منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

هي الدفع باعتبار انه في الحقيقة يمنع المقتضي عن التأثير في الزمان المتأخر اذ بقاء الشىء كالحدوث يحتاج الى علة البقاء فاستعمال الرفع في مقام الدفع يكون استعمالا حقيقيا بلا حاجة الى عناية ولكن لا يخفى ضعف هذه الدعوى لما عرفت من الفرق بين الرفع والدفع فان الرفع عبارة عن إزالة الشيء عن صفحة الوجود وذلك يلازم تأثير المقتضي في الزمان السابق بخلاف الدفع فان صدقه يتوقف على فرض عدم تأثير المقتضي في الزمان السابق.

__________________

التحقيق من ان الممكن يحتاج الى مؤثر في كل آن فحينئذ لا يظهر الفرق بينهما ومنه يظهر بطلان ما يقال من ان الرفع عبارة عن رفع الامر الثابت في صفحة الوجود والدفع عبارة عن ثبوت المانع من تأثير المقتضي ومن الواضح عدم حصول الجامع بين هذين الأمرين ولكنك قد عرفت ان الرفع عين الدفع بناء على ما هو التحقيق من احتياج بقاء الممكن الى مؤثر كاحتياجه في حدوثه.

الثالث : ان الرفع بنسبته الى الامور التسعة المذكورة في الحديث حيث انه بنسبة واحدة ينبغي ان يكون الرفع في الجميع بمعنى واحد حفظا لوحدة السياق مع ان الرفع تخلف نسبته اليها. فبالنسبة الى الخطأ والنسيان وما اكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون بمعنى رفع العموم عن موردها فيكون نظير التخصيص او الحكومة والرفع بالنسبة الى الثلاثة الاخيرة كالحسد والطيرة والوسوسة بمعنى رفع اثر المقتضي وبالنسبة الى ما لا يعلمون بمعنى رفع الحكم الواقعي والمفروض انه لا جامع بينها فلذا وقع الاشكال من هذه الجهة ولكن التحقيق انه بالتأمل يمكن تصور الجامع بينها. اما بين الثلاثة الاخيرة والخمسة الاول فواضح حيث انه في الخمسة الاول عموم الدليل المتضمن للعناوين الاولية يعم موردها فبدليل الرفع يرفع اقتضاء الدليل وهذا المعنى ايضا متحقق في الثلاثة الاخيرة غاية الامر

٤١

كما ان ما ذكر في كون انتساب الرفع الى (ما لا يعلمون) على نحو الحقيقة باعتبار أن الرفع إنما هو في عالم التشريع كما نسب الى بعض الاعاظم (قده) في غير محله ، إذ وحدة السياق تقتضي أن يكون انتساب الرفع اليه بنحو المجاز أي انتساب الى غير ما هو له باعتبار أن في بعض الفقرات كالخطأ والنسيان لم يكن الرفع حقيقيا وإنما هو بنحو التنزيل والعناية ضرورة ان الخطأ والنسيان ليس مرفوعا حقيقة ولازم ذلك أن يكون انتساب الرفع الى الامور التسعة باجمعها

__________________

بالنسبة الى الخمسة الأولى رفع الاقتضاء في مقام الاثبات وفي الثلاثة الاخيرة رفع الاقتضاء في مقام الثبوت.

واما بالنسبة الى ما لا يعلمون فالرفع فيها عبارة عن رفع وجوب الاحتياط واصالة الحل في قبال أصالة الحرمة ومرجع ذلك هو قصر الحكم الواقعي بحيث لا يكون ملحوظا في مقام الشك فحينئذ يمكن تصوير جامع بين هذه الامور التسعة وهو رفع أثر المقتضي وهو متحقق في كل من تلك الامور من غير تفاوت فيكون الرفع بمعنى واحد حفظا لوحدة السياق.

ودعوى اختلال السياق فان المرفوع فيما استكرهوا هو الفعل وفي الخطأ المرفوع هو التكليف ولا جامع بينهما ، ممنوعة إذ لا يخفى انه ليس المرفوع بهذا الحديث شيئين وانما الرفع راجع الى شيء واحد هو الحكم وغاية الأمر انه تارة يكون الحكم بنفسه مرفوعا واخرى برفع موضوعه ، وذلك لا يوجب اختلال في وحدة السياق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد وقع الكلام فيما هو المرفوع فنقول ان الكلام يقع تارة في التكاليف واخرى في الوضعيات اما التكاليف فتارة تكون عناوين الافعال من قبيل موضوعات التكاليف كمثل من أفطر فعليه الكفارة واخرى

٤٢

بنحو العناية والتنزيل حيث أن الرفع الى التسعة بنسبة واحدة فتكون هذه الفقرات معرفات لها والذي يدل على ذلك هو ان دخل المذكورات كمثل الخطأ والنسيان إنما هو بنحو العلية أو الاقتضاء ومن الواضح أن المعلول لا يتقدم على علته.

وعليه ان مثل تلك الامور لا تصلح لعلية رفع الحكم الفعلي الذي هو في مرتبة وجود الحكم وكانت رتبته متقدمة عليه ولذا قلنا ان الرفع لا يتوجه الى الحكم الفعلي بل يرفع وجوب الاحتياط على ان التشريع لا يتعلق بالامور

__________________

يكون متعلقة للتكاليف والمتعلق لها تارة يكون انحلاليا واخرى يكون صرف الوجود. اما ما كان من قبيل موضوع التكاليف فالظاهر كونه من قبيل العلة والمعلول ويكون الحكم المرتب عليه انحلاليا فيكون حديث الرفع بالنسبة الى ما أخطئوا إما بنحو الحكومة أو التخصيص ، واما ما كان من قبيل متعلق التكليف ولم يكن على نحو صرف الوجود كما هو الحال في جميع المحرمات فهو وان لم يكن من قبيل الصورة الاولى اعني العلة والمعلول بل هو على عكسها حيث ان الصورة الاولى الموضوع متقدم على الحكم كما هو شأن تقدم العلة على المعلول وهنا الحكم يتقدم على المتعلق الذى هو شبيه بالموضوع ولكن لما كان نسبة الحكم الى متعلقه كنسبة العرض الى معروضه فيكون انحلاليا ويكون بنسبة الرفع إليه إما بنحو التخصيص أو الحكومة وهاتان الصورتان مما لا إشكال فيهما. وإنما الكلام فيما اذا كان بنحو صرف الوجود كما هو قضية جميع الواجبات فيشكل جريان حديث الرفع فيها لان الحكم حسب الفرض قد تعلق بصرف الوجود فلم يكن شخص كل فرد متعلقا للحكم وانما يؤتى بالفرد من باب حكم العقل لانطباق الطبيعة عليه وحينئذ حكم الكل لم يكن منسيا أو مجهولا لكي يرفع واما الفرد فلم يترتب عليه حكم

٤٣

التكوينية كقول الشارع أوجد الجدار إنشاء. ومن الواضح أنها غير قابلة للجعل التشريعي ، وانما هي مجعولة تكوينا ، وانما يتعلق التشريع بالامور الشرعية التي بيد الشارع وضعها فيكون له رفعها. فعليه لا معنى لنسبة الرفع الى الامور المذكورة في الحديث على نحو الحقيقة ، ولازم ذلك بدلالة الاقتضاء صونا لكلام الحكيم عن اللغوية أن يقدر شيء فحذف في الكلام كما يقال أن رفع الخطأ والنسيان باعتبار رفع آثارهما ولازم ذلك أن يكون الرفع بنحو العناية والتنزيل بالنسبة الى الامور التسعة حفظا لوحدة السياق.

__________________

شرعي لكي يكون قابلا للرفع وإنما هو حكم عقلي لا يشمله حديث الرفع مثلا الصلاة المنسي فيها سورة لم يكن لها حكم حتى يرتفع بحديث الرفع. واما الحكم الكلي لم يكن منسيا ليشمله الحديث لعدم تحقق موضوعه هذا كله في الاحكام.

واما الكلام في الوضعيات فتارة يكون من قبيل الاسباب كالطهارة الحدثية والخبثية ، واخرى من قبيل المسببات فان كان من قبيل المسببات كما لو أكرهه على ملكية شيء فلا إشكال من شمول حديث الرفع أعني (ما استكرهوا) له حيث أن في رفعه المنة.

واما بالنسبة الى الاربعة المتقدمة فلا يجري حديث الرفع فيها.

واما الاسباب فلا يعمها حديث الرفع إذ شموله لها خلاف الامتنان فلو شك في حصول الطهارة الخبثية في الغسلة الاولى مثلا فمعنى شمول الحديث له عدم حصول الطهارة بالغسلة الأولى مثلا فمعنى شمول الحديث له عدم حصول الطهارة بالغسلة الأولى فلا بد في الغسلة الثانية وهو خلاف الامتنان وليس في رفعه منة بل هو ضيق على المكلف هذا بالنسبة الى الخمسة الاول.

واما الكلام (فيما لا يعلمون) فيقع من جهتين.

الاولى : أن المراد من (ما) الموصولة هو الاعم من الشبهات الحكمية

٤٤

وكيف كان فالرفع التنزيلي وحفظ السياق يدلان على كون المرفوع هو وجوب الاحتياط ويؤيد ذلك بل يدل عليه ورود الحديث الشريف في مقام الامتنان حيث أن رفع الحكم الواقعي لا يكون فيه امتنان كما لا يخفى.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان التكليف الواقعي مع عدمه في رتبة واحدة ولا يعقل أن يكونا في مرتبتين ، فالشك في التكليف متأخر رتبة عن التكليف فهو أيضا متأخر عن عدم التكليف بمناط جهة حفظ الرتبة بين النقيضين فاذا كان الشك وعدم العلم متأخرا عن عدم التكليف فلا يعقل أن يكون موضوعا لعدم التكليف إذ كونه موضوعا يلزم تقدمه عليه ، ومع تأخره عنه لا يعقل ان يكون متقدما عليه.

__________________

أو الموضوعية بتقريب ان المراد من (ما) هو الحكم وهو تارة يقع الاشتباه فيه من جهة عدم النص الذي هو الشبهة الحكمية أو يقع من جهة الاشتباه الخارجي وبعد الفراغ من هذه الجهة يقع الكلام في الجهة الثانية في أن شمول حديث الرفع مشروط بامور : الاول ـ أن يكون في رفعه منه. الثاني ـ أن يكون مجهول العنوان. الثالث : أن يكون أمرا شرعيا تناله يد الجعل نفيا واثباتا ويترتب عليه الثواب والعقاب. فان لم يكن في رفعه منة أولا مجهول العنوان أو لم يكن أمرا شرعيا قابلا لان تناله يد الجعل فلا يجري حديث الرفع لما عرفت ان جريانه مشروط بهذه الامور الثلاثة بعد كون الحكم إلزاميا إذ مع كونه غير إلزامي لا ثقل فيه حتى يكون في رفعه المنة من غير فرق بين القول بان الرفع متوجه على الاحتياط أو رفعه برفع مقتضيه على ان استحباب الاحتياط مجعول قطعا فلا يكون التكليف المحتمل مرفوعا في الظاهر لكي يعمه حديث الرفع كما انه لا اشكال في عدم جريان البراءة العقلية فيما احتمل فيه التكليف غير الالزامي إذ المقطوع فيه لا توجب مخالفته العقاب فكيف بمحتمله فتدبر.

٤٥

وبالجملة ان الرفع الذي موضوعه عدم العلم لو جعل رفعا متوجها الى التكليف الواقعي الفعلي يلزم المحال المتقدم فلا بد من جعل الرفع متوجها الى الاحتياط وحينئذ لا يلزم المحذور المتقدم ومنه يظهر ان المراد من الرفع المتوجه الى الاحتياط هو ما يعم الدفع كما هو في صورة تحقق مقتضي الالزام بالاحتياط وهو الشك بالحكم الواقعي كما اذا كان الشارع وجه تكليفا بشيء بنحو يشمل صورة الشك ولو بخطاب آخر إلا انه خصصه بالعالم بالتكليف لاجل التسهيل. فحينئذ يصدق في حقه الرفع في صورة الشك ولو سلمنا جميع ذلك ، فحديث الرفع كحديث لا ضرر ، وامثاله وارد في مقام الامتنان وفي مقام التسهيل وذلك لا يناسب رفع التكليف إذ رفعه لم يكن فيه منة إذ لم يكن في بقائه كلفة حتى يكون في رفعه منة واذا كان حديث الرفع واردا في مقام الامتنان لا بد أن يكون المرفوع خصوص الاحتياط إذ هو في بقائه كلفة على العباد ففي رفعه منة.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان حديث الرفع يرفع خصوص الاحتياط لا الواقع المجهول فلا بد وان يكون بنسبة الرفع الى ما لا يعلمون على سبيل التجوز سواء كان المراد من الموصول خصوص الموضوع أو الحكم اذ لم تكن جهة لاختصاصه بالموضوع حتى يقال بان حديث الرفع خارج عن الشبهات الحكمية ويختص بالشبهات الموضوعية.

وان اردت توضيح ما ذكرنا من ان الرفع يختص برفع ايجاب الاحتياط فاعلم ان حديث الرفع يرفع الأثر المترتب على موضوع لا بشرط عن طرو العناوين المذكورة فيه إذ الاثر المترتب على عنوان العمد أو الخطأ أو النسيان لا يعقل ان يكون مرفوعا بالحديث كالقصاص في القتل المترتب على عنوان العمد وكالدية في قتل الخطأ وسجدتي السهو مثلا لا يعقل ان يكون مرفوعا بحديث الرفع اذ عنوان الموضوع يقتضي وضع تلك الآثار لا رفعها كما انه يعتبر في الأثر ان يكون

٤٦

رفعه في مقام الامتنان فما لم يكن كذلك يخرج عن حديث الرفع بنحو يكون وضعه على خلاف الامتنان وبذلك يتعين كون المرفوع هو ايجاب الاحتياط لانه الذي يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع دون المؤاخذة واستحقاق العقوبة والحكم الواقعي ولو كان بنحو الفعلية. اما المؤاخذة والاستحقاق فهما من اللوازم العقلية التي لا تنالها يد الجعل الشرعي واما العقوبة الفعلية فرفعها وان كان بيد الشارع إلّا انه ليس في رفعها تمام المنة على المكلف وانما تمامها هو رفع اصل الاستحقاق واما الحكم الواقعي (١) فهو وان كان مجعولا شرعيا فلا يتعلق

__________________

(١) بمعنى ان الحكم الواقعي ليس متحققا واقعا في مورد الشك وحينئذ يكون الحديث متكفلا لامر مجعول تشريعي بنحو يكون عدم التكليف فعليا جعليا لا عدم فعلية التكليف الواقعي فان ذلك غير مجعول لانه مستند الى عدم وجوب الاحتياط فيكشف عنه كشف المعلول عن العلة بخلاف فعلية عدم التكليف فان عدم الاحتياط يستند اليه فيكشف عنه كشف العلة عن المعلول وبهذا المعنى يكون الحديث رافعا لا دافعا حيث ان رفع الالزام المجهول المفروض ثبوته رافع له وقاطع لاستمراره وليس رافعا للحكم الواقعي المجهول فانه غير معقول وانما هو رافع لفعليته مع وجود المقتضي لجعله فعليا بايصاله بجعل الاحتياط وعليه تكون نسبة الرفع دون الدفع بلحاظ تعلقه في مرحلة الاسناد الكلامي بما هو مفروض الثبوت واللازم في باب المراعاة اسناد مفهوم الى ما يناسبه بملاحظة مقام الاسناد الكلامي فان طرف الاسناد في طرف اسناد مفهوم الى ما يناسبه بملاحظة مقام الاسناد الكلامي فان طرف الاسناد في طرف اسناد المفهوم مناسب له قطعا بل قد يقال ان الظاهر من الخبر ثبوت هذه الاحكام في الشريعة الالهية سابقا فنسبة الرفع وهو العدم بعد الوجود بلحاظ اصل ثبوته حقيقة في الشريعة الالهية فالرفع عن هذه الامة لا بملاحظة وجود المقتضي لفعليته حتى يكون متمحضا في الدفع وليس

٤٧

به الرفع الحقيقي لما عرفت من ان حديث الرفع ناظر الى رفع الاثر الذي في وضعه

__________________

الرفع متوجها لايجاب الاحتياط كما يتوهم فان ايجاب الاحتياط ليس مما لا يعلم لكي يكون مرفوعا في قبال دعوى الاخباريين إلا بان يكون ايجاب الاحتياط طريقيا وكونه طريقيا محل نظر حيث انه إن كان مصداقا للواقع فيجب الأخذ به وإلا فلا ، ومع الشك في وجوب التكليف الواقعي كما هو المفروض أي معنى لوجوب الاحتياط كما انه لا معنى لرفع المؤاخذة فان الحاكم بها هو العقل فلم يكن للشارع وضعها حتى يكون بيده الرفع فعليه الحق كما ذكرنا أن الرفع متوجه على الحكم الواقعي في مورد الشك بنحو يكون عدم التكليف فعليا.

ودعوى ان القول بذلك يوجب تقييد الواقع بغير المشكوك وذلك مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه ممنوعة بان التقييد لم يكن لحاظيا ، وإنما هو بنحو نتيجة التقييد وحاصله أن الحكم الواقعي بسبب مجيء حديث الرفع يكون مجعولا على العالم بالانشاء فيكون فعليا وموضوعا لحكم العقل فالعالم بالانشاء يكون الحكم الواقعي فعليا في حقه والجاهل بالانشاء يثبت في حقه الترخيص وهو معنى كون التقييد من قبيل نتيجة التقييد والاجماع المدعى في المقام ليس كاشفا عن قول المعصوم (ع) أو عن امارة أو خبر معتبر وإنما هو اطلاق الخطابات الشاملة للعالم والجاهل ومع وجود مثل حديث الرفع يكون مقيدا لتلك الخطابات فيقدم عليها فلذا قلنا أنه لا مانع من القول بان الرفع يتوجه الى الحكم الواقعى بالمعنى المذكور واما توجيه الرفع الى ايجاب الاحتياط فقد عرفت انه غير متصور إذ الرفع والمرفوع ليسا في مرتبة واحدة وإنما المرفوع لا بد وان يكون في مرتبة سابقة وحينئذ كيف يكون رافعا لايجاب الاحتياط مع عدم تقدم مرتبته إلا أن ـ (منهاج الاصول ـ ٦) ـ

٤٨

خلاف الامتنان بنحو يحصل من وضعه ضيق على المكلف وذلك لا يتصور في الحكم الواقعي ولو كان فعليا إذ لم يكن من جعله على المكلف ضيق عليه لكي يجري فيه حديث الرفع بخلاف إيجاب الاحتياط فانه لو لا حديث الرفع لكان المكلف في الضيق والكلفة ، فلذا يتعين أن يكون هو المرفوع كما أن مقتضى حفظ السياق في حديث الرفع أن يكون المرفوع هو إيجاب الاحتياط إذ لو كان المرفوع هو الحكم الواقعي للزم أن يكون خلاف مقتضى ظهور السياق ، فان السياق في الفقرات الأخر كالخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار أن يكون الرفع تنزيلا لا رفعا حقيقيا فمقتضى ذلك أن يكون فيما لا يعلمون رفعا تنزيليا وذلك يؤيد ان يكون المرفوع هو إيجاب الاحتياط. على ان حديث الرفع ظاهر في كون الجهل من الجهات التعليلية له ، فان مقتضى كون الجهل علة للرفع ان يكون متأخرا عن الشك بالواقع ولازمه عدم شمول اطلاق الواقع لتلك المرتبة وذلك يقتضي امتناع تعلقه بالحكم الواقعي لعدم امكان ورود الرفع في ظرف الشك بل المرفوع للشيء الملحوظ في المرتبة السابقة على الشك به لما عرفت من حفظ المرتبة بين النقيضين

__________________

يقال بان وجوبه من باب الطريقية ، بمعنى ان هذا الخطاب متمم للحكم الواقعي لتحقق ملاكه ولا يمكن شموله لمرتبة الشك لقصور في شموله ، فلذا يجب الاحتياط لحفظه ووصوله الى مرتبة الشك ، ففي الحقيقة رفعه برفع الحكم الواقعي وحينئذ يكون الرفع بمعنى الدفع أي له مقتضى لتحققه لو لا المانع فحينئذ يكون الحكم الواقعي مقيدا بنحو نتيجة التقييد. ولكنك قد عرفت منا سابقا ان المرفوع هو فعلية عدم التكليف لا عدم فعلية التكليف الواقعي ، وحينئذ عدم الاحتياط يستند اليه استناد المعلول الى علته كما انك قد عرفت ان الرفع قد استعمل بمعناه الحقيقى فافهم.

٤٩

فمع تأخر الشك وعدم العلم عن التكليف الواقعي لا يعقل ان يكون موضوعا لعدم التكليف الواقعي فلا يمكن تعلق الرفع الحقيقي بايجاب الاحتياط إلا بنحو العناية ولا يتوهم ان ايجاب الاحتياط من آثار الحكم الواقعي وإنما هو حكم ينشأ في قبال الواقع ناشئ عن ارادة واقعية في قبال انشاء الحكم الواقعي وإنما جعل حفظا للواقع وطريقا له ، بل ربما يقال ان رفع ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع إنما هو دفع لمقتضيات الاحكام فيكون رفعه بالعناية رفعا للحكم الواقعي. كما أنه يمكن ان يكون رفع إيجاب الاحتياط رفعا للمؤاخذة والاستحقاق وإلى ذلك يرجع القول بان المرفوع فيما لا يعلمون جميع الآثار لا خصوص الأثر المناسب الذي هو ايجاب الاحتياط.

وبما ذكرنا يمكن الجمع بين القولين. أي قول من يقول بالأثر المناسب وهو إيجاب الاحتياط والقول برفع جميع الآثار إذ الرفع متوجه الى ايجاب الاحتياط وبايجابه ترتفع بقية الآثار كالمؤاخذة والاستحقاق.

وقد عرفت منا سابقا ان نسبة الرفع الى ما لا يعلمون كان بنحو العناية والتجوز من غير فرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية.

ودعوى اختصاصها بالشبهات الموضوعية كما ذكره الشيخ الانصاري (قده) لوجهين :

الاول ـ من ان المحافظة على السياق يقتضي كون المراد من (ما لا يعلمون) خصوص الشبهة الموضوعية لارادة ذلك من الموصول في (ما اكرهوا وما لا يطيقون وما اضطروا) وذلك يعين كون المراد من الموصول في (ما لا يعلمون) هو الفعل المشتبه العنوان كالشرب الذي لم يعلم كونه شرب خمر او شرب خل فلو اريد من الموصول فيما (لا يعلمون) الحكم لزم اختلال السياق فوحدة السياق تقتضي الاختصاص في الشبهة الموضوعية.

٥٠

الثاني ـ انه لا يمكن تصوير جامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية لاختلاف استناد الرفع فيهما فان اسناده في الشبهات الحكمية يكون حقيقيا اي اسناد الى ما هو له ، واسناد الرفع في الشبهات الموضوعية لاختلاف استناد الرفع فيهما فان اسناده في الشبهات الحكمية يكون حقيقيا اي اسناد الى ما هو له ، واسناد الرفع في الشبهات الموضوعية يكون الاسناد إلى غير ما هو له ، فانه في الشبهات الموضوعية يكون الاسناد الى نفس الفعل اولا وبالذات لتعلق الجهل به وبالحكم الشرعي يكون ثانيا والعرض بخلاف الحكم في الشبهات الحكمية يكون اسناد الرفع اليه اولا وبالذات. ومن الواضح انه لا جامع بين هاتين النسبتين ومع عدم تحقق الجامع فلا بد ان يكون المرفوع هو احدهما وحيث ان ظهور بعض الفقرات بالفعل كالاكراه والاضطرار إذ لا معنى لتعلقهما بالحكم فحفظ وحدة السياق يعين ارادة الفعل في بقية الفقرات ، وذلك يقتضي الاختصاص في الشبهات الموضوعية فيكون الحديث مختصا بها ولا يشمل الشبهة الحكمية (١).

__________________

(١) وقد ايد ذلك بامور :

الاول ان مفهوم الرفع يقتضي ان يكون متعلقه امرا ثقيلا كقوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ومن الواضح ان ما فيه الثقل وهو نفس فعل الحرام او ترك الواجب ، واما الحكم بالوجوب او الحرمة فليس فيه ثقل فلذا لا محيص في ان يراد من الموصول فيما (لا يعلمون) هو الفعل دون الحكم.

الثاني ان الرفع والوضع متقابلان ويردان على مورد واحد من غير فرق بين ان يكون التقابل بينهما من باب التضاد او العدم والملكة والظاهر ان متعلق الوضع هو الفعل او الترك فلا محيص من ان يكون متعلق الرفع هو الفعل او الترك.

الثالث ان اسناد الرفع الى الحكم حقيقي والى الفعل مجاري لعدم تعلق

٥١

ولكن لا يخفى ما فيه : أما عن الاول فنمنع تحقق وحدة السياق إذ من المعلوم ان من التسعة الطيرة والحسد والوسوسة مع عدم ارادة الفعل منها علي انه لا مانع من ارتكاب خلاف الظهور (فيما لا يعلمون) إذ الظاهر من (ما لا يعلمون)

__________________

الرفع التشريعي بالموجود الخارجي إذ ليس ذلك بيد الشارع فلو اريد بالموصول الفعل الخارجي لزم التجوز في جميع الفقرات بخلاف ما لو اريد من الموصول في خصوص ما لا (يعلمون) يكون الاسناد اليه بالخصوص حقيقيا وفي سائر الفقرات مجازيا وحيث ان الرفع في الحديث أسند الى التسعة وتكون المذكورات بعده معرفات ولازم ذلك أن يكون الاسناد إما حقيقيا واما مجازيا وذلك يعين ارادة الفعل لا الحكم إذ ارادة الحكم تستلزم أن تكون النسبة الواحدة حقيقية بالنسبة الى بعض التسعة ومجازية بالنسبة الى البعض الآخر وذلك ممنوع. ولكن لا يخفى ضعف هذه الوجوه.

فاما عن الاول فان الثقل وان كان في متعلق التكليف لا نفسه إلا ان الرفع يصح اسناده الى السبب الموجب له أو الأثر المترتب عليه بلا مسامحة إذ يمكن ان يقال رفع الالزام ورفع المؤاخذة فعليه يصح اسناد الرفع الى نفس الحكم بهذا الاعتبار.

واما الثانى فالظاهر أن ظرف الرفع والوضع هو الشرع وكان متعلقهما هو الحكم لا ظرفهما لان ظرفهما ذمة المكلف فحينئذ يكون المرفوع هو الحكم.

واما عن الثالث فان اسناد الدفع الى المذكورات وان كان بالنسبة الى بعضها حقيقيا والى الآخر مجازيا إلا ذلك بحسب الحقيقة والواقع ، واما بلحاظ اللفظ والاسناد الكلامي فليس إلا اسنادا واحدا فان صح كونه حقيقيا بالنسبة الى الجميع فهو ، وان لم يصح فمجازي بالنسبة للجميع إذ الاسناد الواحد الى المجموع

٥٢

أن يكون بنفسه معروضا للوصف الذي هو عدم العلم كالاضطرار والاكراه ولو اختص (ما لا يعلمون) بالشبهات الموضوعية لأوجب أن يكون المعروض للوصف هو عنوانه فحينئذ يدور الامر بين حفظ السياق من هذه الجهة بان يراد من الموصول هو الحكم وبين حفظه من جهة اخرى بان يراد الفعل ولا اشكال أن العرف يرجح الأول فيتعين حمل الموصول فيما (لا يعلمون) على إرادة الحكم على أن حفظ السياق يقتضي اختصاص «ما» بالموضوع. ولكن لما كانت الرواية واردة في مقام الامتنان وهو كما يحصل في رفع المؤاخذة على الموضوع يحصل برفعها عن الحكم فاطلاق الامتنان يقتضي أن يراد من (ما) الاعم من الفعل والحكم.

ودعوى أنه لا جامع بينهما ممنوعة إذ يمكن تصوير جامع وهو الشيء وذلك ينطبق على الحكم والفعل فبالنسبة الى الاضطرار والاكراه المراد من الشيء هو الفعل وبالنسبة إلى ما يعلمون المراد من رفع الشيء المجهول ما يشمل الحكم والفعل.

واما عن الوجه الثاني فالسياق إنما يختل لو لم تكن من نشوئية إذ المؤاخذة فيما اكرهوا لم تكن عن المعاملة بل كانت على الشخص الذي انتقل له المال بدون رضا المالك وحينئذ لا بد من ارادة ذلك من الجميع.

بيان ذلك أن المؤاخذة تارة تكون نشوئية واخرى تكون تعلقية وفيما استكرهوا لا يصح أن يراد منها إلا أن تكون نشوئية إذ لا معنى للمؤاخذة على

__________________

المركب مما هو له وغير ما هو له اسناد الى غير ما هو له كما ينسب إنبات (البقل) الى الله والى الربيع في كلام واحد وباسناد واحد يكون اسنادا مجازيا. فيكون من باب عموم المجاز كما لا يخفى.

٥٣

الفعل المكره وهكذا فيما لا يعلمون لا بد أن يراد منه ذلك ، فاذا صار المراد المؤاخذة الناشئة في كل من التسعة فذلك يساوق كون (ما) للاعم من الحكم والموضوع.

هذا ولكنك قد عرفت ان الرفع إنما هو متوجه على الاحتياط خلافا للاستاذ (قده) في كفايته حيث ادعى كون الرفع متوجها على الحكم الواقعي وعلى مسلكه يصح جعل البدل في مرتبة الظاهر ، وذلك موجب لانحلال العلم الاجمالي في دوران الامر بين الأقل والاكثر كما أنه على مسلكه يتوجه التفصيل بين البراءة العقلية والبراءة النقلية فتجري في النقلية دون العقلية. واما على المختار في كون الرفع متوجها على الاحتياط فلا معنى للتفصيل المذكور بل لا تجري وسيأتي ان شاء الله تعالى بيان المسألة على التفصيل.

والذي يتعلق بالمقام هو أن المستفاد من كلمات الاستاذ (قده) في الكفاية وفي حاشيته على الفرائد بان حديث الرفع لما كان جاريا لرفع الجزئية المشكوكة يدل على كون بقية الاجزاء هي الواجبة وانها باقية على وجوبها الفعلي واستفادة الفعلية من اطلاق التكليف الذي هو شامل لمرتبة الشك فالاجزاء الباقية باقية علي فعليتها فتكون بدلا عن الواجب الواقعي.

واما الدليل الذي يدل على جعل البدل كحديث الرفع مثلا فقد ذكره في الحاشية حيث قاس حديث الرفع على الاستصحاب وقد اختار في الاستصحاب جعل البدل ما لفظه «فكما أن الحكم الشرعي إذا كان موردا للاستصحاب وجودا أو عدما كان مقتضى استصحابه إثباتا أو نفيا ظاهرا بنفسه ، فكذلك اذا كان متعلقا للرفع».

وبالجملة المستفاد من كلماته (قده) جعل الوجوب الفعلي مختصا ببقية الاجزاء وهي بدل عن الواقع فيكون حكما ظاهريا جعل في ظرف الشك بالواقع

٥٤

ولكن لا يخفى أن ذلك مبني على ما عرفت من كون التكليف شاملا لمرتبة الشك حتى يكون التكليف فعليا في بقية الاجزاء فاذا انضم الى حديث الرفع ذلك ينتج جعل البدل ، بمعنى الفاقد جعل بدلا عن الواجد ولكن قد عرفت أنه خلاف التحقيق وان اطلاق التكليف لا يشمل مرتبة الشك لتأخره عنه فلا يكون في الاجزاء الباقية وجوب فعلي حتى يكون بضميمة حديث الرفع ينتج جعل البدل بل إنما يرفع بهذا الحديث الاحتياط المتحقق في مرتبة الشك لا التكليف الفعلي إذ لم يكن فيه إطلاق حتى يشمل حال الشك لكى يرفع بالحديث المذكور.

ومن ذلك ظهر ضعف ما يقال بانه لا بد من الالتزام بجعل البدل ولو قلنا بانه يرفع خصوص الاحتياط. بتقريب ان المرفوع في الاحتياط ليس إلا برفع منشئه وهو الحكم الواقعي فيرجع الحديث بالأخرة الى نفي الحكم الواقعي من المشكوك وتعينه ببقية الاجزاء فيكون وجوب بقية الاجزاء بدلا عن الحكم الواقعي وبيان الضعف ان القول بجعل البدل إنما يلتزم به لو قلنا بكون التكليف له إطلاق يشمل مرتبة الشك وقد عرفت استحالته.

وعلى المختار لا يفرق في عدم الجريان في الأقل والاكثر بين البراءة العقلية والنقلية لعدم انحلال العلم الاجمالي بالنسبة الى العقلية إذ جريانها يلزم منه الدور الواضح البطلان كما ستعرف ، واما النقلية فجريانها منوط بجعل البدل وقد عرفت ان لازمه اطلاق التكليف لمرتبة الشك المتوقف عليه جعل البدل والالتزام بذلك محال واما على مسلك الاستاذ (قده) فلا تجري البراءة العقلية لما ذكره اخيرا من لزوم وجود الشيء عدمه وجريان البراءة النقلية استفاده من حديث الرفع جعل البدل كالاستصحاب وجعل البدل موجب لانحلال العلم الاجمالي حكما واستفادة جعل البدل من كلمات الاستاذ (قده) من الكفاية والحاشية تحتاج الى تأمل ونظر ولا يحصل ذلك إلا للاوحدي من الناس.

٥٥

وكيف كان فقد وقع الكلام في ان المرفوع خصوص المؤاخذة او الاثر المناسب او جميع الآثار وقد اقاموا لكل واحد منها وجها والتحقيق ان النزاع في ذلك لا وجه له.

بيان ذلك يحتاج الى مقدمة وهي ان المؤاخذة تارة يراد بها الاستحقاق واخرى يراد بها المؤاخذة الفعلية ، والمرفوع هنا هي استحقاق المؤاخذة. ويظهر ذلك من النزاع الواقع بين الاصوليين والاخباريين فان نزاعهم في استحقاق المؤاخذة لا المؤاخذة الفعلية.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان استحقاق المؤاخذة لم يكن قابلا للرفع فرفعه برفع اثره المترتب عليه وحيث ان الرواية واردة في مقام الامتنان والتوسعة على المكلف فحينئذ لا بد وان يكون الاثر المترتب عليه مما كان في رفعه امتنان وفي إثباته ضيق على المكلف فيقدر في الخطأ والنسيان ايجاب التحفظ وما اكرهوا عليه في العبادات البطلان وفي المعاملات النفوذ وفي ما اضطروا هو جواز الارتكاب وذلك مختص بالاحكام ولا يجرى في المعاملات لان بطلانها خلاف المنة وفيما لا يطاق رفع التكليف الذي يلزم منه عدم تحمله عادة.

وبالجملة رفع المؤاخذة هو بعينه رفع جميع الآثار ورفع جميعها التي هي مورد الامتنان هو رفع الأثر المناسب والفرق في هذه الصور في غير محله بل الذي يقول برفع المؤاخذة لا ينفي رفع الأثر المناسب وهو بعينه جميع الآثار التي فيها امتنان فليست هذه الاقوال مختلفة فانها تكشف عن معنى واحد وحقيقة فاردة.

عبارتنا شتى وحسنك واحد

وكل الى ذاك الجمال يشير

ومما ذكرنا من ان المرفوع هو الاثر الذى يكون في رفعه منة على المكلف يظهر لك وجه الفرق بين شرط الوجوب فيما اذا لم يعلم كيفية الوجوب هل هو

(منهاج الاصول ـ ٧)

٥٦

مشروط حتى انه لو تعذر الشرط لكي يسقط الوجوب عند تعذره ام غير مشروط لكي لا يسقط ويجب على العبد امتثاله وبين شرط الواجب فيما لو شك في كون الشيء المعين شرطا ام لا فنفى شرط الوجوب لو جرى حديث الرفع في رفع كون هذا المتعذر شرطا يلزم منه خلاف الامتنان للزومه الضيق على المكلف (١) وفي شرط الواجب خلاف ذلك فان رفع ذلك الشرط امتنانا على

__________________

(١) بعد ان ذكر الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) بان جريان حديث الرفع مشروط بالامور الثلاثة المذكورة سابقا قال : ان الشك اما ان يكون في متعلق التكليف او في الاسباب المعبر عنها في الشك بالمحصل. فان كان الشك متعلقا التكليف كالشك في وجوب الصلاة عند رؤية الهلال فلا إشكال في شمول حديث الرفع له لتحقق تلك الامور المعتبرة في جريانه من غير فرق بين أن يكون الشك في نفس المتعلق او في جزء منه لشمول الحديث للجزء باعتبار ان الجزء له حظ من الأمر ، فان الأمر وان كان وجدانيا إلا أنه انبسط على الاجزاء فيكون كل جزء مشمولا لحديث الرفع بلحاظ الحصة التي صارت على الجزء.

ويظهر من ذلك ضعف ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من أن الجزئية غير قابلة للرفع اذ أن المرفوع ليست هي الجزئية بل الحصة التي حصلت في انبساط الأمر على الاجزاء هذا بالنسبة الى الشبهة الحكمية.

واما الكلام بالنسبة الى الشبهة الموضوعية فيمكن دعوى الفرق بينما يكون الشك في الاجزاء الوجودية وبين الامور العدمية.

وحاصل ذلك هو ان الامر العدمي لما كان الحكم المرتب عليه انحلاليا فاذا شك في تقييده فلا مانع من جريان البراءة كما لو شك في كون هذا الشيء مأكولا أم لا؟ فيرفع اعتباره بالبراءة ويحكم بصحة الصلاة لان النهي المتوجه الى غير

٥٧

المكلف إذ لا يلتزم باقيان الشرط المشكوك ونظير شرط الوجوب في أن جريان الحديث فيه يلزم منه خلاف الامتنان ما إذا اضطر الى ترك جزء فانه لو جرى حديث الرفع فيرتفع ذلك الجزء ويلزم الاتيان بالباقى وهو ضيق على المكلف لان في بقائه سعة على المكلف حيث انه لو بقى الجزء المضطر على مطلوبيته يقضي بعدم وجوب بقية الاجزاء لان الكل متعذر بتعذر جزئه فيكون العبد فى سعة ورفاهية.

__________________

المأكول انحلالي فيشمل جميع افراد غير المأكول ، والشخص لما كان شاكا في كونه غير مأكول فيشك في توجه النهي والاصل يقتضي عدم شمول النهي لهذا المشكوك بخلاف ما لو شك في الامر الوجودي مثلا ، انا نعلم بكوننا مكلفين بسورة ولكن نشك بانا ما اتينا به هل هو سورة ام لا؟ فلا تجري البراءة لما عرفت من ان التكليف لم يتوجه الى الاشخاص وانما توجه إلى الكلي وهو لم يكن منسيا أو مجهولا لكي يشمله حديث الرفع والشخص لم يترتب عليه حكم شرعي لكي يرفعه الحديث وانما يأتي به من باب التخيير العقلي. هذا كله في الشك في المتعلق.

واما الكلام في الشك في الاسباب بمعنى الشك في محصلية شيء كما لو وقع الشك في كون الاقل محصلا ام الاكثر وسيأتي ان شاء الله بيان الفرق وحاصله على نحو الاجمال بان الشك في جزء المتعلق يرجع الى ان الاقل معلوم التكليف والشك في الاكثر وفي الشك في السبب المحصل يكون الشك في محصلية الاقل ومعلوم محصلية الاكثر ، وحينئذ لا يجري في مشكوك المحصلية إذ شمول الحديث للاقل خلاف الامتنان فلا يكون مشمولا له

واما في محصلية الاكثر فليس امرا مشكوكا لكي يشمله الحديث وان

٥٨

ودعوى انه لو بقت بقية الاجزاء على مطلوبيتها مع الجزء المضطر الى تركه فلا بد من الالتزام بجواز ترك الواجب وهو مما لا يلتزم به أحد ممنوعة بان عدم التزام الاصحاب بذلك ليس من جهة حديث الرفع بل من جهة قاعدة اخرى وهي قاعدة الميسور لا يترك بالمعسور ولم يستندوا في الاتيان ببقية الاجزاء الى حديث الرفع كيف وهو ينافي ورود الحديث في مورد الامتنان والتوسعة لا أنه لا يمكن بحديث الرفع رفع الشيء المشكوك بكونه من مصداق ما هو شرط محقق ، مثلا شرط الصلاة أن يكون اللباس مما يؤكل لحمه فالشك في لباس هل هو من جلد ما يؤكل لحمه ام لا فلا يكون حديث الرفع جاريا فيه لانه لو بني على الجريان

__________________

كان جريانه في المشكوك يكون الاقل محصلا فهو وان كان امتنانا إلا انه لا يستفاد من حديث الرفع اثبات شيء وإنما يستفاد صرف الرفع ، والفرق بين المحصل الشرعي والمحصل العقلي كما ينسب الى بعض الأعاظم في غير محله

بيان ذلك : ان الجزئية والمانعية والشرطية ليست من الامور المجعولة وإنما هي أمور انتزاعية غير قابلة للجعل ولذا قلنا أن المرفوع في متعلق التكليف ليست الجزئية ، وإنما المرفوع الجزء المنبسط كما ان السببية لا يعقل جعلها وانما المجعول وجود المسببات عند وجود الاسباب لا السببية حيث أنها عبارة عن رشح الوجود ورشح إفاضة الوجود ليس أمرا شرعيا بل هو من الامور الذاتية ولا يعقل جعل ما ليس ذاته الرشح ان يرشح الوجود إلا بقلب ماهيته.

وعلى كل حال فحديث الرفع لا يشمله على كلا المسلكين. اما على المختار من جعل المسببات عند وجوب الاسباب ينتج عكس المقصود حيث أن ترتبه على الاكثر ليس مشكوكا ، واما ترتبه على الاقل فهو وان كان مشكوكا إلا أن رفعه يوجب التضييق وهو خلاف الامتنان ، واما على غير المختار من جعل

٥٩

يلزم منه خلاف الامتنان. إذ لو صلى به واجرى الحديث يلزم منه الاعادة في لباس آخر ، وهذا بخلاف ما يشك في كونه مصداقا لما هو معلوم المانعية فان قضية جريان الحديث فيه يلزم كونه في سعة ورفاهية ولا يلزم منه الاعادة على من صلى فيما يشك كونه من مصداق المانع وحقيقة الفرق ان المانع قضيته نظير السالبة التي هي سارية في جميع المصاديق وكل مصداق منها هو مورد النهي ففي مورد العلم يكون الشيء من المصاديق يجب تركه وما لم يعلم بكونه منها يجري فيه الحديث المذكور فيكون حينئذ في سعة بخلاف الشرط فان قضيته نظير القضية الموجبة ويكون الشك في مصداقها شك في المحصل الذي يجب رعايته مهما أمكن.

اللهم إلا أن يقال ان هذا الفرق إنما يتم لو كان مفاد حديث الرفع منحصرا في رفع المقتضي لأنه بعد معلومية الاشتراط لا يسوغ نفيه ، واما لو قلنا بانه لا ينحصر في ذلك بل كما كان الحديث برفع المقتضي كذلك يوجد المانع بواسطة اقتضائه الترخيص في ترك الاحتياط فلا يتم الفرق ، ولكن لا يخفى منع الفرق بناء على تعميم الحديث ولو بايجاد المانع فان ذلك مبني على كون حكم العقل

__________________

السببية فائضا لا يشمله الحديث ، إذ السببية عبارة عن رشح الوجود وذلك لم يترتب على كل جزء بل يترتب على مجموع الاجزاء اعني هو الاكثر فترتبه عليه ليس مشكوكا واما ترتبه على الاقل فهو وان كان مشكوكا إلا أن شمول الحديث له يلزم التضييق وهو خلاف الامتنان.

نعم بناء على هذا المحال اعني جعل السببية وضم محال آخر اليه أعني جعل الجزئية فيمكن شمول الحديث له ودعوى أن حديث الرفع يثبت محصلية الاقل ممنوعة لما عرفت من أن الحديث لا يستفاد منه إلا رفع التكليف واما إثبات تكليف آخر فلا.

٦٠