منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

ولا الزمان ولا غيرهما من العناوين مع قطع النظر عن جهة الاضافة

__________________

تسمى بالولاية الخاصة.

ولا شك أن الولاية بهذا المعنى من الامور الجعلية المتأصلة في الجعل ومن المناصب الالهية ومن هذا القبيل ولاية الاب والجد على الصغير والوصي من قبل الاب وولاية عدول المؤمنين على الحسبيات عند فقد الحاكم الشرعي.

والذي ينبغي أن يقال في بيان الاحكام هو أن الحكم الذي يحصل من قول من بيده الامر والنهي وما دام لم يصل إلى مرتبة الفعلية لا يقال له حكم فالعلم بالصلاح أو الارادة أو الكراهة ليست احكاما وان سماها بعض من تأخر بانها أحكام اقتضائية وانما هي دواعي نفسانية فيمن تنقدح في نفسه هذه الامور كالنبي والولي وهو على قسمين تكليفي ووضعي.

أما التكليفي فهو ما يتعلق بفعل العبد ابتداء سواء تضمن بعثا مع المنع من الترك فهو الوجوب أو بعثا مع الرخصة في الترك فهو الاستحباب أو يتضمن بعثا على الترك مع عدم الرخصة في الفعل فهو الحرمة وأما أن يتضمن بعثا على الترك مع الرخصة في الفعل فهو الكراهة وأما أن لا يتضمن بعثا أو زجرا بل يخير بين الفعل والترك فهو الاباحة بالمعنى الاخص فاذن الاحكام التكليفية خمسة وجوب وندب وحرمة وكراهة واباحة ويعلم مما ذكرنا أن الوجوب أمر منتزع من رجحان الفعل مع المنع من الترك.

كما أن الاستحباب أمر منتزع من رجحان الفعل مع الرخصة في الترك والحرمة منتزعة من الزجر عن الفعل مع المنع عنه والكراهة منتزعة من الزجر عن الفعل مع الرخصة في اتيانه والاباحة منتزعة

١٤١

فانه ربما يتحقق عنوان ذات المضاف بالنسبة إلى بعض الاشياء ولو

__________________

من التخيير بين الفعل والترك.

وأما الارادة الاكيدة التي هي منشأ إنشاء الوجوب والارادة غير الاكيدة التي هي منشأ الاستحباب هي من الدواعي للوجوب والندب وليست هي المائز والفارق بينهما لكي يكونا حقيقة واحدة يختلفان في الشدة والضعف كما هو رأي بعض المحققين (قده) لما عرفت من أن الحكم إذا لم يصل الى مرحلة فعلية والانشاء لا يقال له الحكم وانما هو اقتضاء انشاء الحكم فهذه امور من الدواعي وليست دخيلة في نفس الحكم على تفصيل ذكرناه في مباحث الالفاظ من الجزء الأول من منهاج الاصول.

وأما الاحكام الوضعية فهي التي لا تتضمن بعثا ولا زجرا وليست متعلقة بافعال العبد ابتداء بناء على أنها منتزعة أو ممضاة أما بناء على الجعل الاستقلالي فهي متعلقة بفعل المكلف ابتداء فيكون المائز بينه وبين الاحكام التكليفية ان التكليفية ملحوظة من حيث الاقتضاء والتخيير دون الوضعية.

وعلى كل فقد اختلف في أنها أمور محصورة في ثلاثة كالشرطية والجزئية والمانعية أو انها خمسة باضافة الصحة والفساد أو ستة بزيادة السببية أو سبعة بزيادة العلية أو المعلولية أو انها لا حصر لها الظاهر هو الاخير اذ كلما لا يكون تحققه منوطا ومشروطا بالامور الاربعة كالبلوغ والعقل والقدرة والعلم فهو حكم وضعي بالغا ما بلغ حتى يمكن ادخال الماهيات المخترعة في الاحكام الوضعية بدعوى أنها مشتملة على الاجزاء والشرائط التي هي من الاحكام الوضعية وإن كان محل نظر وذلك لما عرفته في المباحث السابقة.

١٤٢

لم يكن له جهة اضافة اصلا لا لمكان ولا لزمان ولا غيرهما من العناوين قبل تحقق اضافتها إلى الوجوب أو الواجب فتمام كلامهم انما هو بالنسبة

__________________

وكيف كان فالمراد بالحكم تكليفيا أو وضعيا هو انشاء مجعول شرعي يتعلق في ذمة العبد وعهدة المكلف للمولى سبحانه وبهذا الاعتبار يفرق بينه وبين ما يسمى بالحق حيث ان الميزان في معرفة الحق وتعريفه هو ان الحق مجعول شرعي أيضا لكن للعبد في متعلقه لا للمولى عليه.

وبهذا يتضح لنا ترتب الثمرة المقررة للفرق بين الحكم والحق من أن الحكم لا يقبل السقوط بالاسقاط لأنه تصرف في الحق الالهي وليس للعبد ذلك.

أما بالنسبة الى الحق فحيث أنه تحويل شرعي من المولى للعبد فاذا تصرف فيه اثباتا أو اسقاطا كان ذلك له لان سنخ الجعل التشريعي يخوله ذلك فلا مانع منه.

ويمكن أن يدعى بأن الحق نوع من الحكم له سنخية من الجعل التشريعي خاصة على النحو الذي قررناه من أنه تخويل للعبد على ما تعلق به فهو سلطنة مجعولة فلا نقول انه سلطنة استقلالية بل منوطة بالجعل الشرعي وبهذا نقول ان الحق نوع من الملك بمرتبة خاصة لان ذلك التسلط انما هو لحصول تلك النسبة الخاصة والاضافة القائمة بين الشخص ومتعلقة الذي يتكون منها عنوان الملكية فتلك الاضافة المعبر عنها بالملكية التي حدثت بأسبابها الشرعية هي التي خولت من يسمى بالمالك لأعمال تلك السلطنة الخاصة.

ومجمل القول ان كلا من الحكم والحق والملك مجعول شرعي ولكن الجعل في الحكم والحق جعل ابتدائي وفي الملك جعل امضائي والجعل الابتدائي في الملك لاسبابه الخاصة وبهذا افترق الملك عن

١٤٣

الى ذات المضاف بما هو ذاته.

ثم ان المراد من الحكم الوضعي في المقام عبارة عن الامر الاعتباري الذي تكون واقعيته ليست كواقعية الاضافات الخارجية المتحققة في الاين والمتى والجدة وامثالها من الاعراض المقولية فانه لم يلتزم أحد من القائلين بالجعل والانتزاع بكون حقيقة الملكية أو الزوجية أو الجزئية أو الشرطية أو غيرها مما كانت من الاحكام التي بازائها شيء في الخارج غير منشأها من الجعل أو التكليف.

بل الكل مطبقون على أن حقيقة الامور الوضعية عبارة عن الامور الاعتبارية والاضافات الذهنية التي تتبع منشأ اعتبارها ممن بيده منشأ الاعتبار من الجعل أو التكليف فاذا اتضح ذلك فنقول لا بد من التكلم في كل واحد من الاحكام الوضعية مستقلا فمنها الجزئية للواجب كجزئية السورة للصلاة وتفصيل الكلام فيها أنه لا اشكال في ان حقيقة الصلاة خارجا ليست إلا عبارة عن الامور المتعددة المتكثرة خارجا على وجه الارتباط بها ولا جهة وحدة فيها الناشئ من جهة حيثية خاصة

__________________

الحكم والحق ويفترق الحكم عن الحق تفرقة ذاتية موضوعية لا باللازم والاثر وهو أن الحكم جعل شرعي على المكلف والحق جعل شرعي للمكلف هذا هو الفرق الذاتي الموضوعي.

أما الفرق بينهما في اللازم والاثر فهو أن الحكم لا يقبل السقوط والاسقاط والحق يقبل السقوط والاسقاط والحكم لا ينقل بالنوافل والحق يجوز نقله بالنوافل وهذا واضح لا يعتريه ريب فما ذكرناه في نخبة الاحاديث في التفرقة بين الحكم والحق فانما هو اقتصار على التفرقة باللازم والاثر وهاهنا فرق بينهما ذاتا وموضوعا وأثرا فلا تغفل.

١٤٤

بين تلك الامور كما كان الامر كذلك في مثل اجزاء السرير واخشابه التي لها جهة ارتباط لبعضها بالنسبة الى البعض الآخر من جهة عروض خشبة السرير عليها فانه قد تقدم في بحث مقدمة الواجب عدم كون ذلك ملاكا في اعتبار الجزئية في اجزاء الصلاة فحيث لا يعقل اعتبار الجزئية والكلية في الامور المتكثرة المتباينة بما هي متكثرة فلا بد من اعتبار جهة وحدة فيها يجمعها حتى يصح بلحاظها اعتبار الارتباط فيها وانتزاع الكلية للجميع والجزئية لكل واحد منها فنقول وان كان هنا جهات الوحدة متعددة كوحدة الملاك القائم بالمجموع ووحدة اللحاظ المتعلق بالمجموع ولكنه ليس كلامنا في المقام الا في جزئية الشيء للواجب بما هو جزء له فلا بد وأن يكون الملاك جهة وحدة تعرض على الصلاة من جهة وحدة الوجوب المتعلق بها إذ تعلق وجوب واحد بالامور المتكثرة إنما هو من جهة وحدة يطرأ عليها جهة ارتباط ووحدة باعتبار كونها تحت وجوب واحد وبعد طرو مثل تلك الجهة عليها ينتزع العقل في المرتبة المتأخرة عن ذلك الجزئية لكل واحد من تلك الامور والكلية لمجموعها.

فالجزئية ليست إلا من الامور الانتزاعية العقلية المتأخرة عن الوحدة الاعتبارية الثابتة لمجموع الامور المتكثرة الآنية من ناحية وحدة الامر المتعلق بها فلا تكون الجزئية من الامور المجعولة لا مستقلا ولا تبعا بل ليس فيه إلا جعل التكليف المتعلق بالكل بناء على جعلية التكليف كما لا يخفى ، ومنها الشرطية (١) وهي على قسمين :

__________________

(١) لا يخفى ان الشرط تارة يكون راجعا إلى الجعل وأخرى إلى المجعول وثالثة الى متعلق التعليق.

أما الاول فهو عبارة عن إرادة الأمر بمبادئها من تصور الشيء

١٤٥

أحدهما شرطية الشيء للتكليف والآخر شرطية الشيء لمتعلق

__________________

والتصديق به فالحكم بوجوب الصلاة وحرمة الخمر إنما هو لكونهما معلولين لارادة الحاكم واختياره وليس الوجود الخارجي مأخوذا بنحو العلية بل ربما يكون داعيا لجعل الوجوب أو الحرمة.

وأما الثاني فهو عبارة عن كونها معتبرة في فعلية الحكم كالعقل والقدرة والبلوغ وكالاستطاعة في وجوب الحج ودخول الوقت بالنسبة الى الصلاة إلى غير ذلك مما كانت فعليه الحكم مشروط بتحققها خارجا ومرجعها إلى كون تلك الشرائط قيودا وجودية أو عدمية قد اخذت في موضوع الحكم التكليفي أو الوضعي ولا اشكال في ان هذه القيود سواء كانت وجودية أو عدمية لها دخل في ترتب الاحكام عليها من غير فرق بين كون القيود تسمى بالشرائط كما اصطلح عليه بالنسبة إلى الحكم التكليفي أو بالاسباب كما اصطلح عليها بالنسبة إلى الحكم الوضعي لعدم أثر في الفرق بين هذين الاصطلاحين.

وأما الثالث فهو عبارة عن الامور المعتبرة في متعلق التكليف كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فان مرجعها تقييد المتعلق بالحصة الخاصة المستفادة من التقييد وليس المراد به طبيعة المتعلق حيث أن ذلك راجع للشارع فكما صح له أن يجعل متعلق أمره له سعة واطلاق كذلك له أن يجعل متعلق أمره حصة خاصة مقيدة بأمر وجودي أو بأمر عدمي بنحو يكون التقييد داخلا والقيد خارجا أو بتعبير آخر أن يكون توأما مع القيد ومن هنا صح تعلق التكليف بالمقيد وإن كان نفس القيد خارجا عن قدرة المكلف كالقبلة حيث أن متعلق الطلب وهو الصلاة الى القبلة مقدورا وتكون الصلاة مقيدة بالتوجه إلى القبلة أو بالدلوك منه عنوان السببية واذا قيد بأمر عدمي انتزع منه

١٤٦

التكليف أعني الواجب أما شرطية التكليف كما يقال بشرطية الاستطاعة

__________________

عنوان المانعية وبهذا المعنى صح كون السببية والمانعية ونحوها مجعولة للشارع ودعوى كون السببية تستدعي خصوصية تكوينية الموجب لترتب المسبب على السبب بمقتضى تحقق الربط بينهما كالربط بين العلة والمعلول.

ومن الواضح ان مثل هذا الربط والخصوصية لا تناله يد الجعل التشريعي بل يكون من قبيل تحصيل الحاصل بل يكون أردأ إذ يكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل تكوينا ووجدانا بالتعبد والاعتبار كما هو المنسوب للمحقق الخراساني (قده) ممنوعة لما عرفت من أن الحكم عبارة عن الاعتبار النفساني المظهر بالجعل وعليه يكون فعلا مفيد بجسب ما يراه من اختبار للشارع فله أن يجعل موضوعه مطلقا وله أن يجعل موضوعه مقيدا على حسب ما يراه من المصلحة فمع تقييده بأمر وجودي ينتزع منه السببية كوجوب الصلاة بالنسبة الى الدلوك.

واذا قيد بأمر عدمي انتزع منه المانعية كالامور المنافية للصلاة فيظهر من ذلك أن السببية والمانعية من المجعولات الشرعية غاية الامر يتبع جعل منشأ انتزاعها فكم فرق بين شرائط الجعل وشرائط المجعول فان شرائط الجعل غير قابلة للجعل بخلاف شرائط المجعول فانها تقبل الجعل وجعلها تابعة لجعل منشأها على أن ما ذكره (قده) انما يتم فيما لو كان المقام من العلل التكوينية.

ولكن المقام لما كان حكما شرعيا تكليفيا أو وضعيا ليس موضوعه من علل وجوده إلّا انه لما كان ترتبه عليه كترتب المعلول على علته من جهة عدم التخلف عنه وجودا أو عدما سمي الموضوع في باب الوضعيات سببا كالعقد بالنسبة الى الروحية والملكية وكما سمي قيود الموضوع

١٤٧

لوجوب الحج فمرجع حقيقتها عبارة عن اناطة وجوب الحج بالاستطاعة

__________________

في باب التكاليف بالشرط كالاستطاعة في وجوب الحج ومن الواضح أن القيود المأخوذة في موضوعية الموضوع انما تكون بالجعل الشرعي التبعي من غير فرق بين أن يكون للتكليف او الوضع أو للمكلف به فان السببية والشرطية والمانعية لما لم تكن من قبيل العلل التكوينية وانما هي من قبيل القيود المأخوذة في موضوعية الموضوع من غير فرق بين كونها وجودية أو عدمية قد أخذت موضوعا للحكم الشرعي وضعية كانت أو تكليفية كلها تكون لجعل شرعي وحيث ان معنى جعل الاحكام هو حكم بالمجعولية فلا بد ان يلاحظ من جهة مرجحة لما جعله موضوعا لحكمه.

ومن الواضح ان هذا الجعل يستتبع مجعولية السببية والشرطية والمانعية هذا كله في المجعولات بالتبع.

وأما بالنسبة إلى غير المجعولات كالامور الاعتبارية التي لا واقع لها إلا في علم الاعتبار وليس لها حظ في الواقع وانما تكوينها عين تشريعها كالملكية والروحية والرقية والضمان والحرية والطلاق والظهار والولاية والقضاء والوصاية والوكالة والنيابة والحكومة إلى غير ذلك من الاعتبارات العقلانية التي أمضاها الشارع والاختلاف بين الشارع والعرف في نفي بعض الاشياء عند الشارع وثبوتها عند العرف كما في الخمر والخنزير لا يضر بما أمضاه غاية الامر يكون بالنسبة إلى ما نفى من شيء أو اثبت من شيء على خلاف العرف يكون بالنسبة الى ذلك جعلا تأسيسيا كما لو اعتبر الشارع ولم يعتبره العرف كالطهارة والنجاسة والحدث الاكبر والاصغر فانها من المجعولات الشرعية كالزوجية والرقية.

نعم لو لم يعتبرها الشارع وان اعتبارها العقلاء والعرف فليست

١٤٨

فان وجوب الحج بعد ما كان أمره بيد الشارع فله أن يجعله مطلقا وغير منوط بالاستطاعة وله أن يجعله منوطا فاذا جعله منوطا بها يقول ان استطعت يجب عليك الحج فقد جعل الوجوب منوطا بالاستطاعة بهذا الخطاب الواحد وبهذا الجعل جعل الاناطة أيضا تبعا في عرض جعل الوجوب لا مقدما عليه ولا مؤخرا عنه.

فالاناطة المجعولة تبعا عبارة أخرى عن الشرطية بل عينها فليست الشرطية التي هي شرط للتكليف من الامور الانتزاعية المحضة غير المجعولة ولا من الامور المجعولة الابتدائية الاستقلالية بل من الامور المجعولة التبعية في عرض جعل الوجوب لأن جعل الوجوب المنوط ليس إلا جعل الوجوب والاناطة غاية الأمر جعل الاناطة تبعيا لا استقلاليا بل ربما يقال بامكان الجعل الاستقلالي بتقريب ان السببية لما لم تكن بنحو السببية الحقيقية لعدم معقوليتها حيث ان الجعل مما كان فعلا

__________________

من المجعولات لا امضاء ولا تسبيبا كبعض المناصب العرفية التي منع عنها الشارع ودعوى انكار الجعل ابتداء واستقلالا في الامور المذكورة وانما هي منتزعات من التكاليف ممنوعة اذا ربما يتحقق الجعل مع عدم وجود تكليف كجعل الحجية والطريقية على أنه من الممكن الجعل لابتدائي الاستقلالي مع عدم الحاجة إلى مثل هذه التكلفات خصوصا بعد أن اعتبرها العرف أولا ويرتبون عليها الآثار والظاهر ان الطهارة بقسميها الحدثية والخبثية والنجاسة من الاعتبارات الشرعية المجعولة ابتداء واستقلالا وليسا من الامور الواقعية التي كشف الشارع عنها للزوم أن يكون بدن الكافر مثلا عند اسلامه يتبدل العرض الخارجي الذي هو النجاسة بعرض خارجي آخر الذي هو الطهارة وغير ذلك من اللوازم التي يبعد التزامها نعم يمكن تصحيح هذه الدعوى بأن تكون لها دخل في الملاك بناء على ما هو الحق من تبعية الاحكام الملاكات والمصالح كما لا يخفى.

١٤٩

اختياريا للجاعل فكيف يمكن دخل الدلوك في الوجوب للخصوصية الذاتية أو الحيازة في قولنا من حاز ملك في الملكية وبعد الفراغ عن ذلك فلا بد من الالتزام بكونها مجعولة يعني جعل الملكية أو الوجوب المعلق على الحيازة في الاول والدلوك في الثاني لا بجعل آخر يغاير ذلك وعليه كما يمكن أن يكون مورد الجعل الوجوب وتكون الملازمة ملحوظة تبعا لذلك يمكن أن يكون مورد الجعل نفس الملازمة بلحاظ معناه الاسمي فيكون النظر الى الملازمة استقلاليا والى الوجوب تبعيا.

وبالجملة الوجوب أو الملكية تارة تكون مجعولة مستقلا وأخرى تبعا فان لوحظت مستقلة فهي مجعولة استقلالا وإن لوحظت تبعا فهي مجعولة تبعا وبذلك تكون السببية قابلة للجعل التبعي والاستقلالي وإلى ذلك يرجع ما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية من تقي كون السببية مجعولة ، فان غرضه من ذلك تفي السببية بمعنى المؤثرية التي هي السببية الحقيقية بمعني ترتب عليه الحكم الوضعي أو التكليفي في اناطة الحكم الوضعي أو التكليفي في الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة دون السببية المنتزعة عنها من اناطة الحكم الوضعي أو التكليفي بها في الخطابات الشرعية فانما هي ادعائية لا حقيقية (١).

__________________

(١) لا يخفى ان المحقق الخراساني (قدس‌سره) قال في الشرطية والمانعية والسببية أنها أمور انتزاعية من نفس ما هو الشرط أو السبب أو المانع لخصوصية تكوينية في تلك الذوات بها تؤثر في وجود الحكم التكليفي أو الوضعي ومنشأ انتزاع تلك المفاهيم تلك الخصوصية التكوينية الموجودة فيها فليس في المجعولات في عالم الاعتبار التشريعي مجعول مستقل بدون الخصوصية مع عدمها لا توجد السببية أو الشرطية أو المانعية للتكليف أو الوضع ولو اعتبرها المعتبر الف مرة ومع وجود تلك

١٥٠

وأما شرطية الواجب فقد يقال بأن حالها حال الجزئية وأنه اذا تصور الامر متعلق طلبه جعله مقيدا بوجود شيء على أن يكون القيد خارجا والتقييد داخل ومتعلق طلبة ينتزع بعد الطلب المتعلق بالذات ونستفيد من ذلك القيد الشرطية.

كما أن الامر في المانع كذلك وأنه ينتزع المانعية عن تعلق الطلب بشيء مع تقييده بعدم وجود شيء فانه ينتزع من عدم وجود ذلك الشيء المانعية للواجب كما هو الحال في الجزئية فتكون الشرطية كالجزئية من حيث كونها من الامور الانتزاعية المتأخرة عن رتبة الامر المتعلق بالمقيد بوجود الشيء أو عدمه من غير فرق بينهما.

ولكن لا يخفى أنه فرق بين الجزئية والشرطية إذ الجزئية انما تتحقق بعد طرو الوحدة الحاصلة من تعلق التكليف فيكون التكليف حقيقيا اضافته إلى الواجب بحيث لولاه لما تحقق منشأ اعتبار أصل الجزئية للواجب بخلاف الشرطية فانها متحققة قبل الامر فليست منتزعة من الامر بالمتعلق بحيث يكون المصحح لانتزاعها هو الامر بالمقيد كما هو كذلك فى الجزئية وانما الشرطية أمر ينتزع ويعتبر قبل الامر بالشيء لانها

__________________

فقهرا ينتزع تلك المفاهيم سواء اعتبرها معتبر أم لا وعليه لا يمكن جعل هذه الامور بالجعل التشريعي اذ يلزم أن يكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل تكوينا ووجدانا بالتعبد بل لا يمكن جعل هذه الامور تكوينا بالذات وقد تكون مجعولا قهرا وبالعرض بمعنى أنه يتعلق الجعل أولا وبالذات بنفس ذات الشرط والسبب والمانع الموجود فيها الخصوصية فيكون شرطيتها وسببيتها ومانعيتها مجعولة قهرا أو عرضا ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قدس‌سره) صحيح من باب العلل التكوينية لا بالنسبة

١٥١

عبارة عن نقيد الشيء بقيد على أن يكون القيد خارجا والتقيد داخلا كالصلاة بالنسبة الى الطهارة.

وعليه لا بد أن يكون التقييد متحققا قبل الأمر غاية الامر أنه قبل الامر كان قيدا للصلاة وبعد الامر صار قيدا للواجب بمعنى أن واقع التقييد كان متحققا قبل الامر.

إذ من الواضح أنه لو لم يكن قبل الامر متحققا لم يمكن تعلق الامر به اذ المجعول والحكم لا يمكن أن يكون محققا لموضوعه الذي

__________________

إلى باب الشرعيات حيث أن ترتب الحكم على موضوعه فيها ليس من قبيل ترتب المعلول على علته التكوينية لأن الحكم وضعيا كان أو تكليفيا ليس موضوعه في عالم الاعتبار من علل وجوده ، وانما سمى سببا لكون ترتب الحكم على موضوعه كترتب المعلول عليه في عدم تخلفه وجودا أو عدما والى ذلك أشار الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) أنه وقع الخلط بين علل الاحكام وموضوعات الاحكام فتوهم ان موضوعات الاحكام هي علل الاحكام ولكن يفرق بينهما حيث إن علل الاحكام لا بد أن تكون بنحو التأثير والتأثر وليست صالحة للجعل بخلاف موضوعات الاحكام فانها لا تأثير ولا تأثر بينهما ..

ولكن موضوعية الموضوع بقيوده المأخوذة فيه وجودية كانت أو عدمية للحكم وضعية كانت أو تكليفيا تكون بجعل شرعي ولازم ذلك أن يكون جاعل الحكم ملاحظ الجهة المرجحة لما جعلها موضوعا لحكمه فعليه هذا الجعل يستتبع مجعولية سببية للعقد الموضوع للنقل والانتقال وذلك يستتبع مجعولية الشرطية والمانعية وغيرهما مثل هذه الأحكام الوضعية كالسببية والمانعية والشرطية والجزئية من الاحكام الوضعية المجعولات بالتتبع فافهم وتأمل.

١٥٢

هو بمنزلة علته وعليه لا تكون الشرطية من الامور الانتزاعية بعد الامر إذ الشرطية كالزمان والمكان بالنسبة إلى اضافتها الى الواجب بحسب الرتبة بعد الأمر ولكن ذاتها كانت متحققة قبله فليست الشرطية للواجب بما هو واقع الشرطية منتزعة عن التكليف وانما هي من الامور الواقعية غير المنتزعة فليست مجعولة بالجعل التشريعي.

وبعبارة أخرى أن الجزئية صفة لا تتصف ذات الجزء إلا بعد تعلق أمر واحد بمجموع مركب منه ومن غيره وإلا مع قطع النظر عن تعلق ذلك الامر لا تعتبر جزئية للواجب في البين أصلا بخلاف الشرط والمانع للواجب فانهما أمران واقعيان في الرتبة السابقة على الامر وان كان اضافة الشرطية والمانعية للواجب متأخرة عن وجود الواجب.

ولكن طرف هذه الاضافة الذي هو الشرط والمانع يكون في الرتبة السابقة على الوجوب وبالجملة أن الشرطية عبارة أخرى عن التقييد عبارة عن الاضافة الخاصة الثابتة للشيء بالنسبة الى غيره (١) والغرض

__________________

(١) وحاصله أنه فرق بين الجزئية للواجب وبين الشرطية له ففي الأول أنه لا واقع للجزئية الا بعد تحقق جهة الوحدة الحاصلة من تعلق الامر بالمركب إذ لو لا تحقق جهة الوحدة الطارئة لا معنى للجزئية بخلاف الشرطية والمانعية للواجب فأنهما أمران واقعيان منشأهما نفس الخصوصية التكوينية الموجودة في ذاتهما فليسا من الأحكام الوضعية الموجودة في عالم الاعتبار.

ولكن لا يخفى أن معنى كون الشرط أو المانع للواجب هو أن الشارع جعل الوجوب للمركب مقيدا بوجود الشيء على نحو يكون التقيد له دخل في الوجوب دون القيد.

١٥٣

كونه مما تعلق به الامر فلا بد وأن يكون ثابتا قبل الامر ثبوت الموضوع قبل حكمه كما لا يخفى.

ثم أن الكلام في المانعية والقاطعية هو الكلام في الشرطية فانهما يلاحظان بالنسبة إلى الوجوب وقد يلاحظان بالنسبة الى الواجب فحكمهما حكم الشرطية بالنسبة اليه.

وأما السببية فهي عبارة عما كان ملحوظا بالنسبة الى الحكم التكليفي كسببية الدلوك لوجوب الصلاة وأخرى تلاحظ بالنسبة إلى الحكم الوضعي كسببية البيع للملكية.

أما الأولى فهي عبارة عما يوجب ثبوت ملاك التكليف وكانت مقتضية للتحقق مصلحة توجب التكليف فهي بهذا المعنى لا تكون قابلية للجعل بل أمر ثابت في الشيء علة لاحداث ملاك التكليف فيما يتعلق به.

وأما الثانية فهي من الامور الجعلية الوضعية من قبل الشارع ولو إمضاء أو انها كانت كاشفة عما هو الواقع أو لا.

__________________

ومن الواضح ان نفس التقيد بالوجود أو العدم لا بد أن يكون له دخل في خصوصية الغرض أو الملاك الموجب لحصول المصلحة المترتبة على وجود الواجب ترتبا تكوينيا.

وأما شرطية الشرط ومانعية المانع انما هما أمران اعتباريان مجعولان بجعل الوجوب كما ان ذات الجزء كذلك له دخل في الغرض أو الملاك دخلا ترتيبيا إلّا أن جزئية الجزء أمر اعتباري مجعول بجعل الوجوب وبالجملة دخل الشرط والمانع والجزء في الملاك والفرض على أمر تكويني على نحو واحد كما أن اعتبارها وجعلها من ناحية الشارع مجعولات ، اعتبارية على نحو واحد لا يفرق بين الجميع من الحيثيتين كما لا يخفى

١٥٤

وأما الصحة والفساد فقد ذكرنا في مبحث الصحيح عبارة عن تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة منه ويقابلها الفساد تقابل العدم والملكة ففساد الشيء عبارة عن عدم تماميته بلحاظ الاثر المرغوب فيه. وحيث أن الجهة المرغوبة من الشيء تختلف باختلاف الاغراض فالشىء الواحد يختلف صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض فيكون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ أثر وفساد بلحاظ أثر آخر.

وعليه تختلف صحة الشيء الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه فيكون الحكم بانتزاعية الصحة وواقعيتها من ملاحظة تلك الجهة التي أريد تمامية الشيء بالاضافة اليها فان كانت تلك الجهة من الامور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية والصحة واقعية لأن كون الشيء مما يترتب عليه الملاك والمصلحة أمر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من أمر مجعول.

وهكذا لو كانت الصحة بمعنى المسقطية للقضاء والاعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينه لأن تلك الجهة تكون موجبة للوفاء بالغرض تتكون الصحة والتمامية من الامور الواقعية.

وأما الصحة في المعاملات فهي من الامور المجعولة من التكليف أو الوضع لأنها منتزعة من تلك الجهة فانتزاعية الصحة وواقعيتها تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشيء بالاضافة إليها وعليه لا مجال لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا ولا للمنع من انتزاعيتها كذلك.

نعم لا تكون الصحة من الامور المتأصلة بالجعل تأسيسا بل هي أما واقعية محضة كالصحة بلحاظ الوفاء بالغرض أو المسقطية الاعادة والقضاء ، وأما منتزعه من مجعول شرعي كالصحة من أبواب المعاملات

١٥٥

من العقود والايقاعات.

وأما الطهارة والنجاسة فلا يبعد جعلها من الامور الواقعية كما أفاده الشيخ الانصاري حيث انه قال انها كالنظافة والقذارة العرفية المحسوسة وهي امور واقعية التي يدركها العرف والعقل.

نعم بالنسبة إلى بعض النجاسات كالخمر والكافر ونحوهما كونها من الامور الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع محل اشكال بل هي من الاعتبارات الجعلية الراجعة الى نحو ادعاء منه بنجاسة ما يراه العرف طاهرا كما يشاهد نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق الادعائية للطهارة والنجاسة كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى ومن شغله تنظيف البالوعة واخراج الغائط منها وإباء طبعهم من المؤاكلة مع هؤلاء وكمثل الفلاح المستعمل للفواكه ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ.

ومن الواضح أن ذلك لا يكون إلا من جهة ادعائهم للقذارة في الأول الموجب لترتيبهم آثار القذارة الخارجية عليه وعدم اعتبارهم اياها في الثاني وعليه يكون من هذا القبيل ما حكم الشارع به من نجاسة الخمر والكافر حيث حكم بنجاسة ما لا يراه العرف قذرا فيكون المصحح له هو الادعاء بحيث لو يراه العرف أيضا مما يترتب عليه آثار قذارتهم من دون أن يكون المناط هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكون من الامور الواقعية التي كشف الشارع عنها وبالجملة فرق بين كون الشيء طاهرا أو قذرا خارجيا وبين كونه طاهرا أو قذرا ادعائيا وعليه لا وجه لجعلهما يقول مطلق من الامور الواقعية.

نعم على أي تقدير لا تكون من الاحكام الوضعية لكي يتأتى النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من التكليف اذ هما اما من الامور

١٥٦

الواقعية وأما في الامور الادعائية فعلى الأول لا تكون من الامور الوضعية لعدم ربطها بالجعل وعلى الثاني وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي :

وأما الرخصة والعزيمة فقد عدهما بعض من الاحكام الوضعية ولكن ذلك محل منع اذ الرخصة والعزيمة عبارة عن السقوط على وجه التسهيل وهما من الاحكام التكليفية لا الوضعية.

وأما الملكية والحرية والرقية والزوجية والولاية (١) وغير ذلك

__________________

(١) لا يخفى أن الولاية والامامة والنبوة كل واحد منها على نحوين تكوينية وتشريعية الأولى هي بلوغ النفس للعلم والعمل بوساطة موهبة الالهية لاستعداده الذاتي وحسن ذاتها وبلوغها لأعلى مراتب الكمال بنحو يكون يده التي تبطش بهما وسمعه التي يسمع به وبصره الذي يبصر به وهذه المرتبة هي التي قرنها الله تعالى في كتابه العزيز بولايته وولاية رسوله «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

وبهذه الولاية يكون الولي منصرفا في جميع الاكوان في سمائه وأرضه فبإذنه يبرئ الأكمه والارض ويحيي الموتى ويشق القمر ويجعله نصفين. وهكذا الامر في الخلافة والامامة فهو النحو من مرتبة الولاية من الامور تكوينية.

وأما التشريعية هي الولاية الاعتبارية وتنقسم الى ولاية عامة ولاية السلطان العادل الى النبي (ص) والأئمة (ع) وإلى ولاية خاصة كولاية الحاكم الشرعي على الحسبيات على قول وقول له الولاية العامة وقول ليس له الولاية الا القضاء والافتاء وكيف كان فالولاية بهذا المعنى من الامور الاعتبارية المتأصلة في الجعل كما لا يخفى.

١٥٧

من الاضافات الاعتبارية وهو بنحو اضافة بين المالك والمملوك في الملكية مثلا فلا اشكال في أنه اذا جوز الشارع لأحد التصرف في مال وحرم على آخر فيوجب ذلك نحو اضافة لهذا المال الى هذا الشخص المجاز له التصرف وليت تلك الاضافة لغيره كما أنه لا اشكال في أن تلك ليست جعلية بل هي من الامور المنتزعة من التكليف وانما الاشكال والكلام في أنه هل كان هناك اضافة اختصاص في الرتبة السابقة عن التكليف مجعولة بسبب آخر غيره أو ليست هناك اضافات أخرى غير ما ينتزع من التكليف فنقول ان الكلام في أنه يستفاد من نفس دليل التكليف بثبوت اضافة الملكية في المرتبة السابقة من هذا التكليف فان لسان دليل التكليف انه لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره وانه يجوز لكل أحد التصرف في ماله كما هو مفاد دليل السلطنة فموضوع التكليف هو مال المضاف الى الغير فلا بد وأن يكون اضافة المال إلى الغير ثابتة في الرتبة السابقة على هذا التكليف بداهة تقدم الموضوع على حكمه ولا نعني بالملكية إلا هذه فلا بد وأن تكون في الرتبة السابقة على هذا التكليف وحيث نقول بثبوتها في المرتبة السابقة فاما أن تكون بتكليف آخر فيلزم اجتماع المثلين على شيء واحد وأما أن يكون بجعل ابتدائي للملكية كقوله من جاز ملك مثلا يثبت كونها من الامور الوضعية الجعلية وحيث ان الاول بديهي البطلان فيتعين الثاني وبما ذكرناه ظهر فساد ما قيل في باب وضع الالفاظ من عدم الالتزام بالجعل من الواضع لكل معنى خاص بل انما يثبت الوضع بتعهد منه وارادته الكلية بأنه كلما أراد تفهيم معنى خاص أطلق لفظ كذا.

ثم بعد اظهار هذا العهد كلما أراد بارادة جزئية تفهم المعنى يحصل التفهم بنفس اطلاق اللفظ فيه أو من المستعملين المتابعين ووجه

١٥٨

الفساد أن من الواضح ان الواضع حين ارادته تفهيم المعنى بارادة جزئية لا يكون مريدا للفظ بما هو لفظ وبعنوان الموضوعية بل انما أراد اللفظ بعنوان أنه مرآة وحاك بحيث يكون فانيا في المعنى فيلزم أن يكون المعنى مرادا بنفس تلك الارادة حتى إرادة كونه مفهما فنقل الكلام في تلك الارادة فأما يتسلسل أو ينتهي إلى جعل الوضع الأول ولا اشكال في تعين الثاني لبطلان التسلسل فيتعين الاول وعليه فتكون الهوهوية الحاصلة من كشف اللفظ للمعنى الذي ادعيت في باب وضع الالفاظ فانها أمر واقعي تكويني لا توجد بصرف الجعل والاعتبار الادعائي أي لا تكون الهوهوية المجعولة بين اللفظ والمعنى هو هوية حقيقية مصداقا حقيقيا لمفهوم الهوية بنحو يحمل عليه ذلك المفهوم بالحمل الشائع الصناعي بل يكون فردا ادعائيا لذلك المفهوم وليست من الامور الاعتبارية التي يكون وجوده حقيقة في عالم الاعتبار وانما يكون وجوده تنزيليا ادعائيا وفرق بين الامور الاعتبارية وبين الامور التنزيلية الادعائية بيان ذلك ان الموجودات الاعتبارية التي لا وعاء لها إلا وعاء الاعتبار ويكون تكوينها عين تشريعها وبعد جعلها واعتبارها ممن بيده الاعتبار سواء كان بيد الشارع أو العرف والعقلاء أو شخص واحد كان بيده الاعتبار وبمعنى أن العرف والعقلاء يعتنون باعتباره ويرتبون عليه الاثر يكون موجودا في عالم الاعتبار حقيقة ويكون حال وجودها حال الموجودات الواقعية الخارجية من غير فرق بينهما إلا ان وعاء وجودات الاعتبارية عالم الاعتبار ووعاء عالم الخارجيات عالم الخارج وذلك كاغلب الامور الاعتبارية كالزوجية والملكية والرقية والولاية بمعناها الاعتباري الى غير ذلك من الامور الاعتبارية بخلاف وجودات الادعائية والتنزيلات نفيا كقوله لا شك لكثير الشك وقوله (ع) لا صلاة الجار المسجد

١٥٩

إلا في المسجد وقوله (ع) الطواف في البيت صلاة والمطلقة رجعية زوجة الى غير ذلك أما القسم الاول فالمجعول مصداق حقيقي في عالم الاعتبار يحمل المفهوم عليه بالحمل الشائع حقيقة فالعقد الصحيح الجامع للشرائط والفاقد للموانع على المرأة المعلومة للرجل المعلوم انما هو حقيقة الزوجية له.

وكذلك بعد انتقال المال بأحد أسباب المعاوضات الصحيحة أو الارث أو الحيازة فذلك حقيقة ملكها وهكذا الولاية والقضاء وغيرها من الامور الاعتبارية ودعوى أنها منتزعة من التكليف الشرعي كما يظهر من الشيخ (قده) ممنوعة لمخالفتها للوجدان على أنه لا يتم بالنسبة إلى كون الحيازة سببا للملك بنحو يتحقق فيه التكليف الا بتمحل مضافا إلى أن هذه الاضافة أي اضافة الملكية انما تنشأ وتحصل بجعلها واعتبارها قيل تعلق التكليف مثلا حرمة التصرف في مال الغير دون اذنه نفس المالية تكون موضوعا للحرمة فتكون معتبرة ومتحققة في عالم الاعتبار قبل تعلق الحرمة فكيف تكون هذه الاضافة السابقة على الجعل منتزعة من الامر المتأخر ولو لا ذلك لزم اما أن ينتزع من نفس ذلك التكليف الذى قد عرفت أنه أمر غير معقول أو تكون ناشئة من تكليف آخر فيلزم اجتماع المثلين وهو أيضا غير معقول.

وبالجملة لا مجال لانكار الجعلية بالنسبة إلى هذه الاضافات كالملكية والزوجية والرقية وغيرها بعد كونها مما اعتبرها العرف والعقلاء كما في القضاء والولاية فانهما من الاعتبارات المتأصلة بالجعل كالملكية وليستا منتزعتين من التكليف ولا من الامور الواقعية.

وأما النبوة والامامة الثابتة لبعض الاشخاص لاجل ما له من خصوصية كمال النفس فليست من الامور المجعولة فلا تقاس بالولاية

١٦٠