منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

في مثله أيضا نقول بعدم جريان استصحاب كل منهما لعدم اتصال الشك بزمان اليقين وفيه أولا ينقض ذلك بكلية موارد العلم الاجمالي بين الاطراف إذا كان على خلاف الحالة السابقة كما لو علم بحدوث النجاسة في أحد الكأسين الذي كان كل منهما طاهرا سابقا فانه يلزم عدم جواز جريان الاستصحاب في كل منهما ولو مع عدم المعارضة لاحتمال أن يكون اليقين بالطهارة فيه منقوضا باليقين بالنجاسة ولا نقطع بأنه منقوض بغير الشك وهو مما لم يلتزم به بل ولا يمكن الالتزام به أيضا وثانيا أن هذا الاشكال لا يتم لو كان العلم الاجمالي بين الطرفين ساريا إلى خصوصية كل منهما بحيث يصير الواقع بخصوصيته معلوما ومتصفا بوصف المعلومية فانه على هذا إذا علم بموت زيد بالعلم الاجمالي وتردد بين يوم الجمعة وبين يوم السبت لو كان حدوثه في يوم الجمعة كان عدم الموت في يوم الخميس منتقضا بالموت في يوم الجمعة بما هو معلوم بخصوصيته فيكون نقض اليقين باليقين لا بالشك فمع هذا الاحتمال يحتمل نقض اليقين باليقين

ولكن قد تقدم منا سابقا من أن العلم الاجمالي لا يعقل أن يسري الى خصوصيات أطرافه وإنما الخصوصية تكون باقية على كونها مشكوكة فلا يكون المقام من نقض اليقين باليقين بل يكون من قبيل نقض اليقين بالشك ويكون زمان الشك في نفس الخصوصية متصلا بزمان اليقين وعليه لا وقع لهذا الاشكال أصلا (١).

__________________

(١) لا يخفى أن المراد من اتصال الشك باليقين في باب الاستصحاب هو اتصال المشكوك بالمتيقن وفي مجهول التاريخ يدعى عدم ايصال الشك بالمتيقن بتقريب إنه يفرض أزمنة ثلاثة الأول زمان القطع بعدم حدوث كل من الحادثين الثاني بقطع الحدوث.

أحدهما لا على التعيين الثالث القطع بحدوث الحادث الآخر لا على

٢٨١

هذا وفي المقام إشكال آخر يمنع من جريان الاستصحاب وهو أن شأن الاستصحاب جر المستصحب إلى مقام الشك في البقاء لا في مقام التطبيق بيان ذلك أنه قد عرفت أن الأزمنة ثلاثة يوم الخميس الذي هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم إسلام الوارث ويوم الجمعة

__________________

التعيين فالزمان الأول زمان المتيقن الذي هو المستصحب وهو عدم حدوث كل واحد منهما وزمان الشك لا بد وأن يكون هو الزمان الثالث لا الثانى لعدم كون الشك في أصل الحدوث وانما الشك في التقدم وهو لا يحصل إلّا بوجود الاثنين وليس إلّا الزمان الثالث فظرف المتيقن هو الزمان الأول وظرف المشكوك هو الزمان الثالث فما اتصل زمان المشكوك بالمتيقن.

ولكن لا يخفى أن زمان الثاني أيضا مشكوك بالنسبة الى وجود كل من الحادثين ولا ينافي أن نعلم بحدوث أحد الحادثين فان ذلك لا يوجب رفع الشك ببقاء المتيقن مثلا اذا علم باسلام الوارث وموت المورث وشك في التقدم والتأخر وفرضنا أزمنة ثلاثة يوم الخميس زمان العلم بعدم حدوث كل واحد منهما ويوم الجمعة يعلم بحدوث أحد الحادثين ويوم السبت يعلم بحدوث الحادث الآخر لا على التعيين فمن الواضح أن من يوم الجمعة الى آخر يوم السبت لم يحصل له علم تفصيلي بخلاف اليقين السابق فيتصل المشكوك بالمتيقن ولقد قلنا في محله ان كل واحد من أطراف العلم الاجمالي من موارد الاصول فتسقط بالمعارضة لو كان كل من الأطراف يترتب عليه الأثر ومع عدم ترتب الأثر على أحدها فيجري الأصل فيما له الأثر بلا معارض ومما ذكرنا يظهر جريان استصحاب النجاسة فيما إذا علم بنجاسة المعين وطهر أحدهما واشتبه الطاهر من النجس من غير فرق بين أن يكون متعلق العلم من أول الأمر

٢٨٢

هو زمان الشك في حدوث موت المورث وإسلام الوارث ويوم السبت

__________________

مجملا ومرددا بين الإناءين كما لو كان هناك إناءان نجسان وعلم باصابة أحدهما غير المعين المطر أو علم باصابة المطر باحدهما المعين ثم اشتبه ذلك أو علم بعنوان كاناء زيد وشك في انطباق هذا العنوان على كل من الإناءين خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) حيث لم يحكم بالنجاسة في جميع الفروض بملاك واحد ففي الفرض الأول لبنائه على عدم جريان الاصول في أطراف العلم الاجمالي وفي الفرضين الآخرين بملاك عدم اتصال زمان الشك باليقين.

ولكن لا يخفى أنك عرفت أن العلم الاجمالي يسرى إلى خصوصية الأطراف فلذا يكون موردا للاصول وتسقط بالمعارضة وزمان الشك متصل بالمتيقن ولأجل ذلك قال السيد في العروة بجريان الاستصحاب في الفروض الثلاثة هذا كله في مجهول التاريخ.

وأما معلوم أحدهما بالخصوص فقد ادعى المحقق النائينى تبعا للشيخ الأنصاري (قده) بعدم جريان الاستصحاب فيه بعدم تحقق الشك فيه لكي يستصحب مثلا لو علم بموت المورث يوم الجمعة وهو العلم مستمر حتى يوم السبت فمتى يشك فيه حتى يستصحب.

ولكن لا يخفى أن ذلك بالنسبة إلى زمان الحادث الآخر يكون مشكوكا لاحتمال حدوث ذلك الحادث قبله كما يمكن أن يكون بعده وبعبارة أخرى أن معلومية التاريخ من جهة لا تمنع جريان الاستصحاب من جهة أخرى فان المعلومية إنما هي باضافة حدوث نفسه.

وأما بالاضافة إلى حدوثه في زمان حدوث الحادث الآخر فغير معلوم فيجري الاستصحاب لو كان الأثر للعدم المحمولي لو لم يسقط بالمعارضة مع استصحاب مجهول التاريخ.

٢٨٣

الذي هو ظرف اليقين بحدوث موت المورث ومن الواضح شأن الاستصحاب هو جر المستصحب إلى زمان الشك الذي هو يوم الجمعة لا جره إلى زمان الثالث الذي هو زمان اليقين بالانتقاض فلا يشك في ذلك الزمان وزمان يشك في مقارنة ببقائه التعبدي في زمان عدم وجود غيره حيث أن شأن الاستصحاب هو إلغاء الشك من جهة الاقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع وجود غيره وبعبارة أخري أن شأن الاستصحاب دائما رفع الشك تعبدا عن بقاء الشيء بعد القطع بحدوثه فيما إذا شك في بقائه وجدانا.

وأما إثبات بعد الزمان لزمان حدوث الحادث الفلاني أو نفس حدوثه فليس ذلك شأن الاستصحاب لما عرفت أن الزمان الثالث الذي هو يوم السبت زمان القطع بحدوث المستصحب وجدانا.

أما في زمان الثاني أو في هذا الزمان الثالث فعليه لا يمكن جر عدم موت الوارث أو عدم إسلام المورث تعبدا للقطع بانتقاض كلا القسمين وبما أن موضوع الأثر هو عدم كل واحد منهما في زمان وجود الآخر والتعبد ببقاء عدم كل واحد منهما في الزمان الثانى الذي هو ظرف الاستصحاب لكونه ظرف الشك لا يثبت كون هذا العدم في زمان وجود الآخر لأنه مشكوك لاحتمال أن يكون زمان حدوث نفس ما أستصحب عدمه وليس من شأن الاستصحاب هذا الشك فلا يترتب الأثر المطلوب منه. والحاصل أن فرض المقام هو التردد الزمان الذي هو طرف

__________________

وأما لو كان الأثر للعدم النعتي فلا يجري الاستصحاب لعدم الحالة السابقة والعدم المحمولي وان كان له حالة سابقة إلّا أنه بالنسبة الى ما له الأثر يكون مثبتا فافهم وتأمل.

٢٨٤

وجود الآخرين الزمانين زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني وزمان يقينه الذي هو زمان الثالث يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الأثر على حاله فلو أريد من الإبقاء إبقائه الثاني فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد إلا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها زمان الثالث وهو أيضا غير ممكن لأن الزمان الثالث زمان انتقاض زمان انتقاض يقينه بيقين آخر فكيف يمكن جر المستصحب إلى زمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر ومجرد كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجري في إمكان الجر إلى زمان انتقاض نفسه وبعد معرفة ذلك أن المقام من هذا القبيل ففي المثال المذكور من الشك في حياة الوارث أو إسلامه إلى زمان موت مورثه كلا الأمرين من الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم إسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ نردد حدوثه بين الزمانين وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتب الأثر المترتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير لأن ما يمكن جره بالاستصحاب إنما هو جر عدم إسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني ومثله لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد لعدم إحراز كون التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير وعدم تكفل دليل الاستصحاب لالغاء الشك من جهة خصوص امتداده دون غيره وذلك لا يثمر في تطبيق كبرى الأكبر على المورد لما عرفت من عدم تكفل دليل الاستصحاب إلا لالغاء الشك في ذلك على أنه لو أريد

٢٨٥

جر المستصحب إلى زمان يقطع فيه بانطباق زمان الاجمالي بنحو الاجمال فهو وإن كان مثمرا في مقام التطبيق ولكنه محتاج إلى جره في جميع الأزمنة الثلاثة المحتملة التي منها الزمان الثالث وهو غير ممكن وبدون جره كذلك لا يجوز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود غيره مثلا لو شك في حياة الوارث إلى زمان موت المورث مع العلم بموتهما وجهل تأريخه كان منشأ الشك كلا الأمرين أعنى الشك في امتداد الحياة والشك في تقدم موت المورث وتأخره فلم ينفع جريان الاستصحاب في إثبات الحياة إلى زمان موت المورث اذ لا يقتضي إلا إثبات الامتداد تعبدا.

أما حيثية اقتران الحياة بموت المورث من جهة تقدمه وتأخره فلا دلالة له على إلقائهما.

ثم لا يخفى أن هذا الاشكال لا يرد على معلوم تاريخ أحدهما بالخصوص لأن الشك حاصل في هذه الصورة الى زمان الواقع المعلوم بيان ذلك هو أنه في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين لو حكم ببقاء مجهول التاريخ الى ذلك الزمان نجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر.

وأما لو كان العدم معلوما ولكن المقارنة بينه وبين موت الآخر مشكوكة مثلا لو فرض عدم موت زيد الى يوم السبت ولكن يشك في حدوث موت عمر في يوم الجمعة لكي يكون مقارنا عدم موت زيد أو حدوثه يوم السبت لكي لا يكون مقارنا وحيث يكون الشك في المقارنة لا يجري الاستصحاب في المقارنة اذ المقارنة ليس لها حالة سابقة كما أن العدم ليس مشكوكا لكي يستصحب بل يستصحب عدم المقارنة أى عدم موت زيد مقارنا لموت عمر والفرض أن الأثر يترتب على المقارنة.

وأما لو كان العدم مشكوكا فيكون له حاله سابقة إلّا أن مقارنة

٢٨٦

عدم موت زيد لموت عمر ليس لها حالة سابقة وبالجملة أن مقارنة موت زيد لموت عمر مما له الأثر والفرض أن يوم السبت وان كان زمان القطع بموت عمر إلّا أنه لا مجال لاستصحاب عدم موت زيد فيه للقطع بثبوته فيه ويوم الجمعة ولو كان يوم الشك في بقاء عدم موت زيد ولكن لا يقطع بموت عمر فيه واستصحاب عدم موت زيد فيه لا يثبت مقارنته لموت عمر الا على القول بالأصل المثبت.

(الكلام في تعاقب الحادثين المتضادين)

لو شك في تقدم أحد الحادثين على الآخر مع العلم بتحققهما كما لو علم بالطهارة والحدث وشك في تقدم الطهارة على الحدث أو العكس فهل يجري الأصلان معا وبالمعارضة يتساقطان أو لا يجري الأصل فيهما قيل بالأول وحينئذ يأخذ بالحالة السابقة عليهما.

ولكن لا يخفى أنه لا مجال للأخذ بالحالة السابقة عليهما للعلم بانتقاضها (١) وبعد الفراغ عن ذلك وقع الكلام بين المحققين في أصل

__________________

(١) مضافا إلى أنه لو فرض وجد عقيب الحالة السابقة مثلها بدون أن يكون الحادث الآخر فاصلا بينهما كما لو فرض أنه كان محدثا قبل حدوث هذين الحادثين فوجد سبب الحدث من نوم وغيره حال كونه محدثا بالحدث السابق لا يؤثر أثرا جديدا وهكذا لو كان الحادث الموافق للحالة السابقة.

الطهارة فهي مرتفعة قطعا لو تعقبها الحدث ولو كانت الطهارة بعد الحدث فتكون باقية قطعا من غير حاجة إلى الاستصحاب ولكن حدوثها مشكوك فما هو المتيقن للبقاء مشكوك الحدوث فيتهدم كلا ركني

٢٨٧

جريان الاستصحاب في ذلك مع قطع النظر عن المعارضة أم لا يجري والحق عدم جريان لامور :

__________________

الاستصحاب إذ الاستصحاب لا بد أن يكون متيقن الحدوث مشكوك البقاء وفي المقام عكس ذلك فما هو متيقن البقاء مشكوك الحدوث.

لكن لا يخفى أن حقيقة الاستصحاب يقين سابق وشك لا حق وفي المقام متحقق إذ حال حدوث الحدث الموافق للحالة السابقة يعلم بوجود حدث شخصي إن كانت الحالة السابقة الحدث أو الطهارة الشخصية وبعد حصول العلم بحدوث أحد الحادثين يشك في ارتفاع ذلك الشخص الخارجي.

وأما كون ذلك الحدث الشخصي هل هو الحادث الجديد أو السبب الذي كان قبل حدوث الحادثين لا يضر بتمامية أركان الاستصحاب هذا في مجهولي التاريخ.

وأما في موارد العلم بتاريخ أحد الحادثين فقد يكون معلوم التاريخ موافقا للحالة السابقة على الحالتين. كما إذا علم من كان محدثا بالحدث الأصغر مثلا بأنه توضأ وبال بعد ذلك الحدث واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر. مع العلم بأن بوله كان في الساعة الثانية من النهار ، لكنه لا يعلم أن الوضوء هل صدر منه في الساعة الأولى أو الثالثة ، وقد يكون مخالفا للحالة السابقة ، كما إذا فرض كون المكلف متوضأ قبل توارد الحالتين في مفروض المثال ، فان كان من قبيل الأول كان المورد بالاضافة إلى استصحاب مجهول التاريخ من صغريات القسم الثاني من استصحاب الكلي لرجوع الشك في بقاء الطهارة في المثال إلى تردد الوضوء بين ما هو باق يقينا وما هو مرتفع كذلك.

وبما أن ارتفاع الطهارة مشكوك فيه. لاحتمال وقوع الوضوء

٢٨٨

الأول ما ذكره الأستاذ (قده) في الكفاية ما لفظه (أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حادثان متضادان كالطهارة والنجاسة

__________________

في الساعة الثالثة يجري الاستصحاب ويحكم ببقائها.

وإن كان من قبيل الثاني اندرج المورد بالاضافة إلى الاستصحاب المزبور تحت كبرى القسم الثاني من الثالث من استصحاب الكلي.

بتقريب أن لنا يقينا بفرد من الطهارة. وقد ارتفعت قطعا ، وهي الطهارة السابقة على توارد الحالتين. ويقينا ثابتا بالطهارة ، بعنوان آخر ، وهي الطهارة المتحققة عند الوضوء الثاني المحتمل انطباقها على الفرد المرتفع ، وعلى فرد آخر غيره ، لأنها على تقدير كونها تجديدية لم تحدث طهارة أخرى غير الطهارة الحاصلة بالوضوء الواقع قبل توارد الحالتين ، وهي قد ارتفعت يقينا.

وعلى تقدير كونها ابتدائية فهي طهارة جديدة وباقية قطعا. وحيث أنا على يقين من وجود الطهارة حال الوضوء الثاني ، وعلى شك في في ارتفاعها يجري الاستصحاب ويحكم بالبقاء.

هذا كله بالاضافة إلى الاستصحاب الجاري في مجهول التاريخ.

وأما الجاري في معلوم التاريخ ، فهو من الاستصحاب الشخصي على كل حال ، كما هو ظاهر.

وأما القول بالأخذ بضد الحالة السابقة كما نسب إلى المحقق (قده) تمسكا بأنا نقطع بارتفاعها لوجود ما هو ضدها ونشك في ارتفاعه لاحتمال وجوده بعد وجود الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة فيكون مجري للاستصحاب.

ولكن لا يخفى أنه وإن صح جريانه إلا أنه معارض باستصحاب الحادث الآخر فانه معلوم الوجود ومشكوك الارتفاع فيتساقطان فلا تغفل.

٢٨٩

وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في التأخر والتقدم منهما وذلك لعدم الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددهما بين الحالتين وإنه ليس من تعارض الاستصحابين (١).

__________________

(١) بتقريب أن المقام يفرض في ثلاث ساعات مثلا لو طهر المحل ونجس في ساعة أخرى وشك في المتقدم والمتأخر وأريد استصحاب الطهارة في الساعة الثالثة لم يحرز اتصال الشك باليقين لعدم إحراز اتصال الساعة الثالثة إلى زمان الشك بزمان اليقين بالطهارة لاحتمال انفصاله عنه باليقين بالنجاسة حيث يكون الطهارة من الساعة الأولى والنجاسة من الثانية ومع هذا الاحتمال لا يمكن التمسك بالاستصحاب لعدم إحراز كونه من نقض اليقين بالشك.

ولكن لا يخفى أن قوام الاستصحاب يقين سابق وشك لاحق.

وأما اتصال الشك باليقين فغير معتبر على أنه قد عرفت منا اتصاله إذ احتمال تخلل اليقين غير ضائر وإلا امتنع جريان الاستصحاب فيما لو شك في الطهارة المتيقنة ولم نحرز تحققها في أي وقت واحتمل وجود الناقض لها مع أنه لا يستشكل أحد من جريانه.

نعم لا يجري الأصل من جهة أنه لا أثر له حيث أنه لا يثبت تأخره عن الحادث الآخر لكي تكون النتيجة ثبوته وارتفاع الآخر ليترتب الأثر على وجوده إلا على القول بالأصل المثبت فعليه جريان كل من استصحاب الحادثين يوجب التعارض فيتساقطان هذا إذا لم نقل بلزوم الأخذ بالحالة السابقة على حدوث الحادثين على ما قويناه سابقا فيما تقدم فيما لو علم بتحققهما ومع الشك فلا بد من الرجوع الى الاصول والقواعد فنقول يختلف باختلاف الموارد فبالنسبة إلى الصلاة لا بد من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال فيجب فيما لو توارد عليه الحدث والطهارة وشك في

٢٩٠

الثاني أن المستفاد من دليل الاستصحاب ان الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في زمان المتصل لزمان اليقين بحدوثه بنحو يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان الثاني ويحتمل عدم ملازمته كذلك كما هو متحقق في الشبهات البدوية وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل بتقريب أن الطهارة في المثال إن كانت واقعة في الساعة الثانية فهى باقية في الثالثة وإن كانت واقعة في الأول فهى مرتفعة في الثانية لا في الثالثة فالساعة الثالثة ليست زمان الشك في الارتفاع بل يعلم بعدم الارتفاع فيها محتمل في الثانية فقط ودعوى تحقق الشك في البقاء والارتفاع متحقق في كل من الطهارة والحدث فيكون الشك في البقاء متصلا

__________________

التقدم والتأخر في الوضوء لرجوع الشك في الامتثال بعد العلم بوجوب الصلاة عن طهارة.

وأما بالنسبة إلى كتابة القرآن ونحوه فيرجع فيه إلى أصالة البراءة ويحكم بعدم الحرمة لكونها مشكوكة فيها رأسا وهكذا الحال فيما لو علم بتحقق كل من الجنابة والغسل واشتبه المتقدم فيهما والمتاخر هذا بالنسبة إلى الطهارة الحدثية وما قابلها.

وأما بالنسبة إلى الطهارة الخبثية وما يقابلها كما إذا علم بتوارد كل من الطهارة والنجاسة على الاناء مثلا واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر فالمرجع بعد تساقط الأصلين المتعارضين الطهارة فيحكم بالطهارة

وأما الوجه الثاني فان قوام الاستصحاب هو الشك في البقاء وهذا في المقام متحقق ولو لا تحققه لزم عدم جريان الاستصحاب فيما لو احتمل وجود الرافع في زمان معين بعد ذلك الزمان ولا يظن بالتزامه من أحد ويجاب عن الثالث بأن الظاهر من أدلة الاستصحاب اعتبار اليقين بوجود المستصحب والشك في بقائه وهو متحقق في المقام فافهم وتأمل.

٢٩١

بزمان اليقين ممنوعة إذ مرجع ذلك في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه المتصل به لا أنه من جهة الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان كما لا يخفى.

الثالث : إن المتصرف من دليل الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين بالمستصحب بنحو لو انتقلنا من زمان الشك المتأخر الى ما قبله من الأزمنة وتقهقرنا الى الوراء عثرنا على زمان المستصحب كما هو كذلك في جميع موارد الاستصحاب والمقام ليس من ذلك القبيل فان كلا من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي فرضناه الساعة الثالثة لم نعثر على زمان اليقين بوجود المستصحب بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث اذ كلا من الساعة الثانية والأولى اذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك وفي وجوده الى أن ينتهي الى الزمان الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل منهما ودعوى أن ذلك انما هو بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية.

وأما بالنسبة الى الزمان الاجمالي الذي هو بعد زمان اليقين وحدوث المستصحب متصلا بزمان اليقين فعليه لا مانع من جريان استصحاب كل من الطهارة والحدث الى الزمان الثاني الاجمالي فان ذلك متصل بزمان اليقين بحدوث كل منهما ممنوعة فان ذات انما ينفع فيما اذا كان الأثر وجود بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا

وأما لو كان الأثر يحتاج الى التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما هو كذلك أن الأثر لصحة الصلاة هو ثبوت الطهارة في الزمان التفصيلي فلا يكون مجال للاستصحاب لعدم نفعه.

٢٩٢

اذ بذلك لا يحصل التطبيق على الأزمنة بخصوصه الذي مورد ترتب الأثر وقد عرفت منعه اذ الزمان الثاني الذي هو ظرف العلم لا يحتمل البقاء لتردده من الحدوث والارتفاع والزمان الثالث وان احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع لكونه على تقدير مقطوع البقاء وعلى تقدير آخر تقدير مقطوع الارتفاع فيه فلا دليل على صحة استصحاب كل من الطهارة والحدث لو كان الأثر لمجرد الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا دون ما لو كان الأثر لثبوت أحدهما في الزمان التفصيلي وحيث أنه ليس لنا زمان تفصيلي بتيقن الطهارة أو الحدث لذا لا ينفع جريانه وان أردت توضيح ذلك فهو أن غاية ما يمكن أن يقال في جريان الاستصحاب في هذا المقام من احدى جهتين.

وأما من جهة أن اليقين الاجمالي بتحقق الطهارة في قطعة من الزمان وهو العلم بتحقّقها في واحد منها ينحل الى علمين متعلقين بالنسبة الى خصوص الزمان المتصل بزمان الشك الذي لازمه القطع ببقاء الطهارة في زمان الشك وجدانا وبالنسبة الى خصوص الزمان السابق عليه الذي لازمه الشك في صدور الحدث منه بعد ومرجعه الى العلم التفصيلي بكون المعلوم على تقدير عدم كونه هذا الفرد هو ذاك والعلم بكونه ذاك على تقدير عدم هذا الفرد فاليقين أعنى اليقين بصدور الطهارة في القطعة السابقة على تقدير عدم صدوره في القطعة اللاحقة المتصلة بزمان الشك متحقق بالنسبة الى الزمان الخاص المعين مع الشك في حدوث الحدث بعدها على هذا التقدير وهو يكون قابلا للاستصحاب بالنسبة الى زمان الشك.

نعم أنه استصحاب تعليقي بمعنى كون نفس الاستصحاب وخطاب لا تنقض تعليقي معلق على حصول العلم السابق لا كون المستصحب أمر

٢٩٣

تعليقي فحينئذ فبالنسبة الى زمان الشك الذي يريد الدخول في الصلاة يعلم اجمالا بأنه متطهر.

أما بالطهارة الاستصحاب أن وقعت الطهارة منه في القطعة السابقة عن الزمان السابق على الشك لأنه على هذا الفرض كان له يقين بحدوث الطهارة في زمان يقين وشك في بقائها فيستصحب وان كانت واقعة في الآن المتصل بزمان الشك فهو متطهر بالوجدان لعدم عروض حدث بعده وعليه فهو محكوم بالطهارة.

وأما من جهة جريان الاستصحاب بالنسبة إلى نفس اليقين الاجمالي بالطهارة في قطعة من الزمان مع الشك ببقائها بعده من دون احتياج إلى تعيين زمان اليقين والشك أصلا فان تلك القطعة المرددة للعلوم وقوع الطهارة فيها بحسب الواقع لو كانت منطبقة على الزمان السابق المتصل بزمان الشك فزمان بعده المشكوك في بقاء الطهارة ينطبق على الزمان المتصل بزمان الشك فيصير مما حكم فيه باستصحاب الطهارة لو كانت منطبقة على الزمان المتصل بزمان الشك فيكون ذلك الزمان مما يكون متطهرا بالوجدان أيضا وعلى كل حال يكفي في ترتب الأثر هو الدخول في الصلاة وصحة الصلاة السابقة استصحاب الطهارة المتيقنة في قطعة الزمان بالنسبة إلى زمان بعده والمردد من دون احتياج إلى تعيين ذاك الزمان لما عرفت من أنه منطبق على أحد الزمانين ويكون مما يترتب عليه الأثر المقصود بأي فرض منها وهذا بخلاف ما نحن فيه.

الوجه الأول أصلا لعدم مجال جريان الاستصحاب في شيء منهما القطع التفصيلي التعليقى في تحقق الطهارة والحدث وذلك لأنه على فرض عدم وقوع الطهارة في الزمان الثالث لكنا نقطع بوقوعها في الزمان الثاني على هذا الفرض نقطع بانتقاضها بالحدث في الزمان الثالث للعلم

٢٩٤

بكون الحدث في الزمان الثالث لو كانت الطهارة في الزمان الثاني وعلى فرض عدم وقوعها في الزمان الثاني لكنا قاطعين بوقوعها في الزمان الثالث ولكن على هذا الفرض نقطع ببقائها إلى الزمان الرابع فليس لنا شك في البقاء لكون الفرض تقدم الحدث عليها على هذا الفرض.

وأما الوجه الثاني الذي مرجعه إلى الاستصحاب المعلوم الاجمالي بالنسبة إلى زمان بعده المجمل أيضا من جهة إجمال الزمان المعلوم فان كان المراد زمان بعده المتصل به على أن يكون المراد استصحاب المعلوم إلى زمان بعده بلا واسطة المحتمل انطباقه على زمان الثالث وعلى زمان الرابع لاحتمال انطباق المعلوم على زمان الثاني وعلى الثالث فلا موقع للاستصحاب أيضا لأنه على فرض انطباق زمان بعده على الزمان الثالث نقطع بعدم البقاء لأنه نقطع بأن الطهارة أما حدثت في ذلك الزمان لو كان الحدث قبله.

وأما ان ارتفعت فيه كان الحدث فيه والطهارة قبله وعلى فرض انطباقه على الزمان الرابع لا نشك في البقاء بل نقطع به لأن لازم انطباق المعلوم على الزمان الثالث الذي يكون متأخرا عن زمان الحدث ولا يحتمل صدور حدث بعده فلا مجال للاستصحاب على كل تقدير لعدم تحقق أركان الاستصحاب بالنسبة إلى المعلوم الاجمالي المشكوك كذلك وإن كان المراد من زمان بعد زمان المعلوم اجمالا مطلق زمان بعده بالأعم من أن يكون بلا واسطة أو مع الواسطة فحينئذ بالنسبة الى انطباقه على زمان الرابع بتحقق الشك في البقاء مع كونه مما ينطبق عليه عنوان بعد زمان المعلوم اجمالا مع كون مثل هذا الشك أيضا مسبوقا باليقين بالحدوث والوجه في تحقق الشك في البقاء بالنسبة الى زمان الرابع الذي مرجعه الى احتمال البقاء واحتمال عدم البقاء معا أنه حيث يحتمل

٢٩٥

تحقق المعلوم في زمان الثالث الذي لازمه البقاء فيكون ذلك منشأ احتمال البقاء ونحتمل تحققه في زمان الثانى الذي لازمه الارتفاع بتحقق ضده في الزمان الثالث فيصير ذلك منشأ احتمال عدم البقاء فلا مجال للاستصحاب به أيضا لأنه يرد عليه ما أوردنا عليه سابقا بأن الزمان الرابع أيضا أمر يدور بين أن يكون مقطوع الارتفاع لو كان المعلوم بالاجمال فى الزمان الثانى لتحقق ضده في الزمان الثالث وبين أن يكون مقطوع البقاء ولو كان المعلوم بالاجمال في الزمان الثالث السابق عليه فلا يتحقق الشك في البقاء على كل تقدير كما لا يخفى فتلخص أنه لا يتحقق أركان الاستصحاب في تعاقب الحادثين بوجه من الوجوه فلا ينتهي النوبة الى التساقط بالمعارضة لما مر في كلام الشيخ (قده) هذا كله فيما اذا كان كلا الحادثين مجهولي التاريخ.

وأما القسم الثاني الذي يعلم تاريخ أحدهما دون الآخر فيجىء فيه الأقسام الثلاثة المتقدمة في مجهولي التاريخ لأنه قد يكون الأثر مترتبا على تقدم مجهول التاريخ أو تقارنه أو تأخره على وجود معلوم التاريخ.

وأما قد يكون الأثر على تلك الحالات في ظرف معلوم التاريخ تارة يكون مترتبا على تلك الحالات في كلا الطرفين وتارة كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما في ظرف وجود الآخر.

وثالثه كان من قبيل تعاقب الضدين من الحادثين.

أما اذا كان الأثر مترتبا على تقدم مجهول التاريخ أو تقارنه أو تأخره عن معلوم التاريخ فلا مانع من اجراء استصحاب عدم تقدمه وتقارنه مثلا اذا علم بعدم موتهما في يوم الخميس ثم علم بموت عمرو في يوم السبت وشك فى موت زيد يوم الجمعة أو الاحد ففي يوم الاحد تعلم بموتهما

٢٩٦

فحينئذ بالنسبة الى معلوم التاريخ لا يجري الاستصحاب قطعا لعدم الشك فيه بالنسبة الى ذاك الزمان.

وأما بالنسبة الى مجهول التاريخ فيجري استصحاب عدم تقدمه وتأخره بناء على كون تلك الأمور واقعية وكذلك لا يجري أصالة عدم تقارنه مع موت عمر إلّا أنه تسقط الأصول بالمعارضة فيما لو كان لكل من تلك الحالات أثر للعلم بوقوع واحد منها كما أنه يجري اصالة العدم بالنسبة الى التقدم والتقارن في مجهول التاريخ بناء على كون الأثر مترتبا على المنشأ وكون تلك الأمور من الأمور الانتزاعية ولا يجري بالنسبة إلى عدم تأخره لعدم الشك في يوم السبت بموت عمرو وبل نقطع به لا يمكن إثبات حدوث موته بمجرد إثبات عدم التقدم والتقارن لكونه مثبتا بالنسبة إلى ذلك.

وأما إذا كان الأثر مترتبا على عدم مجهول التاريخ فى ظرف وجود معلوم التاريخ فيمكن إحرازه باصالة عدم تحقق وجوده في ظرف وجود معلوم التاريخ.

وأما لو كان الأثر مترتبا على عدم معلوم التاريخ في ظرف وجود مجهول التاريخ فلا يجري فيه الاستصحاب لاحرازه بالاصل لعدم الشك فيه بالنسبة إلى ذاك الزمان ففي جميع الصور لا يجري في معلوم التاريخ ويجري أصل العدم في المجهول إلا اذا كان الأثر مترتبا على تأخره فيما إذا كان نفس التأخر موضوعا للاثر وكان عدم التأخر موضوعا للاثر فانه أيضا لا يمكن إحرازه بالأصل لعدم حالة سابقة له هذا بناء على مسلكنا.

وأما بناء على مسلك الكفاية من اعتبار اتصال الشك بزمان اليقين فلا يجري أصل العدم فى مجهول التاريخ أيضا لاحتمال الفصل باليقين

٢٩٧

بتحقق الضد كما هو واضح.

وأما إذا كان من قبيل تعاقب الضدين كالحدث والطهارة مع العلم بتاريخ الطهارة مثلا فانه بناء على مسلك الكفاية فلا يجري استصحاب بقاء الحدث بالنسبة إلى زمان الشك في بقائه وكذلك لا يجري استصحاب بقاء الطهارة لاحتمال الفصل في كل منهما باليقين بالآخر وبناء على مسلك الشيخ يجرى الاستصحاب في كلا الطرفين إلا أنه بالمعارضة يتساقطان وعلى المختار لا يجري في مجهول التاريخ لعدم انتهاء الشك في البقاء فيه إلى زمان اليقين التفصيلي ويجري في المعلوم تاريخه وهذا هو المطابق لعمل الفقهاء في الفقه فأنهم يجرون الأصل في معلوم التاريخ دون المجهول.

التنبيه التاسع

قد عرفت سابقا أن مقتضى لا تنقض اليقين بالشك أنه لا بد من أن يكون للمستصحب أثر في ظرف الشك في بقائه بعد ما كان متيقنا بحدوثه سابقا فانه يرجع الى الأمر بمعاملة الشك معاملة اليقين والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الأثر العملي من عمل الجوارح أو الجوانح لأنه في كلا الأمرين يصدق نقض اليقين بالشك ومن ذلك ظهر أنه لو كان المستصحب من الامور الاعتقادية التي كان الأثر مترتبا على بقائه كلزوم الاعتقادية وعقد القلب والتدين بالنسبة إليه فانه يجري فيه الاستصحاب كما لو شك في بقاء شخص خاص على حياته لو فرض الشك فيه وبالجملة لا مانع من إجراء الاستصحاب بالنسبة إليه بمجرد كون الأثر

٢٩٨

من أعمال الجوانحي كما هو واضح.

نعم هنا إشكال من جهة أخرى وهو أن ذلك يتم لو كان وجوب الاعتقاد والانقياد من أحكام نفس وجود نبي واقعا على وجه كان اعتبار العلم به من جهة كونه طريقا محضا.

وأما لو كان اعتبار العلم في ذلك بعنوان الموضوعية فلا مجال للاستصحاب المذكور حينئذ لأنه جريان لاستصحاب يثبت اليقين التنزيلي ولكن ذلك فيما إذا كان الاثر مترتبا على مجرد اليقين بالشك مطلقا.

وأما إذا كان الأثر مترتبا على العلم بالواقع بنحو الصفتية فلا موقع للاستصحاب لكون غايته إثبات اليقين في ظرف الشك بالواقع لرفع الشك رأسا ومسألة الاعتقاد بنبوة النبي من هذا القبيل ولا أقل من الشك فلا يجري فيه الاستصحاب مضافا إلى أن الشك في مثل تلك المسألة وإن كان من أقسام الشبهة الموضوعية غير المحتاجة إلى الفحص إلا أنه في خصوص المقام محتاجة الى لزوم الفحص وعليه لا يجوز الاستصحاب قبل الفحص لكون المقام مما لو تفحص لحصل له اليقين.

أما بالوجود أو بالعدم ولا يمكن عادة بقاؤه على الشك حتى بعد الفحص كما أشار إلى ذلك الشيخ في الرسائل فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب كما لا يخفى.

وحاصل الكلام في مسئلة وجوب الاعتقاد والتدين وعقد القلب أنه أما أن يكون من آثار نفس نبوة النبي واقعا دون اعتبار العلم بها بأن كان بنحو الطريقة المحضة لتنجز التكليف بحيث لو انعقد القلب على نبوة من كان نبيا مع الشك فيه ما كان تشريعا وإنما كان تجريا محضا لو لم يكن برجاء الواقع واعتقادا رجائيا فلازمه جريان الاستصحاب

٢٩٩

مع الشك في بقاء النبوة أو إبقاء حياته.

وأما أن لا يكون كذلك بل كان من أحكام العلم بذلك بأن أخذ العلم بالنبوة شرطا لوجوب الاعتقاد والتدين بنبوة النبي على وجه لو لا العلم لا يجب الاعتقاد كما في سائر الواجبات المشروطة أو أخذ العلم شرطا للواجب كما الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فيجب تحصيل العلم مقدمة لتحصيل الواجب وهو الاعتقاد وهذان القسمان هما اللذان ذكرهما الشيخ عند الكلام في الظن في اصول الدين وعليهما يكون العلم مأخوذا بعنوان الموضوعية وحينئذ نقول بأن العلم كان مأخوذا بعنوان أنه صفة خاصة ونور للنفس من دون لحاظ كونه منور الغير فلا مجال للاستصحاب أيضا ولو بناء على كونه مثبتا لليقين لما تقدم من أنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي الصفتي كما أنه لا يقوم مقامه الامارات وأخرى يؤخذ العلم بعنوان الموضوعية ولكنه بما هو منور للغير وطريق إليه الذي يعبر عنه بالعلم الموضوعي على نحو الطريقية ولازم اعتباره بنحو الأول عدم قيام الاستصحاب مقامه لأنه لا يرفع الحجاب والشك بل غايته إثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك به كما ان لازم الثانى قيامه مقام القطع الموضوعي على نحو الطريقية كما تقدم منا سابقا وصرح به الشيخ في أول الرسائل ومع الشك في أنه أي نحو منهما لا مجال للاستصحاب كما هو واضح والظاهر أن اعتبار العلم فيما نحن فيه أما أن يكون على وجه الطريقية المحضة وعلى فرض كونه بنحو الموضوعية فالظاهر كونه بما هو منور للغير وطريق بلحاظ أنه معرفة له فحينئذ لا مانع من جريان الاستصحاب في المقام وبذلك ظهر ما في كلام الشيخ بعدم جريان الاستصحاب في المقام مع تصريحه بأنه يقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي اللهم إلّا أن يقال بكون العلم عنده فيما نحن فيه مأخوذ بنحو

٣٠٠