منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

الارتفاع وثانيهما (١) ما اذا كان من قبيل تبدل مرتبة في الشيء بمرتبة أخرى ،

__________________

وشك في ارتفاع النجاسة فعلى القول بجريان استصحاب العدم الأزلي يحكم بطهارته بعد الغسل لأنه حاكم على استصحاب بقاء النجاسة واما بناء على القول بعدم صحة جريانه لا بد من الالتزام ببقاء النجاسة لجريان الاستصحاب.

(١) وكما إذا شك في طهارة صابون ونجاسته من جهة احتمال أن يكون مصنوعا من زيت غير مذكى فيحكم بطهارته لأصالة الطهارة ثم ينجس بنجاسة عرضية.

فالظاهر أنه يحكم بالطهارة بعد الغسل لأصالة الطهارة ولا يجرى استصحاب النجاسة لحكومة اصالة الطهارة الجارية قبل عروض النجاسة مع فرض أن النجاسة العرضية قد ارتفعت بالغسل يقينا.

بقي في المقام شبهة تسمى بالشبهة العبائية وهي أنه لو علم اجمالا بنجاسة أطراف العباءة ثم غسل طرف الأسفل منها فيكون الطرف الأسفل طاهرا قطعا.

إلا انه لا يمنع من جريان استصحاب الكلي للنجاسة المعلوم حدوثها لاحتمال بقائها في الطرف الأعلى فلو فرض ملاقاة اليد لجميع أطراف العباءة فبمقتضى جريان الاستصحاب الكلي هو الحكم بنجاسة الملاقي أيضا مع أنه باطل بالضرورة لوضوح ان الملاقاة الطرف الأسفل لا أثر للقطع بطهارة على الفرض والطرف الا على وان كان محتمل النجاسة.

إلا أنه لا يؤثر بنجاسة الطرف الملاقي لما ذكروه من أن ملاقاة بعض الشبهة المحصورة لا توجب نجاسة الملاقي وبذلك يشكل.

١٨١

هذا كله هو الأقسام المتصورة في المستصحب اذا كان كليا.

__________________

أما أن نقول بعدم صحة جريان الاستصحاب الكلي أو الالتزام بأن ملاقاة بعض الشبهة المحصورة نجسة.

وقد أجاب الاستاذ المحقق النائيني (قده) في الدورة الأولى بأن الاستصحاب الكلي انما يجري فيما إذا كان المتيقن السابق بنفسه مترددا بينما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع كما في مثال الحدث المردد بين الحدث الأكبر المقطوع ببقائه والحدث الأصغر المقطوع ارتفاعه بخلاف ما اذا تردد محل المتيقن ومكانه لا حقيقته كما إذا علم بوجود زيد في الدار وتردد في أن يكون بالجانب الشرقي أو في الجانب الغربى ثم انهدم الجانب الغربي مثلا واحتمل موت زيد من جهة احتمال كونه في الجانب المنهدم أو علم بكون درهم خاص لزيد بين عشرة دراهم لعمرو ثم ضاع أحد الدراهم واحتمل أن يكون هو درهم زيد فان استصحاب الكلي لا يجري في أمثال ذلك إذ الترديد ليس في نفس الكلي وانما هو في محل الفرد المتيقن ومورد الشبهة في هذا المقام من القبيل إذ الترديد ليس في نفس النجاسة بل في محلها وعليه لا يجري استصحاب الكلي فيه.

وقد أجاب (قده) في الدورة الثانية بجواب آخر وحاصله أنه لا أثر لاستصحاب الكلي في مورد الشبهة.

وأما بالاضافة إلى ما يعتبر احراز الطهارة كالصلاة فلأن عدم جواز الدخول فيها مترتب على مر نفس الشك بالطهارة لا على استصحاب بقاء النجاسة.

وأما بالاضافة إلى نجاسة الملاقي فلأن نجاسته مترتبة على أمرين أحدهما نفس الملاقاة وثانيهما احراز نجاسة الملاقاة بالفتح واستصحاب

١٨٢

أما القسم الأول من هذه الأقسام وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي (١) من جهة الشك في بقاء الفرد فلا اشكال في جريان

__________________

كلي النجاسة بالعباءة غير متكفل لاثبات كلا الجزءين وانما هو متكفل لاثبات نجاسة الملاقى فقط.

وهذا المقدار لا يكفي في اثبات نجاسة الملاقي بعد ما لم تكن الملاقاة محرزة ولكن لا يخفى.

أما عن الأول فان استصحاب الكلي وان كان لا يجري في موارد الأمثلة إلّا أنه لا مانع من جريان استصحاب بقاء نفس الفرد المتيقن إلا أن حياة زيد في المثال بما أنها كانت متيقنة سابقا وشك في بقائها وارتفاعها من جهة احتمال موته بانهدام الجانب الغربي لا مانع من صحة استصحاب وترتب آثارها من عدم تقسيم أمواله ونكاح زوجته وغير ذلك نعم في مثل الدرهم الضائع لا يجري الاستصحاب لمعارضته لاستصحاب عدم كونه لعمرو فلو لم يعارضه شيء في مورد يجرى وترتب عليه الأثر.

(١) كما إذا علم بكون خشبة خاصه لزيد بين عشر خشبات مباحة ثم ضاعت احدى الخشبات فانه لا مانع من استصحاب بقاء خشية زيد.

وأما عن الثاني فان موضوع نجاسة الملاقي هو تحقق الملاقي في مورد الشبهة محرز غاية الأمر أن أحد جزئيه محرز بالوجدان والآخر بالأصل حيث أن جزء العباءة كاف نجسا وقد لاقاه الملاقي وجدانا لغرض أنه لاقى جميع اجزاءه فاذا حكم بنجاسته بالاستصحاب ترتب عليه نجاسة الملاقي.

نعم لو كان المستصحب وجود النجاسة بالعباءة لم يمكن اثبات الملاقاة بالاستصحاب إلا أن المفروض جريان الاستصحاب في نجاسة

١٨٣

الاستصحاب في نفس الكلي لترتب أثره الشرعي عليه ولا فرق في ذلك بين ما اذا تحقق الكلي في ضمن فرد وقد شك في بقائه وبينما اذا تحقق في ضمن فردين من الاول وشك في بقاء أحدهما مع القطع بزوال الآخر فانه يوجب الشك في بقاء الكلي بما هو فرد من الوجود أيضا.

__________________

الملاقي على واقعه من غير تمييز فالحق في الجواب هو ان الالتزام بنجاسة الملاقي في مورد الشبهة لا ينافي ما ذكروا من عدم نجاسة ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة أصلا.

حيث ان الحكم بعدم نجاسة الملاقي للشبهة المحصورة مبني على صحة جريان الأصل في طرف الملاقي لما ذكر في محله ان المعارضة انما هى بالاضافة إلى الأصول الجارية في نفس الملاقى بالفتح وأما الأصل الجاري في طرف الملاقي بالكسر يجري فلا معارض فلو فرض في مورد لا يجري الأصل في طرف الملاقي بالكسر.

أما من جهة المعارضة كما اذا فرض ملاقاة شيء لأحد طرفي الشبهة وملاقاة شيء آخر لطرفها الآخر فان الاصل الجاري في ملاقاة أحد الطرفين يعارض الاصل الجاري في ملاقي الطرف الآخر فلا يحكم بطهارة الملاقي كما لا يحكم نفس الملاقي بالفتح ، وأما من جهة حكومة أصل آخر عليه كما في مورد الشبهة فان استصحاب الكلي فيه حاكم على الاصل الجاري في ملاقي بالكسر ورافع لموضوعه لأن نجاسة الملاقي بالكسر أثر شرعي لنجاسة الملاقي بالفتح والمفروض ان الشارع حكم بنجاسته بمقتضى استصحاب كلي وملاقاة الطرف الأسفل لا يؤثر في نجاسته للقطع بطهارته فيوجب العلم بملاقاته فيتحقق موضوع الاستصحاب.

١٨٤

ولكنه لا يجري استصحاب الشخص لاثبات الاثر المترتب على الكلي اذ المفروض ان الاثر ليس مترتبا على الخصوصية فلا يشمله دليل التعبد والتعبد بوجود الشخص ليس تعبدا بوجود الكلي أيضا فما ذكره الشيخ (قده) من أنه لا اشكال في جواز استصحاب الكلي والفرد لا يخلو من المناقشة بالنسبة إلى الفرد إلا أن يكون مراده من استصحاب الفرد اثبات الاثر الشرعي المترتب على الفرد فيما اذا كان الفرد أيضا له أثر شرعي فمنشأ المناقشة ذكر استصحاب الفرد في أقسام استصحاب الكلي.

وأما القسم الثاني وهو ما كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في تحققه في ضمن ما هو مقطوع الارتفاع أو في ضمن ما هو مقطوع البقاء وقد مثلوا له في الفقه بما إذا تحقق الحدث الجامع بين الأصغر المرتفع بالوضوء أو الأكبر الغير المرتفع به فقد ذهبوا فيه أيضا إلى جريان الاستصحاب بالنسبة إلى نفس الكلي الجامع فيترتب عليه جميع الآثار المرتب على نفس الكلي بما هو كلى فيترتب على استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء مانعية الدخول في الصلاة وغيرهما مما يكون للحدث فيه مانعية وانا لم يكن اثبات آثار كل واحد من الخصوصيتين والوجه في جريانه تحقق أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق مع اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة بحسب الموضوع وقد أورد عليه (١) بأن الشك في بقاء الكلي في الآن اللاحق الذي ينقطع بارتفاع

__________________

(١) فحاصله ان الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر كالحدث الاكبر كما لو شك في حدث الأصغر والاكبر فانه لو لا احتمال حدوثه لم يحصل الشك في عدم بقاء الكلي إذ على تقدير حدوث الحدث الاصغر فانا نقطع بارتفاعه فاستصحاب عدم

١٨٥

أحدهما المردد مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر الذي نقطع

__________________

حدوث الحدث الاكبر يكون حاكما على الاستصحاب الكلي لكونه جاريا في السبب فيه ومن الواضح حكومة الاصل الجاري في السبب على الجارى في المسبب.

وقد أجاب الاستاذ المحقق النائيني (قده) بأن حكومة الأصل جارية في السبب على المسبب انما هو فرع جريانه وهو في المقام لا يجري لابتلائه بالمعارض إذ أصالة عدم حدوث الاكبر معارض لأصالة عدم حدوث الاصغر فيبقى الاصل المسببي جاريا بلا معارض.

ولكن لا يخفى أن ذلك انما يتم لو كان لكل من الفردين أثر وأما لو كان الاثر خاصا بأحدهما كما إذا ترددت نجاسة الثوب بين أن يكون بالبول لكي يكون زوالها محتاجة إلى تعدد الغسل وأن يكون بغيره لكي لا تحتاج إلى التعدد فأصالة عدم حدوث الفرد الآخر لا تعارض بأصالة عدم حدوث الفرد المعلوم ارتفاعه على تقدير حدوثه لكي يتساقطا فتصل النوبة إلى الأصل المسببي.

وأما في الموارد التي يكون لكل من الأصلين اثر خاص كما فيما لو تردد الحدث بين الاصغر والاكبر حيث ان الجنب لا يجوز له الدخول إلى الصلاة بغير الغسل والمحدث بالحدث الاصغر لا يجوز له الدخول فيها بغير الوضوء فالاصلان وان كانا متعارضين إلا أنه لا تصل النوبة مع ذلك إلى الأصل المسبب لوجوب ترتيب كل من الاثرين بمقتضى تنجيز العلم الاجمالي.

وقد أجاب المحقق الخراساني (قده) بجوابين :

الأول بأن الشك في بقاء الكلي ليس مسببا عن الشك في حدوث الفرد الآخر بل هو مسبب عن أن المتيقن حدوثه هل تحقق في الفرد

١٨٦

بارتفاع أحدهما المردد مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر الذي نقطع ببقاء الكلي ببقائه لو كان الحادث وحيث كان أصل حدوثه مشكوكا فمقتضى استصحاب عدم حدوثه فانه يرفع الشك المسبب بالنسبة إلى بقاء الكلي كما في جميع موارد شك السبب والمسبب ومن ذلك يظهر أنه لا مجال لاستصحاب الكلي وقد أجيب عنه.

__________________

المتيقن بقائه أو تحقق في ضمن الفرد الآخر المتيقن ارتفاعه واصالة عدم تحقق في ضمن الفرد المحتمل بقائه لا يجري لعدم كونه في زمان كان فيه القدر المشترك موجودا ولم يكن في ضمنه حتى يستصحب عدم تحققه في ضمنه بل القدر المشترك من الاول أما تحقق في ضمن هذا الفرد أو ضمن ذاك الفرد المرتفع على تقدير حدوثه.

ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على صحة استصحاب العدم الازلي فانه لا مانع من جريان استصحاب عدم تحققه في الفرد المحتمل بقائه وهذا المقدار يكفي في المقام إذ المفروض أنه على تقدير حدوثه في ضمن الفرد الاخذ قد ارتفع وجدانا.

الثاني : إن بقاء القدر المشترك ليس مسببا عن حدوث الفرد الباقي بل هو عين بقائه.

ولكن لا يخفى أن هذا ليس جوابا عن الاشكال بل هو مؤكد له حيث ان استصحاب عدم حدوث الفرد المحتمل بقائه لو كان حاكما على استصحاب الكلي على تقدير كون بقائه مسببا عن حدوثه بل هو أولى بالحكومة على تقدير كون البقاء عين بقاء الفرد.

والتحقيق في الجواب ان الشك في بقاء الكلي وان كان مسببا عن الشك في حدوث الفرد المحتمل بقائه إلّا ان كل أصل سببي لا يكون حاكما على الاصل المسببي بل يعتبر في حكومته أن يكون رافعا لموضوع

١٨٧

أولا : بأن الشك في بقاء الكلي ليس مسببا عن الشك في حدوث الفرد المقطوع البقاء بل انما هو ناشئ عن العلم الاجمالي فيكون الحادث هو الفرد المقطوع ارتفاعه أو الفرد المقطوع بقائه وهذا العلم الإجمالي باق بحاله.

ثانيا : على فرض التسليم يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في حدوثه ولكنه ما كان ترتبه عليه شرعيا بل انما هو مترتب عقلي فلا يمكن اثباته إلا على القول بالاصل المثبت وقد أجاب الاستاذ (قدس‌سره) عن كلا الوجهين.

أما عن الأول بأن الشك في بقاء الكلي وان كانا ناشئا من العلم الاجمالي المذكور ولكن هذا العلم الاجمالي لا أثر له بعد جريان اصالة عدم الحدوث في احدى طرفيه لعدم معارضتها بالأصل في الطرف الآخر لعدم الأثر له بعد القطع بارتفاعه فمع الغض عن الاصل المثبت يمكن اجراء أصالة عدم الحدوث بالنسبة الى الفرد الآخر فيرفع به الشك في بقاء الكلي بعد القطع بارتفاع الفرد الآخر.

وأما عن الثاني فبأن كون اصالة عدم حدوث الفرد الآخر لاثبات عدم بقاء الكلي انما يكون مثبتا لو كان عدم الكلي مسببا عن عدم الافراد ومترتبا عليه وهو واضح البطلان لكون عدم الكلي عين عدم افراده

__________________

الاصل الجاري في المسبب لا مثل المقام الذي يكون بقاء القدر المشترك وارتفاعه ليس أثرا شرعيا لحدوث الفرد الباقي وانما هو من آثاره العقلية فعليه لا محذور في جريان استصحاب الكلي كما لو علمنا أن زيدا ملك داره من عمر ثم رجع عنه فشككنا في أنه هل كان هبة ليصح الرجوع ويرجع المال إلى مالكه الاول أو أنه كان صلحا لئلا يصح الرجوع حكمنا ببقاء الملك بعد الرجوع بالاستصحاب.

١٨٨

كما ان وجوده عين وجودها من دون ترتب في البين.

نعم في طرف الوجود يتحقق الكلي بوجود أحد الافراد ولكن في طرف العدم انما يتحقق عدمه بعدم جميع الافراد ولكن لا بمعنى ان عدم الكلي مترتب على عدم الافراد بل بمعنى أن بعدمه يعدم جميع الافراد اذا كان الكلي مرددا بين فردين فعدمه بعين عدمهما معا فاذا أحرز عدم أحد الفردين بالوجدان للقطع بارتفاعه فلا مانع في احراز عدم الآخر لاحراز عدم الكلي بالأصل فيكون من قبل الموارد التي يحرز فيها أحد الجزءين بالاصل والآخر بالوجدان كما لا يخفى.

ثم انه قد يورد على أصل جريان الاستصحاب في الكلي في هذا القسم اشكال آخر وهو أنه لا نسلم اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة بحسب الموضوع في المقام لان ما هو المتيقن سابقا هو ثبوت الطبيعة الكلية بما هو قابل للانطباق على هذا الفرد وعلى ذاك الفرد.

وبعبارة أخرى ما هو المتيقن هو الكلي بما هو مطلق قابل للانطباق على هذه الحصة وعلى تلك وهذا المعنى الاطلاقي بعد القطع بزوال أحد الفردين مقطوع الزوال لا مشكوك البقاء وانما نشك في بقاء الكلي بما هو مهمل المساوق للحصة غير القابل للانطباق على أحد الفردين معينا وهو غير المتيقن سابقا فمتعلق اليقين غير ما هو متعلق الشك فكيف يجري فيه الاستصحاب.

والجواب عن هذا الايراد بأن هذا مغالطة لأن المتيقن في السابق كما كان مرددا بين الفردين فليس مطلقا بمعنى قابليته للانطباق على هذا أو على ذاك بل انما هو محتمل للانطباق على هذا أو على ذلك لأن الغرض كون متعلق اليقين هو الكلي الموجود في ضمنى أحد الفردين المردد بينهما بحيث لو كان في ضمن هذا لم يكن قابلا للانطباق على

١٨٩

ذاك ولو كان في ضمن ذاك لم يكن قابلا للانطباق على هذا.

فالمراد من كونه قابلا للانطباق على هذا وعلى ذاك لو كان هو الامكان الواقعي ممنوع ولو كان بمعنى الاحتمال فهو مساوق للمهملة في عدم قابليته للانطباق ويكون عين القضية المشكوكة وحينئذ ينفي شبهة استصحاب عدم حدوث الفرد الباقي الراجع الى استصحاب عدم حدوث الكلي بالحصة الباقية المحرز به جزء الموضوع مع احراز جزءه الآخر وهو عدم تحقق الكلي إلا في ضمن الفرد الآخر المقطوع بالارتفاع بالوجدان الباقي محرز عدمه بضم الوجدان كذلك يجري استصحاب بقائه بعد القطع بحدوثه مرددا بين الفرديين فحينئذ يتعارض الأصلان فلا يبقى مجال للاستصحاب وجود الكلي مع هذه الشبهة مما يوجب المنع عن الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلي مع أن ظاهرهم التسالم على جريانه.

ولهذا عد من المسلمات بينهم استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بالنسبة إلى من خرج منه رطوبة مرددة بين البول والمني اللهم إلّا أن يقال بأن هذا شبهة في قبال البديهة نعم لا بأس بأن يقال يعد ما لم يكن في البين شك سببي فيجرى الاستصحاب في السببي بحكومته.

ثم انهم قد مثلوا المقام باستصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء لمن حصل له القطع بالحدث مرددا بين الاكبر والأصغر.

ولا يخفى أن العلم بحصوله الحدث المردد تارة يحصل قبل الوضوء وأخرى يحصل له القطع بالحدث بعده.

اما الأول فهو انه ليس من موارد الاستصحاب وانما هو من موارد العلم الاجمالي المنجز للواقع وعلة تامة للزوم الموافقة القطعية فلا يجري الاستصحاب في اطرافه بل المرجع فيه قاعدة الاشتغال كما لا يخفى.

١٩٠

وأما الثاني وهو ما حصل القطع بالحدث الكلي بعد الوضوء على وجه حصل له العلم بعد خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فلا يخلو اما ان يعلم الحالة السابقة واما ان لا يعلم بأن كان مجهولا وعلى فرض العلم بالحالة السابقة فاما أن يكون هو الطهارة وأما أن يكون هو الحدث.

اما إذا علم الحالة السابقة بالطهارة أو كان مجهولا الحال فلا مانع من جريان استصحاب هذا الحدث بما هو كلي وبما هو مانع عن الصلاة بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني واما اذا علم بكون الحالة السابقة هو الحدث فتارة يعلم بكون الحدث الأصغر كما إذا كان محدث بالحدث الأصغر ثم خرج منه بلل مردد بين البول والمني وأخرى يعلم بكونها الحدث الأكبر وثالثة لم يعلم بأنه الأكبر أو الأصغر أما إذا علم بأنه الأصغر كالمثال المذكور فظاهر كلماتهم أنه لا يجري استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بل يجرون استصحاب عدم الجنابة ويقولون بكفاية الوضوء.

وبهذا المعنى بني في ما تقدم بينهم من عدم التزامهم بما أوردناه من الشبهة فان الالتزام باستصحاب عدم الجنابة لا يفيد لاحراز عدم الحدث بما هو كلي بعد الوضوء إلا بما تقدم منا من احراز عدم الكلي بضم الاصل الى الوجدان :

نعم يصح استصحاب عدم تحقق الجنابة وعدم تحقق الحدث الاكبر الموجب للغسل بخروج البلل لو قلنا بأن تحقق سبب الجنابة بعد تحقق سبب الحدث الأصغر يوجب اشتداد الحدث مع بقاء ذات الأصغر فانه بناء على هذا المعنى لا يوجب خروج البلل المشتبه للعلم الكلي الحدث المردد بين الفردين الاكبر والأصغر بل يوجب الشك في اشتداد

١٩١

الحدث الأصغر فحينئذ يكون من قبيل تبدل مرتبة ضعيفة إلى مرتبة شديدة يجري استصحاب عدم تحقق تلك الشدة بل يجري استصحاب بقاء تلك المرتبة السابقة فلا يؤثر إلا في وجوب الوضوء فيخرج مثل المورد عن استصحاب الكلي.

ولكن أنت خبير بأن هذا المسلك مما لم يسلكه أحد ولم يقم عليه دليل أيضا فان الظاهر كون الحدث الاكبر أمرا مباينا للأصغر وانه بمجيء سببه يزول الأصغر رأسا فينقلب بالأكبر المباين ولا أقل من عدم الدليل على أحد الاحتمالين فيوجب الشك.

وعليه عند تحقق البلل المشتبه يحصل لنا القطع بثبوت الحدث الجامع بين الفردين ولو بالنسبة إلى الأصغر بقاء وبالنسبة إلى الأكبر حدوثا ولازمه جريان استصحاب الكلي بعد الوضوء وهو خلاف مبناهم في الفقه وهذا يؤيد ما تقدم من عدم صحة جريان الاستصحاب في القسم الثاني.

وأما اذا علم بكون الحالة السابقة هو الحدث الاكبر فبعد الوضوء لا يجري الاستصحاب من جهة القطع التفصيلي ببقاء الأكبر.

وأما إذا ترددت الحالة السابقة بين الاكبر والاصغر فحاله حال مجهول الحال رأسا وانه يجري فيه استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء فتحصل انه بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني يجري استصحاب الحدث لمن كان مرددا بين الأكبر والاصغر بالنسبة الى بعض الحالات لا الجميع ومن هنا قيده الشيخ ببعض الصور دون الجميع القسم الثالث (١) وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في

__________________

(١) وهو ما يكون الشك في بقاء الكلي ناشئا من احتمال من قيام فرد آخر مقام الفرد الذي علم بتحقق الكلي في ضمه فتارة يكون بقاء

١٩٢

حدوث فرد آخر مع القطع بارتفاع الفرد المعلوم في السابق وهذا على

__________________

الكلي ناشئا من احتمال وجود فرد مقارنا لوجود فرد معلوم واخرى ناشئا من احتمال حدوث فرد آخر مع ارتفاع فرد متيقن حدوثه وثالثة يكون ناشئا من احتمال حدوث مرتبة أخرى من مراتب فرد معلوم عند ارتفاعها فهل يجري الاستصحاب في هذه الأمور الثلاثة مطلقا أو لا يجري كذلك أو يفصل بين الأوليين والثالثة فيحكم بصحة جريان الثالثة دون الأوليين أقواها الأخير.

أما عدم صحة جريانه في الأمر الأول لعدم انحفاظ الاتحاد بين قضية مشكوك فيها وقضية متيقنة مثلا لو علمنا بوجود زيد في الدار فقد علمنا بوجود حصة من الانسان قد تشخصت بخصوصية زيد.

وأما الحصة المتخصصة بخصوصية عمر فلم تكن معلومة لنا وانما يشك في حدوثها أولا فلا تكون الحصة المتيقنة حدوثها متحدا مع الحصة المشكوكة فعليه كيف يصح استصحاب كلي الانسان بعد ارتفاع حصة زيد وهل هو الا تسرية حكم فرد لفرد آخر وبهذا يفرق بين استصحاب الكلي من القسم الثاني واستصحاب الكلي من هذا القسم حيث إن الشك في القسم الثاني انما تعلق بنفس الحصة المعلومة الحدوث في ضمن الفرد المردد من جهة احتمال حدوثها في ضمن ما يحتمل أو تيقن بقاءه بخلاف القسم الثالث فان الشك فيه انما هو في حدوث حصة أخرى غير ما علم بحدوثه وارتفاعه ودعوى ان العلم انما تعلق بارتفاع خصوص الفرد لا الكلي لاحتمال بقائه في ضمن الفرد المحتمل حدوثه مقارنا للفرد المرتفع وانما يمنع ذلك باستصحاب خصوص الفرد لا الكلي.

ومن ذلك يظهر تحقق أركان الاستصحاب حيث ان الشك

١٩٣

قسمين الأول ما اذا شك في حدوث فرد آخر يقطع ببقائه مقارنا لحدوث الفرد الزائل.

__________________

واليقين قد تعلقا بالكلي فالكلي متيقن الحدوث مشكوك البقاء فتكون القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة ممنوعة حيث إن المعلوم وجوده ليس هو الكلي بما هو وانما حصة خاصة منه فالمفروض ان تلك الحصة قد ارتفعت قطعا والحصة الأخرى تشك في حدوثها فليس في البين متيقن لكي يستصحب.

كما أن دعوى ان لازم جريان استصحاب الكلي في مثل المقام هو القول بعدم جواز الدخول في الصلاة بالوضوء قبل الاغتسال فيمن انتبه من نومه واحتمل جنابته لأن المعلوم ارتفاعه حينئذ هو خصوص حدث النوم.

أما كلي الحدث فيحتمل بقائه لاحتمال بقائه ضمن الحدث الاكبر المحتمل حدوثه مقارنا لحدث النوم في غير محله لما عرفت منا سابقا ان وجوب الوضوء موضوعه مركب من الحدث الاصغر وعدم الحدث الاكبر كالجنابة اذ لا يجتمع وجوب الوضوء مع وجوب الغسل اذا التفصيل بين وجوب الوضوء فيما اذا قام المكلف من نومه ووجوب الغسل كما اذا كان جنبا كما هو المستفاد من آية الوضوء قاطع للشركة وعليه في مفروض المسألة الموضوع لوجوب الوضوء متحقق لتحقق أجزاء الموضوع غاية الأمر أحد جزئية وهو القيام من النوم محرز بالوجدان وعدم كونه جنبا محرزا بالاصل فلا ترتبط هذه المسألة بمسألة جريان الاستصحاب وأما استصحاب الكلي في الصورة الثالثة وهو ما اذا كان فرد مشكوكا في حدوثه من مراتب الفرد المتيقن.

فلا مانع من جريانه لتحقق الوحدة المعتبرة بين القضية المتيقنة والقضية

١٩٤

الثاني يشك في حدوث الفرد المعلوم البقاء مقارنا لزوال الفرد الزائل بأن يكون الشك في تبدله بفرد آخر وعدمه.

أما القسم الأول فقد يقال بجريان الاستصحاب لتحقق أركانه من اليقين بالوجود السابق والشك في بقائه مع اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة فيشمله (لا تنقض اليقين بالشك) ولا الاشكال عليه بأن الشك في البقاء مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر والأصل عدمه فقد عرفت الجواب عنه بأنه ليس في البين سبب ومسبب اولا وليس الترتب بينها شرعيا ثانيا.

نعم يشكل عليه بأنه لا مانع من جريان استصحاب عدم تحقق الكلي بضمه مع الوجدان مضافا الى انه يرد في المقام اشكال آخر وهو ان ما تعلق به اليقين سابقا غير ما تعلق به الشك لاحقا قطعا لأن ما تعلق به اليقين وهو وجود الكلي في ضمن حصة خاصة بتحققه في ضمن ما هو المعلوم من الفرد الخاص والمفروض في الآن اللاحق يقطع بزوال ذلك للقطع بارتفاع هذا الفرد وانما يشك في بقاء حصة اخرى في ضمن فرد آخر غير الاول من دون أن يكون ذلك مما قطع بوجوده سابقا

__________________

المشكوكة فان وجود الكلي في المرتبة الشديدة لا يغاير وجوده في مرتبة الضعيفة بناء على اصالة الوجود حيث يكون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك وعليه لو علم بوجود مرتبة قوية من الشك الكثير ثم علم بارتفاع تلك المرتبة واحتمل بقاء مرتبة ضعيفة مقامها عند ارتفاعها فيصح جريان استصحاب بقاء كلي كثير الشك فترتب عليه عند الشك آثاره من عدم بطلان صلاة الثنائية والثلاثية والأوليتين من الرباعية هذا اذا عد عند العرف ان المشكوك من المراتب المتيقنة وأما اذا لم يعد من مراتبه وانما عد مباين له كما قد يقال في المثال المذكورة فلا يجري استصحاب الكلي كما لا يخفى.

١٩٥

فما تعلق به اليقين لم يكن مشكوك البقاء بل انما هو معلوم الارتفاع وما تعلق به الشك في بقائه لم يكن معلوم الثبوت سابقا فلم تكن القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة موضوعا فكيف يجري فيه الاستصحاب.

وأما القسم الثاني من القسم الثالث فعدم جريان الاستصحاب فيه أوضح للقطع بزوال ما هو المتيقن بزوال الفرد بما هو وجود الطبيعة من جهة القطع بتخلل العدم وانما يشك في حدوث وجود فرد آخر من الطبيعة غير الوجود الاول منها وبعبارة أخرى ما هو المتيقن سابقا هو موضوع الأثر وان كان صرف وجود الطبيعة ولكنه لما كان صرف الوجود منطبقا على أول الوجود والمفروض انه قطع بزواله وانما يشك في أنه بعد زوال أول الوجود هل تحقق وجود الطبيعة بثاني وجودها أم لا فمقتضى استصحاب عدم الحدوث اثبات عدمه.

وعلى كل حال قد اختلف متعلق اليقين مع متعلق الشك ولم يكن الموضوع واحدا فلا يجري فيه الاستصحاب فيما اذا كان الفرد المشكوك الحدوث مقارنا لزوال ما هو المتيقن فيكون من قبيل المباين له واما اذا كان الفرد المشكوك الحدوث في آن زوال الأول من قبيل بعض مراتب الاول بأن يكون الكلي نسبته اليهما من قبيل المشكك مثلا لو شك بعد زوال السواد الشديد الذي تحقق الكلي في ضمنه في انه تبدل الى مرتبة ضعيفة من السواد أيضا فان مثل هذا القسم لا يبعد جريان استصحاب الكلي بما هو صرف الوجود فيما اذا ساعد العرف بأن المرتبتين ليس من قبيل المتباينين أو من قبيل اعدام فرد واحداث لفرد آخر مباين بل يرى المرتبة الضعيفة عين المرتبة الشديدة ولو بمعنى ان بين المرتبتين يرى جهة محفوظة بين الشديد والضعيف فيحكم ببقاء الجهة المحفوظة

١٩٦

بين المرتبتين وعليه لا مانع من جريان استصحاب الكلي الذي هو من أقسام المشكك.

ولكن هذا انما يتم اذا ساعد العرف على ذلك. لما عرفت أن موضوع الاستصحاب انما هو موضوع عرفي واما اذا لم يساعد العرف عليه فيكون من قبيل المتباينين فحكمه حكمها كما لا يخفى.

هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الاستصحاب صرف الوجود واما اذا أخذ الكلي موضوعا للحكم. ويترتب عليه الأثر بوجوده الساري بنحو يكون كل مرتبة من وجوده موضوعا للاثر ويكون من قبيل العام الاستغراقي كما مثلناه سابقا بالنجاسة الخبثية باعتبار كونها مانعة من الدخول في الصلاة فالاقسام المتصورة في الكلي وان كان يتطرق فيها الأقسام ولكنه ليس من قبيل الكلي بمعنى صرف الوجود في جريان الاستصحاب فيه بل يكون من هذه الجهة كحكم الجزئي الشخصي فيجري فيه الاستصحاب جريانه في القسم الأول من الأقسام الثلاثة من القسم الثالث من استصحاب الكلي للشك في بقاء شخص ذلك الوجود السابق من الكلي ولا يجري فيه الاستصحاب في القسم الثاني منه ولو قلنا بجريانه بالنسبة الى صرف الوجود.

كما اذا علمنا بنجاسة مرددة بين الثوب والبدن مع غسل البدن بعد ذلك فان هذه النجاسة المرددة بما هي صرف وجود النجاسة لا يكون مانعا وانما يكون المانع نفس ما هو شخص الوجود الواقعي المردد بين البدن والثوب مع القطع بزواله لو كان في البدن والقطع ببقائه لو كان في الثوب فحينئذ يكون من قبيل الفرد المردد بين الفردين فاذا كان من هذا القبيل فلا يتصور الشك في بقاء ما هو المتيقن سابقا بعد زوال أحد الفرديين بل انما نقطع بأنه باق لو كان في ضمن الفرد

١٩٧

غير الزائل وأنه زائل لو كان في ضمن الفرد المقطوع الزوال.

ومن هذا ظهر الحال فيما إذا كان المستصحب جزئيا في قبال الكلي وانه يجري فيه الاستصحاب فيما اذا كان معينا للشك في بقاء ما كان سابقا ولا يجري فيما اذا كان من قبيل الفرد المردد بين الفردين لعدم الشك في بقاء المتيقن بعد زوال أحد الفردين كما أشرنا إليه آنفا.

وحاصله انه ليس لنا شك في بقاء المتيقن المردد بل نقطع بأنه لو كان هذا الفرد الباقي فهو باقي ولو كان الفرد الزائل فهو زائل فمن أين يمكن استصحابه.

(الشبهة العبائية)

ومن هنا ظهر الجواب عما هو المعروف من الشبهة العبائية المنقولة عن السيد اسماعيل الصدر الاصفهاني (قده) من أنه لو كان استصحاب الكلي المردد بين فرد الباقي والفرد الزائل حجة فيلزم محذور باطل.

وهو أنه لو فرضنا انا علمنا اجمالا بنجاسة احد اطراف العباء ثم غسلنا طرفه اليمنى ثم لاقى اليد الطرف الغير المغسول والطرف المغسول يحكم بنجاستها لانه باستصحاب بقاء النجاسة المرددة ولو بعد غسل أحد الطرفين يثبت ملاقاة اليد النجاسة مع الرطوبة بمقتضى ملاقاتها للطرفين فلا بد من الحكم بنجاستها مع أنه لو لاقى الطرف الغير المغسول فقط لا يحكم بنجاسة لعدم تنجس ملاقي أحد طرفي الشبهة المحصورة فيلزم أن يكون ضم الطرف الطاهر يقينا بالطرف المشكوك موجبا للحكم بالنجاسة مع انه من المقطوع انه ليس موجبا للنجاسة وليس له دخل فيها.

وهذا المحذور ينشأ من استصحاب النجاسة الكلية وجوابه ان النجاسة المتيقنة في المقام ليست إلّا فردا مرددا بين فردين وقد عرفت

١٩٨

عدم جريان الاستصحاب فيه فلا مجال لهذه الشبهة على استصحاب الكلي اللهم إلا أن يقال بأن المعلوم بالاجمال عين المتيقن المردد بين الفردين فى الجزئي المردد فى الطبيعة السارية وان لم يكن استصحاب خصوص ما هو المتيقن بما هو شخص خاص بتمام خصوصه.

ولكن اذا كان الشخص موضوعا لاثر شرعي فالحصة من الكلي المتحقق في ضمنه أيضا تحت ذلك الأثر ضمنا فيجب الاجتناب عنه وان كان شخص النجاسة مجهولا.

ولكنه لما كان الشخص مركبا من الطبيعة والتشخص فنفس الطبيعة أيضا كان واجب الاجتناب ضمنا فحينئذ يجري الاستصحاب ولو لم يجر بالنسبة إلى الشخص بخصوصية أنه شخص لعدم الشك في بقاء نفس لتشخص كما تقدم.

فلا مانع من استصحاب مقوم العالي أعني الكلي المتحقق في ضمنه لاثبات الأثر المترتب عليه ضمنا لكونه مشكوك البقاء بعينه بعد ما كان متيقن الحدوث سابقا فلا بد من صحة استصحاب نفس النجاسة الجامع بين الشخصين فى المسألة المعروفة بعد غسل أحد الطرفين لأن يترتب عليه أثره من وجوب الاجتناب عنه وعن ملاقيه فيعود الاشكال.

نعم هذا البيان يتم على مسلكنا من كون مرجع الاستصحاب الى أن المراد من لا تنقض اليقين بالشك معاملة المشكوك منزلة المتيقن بالنسبة الى الأثر.

وأما بناء على كونه راجعا إلى جعل مماثل الحكم السابق فلا يتم هذا البيان ولا يجري استصحاب نفس الجامع الذي كان مترتبا عليه الأثر ضمنا لأنه جعل مماثل للأثر الضمني وهو مما لا يجعل بدليل الاستصحاب لأن الأثر الضمني غير قابل للجعل الاستقلالي بمثل الاستصحاب ولو ظاهرا.

١٩٩

ولكن الأمر بالعمل ووجوب الاجتناب ليس ضمنيا بل يكون استقلاليا لا مانع من اثباته بدليل الاستصحاب وأما الجواب عن هذه الشبهة بناء على مسلكنا المختار ينحصر بما تقدم من عدم جريان استصحاب الوجود في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي بالبيان المتقدم مع أنه يمكن احراز عدم اليقين ببقاء نجاسة العباءة بعد غسل أحد الطرفين وبضم الأصل الى الوجدان يتحقق الموضوع ثم لا فرق في استصحاب الكلي بين ما اذا كان المستصحب موضوعا كليا لحكم شرعي كما تقدم وبين أن يكون حكما شرعيا كليا.

كما إذا علمنا بوجود شيء ولكنه كان مرددا بين الوجوب النفسي والغيري ثم علمنا بأنه لو كان غيريا لزال قطعا من جهة القطع بارتفاع الوجوب عما يحتمل أن يكون ذلك مقدمة له فانه لا مانع من استصحاب نفس الوجوب الكلي الجامع بين النفسي والغيري من غير نظر إلى خصوصية احداهما فيترتب عليه أثر وهو وجوب العمل على طبقه ولزوم اتيانه باتيان العمل ولكن ذلك أيضا على المختار من كون نتيجة الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة.

واما البناء على كونه راجعا الى جعل مماثل فلا يمكن جريانه لانه يلزم أن يجعل جنس الوجوب بما هو جنس الوجوب من غير تقومه بفصل من الغيرية والنفسية لأن مماثل الكلي المتيقن ليس جنس الوجوب وهو غير قابل للجعل بلا جعله في ضمن فصل ولا فرق في عدم قابلية جعل الجنس بلا فصل بين أن يكون حكما واقعيا وبين أن يكون ظاهريا وقصارى ما يتخيل في المقام أنه بعد شمول دليل الاستصحاب له نستكشف بالملازمة العقلية بين تحقق الجنس وبين الفصل للعلم بتحققه في ضمن أحد الفصلين ودفعه انه ان أريد جعله فى ضمن أحد الفصلين بنحو

٢٠٠