منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

المذي وفي طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة فحكمه في الأول يتعارض استصحاب وجوب الصوم مع استصحاب عدمه الأصلي قبل وجوبه وفي الثاني بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل مع استصحاب عدم كون ملاقات البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة فحكمه بتساقط الاستصحابين في هذه الصور ولكن لا يخفى ما فيه فانه بعد انتقاض العدم الأزلي السابق بالوجود فلا مجال لاستصحابه فحينئذ لا يبقى مجال لاستصحاب الوجود في جميع تلك الصور فغابه ما يمكن تصحيح ما أفاده الفاضل النراقي في ذلك من تعارض الاستصحابين في بعض الفروض.

وحاصله أنه يجري استصحاب وجود الحكم السابق كما إذا أخذ الزمان ظرفا أو قيدا في الجملة ولا يجري استصحاب العدم الأزلي إذا كان الشك في وجود الحكم في اللاحق فينحصر باحتمال بقاء الحكم السابق بحيث نقطع بأنه لو كان الحكم في ظرف الشك ثابتا واقعا لكان عين الحكم السابق ولا يحتمل أن يكون حكما آخر حادثا بعد ارتفاع الحكم فان في مثله لا مجال لاستصحاب العدم الأزلي السابق على الحكم المتيقن الثبوت لانتقاضه بحدوث الحكم السابق فينحصر باستصحاب وجود الحكم وهذا هو من موارد ظهور جميع الكلمات.

وأما إذا كان الشك في وجود الحكم للشك بانقضائه بانقضاء الزمان من جهة الشك في بقاء الحكم السابق وحدوث شخص حكم آخر على فرض ارتفاعه بحيث كان الحكم المحتمل الثبوت الذي تعلق به الشك مرددا بين بقاء الحكم الأول وبين حدوث حكم آخر وإن كنا نحتمل عدم الحكم رأسا أيضا كما هو لازم الشك في ثبوته ففي مثله يجري استصحاب العدم والوجود كليهما فيتعارضان.

بيان ذلك أن المفروض هو الشك في ثبوت شخص حكم واحد مردد

٢٢١

بين كونه شخص حكم آخر حادث فباعتبار أنه يحتمل أن يكون شخص هذا الحكم المحتمل هو بقاء الحكم الاول فيتحقق أركان استصحاب وجود الحكم الاول المتيقن سابقا من اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ومعنى جريانه هو الحكم بثبوت الحكم المحتمل ثم نحتمل بالفرض كون شخص هذا الحكم المحتمل بثبوته أن يكون حادثا بعد رفع الحكم الاول فلو كان حادثا كان هذا الممتد ناقضا للعدم الازلي الثابت لشخص هذا الحكم الحادث قبل حدوثه ولا يكون عدمه الازلي منتقضا بحدوث الحكم السابق قبل انقضاء الزمان لانه ناقض لعدم نفسه لا لعدم حكم آخر فالعدم الازلي بالنسبة إلى كل شىء ينتقض بوجود هذا الشيء لا بوجود شىء آخر فحينئذ بالنسبة إلى العدم الازلي يتم أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق أيضا لانه بعد الشك في ثبوت شخص حكم مردد بين كونه بقاء لحكم الاول وبين كونه حدوث حكم آخر يتحقق لنا يقين بالعدم الازلي السابق على أصل التكليف بالنسبة إلى شخص هذا الحكم المحتمل الثبوت وشك في بقاء ذلك العدم وارتفاعه بهذا المحتمل يجري الاستصحاب فيه فيحكم ببقاء العدم فنحكم بعدم ثبوت المحتمل فلا بتعارض الاستصحاب كما أفاده النراقي (قده).

التنبيه الخامس :

المتيقن السابق قد يكون أمرا فعليا ومنجز الوجود وقد يكون أمرا معلقا تقديريا منوطا بشيء غير متحقق في ظرف اليقين والأول لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه سواء كان موضوعا لحكم شرعي أو كان نفس الحكم الشرعي.

٢٢٢

وأما الثاني وهو الذي يسمى بالاستصحاب التعليقي الذي انعقد له هذا التنبيه أعني ما هو المتيقن سابقا الذى يكون معلقا ومنوطا بوجود شىء آخر غير متحقق وهو على قسمين.

أحدهما ما كان التعليق والاناطة فيه عقليا بمعنى كونه من الأمور التكوينية الخارجية التي يكون التعليق والاناطة والملازمة بين اللازم والملزوم فيه عقليا تكوينا من دون أن يكون لجعل الشارع فيه دخل كما إذا فرض أن قيام عمر في الخارج ملازم القعود بكر بمعنى قعود بكر معلق على قيام عمر في الخارج وإن كان لعقود بكر أثر شرعا مثلا وكانت هذه الملازمة بينها أمرا مقطوعا به مع عدم تحقق المعلق عليه ثم شك في اليوم الآخر ببقاء تلك الملازمة مع تحقق المعلق عليه وهو قيام عمر عمر المستلزم للشك في تحقق المعلق وهو قعود بكر الذي يكون موضوعا للحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه ولو بناء على جريانه في الحكم التعليقي وذلك لأن المتيقن السابق في ضمنه شيئان.

أحدهما نفس الملازمة بين قيام زيد وقعود عمر وثانيها قعود تقديري لعمر ولا مجال للاستصحاب في شىء منهما لأن المفروض أن الأثر الشرعي العملي المترتب على القعود الفعلي هو الثابت لعمر في ظرف الشك دون نفس الملازمة والوجود التقديري ومن المعلوم أن ترتب وجود الفعلي الملازمة مع بقاء الملازمة أو الوجود التقديري المسبب عن بقاء الملازمة في ظرف تحقق الملزوم والمعلق عليه عقلي لا يثبت بالاستصحاب الأعلى القول بالأصل المثبت اللهم إلا أن يقال بناء على كون المراد من أخبار الاستصحاب نقض نفس اليقين بالشك دون المتيقن فيمكن تصحيح جريان الاستصحاب التعليقي حتى في الموضوعات المعلقة بنحو الوجود الفرضي بأن يقال بأن لنا في المثال قطعين فعليين

٢٢٣

على نحو الاطلاق وهو القطع بالملازمة فيما سبق والقطع بالوجود الثاني التقديري اللازم والاستصحاب فيها لا يجرى لكونه مثبتا بالنسبة إلى ما له الأثر كما تقدم ولنا أيضا قطع آخر وهو القطع المنوط بفرض وجود المعلق عليه خارجا على الوجود الفعلي اللازم وهو القعود نظير ما تقدم من الارادة الفعلية المنوطة في الواجب المشروط قبل تحقق شرطه في الخارج ففيما نحن فيه بعد العلم بالملازمة يحصل لنا القطع بوجود الملازم وجودا فعليا ولكنه منوط بفرض وجود الملزوم خارجا ولم يكن وجوده حقيقيا.

وبعد ما حصل لنا الشك ببقاء الملازمة في الآن الثاني مع تحقق ما كان ملزوما يحصل لنا الشك أيضا بوجود اللازم فحينئذ يتحقق ركنا الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق فشمله أدلة الاستصحاب فيثبت بها اليقين بوجود اللازم فعلا فيترتب عليه حكمه الشرعي نعم شمول لا تنقض لمثل هذا اليقين مشروط أيضا بفرض وجود الملزوم خارجا لأنه مع عدم هذا الفرض لا يقين أصلا ولكن لا يخفى أن هذا يتم لو لا القطع بانصراف الأخبار عن مثل هذا اليقين الذي يصح سلب اليقين في فعلا في ظرف عدم المعلق عليه لا حقيقة له عرفا إذ اليقين المنوط ليس بيقين فظهر أنه لا مجال لجريان الاستصحاب في الموضوعات التعليقية أصلا ولذا تراهم قد خصوا عنوان المسألة بالأحكام التعليقية.

وثانيهما وهو ما تكون الاناطة والتعليق شرعية بأن تكون الملازمة بين الشيئين يجعل الشارع كما إذا علق الشارع حكمه المتعلق بموضوع على شىء آخر غير الموضوع كما إذا قال يحرم ماء العنب إذا غلى وهذا على قسمين لان الحكم الشرعي المذكور تارة يكون من الأحكام الوضعية التي كان وجود الشىء معلقا بوجود الخارجي

٢٢٤

وأخرى يكون من الأحكام التكليفية التي قد تقدم ان الحق فيها ان الحكم فيها معلق على وجود الشرط تصورا على نحو يرى خارجا ولو لم يكن له خارجية.

أما الأول كما اذا قال زيد يملك أرضا مواتا إذا حازه أو قال من حاز ملك فعلق الملكية على الوجود الخارجى ، فلو فرض في مورد شككنا ببقاء هذا الحكم بالنسبة إلى شخص كما إذا أجر شخص نفسه للغير في مدة معينة لجميع منافعه وفي مدة الاجارة حاز أرضا بقصد التملك نفسه وشككنا هل له ذلك أم لا.

والحق أنه لا يجري الاستصحاب فيه كما قلنا في الموضوعات التعليقية في عدم جريان الاستصحاب فيه لا في الملازمة ولا في اللازم بوجوده التقديري من غير فرق بين القول بأن مفاد دليل الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة عمل اليقين كما هو المختار من القول بأن مفاده تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ أثره الشرعي للعمل كما هو مختار الشيخ (قده) وذلك لأن الملازمة في المقام وان كانت شرعية مجعولة بجعل الشارع ولكن نفس تلك الملازمة أو اليقين بها ليس لها أثر عملي وكذلك بقاء وجود الثاني اللازم أعني الملكية ليس لها أثر عملي وإنما الأثر العملي يترتب على الملكية الفعلية التي كانت مترتبة على الملازمة أو الوجود الثاني عقليا في ظرف وجود المعلق عليه فلا يمكن إثباتها إلا على القول بالأصل المثبت لا يقال بأن ترتب الملكية وإن كان عقليا على البقاء أو الوجود الثاني في ظرف وجود المعلق عليه ولكن لا مانع من ذلك لكونه أثرا مترتبا على الأعم من الواقع والظاهر ولا إشكال في ترتب الأثر العملي إذا كان أثر للاعم من الواقع والظاهر فانه يقال أن ذلك يتم فيما إذا كان ذلك الأثر أثرا عمليا للشيء بنحو يكون منجزا

٢٢٥

للعمل كوجوب الامتثال فانه يجب بعد تنجز التكليف بخلاف المقام فان الملكية ليست لها دخل في العمل.

وأما بناء على مسلك من يقول بأن الاستصحاب مرجعه إلى جعل مماثل المتيقن أو جعل حكم مماثل لحكم المتيقن إذا كان المستصحب موضوعا ولا يعتبر في استصحاب الحكم أزيد من ذلك فلا اشكال في أنه يجري استصحاب الملازمة لاثبات الملازمة الظاهرية وكذلك استصحاب الوجود الثاني فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر كما لا يخفى

وأما القسم الثاني وهو ما إذا كان التعليق في الحكم التكليفي فتارة نقول بأن المعلق عليه في الاحكام التكليفية التعليقية هو الشيء بوجوده الخارجي فلا مجال فيه أيضا للاستصحاب لا في الملازمة ولا في اللازم سواء.

قلنا بأن مرجع الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة عمل اليقين وقلنا بأنه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن لأن الفرض أن نفس الملازمة أو الوجود التقديرى لا أثر عملي له.

وأما وجود الفعلي للحكم الذي له الأثر العملي ، فترتبه على الملازمة أو الوجود التقديري في ظرف وجود المعلق عليه عقلي لا يثبت إلا على القول بالأصل المثبت وتوهم كونه الأثر للاعم من الواقع والظاهر يندفع بأن ذلك فيما اذا كان نفس الأثر العملي عقليا لا فيما اذا كان مترتبا ترتبا شرعيا كما نحن فيه فان الحرمة الفعلية ترتبها ترتبا شرعيا عمليا ولكن ثبوته انما يكون بالترتب الفعلي الغير الممكن اثباته بالاستصحاب نعم يتم بالاستصحاب بالنسبة الى الملازمة والوجود التقديري اللازم بناء على مسلك جعل المماثل كما تقدم وأخرى نقول بأن المعلق عليه المنوط به في التكاليف هو الشيء بوجوده اللحاظى بنحو يراه خارجا كما تقدم

٢٢٦

تفصيله فبناء عليه يكون المتيقن السابق هو الحرمة الفعلية المنوطة بما فرض في الخارج.

غاية الأمر أن القطع بالحرمة الفعلية بمجرد فرض المعلق عليه خارجا لم يكن موجبا للحكم الفعلي بوجوب الامتثال إلا بعد التصديق بكون الفرض مطابقا للخارج فحينئذ يمكن جريان الاستصحاب في بقاء نفس اللازم وهو الحرمة الفعلية المنوطة بوجود المعلق عليه فتثبت نفس الحرمة المنوطة في ظرف الشك بها حيث أنه قد فرض القطع بوجود المعلق عليه خارجا فالعقل يحكم بوجوب امتثاله ، فبناء على المختار في تحقيق الواجب المشروط لا مانع من جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وحاصله أن الحكم التكليفي الشرعي إنما هو عبارة عن نفس الارادة الشرعية التي تحصل بالقول أو الفعل ، فباظهارها تكون فعليه من غير فرق بين أن يكون متعلقها يحصل على كل تقدير أو تقدير خاص وذلك لا يقتضي إلا تصور الموضوع من جميع قيوده فالحكم يكون فعليا قبل تحقق شرطه ولا يصح جعل الأحكام التكليفية على نهج القضايا الحقيقية حيث أن حقيقتها لب الارادة المبرزة لها حتى بالنسبة الى الأحكام التي هي بنحو الاشتراط اذ مرجعها بعد قيامها باللحاظ الى الاشتياق الفعلي المنوط بوجود الشيء في فرض الأمر ومع فرض وجوده يكون المبرز للخطاب المشروط فعليا وتكون فعليته قبل تحقق موضوعه وقيوده.

وبهذا المعنى يصير الحكم الشرعي فعليا سواء علم بها المكلف أو لم يعلم وسواء كان مطلقا أو مشروطا فليس الفرق بين المشروط والمعلق من حيث الفعلية بأن يكون المطلق فعليا والمشروط انشائيا فمن هذه الحيثية لا فرق بينهما ، نعم فرق بينهما من حيث السنخ والحقيقة ولذا تختلف آثارهما فان المطلق حقيقة ارادة الفعل من المكلف على كل تقدير ولذا ينبعث المكلف

٢٢٧

مع العلم به من دون الانتظار الى شيء.

وأما المشروط فحقيقة ارادة الفعل من المكلف على تقدير خاص فلا ينبعث عند العلم به قبل حصول الأمر المعلق عليه الواجب ففى الحقيقة القيود ترجع الى ناحية الموضوع.

فالفعلية لا تتبع وجود (١) الموضوع خارجا وانما تحصل من اظهار الارادة بخلاف المحركية والباعثية انما تتبع وجود الموضوع

__________________

(١) لا يخفى أن الموضوع في القضية وان كان تصوره معتبرا إلّا أنه يؤخذ بما يحكي عن الخارج فتكون العبرة تحققه في الخارج فان له الدخل في اشتماله على المصلحة وأنه واجد للملاك فتكون فعلية الحكم تتبع وجود موضوعه خارجا ولا يتحقق الحكم قبل تحقق موضوعه وعليه كيف تكون الارادة المتعلقة بالمراد المتأخر وجوده تكون فعلية قبل تحقق متعلقه وإلّا لزم تقدم الحكم على موضوعه وهو ممنوع وكيف كان فقد مثل للاستصحاب التعليقي باستصحاب حرمة ماء العنب فيما اذا غلى بعد ما جف وصار زبيبا حيث أنه يشك في جفاف كونه زبيبا في بقاء التعليق على الغليان فيستصحب ويحكم بحرمة ماء الزبيب على تقدير غليانه وهو محل نظر إذ الحرمة المستصحبة إن كانت هي الحرمة التقديرية بمعنى أن العصير العنبي سابقا كان بحيث لو انضم إليه الغليان في الخارج لصار حراما وعند جفافه وصيرورته زبيبا يشك في بقائه على ما كان عليه فيحكم ببقائه بمقتضى الاستصحاب ففساده ظاهر.

إذ ذاك يكون من اللوازم العقلية لجعل الحكم على الموضوع المركب من الغليان وعليه ليس لنا شك في بقاء الحرمة التقديرية حتى يحتاج إثباته الى الاستصحاب إذ المفروض حرمة العصير العنبي على تقدير غليانه وانضمام أحد جريء الموضوع إلى الآخر باقية ومستمرة

٢٢٨

وقيوده خارجا مثلا : لو قال المولى أكرم العلماء لا تحصل المحركية الا بعد وجود العلماء خارجا بخلاف أصل وجود الحكم فانه يتحقق ولو لم

__________________

إلى الأبد ما لم تنسخ.

وان أريد من الحرمة المستصحبة الحرمة التنجيزية في مرحلة المجعول فواضح أنه لم تكن منجزة اذ الحكم لا يكون فعليا ومنجزا ما لم يتحقق تمام أجزاء الموضوع في الخارج لما عرفت أن الموضوع بالنسبة الى الحكم من قبيل العلة والمعلول فكما أنه تستحيل فعلية المعلول قبل تحقق تمام أجزاء علته في الخارج كذلك الحكم يستحيل تنجزه وفعليته قبل تحقق موضوعه بتمام أجزائه.

هذا مضافا الى أن الموضوع في المثال غير باق ، اذ موضوع الحرمة هو العصير العنبي وهو الماء المتخذ من العنب فوصف العنبية مقوما للموضوع فزوالها يوجب تبدل الموضوع في نظر العرف بموضوع آخر فلا تحصل الوحدة المعتبرة بين القضية المشكوكة فيها والقضية المتيقنة فيكون اجراء الحكم الثابت للعصير العنبي على تقدير غليانه الى العصير الزبيبي إسراء للحكم من موضوع الى موضوع آخر.

وأما تصحيح جريان الاستصحاب التعليقي بما أفاده الشيخ الانصاري (قده) من أن الغليان قد جعل شرعا سببا لترتب الحرمة على العصير العنبي ومع الشك في بقائها في زوال وصف العنبية نستصحب ونرتب حرمة العصير على تقدير تحقق السبب وحصول الغليان فهو محل نظر ، اذ السببية لا تزيد نفس الحكم فكما أن الحكم لا يصح تقدمه على الموضوع كذلك السببية لا يصح تقدمها على ذي السبب خصوصا اذا قلنا بأن السببية وغيرها من الأحكام الوضعية ليست مجعولة للشارع

٢٢٩

يكن الموضوع متحققا خارجا اذ الموضوع في جعل الحكم انما هو معتبر بوجوده اللحاظى وان كان اعتباره بنحو المرآة لما في الخارج فمع تصور

__________________

لا استقلالا ولا تبعا وانما تنتزع من الأحكام التكليفية كما ذهب اليه الشيخ الأنصاري (قده) اذ ليس هنا مجعول شرعي مترتب على ذلك حتى يستصحب.

نعم لو قلنا بأن السببية وغيرها من الأحكام الوضعية أما بنحو الاستقلال وأما بنحو التبعية فيمكن جريان استصحاب جعل السببية إلّا أنها لا تجري في مثل المقام لأنها معلومة البقاء على الفرض وانما الكلام في استصحاب السببية المنجزة وقد علمت أنها ليست منجزة سابقا حتى تستصحب لاحقا. ثم أن الشيخ (قده) بعد أن جرى الاستصحاب التعليقي في العصير العنبي فصل بين العقود المنجزة مثل البيع والاجارة والعقود المعلقة مثل الوصية والجعالة والسبق والرماية حكم بجريان استصحاب الملكية المنشأة بالبيع والاجارة وغير ذلك من العقود المنجزة المتحققة في الخارج بخلاف الملكية المنشأة في الوصية وأمثالها من العقود المعلقة فانها لم تتحقق في الخارج اذ الملكية في الوصية معلقة على موت الموصي وفي الجعالة على رد الضالة وفي السبق على تحقق السبق فلا ملكية فعلا متيقنة فكيف يصح استصحابها؟

ولكن لا يخفى أنه لا فرق في جريان الاستصحاب في العقود بين المنجزة والمعلقة اذ المعلق على موت الموصي أو رد الضالة انما هو تنجز الملكية.

وأما أثر العقد وهو الاستحقاق على تقدير حصول المعلق عليه المجعول من المتعاقدين الممضي من قبل الشارع فهو غير معلق على شيء غايته أن تحققه في عالم الاعتبار وذلك كاف في جريان الاستصحاب

٢٣٠

الموضوع ينشأ الحكم وبهذا الانشاء يجعل الحكم فعليا وإلّا لزم التفكيك بين الانشاء والمنشأ وهو أمر غير معقول.

وبالجملة فعليته تحصل وان لم يكن الموضوع وقيوده موجودا خارجا

__________________

لو شك في بقائه ، فهذا الاستصحاب يشبه الاستصحاب الجاري في أصل الجعل فكما يجري استصحاب الجعل لو شك في بقائه لأجل احتمال الفسخ مع عدم تحقق الحكم على المكلف الخارج لعدم تحقق موضوعه كذلك يجري استصحاب أثر العقد التعليقي لو شك في بقاءه لأجل احتمال تأثير النسخ الواقع بعده. ولو لم ينتجز أثر العقد من جهة عدم تحقق شرط من موت الموصي أو رد الضالة. وعليه لو عكس الشيخ (قده) الأمر وحكم بجريان الاستصحاب في العقود المعلقة وعدم جريانه في مسألة العصير لكان أولى ودعوى أنه بمعارضة الاستصحاب التعليقي على تقدير جريانه بالاستصحاب التنجيزي كما في مورد المثال المذكور وحيث لا أولوية لأحد الاستصحابين لعدم كون أحدهما مسببا عن الآخر فان الشك في بقاء الحلية المنجزة بعد الغليان ملازم للشك في بقاء الحرمة المعلقة فهما في رتبة واحد فيتساقطان بالمعارضة ويرجع الى اصالة الحل بعد التساقط.

ولكن لا يخفى أنه عند التأمل لا معارضة بين الأصلين اذ العصير العنبي كان موردا لحكم الحرمة المعلقة على الغليان والحلية المنجزة المغياة بالغليان وليس بينهما منافاة اذ المفروض أن الشك المعلق عليه وجود أحدهما هو الغاية الموجهة لارتفاع الآخر فيستصحب بقاءه على ما كان ويحكم بأن العصير الزبيبي أيضا له الحكمان الحرمة المعلقة على الغليان والحلية المنجزة المغياة بالغليان فالاستصحاب كما يقتضي ترتب الحرمة بعد الغليان كذلك يقتضي ارتفاع الحلية بعده ، إلّا أن الأستاذ

٢٣١

بخلاف المحركية والباعثية فانها منوطة بوجود الموضوع خارجا ففي فعلية الحكم يشترك المشروط والمعلق.

وعليه ففي المثال المشهور أن حرمة العصير العنبي مجري للاستصحاب

__________________

المحقق النائيني (قده) نفى تحقق المعارضة بين الاستصحابين بتقريب أن الشك في بقاء الحلية المنجزة وارتفاعها مسبب عن الشك في سعة المجعول للشارع بمقتضى التعبد بالاستصحاب التعليقي فيكون حاكما على الاستصحاب التنجيزي. فاذا حكم الشارع بمقتضى التعبد بالاستصحاب التعليقي بأن الحكم يضم كلتا الحالتين وليس لوصف العنبية دخل في ترتب الحكم لا يبقى لنا شك في ارتفاع الحلية المنجزة.

ولكن فيما ذكره الأستاذ محل نظر إذ لا سببية بينهما بل كلاهما في رتبة واحدة مسبب عن العلم الاجمالي.

أما الحلية أو الحرمة ومن المعلوم أن نسبة العلم الاجمالي إلى ثبوت الحرمة المستلزمة لارتفاع الحلية بمقتضى التضاد بينهما كنسبته إلى ثبوت الحلية المستلزمة لارتفاع الحرمة بلا تفاوت. ثم أنه قد يتوهم جريان الاستصحاب التعليقي في موضوعات الأحكام ومتعلقاتها بناء على جريانه في الأحكام لوجود الملاك المذكور من غير تفاوت. مثلا كان الحوض قبل ساعة بحيث لو وقع فيه الثوب النجس لتحقق غسله وطهر لوجود الماء فيه ثم شك في بقائه على ما كان عليه لجري الاستصحاب التعليقي وحكم بحصول الغسل والطهارة على تقدير وقوع الثوب النجس فيه في الخارج وكذلك لو كانت الصلاة قبل ساعة لو أتى بها المكلف وقعت في غير ما لا يؤكل لحمه فبعد أن لبس المكلف الثوب المذكور فلو شك في بقاء الصلاة على ما كانت عليه لجري الاستصحاب وحكم بصحتها على تقدير الاثبات بها في الخارج وقد أجاب الأستاذ المحقق

٢٣٢

ثم أنه لو منعنا جريان الاستصحاب التعليقي بدعوى اعتبار لزوم كون المستصحب فعليا منوطا بخارجية المعلق عليه فعلية لا فعلية للحكم المستصحب في المثال المذكور قبل تحقق الغليان حتى يمكن استصحابه يلزم المنع عن استصحاب الأحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها فيما لو شك فيها

__________________

النائيني (قده) يعدم جريان الاستصحاب في مثال الصلاة إذ يعتبر في جريان الاستصحاب تحقق الموضوع سابقا والمفروض في المثال لم تكن الصلاة متحققة في الخارج بهذه الحيثية حتى تستصحب ولكن لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ (قده) يتم لو كان المستصحب عدم وجود الصلاة.

وأما لو كان المستصحب هو ماهيتها فلا يتم إذا كانت ماهيتها قبل لبس الثوب المشكوك فيه كان بحيث لو وجدت في الخارج لوجدت غير مقرونة بغير المأكول ولا يعتبر في المستصحب الوجود الخارجى وإلا لم يستشكل أحد في جريان استصحاب عدم الشك فيما إذا كان وجود مشكوك فيه فان المستصحب في مثل ذلك إنما هو الماهية المسبوقة بالعدم.

وعلى كل فالحق أن عدم جريان الاستصحاب التعليقي في موضوعات متعلقاتها وإن قلنا بجريانه في نفس الأحكام لأن الاستصحاب التعليقي معارض بالاستصحاب التنجيزي فانه كما يجري الاستصحاب التعليقي ويحكم ببقاء المتيقن وهو تحقق الغسل على تقديم وقوع الثوب في الحوض وعدم اقتران الصلاة بغير المأكول على تقدير الاتيان بها خارجا لذلك يجري الاستصحاب التنجيزي ويحكم بعدم حصول الغسل وعدم وقوع الصلاة في ما لا يؤكل لحمه ، على أن كلا من حصول الغسل ووقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل لحمه لازم عقلي لبقاء المتيقن في المثالين فاثباته بالاستصحاب التعليقي يتوقف على حجية الأصول المثبتة وسيأتي إنشاء الله عدم القول بحجيته.

٢٣٣

لأجل احتمال نسخ أو تغير بعض حالات الموضوع إذ لا فرق في المنع عن الاستصحاب بين الأحكام الكلية والجزئية مع أن القائل بمنع التعليقي يلتزم بجريانه في الأحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها بدعوى كفاية فرضية وجود الحكم في صحة استصحاب الحكم الكلي فاذا التزم بذلك فيها فيلزمه الاكتفاء باستصحاب الحكم الجزئي.

وبالجملة لا فرق في فرضية الحكم بفرضية وجود موضوعه بين فرضية تمام موضوعه بأجزائه وشروطه وبين فرض فعليه بعضه لأجل المنع.

أما من استصحاب الحكم التعليقي قبل تحقق موضوعه والمعلق مطلقا حتى في الحكم الكلي.

وأما الالتزام بجريانه بصرف وجوده فرضا في زمان يقينه ، بل ربما يقال بامكان اجراء الاستصحاب في نفس القضية التعليقية كالحرمة والنجاسة التقديريتين الثابتتين للعنب قبل الغليان لأنه يصدق عليه قبل الغليان أنه حرام أو نجس على تقدير غليانه ويشك في بقاء تلك القضية التعليقية بحالها بعد صيرورته زبيبا فيستصحب لعدم قصوره في أدلة الاستصحاب من الشمول يمثل هذا الغرض.

ودعوى عدم جريان الاستصحاب التعليقي في المثال لتغاير الموضوع في القضيتين فان الموضوع للحرمة والنجاسة المعلقة على الغليان في القضية المتيقنة هو ماء العنب وقد انعدم بصيرورته زبيبا في القضية المشكوكة هو الجرم الخاص المسمى بالزبيب ممنوعة فإن المناط في الموضوع هو فهم العرف وفي المقام أن الموضوع للحرمة والنجاسة هو الجسم الخاص وان وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته.

نعم يشكل بمعارضة الاستصحاب التعليقي مع استصحاب الطهارة

٢٣٤

والحلية الثابتتين قبل الغليان فان التعليقي يقتضي حرمة الزبيب ونجاسته بعد الغليان والاستصحاب التنجيزي يقتضى حليته وطهارته بعد الغليان وبما أن أحد الاستصحابين ليس مسببا عن الآخر حتى يحكم باستصحاب الشيء السببي فيقع التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع فيه إلى قاعدة الحلية والطهارة إلا أن بعض الأعاظم (قده) ادعى السببية والمسببية بين الأصلين بتقريب أن الشك في الطهارة والحلية الفعلية في الزبيب المغلي مسبب عن الشك في كون المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته مطلقا حتى في كونه زبيبا أو أن المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته ولا يعمم الزبيب المغلي فمع حكم الشارع بالنجاسة والحرمة المعلقة بمقتضى الاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في حلية الزبيب المغلي.

ولكن لا يخفى أن بين الاستصحابين لا سببية بينهما لكونهما في مرتبة واحدة لا تقدم لأحدهما في الوجود على الآخر ومعه لا تتحقق السببية إذ المستفاد من دليل الغليان مجرد سببيته للحرمة والنجاسة المشروطة بلا غائيته للطهارة والحلية الثابتين للعنب قبل الغليان بحيث يكون ارتفاع الحلية والطهارة الثابتة قبل الغليان عند فعلية الحرمة أو النجاسة المشروطة بالغليان بمناط المضادة.

فعليه لا تتصور حكومة أحدهما على الآخر وإنما يقع بينهما التعارض لأجل لحاظ كون الغليان شرطا للحرمة والنجاسة المجعولتين كذلك فلا يكون غاية شرعية للحلية والطهارة لعدم استفادة ذلك من الدليل وإنما هو غاية للحلية والطهارة في حكم العقل محصنا بلحاظ مضادة الحكمين وامتناع تحقق أحدهما في ظرف تحقق الآخر وقد عرفت أن التحقيق هو الأول فلذا لا معنى لحكومة الاستصحاب التعليقي على استصحاب

٢٣٥

الحلية التنجيزي بل على الاحتمال الثاني تقع المعارضة بين الأصلين لكون الحكمين حينئذ في عرض واحد. كما أن الشرطية والغائبة أيضا كذلك فعليه لا مجال لرفع اليد عن استصحاب الحلية باستصحاب الحرمة المشروطة.

التنبيه السادس :

أن المستصحب قد يكون من أحكام هذه الشرعية فلا إشكال في جريان الاستصحاب وقد يكون من أحكام الشرائع السابقة فيما لو شك في نسخها فقد استشكل في جريان الاستصحاب فيها وتنقيحه يحتاج إلى بسط في المقال فتقول أن الحكم الثابت في الشريعة السابقة يتصور على أنحاء الأول أن يكون الحكم ثابتا بخصوص الأفراد الموجودة في ذلك الزمان من المكلفين على نحو القضية الخارجية التي كان الموضوع فيها هو الأشخاص الموجودة في الخارج بأشخاصهم كل بملاك غير ملاك الآخر مثل قولهم كل من فى العسكر قتل ولو كان قتل كل منهم بملاك أجنبي عن ملاك الآخر ولا يخفى عدم وجود مثل ذلك في القضايا الشرعية وكيف كان فلو كان الحكم في الشريعة السابقة كذلك فلا مجال لتوهم الاستصحاب فيه بالنسبة إلينا لتبدل الموضوع قطعا بل لا يعقل الشك في بقاء ذلك الحكم إلا بالنسبة إلى خصوص المدرك للشريعتين فيصح الاستصحاب بالنسبة إليه بالخصوص من غير سرايته إلى غيره من المكلفين في هذه الشريعة لعدم شمول دليل اشتراك التكليف في المقام إذ الثابت من دليل الاشتراك بالنسبة إلى الأحكام الواقعية دون الظاهرية الثابتة بالاصول المختص بمن جرى في حقه الأصل من دون سرايته إلى

٢٣٦

غيره لعدم ثبوت ملاكه كما لا يخفي.

الثاني أن يكون الحكم ثابتا للأعم من الأفراد الموجودة في ذلك الزمان والمقدرة المفروضة على نحو الحقيقة.

الثالث أن يكون ثابتا لطبيعة المكلفين لكن لا من حيث هو بل من حيث أنه يسري إلى الأفراد على نحو الطبيعة السارية وهي المسماة عند المحقق الفمي (قده) بالعموم السرياني فيشمل الأفراد لا من حيث الخصوص بل من حيث وجود الطبيعة وحصة منها فالخصوصية في كل منها بفرديته خارجة بخلاف العام الاستغراقي فان الخصوصيات فيه داخله كما لا يخفى.

الرابع أن يكون الحكم ثابتا لطبيعة المكلفين أيضا لكن بنحو صرف الوجود إلا أنه بنحو الطبيعة السارية في جميع الأفراد والفرق بين هذا الفرض وبين القسم الثالث أن في هذا القسم يحصل الامتثال بأول الوجود ويسقط التكليف بعده بخلاف القسم الثالث فان التكليف يتعدد فيه بتعدد الأفراد ويكون لكل فرد تكليف يختص به له إطاعة ومعصية معينة.

أما القسم الثاني فلا يخلو أما أن يكون منشأ الشك في بقاء الحكم في هذه الشريعة من جهة الشك في اختصاصه بأشخاص الأفراد المحققة والمقدرة في ذلك الزمان بمعنى أن يكون منشأ الشك في تخصيص موضوع الحكم بالأفراد المحققة والمقدرة فيه المفروضة في ذلك الزمان بحيث لا يكون قصور في ناحية الحكم أصلا بل القصور لو كان إنما هو من جهة الموضوع وكان مرجع الشك في أنه هل أعتبر في الموضوع أمر لا ينطبق إلّا على أفراد ذلك الزمان بحيث لو كان أفراد هذا الزمان في ذلك الزمان لشملهم ولو كان أفراد ذلك الزمان في هذا الزمان لم يشملهم

٢٣٧

وأما أن يكون منشأ الشك من جهة الشك في بقاء الحكم من جهة احتمال قصور في أصل ملاك الحكم بالنسبة الى غير ذلك الزمان من غير قصور وشك في ناحية الموضوع.

أما القسم الأول فلا يجري الاستصحاب فيه قطعا لوضوح كون الموضوع فيه مشكوكا فلم تكن القضية المشكوكة مع المتيقنة متحدة من حيث الموضوع قطعا.

وأما القسم الثاني فالحق جريان الاستصحاب فيه (١) لأنه لا قصور في جانب الموضوع فيكون الشك في بقاء شخص الحكم السابق مع اتحاد اليقين موضوعا ومحمولا فبالاستصحاب يثبت الحكم لتلك الاشخاص أيضا ومن ذلك يظهر الكلام في القسمين الآخرين وأنه هل يجري فيهما الاستصحاب لو كان الشك في بقاء الحكم فيها راجعا الى الشك في

__________________

(١) يشكل على جريانه للعلم بنسخ الشرائع السابقة ومعه كيف يجري استصحاب الأحكام الثابتة بتلك الشرائع السابقة.

ولكن لا يخفى أنه ان أريد العلم بجميع الأحكام السابقة فممنوع وإن أراد العلم الاجمالي بنسخ جملة منها فهو ينحل ذلك بمقدار المعلوم بالاجمال من الأحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها وقد أجاب الأستاذ المحقق النائيني في مجلس درسه الشريف بأن مجرد بقاء أحكام الشرائع السابقة إلى زمان جريان الاستصحاب فيها لا فائدة فيها ما لم يرد إمضاء من قبل الشارع فانه لم يهمل بيان الأحكام في خطبة حجة الوداع حيث قال (ص) (ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به وما من شىء يبعدكم عن الجنة ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه حتى الخدش بالأظافر).

وعليه بين حكم كل فعل وكل موضوع بعد الفحص والتفتيش

٢٣٨

ملاك الحكم من حيث قصوره لغير زمان اليقين أو شموله أو لا يجرى لو كان الشك راجعا إلى الشك في تقييد الموضوع بذلك الزمان وعدم تقيده لعدم إحراز الموضوع حينئذ كما لا يخفى.

التنبيه السابع :

الآثار المترتبة على المستصحب تارة يكون من الآثار الشرعية العملية بلا واسطة كاستصحاب حيوة زيد للحكم بحرمة تزويج زوجته وتقسيم أمواله فلا إشكال في حجيته وأخرى يكون من الآثار الشرعية المترتبة عليه بواسطة آثار شرعية ثابتة بلا واسطة فهو أيضا حجة بلا إشكال سواء قلنا بكونه من باب الظن أو من باب التعبد من جهة الأخبار

وثالثة يكون من الامور العادية أو العقلية الثابتة له وهذه على أقسام ثلاثة لأن الأمر العقلي أو العادي قد يكون من قبيل لازمه وأثره

__________________

عن الأدلة في مظانها يجب على كل حكم لأي أو لأي موضوع دليلا يثبت له أحد الأحكام التكليفية أو الوضعية وعليه لا يبقى حاجة إلى الاستصحاب ان وجد دليلا موافقا معه في اعتباره وان لم يجد دليلا موافقا فلا يجب العمل على طبقه لعدم الامضاء.

ولكن لا يخفى أن دليل الاستصحاب الوارد في هذه الشريعة دليل على الامضاء حيث أن الاستصحاب في الموضوعات أو الأحكام إنما هو هو حكم ظاهري مجعول من قبل الشارع كسائر الأحكام الشرعية فابقاء تلك الأحكام الموجودة في الشرائع السابقة عند احتمال نسخها بعد وحدة القضية المشكوكة مع المتيقنة من مجعولات هذه الشريعة وأحكامها فافهم وتأمل.

٢٣٩

كنبات اللحية المترتبة على حياة زيد وقد يكون من قبيل ملزومه وعلته وقد يكون من قبيل ملازمه في الوجود ولا إشكال أيضا عندهم في عدم إثبات كل واحد من الامور الثلاثة المذكورة بالاستصحاب في الموضوع بلا نظر إلى ترتب الآثار الشرعية المترتبة عليها إذ معنى التعبد من قيل الشارع هو ترتب الآثار الشرعية التي كانت أمر وضعها ورفعها بيد الشارع ولا نظر له إلى إثبات غيرها.

وقد تكون الآثار الشرعية المترتبة عليه بواسطة الأمر العقلي أو او بواسطة ملزومه أو ملازمه.

وهذا هو المعبر عنه بالأصل المثبت ويكون هذا هو محل النزاع بينهم في حجية الاستصحاب فيه وهل هو قول مطلق كما ينسب الى بعض المتقدمين لقوله بحجية الاستصحاب من باب الظن أو عدم الحجية يقول مطلق كما عن بعض المتأخرين أو يفصل بين ما اذا كان الأثر الشرعي أثرا مترتبا عليه بواسطة لازمه العقلي أو العادي فيكون حجة وبين ما اذا كان بواسطة ملزومه أو ملازمه العقلي أو العادي فلا يكون بحجة وهذا هو المشهور عند القائل بالاصل المثبت أو يفصل في خصوص ما اذا كانت الواسطة هو اللازم بين ما اذا الواسطة خفية فيكون حجة أو جلبة فلا يكون حجة ثم أن هذا النزاع انما يثمر اذا لم يكن نفس تلك الواسطة مجرى للاستصحاب وإلّا فيجري في نفس تلك الواسطة بلحاظ أثره الشرعي بلا احتياج الى جريانه في ذي الواسطة

نعم القائل بحجية الأصل المثبت يقول باغناء الأصل الجاري في نفس ذى الواسطة عن جريانه في الواسطة والمنكر للحجية ينكر اغنائه فيجري في الواسطة وهذا بخلاف ما اذا لم يكن الواسطة مجرى للاصل فيكون ثمرة النزاع حينئذ واضحة فينحصر

٢٤٠