منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو تصرف المالك في ملكه تصرفا يضر بجاره فالمقابلة بينهما ان كانت على نحو التضاد لم يكن للمالك ان يتصرف لان ضرر جاره

________________

فتحصل مما ذكرنا ان اقتران لا ضرر ولا ضرار بهذه الموارد بلسان الرواية يكون من قبيل الاجتماع في الذكر لا انها اخذت في لسان الرواية بنحو المصاديق هذا مع قيام القرائن السندية والدلالتية المعينة لكون الاجتماع في الرواية لا بنحو كون المورد من صغريات القاعدة.

اما السندية فان اقضية الرسول (ص) كانت مجتمعة من حيث الرواية وقد فرقها الاصحاب على ابواب الفقه والذي يغلب على الظن ان المسألة من قبيل اجتماع المورد لا بنحو المصداق للقاعدة المذكورة.

واما الدلالتية فهي ان انطباق القاعدة على المورد يلزم كونه ضررا مع ان الموردين لم يكونا ضرريين إلا نادرا مع ان الاصحاب بالنسبة الى منع فضل الماء قد حكموا بالكراهة ولو كان على نحو مصداقية المورد للقاعدة للزم من ذلك استعمال لا ضرر بالقدر المشترك الذى يعم الكراهة واستعماله كذلك يكون هادما لاصل الحكومة ولو اغمضنا عن ذلك وقلنا ان الاجتماع بالنسبة لمورد الشفعة ومنع فضل الماء هو من سنخ مورد قضية سمرة إلّا انه لم يكن من جميع الجهات.

بيان ذلك ان الحكومة انما تتحقق في صورة كون المورد مشمولا للادلة الواقعية مع الاغماض عن دليل الحاكم فبدليل الحاكم ترتفع الادلة الواقعية كما في قضية سمرة فمع غض النظر عن لا ضرر كانت الادلة الواقعية تقتضي احترام ماله ولا يجوز لأحد التصرف فيه وله ان يدخل دار الانصاري من دون استئذان منه فقاعدة نفي الضرر رفعت الادلة الواقعية. واما بالنسبة للموردين فلم يكن دليل واقعي شاملا لهما مع الاغماض عن لا ضرر بل يكون الضرر علة للتشريع اذا تحقق الضرر كما هو كذلك بالنسبة الى الشفعة حيث ان الضرر فيها علة

٣٤١

مقدم على انتفاعه فتكون لا ضرر حاكمة ولا يسلب من سلطنة المالك إلا الانتفاع وربما يتمسك له ايضا بقاعدة ان درء المفاسد اولى من جلب المنافع وان كانت

________________

تشريعها ومع الاغماض عنها لم يكن في البين إلا بائع ومشتري ومجىء لا ضرر في مثل هذا المورد لا تنتج الحكومة المقصودة بل نتيجتها ثبوت خيار الغبن والحاصل ان وجود الضرر في بعض الموارد يكون من قبيل العلة لتشريع الحكم مثل الشفعة وكراهة منع فضل الماء ولا يعتبر في علة تشريعه الاطراد والانعكاس بل يكفي تحققه ولو في فرد نادر كما في تشريع العدة فان العلة في تشريعها عدم اختلاط المياه وهي لا تدور مداره وجودا وعدما بل لو فرض حصوله ولو نادرا فالشارع قصد التحفظ عن ذلك الفرد النادر ولاجله شرعت العدة والمقام من هذا القبيل فان الضرر بالنسبة الى الموردين وان كان نادرا فانه موجب لتشريع الاخذ بالشفعة وكراهة منع فضل الماء ولكن الانصاف يقتضي بان علة تشريع الحكم لا بد وان تكون غالبية إذ التشريع من اجل مورد نادر يكون مستهجنا بل ان مذاق الفقاهة يقتضي ان تشريع شىء لعلة لا بد من كون تلك العلة غالبية لا نادرة اتفاقية. وحينئذ بالنسبة الى الموردين لا يصح الضرر للتشريع ولا للحكومة فتعين ان يكون من قبيل الاجتماع في الذكر لا من قبيل المصاديق.

ثم انه ربما يشكل على كون الضرر في هذه الموارد انه حكمة للتشريع فكيف يكون حكومة وان الشىء لا يعقل ان يكون حكومة وحكمة للتشريع ولكن لا يخفى ان الضرر لما كان من العناوين الثانوية فلا محذور في كونه تارة يكون موضوعا لحكم واخرى منشأ لجعل حكم.

واما اشكال كثرة التخصيص الوارد على هذه القاعدة فانما يرد لو كانت القاعدة تأتي مستقلة لا ما كانت ملحقة بذيل مورد خاص لتكون دالة على العموم وتكون بالنسبة للموارد من قبيل انطباق الكبرى على صغرياتها وقد رويت من

٣٤٢

على نحو تقابل العدم والملكة فعدم النفع ضرر بهذا الاعتبار فمنع المالك من الانتفاع بملكه يكون ضررا ايضا فيتعارض عندنا ضرران فتكون المسألة من صغريات التزاحم.

________________

طريق الاصحاب بنحو الاستقلال كما عن دعائم الاسلام الذى هو من الكتب الموثوقة وصاحبه القاضي النعمان المصري كان مالكي المذهب ثم انتقل الى مذهب الامامية وكونه قاضيا للاسماعيلية لا يوجب قدحا حيث انه كان يخفي مذهبه لأن السيطرة كانت يوم ذاك للاسماعيلية ويظهر لمن امعن بكتابه النظر انه كان يوهم في حالة نقله فيروي عن ابي جعفر الثانى وهو محمد بن علي الجواد (ع) بحسب الامر الواقع ولكنه يظهر بانه يريد به محمد بن علي الباقر (ع).

وبالجملة اشكال كثرة التخصيص انما يرد على القاعدة باعتبار كون ورودها مستقلا والاشكال يرد ايضا على قاعدة الميسور وحاصل الاشكال في المقام اننا نجد كثيرا من الموارد ضرريا مثل الخمس والزكاة والحج وامثال ذلك مع اننا قد كلفنا باتيانها. وليست لا ضرر حاكمة عليها ورافعة لموضوعها باعتبار رفع الحكم وهذا الاشكال نفسه موجب لوهن القاعدة لأن كثرة التخصيص مستهجن ولكن لا يخفى إن الاشكال انما يرد اذا كان المورد خارجا عن القاعدة بنحو لا ينطبق عليه العام ويخرج عنه تخصيصا واما لو كان بلسان الحكومة على نحو يكون من باب التخصص لا من باب التخصيص فلا يرد عليه ذلك لعدم استهجانه : مثلا لو قال المولى اكرم العلماء ثم قال زيد ليس بعالم وهكذا عد كثيرا من الافراد فلا يعد مثل هذا من قبيل التخصيص بل يكون تخصصا ومن هذا القبيل الزكاة والخمس والحج وغير ذلك فيكون الخروج بالنسبة لها تخصصا لا تخصيصا حيث ان خروج هذه الاشياء لا يعد ضررا فان استحقاق الفقراء لبعض المال في الزكاة والخمس وغيرهما من الواجبات المالية موجب لخروجها عن القاعدة موضوعا مضافا الى ان عمل

٣٤٣

الجهة الثالثة ان مفاد الهيئة التركيبية التي هي لا ضرر صالحة للحمل على معان اظهرها الحمل على نفي الحقيقة لاجل تقييدها بالشريعة ومن المعلوم ان نفي الضرر

________________

الاصحاب لو بلغ الى حد الاجماع العملي يكشف عن وجود جامع ينطبق على الموارد الخاصة فيكون هذا الجامع الوجداني هو الخارج عن القاعدة فلا يكون خروج مصاديقه من القاعدة يلزم منه كثرة التخصيص المستهجن وعليه فيكون العمل على هذا الاجماع العملي مشخصا لمصداق القاعدة فما اجمع على العمل به يؤخذ وإلا فلا ويكون ما ذكره هنا نظير ما تقدم ذكره في قاعدة الميسور حيث انه في العرفيات يرجع الامر اليهم في عد الشىء ميسورا او غير ميسور فاذا كان عندهم ميسورا تمسك بقاعدته ، والارجاع الى العرف ليس إلا تشخيص المصداق للقاعدة.

وأما بالنسبة للشرعيات لما كان امرها بيد الشارع ولا علم لنا بالميسور والمعسور فلذا لا نقدر على اجراء القاعدة في مثل ذلك إلا ان اثبات الاجماع العملى يكون في غاية الاشكال حيث انه لم يصل الى حد الاجماع وعلى فرض بلوغه حد الشهرة فلا يوجب وهن القاعدة بذلك.

الجهة الثالثة في مفردات الحديث اما الضرر الذي هو اسم مصدر فهو عبارة عن الفوت ويظهر ذلك من تتبع مفردات اللغة واما الضرار فهو مصدر وهو عبارة عن تعمد الضرر ومن فسره بغير ذلك من ان الضرار فعل الاثنين الذي هو غير الضرر او هما بمعنى واحد واتيان لا ضرار للتأكيد فغير سديد لعدم انطباقه على الموارد التي الحقت بها هذه الكلمة المباركة.

وكيف كان فقد وقع الخلاف في مفاد القاعدة فقيل انها عبارة عن رفع الاحكام الشرعية بنحو الحكومة وقيل ان ـ لا ـ للنهي بلسان النفي اي يحرم

٣٤٤

من قبل الشارع في عالم التشريع ينحصر بما كان ناشئا من التشريع ولا يشمل المضار الخارجية التي لا ربط لها بعالم التشريع فعليه لا يحتاج النفي الى عناية وتقدير ومجازية او كونه مرآة عن الامر الضرري.

________________

الضرر ؛ وقيل المراد بلا ضرر هو غير المتدارك والانسب للقاعدة حسب ما اراه هو الاول ، واما الثالث فقد بعده الشيخ الانصاري (قده) وقال انه اردأ الاحتمالات وهو الحق حيث ان وجوب التدارك لا يوجب سلب الضرر بل يسلبه التدارك الفعلي إلا بدعوى ان وجوب الضرر حكم وضعي بمعنى اشتغال الذمة فعليه بنفس تحقق التدارك يرتفع الضرر إلا ان اثبات ذلك محل اشكال لأن السبب الموجب للضمان ليس سوى اليد والاتلاف ولم يعهد ان الضرر بنفسه يكون سببا للضمان. واما الثاني الذي هو حرمة الضرر بلسان النفي وان اختاره بعض المعاصرين وذكر في رسالته امثلة مثل : (لا رهبانية في الاسلام) (ولا فسوق ولا جدال في الحج) وامثال ذلك مما هو مقرون بكلمة ـ لا ـ مما لا محيص فيه عن الالتزام بكون ـ لا ـ للنهي فقد عرفت بطلانه لعدم ملائمته للحكومة. وظهر من ذلك ان القول الاول هو الحق.

بيان ذلك ان لنا مراتب اربعة الاولى ان ـ لا ـ لنفي ما هو تكوينه عين اعتباره في مقام التشريع كالاحكام الشرعية التي لا واقع لها إلا في مقام الاعتبار ، الثانية ان يكون المرفوع هو الموضوع باعتبار رفع حكمه وقد ذكرنا في حديث الرفع ان الرفع تارة يتسلط على ما قابل الوضع واخرى يتسلط على موضوع خارجي غير قابل للرفع ولكن رفعه يكون باعتبار آثاره والرفع فيما لا يعلمون باعتبار نفسه وباعتبار الخطأ والنسيان باعتبار آثاره وليس الرفع مستعملا بمعنيين بل هو بمعنى واحد. غاية الامر انه بالنسبة الى ما هو قابل للرفع من غير عناية وما كان موضوعا تكوينيا محتاج الى عناية وفي المقام ان الضرر لما كان من

٣٤٥

ويظهر من ذلك ان مرجع نفي الضرر بالمعنى المختار الى كون الضرر مانعا عن ثبوت تشريع حكم باقتضائه وعليه فالذي يناسب كون الحديث واردا مورد

________________

العناوين الثانوية فتارة يكون عنوانا لنفس الحكم الشرعي فيكون مرفوعا بنفسه من دون عناية واخرى يكون مرفوعا باعتبار آثاره اذا كان عنوان الموضوع ضرري وهذه المرتبة الثانية وان كانت ـ لا ـ فيها مستعملة في النفي إلا انه رفع الموضوع باعتبار التشريع بمعنى ان لسانه هو البناء على ان الموضوع لم يكن والتعبير عن هذه المرتبة بنفي الحكم بلسان رفع موضوعه مسامحة حيث انه ينبغي ان يكون الاستعمال تجوزا او كناية وكل ذلك لم يكن وان كان لا فرق في هذا الوجه مع الوجه الاول بالنسبة الى الحكومة كما لا يخفى.

الثالثة هو ان ـ لا ـ مستعملة في النفي إلا ان الضرر لما كان عنوانا عن فعل لا حكم فيه فيكون المراد نفي ذلك الفعل فلازمه كون الفعل حراما ولم تستعمل ـ لا ـ في النهي نظير ما ذكرناه في ان الجمل الاخبارية اذا استعملت في مقام الانشاء كمثل يسجد لم تستعمل في الانشاء بل المراد ايقاع النسبة بداعي الانشاء فيدل على الامر بالشىء وكذلك في المقام حيث ان ـ لا ـ لم تستعمل في النهي بل مستعملة في النفي إلا انه لما كان المراد هو الفعل الخارجي وليس له حكم فلازم نفيه في مقام التشريع هو الحرمة ـ الرابعة ـ هو نفي الضرر غير المتدارك وانه يراد من وجوب التدارك هو اشتغال الذمة لكي يكون ارتفاع الضرر بنفس اشتغال الذمة ولا يكون وجوب التدارك حكما تكليفيا فانه بمجرده لا يوجب رفع الضرر فافهم وتامل.

ثم انه لا ينتقل الى المرتبة الثانية إلا بعد تعذر المرتبة الاولى وهكذا الثالثة والرابعة وقد عرفت ان المرتبة الاولى عبارة عن رفع الحكم بنفسه من دون عناية لأن الضرر لما كان من العناوين الثانوية فيمكن رفعه بنفسه سواء كان من

٣٤٦

الامتنان ان لا يرجع الى ان الضرر يقتضي الالتزام بتركه لكي يكون من قبيل لا فسوق ولا جدال إذ ذلك لا يناسب كون الحديث مسوقا للامتنان بل كان

________________

الاحكام الوضعية مثل لزوم العقد او سلطنة سمرة على الاجتياز في الدار من دون طلب الرخصة او كان من الاحكام التكليفية.

ان قلت بالنسبة الى الحكم الوضعي يحصل الرفع من دون عناية ، واما بالنسبة الى الحكم الشرعي التكليفي فلا بد من رفع الفعل الذي يترتب عليه الحكم الشرعي حيث ان نفس تشريع الحكم الشرعي لم يكن ضرريا وانما الضرري الاتيان بمتعلقه ولا يسري ذلك الى الحكم لما عرفت سابقا من ان تعنون الشيء بالعنوان الثانوى يلزمه ان يكون من قبيل العلة التامة لا من المقدمات الاعدادية وفي المقام العنوان من قبيل المقدمات الاعدادية حيث ان الواسطة بين التشريع والفعل الخارجي هو ارادة المكلف فلم يكن التشريع علة لحصول الفعل الخارجي.

قلنا قد ذكرنا في مبحث اجتماع الامر والنهي ان الامر في مقام التشريع موجب لانبعاث ارادة العبد فهي في مقام التشريع معلولة للامر والارادة علة لاتيان الفعل فيكون المقام من قبيل العلل الطولية لا من قبيل المقدمات الاعدادية التي يكون الاخير منها موجبا لأن يتعنون بالعنوان الثانوي وفي باب العلل الطولية مبدأ التاثير هو العلة الاولى فالتاثير مستند اليه فحينئذ يكون الضرر منطبقا عليه بنفس الجعل فسلب الضرر اعني نفس الحكم الشرعي ليس فيه عناية ونفس الحكم الشرعي يتعنون بالضرر باعتبار كونه من قبيل العلة التكوينية لما عرفت انه علة في مقام التشريع هذا اذا لم تتعذر المرتبة الاولى واما لو تعذرت فرضا فلا بد من الالتزام بالمرتبة الثالثة واما المرتبة الثانية فهي غير معقولة في المقام حيث ان نفي الضرر لما كان سلب حكم لا بد وان يكون بالنسبة الى الشرائع السابقة له حكم فتكون لا ضرر ناظرة الى رفع ذلك الحكم مثلا لو كان للضرر

٣٤٧

تحملا آخرا والزاما زائدا عليهم وذلك ينافي كون مثل ذلك جيء به تخفيفا على الامة ويؤيد ذلك تصريح الاعلام بعدم شمول عموم القاعدة للضرر في المعاملات الغبنية كما هو كذلك في حديث الرفع.

________________

حكم مثل الحرمة مثلا ـ فتصير هذه القاعدة ناظرة الى رفع الوجوب وعليه رفع هذا الحكم يوجب خلاف الامتنان بالنسبة الى نظائره من التراكيب كمثل لا نسيئة ولا فسوق ولا جدال وامثال ذلك مما كان له حكم والسلب يرفعه وحينئذ فتتعذر المرتبة الاولى وتتعين المرتبة الثالثة ، واما حملها ابتداء على المرتبة الثالثة كما صنعه بعض المعاصرين وذكر امثلة كثيرة من هذا القبيل بحيث كانت غير قابلة إلا لهذه المرتبة مدفوع بما ذكرنا من حملها على المرتبة الاولى.

واما تكثر الامثلة فهو انما يفيد في قبال من ادعى انا لا نعهد تركيبا محمولا على هذه المرتبة واما كثرة الامثلة فلا توجب حمل هذا التركيب على ذلك ومما ذكرنا من دفع الاشكال يندفع نظير هذا الاشكال وحاصله انهم ذكروا بالنسبة الى باب التسبب ان الفعل يستند الى المسبب لا الى المباشر فيما اذا لم تتوسط ارادة اختيارية كمثل من حفر بئرا فوقع فيها شخص من دون علم له بحفر البئر او نصب سكينا فجرح بها شخص واما لو دفعه شخص آخر فوقع في البئر فلا يستند الوقوع فيها الى المسبب بل يستند الى المباشر واما الجواب فهو ان المقدمات الاعدادية هي ما يكون الفعل مستندا فيها الى الجزء الاخير واما توسط الارادة الاختيارية فهو نظير المقدمات الاعدادية ايضا مستند الى الارادة ، واما سلسلة العلل والمعلولات فليست من ذلك القبيل وانما الفعل فيها مستند الى مبدأ العلل وهو العمدة في التأثير وفي المقام حيث ان الانبعاث معلول في عالم التشريع فالضرر المستند الى الفعل المعلول للارادة المعلولة للايجاد والجعل فيتعنون نفس الجعل بالضرر.

٣٤٨

اذا عرفت ذلك فاعلم ان كون هذه القاعدة واردة مورد الامتنان يخص موردها بما كان تشريع الحكم فيه خلاف الامتنان في حق الشخص ولا يشمل

________________

فانقدح مما ذكرنا ان الضرر لما كان من العناوين الثانوية فيمكن ان يكون عنوانا لنفس الحكم الوضعي كما انه يمكن ان يكون عنوانا للحكم الشرعي التكليفي وهو المراد من لا ضرر في الروايات ، واما لا ضرار فالمراد به هو التعمد على الضرر كما استعملت في رواية الرأس والجلد وكيف كان فلا بد من الالتزام بهذا المعنى وبه تتم الحكومة فان الحكومة كما حققنا ليست عبارة عن التفسير باي واعني كما يظهر من شيخنا في بحث التعادل والتراجيح حيث قال انها شرح اللفظ بل المراد بها كون دليل الحاكم ناظرا الى الادلة الواقعية اما برفع الموضوع كمثل لا شك لكثير الشك فانه ليس في مقام الشك بل بلسان نفي الشك فحينئذ لا نرى منافاة ولا معارضة حيث ان ادلة الشكوك تنظر الى الشك بعد الفراغ عن كونه شكا ودليل الحاكم ناظر الى رفع الشك واما رفع المحمول كمثل لا ضرر ولا حرج فان الضرر لما كان عبارة عن الحكم الشرعي فالرفع يتوجه على نفس الحكم الشرعي بمعنى انه لم يجعل ما هو سبب للضرر.

واما المعنى الرابع وهو ما ذكره شيخنا فهو غير مقبول منه حيث ان النفي لا بد وان يحمل على النفي التنزيلي بمعنى ان الضرر المتدارك ليس بضرر ولا بد من ان يراد من وجوب التدارك هو الحكم الوضعي. واما الحكم التكليفي فلا يوجب رفع الضرر ولم يعهد من احد جعل الضرر سببا للحكم بالتدارك.

فتحصل مما ذكرنا ان المتعين هو ارادة الوجه الاول من الضرر واذا تعذر فالوجه الثالث واما الوجه الثاني فهو يتوقف على ان يكون للضرر حكم كالحرمة

٣٤٩

ما كان نفي الضرر خلاف الامتنان في حق غيره ولازمه عدم صلاحية عموم نفي الضرر لنفي الاحكام الامتنانية مثل سلطنة المالك على ملكه فحينئذ يقع الاشكال

________________

وامثالها وحينئذ ترتفع الحرمة بارتفاع الموضوع كمثل لا نسيئة ولا رهبانية وامثال ذلك.

وعلى هذا فالقاعدة تدل على عكس المطلوب ثم ان شيخنا الانصاري (قده) ذكر انه لا يضر الاستدلال بهذه القاعدة ولو لم تكن منطبقة على موردها في قضية سمرة بن جندب ولكن لا يخفى انه من اشد ما يضر بالقاعدة ويوجب وهنها وعدم التمسك بها عدم انطباقها على المورد مع ان دعوى انها غير منطبقة ممنوعة فان قضية سمرة من اظهر مصاديق القاعدة.

بيان ذلك ان غرس الشجرة في ارض الانصاري اما ان يكون بنحو الاجارة او بنحو العارية او ان الانصاري باعها لسمرة وغرسها في مدة الخيار او بعد انقضاء مدة الخيار وغرسها والمتعين حمل الرواية على الاخير حيث ان غرس الشجرة لو كان بنحو الاجارة او العارية او البيع في مدة الخيار فتعلقها بانتهاء الاجارة ويرجع بالعارية ويفسخ بالبيع ولا نحتاج الى قاعدة لا ضرر نعم بالنسبة الى الاخير يحتاج في قلعها الى حكومة لا ضرر على الدليل الواقعي بتقريب ان احترام مال الغير اما قاعدة مستقلة في قبال السلطنة أو هي من لوازم السلطنة كما استظهرنا ذلك في بعض مباحثنا فحينئذ لسمرة هذا الحق وبقاء هذا الحق ضرر فبقاعدة لا ضرر يرتفع هذا الحق.

واما اشكال كثرة التخصيص فهو اشكال مشترك الورود بين هذه القاعد وقاعدة الميسور إلا ان قاعدة الميسور عدم التمسك بها ليس من هذه الجهة بل من جهة ان المناط في كون الشيء ميسورا لشيء ليس بمعلوم ومن هنا قلنا انه بالنسبة الى العرفيات لما كان امره معلوما فيمكن احراز ميسورية شيء لشيء

٣٥٠

في تطبيق هذه القاعدة على بعض الموارد كقضية سمرة ابن جندب وخبر الشفعة وما ورد عن فضل الماء وقضية انهدام الجدار والمعاملات الضررية كالمشتملة على

________________

وبالنسبة الى الشرعيات لما لم تكن معلومة المناط فلا يمكن التمسك بالقاعدة واما في المقام بالنظر الى خروج مثل الخمس والزكاة وامثال ذلك فقد عرفت مما تقدم ان خروج هذه انما هو من باب الخروج الموضوعي ولا يوجب الوهن في القاعدة مضافا الى انا ذكرنا في بحث العام والخاص ان المستهجن من كثرة التخصيص هو التخصيص الافرادي واما التخصيص الانواعي بمعنى ان الخارج هو نوع واحد ولكن كان منطبقا على افراد غير محصورة فلا يكون من كثرة التخصيص مثلا لو قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق وكان الفساق اكثر بمراتب من العلماء فاخراج الفساق من العلماء لا يعد من كثرة التخصيص وذكرنا ان الموجود في الكتاب والسنة هو التخصيص الانواعي لا الافرادي وينبغي التنبيه على امور :

الاول انك قد عرفت ان قضية سمرة بن جندب تنطبق قاعدة لا ضرر عليها وحاصلها ان سلطنة مالك الشجرة تقتضي السلطنة على الاستطراق والعبور على ارض الانصاري وهذا الحق يلزم منه ضرر فالنبي (ص) دفع هذا الضرر بالاستئذان ثم لما امتنع من الاستئذان حصل الاصرار على الضرر اعني التعمد ووصلت النوبة الى المرتبة الثانية اعني الاصرار على الضرر فلذا قال النبي (ص) انك رجل مضار فحينئذ صار مصداقا لكلمة لا ضرر ولا ضرار فدعوى شيخنا الانصارى (قده) انه لا تنطبق القاعدة على مورد سمرة لا يضر بالاستدلال بها في غير محله.

اولا اضرار عدم الانطباق على المورد بالاستدلال واضح ، وانطباق القاعدة على قضية سمرة واضح ثانيا واما الوهن بكثرة التخصيص فقد عرفت الجواب عنه ـ التنبيه الثاني ـ هو انه قد وقع الاشكال في ان مقتضى كون الضرر من

٣٥١

الغبن والعيب والتبعيض وتخلف الوصف والشرط فان الاصحاب ذكروا تدارك الضرر بجعل الجدار وتطبيق الاصحاب هذه القاعدة على الزوجة الغائب عنها

__________________

العناوين ينبغي ان يكون وجوده مضرا من دون فرق ما بين العلم والجهل مع انهم لم يلتزموا في الفقه بذلك.

فنقول ومن الله الاستعانة : ان الضرر تارة يكون في الاحكام واخرى في العقود ، وثالثة في غيرهما كالضرر في السلطنة وهذه الابواب الثلاثة اعتبار الضرر فيها مختلف اما القسم الاول فالضرر الرافع للحكم الواقعي هو الضرر المعلوم ولا يضربه الجهل بالضرر ، واما القسم الثاني فالجهل بالضرر يتضمنه حديث لا ضرر ، واما الضرر المعلوم فلا يتعرض له حديث لا ضرر ، واما القسم الثالث فالضرر المأخوذ فيه هو الضرر الواقعي من دون نظر الى العلم والجهل.

وبالجملة الفرق بين هذه الاقسام هو انه في القسم الثالث على مقتضى القاعدة ، واما في القسم الثاني ففي صورة العلم يتحقق الاقدام على الضرر وليس الضرر ناشئا من الحكم وانما نشأ الضرر من الاقدام بخلاف صورة الجهل فانه لما كان جاهلا بالضرر فحكم الشارع في هذا الحال ضرر فيشمله حديث لا ضرر.

وحاصل الكلام هو ان الضرر لما كان عنوانا ثانويا للحكم فينبغي ان يتعنون الحكم بالضرر لا شىء آخر غير الحكم يتعنون به كما هو كذلك في صورة العلم فان نفس الاقدام صار ضرريا وهو اجنبي عن الحكم فتعنون الاقدام بالضرر لا يوجب رفع الحكم.

وبالنسبة الى الجهل نفس الحكم يتعنون بالضرر فيشمله حديث الرفع ، واما بالنسبة الى التكاليف فينعكس الحال فيها ففي صورة العلم التكليف بنفسه يكون ضرريا حيث انه في هذه الصورة يكون العلم داعيا الى توجه التكليف

٣٥٢

زوجها بعد فحص الحاكم الشرعي اربع سنين وتوليه الطلاق بعموم نفي الضرر.

وحاصل الاشكال ان المستفاد من هذه القاعدة هي انها سيقت للحكاية عن

__________________

ونسبة التكليف الى متعلقه كنسبة العلة الى معلولها وبالنسبة الى صورة الجهل حيث انه لا يعلم فلا يتصف التكليف بالضرر فلا يكون داعيا الى توجه التكليف.

وبالجملة الجهل في العقود داع والجزء الاخير لكونه ضرريا هو الحكم وبالنسبة الى التكاليف يكون الجهل بالتكليف داعيا والجزء الاخير هو الجهل فلا يتعنون حينئذ التكليف بالضرر كما لا يخفى.

التنبيه الثالث ان لا ضرر انما تجري بالنسبة الى ما لو نشأ من جعل الحكم ضرر فترفعه ولان يجري بالنسبة الى ما ينشأ من عدم جعل الحكم ضررا وبالجملة لا تجري في العدميات قاعدة لا ضرر ودعوى ان العدم يلاحظ باعتبار استمراره ممنوعة حيث انه ولو بلحاظ الاستمرار لا يرى إلا عدم الحكم ولا يجعله امرا وجوديا والضرر لما كان من العناوين فلا بد ان يلحظ باعتبار امر وجودى لا باعتبار امر عدمي وما يتراءى بالنسبة الى بعض العدميات كما في مثل من حفر بئرا وسبب حفره للبئر وقوع حائط جاره فربما يقال بأنه من عدم ضمان حافر البئر للجار تضرر الجار فبمعونة لا ضرر يثبت على الحافر الضمان وكذلك من حفر قناة فاخذ ماء صاحبه او هدم شرافة جداره فاضره ذلك فمن عدم ضمانه لجاره يلزم الضرر فبلا ضرر يثبت الحكم بالضمان ولكن لا يخفى ان الحكم بالضمان في مثل هذه الصور ليس من جهة لا ضرر بل من جهة الاتلاف كالصورة الاولى والثانية وفي الثالثة اثبات حق لصاحب الجار في الشرفة فبالهدم ازال ذلك الحق فلا تغفل.

التنبيه الرابع ـ ليس كل من اقدم على الضرر يرفعه حديث لا ضرر بل الاقدام على موضوع يترتب عليه الحكم الضررى يرفعه ذلك الحديث كمن تعمد إجناب نفسه فاقدامه هذا اوجب ان يجعله جنبا ويترتب عليه وجوب

٣٥٣

نفي الاحكام الضررية الناشئة من جهات امر الثابتة من الخارج من دون كونها مستقلة في قبال سائر القواعد فيكون حالها كحال كل شىء حلال في رواية مسعدة

__________________

الغسل وهذا الحكم ضرري.

وفي هذا التنبيه تذكر فروع ربما يتوهم التهافت في كلمات الفقهاء وفي فتاواهم منها اللوح المغصوب في السفينة فانه يفرقون بين العالم والجاهل ويحكمون بوجوب الرد للعالم ولو كانت السفينة وسط البحر ويتضرر صاحب السفينة ولا يحكمون بوجوب الرد للجاهل بالغصب ويجرون لا ضرر في الجاهل دون العالم وربما يقال بعدم الفرق بينهما بدعوى ان العالم بالغصب اقدم على موضوع يترتب عليه الحكم الضرري فانه اقدم على جعل اللوح في السفينة ويترتب عليه وجوب الرد وهو ضرري كمن تعمد الجنابة وهو يعلم بان الغسل مضر ولكن لا يخفى ما فيه إذ ان المقدم على إجناب نفسه ليس مقدما على الحكم الضرري وانما اقدم على موضوع لو ترتب عليه الحكم لزم الضرر بخلاف اللوح المغصوب فانه قبل وضعه في السفينة الحكم بوجوب الرد فعلي فهو مقدم على ما هو ضرري وليس بمقدم على موضوع يترتب عليه الحكم الضرري ومنها الارض المغروسة بالاشجار فان لها صور عديدة بعضها يحكم بقلع الاشجار في صورة ملكت فيها الارض دون الاشجار وبعضها لا يحكم بالقلع بل تبقى الاشجار على ما هي عليها كما لو كانت الارض للمفلس وتعلق حق الديان بالارض والاشجار فانهم حكموا بابقاء الاشجار على حالها ولا يجوز لصاحب الارض قلع الاشجار وكذا ما لو تعلق حق الزوجة بالاشجار بالارث مع ان الارض لشخص آخر وكذا لو باع المالك الارض والاشجار لشخصين فملك احدهما الارض والآخر الاشجار فانهم يحكمون في جميع هذه الصور بعدم جواز قلع الشجرة مع ان بقاءها ربما يقال بانه ضرر على مالك الارض فيندرج تحت حديث لا ضرر فيقضى له بالرمي بها لصاحبها بمقتضى

٣٥٤

المشتمل ذيلها على اليد والاستصحاب واصالة الحل الحاكمة جميعها على قاعدة الحل وعليه لم تكن مفادها تأسيس حكم في قبالها فلا تكون صالحة للحكومة على ادلة

__________________

حديث لا ضرر ولكن لا يخفى ان هذه الصور جميعها لا تندرج تحت حديث لا ضرر وضابطها انه كلما يملك ملكا دائميا يجب إبقاؤه على حاله من دون تصرف فيه والسر فيه ان الضرر انما يتحقق لو كان مالك الارض يملكها بما انها خالية من الاشجار فمع وجود الاشجار تضر بملكيته فتجري لا ضرر ، واما لو كانت ملكيته للارض ليست على الوصف بل ملكيته بما انها مشغولة بالاشجار فلا ضرر بوجود الاشجار في ملكه فعليه لا مجال لجريان لا ضرر. نعم بالنسبة الى غرس الاشجار في مدة الخيار او غرسها في الارض المستأجرة او في الارض العارية يمكن القول بمجيء لا ضرر حيث ان المالك يملك الارض بما انها خالية من الغرس فغرسها فيه ضرر فيشمله الحديث. والقول بالابقاء مستلزم للدور حيث ان بقاء الغرس على حاله موقوف على عدم سلطنة مالك الارض على قلعه وعدم سلطنته على القلع موقوف على بقاء الحق للغارس على الابقاء.

إن قلت هذا الدور بعينه يجري فيما لو قلنا بان لصاحب الملك حق القلع حيث ان سلطنته على ذلك تتوقف على عدم كون المالك للغرس له الابقاء وكون مالك الغرس ليس له حق الابقاء موقوف على ثبوت سلطنة مالك الارض على القلع

قلنا ان سلطنته على ثبوت القلع لا تتوقف على ثبوت حق للغارس حيث ان هذه السلطنة كانت متحققة قبل الغرس وبعده لان المقتضي متحقق والمانع يشك في مانعيته فنفس عدم ثبوت حق للغارس كاف في ثبوت السلطنة على ثبوت القلع وحاصل الكلام هو ان الاقدام بالنسبة الى إجناب نفسه يترتب عليه وجوب الغسل وذلك منه لم يكن اقداما على الحكم الضررى بل على موضوع يترتب عليه الحكم الشرعي وعلى العكس ما لو اقدم على نفس الضرر كالاقدام على

٣٥٥

الاحكام فحينئذ يقع الاشكال في تطبيقها على الموارد المذكورة ولكن عند التامل نرى ان في كل مورد من تلك الموارد فيه قاعدة او دليل يدل على الحكم

__________________

المعاملة الغينية وهناك قسم آخر من الاقدام وهو اقدام على امر مستلزم لتعليق الحكم الضرري عليه من غير فرق بين ان يكون الحكم قبل الاقدام فعليا كغاصب اللوح او لم يكن كذلك بان يعلم بتحققه بعد ذلك كمن بنى بالارض المستأجرة او غرس فيها او الغرس في مدة الخيار او الغرس في الارض العارية ولا يخفى ان الفرق بين الصورة الاولى والثانية بكمال الوضوح فان الاولى لم يقدم فيها إلا على امر مباح خال من الضرر وانما للضرر نشأ من الحكم الشرعي فيكون الحكم الشرعي كالجزء الاخير من العلة والاقدام على ايجاد موضوعه يكون من المقدمة الاعدادية بخلاف الصورة الثانية فان الاقدام يكون على نفس الضرر والحكم من المقدمات الاعدادية فيكون بين الصورتين معاكسة.

واما القسم الثالث المشتمل على الفروع المذكورة التي كانت تحتمل الرد والامضاء فهل يعد الاقدام فيها اقداما على الضرر ام لا؟ الظاهر انه بالنسبة الى الاجارة يعد اقداما لأنه لما كان عالما برجوع الارض للمالك بعد مدة الاجارة وهي مملوكة له بما انها خالية من الغرس فيكون غرسه اقداما على الضرر ويكون للمالك قلعها واما بالنسبة لما هو محتمل لعدم الامضاء فدعوى كونه اقداما غير مجازفة حيث انه مع هذا الاحتمال فلا اقدام على الغرس فيكون قد اقدم على الضرر فلا يشمله حديث لا ضرر.

ان قلت مع احتمال الامضاء فلا يعد اقداما. قلنا ان الاقدام انما يتقوم بالتوطين وهو متحقق مع احتمال عدم الامضاء ولا يرفع التوطين احتمال الامضاء لا يقال الاقدام انما يتحقق في هذه الموارد اذا كان الحكم بالرد فعليا لكي يكون الاقدام على الضرر بمعونة الحكم الشرعي فيكون كاللوح

٣٥٦

وليس الحكم مستفادا من نفس القاعدة فعموم القاعدة انما هو لحكايته عن ان كل مورد من تلك الموارد فيه دليل يضاهي القاعدة فلم يكن المدرك في تلك

__________________

المغصوب في السفينة وفي هذه الموارد الحكم لم يكن فعليا بل بعد انقضاء امد الاجارة والخيار ومدة العارية فحين الغرس ليس الحكم فعليا فلا اقدام.

قلنا انه لا يفرق الحال بين كون الحكم فعليا او غير فعلي فانه وان لم يكن الحكم فعليا في هذه الموارد إلا انه يعلم بتوجه الحكم بعد مدة او يحتمل توجه الحكم ومع ذلك اقدم فيعد هذا اقدام وتوطين النفس على الضرر ـ فذلكة البحث ـ ان الاقدام بالنسبة الى التكاليف لا يفرق بين كونه من سلسلة العلل او من سلسلة المعلولات فلا يعد من الاقدام بل نفس متعلق التكليف اذا كان ضرريا يكون التكليف معنونا بالضرر فحديث لا ضرر يرفعه فما كان من سلسلة العلل كمن اجنب نفسه متعمدا او من سلسلة المعلولات كمن علم بضرر صومه لا يعد مقدميا على الحكم الضرري

واما في الوضعيات فتارة يكون الاقدام على نفس الضرر كمن علم بالغبن فانه اقدم على الضرر بنفسه واخرى لا يكون الحكم ضرريا ولكنه بسوء اختياره عنون فعله بالضرر مثلا اللوح المغصوب وجوب رده ليس ضرريا ولكن حيث انه بسوء اختياره لبس ذلك اللوح المغصوب وجوب الرد فصار ضرريا من هذه الجهة والمقام من هذا القبيل حيث ان نفس رد الارض قبل الغرس بعد الاجارة وبعد انقضاء مدة الخيار ليس ضرريا ولكن غرسه في الارض هو الذي صير فعله ضرريا فهو قادم على تلبيس فعله بالضرر ولا يخفى انه ليس بين الفعل والحكم بوجوب الرد ولو قلنا بانه تكليفي علية ومعلولية لكي يكون موجبا لاتصاف الحكم بالضرر وانما المعد هو الحكم التكليفي والجزء الاخير من العلة هو الاقدام وليس الحكم التكليفي ضرريا بل انما هو بواسطة الغرس.

التنبيه الخامس ـ في تعارض قاعدة لا ضرر مع قاعدة السلطنة فنقول ان

٣٥٧

الموارد نفس القاعدة وانما المدرك غيرها وتكون القاعدة مؤيدة للدليل الموجود في المورد. وعليه ينبغي لنا سبر تلك الموارد.

__________________

السلطنة تارة تقتضي التصرف بالدار بنحو يكون تركه ضرريا كحفر بئر او بالوعة يتضرر به الجار وفي ترك الحفر ضرر على المالك ، واخرى يكون في فعله منفعة للدار وفي تركه ليس ضرر على الممالك ، وثالثة لا ينتفع بالتصرف ولا يتضرر بتركه. اما بالنسبة الى الصورة الاولى فقد حكم الاصحاب بحكومة السلطنة على لا ضرر كما انهم بالنسبة الى الصورة الاخيرة حكموا بحكومة لا ضرر على السلطنة ، واما الصورة الثانية فقد وقع الخلاف بينهم كما نقل ايضا عن الشافعية مثله.

وكيف كان فربما يشكل بالنسبة الى الصورة الاولى ، وحاصل الاشكال انها تدخل تحت قاعدة عدم جواز دفع الضرر المتوجه اليه لشخص آخر حيث ان المقام يكون التصرف في الدار يوجب توجه الضرر على الجار ولكن لا يخفى ان المقام ليس من ذلك القبيل حيث ان ذلك انما يتم لو كان الضرر متوجها اليه ابتداء فيدفعه الى غيره مثلا السيل متوجه اليه دون جاره فهو يدفعه الى جاره واما لو توجه السيل الى بلده وحصن داره من غير قصد لتوجه السيل الى غيره فلا محذور فيه اذ كما انه لا يجوز دفع الضرر عن نفسه وتوجهه للغير لا يجب تحمل الضرر المتوجه الى الغير لنفسه وفي المقام حيث ان مقتضى السلطنة يقتضي التصرف في داره فلا مجرى لحديث لا ضرر حينئذ اذ جريانه مناف للامتنان.

واما اذا كان التصرف لمنفعته ولا يلزم من تركه ضرر فائضا لا تجري قاعدة لا ضرر لما عرفت انها واردة مورد الامتنان وجريانها مناف لذلك واما بالنسبة الى ما كان التصرف لا لفائدة ولا يلزم من تركه ضرر للمالك فقط يلزم من فعله ضرر للجار فيشمله حديث لا ضرر فان منع المالك وقصور سلطنته لا ينافي

٣٥٨

اما قضية سمرة فالاشكال فيها من جهتين الاول انها في مورد قاعدة السلطنة ومن هنا وقع الاشكال إذ قاعدة الضرر لا ترفع سلطنة الانسان على ماله لدفع ضرر الغير كما انه لا يجب تحمل الضرر للدفع عن الغير مع ان الرواية صريحة بذلك من حيث انه امر رسول الله (ص) الانصاري بقلع الشجرة فان كون الشجرة ما لا لسمرة يكون له حق العبور الى شجرته فاى وجه لالزامه بالاستيذان وامر الانصاري بقلعها الجهة الثانية من الاشكال انه (ص) لم يحكم بتدارك ماله حيث ان ماله محترم ولم يظهر شىء يوجب سقوط احترام ماله والتحقيق في المقام يحتاج الى ذكر مقدمة وهي ان قاعدة السلطنة قاعدة عامة جارية في كل مورد يكون للانسان سلطنة على ماله فيجري بالنسبة لكل شخص ما لم تزاحم سلطنة شخص آخر لان قاعدة السلطنة قاعدة امتنانية وهي بالنسبة الى الاشخاص على حد سواء فعليه لا تجري تلك القاعدة في حق شخص يلزم منه خلاف الامتنان بالنسبة الى

__________________

الامتنان فلا مانع من جريان لا ضرر. ان قلت منع المالك من التصرف في الدار ولو لا لمنفعة ضرر قلنا اولا ليس في المقام ضرر كما هو المفروض وثانيا ان الضرر الناشئ من لا ضرر لا يمكن رفعه بلا ضرر فان الشىء لا يكون رافعا لنفسه وما قلناه بالنسبة الى الاصل السببي والمسببي فان السببي حاكم على الاصل المسببي مع ان المستند فيهما واحد وهو لا تنقض اليقين بالشك ونفس لا تنقض لا تكون حاكمة على نفسها فانما هو باعتبار ان وجود فرد يكون رافعا لموضوع فرد آخر وبعبارة اخرى بجريان الاصل الجاري في السبب ينقلب الشك الى اليقين وبهذا الاعتبار يكون حاكما على الاصل المسببي.

فتلخص ان لا ضرر لا تجري في الصورتين الاوليتين وتجري في الاخيرة فقط لما عرفت من انها واردة في الامتنان وجريانها في الصورتين الاوليتين ينافي الامتنان والحمد لله رب العالمين.

٣٥٩

شخص آخر وبالجملة القاعدة تجري لكل شخص إلّا ان يصدق على تصرفه بانه تصرف في مال الغير فحينئذ تنصرف تلك القاعدة عن مثل هذه السلطنة ولاجل ذلك بينا في تزاحم الحقوق ان لصاحب الشجرة المغروسة بالارض المستعارة قلع الشجرة حتى لو اوجب فساد الارض وليس لصاحب الارض منعه ولا ينقض ذلك بتصرف صاحب الشجرة لو اراد قلعها اذ هو تصرف من دون رضا صاحب الارض بيان عدم النقض هو ان رفع سلطنة صاحب الارض بمنعه من التصرف متأخرة عن سلطنة صاحب الشجرة فحينئذ تكون سلطنة صاحب الشجرة متحققة من دون مزاحم والسلطنة على الشىء سلطنة على مقدماته مثل قلع الشجرة المستلزمة للتصرف في ارض الغير اذ تلك السلطنة متوقفة ومستلزمة لذلك وحاصل المقدمة ان قاعدة السلطنة منصرفة عما لو كان اجراؤها منافيا لسلطنة الغير وحينئذ نقول ان الذي يظهر من الرواية ان عمل سمرة ابن جندب مفاجاته ووصوله الى الشجرة من دون اذنه مستلزم لهتك عرض الغير فينطبق على عمله عنوان هتك عرض الغير ولا اشكال ان مال المسلم محترم وعرضه ايضا محترم فكما انه لا يجوز للشخص التصرف في ماله اذا استلزم التصرف في مال الغير كذلك ايضا لا يجوز التصرف في ماله اذا استلزم هتك عرض الغير وبالجملة عمل سمرة بمقتضى قاعدة السلطنة محرم من جهة استلزامه لهتك عرض الغير وحينئذ يدور الامر بين منعه عن الشجرة رأسا بان يمنعه من الوصول ويسد الباب او يمنعه فقط من الوصول واما ماله فيوصله اليه بان يقلعه ويعطيه اليه لانه انحصر علاج ذلك باحد هذين الامرين حيث انه امتنع من الاستئذان ولما انحصر الطريق باحد امرين لا ثالث لهما فلا بد وان يأخذ بأقلهما محذورا ولا اشكال ان المنع من ماله رأسا ظلم واشد محذورا من قلع الشجرة واعطائها اليه فحينئذ يتعين الوجه الثاني ولأجل ذلك امر النبي (ص) بالقلع والقائها اليه. فتحصل من ذلك ان امر النبي (ص) بذلك ليس على خلاف الاصل

٣٦٠