منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

مورد النزاع فيما اذا لم يكن المستصحب موضوعا لنفس الأثر الشرعي بلا واسطة بل كان الأثر الشرعي أثرا للازمة العقلي أو العادي أو الملزومة أو الملازمة وكان المقصود من حجية الاستصحاب فيه اثبات ذلك الأثر الشرعي وأما اذا كان المستصحب وجود وجوب شىء فلا تحتاج فيه إلى أن يكون له أثر شرعي بل يترتب عليه مطلق الأثر.

ولو كان عقليا إذا كان موضوعه الحكم الشرعي بالأعم من وجود الواقعي والظاهري كوجوب الامتثال مثلا ثم أنه قد عرفت بأن القائل بالأصل المثبت لم يختص كلامه بالنسبة إلى خصوص ما إذا كانت الواسطة من قبيل لوازم المستصحب بل يعم كلامه حتى بالنسبة إلى ما إذا كانت الواسطة من قبيل ملزومه أو ملازمه بل حتى فيما إذا كانت الواسطة بين الملازمة العقلية أو الاتفاقية لذا يقال بأن الاستصحاب في أحد أطراف الشبهة المحصورة يثبت كون الطرف الآخر هو الواجب بناء على الأصل المثبت مع أن ترتيب الطرف الآخر دائما على استصحاب عدم وجود هذا الطرف من آثار الملازمة بين عدم وجود هذا ووجود ذلك الناشئ من العلم الاجمالي بأحدهما واقعا كما أن التعارض بين الأصل السببي والمسببي كما عن البعض موقوف على إثبات الملزوم العقلي بالأصل الجاري في اللازم على القول بالاصل المثبت

ولكن الوجه الذي يذكر لحجية الأصل المثبت على فرض تماميته لا يتم إلا لاثبات الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي دون غيره بيان ذلك أن ما يستفاد من الوجه لاثبات الأصل المثبت هو أن قوله (لا تنقض اليقين بالشك) ولو كان ناظرا لاثبات ما يكون أمر وضعه ورفعه من الآثار التي هي بيد الشارع.

ومن هنا نقول أن الاستصحاب في الأحكام يرجع إلى جعل حكم

٢٤١

مماثل للمستصحب وفي الموضوعات إلى جعل أثر شرعي مماثل لأثر الموضوع فيكون في الموضوعات ناظرا إلى إثبات الموضوع بلحاظ مثل أثره الشرعي مقتضى إطلاقه هو إثبات مطلق أثره الشرعي الذي يصح استناده إلى نفس ذلك الموضوع حقيقة بلحاظ أن أثر الأثر أثر للشىء فان لنبات اللحية أو لتحيز الجسم بالمكان أثرا للحياة فباستصحاب الحياة يترتب ذلك الأثر على نفس الحياة بالغاء الواسطة لكون أثر الأثر للشىء أثرا لذلك حقيقة فيشمله إطلاق لا تنقض وقد أشكل على هذا الوجه بوجوه :

منها دعوى انصراف الاطلاق إلى الآثار بلا واسطة فلا يشمل الآثار مع الواسطة فالاطلاق ممنوع.

ولا يخفى أن دعوى الانصراف محل منع مضافا إلى أن دعوى ذلك إنما يتم بناء على كون مفاد (لا تنقض) راجع إلى جعل الحكم المماثل لحكم الموضوع في استصحاب الموضوع وجعل مماثل المستصحب في استصحاب الحكم كما هو مبني الاسناد في الكفاية.

وأما بناء على كون مفاده (لا تنقض) هو الأمر بالمعاملة وايجاب العمل في ظرف الشك فلا يتم سواء قلنا بكونه راجعا الى الأمر بالمعاملة عمل المتيقن أعني ايجاب الفعل الذي كان مترتبا على المتيقن به ويمكن استفادة ذلك من عبارة الشيخ (قده) فانه قال ان مرجع الاستصحاب هو ترتب الأثر المترتب على وجوده الواقعي المستصحب ببركة اليقين الظاهر أن المراد من الأثر المترتب على المتيقن لو كان هو الحكم الشرعي فترتبه على وجود المستصحب ما كان ببركة اليقين بل كان مترتبا عليه ولو مع عدم اليقين وهذا بخلاف العمل المترتب على وجود المستصحب الذي له حكم شرعي فان ترتبه عليه انما كان ببركة اليقين فانه عند اليقين بحياة زيد يترتب عليها العمل على سابقة وهو الحكم الشرعي الثابت

٢٤٢

له أو قلنا بكونه راجعا الى الأمر بالمعاملة على يقين والفرق بين المسلكين في جهات أخر كالتعميم لليقين الموضوعي والطريقى وتقديم الاستصحاب على ساير الاصول من باب الحكومة على الثاني دون المسلك الأول وهو كون المراد من اليقين هو المتيقن وكيف كان فلا يبقى مورد كان الأثر مترتبا على المستصحب بلا واسطة اذا كان المستصحب هو الموضوع فان وجوب العمل وامتثال الحكم الشرعي مترتب على الموضوع بواسطة ترتبه على الحكم الشرعي المترتب عليه.

نعم في استصحاب الأحكام كان العمل وهو الامتثال مترتبا على المستصحب بلا واسطة.

وأما في استصحاب الموضوع فلا بد وأن يكون الأثر العملي مترتبا عليه بواسطة ثبوت الحكم الشرعى.

فان نفس حياة زيد ليس بعمل حتى يأمر بترتبه وانما كان العمل مترتبا على الاحكام الثابتة لها هذا مضافا الى أنه لو سلمنا كون مفاد الاستصحاب هو جعل مماثل المتيقن في استصحاب الحكم وجعل مماثل حكم المتيقن في استصحاب الموضوع بلسان أن مفاد الاستصحاب بحسب دليله كون الشارع متكفلا لتنزيل المشكوك منزلة المتيقن لامره بالتنزيل كما هو المختار فنقول حينئذ أنه لا وجه للانصراف أيضا وإلّا فلا بد من الالتزام بعدم ترتب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة أثر شرعي أيضا كما إذا كان لحياة زيد أثر شرعي كوجوب إنفاقه وكان لهذا الأثر أيضا أثر شرعي كوجوب التصدق بدرهم على من نذر أنه لوجوب عليه إنفاق زيد لتصدق بدرهم على أنهم لا يشكون في أنه يترتب في استصحاب الموضوع جميع الآثار الشرعية المترتبة عليه إذا لم يكن بواسطة عقلية أو عادية بل كانت بواسطة شرعية فان قلت أن الأثر الشرعي المترتب بواسطة

٢٤٣

أثر شرعي لما كان موضوعه الأثر الشرعي الأعم من الظاهري والواقعى فلا يكون ترتبه من جهة الاستصحاب بل من جهة تحقق موضوعه بالوجدان وهو الاثر الشرعى الظاهري ببركة الاستصحاب فباستصحاب الموضوع لا يترتب إلّا الاثر بلا واسطة.

وأما ترتب الاثر الآخر على الأثر الشرعى فمن جهة تحقق موضوعه بالوجدان من دون دخل للاستصحاب فيه قلت هذا يتم لو كان كلامهم مختصا بما إذا كان موضوع الاثر الثانى الحكم الشرعى الاعم من الظاهري والواقعى ولكن كلامهم ليس مختصا بذلك بل يقولون بترتبه ولو كان موضوعه الحكم الشرعى الواقعى كما أن من المسلمات عندهم أنه لو كان ماء مشكوك الطهارة والنجاسة من جهة الشك في كريته مع كونه في السابق كرا يستصحبون كريته فيرتبون عليه الطهارة ثم يرتبون عليه جواز الوضوء ثم يرتبون عليه جواز الدخول في الصلاة ثم يحكمون عليها بالصحة ما لم ينكشف الخلاف ومن الظاهر أن الصلاة الواجبة والمستحبة واقعا كانت مقدمتها الوضوء الواقعي المتوقفة على التوضي بماء طاهر واقعا ولهذا نقول بعدم الاكتفاء بما إذا أتى بالصلاة بهذا الوضوء عند كشف الخلاف فلو كان جواز الوضوء واقعا موضوعه الماء الطاهر بالأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية فلا معنى لكشف الخلاف فيه بل كان وضوئه هذا وضوءا واقعيا فتكون صلاته صحيحة واقعا فنفس الحكم ببطلان الوضوء والصلاة بعد كشف الخلاف يكشف عن أن الوضوء الواقعي الواجب واقعا موضوعه خصوص طهارة الماء واقعا الذي يستكشف باستصحاب كريه الماء وبه ينكشف جواز الوضوء الواقعي أيضا ظاهرا ثم يترتب عليه جواز واقعي الدخول في الصلاة الواقعية أيضا ظاهرا ثم يحكم عليها بالصحة طاهر أما فيما لم ينكشف

٢٤٤

الخلاف فاذا أثبت أنه بمجرد استصحاب الموضوع يترتب عليه تمام الآثار الشرعية.

ولو كانت بواسطة أثر شرعى فلا وجه لدعوى الانصراف إلى الأثر بلا واسطة نعم الأحسن في مقام الجواب عن الاستدلال أن يقال بأنه وإن لم يفرق في الأثر بين أن يكون بلا واسطة ومع الواسطة ولكنه مع ذلك لا يمكن التمسك باطلاق قوله لا تنقض اليقين بالشك بناء على كونه راجعا إلى جعل المماثل للاثر المترتب على الواسطة غير الشرعية من العقلية والعادية وذلك لأن الشارع لو كان مقصوده من استصحاب حياة زيد لاثبات مماثل الحكم الثابت لنبات لحيته إثبات هذا الحكم بلا إثبات اللحية له فهو غير معقول لأنه يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع

ولو كان مقصوده من ذلك إثبات اللحية له مقدمة لاثبات حكمها فهو أيضا غير معقول لعدم كون أمر وضعه ورفعه بيده بما هو شارع فحينئذ فالنكتة في الفرق بين ما إذا كانت الواسطة أمرا غير شرعي

وبين ما إذا كانت أمرا شرعيا أنه في الأول لا يمكن جعل الأثر بلا موضوعا ولا جعله بجعل موضوع الأثر الشرعي المترتب على الواسطة

وفي الثاني لما كان جعل الواسطة بيده وضعا ورفعا فبالاستصحاب بالنسبة إلى الحياة مثلا يثبت الأثر الشرعي المترتب عليها بلا واسطة ويثبت أيضا بنفس هذا الانشاء الواحد على نحو القضية الطبيعة من دون لزوم جعل الحكم بلا موضوع لا يقال أن الأثر بلا واسطة إذا كان موضوعا للأثر الثاني المترتب عليه فبإنشاء واحد كيف يمكن جعل الموضوع والحكم معا مع أن الموضوع لا بد وأن يكون ثابتا في الرتبة السابقة على الحكم فحينئذ خطاب لا تنقض اليقين لو كان ناظرا إلى إثبات الأثر مع الواسطة فلا بد وأن تكون الواسطة ثابتة قبل ذلك

٢٤٥

بخطاب آخر وإلا يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع والمفروض عدم الخطاب الآخر ولو كان ناظرا إلى إثبات الواسطة فهو لا يمكن أن يكون متكفلا لاثبات حكمه أيضا وهو الأثر مع الواسطة بل لا بد لاثباته من خطاب آخر متكفل للحكم بعد ثبوت الموضوع فعدم شمول خطاب واحد للاثر مع الواسطة في الحقيقة كانا من جهة عدم تعقل الشمول لعدم إمكان إثبات الموضوع والحكم بانشاء واحد لأنا نقول قد تقدم نظير هذا الاشكال بالنسبة إلى دليل حجية الخبر الواحد بالاضافة إلى الأخبار مع الواسطة وتقدم جوابه أيضا بكون القضية الطبيعة لا مانع من أن تكون كافية لاثبات هذا المعنى بلا محذور فنلخص أن الاستدلال باطلاق دليل الاستصحاب على جعل المماثل لاثبات جعل الاثر الشرعى المترتب على الواسطة الغير الشرعية مما لا وجه له لما عرفت من الفرق بين الواسطة الشرعية وبين الواسطة الغير الشرعية.

ولكن لنا تقريب آخر لاثبات الاصل المثبت لا بدعوى القاء الواسطة الغير الشرعية حتى يقال يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع ولا بدعوى تعلق الجعل بنفس الواسطة حتى يقال بكونها غير قابلة للجعل ولا بدعوى أن الاستصحاب ليس مفاده جعل المماثل حتى يقال بلزوم كون المجعول أثرا شرعيا.

إذ لو كان مفاده جعل مماثل يلزم تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات إذا كان الموضوع محلا لابتلاء المكلف لصح أن يوجه إليه عدم النقض ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف الذي غسل فيه الثوب النجس سابقا أو توضأ فيه غافلا فشك بعد خروجه الابتلاء كالتلف ونحوه في طهارته أو في اطلاقه بأثره وملاقيه حين الشك في الطهارة لامتناع جعل الاثر الحقيقى للماء التالف.

٢٤٦

ومع أنه لا اشكال عندهم في إجراء الاستصحاب المذكور وترتيب جميع تلك الآثار كما تترتب فيما لو كان محل الابتلاء وهذا يكشف عدم كون مفاده جعل المماثل بل بدعوى أن مفاده إيجاب التعبد بالبناء على اليقين السابق عند الشك بمعنى ابن على حيوة زيد عند الشك فيترتب آثاره المترتبة على حياته وذلك بسبب رجوعه إلى أن الاستصحاب وهو الامر بالتعبد بالشيء بما هو ملزوم الاثر الذي مرجعه إلى التعبد بالاثر والتعبد بما هو ملزوم الاثر حتى ينتهي الى العمل الفعلي فاذا كان للشيء أثار متعددة طولية كل منها يترتب على الآخر فمعنى ابن على ثبوت هذا الشىء يرجع الى الامر بالتعبد به بما هو ملزوم الاثر الذي هو ملزوم للاثر حتى ينتهي الى الامر بالعمل الفعلى فيكون حقيقة راجعا الى الامر بالعمل وليس له نظر الى جعل المماثل.

فتحصل مما ذكرنا أن لازم جعل المماثل تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات بما إذا كان الموضوع موردا لابتلاء المكلف حين توجيه التكليف بعدم النقض ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف أو إطلاقه فى فرض ابتلاء المكلف بأثره وملاقيه حين الشك في طهارته أو إطلاقه لامتناع جعل الأثر الحقيقي للماء التالف فعلا مضافا.

إلى أن القول بجعل المماثل يلزم القول بعدم جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي فيما لو كان المستصحب تكليفيا أو أثرا شرعيا كالوجوب المردد بين النفسي والغيري لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه لامتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه فى ضمن فصل خاص إذ كما يمتنع جعل الوجوب الواقعي المعرى عن خصوصية النفسية أو الغيرية كذلك يمتنع جعل الوجوب الظاهري المعري عن إحدى الخصوصيتين.

٢٤٧

وهذا بخلاف ما اخترناه في أدلة التنزيل بأن مرجعها التعبد بالمؤدى والأمر بالمعاملة مع المتيقن السابق من حيث الجري العملي على طبقه بحسب الحركة والسكون وعليه لا محذور في جريان الاستصحاب في الخارج عن الابتلاء فى زمان الشك بلحاظ التعبد بأثره المبتلى به في زمان الشك فى طهارة الثوب المغسول به وصحة الوضوء السابق وصلاته إذ لا محذور في التعبد في القدر المشترك بلحاظ الجري العملي على طبقة.

إذ عليه يكون مفاد التنزيل هو مجرد التعبد بوجوب الشيء وتوسعته من حيث الموضوع للتعبد بأثره بلا واسطة وكذا التعبد به من حيث كونه موضوعا لأثر آخر إلى أن ينتهى إلى الأثر الشرعى العملي فعليه يكون مقتضى الأصل الجاري في نفس الأثر الذي هو النمو مثلا أو نبات اللحية إنما هو توسعته حتى من حيث أثريته للحياة لا من حيث ذاته فقط بحيث يستتبع توسعته من هذه الجهة توسعه في موضوعيته وسببيته.

فمثل هذا التنزيل يثبت جميع اللوازم الشرعية والعقلية إلا أن دعوى انصراف هذه التنزيلات إلى خصوص القضايا الشرعية المترتبة على نفس المؤدي بلا واسطة فلا تشمل القضايا العقلية والعادية بل ربما يقال أن هذا الانصراف في مثل الاصول يجري في الأمارات فلا فرق من هذه الجهة.

نعم ربما يقال أن الفرق بينهما هو أن مفاد الأمارات عبارة عن حكايات متعددة بالنسبة إلى المؤدى ولوازمه وملزوماته وملازماته حيث أن المستفاد من التنزيل عبارة عما ينطبق موضوعه على جميع تلك الحكايات فتكون الامارة الواحدة بلحاظ حكاياتها بمنزلة امارات متعددة

٢٤٨

فبعضها على نفس المؤدى وبعضها عن لوازمه وبعضها عن ملزوماته وملازماته (١) وهذا المعنى مفقود في الاصول لعدم كشفها عن المؤدى

__________________

(١) قال المحقق الخراسانى قده في الكفاية الفرق بين الامارات والاصول بأن في الامارات مثل الخبر والبينة وغير ذلك كما أنها تحكى وتخبر عن نفس المؤديات كذلك تحكي وتخبر عن لوازمها وملزوماتها مثلا لو أخبرت عن طلوع الشمس كما تحكي وتخبر عن طلوعها كذلك تحكي وتخبر عن وجود النهار.

ومنشأ ذلك أن أدلة حجيتها كما تدل على لزوم تصديقها بالإضافة إلى نفس مؤدياتها كذلك تدل على تصديقها بالاضافة إلى لوازم مؤدياتها وملزوماتها بخلاف الاصول فان أدلة حجيتها تدل على لزوم التعبد بنفس مؤدياتها من دون نظر إلى لوازمها مثلا أدلة حجية الاستصحاب إنما تدل على التعبد بنفس المتيقن السابق بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار من دون نظر إلى التعبدية في لحاظ الآثار المترتبة عليها بواسطة اللوازم العقلية أو العادية.

ولكن لا يخفى ما فيه أن صرف الحكاية عن شيء لا يكون إخبارا وحكاية عن لوازمه إلا بنحو يكون المخبر قاصدا لذلك ومع عدم تحقق القصد لا تنفع الحكاية كما أن ما ذكره الأستاذ من تعدد الحكاية يحتاج إلى إثبات ، فالحق في الفرق بين الامارات والاصول هو أن الامارات دلالتها من قبيل مداليل الألفاظ التي تكون دلالتها بملاك ظواهرها التي تكون حجيتها ببناء العقلاء بمعنى أن مداليلها الالتزامية يلتزم بها كالتزامهم واحتجاجهم بمداليل المطابقية مثلا لو أقر أحد بأنه سقى سما لغلام شخصي فيكون عند العقلاء قائلا له بمقتضى إقراره مع أن القتل ليس من مدلوله المطابقي وإنما هو مدلوله الالتزامي فعلية لو قامت البينة على أن المال الفلاني لزيد يترتب عليه جميع الآثار من جهة تصرفاته

٢٤٩

ولوازمه وملزوماته بل يختص التنزيل على خصوص المؤدي بلحاظ التعبد لاثره الشرعى بلا واسطة فالاصول من هذه الجهة نظير ما هو المشهور في

__________________

وحرمة تصرفات غيره وان كانت حرمة تصرفات الغير من الآثار المترتبة عليه بواسطة عدم كون الغير مالكا لماله الملازم لكون المال لزيد وهذه هي الجهة الموجبة بكون الامارات غير الأصول ولو لا هذه الجهة لكانت الامارات بالنسبة إلى اللوازم كالأصول من غير فرق بينهما.

نعم ذكر الأستاذ المحقق النائيني (قده) في بيان الفرق هو أن الامارات تمتاز عن الاصول من جهة الموضوع والحكم.

أما امتيازها من جهة الموضوع فهو أن الامارات تكشف عن الأحكام الواقعية وانها طريق إليها فيكون الموضوع فيها هو المكلف من حيث هو من دون تقييده بالجهل كالأحكام الواقعية وهذا بخلاف الأصول فان الموضوع فيها انما هو المكلف من حيث كونه شاكا في الحكم الواقعي.

وأما من جهة الحكم فان المجعول في الامارات هو الطريقية والوسطية في الاثبات بمعنى أن كاشفية الامارات عن مؤدياتها كشف ناقص لوجود احتمال الخلاف إلا أن الشارع تمم الكشف بمقتضى أدلة حجيتها بمعنى ألغى احتمال الخلاف وفرض المؤدى ثابتا عند قيامها واقعا فتكون الامارة بسبب أدلة حجيتها كالعلم الوجداني في كونه كاشفا عن الواقع غايته أن كشف العلم الوجداني ذاتى وكشف الامارات تعبدي مجعول من قبل الشارع وهذا بخلاف الاصول فان المجعول فيها مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل والجري على طبقه من دون لحاظ جهة الكاشفية فيها عن المؤدى فعليه يكون قيام الامارة على شيء يحرز تحقق المؤدى فيستتبع إحراز لوازمه العقلية والعادية بخلاف الأصل فان المجعول فيه ليس إلا تطبيق العملي على المؤدى والجري على طبقه من دون لحاظ الاحراز

٢٥٠

باب الرضاع من اختصاص حرمة النشر في قوله (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) بما اذا تحقق من قبل الرضاع أحد العناوين المحرمة بالنسب كعنوان الأمّ والاخت والعمة والخالة ونحوها دون غيرها من العناوين الملازمة لها كعنوان أخت الاخت وان كان هناك فرق بين باب الرضاع والمقام فان في الاصول المثبتة عدم حجيتها لقصور دليل التنزيل عن الشمول للعناوين الملازمة مع العلم بثبوت أصل الكبرى بخلاف باب الرضاع فان الاشكال فيه في ثبوت أصل الكبرى فبينهما تمام المعاكسة من الملاك والمناط إلّا أنهما يشتركان في عدم ثبوت اللوازم وان كان ذلك في كل باب بمناط غير مناط الآخر.

وبالجملة أن القائل بالأصل المثبت لو كان نظره إلى ما بيناه لا يبقى مجال لشيء من الاشكالات الواردة على التقرير الأول من دعوى

__________________

والكاشفية فعليه لا يقتضي إلا إثبات نفس المؤدى بلحاظ إثارة الشرعية وأما الآثار المترتبة عليه بواسطة لوازمه العقلية أو العادية فلا تثبت بالاصل. والانصاف أن ذلك محل نظر إذ جعل الطريقية ليس جعلا علميا حقيقيا وإنما هو علم تعبدي بمعنى إلغاء احتمال الخلاف وذلك لا يثبت إلا نفس المؤدى.

وأما بالنسبة إلى اللوازم فثبوته محل إشكال إلا أن يلتزم بما ذكرنا في الامارات من أنها ترجع إلى مقولة اللفظ حتى بالنسبة إلى اللوازم فحينئذ تكون مثبتاتها حجة بالنسبة إلى اللوازم لكنها لا بملاك الامارة التي هي عبارة عن جعل الطريقية وإنما هو بملاك ظواهر الألفاظ الدالة على الملزومات واللوازم التي حجيتها من باب بناء العقلاء على الأخذ بالنسبة إلى الملزومات واللوازم فلا تفعل.

٢٥١

الانصراف إلى الأثر بلا واسطة أو دعوى إثبات الحكم بلا موضوع لو كان المقصود اثباته بلا واسطة أو إثبات ما ليس شأن الشارع اثباته لو كان المقصود اثباته بلا واسطة أو دعوى المعارضة كما لا يخفي ولعل نظر القدماء القائلين بحجية الاصل المثبت يرجع الى ما ذكرناه وان كان ظاهر الشيخ (قده) ان بناءهم عليه من جهة ذهابهم الى حجية الاستصحاب من باب الظن دون الاخبار لكن لم لا يكون بنائهم عليه من باب الاخبار ومع ذلك كان نظرهم الى ما ذكرناه ثم أنه مما بينا ظهر أن قياس المقام بباب الرضاع من جهة عدم ثبوت الحرمة فيها بالنسبة الى العناوين الملازم للعناوين المحرمة كما عن الشيخ (قده) مع أن الفارق أن الوجه لعدم القول بذلك في باب الرضاع هو ثبوت الأثر وهو التحريم في الكبرى الشرعية في المنزل عليه خصوص العناوين الخاصة من دون خصوصية في دليل التنزيل بخلاف المقام فانه لا قصور في كبرى الأثر في طرف المنزل عليه وانما القصور في دليل التنزيل على عكس باب الرضاع.

نعم الغرض من القياس مجرد رفع الاستبعاد في التفكيك بين الملزوم واللازم أو الملازم وان كان الوجه في التفكيك في كل باب غيره في الآخر ثم أنه يمكن نفي حجية الأصل المثبت وابطال ما ذكرناه من الوجه بدعوى انصراف اطلاق لا تنقض اليقين الى عبر الآثار العادية والعقلية ودعوى هذا الانصراف عبر دعوى الانصراف الى الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بلا واسطة كما نقدم منعه اذ على المسلك المذكور يكون ترتب كل أثر طولي على أثر السابق عليه بلا واسطة لأن معنى الاستصحاب على هذا المسلك وهو وجوب ترتب أثر اليقين ومعناه وجوب ترتب أثر الاثر لليقين اثر الى أن ينتهى الى العمل والمراد من الانصراف المدعى هو

٢٥٢

دعوى انصراف لا تنقض اليقين إلى خصوص الآثار الشرعية المترتب على المستصحب بمعنى أن ينصرف إلى التعبد ببقاء الشيء بلحاظ التعبد بخصوص الأثر الثابت له بالقضايا الشرعية فيكون دليل الاستصحاب من الأول قاصر الشمول بالنسبة إلى التعبد بالشيء بلحاظ غير الآثار الشرعية المنتهية الى العمل ولا أقل من كون ذلك هو القدر اليقين فيكون بالنسبة إلى غير الآثار الشرعية الثابتة مما لم يتم فيه شرائط الاطلاق ثبوت القدر المتيقن في مقام التخاطب فنلخص أن الحق عدم حجية الأصل المثبت لا لما ذكروه من عدم إمكان جعل بالنسبة الى غير الآثار الشرعية بل لما ذكرناه من عدم وجود الاطلاق في الدليل كي يشملها ولازم ذلك عدم حجية المثبتات في باب الامارات والطرق أيضا لأن دليل التنزيل فيها يكون بلسان التنزيل كما في المقام فانه أيضا بلسان تتميم الكشف واثبات اليقين بالواقع بلحاظ ايجاب التعبد بما له من الآثار بلحاظ العمل به بما له من الآثار الشرعية فلا يثبت به لوازم العقلية والملازم والملازمة مع بنائهم على اثبات جميع ذلك في الامارات إلّا أنّك قد عرفت أن الوجه في اثبات ذلك في باب الامارات من جهة أخرى وهى أن كل امارة تحكي عن المدلول المطابقي بماله عن الواقع كما أنه يحكي بمدلوله الالتزامى عن اللوازم والملازمة بخلاف الاصول فان مفادها :

الأمر بالعمل بنحو التعبد بما هو ملزوم العمل وبناء عليه لا فرق بين كون الواسطة أثرا شرعيا أو أثرا عاديا أو أثرا عقليا لأنه بناء عليه ليس في البين جعل الأثر حتى يرد عليه ما تقدم بل يرجع الى الاثر بلحاظ العمل الفعلي فيكون راجعا الى الأمر بالعمل كما لا يخفى وكون الواسطة شرعيا أو عقليا مما لا ربط له بما هو المقصود من الأمر بالعمل ولا يوجب تفاوتا فيه كما هو ظاهر والحاصل أن دليل التنزيل

٢٥٣

في باب الاستصحاب ناظر إلى امر المكلف بتنزيل شكه أو مشكوكه منزلة تيقنه فيكون أمر التنزيل بيد المكلف وفي عهدته ولا يكون فيه جعل مماثلا أصلا وليس المقصود من الأمر بجعل الشك منزلة اليقين أن يجعل المكلف نفسه متيقنا على أن يكون اليقين ملحوظا بلحاظ ذاته ويكون النظر إليه بلحاظ ما يترتب عليه من الأثر الذي كان ترتبه بيد المكلف فيرجع الأمر بالآخرة إلى الأمر بالعمل على طبق اليقين فحديث جعل المماثل أجنبي عن المقام رأسا وإنما يصح ذلك في التنزيلات التي كانت بحسب لسان الدليل من قبل الشارع كقوله الطواف بالبيت صلاة دون مثل المقام الذي ليس لسان الدليل إلا الأمر بالتنزيل ومما يشهد لبطلان جعل المماثل أنه قد تقدم في استصحاب الكلي أنه لا إشكال في استصحاب الوجوب المردد بين النفسي والغيرى مع أنه لو كان الاستصحاب هو جعل المماثل فلا يعقل استصحاب نفس الجامع بينها بعد كون المتيقن.

أحدهما بالخصوص كما أنه لا يمكن إثبات أحدهما أيضا لعدم تعينه وهذا بخلاف كون مفاده الأمر بالتعبد ببقاء المتيقن بلحاظ العمل فانه وان لم يثبت خصوصية أحدهما ولكنه لا إشكال في أن العمل على طبق كل واحد منها مثل الآخر فيترتب ذلك بنفس استصحاب ما هو المتيقن منها إجمالا.

كما أنه يشهد ببطلان مسلك جعل المماثل أنه عليه لو كان المتيقن في السابق كان موضوع حكمه وجوب الاتفاق عليه فلو شك في بقاء حياته فباستصحاب الحياة يلزم جعل إيجاب الاتفاق في مرتبة الشك فيه حقيقة مع أنه غير معقول وذلك لأن وجوب الاطعام والانفاق منوط بالقدرة على الامتثال وهو منوط بالحياة ومع الشك في القدرة كيف يعقل

٢٥٤

جعل التكليف.

وهذا بخلاف القول بالأمر بالعمل إذ معناه الامر بالعمل على طبق اليقين بالحياة وحينئذ يجب الاتفاق إلى أن يتحقق العجز عنه فان قلت أن معنى جعل المماثل هو الوجوب الظاهري ومعنى الوجوب الظاهري هو الوجوب الطريقي الذي يرجع الى تنجز الواقع في ظرف المطابقة والترخيص والمعذورية في ظرف المخالفة فمع المخالفة ليس إلا وجوب صوري فلا يلزم المحذور المذكور.

قلت يرجع ذلك حقيقة إلى ما قلنا من الأمر بالعمل على طبق اليقين فيكون مفاده مفاد الطرق والامارات فكما أن دليل وجوب تصديق العادل مرجعه إلى الأمر بالمعاملة على طبق مضمونه والتعبد بأنه حكم واقعي بلحاظ العمل فكذلك دليل مفاد أدلة الاستصحاب في المقام بلا فرق بينهما في هذه الجهة وهذا هو الذي قد صرح الشيخ (قده) في تصحيح أبواب الطرف والامارات في الوجه الثالث وحاصله أن المصلحة إنما تكون في سلوك الطريق لا في نفس الأمر ولا في المأمورية ومعناه وجوب العمل على طبق الامارة لو كانت قائمة على الأحكام كما كانت فى الموضوعات فمعنى وجوب تصديق العادل وجوب العمل على خبره ولا يوجب جعل مثل الحكم الواقعي بأن يكون للشارع حكم مجعول مماثل للحكم الواقعي كما أنه في الموضوعات لا يكون جعل قطعا وبالجملة كما لم يكن في الطرق والامارات جعل من الشارع لا فى الأحكام ولا في الموضوعات كما هو الحق فليكن في باب الاصول.

كذلك مثلا في الاستصحاب لا يثبت جعل أصلا لا في الأحكام ولا فى الموضوعات كما هو مقتضى الوجه الثالث أي ليس إلا وجوب العمل على طبق اليقين والجري على طبقه وحقيقته هو العمل مترتبا عليه بلا واسطة أو

٢٥٥

مع الواسطة ولو يألف واسطة فانه لا يلزم جعل شيء إلا الأمر بالتعبد بثبوت الموضوع بما له من الوسائط بلحاظ ما يترتب عليه من العمل وهذا مما لا إشكال فى أن شأن الشارع إثباته بما هو شارع وبهذا ظهر أنه لا يبقى مجال لتوهم المعارضة بين الأصل الجاري في طرف وجود الموضوع لا ثبات أثره المترتب عليه بواسطة عقلية وبين الأصل الجاري في ظرف عدم تحقق الواسطة ولا ينفي الأثر المذكور لكي يتحقق تلك المعارضة على مسلك جعل المماثل إذ كان مفاد استصحاب حياة زيد إثبات الأثر الشرعي المترتب عليها بواسطة ثبات لحيته بدون إثبات أصل الواسطة لعدم كون شأن الشارع إثباته بما هو شارع فلا يرفع الشك عن الواسطة شأن فحينئذ يجري استصحاب عدم ثبات اللحية فيتعارض الأصلان

وهذا بخلاف كون مرجعه إلى وجوب العمل فالتعبد بالحياة إذا كان بلحاظ الأمر بالمعاملة معاملة اليقين فانه عين التعبد باللازم فلا يبقى محل للشك فتحقق الحكومة.

حيث أن معنى كونها امارة وكاشفا ظنيا شخصيا أو نوعيا عن الواقع ومن المعلوم أن الحاكى عن الشيء مطابق للحاكى عن لازمه وملازمه التزاميا أيضا فينحل إلى كل إمارة تحكي عن المدلول المطابقي إلى أمارات أخرى بالنسبة إلى لوازمه وملازماته فيكون لها أفراد عديدة فيشمل كل منها دليل الحجية والتنزيل مستقلا وهذا بخلاف المقام فإن نقض اليقين بالشك لم يتم إلا بالنسبة إلى نفس حياة زيد دون لازمه وهو نبات لحيته بل يقطع بعدمه سابقا ويستصحب ذلك العدم وإلا فلو فرض جريان الاستصحاب بالنسبة الى اللازم فلا إشكال في شمول لا تنقض بالنسبة اليه كما تقدم الاشارة اليه من أول البحث فالفرق بين البابين ليس باعتبار دليل التنزيل

٢٥٦

وانما الفرق بينهما في تحقق الصغرى.

أعني الموضوع بالنسبة إلى اللازم والملازم ففي الامارة حيث اعتبرت أمرا واحدا وتنحل الامارة إلى أمارتين كل واحدة منهما حاكى دون مورد الاستصحاب.

نعم كون دليل الامارة مما له دلالة على شمول كل حاك عن الواقع ولو كانت حكاية التزامية يحتاج إلى الاثبات كما يدعى قيام السيرة على ذلك من باب الخير الواحد في الأحكام والبينة في الموضوعات وإلا فلم يثبت إلا ثبوت حجية الامارة في الجملة فيكتفى بمدلولها المطابقي كما نقول بذلك من مثل أصالة الصحة واليد وغيرها من الامارات ولذا نقول بحجية ثباتها ثم أنهم بعد البناء على عدم حجية الأصل المثبت إلا أنه تنسب الى جماعة منهم الشيخ الأنصاري (قده) القول بحجيته فيما لو كانت الواسطة خفية في نظر العرف أن الأثر الشرعي المترتب على الواسطة العقلية بالدقة العقلية أثر لذي الواسطة ولأجل هذه الكبرى فلا يبقى الاشكال على كلا الوجهين من إشكال الأصل المثبت.

أما على الوجه الأول من دعوى الانصراف في لا تنقض اليقين إلى الأثر الشرعى بلا واسطة فان المدار من ذلك هو العرف فاذا فرضنا خفاء الواسطة بحيث يرى العرف أثر الواسطة أثرا لذيها على وجه لا يرى الواسطة شيئا موجودا كان الأثر أثرا بلا واسطة واثباته بلا اثبات الواسطة لا يكون من قبيل اثبات المحمول بلا موضوع.

وأما على مسلكنا من دعوى الانصراف الى ايجاب التعبد بالقضايا الشرعية والآثار المجعولة دون العقلية والعادية فلازمه أيضا بكون التعبد فيه تعبدا بالقضية الشرعية المترتبة على ذي الواسطة من دون لزوم

٢٥٧

التعبد بالواسطة بيان ذلك هو قصور أدلة التنزيل عن شموله للآثار الشرعية المترتبة بواسطة غير خفية بنحو يكون الأثر في العرف معدودا أثر للواسطة.

وأما في صورة خفائها فانه يوجب عدها في العرف (١)

__________________

(١) وقد عد من ذلك أمور منها استصحاب عدم الحاجب عند الشك في وجوده في محال الغسل أو المسح فان بنائهم عند الشك في وجود الحاجب لا فى حاجبية الموجود على اجراء أصالة العدم فيه مع أن صحة الوضوء والغسل من لوازم وصول الماء الى البشرة وهو من اللوازم العادية لعدم وجود الحاجب فصحة استصحاب عدم الحاجب عند الشك في وجوده باثبات صحة الوضوء والغسل مبني على الأصل المثبت.

ولكن لا يخفى أن بنائهم على جريان أصالة عدم الحاجب ليس من جهة الاستصحاب بل من المحتمل كون ذلك أصلا عقلائيا نظير أصالة عدم القرينة ويكون مدركه هو الغلبة اذ الغالب خلو البشرة عن وجود ما يمنع عن وصول الماء اليها عند الشك في وجوده فى محال الغسل أو المسح فيلحق المشكوك بالغالب ولا يرتبط بالاستصحاب.

ومنها أصالة عدم تحقق الرد من المالك في عقد الفضولي عند الشك في رده قبل اجازته مع أنه مثبت بالنسبة الى اضافة العقد اليه بالاجازة

ولكن لا يخفى أنه يمكن أن يقال بأن هذا الأصل انما هو قاعدة عقلائية قد أمضاها الشارع وليس من باب المثبت ويتدرج ذلك في الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل حيث أن كل عقد صادر من الفصولي يصح أن يضاف الى المالك بالاجازة فيكون القيد محرزا بالاصل والباقي بالوجدان.

ومنها ما ذكره المحقق (قده) فيما لو اتفق الوارثان على اسلام

٢٥٨

أثر الذي الواسطة وبهذا الاعتبار لا قصور في شمول دليل التنزيل لها من غير فرق بين القول بجعل المماثل أو الامر بالبناء على بقاء المستصحب

__________________

أحدهما المعين في أول شعبان والآخر في أول شهر رمضان واختلفا فادعى أحدهما موت المورث في شعبان والآخر في أثناء شهر رمضان كان المال بينهما نصفين لاصالة بقاء حياة المورث مع أنه مثبت لموضوع التوارث حيث أن موضوعه موت المورث عن وارث مسلم بنحو تكون الاضافة من اجتماع موت المورث واسلام الوارث في زمان له الدخل فى موضوع التوارث ومثله لا يثبت باصالة حياة المورث الى أول رمضان الا على القول بالاصل المثبت.

ولكن لا يخفى أن تلك الاضافة ليست لها الدخل بل الموضوع اجتماع اسلام الوارث وحياة مورثه في زمان وعليه لا يكون له الربط بالاصل المثبت بل يكون من قبيل الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وهو اسلام الوارث في أول رمضان وبعضه بالاصل وهو حياة المورث الى أثناء رمضان.

ومنها حكمهم بضمان ما كان يده على مال الغير مع الشك في أذن صاحبه لاصالة عدم الرضا من المالك عند وضع اليد على المال وحكمهم بذلك مبني على اعتبار الاصل المثبت حيث أن موضوع الضمان هو اليد العادية والاصل غير مثبت لعنوان العدوان :

ولكن لا يخفى أن عنوان العدوان لم يؤخذ في موضوع الضمان وانما موضوعه وضع اليد على مال الغير من دون اذن مالكه فيكون الموضوع مركبا من أمرين أحدهما اليد والآخر عدم اذن صاحب المال فيكون من الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالاصل.

ومنها استصحاب رطوبة النجس من المتلاقين مع جفاف الآخر

٢٥٩

بلحاظ العمل.

ودعوى أن تسامح العرفي لا يوجب أن يكون أثرا للواسطة لعدم العبرة بالمسامحات العرفية الذي يكون من هذا القبيل اذ نظر العرفي

__________________

لاثبات نجاسة الطاهر منهما واستصحاب رطوبة الذباب التي طارت من النجاسة لاثبات نجاسة الثوب ومن الواضح أن نجاسة الملاقي في القرضين من لوازم سراية الرطوبة من الملاقي بالكسر من أوضح موارد الاصل المثبت.

ولكن لا يخفى أن ذلك من خفاء الواسطة اذا العرف لا يفهم من بقاء الرطوبة المسرية الى حين الملاقاة الا سراية النجاسة الى الطاهر منهما.

ومنها ما ذكره في التحرير من أنه لو اختلف الولي والجاني فقال الولي أن المجني عليه مات بالسراية وقال الجاني بل مات بسبب آخر من شرب سم ونحوه وأنه كان ميتا قبل الجناية ففى ثبوت الضمان وعدمه وجهان من أصالة عدم الضمان ومن استصحاب بقاء حياته الى زمان وقوع الجناية عليه ودعوى أن الموضوع مركب من الجناية وتسري حين ورود الجناية فيخرج عن الاصل المثبت ويدخل تحت الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل في غير محله إذ الموضوع في المقام هو أمر بسيط وهو القتل وترتب مثله على أصالة بقاء حياة المجني عليه إلى زمان ورود الجناية عقلي محض فاثبات القتل بالأصل من الأصل المثبت ولعله قوله باثباته بالأصل لبنائه على كون الاستصحاب من الامارات كما ينسب إليه.

ومنها استصحاب عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكونه غير يوم العيد ومن الواضح أن إثبات ذلك بالأصل من الأصول المثبتة إذ كون الغير يوم العيد وأول شوال من مفاد كان الناقصة

٢٦٠