منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

الاهمال ولو واقعا بأن لا يكون له واقع محفوظ حتى عند الجاعل فيقول يلزم جعل الجنس بلا فصل خاص مقدم وهو باطل وان أريد جعله في ضمن فصل معين في الواقع مجهول عندنا ولو كان معلوما عنده فيلزم اختيار أحد الفصلين بلا مرجح وهو محال وهذا من الاشكالات الواردة على القول بكون الاستصحاب يرجع إلى جعل المماثل.

كما انه بناء عليه لا بد من الالتزام بعدم جريان استصحاب الحكم والموضوع فيما إذا كان المكلف شاكا في القدرة على العمل الذي كان مما يتعلق به الحكم.

كما اذا نذر ان يشبع الفقير في يوم الجمعة ثم يشك في حياته فى هذا اليوم فهذا الشك شك في القدرة على اشباعه ومعه لا معنى لاستصحاب الحياة لاثبات وجوب الاشباع.

كما لا معنى لاستصحاب نفس الوجوب لأن استصحاب الحياة لا يثبت القدرة على اشباعه ومع الشك في القدرة كيف يثبت وجوب الاشباع وهذا بخلاف المسلك المختار فانه عليه يرجع استصحاب الحياة إلى الامر بالمعاملة على طبق اليقين بالحياة من لزوم الحركة والفحص عن أنه يمكن اشباعه أولا.

ثم لا يخفى أنه لو كان هناك أثر بسيط مترتب على الجامع بين الفردين المتفقين في الحقيقة بنحو الطبيعة السارية لا يصرف الوجود مع العلم بوجود فرد كلي في الزمان السابق وارتفاعه فى الزمان وشك في وجود فرد آخر للكلي في حال وجود الفرد المعلوم أو حدوثه مقارنا لارتفاعه بلا تخلل عدم بينهما.

فبالنسبة إلى السبب لا يجري فيه الاستصحاب لما عرفت من انتفاء الشك في البقاء وأما بالنسبة إلى المسبب فلا مانع من استصحابه

٢٠١

لتحقق أركانه من اليقين في الوجود والشك في البقاء حيث يصدق انه كان على يقين من وجود الأثر فشك في بقائه بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث حيث إن القضية المشكوكة عين المتيقنة نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها عند احتمال قيام عمود آخر مقام العمود الأول المعلوم الارتفاع.

ودعوى ان الالتزام بذلك أنه يلزم جريان الاستصحاب فيما لو شك في المسببات الشرعية في أبواب الفقه كمثل الزوجية والوكالة والولاية كما لو علم انه لو تزوج زيد هندا بعقد الانقطاع إلى مدة وعلم بانقضائها إلا انه شك في بقاء زوجيتها لاحتمال تزويجها ثانيا مقارنا لانقضاء الأول بعقد جديد.

وكذا لو علم بوجوب الصوم على مدة معينة بنذر أو شبهه فشك في حدوث نذر آخر فيه متعلق بصومه من حيث انقضاء المدة الى مدة أخرى فانه مقتضى ما ذكر هو الالتزام لجريان الاستصحاب في مثل ذلك مع أنه لا يظن من أحد التزامه ممنوعة بالغرق بين ما ذكرنا وبين تلك الامثلة فان الامثلة من قبيل استصحاب الصورة الأولى والثانية من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي الذي قد عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه حيث أن المعلوم السابق فيها فرد من الزوجية المحتملة حدوثها بسبب جديد فلا يكون المشكوك في الزمان المتأخر عين الفرد المعلوم السابق.

بل مقتضى الأصل هو عدم حدوث ما شك في وجوده في الزمان المتأخر وهذا بخلاف المقام فان استصحاب السبب في مثل هيئة الخيمة كما في المثال فان المستصحب فيه أمر وجداني شخصي لا يتغير عما هو عليه من الوحدة الشخصية ولا يتعدد وجوده بتبديل أعمدة الخيمة على

٢٠٢

أن تلك الامثلة المذكورة ان ترتيب الاسباب والمسببات شرعية فاستصحاب المسببات فيها تكون محكومة باستصحاب الأسباب بخلاف المقام فان الترتيب بين الأسباب والمسببات ترتب عقلي محض فيجري استصحاب المسببات من دون معارض باستصحاب الأسباب لعدم جريان الاصل في السبب لعدم ترتب أثر شرعي عليه لكي يقدم على المسبب.

بقي شيء وهو أن المتسالم عليه عند القوم جريان أصالة عدم التذكية عند الشك في تذكية الحيوان وبجريانه يثبت حرمة اكل لحمه ونجاسته وقد خالف في ذلك الفاضل التونى (قده) فقال بعدم اثبات استصحاب عدم التذكية للحرمة والنجاسة حيث أن عدم المذبوحية لازم لأمرين الحياة والموت حتف الانف والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو بل ملزومه الثاني وهو الموت حتف الانف وعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة تمسكا بأن الموضوع لكل من حرمة لحم الحيوان ونجاسته وحليته وطهارته أمر وجودي فموضوع الحرمة والنجاسة هي الميتة التي هي عبارة عن الحيوان الذي مات حتف انفه.

كما ان موضوع الحلية والطهارة عبارة عن المذكى وهما أمران وجوديان ولا بد من احرازهما واصالة عدم التذكية لم يثبت احراز الميتة حيث أن نفي أحد الضدين بالاصل لاثبات الضد الآخر من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها وعليه يجري استصحاب العدم من الطرفين وحيث تقع المعارضة بينهما تتساقط الاصلان وبعد التساقط يرجع إلى اصالة الحل والطهارة في اللحم المشكوك (١) وعلى تقدير التسليم ان

__________________

(١) لا يخفى ان المقام من الموضوع المركب فتارة يكون من قبيل العرض ومحله كما عليه الاستاذ المحقق النائيني (قده) فيكون العرض بما هو نعت لمحله وهو بمفاد كان الناقصة له الدخل في الموضوع فاستصحاب

٢٠٣

الموضوع للحرمة والنجاسة هو نفس عدم التذكية لا عنوان الميتة الذي هو أمر وجودي فليس لهذا العنوان حالة سابقة حتى يستصحب حيث ان خروج الروح أما أن يكون عند تذكية واما لا عن تذكية فلم يتحقق زمان كان فيه خروج روح حيوان ولم يكن عن تذكيه حتى يجري فيه الاصل.

وأما عدم التذكية في حال حياة الحيوان انما هو من قبيل ليس التامة فهو وان كان على يقين منه سابقا ولكن جريان الاصل فيه لاثبات العدم الخاص من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها فحينئذ يرجع الى اصالة الحل والطهارة ولكن لا يخفى.

أولا نمنع كون الميتة هي خصوص ما مات حتف الانف وانما هي

__________________

وجود المحمول لذلك العرض أو عدمه المحمولي لاثبات ما له الدخل في الموضوع لا يجري إلا على القول بالاصل المثبت ولذا قلنا في محله ان اصالة العدم المحمولي الذي هو بمفاد ليس التامة لاثبات العدم النعتي الذي هو بمفاد ليس الناقصة من الاصول المثبتة وأخرى يكون من قبيل عرضين لمحل واحد بنحو يكون الموضوع مركبا من جزءين أحدهما عدم التذكية وثانيهما زهوق الروح بنحو لا يكون زهوق الروح من نعوت عدم التذكية ومن حالاته لكي يكون لعدم التذكية فردان احدهما موضوع الاثر دون الآخر كما قرر في الاشكال بل يكون الموضوع للأثر قد أخذا مجتمعين بنحو لا يكون وصف اجتماع له الدخل في تحقق الاثر وعليه يكون من قبيل ما احرز أحد جزئيه بالاصل كاصالة عدم التذكية والجزء الآخر بالوجدان وهو زهوق الروح والظاهر ان المقام من العرض ومحله وعليه لا يجرى استصحاب العدم الأزلي الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى.

٢٠٤

عبارة عن مطلق التذكية بشرائطها المقررة من الذبح بالحديد مع التسمية واستقبال القبلة مع اسلام الذابح فمع اختلال بعض هذه الامور يكون الحيوان ميتة وان لم يزهق روحه حتف انفه وثانيا لو سلم ان الميتة خصوص الموت حتف الأنف فلا نسلم اختصاص موضوع الحرمة والنجاسة بالعنوان المذكور لأن الحكم بالحرمة والنجاسة كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة كذلك رتب على عدم المذكى كما في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (وكلوا (ما ذَكَّيْتُمْ) فعليه كيف يجري اصالة عدم التذكية في المشكوك لاثبات الحرمة والنجاسة وان لم يثبت بها عنوان الميتة وعلى فرض التسليم فلا معنى للرجوع الى اصالة الحل بعد تساقط الأصلين بل اللازم هو الرجوع إلى اصالة الحرمة والطهارة الثابتان في حال حياة الحيوان فان ذلك حاكم على قاعدة الحلية والطهارة والتفكيك بين الطهارة والحلية غير ضائر إذ هو كثير بالنسبة للأحكام الظاهرية فيمكن التعبد في طهارة ما شك في تذكيته وحرمة أكل لحمه وان لم يمكن ذلك بحسب الواقع.

(التنبيه الرابع):

في أن المستصحب أي المتيقن السابق قد يكون من الأمور القارة الذي تكون أجزاؤه مجتمعة في الوجود كالخط الواحد مثلا والجواهر بناء على عدم حركة الجوهرية وقد يكون من الأمور التدريجية غير القارة في الوجود أي التي لا تكون أجزاؤه مجتمعة في الوجود بل يوجد جزء في آن فينعدم فيوجد الجزء الآخر في أن آخر إلى أن تنتهي أجزاؤه كالزمان والحركة والليل والنهار وأمثالها مما تكون تدريجية الحصول ولا

٢٠٥

اشكال في صحة الاستصحاب في القسم الأول.

وأما الثاني فقد استشكل في جريانه باعتبار عدم تحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق فان الاجزاء لما كانت تدريجية فتلاحظ كل واحد منها مستقلا فيرى أن الجزء الأول منها معلوم الوجود في الزمان الأول ومشكوك الحدوث في الزمان الثاني فيرجع الى أصالة عدمه والحق في الجواب.

ان هذه الأجزاء وإن كانت تدريجية الحصول إلا أنه يصدق الوجود الواحد على الموجودات التدريجية بنحو يكون أوله حدوثا وما بعده بقاء كالليل والنهار وسيلان الدم والمسافة والكلام وأمثال ذلك مما كان تدريجي الحصول.

وبعبارة أخرى أن الآنات والازمنة المتعاقبة وإن كانت في الحقيقة وجودات متعددة إلا أنها متحدة سنخا لكونها على سنخ الاتصال ولم يتخلل بينها سكون فتكون الجميع بنظر العرف موجودا واحدا ممتدا وبذلك يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث أولا فيصدق عليه بقاء ما حدث وتكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة عرفا.

وقد عرفت أن المدار في الاستصحاب على البقاء العرفي لا البقاء الدقي ولأجل ذلك يجري الاستصحاب كما يجري في القسم الأول من الأمور القارة بل ربما يقال بأن الحركة في المقام من الحركة التوسطية لا الحركة القطعية بيان ذلك أن الحركة على قسمين قطعية وتوسطية.

الأولى هي كون الشيء في كل آن أو في حد أو مكان كحركة السائر فانه في كل آن يكون في مكان وما كان فيه في الآن السابق أو في حد إذا كانت الحركة في غير المكان كحركة الطفل أو الشجرة في النمو فانهما ما داما في النمو يكون نموهما في كل آن بحد خاص

٢٠٦

فيكون من قبيل خلع حد وليس حد آخر كما هو كذلك فى الاشتداد في الكيف.

وأما الثانية فهي كون الشيء في المبدأ والمنتهى كالنهار الذي هو عبارة عن كون الشمس بين المشرق والمغرب والليل الذي هو عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق والتصرم إنما يكون في القسم الأول لا الثاني فانه من القار فحينئذ لا قصور في جريان الاستصحاب فيه حيث أنه لما كان بهذا الاعتبار من الامور القارة فيصدق عليها القار حقيقة لا مسامحة.

ولكن لا يخفى أنه لا سبيل الى ذلك حيث أن الحركة التوسطية لا يصدق عليها البقاء الحقيقي حيث أن البقاء الحقيقي عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب والحدود المشخصة في أن حدوثه وذلك لا يصدق على الحركة التوسطية في مثل الزمان والنهار والليل إذ حقيقتها عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل فان الموجود المتحقق في الخارج إنما هو الحصول في حد معين وهو أمر لا قرار له فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة إذ كل واحد منها واقعة بين المبدأ والمنتهى.

فعليه لا معنى للتفكيك بين الحركتين وجعل التوسطية من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي ضمن الحركة القطعية فالحق في المقام ان هذه الشبهة تدفع بما ذكرنا من كفاية الوحدة العرفية الناشئة من الوجودات المتعاقبة مع عدم تخلل السكون بينها في صدق البقاء الحقيقي أو نقول بكفاية الوجودات التدريجية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا في قوله (لا تنقض اليقين بالشك).

المستفاد منه صدق النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي

٢٠٧

فيكون المصحح للاستصحاب حقيقة هو الاتصال الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي بهذا يجري الاستصحاب في نفس الزمان وكذا غيره من الزمانيات التي يعرضه من العناوين الطارئة المنتزعة من مجموع الازمنة المتعاقبة بين الحدين كاليوم والليل والنهار.

فان بهذا الاعتبار يكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود أول جزء منه وبقاءه بتلاحق بقية الآنات وببيان آخر أنه قد عرفت الحركة الاعم من التوسطية والقطعية بأنها كمال أول للشيء الذي يكون بالقوة من حيث هو بالقوة أو بخروج الشيء من القوة إلى الفعلية تدريجا أو يكون الاول في مكان الثاني على اختلاف المشارب وهو على قسمين أما بمعنى التوسط وأما بمعنى القطع والمراد بالاول كون الجسم أو المتحرك هو التوسط بين المبدأ والمنتهى وقد عرف بغير ذلك أيضا.

والحركة بهذا المعنى أمر واحد مستمر بوجود واحد في الخارج فانا نرى عيانا بأن المتحرك له حالة مخصوصة ثابتة من المبدأ الى المنتهى ويرى أنه باق فيما بينهما مستمر من أول المسافة الى آخرها وتلك الحالة أمر واحد بسيط باق بذاته وليس له انعدام وتدرج أصلا بل هو باق من أول المسافة الى آخرها لكن له سيلان بحسب نسبة المتحرك إلى حدود المسافة والاختلاف فيها اعتباران استمرار بالذات وسيلان باعتبار نسبتها الى حدود المسافة.

وهذان الاعتباران يتحققان بصورة واحدة ترتسم في الخيال بل في الحس المشترك أمر ممتد تدريجي الحصول في البقاء وذلك لما ارتسم في الحس المشترك نسبة المتحرك الى الحد الثاني قبل زوال نسبته عن الحد الاول.

وهكذا يقع في الحس تلك النسب مجتمعة بعضها مع بعض في

٢٠٨

الوجود من غير تخلل عدم بينها كالقطرة النازلة يتخيل أنها واحدة والشعلة الجوالة يتخيل أنها دائرة وهذا الأمر المتخيل الممتد يطلق عليه الحركة بمعنى القطع فظهر بذلك أن المراد من الحركة هو القطع أيضا وامتياز المعنى الأول عن الثاني بالاعتبار وأن الثاني عبارة عن أمر ممتد في الخيال يرتسم من الأول ويكون الأول راسما.

وما في الكفاية من أن الحركة القطعية عبارة عن كون الشىء في كل ان في حد أو مكان غير الأول خارج عن الاصطلاح وأن ذلك هو الحركة التوسطية وكيف كان إذا ظهر أن الحركة التوسطية أمر باق بالدقة ليس من الأمور التدريجية فلا نحتاج في جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيات إلى ما تقدم من التمسك بالمسامحة العرفية ولكن التحقيق مع ذلك عدم جريان الاستصحاب في الحركة التوسطية باعتبار انطباقها على حدود المسافة المفروضة نسبته انطباق الكلي على الأفراد بمعنى أنها في كل أن تتحقق بمرتبة من حدود المسافة غير مرتبة الآخرتين منها فيكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي كان الشك في بقائه من جهة الشك في تحقق فرد بعد زوال الأول الذي تحقق الكلي في ضمته فيجيء فيه الاشكال المتقدم فلا يكون المصحح للاستصحاب إلا النظر المسامحي العرفي.

هذا إذا كان الشك في البقاء من جهة الشبهة المصداقية وأما لو كان الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية كما لو شك في أن النهار ينتهي عند غروب الشمس أو عند ذهاب الحمرة المشرقية بعد القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري الاستصحاب لكونه من قبيل العنواني الاجمالي الذي لا يكون مثله له أثر شرعي إذ الأثر الشرعي مرتب على أثر الحدين فلا شك في البقاء ، هذا كله فيما إذا كان الأثر مترتبا على مفاد كان

٢٠٩

أو ليس التامة (١).

وأما لو كان الأثر مترتبا عليه بمفاد كان أو ليس الناقصة فكون

__________________

(١) لا يخفى أنه قد يقال بعدم صحة جريان الاستصحاب فيما كان مفاد كان وليس الناقصة لعدم وجود متيقن سابق إذ القدر المتيقن قد انقضى وانعدم قطعا والمشكوك فيه يشك في أصل حدوثه فلم تتم أركان الاستصحاب فيه ولكن لا يخفى أنه على القول بكون الزمان كاليوم والليل أمرا واحدا حقيقة بما عرفت أنه متصل أناته ولم يتخلل العدم بينها فتكون القضية المتيقنة متحدة مع القضية المشكوكة فيها فلا مانع من استصحابه كما لا مانع من استصحابه بناء على كون الزمان أمرا مركبا من الأناث حيث أن تركبه على هذا القول إنما هو بالنظر الفلسفي وأما بالنظر المسامحي العرفي فهو أمر واحد ، كاليوم مثلا من أوله إلى آخره موجود واحد يوجد بوجود أول جزء منه ثم يبقى مستمرا إلى آخر جزء منه فتكون القضية المتيقنة متحدة مع القضية المشكوكة عرفا لا دقة هذا إذا كان الزمان شرطا لنفس الوجود من دون أن يأخذ قيدا للمتعلق.

وأما إذا كان قيدا لمتعلق الحكم كما في الصلوات اليومية وغيرها مما أعتبر تقييدها بزمان خاص فجريان الاستصحاب فيها محل نظر إذ استصحاب ببقاء اليوم مثلا لا يثبت وقوع الظهرين فيها إلا على المقول بالأصل المثبت.

ومن هنا عدل الشيخ الأنصاري (قده) من استصحاب الزمان إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي فتمسك باستصحاب بقاء وجوب الظهرين.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قده) عن جريان الاستصحاب أن كان المقصود منه استصحاب المحكم لاثبات بقاء نفس الوجوب فلا

٢١٠

الزمان الحاضر من الليل أو النهار أو من شهر رمضان مثلا ففي جريان الاستصحاب أشكال ينشأ من كون مفاد كان أو ليس الناقصة ليس له حالة سابقة حتى يستصحب فان الزمان الحاضر الذي شك في أنه ليل أو نهار حادث إما من الليل أو النهار فلا يقين له باتصافه من الليل

__________________

مورد له لوجود الاستصحاب الموضوعي أي استصحاب بقاء الوقت وهو حاكم على الاستصحاب الحكمي وان كان الغرض منه إثبات وقوع الصلاة في النهار فليس بحجة لكونه مثبتا ولعل ذلك أوجب عدول صاحب الكفاية عنه وتمسك باستصحاب بقاء نفس القيد حيث أن المكلف إذا شك في بقاء نهار شهر رمضان مثلا يصح استصحاب بقاء وجوب الامساك في النهار لأن الامساك قبل هذا الآن كان إمساكا نهاريا فيستصحب بقاءه كذلك ، ولكن ما ذكره (قده) إنما يتم إذا كان متلبسا به.

وأما إذا لم يكن متلبسا به كما إذا شك في بقاء اليوم عند الاتيان بالظهرين فلا يصح جريان الاستصحاب المقيد ضرورة أن المقيد لم يحدث بعد حتى يستصحب بقاءه اللهم إلا أن يقال بجريان الاستصحاب التعليقي فانه يمكن إثبات المقيد به بأن يقال لو كان متلبسا بالصلاة لكان تلبسه بها بالوقت فيحكم ببقائه ، ولكن الكلام في صحة جريان الاستصحاب التعليقي وعلى فرض تسليمه فانما يجري فيما إذا كان الحكم الشرعي المعلق على أمر معلوم الحصول في الزمان الأول وهو مشكوك الحصول في الزمان الثاني لأجل تغيير جانب الموضوع كحرمة شرب العصير العنبي لو غلى فيشك في هذا الحكم المعلق كجفاف العنب وصيرورته زبيبا وليس المقام من قبيل ذلك لأن كون الصلاة والصوم في النهار مثلا ليس حكما شرعيا معلقا على أمر شرعي بل هو أمر خارجى في السابق مثل هذا الزمان المشكوك نهاريته معلوم الحصول على تقدير الوجود وفي نفس

٢١١

أو النهار واستصحاب بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو ليلته حتى يترتب عليه الأثر الخاص من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها ، ولأجل ذلك يشكل الأمر في الواجبات الموقتة كالصلاة اليومية والصوم في شهر رمضان ونحوهما لأجل أن غاية ما يقتضيه

__________________

زمان المشكوك الحصول وليس من قبيل الشك في بقاء حكم شرعي أو موضوع ذي حكم حتى يستصحب وبالجملة أن استصحاب نفس الزمان الذي هو اسم لقطعات الزمان كاليوم والليل والشهر والاسبوع فان كان بمفاد كان التامة فيجري استصحابها لتمامية أركانه حيث أن انطباق هذه العناوين على قطعة من الزمان توجد بأول جزء منه حقيقة ويبقى الى وجود آخر جزء منه ولازم ذلك أن يراد من بقاءه بالنسبة الى تلك القطعات من الزمان استمرار وجودها إلى وجود آخر جزء منه حقيقة.

وإن أبيت إلا عدم الصدق الحقيقى فمن الواضح تحقق العرفي المسامحى وذلك كاف في جريان الاستصحاب.

وأما جريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة فقد وقع الاشكال في أن جريان الاستصحاب لاثبات كون العمل واقعا في الوقت المضروب له شرعا فمبني على إثبات نهارية الزمان الحاضر المشكوك أو ليليته وذلك من الاصول المثبتة الذي لا نقول بحجيتها ، ولكن لا يخفى أن ذوات الآنات المتصلة والمتدرجة في الوجود كما تكون تدريجية الحصول.

كذلك توصف بالنهارية والليلية بوصف تدريجي فتكون حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها فلا مانع أن نقول بأن الآنات السابقة متصفة بالليلية أو النهارية فاذا كانت متصفة سابقا فالشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية لا مانع من استصحابه كما عرفت في استصحاب نفس الزمان فان شبهة الحدوث تندفع بما ذكرنا من أن

٢١٢

استصحاب الليل أو النهار بمفاد كان التامة.

وأما إثبات وقوعها في الليل أو النهار أو شهر رمضان الذي هو مفاد كان الناقصة ليس من الآثار الشرعية وإنما هو من الآثار العقلية ولا يمكن إثبات ذلك حيث أنها من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبذلك لا يترتب عليها الامتثال والخروج عن عهدة المكلف بالموقت.

وبالجملة أن استصحاب مثل الليل والنهار يجرى فيها اذا كان الأثر مترتبا على نفس عنوان وجود الليل والنهار بمفاد كان التامة إذا قلنا بأن وجود الامساك في شهر رمضان موضوعا عند وجود النهار وجواز الافطار موضوعا لنفس وجود الليل بما هو مفاد كان التامة.

وأما فيما إذا كان الأثر مترتبا على مفاد كان الناقصة بأن يكون الأثر مترتبا على زمان يكون متصفا بكونه نهارا أو ليلا فلا يجري بكونه مثبتا.

وأما إذا قلنا بأن وجوب الكفارة موضوعه أن يجامع في نهار شهر رمضان فأى زمان يكون متصفا بكونه نهارا فاستصحاب بقاء النهار لا يثبت نهارية تلك القطعة في الزمان إلا على القول بالأصل المثبت كاستصحاب الكرية تثبت كرية الموجود من الماء إلا على القول بالأصل

__________________

الزمان اسم لمجموع ما بين الحدين فيصح صدق البقاء للزمان بتلاحق بقية الآنات ولحاظ المجموع من جهة كونها متصلة وجودا واحدا ممتدا كذلك فكما صح ذلك في نفس الزمان لا مانع في استصحاب وصف الليلية أو النهارية حيث أن بقاء الوصف بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للآنات السابقة فلو شك في ليلية الزمان الحاضر فلا مانع من استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى الزمان الحاضر وبالجملة لو منعنا ذلك بالنسبة لوصف الزمان منعنا استصحاب نفس الزمان فأفهم وتأمل.

٢١٣

المثبت الذى لا نقول بحجيته اللهم إلا أن يقال بجريان الاستصحاب التعليق في المقام

بتقريب إن هذا العمل الشخصي الموجود الزمان المشكوك نهاريته لو كان موجودا قبل هذا الزمان المشكوك نهاريته لكان صلاة أو إمساكا في النهار والآن كما كان.

هذا تمام الكلام في استصحاب نفس الزمان الذي هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة.

القسم الثاني في الزمانيات التدريجية كالتكلم وجريان الماء وسيلان الدم وأمثالها مما هو تدريجي الحصول فيجري الاستصحاب في الشك في البقاء للزمان التدريجي فيها من غير فرق بين أن يكون الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقاءه على صفة الجريان أو يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع من حركته وجريانه مع القطع لاستعداد البقاء كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو حادث على الداعي الذي اقتضى التكلم.

أو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك وبين أن يكون للشك في كمية المبدأ أو مقدار استعداده كما لو شك في مقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم بناء على حجية الاستصحاب في الشك في المقتضى كما هو المختار.

أو يكون الشك في قيام مبدأ آخر مقام الأول المعلوم ارتفاعه بنحو لا يعد الموجود اللاحق مغايرا كما في مثل تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب لتغير في هيئتها وكما في تبدل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغير الماء وجريانه فانه لا مانع من جريان

٢١٤

الاستصحاب في ذلك.

وأما لو كان الموجود السابق يعد وجودا آخر فلا يجري فيه الاستصحاب إذ هو من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب وعليه لا وجه لما نسب إلى بعض الأعاظم من إطلاق القول بالمنع عن الاستصحاب في الوجه الأول والثاني لجعله من الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب بل لا بد من التفصيل بين الوجهين أي بينما يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة لهيئتها المخصوصة وبين الموجب للتغيير كما لو كان بعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخر مغايرا للموجود السابق كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغييره إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا فيختص المنع عن الاستصحاب بالثاني دون الأول ثم لا يخفى أن الكلام في الأمور التدريجية في الزمانيات كالتكلم والقراءة وجريان الماء والدم وأمثالها من الأمور التدريجية هو الكلام في نفس الزمان أشكالا وجوابا من غير فرق بينهما نعم فصل الأستاذ في الكفاية (قده) بما حاصله أن الشك تارة يكون من جهة طرو ما يمنع من جريانه أو قوة استعداده للجريان مع العلم بمقدار الماء كمية أو يشك في ذلك للشك في أنه بقي في المنبع أو الرحم فعلا شيء من الماء أو الدم غير ما سال أو جرى منهما.

قال (قده) بجريان الاستصحاب في الصورة الأولى واستشكل في جريانه في الثانية خلافا للشيخ الانصاري (قده) حيث قال بجريانه في كلتا الصورتين ومنشأ تفصيل الأستاذ (قده) هو أن في الصورة الأولى يكون الشك ناشئا من الشك في وجود ما يوجب ارتفاعه وانعدامه بقاء مع تحقق المقتضي كالشك في بقاء الحركة أو التكلم من جهة عروض ما يوجب توقف المتحرك أو سكوت المتكلم من تعب أو غيره أو يكون

٢١٥

الشك ناشئا من الشك في مقدار اقتضائه للبقاء والاستمرار فانه بناء على حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي فانه لا إشكال في جريان الاستصحاب لما عرفت أن الاتصال المتحقق في نفس الحركة وفي سيلان السائل من أولهما إلى آخرهما يوجب أن يكون شيئا واحدا فتتحد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة.

وأما الصورة الثانية وهي ما يكون الشك ناشئا من جريان الدم من الرحم أو جريان الماء من المنبع من جهة الشك في حدوث دم آخر غير ما كان جاريا سابقا من الرحم أو الشك في جريان الماء غير ما كان جاريا سابقا من المنبع وفي مثله يكون الشك في الحدوث لكون الماء الحادث حادثا في المنبع غير الماء الخارج وكذلك الدم يكون غير الدم الموجود في الرحم فعليه لا يجري استصحاب الماء الجاري سابقا بل يجري فيه استصحاب العدم لا استصحاب الوجود لحكومة استصحاب عدم الجريان بل لا يبعد أن يكون من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي ولكن لا يخفي أن الصورة الأولى وإن جرى الاستصحاب فيها لاتصال الأجزاء المتعاقبة بنحو تعد الوحدة في الوجود إلا أنه لا يثبت كون الدم الخارج حيضا إذا كان الأثر مترتبا على كون الوجود الخارجي دما متصفا بالحيضية إلا على القول بالأصل المثبت لأن كون الدم الموجود في الخارج من اللوازم العقلية المترتبة على بقاء سيلان الدم من الرحم.

وأما في الصورة الثانية فلا مانع من استصحاب نفس جريان الدم بناء على المسامحة العرفية المتقدمة لأن الجريان المتيقن سابقا وإن كان ثابتا وقائما بشخص ذلك الدم الجاري في الرحم الخارج منه ولكنه لا إشكال في أنه لو لم ينقطع خروج الدم من الرحم كان الجريان باقيا ولو في نظر العرف من جهة الشك في انقطاع الدم فيشك في بقاء

٢١٦

الجريان فنستصحب بقاءه على ما تقدم من المسامحة العرفية المصححة بالاستصحاب في مطلق التدريجات والظاهر أنه ليس من القسم الثالث.

ثم لا يخفى أن الأقسام المتقدمة في استصحاب الكلي من الأمور القارة بالذات تتطرق بالنسبة إلى الأمور التدريجية أيضا فان الشك في بقاء التكلم والقراءة مثلا قد يكون من جهة الشك في بقاء شخص السورة التي كان مشغولا بقراءتها فيكون من قبيل القسم الأول وقد يكون من جهة الشك في أنه هل شرع في سورة أخرى مع القطع بانتهاء السورة الأولى فيكون من قبيل القسم قسم الثالث.

القسم الثالث في استصحاب الامور المقيدة بالزمان بأن يؤخذ الزمان قيدا أو ظرفا للامور القارة بمعنى أن متعلق الحكم الذي هو فعل المكلف الواقع في زمان خاص ففي مثله تارة نشك في بقاء حكم من جهة الشك في بقاء قيده أعني الزمان الذي أخذ قيدا له كما إذا ورد وجوب الصوم إلى الغروب وعلمنا أن المراد من الغروب هو أستار القرص مثلا ولكن شككنا في تحققه فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه أعنى استصحاب بقاء النهار بناء على كون المستفاد من دليل وجوب الصوم وجوبه ما دام النهار باقيا.

وأما لو قيل أن المستفاد وجوبه في كل زمان متصف بكونه نهارا فلا يفيد استصحاب بقاء النهار لاثبات كون زمان المشكوك نهارا إلا على القول بالأصل المثبت وأخرى نشك في بقاء الحكم لا من جهة الشك في بقاء قيده المفروض قيديته بل من جهة أخرى وتفصيل ذلك أنه إذا ورد في لسان الدليل ثبوت الحكم لفعل المكلف في زمان خاص كما إذا ورد يجب عليك الجلوس إلى الزوال في يوم الجمعة فله صور وأقسام.

الأول أن يكون الزمان الخاص قيدا للمطلوب بجميع مراتبه بأن

٢١٧

يكون التقيد به بلحاظ تمام المطلوب وهو الفعل في زمان خاص فلو شككنا بعد انقضاء الزمان الخاص بوجوب الجلوس لكان شكا في حدوث وجوب آخر لجلوس آخر ففي مثله لا إشكال في أنه لا يجري استصحاب بقاء الحكم السابق للقطع بارتفاعه ويجري استصحاب عدم ثبوت حكم جديد.

الثاني أن يكون الزمان الخاص مما يقطع بكونه مأخوذا على نحو الظرفية للمطلوب وبعد انقضائه نشك في بقاء ذلك الوجوب الثابت للجلوس فلا اشكال في جريان استصحاب ذلك الوجوب ولا مجال لاستصحاب العدم فيه لكون المفروض أن الوجوب لو كان ثابتا كان بقاء نفس الحكم الثابت سابقا مستصحبا نعم لو فرض أن الوجوب المشكوك بعد انقضاء الزمان لو كان ثابتا نقطع أنه غير الوجوب السابق فلا مجال لاستصحاب الوجوب السابق لعدم الشك في بقائه بل نقطع بعدم بقائه فيجري فيه استصحاب عدم وجوب الحادث :

الثالث أن يكون الزمان مما علم بكونه قيدا للحكم ولكن شك في كونه قيد أصل الحكم بحيث ينتفي أصل الحكم بانتفاء القيد أو كونه قيدا بخصوص المرتبة الشديدة منه بحيث لو انتفى يبقى بعض مرتبة المطلوب بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة والظاهر لا مانع من جريان الاستصحاب فيه ولكن بالنسبة إلى أصل الوجوب فيكون هذا القسم بالنسبة الى المرتبة الشديدة المقيد بالزمان حكم القسم الأول وبالنسبة الى أصل الحكم حكم ما أخذ الزمان ظرفا.

الرابع ما اذا شك في كون الزمان مأخوذا قيدا أو وظرفا والظاهر أنه كالأول لا يجرى فيه الاستصحاب لأنه مع الشك في اعتبار الزمان قيدا أو ظرفا يكون الموضوع مشكوكا لاحتمال كون الزمان قيدا ومع

٢١٨

الشك في الموضوع لا مجال لجريان الاستصحاب ثم مما ذكرنا ظهر ما في كلام الفاضل النراقي (قده) (١) من القول بتعارض وجوب الجلوس

__________________

(١) نقل الشيخ الأنصاري (قده) عن الفاضل النراقي القول بتعارض استصحاب الوجودى مع استصحاب العدم الأزلي في المسألة المفروضة وهي فيما إذا كان الحكم الشرعي مفيدا بالزمان كما لو ورد دليل على وجوب الجلوس في يوم الجمعة من شهر كذا مثلا الى الزوال ثم حصل الشك في بقاء ذلك الوجوب بعد الزوال فقال أن استصحاب وجوب الجلوس فيما بعد الزوال معارض باستصحاب عدم الوجوب أزلا فيما بعد الزوال فيلزم أن يكون الجلوس فيما بعد الزوال واجبا باعتبار استصحاب الوجودي وغير واجب باعتبار استصحاب العدمي ومثل لذلك أمثلة.

منها إذا حصل الشك في بقاء وجوب الامساك في اليوم الذي وجب فيه الصيام لعروض عارض.

ومنها إذا شك بعد خروج المذى في بقاء الطهارة الحدثية.

ومنها إذا شك في بقاء النجاسة الخبثية بعد الغسل مرة واحدة فعليه تقع المعارضة بين استصحاب الوجودي مع استصحاب العدم الأزلي ومثل هذه الموارد كثيرة في أبواب الفقه وقد أجاب الأستاذ المحقق النائيني (قده) بأن استصحاب العدم الأزلي لا مورد له في المقام إذ العدم الأزلي هو العدم المطلق الذي هو نقيض وجود كل شىء ومن الواضح ينتقض بوجود ذلك الشيء إذ نقيض كل شىء رفعه وإلا يلزم اجتماع النقيضين فحينئذ يكون العدم الأزلي مقطوع الارتفاع فلا يستصحب.

وأما عدم وجوب الجلوس بعد الزوال فليس له حالة سابقة لكى

٢١٩

بعد الزوال مع استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل نعلق الوجوب بتلك القطعة المتيقنة ووجه الأشكال فيه أنه أما أن يلاحظ مجموع الزمان المأخوذ في دليل اجلس من الصبح إلى الزوال ظرفا للحكم أو يأخذ قيد له فعلى الأول فلا جمال لاستصحاب العدم الأزلي قطعا وعلى الثاني فلا مجال لاستصحاب الوجوب قطعا فالجمع بين اللحاظين غير معقول اللهم إلا أن يقال بأن في مثل وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوبه معه وفي الطهارة إذا عرض ما يشك فيها مع عروضه كخروج

__________________

يستصحب إذ هو العدم البديل لوجوب الجلوس المفيد بما ـ بعد الزوال فوجود وجوب الجلوس المفيد بما بعد الزوال لا يتحقق قبله فكذلك عدمه المفيد لا يتحقق قبله لتحقق الوحدة بين النقيضين وبعد معرفة ذلك يرد عليه أن العدم الأزلي وإن كان هو العدم المطلق إلا أن موضوعه يختلف فتارة يكون الطبيعة المطلقة كالرقبة المعدومة وأخرى الطبيعة المقيدة كالرقبة المؤمنة معدومة فكما أن للطبيعة المطلقة عدم أزلي كذلك للطبيعة المقيدة لكون كل حادث مسبوق بالعدم الأزلي فانتقاض العدم الأزلي في كل قضية بوجود موضوعها فاذا وجدت الرقبة في العدم الأزلي المطلق انتقض العدم الأزلي للرقبة المطلقة وأما بالنسبة إلى القضية التي موضوعها العدم الأزلي المقيد فلا ينقض إيجاده بالوجود المطلق وإنما ينقض الوجود المقيد ففيما نحن فيه وجود الجلوس إلى الزوال لا يوجب انتقاض العدم الأزلي من غير فرق بين كونه قيدا إلى الزوال للحكم أو الموضوع فالحق في الجواب ما ذكره الاستاذ (قده) في المثل لا يتعارض بين الأصلين فان الزمان إن أخذ ظرفا للمستصحب لا يجري أصل العدم بل يجري أصل الوجودي وإن أخذ قيدا لا يجري أصل الوجودي للقطع بارتفاعه لأجل ارتفاع قيده فأفهم وتأمل.

٢٢٠