين.

وأما الثاني فان كان المراد منه صحة مجموع العمل فهو ضرورى البطلان لأن الفرض كونه بعد في أثناء العمل وان كان المراد منه صحة الأجزاء السابقة المأتى بها.

أما بمعنى كونها موافقة للامر بأن يكون الأمر الضمني بمعنى المتعلق بالاجزاء في ضمن الأمر بالكل.

وأما بمعنى ترتب الأثر لو انضم إليها باقي الأجزاء وكل

٣١١

منهما لا تصحح الأجزاء اللاحقة فان قلت فرض الصحة في المقام بمعنى الموافقة للامر غير صحيح لكون الكلام في الواجبات الارتباطية فلا تحصل موافقة الأمر للاجزاء منها إلا بعد تمامية العمل بحيث لو أختل الجزء الأخير منها لما كان الباقي صحيحا ولما حصل به الامتثال أصلا بالنسبة الى الجزء الأول قلت هذا الاشكال يسرى ولو كان عدم حصول الامتثال لقصور في الأجزاء المأتى بها كما إذا أتى بالجزء فاسدا.

وأما إذا كان لا لقصور فيها بل لقصور في الأمر بمعنى كون الأمر خاصا غير قابل للشمول فلا موقع لهذا الاشكال وما نحن فيه من هذا القبيل لأن المفروض هو أن الأجزاء المأتي بها لا شك في عدم قصورها عن شمول الأمر لها وإنما الشك في شمول الأمر لها من جهة الشك فى المانع والقطع حاصل بكون الأجزاء المأتي بها موافقة للامر بالمعنى المتقدم. نعم لو كان المراد كونها موافقة للامر الفعلي بمعنى عدم قصور حتى في انطباق الأمر عليها لكان من الأول مشكوكا فلا يجري الاستصحاب أيضا لعدم تحقق اليقين السابق فلو كان المراد الصحة بمعنى موافقة الأمر لا يجري الاستصحاب لعدم الشك فيها إذا القطع حاصل بكونها موافقة للامر بها بالمعنى المتقدم ولو كان المراد الصحة بمعنى ترتب الأثر فلا يصح الاستصحاب أيضا لعدم العلم بتحقق ذلك فلا يقين لكي يستصحب هذا ولكن الشيخ (قده) ادعى جريان استصحاب الصحة بالنسبة إلى مجموع العمل وبالنسبة إلى الأجزاء المأتي بها أيضا.

أما جريانه في مجموع العمل فلانه وإن لم يكن مأتيا به بل كان بعد في أثناء العمل ولكنه من المتيقن أن المجموع مع هذا المشكوك على تقدير تحققه نشك في ترتبه فيجري فيه الاستصحاب وقد يقرر يوجه آخر وهو أن الاستصحاب التنجزي وإن لم يكن له محل في المقام لعدم

٣١٢

وجود الكل بالفرض لكونه بعد في الأثناء ولكنه لا مانع من الاستصحاب التعليقي بمعنى أن مجموع الأجزاء على فرض وجودها قبل هذا المشكوك مما نقطع بكونها مؤثرة فيما يترتب عليها من الآثار وتلك الأجزاء بعينها لو فرض وجودها مع هذا المشكوك وبعد الاتيان به نشك في كونها مؤثرة فيستصحب مؤثريتها (١) والاشكال عليه باختلاف الموضوع لكونه في القضية المتيقنة مجموع الأجزاء مع عدم هذا المشكوك في القضية المشكوكة وهى الأجزاء المشتملة على المشكوك فلم يتحد الموضوع مدفوع بأن وجود المشكوك وعدمه بالنسبة إلى المجموع يعد من الحالات في نظر العرف وإن الموضوع هذه الأجزاء والصلاة في كلتا القضيتين فلا اختلاف فيه بحسب الموضوع عرفا بالاضافة الى الأجزاء المأتي بها كما أنه لا اشكال فيه في وحدتها لو انضمت اليها باقي الأجزاء فمع وجود هذا المشكوك

__________________

(١) مضافا إلى ما يقال في إمكان استصحاب الصحة التأهيلية بتقريب أن الأجزاء التي أتى بها قبل أن يأتي بهذه الزيادة المشكوكة مانعيتها ومعها نشك في بقاء الصحة التأهيلية التي هي عبارة عنها في المقام هي صلاحيتها لانضمام سائر الأجزاء بها وحصول الامتثال بالمجموع فلا مانع من استصحابها وقد أشكل على ذلك الاسناد المحقق النائيني (قده) من أن الصحة التأهيلية على ما ذكر مقطوع البقاء وعدم تأثير انضمام بقية الأجزاء ليس نقصا في تلك الأجزاء بل هي باقية على ما كانت.

ولكن لا يخفى ان قبل وجود الزيادة كانت الصحة التأهلية موجودة قطعا من غير فرق بين كون الأجزاء سابقة مأخوذة لا بشرط أو بشرط لا فعلي الأول فقطعا موجودة وعلى الثاني فقطعا غير موجودة وعليه لما كانت كيفية أخذها مشكوكة من جهة كيفية أخذها فحينئذ يكون بقاء الصحة مشكوكا فلا مانع من استصحابها فلا تغفل.

٣١٣

نشك في مؤثريتها فيستصحب ترتبها وتوهم عدم أثر شرعي مترتب على هذا الاستصحاب لأن عدم وجوب الاعادة والاستيناف أثر عقلي مدفوع بما قد تقدم من أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون له أثر عملي هذا ويمكن الاشكال عليه بأن المراد من مجموع الأجزاء على تقدير وجودها قبل هذا المشكوك وبعده وليس إلّا عبارة أخرى عن العمل الخالي عن مشكوك المانعية فليس لنا يقين سابق وشك لا حق متعلقين بشىء واحد لأن العمل الخالي عن المشكوك يكون مشكوك الصحة من الأول فلا يكن شكا في بقاء ما كان على ما كان اللهم إلّا أن يقال بأن المشكوك المانعية الطارئ لما كان مما يعد من حالات الموضوع فلا اخلال له في حفظ الموضوع في القضيتين فيتم أركان الاستصحاب من يقين وشك لاحق هذا كله في المانعية.

وأما القاطعة اذا فرض حصول الشك في كون شىء قاطعا فيجري فيه جميع الامور المتصورة في استصحاب الصحة في الشك في المانعية مضافا إلى جهة أخرى لم يكن متصورة في الشك في المانعية وهو استصحاب بقاء الجزء الصوري الذي هو عبارة عن الهيئة الاتصالية الثابتة للصلاة بين أجزائها (١).

__________________

(١) صحة استصحاب الهيئة الاتصالية التي كانت في المركب قبل حدوث الزيادة هي تلك الهيئة الاتصالية المتحققة في المركب المعبر عنها بالجزء الصوري حيث ان المركب كما له أجزاء خارجية حقيقية التي هى عبارة عن مادة المركب كذلك له جزء صوري الذي هو مناط وحدته وبه تكون تسميته ودليل إثبات هذه الصورة بعد إمكانها في عالم الثبوت هو أدلة القواطع إذ القاطع إنما يقطع تلك الهيئة الاتصالية وبه يفرق بين القاطع والمانع فالمانع ما أعتبر عدمه في المركب كلبس

٣١٤

لأنه كان متيقنا سابقا قبل تحقق المشكوك القاطعية فيشك في بقائه فيستصحب فلا إشكال فيه إلا الاشكال على الاستصحاب في الأمور التدرجية لأن الهيئة الاتصالية في الصلاة أمر تدريجي ينقضي وينعدم لكونها قائمة بوجود الأجزاء التي كانت تدريجية فتكون تابعة لها في التقدم والتأخر وإلى ذلك يرجع ما ذكره الشيخ الأنصاري (قده).

والجواب هو الجواب عن أصل الأشكال في الأمور التدرجية بأن الموضوع فيها هو أمر عرفي وان العرف يرى ما يكون حادثا عين ما سبق ولو مسامحة وليس الموضوع في الاستصحاب دقيا.

__________________

الذهب أو غير المأكول في الصلاة مثلا من دون قطع الهيئة الاتصالية والقاطع يقطع تلك الهيئة الاتصالية ولربما يقال بأن المانع كمثل المثالين لو وقع حال السكونات المتخللة بين الصلاة ولم يقع حال الاشتغال لا يكون موجبا للبطلان بخلاف القاطع كالاستدبار أو الحدث فانه موجب للبطلان لتحقق المضادة بينهما وبين حالة كونه في المركب.

وقد أورد الأستاذ المحقق النائيني (قده) على الشيخ (قده) بما حاصله أن أدلة القواطع لا تدل على تحقق الصورة في الصلاة والطواف مثلا يمكن أن يكون مفادها بطلان الصلاة والطواف حتى في السكونات المتخللة لأجل أنها مقيدة بعدمها حتى في تلك الحالات فتكون مثل الموانع نعم لا نقول بعدم إمكان دلاليتها على تحقق صورة فيهما وكونها ممكنة لا يوجب اليقين بوجودها لكي يستصحب.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قده) لا يجري فيما كان نفس الدليل متكفلا لعنوان القاطعية فان ظاهر لفظ القاطع يدل على تحقق صورة في المركب فمع تحققها لا مانع في جريان الاستصحاب بعد الفراغ عن وجود تلك الهيئة الاتصالية فافهم وتأمل.

٣١٥

ولكن لا يخفى أنك قد عرفت بأنه يمكن إجراء استصحاب عدم تحقق القاطع في الصلاة بهذا المشكوك وهو وإن لم ينقح حال المشكوك حيث لا يحتاج إلى تنقيحه لكفاية إحراز صلاة لم يتحقق فيها القاطع في مقام الامتثال.

نعم لا تحتاج إلى إحراز بقاء الهيئة الاتصالية حيث أن استصحاب عدم وجود القاطع كان بالنسبة إلى إحراز ذلك مثبتا ولا نقول بحجيته

التنبيه الثالث عشر :

لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيما لو كان على خلافه دليل اجتهادي ولو لم يكن مفيدا للقطع على خلافه فلو كان هناك عام متكفل بعمومه لحكم الموضوع بالنسبة إلى زمان خاص كما إذا ورد أكرم العلماء أبدا وفي كل يوم فلا مجال لاستصحاب عدم وجوب إكرام العالم

وإنما الكلام فيما إذا ورد تخصيص لذلك العام في قطعة من الزمان كما لو قال لا تكرم زيدا يوم الجمعة فيشك في إكرامه في يوم السبت وأنه داخل تحت حكم العام فهل يرجع إلى عموم العام مطلقا (١) أو يرجع الى

__________________

(١) فرض المسألة فيما إذا خصص العام المفيد للعموم الافرادي والأزماني معا وعلم بخروج بعض أفراده من الحكم في بعض الأزمنة فتردد بين الأقل والأكثر كما اذا خصص دليل وجوب الوفاء بالعقود بأدلة خيار الغبن وشك في خروجها في ذلك الزمان لكي يكون خيار الغبن فوريا فيكون المورد من التمسك بالعام مطلقا أو يستمر فيكون الخيار استمراريا فيتمسك بحكم المخصص أو يفصل بين العام الاستغراقي والمجموعى وجوه اختار ثالثها الشيخ الأنصاري (قده) بتقريب أن

٣١٦

استصحاب حكم المخصص مطلقا أو يفصل بينما إذا كان التخصيص في الأول أو الآخر فالأول وبينما اذا كان في الوسط فالثاني وجوه بل أقوال

__________________

العموم اذا كان مجموعيا يكون الحكم واحدا منطبقا على جميع الأزمنة فاذا ارتفع الحكم الواحد فلا يبقى مجال للتمسك بالعام بل يتمسك باستصحاب حكم المخصص ومع امتناع الرجوع اليه لا بد أن يرجع إلى القواعد الأخر وهذا بخلاف ما اذا كان استغراقيا فان الحكم فيه ينحل الى أحكام عديدة حسب تعدد الآنات ويكون لكل آن حكم خاص به وعليه التخصيص يرد على آن خاص وتبقى بقية الآنات الأخر تحت العموم اذ لا يوجب رفع آن خاص رفعها فيتمسك بعموم العام في بقية الآنات وقد أشكل المحقق الخراسانى (قده) في كفايته بأنه لا يتم ذلك على إطلاقه بل لا بد من ملاحظة حال المخصص من كون الزمان يؤخذ ظرفا أو قيدا.

بيان ذلك : أنه كما يمكن أن يؤخذ الزمان ظرفا استمراريا مكثرا لعموم العام بنحو يكون لكل آن من آنات الزمان ظرفا لحكم مستقل كذلك يمكن أن يكون ظرفا لحكم المخصص أيضا ظرف استمراري بنحو يكون مكثرا لحكم الخاص فيكون لكل آن حكم خاص على حده.

وعليه لا بد من ملاحظة كل من الحكمين الثابتين لدليل العام ودليل الخاص فان كان مأخوذا فيهما على نحو الظرفية الاستمرارية لم يمكن التمسك بعموم العام للعلم بارتفاعه بالمخصص ولا دليل لنا على عوده بل لا بد من التمسك باستصحاب حكم المخصص لعدم تبدل الموضوع بالموضوع الآخر فيتم أركان الاستصحاب وإن كان الزمان المأخوذ فيهما على نحو يكون مكثرا للحكم وموجبا لتعدد بحسب تعدد آناته فلازمه التمسك بعموم العام إذ ارتفاع التخصيص لا يوجب رفع اليد عن العموم

٣١٧

قد اختار الشيخ (قده) التفصيل وقد استدل لوجوب الرجوع إلى العام فيما إذا أخذ الزمان فيه قيدا بأن عموم الحكم في ظرف العام

__________________

إذ المرتفع حكم مختص بالآن الأول فلا مجال للرجوع إلى حكم المخصص بالاستصحاب حتى مع عدم التمسك بعموم العام لمانع إذ ذلك يكون من قبيل إسراء حكم لموضوع إلى موضوع آخر لكونه حسب الفرض أن لكل آن موضوعا مستقلا وإذا كان الزمان المأخوذ في العام على نحو مكثرا للموضوع والمأخوذ في دليل المخصص بنحو الظرفية الاستمرارية فهو وإن يمكن التمسك بالاستصحاب لعدم تبدل الموضوع إلا أن العام لما كان بنحو المكثر فيكون كل آن له حكم مستقل فمع شموله لهذه الآنات لا مجال لجريان الاستصحاب لما هو معلوم أنه لا مجال للاصل العملي مع وجوب دليل لفظي ،

وأما إذا أخذ الزمان في دليل العام بنحو الظرفية الاستمرارية وفي دليل الخاص أخذ بنحو يكون مكثرا للموضوع فلا يمكن الرجوع الى دليل العام ولا الى استصحاب المخصص.

أما دليل العام لفرض أن حكم العام أمر واحد المنبسط على مجموع أجزاء الزمان وقد ارتفع بالمخصص.

وأما الاستصحاب فقد تبدل الموضوع بتبدل الزمان فلا مجال للاستصحاب لكونه من قبيل إسراء حكم لموضوع الى موضوع آخر فلا بد في المقام من التماس قواعد أخر كالاشتغال أو البراءة وحاصل الايراد أن ما ذكره الشيخ (قده) من جواز التمسك باستصحاب حكم المخصص فيما اذا كان عموم العام مجموعيا لا يتم على اطلاقه وانما يتم اذا أخذ الزمان في حكم المخصص على نحو يكون ظرفا لاستمراره ودوامه.

٣١٨

بالنسبة الى الزمان يكون افراديا كعمومه بالنسبة الى الافراد بنحو يكون كل زمان حينئذ مأخوذا موضوعا مستقلا لحكم مستقل فاذا كان للعام

__________________

وأما إذا كان المأخوذ فيه على نحو المكثر للموضوع فلا يرجع الى استصحاب حكم المخصص لتبدل الموضوع كما أن حكمه بعدم الرجوع الى الاستصحاب اذا كان العموم استغراقيا على اطلاقه غير صحيح وانما يصح فيما اذا كان مأخوذا في حكم المخصص على نحو يكون مكثرا للموضوع.

وأما اذا كان مأخوذا على نحو الظرفية الاستمرارية لحكمه فقد عرفت أنه قابل لجريانه إلّا أنه يعارض بدليل العام وليس له قابلية للمعارضة لتقدم الدليل اللفظي على الأصل العملي هذا كله فيما اذا كان التخصص واردا في الوسط كما في المعاملة الغبنية فان خروجها عن عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد بأدلة خيار الغبن بعد ظهور الغبن لا من أول انعقاد العقد.

وأما اذا كان التخصيص واردا من الأول كما في عقد البيع قبل تفرق المتتابعين فان خروجه عن دليل وجوب الوفاء بالعقد بأدلة خيار المجلس انما هو من أول انعقاد العقد فيصح التمسك بعموم العام بالنسبة الى ما عدا المقدار المعلوم خروجه بالمخصص وان كان عموم العام مجموعيا وذلك لعدم ارتفاع الحكم حينئذ بالمرة وانما المرتفع استمراره اذ المرتفع في زمن خيار المجلس انما استمرار وجوب الوفاء لا أصل وجوبه فلا مانع من التمسك بعموم وجوب الوفاء بعد انقضاء المجلس ويكون هو أول زمان استمرار الحكم اذ لازم أدلة خيار المجلس رافعة لكل من أصل وجوب الوفاء واستمراره هو التخصيص الافرادي لا الازماني فقط اذ لازمه أن يخرج عقد البيع عن عموم دليل وجوب الوفاء بالمرة

٣١٩

أفراد عشرة وأفراد الزمان أيضا عشرة فبالنسبة إلى كل فرد من الزمان ينحل حكم العام إلى أحكام عشرة كما أنه بالنسبة إلى أفراده

__________________

لا في بعض الأزمنة فقط.

انتهى توضيح كلامه (قده). لكن لا يخفي أن ما ذكر من التفصيل إنما هو فى مقام الثبوت.

وأما في مقام الاثبات والتفاهم العرفي هو أن العموم الأزماني المعبر عنه بالأفراد الطولية كالعموم الافرادي المعبر عنه بالأفراد العرضية من حيث انحلاله لكل قطعة من الزمان بنحو يكون موضوعا مستقلا من غير فرق بين أن يكون العموم المستفاد من لفظه كل وأمثالها من ألفاظ العموم كأكرم العالم في كل زمان أو يستفاد العموم بالاطلاق كأوفوا بالعقود حيث أنه يدل على وجوب الوفاء بها في كل زمان وهكذا في مثلى النهي كمثل لا تشرب الخمر المستفاد منه حرمة شرب الخمر فى كل زمان فان المناط في كل عموم زمانى ينحل الحكم بحسب الأزمنة إلى أحكام عديدة حسب آنات الزمان كما ينحل إلى الأفراد فيما كان مورد الانحلال بحسب الأفراد فاذا علم بخروج فرد من تحت العام لا مجال لتوهم جريان استصحاب حكم الفرد الخارج بالنسبة إلى الفرد المشكوك فكذلك بالنسبة إلى مورد الانحلال بحسب الأزمنة هذا والمحقق النائيني (قده) قال بالتفصيل بين أن يكون مصب العموم الأزماني هو متعلق الحكم أو بنفسه فعلى الأول يرجع إلى عموم العام والثاني يرجع إلى استصحاب حكم المخصص بتقريب أنه لو كان المصب هو المتعلق فالحكم وارد على العموم ويتعدد بتعدد متعلقه فيكون أحكام متعددة على موضوعات متعددة فخروج فرد منها لا يوجب خروج بقية الأحكام المتعلقة بالموضوعات المتعددة فعليه لا بد من الرجوع إلى العام

٣٢٠