منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

يتبع فهم مداليل الألفاظ لا في مقام تطبيق المفاهيم على المصاديق ممنوعة إذ المقام ليس راجعا إلى مقام التطبيق وإنما هو راجع إلى تحديد مفهوم حرمة النقض (في قوله لا تنقض اليقين بالشك) إذ هو مسوق إلى ما كان نقضا له بالنظر العرفى لا بحسب الدقة والحقيقة.

ومن الواضح تكون المسامحة العرفية في تحديد حرمة النقض والتعبد ببقاء المتيقن مرجعا ولا يكون من قبيل تطبيق الكبرى المستفادة من لا تنقض على المورد فان الأثر من جهة خفاء الواسطة يعد بالنظر العرفي أثرا للمستصحب لا للواسطة وإن كان أثر لها بحسب الدقة ومثل هذا التسامح لا يرتبط بمقام تطبيق المفهوم على المورد.

ولاجل ما ذكرنا قال الاستاذ (قده) بأنه لا مانع من إلحاق جلاء الواسطة بخفائها في اعتبار المثبت فيما لو كان التلازم بينهما في الموضوع بمثابة لا يرى العرف التفكيك بينهما في مقام التنزيل كالابوة والبنوة.

لما عرفت أن المسامحات العرفية هي المناط في ذلك (١) وهذا الذي

__________________

لا تثبت بمفاد كان التامة.

ولكن لا يخفى انا نمنع كون التسالم على جريان الاستصحاب وإنما هو مستفاد من قوله (ع) صم للرؤية وأفطر للروية فانه يستفاد منها اعتبار العلم بدخول شهر رمضان وشوال في ترتب الصوم والافطار.

(١) لا يخفى ان ما ذكره من الامور المتضايقة كالابوة والبنوة فان كان مراده من استلزام التعبد بابوة زيد لعمر مثلا يستلزم التعبد بابوة عمر لزيد فان ذلك ان اليقين بالابوة مساوق لليقين بالنبوة فتكون البنوة كالابوة متعلقة للبنين والشك فيجري الاستصحاب في البنوة كجريانه في الابوة ويخرج عن ذلك كونه من الاصول المثبتة كما هو كذلك في العلية الثابتة والمعلول ثم أن المحقق الخراساني (قده) ذكر أمورا وأخرجها عن

٢٦١

ذكرناه لا اشكال فيه وانما الاشكال في صغرياتها فقد ذكر القوم فى بيان الصغريات أمورا.

__________________

الاصل المثبت وقال أن التمسك فيها ليس تمسكا بالاصل المثبت من جهة اتحاد الواسطة مع مؤدى الاصل في الخارج :

الاول : ما يكون الاثر مترتبا على المستصحب بواسطة العنوان الذاتي المنطبق عليه كما لو علمنا بوجود خمر في الخارج ثم شككنا في بقائه من بعد صيرورته خمرا فان الاثر الذي هو الحرمة أو النجاسة وإن كان مترتبا عليه بواسطة انطباق الخمر عليه وحيث أن الأثر اللاحق لطبيعة الخمر يكون عين الفرد وجودا متميزا معه خارجا فيكون الأثر له حقيقة فترتب آثاره على استصحاب الفرد ترتب آثار ما هو متحد مع المستصحب وجودا وعليه لا يكون الاستصحاب مثبتا.

ولكن لا يخفى أن أخذ الطبيعي موضوعا فى القضية إنما هو باعتبار وجوده إذ الطبيعي من حيث هو إلا هو ليس إلا هو لا يكون محكوما بشيء من الأحكام إذ موضوعها هو الأفراد الملغاة عنها الخصوصية فتكون الحرمة والنجاسة في مفروض المثال من آثار نفس الخمر المستصحب.

الثاني : ما يكون الأثر مترتبا على المستصحب بواسطة العنوان الانتزاعي العرضي المنطبق على المستصحب كعنوان الغصبية وحيث أن هذا العنوان ليس في إزائه في الخارج سوى منشأ انتزاعه فتترتب آثاره على منشأ انتزاعه باستصحابه فيخرج عن الأصل المثبت حيث أن الواسطة فيه تكون مغايرة المستصحب.

وهكذا بالنسبة إلى الملكية لاتحاد العنوان الانتزاعي مع منشأ انتزاعه

ولكن لا يخفى أنه أن أريد استصحاب فرد خاص من أفراد العنوان فاستصحاب الغصبية الخاصة فانه يوجب ترتب آثار طبيعي الغصب

٢٦٢

وقد ذكروا لها موارد منها الشك في وجود الحائل من وصول الماء الى البشرة أو الحاجب في باب الوضوء والغسل والتطهير عن

__________________

عليه فان الأثر حينئذ يكون أثرا لنفس المستصحب باعتبار إلغاء الخصوصيات الفردية وهذا ليس من الأصل المثبت لأن أثر وجود الطبيعي الأبيض مثلا هو أثر لنفس الأبيض الخاص مع الغاء الخصوصية وليس ذلك من الأصل المثبت وان أريد استصحاب ذات الشيء المغصوب لترتب آثار عنوان الغصبية عليه فهو يكون من الأصل المثبت لا ينفع اتحاد العنوان الانتزاعي مع منشأ انتزاعه وجودا لعدم خروج الأصل عن كونه مثبتا بعد فرض أن الاثر ليس من آثار نفس المستصحب وانما هو من آثار لوازمه

وأما الملكية والزوجية والولاية فهي لما كانت من الاحكام الوضعية المجعولة للشارع فترتبها على نفس المستصحب وان كانت طولية ما لم يتوسط بينهما آثار عقلية أو عادية كما هو في مثل المقام فلذا لا يكون من الأصل المثبت على أن الملكية ليست من العناوين الانتزاعية لكي يقال بأن ترتب أثرها على استصحاب منشأ انتزاعها من جهة اتحادها معه في الوجود وانما هي أمر اعتباري وحكم مجعول من قبل الشارع وترتبها على نفس المستصحب وان كانت طولية ما لم يتوسط بينها لوازم عقلية أو عادية.

الثالث : ما يكون الاثر على المستصحب مما هو مجعول للشارع يتبع جعل منشأ انتزاعه من الجزئية والشرطية والمانعية فانها تترتب على نفس المستصحب حيث أنها مجعولة تبعا ولا تفاوت في الآثار المترتبة على المستصحب بين أن يكون من الآثار المجعولة بالاستقلال أو يكون مجعولا بالتبع.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره من أن يكون المترتب على المستصحب

٢٦٣

النجاسة الخبثية حيث أنهم يلتزمون باستصحاب عدم الحائل فيحكمون بصحة الوضوء أو الغسل والطهر وجوازه مع أن الصحة مترتبة على وصول الماء في البشرة الذي هو من اللازم العقلي لعدم الحائل في مورد ايقاع الماء على العضو والجسم من جهة البناء على كون الواسطة خفية على وجه لم يعد شيئا لكي يكون حائلا ومنها مثلوا لذلك بما لو شك في تحقق أصل الرد في باب العقود مثل الاجازة بناء على كون الرد قبل الاجازة من قبيل الحائل بين العقد والاجازة كما هو التحقيق لا من قبيل النسخ فانه يجرون استصحاب عدم الرد فيرتبون عليه وجوب الوفاء بالعقد بعد الاجازة مع أن وجوب الوفاء يترتب على العقد المضاف الى المالك لا مجرد عدم الرد والاجازة فيه واضافة العقد الى المالك من اللوازم المترتبة على عدم المرد في ظرف الاجازة فيقولون بكونه من الوسائط الخفية مع انه قد يشكل عليهم

__________________

لا يفرق بين أن يكون المترتب على المستصحب مجعولا شرعيا مستقلا أو بالنبع فهو وان كان صحيحا إلّا أن دعوى كون الشرطية والجزئية والمانعية من المجعولات التبعية محل نظر حيث أنها ليست منتزعة من وجود الشرط والجزء أو المانع لعدم كونها من آثار وجودها خارجا حتى تترتب على وجودها الاستصحابي وانما هي من آثار تعلق الجعل بالحصة الخاصة من الصلاة المقيدة بها اذ لا معنى لانتزاعها من وجود الشرط والجزء والمانع خارجا ضرورة أن جزئية السورة أو شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة مقيدة في الصلاة سواء وجدت في الخارج أم لم توجد فعليه أنها غير مرهونة يتحقق الشرط والجزء والمانع في الخارج فلا تترتب على استصحاب بقاء الشرط مثلا لتتحقق بقاء الشرطية في الخارج وانما هو أمر الشارع سواء أتى بها المكلف أم لا فافهم وتأمل.

٢٦٤

بأنه الفرق يظهر في هذا المورد.

منها إذا شك في حائلية شيء أو شك في وجود حائله فإنه لا يجرون فيه استصحاب عدم الحائل لكونه مثبتا ومنها ما إذا شك المأموم بأنه أدرك الامام في الركوع أم لا فانه يجرون فيه استصحاب بقاء الامام على الركوع إلى زمان ركوع المأموم فانه بناء على أن المناط ركوع المأموم في حال كون الامام راكعا لا اشكال فيه.

وأما بناء على كون المناط اجتماع المأموم مع لامام في الركوع فانه وتحقق الهيئة الاجتماعية فيه فيشكل يكون الاستصحاب مثبتا فيجاب بأن الواسطة خفية ومن ذلك استصحاب بقاء الطهارة للحكم بصحة الصلاة بناء على كون شرطية الشيء للمأمور به إلى ذات العمل ليس مثل الجزئية منتزعة عن تعلق الأمر بالشيء مقيدا بغيره فانه بناء عليه لا إشكال في استصحاب نفس ما هو شرط المأمور به فيترتب عليه صحة العمل أعني كونه موافقا للمأمور به.

وأما بناء على كون الشرطية للشيء باعتبار تقيد نفس ذات العمل بذلك الشىء فى الرتبة السابقة من الأمر كما تقدم اختيار ذلك فى الأحكام الوضعية فالشرطية حينئذ عبارة عن تقيد الشيء بالشيء فيكون ما هو الشرط طرفا لهذا التقييد خارج عن الشرطية فحينئذ يترتب ذلك التقييد على وجود الشرط وإبقائه في ظرف الاتيان بالمشروط فيكون عقليا حينئذ استصحاب بقاء الطهارة للحكم بصحة المأتى به في أثناء العمل أو قبل الشروع يقال وأنه مثبت لأن ترتب الصحة على تحقق تقيد العمل وحصول الشرطية وترتب ذلك على استصحاب الطهارة عقلي والجواب عنه أن الواسطة خفية بل يطهر من نفس تمسك الامام باستصحاب الطهارة والوضوء الحكم بصحة العمل المشروط بها في مضمرة

٢٦٥

أولى لزرارة لا بد وأن يستكشف عدم الاعتناء بمثل تلك الوسائط ومن ذلك يظهر ما هو الضابط في خفاء الواسطة وعدم خفائها.

فيكون المدار على ما يكون من قبيل مورد الرواية مضافا إلى أن يقال بعدم الاحتياج إلى الالتزام بخفاء الواسطة في صحة استصحاب الطهارة ولو بناء على عدم كون الشرطية من الأمور الجعلية الوضعية لبداهة أن مقدمة الواجب واجبة بالوجوب الغيري المترشح مع من وجوب ذي المقدمة وهذا الوجوب الغيري وإن لم يكن أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ابتداء واستقلالا.

ولكن له أن يرفعه عنها برفعه عن ذي المقدمة كما أن له أن يجعل الوجوب لها بجعل الوجوب على ذيها فحينئذ فالحكم ببقاء الطهارة مرجعه إلى أنه لا يجب عليك تحصيل الواجب للصلاة لو لم يكن بحاصل بل لك الاكتفاء بهذه الطهارة المستصحبة في إيجاد ذي المقدمة ومن رفع نفس الوجوب عن تحصيل المقدمة يستكشف أنه رفع الوجوب النفسى عن ذي المقدمة ولو لم تكن المقدمة حاصلة فالأثر المترتب على استصحاب الطهارة هو عدم وجوب تحصيل المقدمة بغير تلك الطهارة المستصحبة الكاشف عن رفع الوجوب عن ذي المقدمة وهو الصلاة عن طهارة واقعية لو لم يكن الصلاة المكتفى بها بالطهارة الحاصلة بالاستصحاب وهي الصلاة عن طهارة واقعية فلا تحتاج في ترتب الأثر الشرعى إلى خفاء الواسطة كما تقدم ومن موارد الاستثناء عن حجية أصل المثبت ما إذا كانت الواسطة مما لا يمكن التفكيك بينه وبين ذي الواسطة بحسب التنزيل كما لا تفكيك بينهما واقعا ومعنى عدم امكان التفكيك بينهما أن العرف يرى أن تنزيل ذي الواسطة تنزيل للواسطة وذلك من جهة شدة اتصال يرى بينهما ومنشؤه أن الملازمة بين الشيئين وكذلك

٢٦٦

علاقة اللزومية بين الملزوم واللازم يعبر من شدة الوضوح عن أحدهما بالآخر بنحو لا يرى العرف تفكيك بين المتلازمين أو اللازم والملزوم ومن هذه الجهة ورد الدليل على التنزيل في أحد المتلازمين أو الملزوم أو اللازم ينتقل الى تنزيل ملازمه أو لازمه مثل الابوة بنفس الانتقال الى جعل زيد أب عمر ينتقل الى جعل عمرو ابن زيد أو من جعل مقابله زيد لعمرو حصل جعل مقابلة عمر لزيد أيضا وكذلك في جميع الامور النسبية المتضايفة سواء النسبة من الطرفين يتخذه مكرر كالمقابلة أو المحاذات أو متخالفة كالأبوة والبنوة والفوقية والتحية وغيرهما وذلك بالنسبة الى الملزوم واللازم فانه قد يصير علاقة اللزومية بحيث يرى العرف بتنزيل الملزوم عين تنزيل اللازم وبهذا قد ظهر أنه لو كان للمستصحب أثر شرعى ولكنه كان لهذا الأثر الشرعى أثر شرعى آخر ينتهى الى العمل ولو بألف واسطة شرعية كلها خارجة عن محل الابتلاء يجري فيه الاستصحاب على مسلك المختار من كونه راجعا الى الأمر بالتعبد بثبوت الشىء بلحاظ أثره فان حياة زيد اذا كان له لازم شرعى ليس محلا للابتلاء وكان لهذا اللازم لازم شرعى محلا للابتلاء فنفس التعبد ببقاء الحياة تعبد بأثره الشرعى لكونه لازما له والتعبد به بما هو ملزوم لازم آخر تعبد بذلك اللازم وهكذا الى أن ينتهى الى العمل.

فتلخص أنه يتم ما تقدم سابقا من صحة التنزيل والاستصحاب بالنسبة الى موضوع كان له الأثر العملي الشرعى بواسطة أثر شرعى آخر لا يمكن إلّا باثبات حجية الأصل المثبت بالنسبة إلى ما اذا كان لزوم الواسطة جلية وكان تنزيله تنزيل تلك الواسطة.

بقى في المقام شىء وهو أن من نتائج كون الاستصحاب هو جعل حكم مماثل للحكم الواقعى في استصحاب الحكم وجعل حكم

٢٦٧

مماثل لحكم الموضوع في استصحاب الموضوع أو كونه راجعا إلى الأمر بالمعاملة كما هو المختار أنه على الأول إذا ثبت وجوب الاستصحاب يترتب عليه وجوب امتثاله عقلا وحرمة مخالفته ووجوب مقدمته وحرمة ضده ولو لم يكن تلك الامور من الآثار الشرعية وقلنا بكون الأثر الثابت بالاستصحاب هو الأثر الشرعي على ذلك لكون تلك الآثار من الآثار العقلية لوجوب شيء بالأعم من أن يكون واقعيا أو ظاهريا فان الاستصحاب لم يثبت الا وجوب الشيء على هذا المسلك.

ولكنه يترتب عليه تلك الآثار العقلية لتحقق موضوعها بالوجدان.

وأما على الثاني فتارة نقول بأنه يرجع الى الأمر بالمعاملة عمل المتيقن بأن يكون مفاد وجوب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن والأمر بالعمل في المشكوك منزلة عمل المتيقن فلازم ذلك اثبات الوجوب الشرعي بالنسبة للعمل الذى يكون موافقته وامتثالا للحكم المتيقن.

وأما بالنسبة الى ما هو مقدمة لذلك فبناء على وجوب المقدمة الواجب ينتزع من هذا الأمر بالنسبة اليها أيضا وجوب وإلّا فيكون واجبا بالابدية العقلية كما يرى بعض في مقدمات الواجب وأخرى نقول بأنه يرجع الى الأمر بالمعاملة عمل اليقين ووجوب تنزيل الشك منزلة اليقين فبناء عليه يثبت الوجوب الشرعى بالنسبة الى العمل الذي يكون موافقة له امتثالا للحكم الواقعى وكذلك بالنسبة الى مقدمته ولو لم نقل بكون مقدمة الواجب واجب شرعا بوجوب ذي المقدمة وذلك لأن عمل اليقين بوجوب شىء هو الاتيان بمتعلقه بما له من المقدمات ولو عقلا والفرض أن دليل الاستصحاب أثبت الوجوب الشرعى لهذا العمل فيصير عمل اليقين واجبا شرعا بما له من المقدمات كما لا يخفى.

٢٦٨

التنبيه الثامن

لا اشكال في صحة الاستصحاب فيما اذا كان الشك في أصل وجود الحكم أو موضوع ذي حكم كما اذا شك في بقاء النجاسة بعد القطع بحدوثها سابقا وشك في بقاء حياة زيد بعد القطع بثبوته سابقا (١)

__________________

(١) لا يخفى أن تأخر الحادث أو تقدمه تارة يكون باعتبار أجزاء الزمان وأخرى باعتبار حادث زماني آخر.

أما الأول فلا اشكال في جريان استصحاب عدم الحدوث أو البقاء بالنسبة الى الزمان المشكوك حدوثه أو ارتفاعه الى زمان العلم بتحقق الحدوث أو الارتفاع فلو علم بموت زيد يوم الجمعة وشك في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة يستصحب عدم حدوثه الى زمان يعلم بتحققه الذي هو يوم الجمعة إلّا أن هذا الاستصحاب لا يثبت عنوان حدوث الموت يوم الجمعة الا على القول بالأصل المثبت.

نعم بناء على كون الحدوث مركبا من عدمه يوم الخميس والعلم بتحققه يوم الجمعة فحينئذ يتدرج تحت ما أحرز أحد الجزءين بالأصل والآخر بالوجدان ولكن جعل المقام من ذاك القبيل محل نظر حيث أن الحدوث والتأخر من العناوين البسيطة فلا ينفع جريان الاستصحاب فيه لما عرفت أنها من الأصول المثبتة كما لو قلنا بأن هذه العناوين من المنتزعة لا يجري فيه الاستصحاب حيث أنه لما كان الموضوع أو المتعلق أمرا منتزعا من اتصاف أحد الجزءين بالآخر ومن الواضح أن العنوان الانتزاعى من لوازم وجود منشأ انتزاعه فيكون من باب احراز جهة الانصاف وما هو مفاد كان الناقصة واستصحاب ذات الجزء انما هو

٢٦٩

وأما إذا شك في زمان حدوثه أعني أول أن وجوده بعد القطع بأصل وجوده كما إذا علم بموت زيد يوم السبت وشك في أن حدوث

__________________

مفاد كان التامة وبه لا يثبت الانصاف الذي هو مفاد كان الناقصة فانه من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

وأما الثاني وهو ما يكون الشك في تقدم الحادث أو تأخره بالاضافة إلى حدوث زماني آخر أو انتفائه فتارة يكون الموضوع أو المتعلق أمرا وحدانيا وأخرى يكون مركبا من ذات الجزءين أو الأجزاء.

وثالثه ان يكون عنوانا منتزعا من اتصاف أحد الجزءين بالآخر

أما الأول فيجري الاستصحاب فيه بلا إشكال ويترتب عليه الآثار الشرعية كما أن الثاني يجري فيه الاستصحاب بضم الوجدان اليه فيما اذا لم يؤخذ اتصاف أحد الجزءين بالآخر في موضوع الحكم أو تقيده وانما له الدخل بذات الجزءين كما لو أحرز اجتهاد شخص في مورد بالوجدان وعدالته بالأصل يترتب عليه الآثار من تقليده وتنفيذ حكمه لعدم أخذ جهة الاتصاف مثلا في الموضوع أو في المتعلق اذ لا معنى لكون العدالة وصفا للاجتهاد وانما هما وصفان قائمان بذات المجتهد العادل ومن هذا القبيل احراز موت الوالد بالوجدان واحراز حياة الولد بالأصل وبذلك يحرز موضوع الارث المركب من مجرد موت الوالد وحياة الولد من دون أخذ اتصاف أحدها بالآخر ومن هذا القبيل لو أحرزت الطهارة بالاصل بضمها مع الاجزاء في الصلاة المحرزة بالوجدان اذ المعتبر في الصلاة هو اجتماع ذوات الاجزاء والشرائط في الخارج بنحو يكون بعضها مقارنا للآخر في الوجود.

وأما كون بعضها وصفا قائما ببعضها الآخر فغير معتبر في الصلاة فظهر مما ذكرنا أنه بجريان استصحاب الطهارة يتحقق الموضوع بضم

٢٧٠

موته بعد القطع بحياته يوم الخميس مثلا فيكون الشك فى تقدمه وتأخره بعد القطع بأصل وجوده فلا يخلو أما أن يلاحظ ذلك الحادث بالنسبة الى أجزاء الزمان أو يلاحظ بالنسبة الى حادث آخر كما اذا علم بموت زيد وموت عمر في يوم السبت وشك في يوم الجمعة في حدوث موتهما معا أو تقدم موت زيد على موت عمر أو العكس بعد القطع بتحقق أنهما في يوم السبت.

وهنا قسم ثالث وهو أن يكون توارد الحادثين المتضادين معلوم تحققهما في زمانين متعاقبين.

ولكن شك في تقدم أحدهما عن الآخر مع العلم بتحققهما كما اذا علم بوجود الحدث والطهارة وشك في تقدم أحدهما عن الآخر.

أما القسم الاول فان كان الاثر مترتبا على نفس عدم حدوثه في زمان الشك بأن يكون عدم موت زيد في يوم الجمعة المشكوك موته

__________________

الوجدان الى الاصل فيما اذا أحرزت بقية الاجزاء والشرائط بالوجدان ـ ودعوى أن استصحاب الجزء أو الشرط معارض باستصحاب عدم تحقق المركب في الخارج لكونه مسبوقا بالعدم ممنوعة بأن استصحاب الجزء أو الشرط يحرز حصول المركب اذا فرض حصول بقية الاجزاء بالوجدان فانه يحصل المركب بالاستصحاب الجزء والشرط بضم الوجدان من غير لحاظ الاتصاف ثم أن الاستاذ المحقق النائيني (قده) دفع التعارض بين الاصلين بأن استصحاب الجزء أو الشرط حاكم على استصحاب عدم تحقق المركب لكون الشك في تحقق المركب مسبب عن الشك في الجزء والشرط.

ولكن لا يخفى أن الحكومة إنما تحقق السببية الشرعية كما في سببية طهارة الماء المغسول به الثوب لا مثل المقام فان السببية فيه عقلية فلا يكون الاصل الجاري في السبب برفع الاصل في المسبب لجواز الانفكاك بينهما شرعا فافهم

٢٧١

فيه مما له الاثر فلا مانع من جريانه فيه كالشك في أصل حدوثه لتحقق أركانه اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها وان كان الاثر مترتبا على تأخره عن زمان الشك فلا يثبت باستصحاب عدمه في زمان الشك تأخره عن ذلك الزمان الاعلى القول بالأصل المثبت بأن يقال حدوث الموت في يوم الجمعة مشكوك فيستصحب عدمه فيكون حادثا في يوم السبت هذا بناء على كون الحدوث أمرا بسيطا.

وأما بناء على كونه مركبا من الوجود وعدم تقدمه فيمكن احراز أحد جزئيه بالاصل والآخر بالوجدان فلا يكون الاصل حينئذ مثبتا.

وأما القسم الثاني أعني ما اذا كان الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتقارنهما فلا يخلو أما أن يكونا مجهولي التاريخ أو يكون أحدهما مجهولا والآخر معلوما ولا مجال لاحتمال كونهما معلومى التاريخ خارجا لخروجه عن مورد الشك في التقدم والتأخر والتقارن وعلى التقديرين.

أما أن يكون الاثر مترتبا على خصوص تأخر أحدهما المعين فقط أو على خصوص تقارنه فقط.

وأما أن لا يكون مترتبا على تقدم أحدهما المعين وعلى تأخره وتقارنه أيضا بل يكون كل واحد من التقدم والتأخر والتقارن في أحدهما ذا أثر شرعي دون تقدم الآخر وتأخره وتقارنه.

وأما أن يكون مترتبا على تقدم كل منهما على الآخر وعلى تأخره أو على تقارنه ثم أما أن نقول أن كل واحد من هذه الامور أعني صفة التقدم والتقارن والتأخر من الامور الواقعية التي كانت من المحمولات التي لها واقعية في الخارج بمعنى كون الخارج ظرفا لنفسها وان لم يكن ظرفا لوجودها مثل أصل الوجود على ما هو التحقيق فيها وبعبارة أخري لا يكون واقعيتها تابعا لاعتبار المعتبر بل ولو لم يكن في

٢٧٢

العالم معتبر كان لها واقعيته في الخارج فحينئذ تكون ذا أثر شرعا إذا أخذت موضوعا لحكم شرعي في لسان دليل فحينئذ يجري الأصل فيها في كل مورد يمكن جريانه لو لا المعارضة لأن كل واحد من هذه الامور حينئذ من الامور الواقعية الحادثة التى كانت مسبوقة بالعدم مع كون المفروض كونها بما هي تلك الصفات مما لها أثر شرعى ولا يجري أصل العدم ولا الوجود في منشأ انتزاعها لكونه بالنسبة إلى إثباتها يكون من الأصل المثبت.

وأما أن نقول بأنها من الأمور الاعتبارية المحضة التي لا واقع لها إلا الاعتبار كالملكية والزوجية فلا يكون الخارج الا ظرف اتصاف منشأها بها فعلى هذا فلا يكون مجال لجريان الاستصحاب فيها لعدم كون الأثر مترتبا عليها بل مترتب على ما هو منشأ انتزاعها. وبما أن منشأ الانتزاع من الامور الاعتبارية فلا يجري الأصل فيها بالنسبة إلى تلك الامور التي كان تحققها بعين تحقق منشئاتها ويكون الحكم المترتب فى لسان الدليل مترتبا على منشئاتها من غير فرق أن تؤخذ في لسان الدليل بمفاد كان التامة أو الناقصة وبعبارة أخرى أن الأثر لو كان مترتبا على منشأ انتزاعها :

فلا مجال لجريان أصالة العدم فيها لعدم كونها بنفسها من الخارجيات المسبوقة بالعدم فلا بد أن نجعل أصل العدم منشأ انتزاعها الذي هو الحدوثات الخاصة الزمانية لقيام المصلحة والمفسدة بها الذي يكون ذا الأثر.

وأما بناء على المختار بأن هذه الاضافات بنفسها أمور خارجية وصفات زائدة على الذوات الخارجية فلا قصور من جريان الاستصحاب من غير فرق بين كونها بمفاد كان التامة أو كان الناقصة فيما لو كان

٢٧٣

الأثر مترتبا على وجود أحد الحادثين باعتبار إضافته إلى الحادث الآخر بكل من عنوان التقدم والتأخر والتقارن وان كانت كلها مسبوقة بالعدم بنحو السلب المحصل لا الموجبة المعدولة.

وأما لو كان الاثر على ما أتصف بالعدم في زمان الآخر فلا يجري أصالة العدم لعدم اليقين بالحالة السابقة واستصحاب عدم الحادث إلى زمان وجود الحادث الآخر لا يثبت الارتباط والاتصاف لانه يكون من الاصول المثبتة وإلى ذلك نظر الاستاذ حيث فصل بين أن يكون الاثر لنفس عدم أحدهما فى زمان الآخر فأجرى أصالة العدم بمفاد كان التامة وبين أن يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان الحادث الآخر فلم يجر أصالة العدم بمفاد كان الناقصة وكيف كان.

فجريان أصل العدم بكلا المفادين فيما إذا كان القيد بما هو قيد على نحو السلب بنحو انتفاء الموضوع من غير فرق بين أن يكون الوصف ملحوظا بما هو شيء وفي نفسه وبين أن يؤخذ نعتا لموضوعه وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الجزء الثاني من الكتاب في الشبهة المصداقية ما لفظه وبالجملة الاعدام الازلية التي هي محل لجريان الاصل هي الاوصاف العارضة على الذات بتوسط وجودها كالمرأة المشكوك كونها من قريش وكالشرط المشكوك مخالفته للكتاب لا بالنسبة إلى ما هو من لوازم الذات فانه لا مجال لجريان الاصل العدمي لعدم وجود حالة سابقة انتهى هذا في المقيد.

وأما في ذات القيد بما هو قيد فانه يجري بنحو السلب المحصل بكل من مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق.

وعليه لا مانع من جريان أصل عدم اتصاف المرأة بالقرشية وعدم

٢٧٤

اتصاف الحادث حين وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر إذا كان الاثر لسلب الاتصاف لا بمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة فانه عليه لا يجرى الاصل المذكور لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم وجريان أصالة عدم اتصافه بالتقدم أو التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الذي مرجعه إلى سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب بمفاد القضية المعدولة إلا على القول بالأصل المثبت.

ثم لا يخفى أن بعد معرفة ذلك فاعلم أنه لا بد في القسم الأول أعني الجهل بتأريخهما من اعتبار أزمنة ثلاثة.

أحدهما زمان القطع بعدمهما كيوم الخميس في المثال المتقدم.

والتالي زمان الشك فيهما كيوم الجمعة مثلا.

والثالث زمان القطع بتحققهما كيوم السبت مثلا ففيما لو كان الأثر مترتبا على تقدم موت زيد على موت عمر أو تقارنه أو تأخره مثلا من غير أن يكون لتقدم موت عمر أو تأخره أو تقارنه أثر يكون يوم الجمعة زمان الشك في تقدم موت زيد على موت عمر والشك في كون موت زيد يوم الجمعة وموت عمر يوم السبت أو العكس وكذا يوم السبت يكون زمان الشك في تقارنهما وكذلك يوم الجمعة أيضا زمان الشك في تقارنهما فالشك في التقدم والتأخر يكون بالنسبة إلى وقوعه في يوم الجمعة وفي التقارن يكون باعتبار الشك في وقوعهما في يوم السبت أو في يوم الجمعة أيضا فالمشكوك الذي يترتب عليه الأثر هو التقدم والتأخر باعتبار وقوع أحدهما في يوم الجمعة والآخر في يوم السبت.

أما جريان الاستصحاب في نفس الصفة فلا إشكال في جريانه بالنسبة إلى كل واحد منها بناء على كونها من الأمور الواقعية فيجري

٢٧٥

أصل عدم التقدم والتأخر والتقارن بالنسبة إلى زمان الشك إلا إذا كانت معارضه في البين كما إذا كان الأثر مترتبا على كل واحد منها مع العلم الاجمالي بثبوت أحدها نعم لا يمكن إجراء أصالة عدم التقارن بالنسبة إلى زمان القطع لعدم الشك.

وأما إثبات التقارن في زمان المتأخر باجراء أصل العدم في كل منها بالنسبة إلى زمان الشك فيها بناء على ما تقدم احتماله من كون الحدوث أمرا مركبا من الوجود والعدم السابق الثابت أحد جزئيه بالأصل والآخر بالوجدان فلا مانع منه.

وأما جريان الأصل بالنسبة إلى ذات الموصوف ومنشأ انتزاع تلك الصفات بناء على الاحتمال السابق من كونها من الاعتبارات المحضة فلا مانع من جريان أصالة عدم حدوث موت زيد في يوم الجمعة لكي يثبت به عدم تقدمه على موت عمر لأن ما هو الموضوع للاثر على هذا الاحتمال هو منشأ انتزاع عنوان تقدم موت زيد على موت عمر وهو عبارة عن ثبوت موت زيد في زمان خاص كيوم الجمعة مثلا مع فرض موت عمر في زمان المتأخر عنه كيوم السبت مثلا ومن المعلوم كون هذا الموت الخاص في يوم الجمعة كان مسبوقا بالعدم والأصل بقاء عدمه على حاله إلى يوم السبت فيثبت عدم تقدمه.

وأما تأخره عن موت عمر بأن يكون موت زيد في يوم السبت وموت عمر في يوم الجمعة ولم يمكن إجراء أصل عدم موته في يوم السبت للعلم بثبوته فيه ولكنه لا مانع من اجراء أصل عدم موت عمر في يوم الجمعة لكى ينتفي به تأخر موت عمر لأن ما ينتزع عن المركب ينتفى بانتفاء أحد طرفيه كما أنه لا مانع من اجراء أصل عدم موت زيد في يوم الجمعة وكذا موت عمر وينتفى به عدم تقارن الموتين في هذا اليوم

٢٧٦

فلا مانع من اجراء هذه الأصول إلّا أن يحصل التعارض بينهما هذا كله فيما اذا كان الاثر مترتبا على عدم موت أحدهما في زمان وجود الآخر كما اذا كان الأثر مترتبا على عدم موت زيد في زمان موت عمرا وبالعكس وفي مثله أيضا يتصور فيه القسمان المتقدمان من مفاد ليس الناقصة والتامة إلّا أن الاستاذ (قده) في الكفاية قال بعدم جريان الأصل في المقام في كلا القسمين.

أما ما كان بمفاد ليس الناقصة فلعدم الحالة السابقة اليقينية له.

وأما العدم الذي بمفاد ليس التامة فلاحتمال نقض اليقين السابق باليقين بنقضه وعدم القطع يصدق نقض اليقين بالشك وعليه لم يكن الشك متصلا بزمان اليقين قطعا لاحتمال فصله بنقض اليقين باليقين فلا يندرج تحت لا تنقض اليقين بالشك.

وتوضيح كلام الاستاذ (قده) (١) أنه لا بد من فرض الكلام فيما إذا كان لنا زمان نقطع بعدم الحادثين كيوم الخميس الذي يقطع بحياة

__________________

(١) وبتوضيح آخر للاشكال أنه يقرب ذلك بتقريبين.

الأول عدم اتصال الشك باليقين لما هو معلوم أن الفرض يتحقق في أزمنة ثلاثة الأول زمان المتيقن الذي هو المستصحب وهو عدم كل واحد منهما وزمان الشك لا بد وأن يكون هو الزمان الثالث لا الثاني لكون الشك فيه إنما هو بالتقدم والتأخر لا في أصل الحدوث والشك في التقدم والتأخر لا يمكن أن يتحقق إلا في فرض وجود الاثنين حيث أن التقدم والتأخر من الاضافات التي لا تتحقق إلا في ظرف وجود الاثنين وليس ذلك إلا في الزمان الثالث وعليه ظرف المتيقن هو الزمان الأول وظرف المشكوك مما هو مشكوك ليس إلا الزمان الثالث فلم يتصل زمان المشكوك بزمان المتيقن والمراد بالاستصحاب اتصال زمان المشكوك بالمتيقن

٢٧٧

وعمر وعدم موتهما وزمان بتحقق الموتين أي موت عمر وموت زيد في يوم السبت وزمان نشك في وقوع موت زيد فيه مع عدم موت عمر فيه أو موته مع عدم موت زيد في الثاني منهما أو بالعكس كيوم الجمعة مع

__________________

الثاني أن المقام لا يكون من نقض اليقين بالشك كما هو مقتضى مفاد دليل الاستصحاب الذي هو لا تنقض اليقين بالشك بل هو من نقض اليقين باليقين لأن زمان الأول من الأزمنة الثلاثة الذي هو زمان ظرف المتيقن يمكن أن يكون متصلا بظرف وجود المستصحب المعلوم إجمالا وجوده.

أما في الزمان الثاني وأما في الزمان الثالث وحينئذ يحتمل انطباق ذلك المعلوم إجمالا على الزمان الثاني ومع هذا الاحتمال يكون من نقض اليقين باليقين غاية الأمر باليقين الاجمالي وعليه لا يشمله دليل الاستصحاب أو شموله منوط باحراز موضوعه كما هو شأن كل دليل يتوقف شموله على إحراز موضوعه ولو قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إذا كان المخصص منفصلا فان المقام ليس من ذلك القبيل وإنما هو من قبيل عدم إحراز موضوع الحكم ولكن لا يخفى ما فيهما.

أما عن الأول فان المقام متصل الشك باليقين فان من كان متيقنا بشيء أما أن يكون يقينه باقيا أو لا يكون يقينه باقيا لا كلام على الثاني وعلى الأول أما أن يكون يقينه يقينا على الخلاف أم لا فعلى الأول لا إشكال من زوال الأول وما نحن فيه ليس من هذا القبيل إذ ليس له علم بزواله أو تعقبه يقين على الخلاف فلا بد أن يكون في المقام شاكا في بقاء ذلك الشيء فلا يعقل الانفصال إذ من الواضح عدم اجتماع اليقين على الخلاف مع الشك في بقاء المتيقن مثلا إذا علم باسلام الوارث

٢٧٨

القطع بتحقق موت أحدهما في الأول والآخر في الثاني بنحو الاجمال فحينئذ بالنسبة إلى زمان نشك في بقاء عدم موت زيد فيه على حاله فيجرى الاستصحاب لو كان هذا العدم المتيقن منتقضا بالشك مع أنه ليس كذلك بل كان منتقضا باليقين وبعبارة أخرى زمان الشك يكون بنحو يحتمل في كل جزء من أجزائه انتقاض الحالة السابقة فيه من دون حصول احتمال القطع بالانتقاض فلو شك في الحدث مع كونه متطهرا سابقا من جهة الشك بحدوث الناقض ففي زمان الشك وإن كان يحتمل وجود الناقض لكن على تقدير وجوده لا يكون مقطوعا لعدم

__________________

وموت المورث وشك في التقدم والتأخر منهما فيوم الخميس زمان العلم بعدم حدوث كل واحد منهما ويوم الجمعة زمان حدوث أحدهما لا على التعيين ويوم السبت زمان العلم بحدوث الآخر منهما فحينئذ يوم الجمعة وكذا أول يوم السبت يعلم علم إجمالي بحدوث أحد الحادثين وبما أن العلم إجمالي لا يسري إلى الخصوصيات فيكون كل واحد منهما من حيث تقدم أحدهما على الآخر مشكوكا وهو المتصل بزمان اليقين.

وأما عن الثاني فيظهر جوابه مما ذكرنا من أن العلم الاجمالي بحدوث أحدهما لا ينافي الشك في خصوص كل واحد منهما وكذلك يمكن إحراز موضوع الاستصحاب وعليه يشمله دليل الاستصحاب ولأجل ذلك قلنا بجريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي وإن كانت تسقط بالمعارضة على أن احتمال الانفصال لو اقتضى المنع عن التمسك بعموم دليل الاستصحاب من جهة عدم إحراز الموضوع لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين من نقض اليقين باليقين يلزم امتناع الأصل في كثير من الموارد كجريانها في أطراف العلم الاجمالي أو يكون من قبيل القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي فلا تغفل.

٢٧٩

تعلق القطع به أصلا ففي مثل ذلك يجري الاستصحاب بلا إشكال.

أما لو كان زمان الشك بحيث لو فرض انتقاض الحالة السابقة فيه يكون مقطوعا للعلم الاجمالي بانتقاضه.

أما في زمان الشك أو في زمان القطع بثبوته كما فيما نحن فيه حيث يعلم بموت زيد في يوم الجمعة أو في يوم السبت ففي يوم الجمعة على تقدير وقوع الموت فيه يكون مقطوعا أو متعلقا لليقين بانتقاض عدم الموت فلا يندرج تحت قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك.

أما من جهة العلم الاجمالي بالانتقاض بقرينة قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين آخر حيث أنه في صورة العلم الاجمالي ليس نقض اليقين بالشك بل باليقين.

وأما من جهة الشك في التخصيص ليكون المخصص مجملا وذلك لأن قوله لا تنقض اليقين بالشك يشمل الشك البدوي والشك المقرون بالعلم الاجمالي إلّا أن قوله ولكن تنقضه بيقين آخر لو كان المراد منه مطلق اليقين الأعم من الاجمالي والتفصيلي يكون تخصصا لقوله لا تنقض اليقين بالشك فاذا شك في شموله لليقين الاجمالي فيوجب ذلك الاجمال في لا تنقض اليقين بكونه من القرائن المتصلة في شمول دليل الاستصحاب للمقام على كل تقدير فحينئذ لا يتم أركان الاستصحاب في المقام ولو مع عدم المعارضة وهذا هو الذي وقع في كلمات صاحب الكفاية من أنه يعتبر في الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين وعدم احتمال فصل بينهما بيقين آخر على الخلاف وبهذا الاشكال يظهر منه عدم جواز الاستصحاب في مثل الصورة الثالثة أعني صورة ما لو علم بتحقق الضدين مع العلم الاجمالي بتقدم أحدهما كما اذا علم بتحقق الحدث والطهارة وشك في كون الأول هو المتقدم والثاني هو المتأخر أو العكس فانه

٢٨٠