منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

زال بالشك يجري الاستصحاب فيه فلا بد أن يراد منه معنى آخر يصح اطلاق النقض على رفعه وليس ذلك إلا باعتبار النظر إلى استحكام متعلقه المقتضي للبقاء فينحصر بمورد الشك في الرافع قلت من جهة تعبير الشارع عن مطلق القطع باليقين نستكشف أنه قد جعل كل قطع منزلا منزلة اليقين ادعاء وعناية في كونه غير زائل بتشكيك المشكك فبناء على وجوده عند الشك وجعل الشك بمنزلة العدم يحصل هاهنا ادعاء في ادعاء بمعنى اننا ادعينا أولا بأنا حكمنا بقطع يقين في باب الاستصحاب.

ثم ادعاء آخر أن اليقين أمر مستحكم كالغزل لا يزول بتشكيك مشكك وبعد الادعائيين قد نسب النقض إليه في مقام رفعه.

نعم يبقى في المقام اشكال وهو ان اطلاق اليقين على القطع وان كان مسلما في باب الاستصحاب ولكنه لما كان القطع موجودا للشيء الذى له اقتضاء للبقاء فينحصر زواله باحتمال وجود المانع بخلاف القطع بحدوث الشىء وانه يزول ولو لعدم العلم بتحقق المقتضي للبقاء كما أنه يزول باحتمال عدم المقتضي للبقاء فاطلاق اليقين على الاول أولى ولا أقل من كونه القدر المتيقن فليس لنا دليل على أن المراد باليقين مطلق القطع بحدوث الشيء ولو مع عدم العلم يكون مما له اقتضاء للبقاء.

وعليه فليس لنا دليل على جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في البقاء من جهة الشك في المقتضي بل ينحصر بالشك في المانع وهذا في الحقيقة تقريب آخر للقول بحجية الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع فقط ويمكن دفعه.

١٢١

أولا بالنقض فيما إذا حصل لنا في مورد اليقين حدوث شيء مع الشك في بقائه من جهة المقتضي بحيث كان اليقين بأصل الحدوث باقيا حتى في حال الشك في البقاء على وجه لا يزول بتشكيك مشكك أصلا ومن جهة عدم القول بالفصل بين موارد الشك في المقتضي يتم المطلوب.

وثانيا أن الاستحكام بالقطع بحيث لا يزول بتشكيك مشكك وعدم استحكامه يدور مدار قوة أسبابه من المحسوسات والعقليات البديهية وعدم قوتها من دون مدخلية للقطع ببقاء مقتضى البقاء للمقطوع وعدمه.

فنحصل مما ذكرنا أن القول بالتفصيل بين الشك في المقتضى والشك في الرافع لعدم حجية الاستصحاب في الاول دون الثاني مبني على أمور.

الاول أن حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية كنقض الحبل أو نقض الغزل مما يكون له هيئة اتصالية حاصلة من التفاف بعضه ببعض إلا أنه يمتنع ارادة هذا المعنى في المقام لذا يدور الأمر بين أن يحمل على الأمر الثابت ولو لعدم مقتضية أو رفع الامر الثابت لوجود مقتضية ومن الواضح ان حمله على الاخير هو الأولى لقربه من المعنى الحقيقي ،

الثاني أن المصحح لاضافة النقض إلى اليقين انما هو باعتبار استتباع اليقين للجري العملي على ما يقتضيه المتيقن وليس ذلك باعتبار صفة اليقين إذ من الواضح انه ينتقض نفس اليقين بالشك ولا باعتبار آثار اليقين فاضافة النقض إلى اليقين بلحاظ المتيقن وليس ملحوظا بنفسه ويختص فيما إذا كان المتيقن مقتضيا للبقاء بنحو لو خلي وطبعه لاقتضى

١٢٢

الاستمرار وذلك انما يتصور فيما إذا كان شكا في المقتضي لأن الجري العملي على وفق اليقين باعتبار المتيقن لا يكون نقضا لليقين بخلاف ما إذا كان للمتيقن اقتضاء للبقاء حيث أن الجري العملي ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين باعتبار المتيقن إذ المتيقن غير مقتض بنفسه للجري العملي على وفقه فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء ملازم للشك في صدق النقض عليه فلا يشمله عموم أخبار الباب.

الثالث أنه لو قلنا أن النقض متعلق باليقين إلا أنه لا يصح صدق النقض عليه إلا بوحدة متعلقهما إذ بدونه يكون الشك مجامعا لليقين ولا يكون ناقضا له فتصحيحا لصدق النقض يحتاج إلى وجود مقتضى للبقاء في المتيقن لكونه أقرب لتحقيق اعتبار الوحدة في المتعلقين.

الرابع قد عرفت أن الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو بالمسامحة بحيث يقتضي اليقين وجوده حين حدوثه فيترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى في الزمان اللاحق وهذا انما يكون إذا كان للمتيقن شأنية البقاء والاستقرار لأجل وجود مقتضيه فيصدق لذلك النقض عليه بخلاف فرض عدم وجود المقتضي للبقاء فيه فلا يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهي عنه.

ولكن لا يخفى أن هذه الوجوه الاربعة لا تقتضي تفصيلا في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في الرافع.

أما عن الأول فانه لما لم يمكن ارادة المعنى الحقيقي للنقض فيكون المصحح لانطباقه في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك.

ولذا اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة

١٢٣

اضافة النقض اليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل.

ولذا لا يضاف النقض إلى غيره كالقطع والعلم فعليه لا يفرق بين أن يكون متعلقا بما فيه اقتضاء الثبوت والبقاء وبين أن يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء فعليه لا مانع من دعوى اطلاق أخبار الباب لكل من مورد اليقين لوجود مقتضى البقاء المتيقن في مورد الشك فيه.

ومما ذكرنا يظهر اشكال التقريب الثاني حيث أنه مبني على كون اليقين في القضية ملحوظا بنحو الطريقية إلى المتيقن بلحاظ الآثار المترتبة عليه لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية إلا أنه خلاف الظاهر مما يقتضيه ظهور القضية في كون المتيقن المأخوذ فيه كون اليقين ملحوظا في مقام اضافة النقض إليه على نحو الاستقلال إذ هو مقتضى جميع العناوين المأخوذة في القضية من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن ارادة معناه مستقلا على انه يلزم عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو كان على وجه الطريقية بنحو تمام الموضوع أو جزئه وعدم حكومته على سائر الاصول.

وعليه ان كل من التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على وجه الطريقية وحكومته على سائر الاصول كالشيخ (قده) فلازمه أن يلتزم بأن اليقين في لا تنقض ملحوظا في تعلق النقض به على وجه الاستقلال.

ودعوى بعض الاعاظم (قده) بعد التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب آثار المتيقن المترتب عليه لاجل اليقين التزم بالتفصيل بين الشك في الرافع والمقتضي والتزم بحكومة الاستصحاب على الاصول المغياة بالعلم والمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي ممنوعة إذ مع التزامه بذلك كيف يصحح حكومة

١٢٤

الاستصحاب على سائر الاصول المغياة بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على وجه الطريقية إذ الالتزام يكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام التنزيل لا يناسب القول باعتبار احراز استعداد المتيقن في البقاء مقدمة لسبق النقض وتصحيحا له فالتحقيق في المقام هو ما عرفت من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم وانه في القضية قد أخذ على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ في تعلق النقض به على نحو الاستقلال بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار لا مرآة لمتعلقه وهو المتيقن ولا طريقا لايصال التنزيل إلى متعلقه كسائر العناوين الطريقية ولازم ذلك هو الذهاب إلى عموم حجية الاستصحاب في مورد الشك في الرافع والشك في المقتضي.

وبالجملة أن التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع لا يساعد عليه الدليل وان أخبار الباب مطلقة لا يفرق بين المقتضي والرافع مع أنه لم يعهد من أحد هذا التفصيل في الفقه من أول باب الطهارات إلى آخر الديات كما يظهر للمتبع.

فان قلت بناء على ما ذكرت يصير المعنى نقض نفس اليقين بالشك كما هو ظاهر لا نقض المتيقن بالشك قلت نعم لا بد وأن يكون النقض باعتبار نفس اليقين دون المتيقن لان المتيقن من حيث ذاته لا يصح بنسبة النقض إليه.

فانه لا يصح أن يقال نقض الحجر أو نقض الوجوب أو نقض حياة زيد بالشك بها بخلاف نقض اليقين بالشك فلا بد أن يؤخذ لفظ اليقين في ظرف متعلقه فيصح اسناد النقض باعتباره وطريق أخذه أما أن يكون استقلاليا بمعنى تعلق النقض به بملاحظة نفسه وأما أن يكون آليا ومرآة لمتعلقه به وكلا الجهتين يمكن اعتبارهما فان قلت على الوجه

١٢٥

الثاني يكون متعلق النقض في الحقيقة هو متعلق اليقين والمرئي به إذا اليقين لوحظ مرآة له.

وعليه يجري الحكم منه إلى المتعلق فيعود المحذور قلت لا محذور فيه وذلك لان المرئي قد يتصف بصفة المرآة ويكتسب لونه من جهة شدة اتحادهما بحسب النظر.

كما أن المرآة من هذه الجهة قد يتصف بصفة المرئي ويكتسب لونه ويسري كل منهما إلى الآخر كما هو كذلك في المحسوسات كما يرى لون السراج الكائن في الزجاج الاحمر أحمر من شدة ارتباطهما بحيث صارا ملونين بلون واحد بنظر الرائي فلا مانع في أن يتصف المتيقن بصفة اليقين في الاستحكام وصحة اسناد النقض إليه وهذا بخلاف ذات المتيقن مع قطع النظر عن اليقين فتلخص انه يمكن أن يكون أخذ اليقين بعنوان الاستقلالية ويمكن أن يكون بعنوان المرآتية وتعيين أحدهما دون الآخر يحتاج إلى المرجح لتساويهما بحسب الاحتمال ولا مرجح في البين حسب ما ذكرنا وتفصيل الكلام في ذلك أنه لا اشكال في أن المقصود من نقض اليقين بالشك هو لزوم ترتب الاثر العملي على طبق اليقين على ما سيأتي تفصيله والاعمال المترتبة على اليقين تارة يكون عملا لليقين بمعنى أنه كان من مقتضيات نفس الواقع بحيث كان الواقع بواقعه مقتضيا للعمل ولكن ترتبه عليه فعل مشروط بالعلم واليقين به على وجه كان العلم من قبيل الشرط لترتب أثر المقتضي بالكسر عليه.

فعلى هذا كان اليقين طريقيا محضا كاناطة وجوب امتثال الحكم الواقعي وتنجزه باليقين وأخرى يكون ترتبه على نفس اليقين كترتب المقتضي بالفتح على المقتضي بالكسر بأن يكون نفس اليقين هو المقتضي

١٢٦

والموضوع للاثر كجواز الشهادة والاخبار فانه ليس أثرا للواقع أصلا بل أثر لنفس العلم به بما علم وهذا القسم أيضا ينقسم على ثلاثة أقسام :

أحدها أن يكون اليقين جزء المقتضي أو يكون تمام المقتضي للواقع المعلوم بحيث لا يكون نفس الواقع تمام المقتضي ولا القطع به بل هما معا تمام المقتضي كما اذا كانت الحرمة مترتبة على الخمر المعلوم خمريته.

وثانيها أن يكون القطع بما هو قطع تمام المقتضي ولو مع عدم الواقع باعتبار كونه منورا للواقع وجهة كشف له.

وثالثها أن يكون القطع أيضا تمام المقتضي للعمل بما هو صفة خاصة قائمة بالنفس من دون نظر إلى جهة كشفه.

وأما الثمرة بين القسمين الاول والثاني بأقسامه أنه على القسم الاول لا يمكن أن يثبت بالاستصحاب إلا ما هو من آثار نفس الواقع فلا يمكن اثبات جواز الاخبار والشهادة بالاستصحاب بناء على كون اليقين في دليل الاستصحاب مأخوذا على الطريقية بخلاف ما اذا كان أخذه بعنوان الاستقلالية والموضوعية.

نعم قد يقال بعدم امكان شمول دليل الاستصحاب لليقين الطريقي والاستقلالي معا لاستلزام الجمع بينهما وهو محال لاختلاف النظرين أعني النظر الآلي والاستقلالي فلا بد وأن يكون المراد اليقين الطريقي وان إجراءه بلحاظ اثبات الآثار المترتبة على نفس الواقع بقرينة تطبيق قوله لا تنقض اليقين بالشك على الشك بالحدث بعد اليقين بالوضوء ولا يكون اليقين به الا طريقيا وكذلك الاشكال عند الاصحاب في جريان

١٢٧

الاستصحاب في كلية المسائل الفقهية فيما إذا كان الواقع مما له الاثر وكان اليقين مأخوذا فيه على نحو الطريقية.

ولهذا كان المسلّم عندهم قيام الاستصحاب كالامارات مقام القطع الطريقي الذي كان الاثر مترتبا على الواقع وكان العلم مأخوذا فيه بعنوان الطريقية.

وهذا شاهد على كون المراد من اليقين المأخوذ في المقام هو اليقين الطريقي ومعه لا يمكن ارادة اليقين الاستقلالي للزوم الجمع بين النظرين المختلفين وفيه :

أولا أنه لا اشكال عندهم في جريان الاستصحاب في الموارد التي كان الاثر لنفس الواقع وكان اليقين مأخوذا فيها بعنوان الطريقية كذلك لا اشكال عندهم في جواز الشهادة من جهة الاستصحاب فيجوزون الشهادة بالملكية فيما إذا احرزت بالاستصحاب وكذلك يجوزون للاخبار فيما إذا احرز شيء به مع أنه لا اشكال في أن الشهادة والاخبار من آثار نفس اليقين بالواقع بعنوان الموضوعية دون نفس الواقع.

وهذا دليل على جريان الاستصحاب في مورد أخذ القطع لا بعنوان الطريقية بل أخذ بعنوان الاستقلالية والموضوعية.

وثانيا لا مانع من الجمع بين اليقين الطريقي والاستقلالي في دليل الاستصحاب فيما نحن فيه إلا بناء على اعتبار كون المقصود من الاستصحاب اثبات الاثر الشرعي بأن يكون النظر في التنزيل غير اليقين منزلة اليقين جعل الاثر الشرعي الثابت للمنزل عليه على المنزل كما في مثل الطواف بالبيت صلاة.

وأما اذا كان النظر في دليل التنزيل اثبات الاعمال المترتبة على المنزل بأن يكون مفاد دليل التنزيل هو أمر المكلف بتنزيل شيء منزلة

١٢٨

غيره على وجه كان التنزيل بجعل المكلف لا بجعل الشارع فليس المقصود في مثله إلا مجرد الأمر بجعل المكلف نفسه متيقنا بلحاظ أعماله التي كانت أثرا لليقين ولو بحكم عقله فمرجع الأمر بمثل هذا التنزيل هو الأمر بالعمل الذي كان أثر لليقين الوجداني ومن المعلوم أن عمل المكلف الذي كان يترتب على يقينه هو أثر ليقينه مطلقا سواء كان اليقين طريقيا أو موضوعيا فان كلا منهما كان العمل أثرا لليقين على كل حال وكان دخل اليقين فيه استقلاليا غاية الامر ترتبه على اليقين الطريقي كان من قبيل ترتب المشروط على شرطه.

وفي اليقين الموضوعي كان من قبيل ترتب المقتضي بالفتح على مقتضيه بالكسر وإلّا ففي كون اليقين منظورا فيه استقلاليا لا فرق بينهما.

نعم في المقام اشكال آخر وهو انه لو شمل دليل الاستصحاب اليقين الاستقلالي فيلزم جريان الاستصحاب في كل مورد لم يكن هناك أثر شرعي يترتب على نفس المستصحب أصلا فانه يمكن أن يجري الاستصحاب فيه لاثبات جواز الاخبار عنه باثبات اليقين فيه مع انهم لم يلتزموا به كما أنهم لم يلتزموا كلية في دليل الطرق والامارات إلا فيما إذا كان هناك أثر شرعي لنفس الواقع حتى يكون التعبد بالظهور أو السند لاثبات مثل هذا الاثر فلو كان النظر إلى اثبات آثار نفس اليقين الاستقلالي لكفى جواز الاخبار لاثبات التعبد في جميع تلك الموارد بناء على تتميم الكشف.

ويمكن رفع هذا الاشكال بدعوى انصراف مثل لا تنقض اليقين بالشك في القضايا الشرعية التي كان لها جهة ارتباط بالشارع بما هو شارع كما نقول بمثل هذا الانصراف بالنسبة إلى عدم حجية الأصل

١٢٩

المثبت في باب الاستصحاب على ما سيأتي تفصيله.

وبعبارة أخرى أن قوله لا تنقض اليقين بالشك من قبيل ضرب قاعدة ظاهرية راجعة إلى الأمر بالمعاملة على طبق اليقين السابق وترتب الآثار العملية المترتبة على اليقين بالقضايا الشرعية سواء كان اليقين من قبيل الشرط لترتب الاثر على نفس الواقع أو من قبيل المقتضي له.

ومن ذلك ظهر أن دليل الاستصحاب لا يشمل موارد أخذ اليقين فيها تمام الموضوع للحكم بنحو الصفة الخاصة القائمة بالنفس لعدم كونه متعلقا بالقضية الشرعية لأن الفرض عدم ملاحظة كونه منورا للغير بل لوحظ بما هو صفة قائمة بالنفس والظاهر من جميع موارد أخبار الاستصحاب المأخوذ فيها اليقين هو اليقين الملحوظ نفسه أعم من أن يكون طريقا محضا أو مأخوذا بنحو الاستقلال.

ولعل هذا هو مراد الشيخ (قده) حيث قال : المراد من أحكام اليقين ليس أحكام نفس اليقين إذ لو فرضنا حكما شرعيا محمولا على صفة اليقين يرتفع بالشك قطعا كما لو نذر جعل شيء ما دام متيقنا بحياة ولده بل المراد أحكام المتيقن الثابتة له من جهة اليقين وإن كان ينافيه قوله في تعريف الاستصحاب هو ابقاء ما كان فانه بناء على ما ذكرناه لكان حقيقة الاستصحاب هو الحكم ببقاء اليقين بما حدث لا الحكم ببقاء نفس ما حدث.

ثم أنه بناء على كون المراد من اليقين هو اليقين المرآتي المحض يلزم عدم حكومة الاستصحاب على ساير الاصول العملية لان مفاده ليس إلا اثبات حكم شرعي مماثل لحكم المتيقن في ظرف الشك ودليل البراءة ينفيه فيقع بينهما المعارضة دون الحكومة وهذا بخلاف ما ذكرنا

١٣٠

من أن مفاده الامر بالمعاملة بلسان ابقاء اليقين بالواقع فان حكومته عليه واضحة لا تحتاج الى بيان.

الاحكام الوضعية والتكليفية

ثم انك قد عرفت فيما تقدم بأنه لا فرق في حجية الاستصحاب بين الأحكام التكليفية وبين الاحكام الوضعية ولو على القول بكونها من الامور العقلية المنتزعة من الاحكام التكليفية يجري فيها الاستصحاب بناء على ما تقدم من عدم الاحتياج إلى أثر شرعي في الاستصحاب بل انما كان مفاد دليله هو الامر بالمعاملة على نفس اليقين.

ولكنه لما جرى بناؤهم على تحقيق الأحكام الوضعية في المقام وأنها هل هي مجعولة بجعل الشارع كالاحكام التكليفية أو هي من الامور المنجعلة بجعل الاحكام التكليفية بمعنى كونها منتزعة من الاحكام التكليفية عقلا فنحن أيضا تقتفي اثرهم تأسيا بهم فنقول قبل الشروع في تحقيق الحق لا بد لنا من تقديم مقدمة وهي :

أنه من المسلّم عندهم جعل الحكم التكليفي فلا بد من شرح مرادهم في حقيقة الجعل الذي يقولون به في الحكم التكليفي حتى يتضح به ما هو محل النزاع في الحكم الوضعي.

فنقول حقيقة الجعل في الامور التي جعلها بالانشاء سواء كان بجعل الشارع كقوله (من حاز ملك) أو كان بجعل غير الشارع كجعل الملكية والزوجية بالعقد عبارة عن أن يقصد الجاعل تحقق حقيقة ذلك العنوان الجعلي مطلقا سواء كان منشؤه الفعلي أو القولي وكونه من الامور الجعلية بالانشاء لا بد وأن يكون من الامور القصدية بمعنى أن حقيقتها

١٣١

لا يتحقق إلا بقصد تحققها بانشائها كعنوان التعظيم والتوهين وأمثالهما وهذا بخلاف الامور التكوينية الخارجية أو العقلية فانها ربما تحقق بلا ارادة وقصد من الفاعل كالقتل أو الضرب وأمثالهما اذا عرفت ذلك فاعلم أن في باب التكاليف عناوين متعددة منها الارادة الكائنة في نفس الامر التي هي قوام حقيقة التكليف به.

ومن الواضح انها ليست من الامور الجعلية الانشائية بل هي من الامور التكوينية المتحققة بأسبابها من العلم بالمصلحة ومنها عنوان الطلب وقد تقدم سابقا أنه عين الارادة ومنها اظهار الارادة والاعلان بها بالقول أو بالفعل.

ومن الواضح أن تحقق عنوان الاظهار والاعلان تابع لدلالة اللفظ أو الفعل المتوقف على علم المخاطب بالوضع من دون ارتباط له بالأمر أصلا بل يتحقق الاعلام بنفس التكلم باللفظ.

ومنها علم المكلف بالارادة والظاهر أنه يحصل له العلم بها بنفس اقتضائه إلى المظهر بعد ما علم من دون ربط له بالأمر.

ومنها المفاهيم المنتزعة عن حكم العقل بوجوب الامتثال بعد العلم بالارادة كل باعتباره وبيانه أن المكلف بالفعل قبل علمه بارادته يرى نفسه في سعة بالنسبة إلى طرفي مقتضي الفعل فمن هذه الجهة يرى نفسه قادرا على الفعل والترك.

وبعد أمر المولى يراها في كلفة بالنسبة إلى الفعل فمن هذا ينتزع عنوان التكليف وأيضا يجد الفعل كأنه مما لا يقدر على تركه ولو من جهة اقتضائه الامر بحكم العقل بوجوب الامتثال ولهذا ينتزع عنه الوجوب وأيضا يرى نفسه كأنه ملزوم بالاتيان بالفعل.

١٣٢

ومن هذه الجهة ينتزع عنوان اللزوم وأيضا بملاحظة أن عمل المكلف معلول للعلم بارادة المولى فيرى العمل للمولى فمن هذه الجهة ينتزع عنوان البعث والتحريك وعلى كل تلك العناوين الانتزاعية العقلية المتأخرة عن مرتبة أمر المولى وانشائه فلا يكون منشأ لها قابلا للجعل أصلا فما اشتهر في الالسن من أن التكاليف من الامور الجعلية لا واقع له.

نعم لا بأس بأن يطلق عليها الجعلية بمعنى الادعاء وبالجملة أن التكاليف لا ترتبط بالامور الجعلية حيث انها اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقيقتها بنحو يكون القصد والانشاء واسطة في ثبوتها بحيث لو لا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في وعاء الاعتبار المناسب لها كالتعظيم والتوهين ونحوها من العناوين التي يكون الجعل مصححا لاعتبارها كما انها ليست من الامور الانتزاعية التي هي تابعة لمنشا الانتزاع قوة وفعلا.

وبهذا ظهر عدم تصور الجعلية بالمعنى الذي ذكرناه في الاحكام التكليفية في شيء من مراتبها.

أما مرتبة المصلحة والعلم فهي غير قابلة للجعل. كما أن مرتبة الارادة التي هي حقيقة التكليف واضح انه غيره قابل للجعل اذ انها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم بالمصلحة فلا ربط لها في مقام الانشاء كما ان مرتبة الانشاء المظهر للارادة ليست من المجعولات حيث أنه أمر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتبارات الجعلية.

وأما مرتبة الايجاب والبعث واللزوم التي هي من العناوين المنتزعة من اظهار الارادة بالانشاء القولي أو الفعلي أيضا لا ربط له بالجعليات حيث أنها اعتبارات منتزعة من اظهار الارادة الخارجية كما

١٣٣

أن حكم العقل بلزوم الاتباع بامتثال الأمر بداعي الاعلام بارادته.

نعم لا بأس بدعوى الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ ايجاد المنشأ القهري لا القصدي والظاهر أن ذلك خارج عن الجعل التشريعي ومما ذكرنا ظهر فساد ما قيل في جعل الاحكام التكليفية نظرا الى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزعة من مرحلة الامتثال بنحو لو لا الانشاء لما كان لاعتباره محل لما عرفت ان هذه المرتبة متأخرة عن الجعل فكيف تكون قابلة للجعل هذا كله في باب الحكم التكليفي.

الأحكام الوضعية

وأما الحكم الوضعي فقد اختلفوا فيه بين قائل بالجعل مطلقا وقائل بعدمه مطلقا وقائل بالتفصيل بين الجعل في بعضها وعدمه في بعض آخر وجوه واحتمالات لا بد من التكلم في كل واحد منها وقبل تنقيح المختار لا بد من بيان ما هو المحل للنزاع في المقام فنقول أنه لا اشكال في تغاير مفهوم الحكم الوضعي ومفهوم الحكم التكليفي فان أحدا لم يتوهم ان مفهوم جواز التصرف في المال عين مفهوم الملكية أو مفهوم وجوب الصلاة عين مفهوم الكلية ومفهوم وجوب السورة فيها عين مفهوم الجزئية وإلا يلزم أن يكون المفهوم أمرا غير اعتباري ولم يلتزم به أحد كما هو واضح.

فالقائل بانتزاعية الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي ليس مراده كونه عين الحكم التكليفي مفهوما بل الظاهر اتفاقهم على تغايرهما مفهوما.

كما أن من الواضح أن القائل بكونها منتزعة عن التكليف وكذا

١٣٤

القائل بأنها ليست منتزعة عن التكليف ليس مرادهم من حيث اضافتها إلى التكليف بما هو حيثية الاضافة بل مرادهم في ذلك ذات المضاف مع قطع النظر عن حيثية الاضافة فيه.

بيان ذلك أنه اذا فرضنا أن الآمر اذا أمر المأمور بشيء في مكان وفي زمان فلا اشكال في أنه كان بعد هذا الأمر اضافات اضافة الى الوجوب وكذا إلى الواجب وتمام تلك الاضافات متأخرة عن الوجوب وفيها اضافة المكان إلى الوجوب فيقال مكان الوجوب ومنها اضافة الزمان إليه فيقال زمان الوجوب ومنها اضافتها إلى المأمور فيقال مكان المأمور وغير ذلك من الاضافات الحاصلة لاثبات الوجوب أو الواجب ولا اشكال في أن انتزاع تلك الاضافات في المرتبة المتأخرة عن التكليف منها منتزعات عن التكليف قطعا.

وهذا المعنى ليس مراد القائل بانتزاعية الحكم الوضعي قطعا بل مراده هو انتزاعية نفس المضاف إلى الوجوب أو الواجب مع قطع النظر عن حيثية اضافة إليه فيكون مراده هو انتزاعية نفس السبب أو المانعية أو الشرطية للوجوب وكذلك النزاعية نفس الجزئية أو الشرطية أو المانعية للواجب بما هو نفس تلك العناوين من دون نظر إلى حيثية اضافتها الى الوجوب أو الواجب المشترك في انتزاعية مثل تلك الاضافات في تمام الاشياء الموجودات في العالم بالاضافة إلى الوجوب أو الواجب وبعبارة أخرى (١) إذا قيل سببية الوجوب أو شرطية أو مانعية أو

__________________

(١) لا يخفى أن الاحكام الشرعية تنقسم إلى التكليفية والوضعية بناء على ما هو الحق من أن الحكم هو الامر النفساني المبرز بالانشاء بمعنى أن للشارع جعلا ناشئا عن ارادة واختيار يقتضى البعث والزجر والتخيير تارة وغير مقتضى له أخرى.

١٣٥

ملكية المباح أو شرطية الواجب أو جزئيته يراد منها حيثية اضافة هذه الاشياء الى الحكم أو متعلقه كما في مثل غلام زيد فلا اشكال في أن الاضافة بين الشيئين لما كانت قائمة بهما فلا بد وأن تكون متأخرة

__________________

وأما بناء على كون الحكم الشرعي عبارة عن الارادة والكراهة أو الرضا بالفعل أو الترك فلا علاقة له بهذا التقسيم وعلى ما ذكرنا يكون الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي هو أن الاول يتعلق بافعال المكلفين على نحو الاقتضاء والتخيير كما اذا اعتبر الفعل في عهدة المكلف على نحو يقتضي ايجاده ولا يرضى يتركه فيتصف الفعل بكونه واجبا أو يعتبر حرمان المكلف من الفعل على نحو يقتضي تركه فيتصف الفعل بكونه محرما اتيانه أو يعتبر اطلاق المكلف وعدم تقيده بوجه فيكون الفعل مخيرا بين اتيانه وعدمه.

وأما الثاني ليس له تعلق بفعل المكلف أصلا كما في اعتبار الملكية والزوجية وغير ذلك مما لا تعلق له بفعل المكلف أوله تعلق بفعله إلّا أنه ليس على نحو الاقتضاء والتخيير كما في اعتبار عدم الاكل والشرب في الصلاة.

ثم أن الاحكام التكليفية تارة تكون على موضوع مقدر الوجود على نحو القضايا الحقيقية كوجوب الحج فانه مجعول على نحو مقدر الوجود كالمستطيع وأخرى يكون الوجوب على موضوع شخصي كوجوب الجهاد على شخص معين أو أشخاص معينة يعينها النبي (ص) أو الامام عليه‌السلام.

وأما الاحكام الوضعية تارة تكون مجعولة على موضوع مقدر الوجود كالولاية فان موضوعها هو الناظر في حلالهم وحرامهم والعارف باحكامهم مع اجتماع بقية الشرائط.

١٣٦

عنها سواء كانت من الأمور الاعتبارية المحضة أو كانت من الامور الخارجية التي لها حظ من الوجود في الخارج ومن الواضح أن مثل

__________________

واخرى تكون مجعولة لشخص خاص كمثل مالك الاشتر حيث ولاه أمير المؤمنين (ع) وقد خالف بذلك الاستاذ المحقق النائيني (قده) فقال بأن المجعولات الشرعية انما هي على نحو القضايا الحقيقية التي تكون مرتبة على موضوعات مقدر الوجود ولا تجعل مرتبة على الموضوعات الخارجية.

والظاهر أن ذلك التزام بلا ملزم لما عرفت أن المجعول الشرعي على نحوين ثم ان الماهيات المركبة عبارة عن أمور متعددة يتعلق بها الحكم خارجة عن حدود الجعل الشرعي نعم متعلقه الجعل الشرعي خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) حيث قال أن للشارع ماهيات متعددة ومقولات مختلفة فله أن يجعلها ماهية واحدة باعتبار ملاحظتها شيئا واحدا.

ولكن لا يخفى اعتبارها أمرا واحدا متعلق بها الجعل التشريعي وهي في حد نفسها خارجة عنه وتعلق الامر بها لا يقتضي تعلق الجعل التشريعي بذاتها حيث أنه عبارة عن الوجوب والحرمة والملكية والزوجية وغيرها انما هي معاني نفسانية تظهر في الخارج فتكون من مصاديق التكليفية أو الوضعية ومعه ينحصر الجعل التشريعى بالاحكام التكليفية والوضعية.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الاحكام الوضعية منها ما يكون مجعولا بتبع جعل منشأ انتزاعه كالجزئية والشرطية والسببية والرافعية والمانعية المنتزعة مما اعتبر في موضوع الحكم أو متعلقه ومنها ما يكون

١٣٧

ذلك المعنى من الامور الانتزاعية التي كانت تابعة لتحقق طرفيها فليس مراد من يقول بجعلية الحكم الوضعي في قبال القائل بانتزاعية هذا المعنى قطعا بل انما نزاعهم وكلامهم بالنسبة إلى نفس المضاف وذاته

__________________

مجعولا مستقلا كالملكية والزوجية والحرية والرقية والولاية.

ومن هذا القبيل أيضا الطهارة والنجاسة والصحة والفساد من الاحكام الظاهرية ودعوى الشيخ الانصارى ان الطهارة والنجاسة بانهما من الامور الواقعية التي كشف عنها الشارع تنظيرا للمقام بحكم الطبيب حيث أنه يكشف عن واقع الأدوية وحقيقتها فيخبره عن آثارها.

ولكن لا يخفى عدم اختصاص ذلك في الطهارة والنجاسة فان ذلك عام يجري في جميع الأبواب فان وجوب الصلاة وحرمة الخمر تنشأ عن خصوصية واقعية فيهما كذلك الحكم في الطهارة والنجاسة لا بد أن ينشأ عن خصوصية واقعية ولا ملزم بالالتزام بكون النظافة أو القذارة لواقعية.

ولذا الحكم بالطهارة أو النجاسة للمشكوك فيه ليس ناشئا من النظافة أو القذارة الواقعية فيما إذا فرض مخالفة الحكم للواقع ودعوى أن الحكم بذلك ليس حكما حقيقيا وانما هو من باب تنزيل المشكوك فيه منزلة الواقع ممنوعة إذ لا معنى للتنزيل الا الحكم يترتب آثار الواقع على المشكوك وفي المقام لا يمكن الالتزام به.

فعليه أن الطهارة والنجاسة من قبيل الاحكام الشرعية مجعولة للشارع.

وأما الصحة والفساد فقد يفصل بين العبادات والمعاملات بأن يقال في العبادات انهما أمران منتزعان من مطابقة المأتي به للمأمور به في الخارج وعدمها.

١٣٨

مع قطع النظر عن جهة الاضافة فانه ربما يتحقق عنوان ذات المضاف

__________________

ومن الواضح أن المطابقة وعدمها من الامور الواقعية التي لا تنالها يد التشريع.

وعليه فلا تكون الصحة والفساد في العبادات مجعولتين من الشارع لا استقلالا ولا تبعا وهذا بخلاف المعاملات فان الصحة والفساد منتزعان من ترتب الاثر على موضوعه من حصول الملكية والزوجية وعدم ترتبه.

ولكن لا يخفى ان المنصف بالصحة والفساد في المعاملات ليس إلا الموجود الخارجي كما هو الحال في العبادات فان كان ما جعله الشارع مملكا منطبقا عليه حكم بصحته وإلّا فلا.

فالصحة والفساد في المعاملات كالعبادات منتزعان من مطابقة العقد الواقع في الخارج لما اعتبره الشارع موضوعا لحكمه.

نعم لا يبعد القول بالتفصيل بين الصحة والفساد في الاحكام الظاهرية وبينهما في الاحكام الواقعية ففي الاول قابلان للجعل دون الثاني وسر ذلك هو أن الصحة والفساد في الاحكام الواقعية انما ينتزعان من المطابقة وعدم المطابقة وقد عرفت أنهما من الامور الواقعية التي لا تنالها يد الجعل وهذا بخلاف الاحكام الظاهرية فانها تنالها يد الجعل كقاعدة التجاوز والفراغ فالشارع في تلك الموارد قد حكم في الصحة بحصول المطابقة لصحة تصرف في مقام الامتثال.

وأما الرخصة والعزيمة فالظاهر أن الرخصة بمعنى جواز الترك والعزيمة بمعنى لزومه وعدم جواز الفعل كما في سقوط الاذان في موارد الجمع فمن قال بالرخصة قال بجواز الترك وجواز الفعل أيضا ومن قال بالعزيمة قال بلزوم الترك وعدم جواز الفعل فيكونان من الحكم

١٣٩

بالنسبة إلى بعض الأشياء ولو لم يكن له جهة اضافة أصلا لا المكان

__________________

التكليفي من حيث الاقتضاء والتخيير.

وأما الولاية والخلافة والامامة كل واحد منها على قسمين تكوينية وتشريعية.

أما التكوينية من انهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهي الناشئة من بلوغ النفس بواسطة العلم والعمل أو بوساطة الموهبة الالهية من دون سبق عمل بل الاستعداد الذاتي وهي أعلى مراتب الكمال ووصولها إلى أقرب مدارج القرب الى ذي الجلال.

وهذه المرتبة في الولاية هي التي قارنها الله في كتابه العزيز بولاية نفسه حيث قال عزّ من قال (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

وهذه الولاية عبارة عن كون الولي متصرفا في جميع الكون بسمائه وأرضه باذن الله جل جلاله وهي التي يبرئ الاكمه والابرص ويحيى الموتى باذن الله تعالى شأنه وبها يشق القمر ويجعله نصفين كل ذلك وما شابهها باذن الله عظم سلطانه.

وهكذا الأمر في الخلافة والامامة والنبوة وهذه المرتبة العليا للولاية غير قابلة لاعطائها للغير ولا يمكن للغير التقمص فيها إذ هي من مختصاتهم اختصهم الله تعالى بذلك وقسم آخر هي التشريعية وهي التي تقبل التفويض والجعل وهي على قسمين :

أحدهما ترجع الى الامور التي ينتظم بها البلاد وأمور العباد كالثغور والجهاد واقامة الحدود وحفظ البلاد.

وثانيهما ما يرجع إلى القضاء والافتاء كل واحد من المرتبتين يقبلان الجعل والتشريع والأولى تسمى بالولاية العامة والثانية

١٤٠