منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

حديث لا تعاد

التنبيه الخامس في التمسك بحديث لا تعاد وهو قوله (ع) (لا تعاد الصلاة إلا من خمس الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود) الدال على الحكم بصحة الاتيان بالصلاة التي اخل ببعض اجزائها بما عدا الخمسة المذكورة والاعادة لو اخل باحد الخمسة والكلام في هذا الحديث الشريف في الدلالة إذ السند صحيح معتبر فلذا يقع التكلم في مقام الدلالة.

فنقول مفاد هذا الحديث هل يختص بالناسي أم يعم الجاهل بعد القطع بعدم شموله للعامد اذ ذلك ينافي جزئية الاجزاء؟ ظاهر المشهور اختصاصه بالناسي بتقريب ان الناسي حيث لا يعقل توجه التكليف اليه فلا يشمله ادلة الاجزاء فلذا بعد التذكر يصح للمولى خطابه بقوله اعد فخطاب لا تعد في مورد يصح ان يخاطب بأعد بخلاف الجاهل فانه ليس المولى بحاجة الى خطابه عند التذكر بأعد لو كان غرضه الاتيان بالمنسي به بعد التذكر إذ اطلاقات الاجزاء دالة على اتيان العمل بعد التذكر فعليه لا مجال لخطابه بقوله لا تعد كما هو كذلك لو ترك المكلف بعض الاجزاء عمدا فان الامر الاول مقتضيا لاتيانه ثانيا من غير حاجة الى خطابه بأعد وبعبارة اخرى ان خطاب لا تعاد يدل على نفى الاعادة في مورد لو لا هذا الدليل يكون المكلف مخاطبا بعنوان الاعادة بقوله اعد وذلك يقتضي الاختصاص بالسهو والنسيان ولا يشمل الجهل لما عرفت ان اطلاق دليل الامر الاول كافيا للاتيان به ثانيا بعد التذكر من دون حاجة الى قوله اعد.

ولكن لا يخفى ان اطلاق الاعادة على الاتيان به ثانيا على تارك بعض

٣٢١

الاجزاء او تارك المركب بتمامه من غير فرق بين الناسي والجاهل لعدم الفرق بينهما في اطلاق الاعادة على ثاني الوجود من غير فرق بين كونه اطلاقا حقيقيا كما في الناسي او تخيليا كما في الجاهل بل ينتزع عنوان الاعادة على الترك العمدى كما في قوله (ع) من زاد في صلاته فعليه الاعادة وكما في قوله (فيمن جهر في موضع الاخفات او اخفى في موضع الجهر فقد نقص صلاته وعليه الاعادة) الظاهر ذلك في الاخلال العمدى لمقابلته بقوله (ع) (فان فعل ساهيا او لا يدري فلا شىء عليه وتحقيق المقام يستدعي رسم مقدمتين : ـ

الاولى ان عدم الاعادة تارة يكون لعدم المقتضي اى بأن يكون الآتي بالمركب الناقص آتيا بالغرض اذ لازم هذا الدليل ان يقيد دليل المركب بما عدا المنسي وعليه لا ينطبق ذلك على الجاهل بالحكم وانما ينطبق على الجاهل بالموضوع والناسي إذ التقييد انما يصح ويتصور بالنسبة اليهما دون الجاهل بالحكم اذ العلم والجهل لا يناط بهما التكليف وإلّا لزم الدور. وبعبارة اوضح انه لو فرض وجود اطلاق لدليل الجزء وأن المراد بعدم الاعادة هو عدم وجود المقتضي فلا محيص من تقييد دليل المركب بهذا الحديث ولازمه كون تكليف الجاهل من الاول هو الناقص واختصاص دليل المركب بالعالم وجريان الحديث بالنسبة الى الناسي لأن الجهل والعلم لا يناط بهما التكليف الواقعي واخرى يكون المراد بعدم الاعادة لوجود المانع وفرق بين النحوين اذ الاول يلزم منه ان يكون اصل التكليف نوعين وفي الثاني نوعا واحدا ولكن امتثاله يتوقف على عدم اتيان الناقص ولذا يسقط التكليف الواقعي من القابلية للامتثال بسبب اتيان الناقص والتكليف حقيقة تعلق بالتام وعلى الاخير يعم الجاهل بقسميه والناسي. والاشكال في ان التكليف لا يناط بالجهل والعلم غير متوجة على هذا النحو اذ ربما يختلف الحكم بحسب الواقعي والظاهرى كما لا يخفى.

٣٢٢

الثانية ان التكاليف الارتباطية لما كان المقصود منها لا يتحقق إلّا باتيان جميع تلك الاجزاء فحينئذ لا يحصل الغرض الا مع جميع الاجزاء وكما انها بلحاظ الامر مجتمعة كذلك في عالم تطبيقها على الخارج ايضا مجتمعة لكي تسقط الارادة الفعلية وان كان الاصل فيما لو تعذر جزء سقوط المركب لو لا قاعدة الميسور ، اللهم إلّا ان يقال بانه ثبت من الخارج ان التكليف كان على نحو تعدد المطلوب بان يكون للناقص مرتبة من الغرض فيكون التكليف بالنسبة الى الناسي هو الناقص لعدم علمه بالجزء الاخير وبعد التذكر يكون في حقه الاتيان بالكامل اذ الكامل متحقق في حق المتذكر وحينئذ لو اتى بالكامل او لا يسقط الامر بالناقص بخلاف العكس إذ المولى قد تعلقت ارادته بالكامل ولكن بالنسبة الى الناسي يكفي الناقص. هذا بالنسبة الى كون التكليف من باب تعدد المطلوب.

واما لو فرض كونه من باب وحدة المطلوب فلو اتى بالناقص لم يأت بشىء من المأمور به لأن المفروض ان المصلحة في الكامل لم تحصل وعليه ليس الاتيان بما بعد التذكر اعادة بل اتى بالمامور به حقيقة من اول الامر وانما يتوهم الاعادة.

اذا عرفت هاتين المقدمتين فاعلم انه ما المراد بالاعادة ان كان المراد تكرار العمل الذي هو معناه الحقيقي فلا بد من ان يكون العمل السابق له مرتبة من الغرض ويكون صحيحا ولكن لما لم يكن وافيا بتمام الغرض امر به ثانيا بعد التذكر وحينئذ لا فرق بين الجاهل والناسي لأن ما اتى به له مرتبة من الغرض وان كان المراد به ما يتوهم فيه الاعادة فحينئذ العمل الذي اتى به لم يكن مشتملا على مرتبة من المصلحة لأنه على هذا الفرض التكليف انما اخذ على نحو تعدد المطلوب والغرض يسقط ولا يتحقق إلّا بجميع اجزاء المركب وما اتى به ليس إلّا صورة عمل وبهذا يطلق على الاتيان بعد التذكر اعادة.

وكيف كان لا يفرق بين الجاهل والناسي إذ كل منهما بالنسبة الى اطلاق

٣٢٣

الاعادة عليه صوري لا حقيقي ودعوى ان التكليف بالنسبة الى الناسي غير متوجه بوجه اصلا لاستحالة تكليف الناسي بخلاف الجاهل فانه مكلف ولكن لقصوره لا ينجز عليه وبه يظهر الفرق فان الجاهل لما كان مكلفا بالاتيان بالمركب التام حين جهله غاية الامر غير منجز فكان ما اتى به ليس بشىء اذ لم يأت بالمامور به ، واما بالنسبة الى الناسي فاتيانه بالمركب الناقص حين نسيانه تكون اعادة بعد التذكر مدفوعة بان حقيقة التكليف على قسمين فانه اما ان يصح اطلاق لفظ الصلاة على المأتى به حقيقة فهو اعادة حقيقة وإلا فليست اعادة حقيقة وان كانت الاعادة صورية فالتفرقة بينهما بان الاعادة في الناسي باحداث امر ثان لا بالامر الاولى لأن خطاب الناسي في حال نسيانه غير معقول بخلاف الجاهل فان الاعادة بالنسبة اليه بالامر الاول حيث انه باق مع الجهل غير منجز عليه لقصوره مع تمكنه بالاحتياط غير فارقة اذ ذلك لا يصحح اطلاق الصلاة على ما اتى به الناسي حقيقة لكي يكون اطلاق الاعادة عليه حقيقة بخلاف الجاهل لما عرفت من انها في المقامين على نحو واحد من حيث الاطلاق الحقيقي أو الصوري.

هذا ولكن التحقيق ان حديث لا تعاد مختص بالناسي وفاقا للمشهور ولكن لا لما ذكر بل من جهة اخرى وهي ان الرواية مشتملة على ذيل يقتضي الاختصاص بالناسي وهو ان القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة وفي رواية اخرى ان الفريضة لا تترك بالسنة والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا بطلت واذا نسي فلا شىء عليه.

فالمتحصل من هذه الاخبار مع ملاحظة حديث لا تعاد يستفاد ان الاخلال السهوي ما عدا الخمسة المذكورة لا يوجب الاعادة ولا يشمل ما كان الاخلال عن جهل قاصرا أو مقصرا حيث انه ملحق بالعامد لصدق الترك العمدي عليه المستفاد من المقابلة بين الترك العمدي والترك السهوي في رواية زرارة فمن ترك القراءة

٣٢٤

متعمدا اعاد الصلاة ومن ترك ناسيا فلا شىء عليه فعدم ذكر الترك عن جهل يظهر منه انه ملحق بالترك العمدى خصوصا الجاهل بالحكم فانه عامد كما لا يخفى

حكم الزيادة العمدية

التنبيه السادس في حكم الزيادة العمدية فنقول ان محل الكلام في الزيادة في صورة عدم اخذ المزيد عليه بشرط لا ، لرجوعه الى فقد الشرط وقد عرفت الكلام فيه ثم ان شيخنا الانصاري (قده) قسمه الى صور :

الاول ان يأتي بالجزء على انه جزء مستقل اما شرعا او تشريعا وقال ان مثل هذه الزيادة موجبة لبطلان العمل ولكن لا يخفى انه على ما ذكره تارة فتكون الزيادة في الامر واخرى في المأمور به والاول تارة يقصد امرا في قبال امر الشارع بمعنى ان يقصد امرا اوسع منه واخرى لا يقصد ذلك بل توسع في امر الشارع بمقدار الجزء المأتى به لا انه يجعل له امرا في قبال امر الشارع اوسع منه.

والثاني أما ان تكون الزيادة يقصد بها زيادة على ماهية الصلاة واخرى يقصد في الفرد المحصل ، واما حكم هذه الصور الاربعة ففي الاول ان يأتي بالعمل بالامر الذي اخترعه موسعا شاملا للمأتى به فلا اشكال في بطلانه لانه لم يمتثل امر الشارع وامتثل امرا لا يجب عليه امتثاله ، واما الثاني وهو ان يأتي بامر الشارع متصرفا فيه بتوسعته للجزء الزائد فلا وجه للحكم بالبطلان. ودعوى ان المصحح للعمل هو كون الامر الواقعي محركا وهنا ليس كذلك ممنوع اذ في المقام لو فرض كون الامر الشرعي هو المحرك ينبغي ان يكون ما اتى به صحيحا وان استند الى الشارع ولكن لا يضر بالعمل وانما يوجب عصيانا مما تصرف فيه ،

٣٢٥

واما الصورة الثانية فتارة يكون الداعي للاتيان بالزائد مع المزيد عليه واخرى يكون الداعي الى الاتيان هو خصوص القطعة المزيد عليها اما في الاول فلا اشكال في بطلان العمل لأن الداعي لم يأمر المولى بالخصوص به وان كان الثاني فيمكن دعوى بطلان العمل لان الذي كان داعيا هو خصوص امر المولى.

واما الصورة الثالثة فلا اشكال في صحة العمل لانه لم يكن من ناحية الامر قصور وانما اتى بداعي الامر الواقعي ودخول شىء في المأمور به تشريعا لا يسرى اليه. واما الصورة الرابعة فالصحة فيه بطريق اولى من الثالثة لان الزيادة كانت في الفرد الخارجي وهو غير متعلق للامر لان الامر لم يتعلق بالخصوصية.

وبالجملة هذه الصور منها ما تكون فيها العبادة صحيحة ، ومنها ما تكون فيها العبادة فاسدة فاطلاق كلام شيخنا الانصاري بالبطلان في غير محله.

الثاني من الاقسام التي افادها شيخنا الانصاري (قده) وهو ان يقصد بالزائد والمزيد عليه جزءا واحدا ولم يكن كل واحد منهما جزءا ملحوظا بالاستقلال وهذا يتصور على نحوين فتارة يقصد ان الشيئين بتمامهما فردان جزءا بحيث كل منهما ملحوظا مستقلا واخرى يكون كل واحد منهما ملحوظا ضمنا بأن يقصد الجامع الشامل لكل واحد منهما وحكم هذين يظهر بعد بيان امر وهو انه لا إشكال في أن اجزاء العبادة لا بد ان يؤتى بها بقصد الجزئية ولو اتى بها لا بهذا العنوان بطل العمل وإنما الكلام في أن اتيان هذه الاجزاء للمأمور به هل على النحو الذي اعتبره المولى في عالم لحاظه ام لا يكفي مجرد الاتيان بقصد الجزئية مطلقا. فان فلنا بالاول ففي الصورة الاولى لا محيص عن بطلان العمل لأن الذي لاحظه المولى الاتيان بالجزء غير منضم الى شىء آخر مع أن اتيانه لا كذلك ينافي لحاظ المولى والكلام بعينه في الصورة الثانية لأن قصد المولى الاتيان بالفرد بخصوصه ، والاتيان بالفردين بقصد امتثال الجامع ينافي قصد المولى.

٣٢٦

وان قلنا بالثاني ففي الصورة الاولى يتحقق صحة العبادة لان الاتيان بقراءتين مثلا بالنسبة الى الاول جزء متعلق للامر قد اتى به وبالنسبة الى الثاني زيادة عارضة لا تضر.

واما الصورة الثانية فالظاهر بطلان العمل لان ما قصده غير مأمور به بل هو مباين له وقصد الجامع بين القراءتين ليس جزءا للصلاة بل قصد امر مباين له والتحقيق هو الثاني اى ان لحاظ المولى لا يعتبر في المركبات بل ليس المقصود منها الا ايجادها في الخارج على اي نحو كان إذ لا دليل على قصد اتيانها على النحو الذي كان مقصودا عند المولى ويشهد لذلك باب الغسل والوضوء وبعض افعال الحج من ان المقصود ايجادها في الخارج ولاجل ذلك لو زيد في غسلات الوضوء نقول بصحته لو لم يكن موجبا لمحظور آخر كعدم جواز المسح ببلة الوضوء بل بماء خارج نعم في مثل الصلاة لا بد في الافعال من قصد العنوان كما لا يخفى.

فظهر مما كما ذكرنا انه لا مجال للقول بالصحيح مطلقا بل في بعض الوجوه الصحة وفي بعض البطلان فلا وجه لاطلاق كلام الشيخ الانصاري (قده) بالصحة

الصورة الثالثة من الاقسام التي افادها الشيخ ان رفع اليد عما اتى به واتيان شىء آخر جديد قد حكم بالصحة مطلقا هذا كله بالنسبة لما يقتضيه الاصل الاولى في هذه المسألة مع قطع النظر عن ملاحظة الاخبار مثل قوله (ع) : من زاد في صلاته فعليه الاعادة فان مقتضى ذلك هو البطلان لو قصد الجزئية لما اتى به من افعال وغيرها إلا ان يقصد القرآنية في بعض الاقوال. ثم لا يخفى ان الجزء انما يطلق على نفس الجزء لا جزء الجزء فلو زاد نصف سورة او جملة من القرآن فلا يعد زيادة مبطلة إذ الاخبار بحسب الظاهر منصرفة عن ذلك هذا تمام الكلام في تنبيهات المسألة والحمد لله.

٣٢٧

خاتمة في شرائط الاصول

ولنختم كلامنا هذا بما جرت عليه العادة من ذكر شرائط الاصول والمهم في المقام بيان شرائط البراءة وما حكمها من اصل العدم واصالة الحل والطهارة في الشبهات الحكمية.

فنقول من الشرائط الفحص عن الدليل وأما أي مقدار من الفحص فسيأتى إن شاء الله تعالى بيانه ولا اشكال في انه شرط في الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية لان ملاكه دفع الضرر المحتمل وهو متحقق في الشبهتين. نعم يمكن الوجه في عدم جريانه بالنسبة الى الشبهة الموضوعية بذيل موثقة زرارة الثانية المذكورة في الاستصحاب وموثقة مسعدة بن صدقة والعمدة في المقام الاجماع القطعي بالنسبة للشبهات الموضوعية واختصاص الفحص بالشبهات الحكمية لامور قد استدلوا بها وحيث انها تامة وصحيحة عندنا لا ينبغي ذكرها بل نكتفي بمراجعة كلمات الشيخ الانصاري (قده) نعم ينبغي التعرض للوجه الذى ذكره وهو على ما لخصناه أن العقل حاكم بعدم جريان البراءة قبل الفحص ولو لم يكن هناك علم اجمالى بل صرف احتمال التكليف يكون موجبا للفحص عنه ولا تجري البراءة قبل الفحص ونظيره ما لو ادعى احد نبوة فانه يجب النظر في معجزاته ولا يجوز جريان البراءة بنفي التكليف انتهى موضع الحاجة من كلام الشيخ (قده).

وانما قلنا المهم بيان جريان البراءة وما في حكمها لان الاحتياط متوقف جريانه على ثبوت موضوعه وهو الشك في الحكم الواقعي ولو كان على خلافه

٣٢٨

دليل اجتهادي غايته انه ليس بواجب. وأما حسنه فمتوقف على وجود موضوعه نعم يقع الكلام في مثل العبادات فإن اعتبار قصد القربة فيها يجب الفحص عنه فإن وجده من الدليل الاجتهادي يأتي به وإلا يسقط وحينئذ لا يجوز الاحتياط قبل الفحص وكذا الكلام بالنسبة للجزم في النية ولا يفرق من كون الشبهة موضوعية او حكمية ومن هنا تعرف قول من قال ببطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ولو كان عاملا بالاحتياط وقد صادف الواقع.

ولكن لا يخفى انه لم يوجد في الاخبار ما يدل على اعتباره قصد التقرب فربما يقطع بعدم اعتباره بل هو كلام صدر من المتكلمين ومع فرض الشك تجري البراءة كما تقدم بيانه ودعوى ان المرجع الاشتغال لانه شك في المسقط فقد عرفت بطلانه وهكذا الكلام يجري بالنسبة للجزم بالنية. وأما ما يقال بان الاحتياط مستلزم للعب والعبث بامر المولى ففيه ما لا يخفى ويظهر مما ذكرنا صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط.

واما الكلام في الاستصحاب فما كان مثبتا للتكليف لا يجب الفحص لاطلاق دليله والمسلم في دليل الفحص انما هو في الاصول النافية مطلقا وما كان نافيا للتكليف فهو راجع حقيقة الى البراءة فالبحث عن غير البراءة ليس بمهم.

فنقول تقريب ما ذكره الاستاذ (قده) بوجهين الاول ان البراءة النقلية موضوعها لعدم الاطمينان فقبل الفحص لم يحصل هذا الموضوع لاحتمال وجود البيان فتجري قاعدة قبح دفع الضرر المحتمل.

الثاني ان الاحتمال الذي قبل الفحص بنفسه بيان بخلاف الاحتمال الذى بعد الفحص فانه مسبب عن الفحص فيخرج هذا الاحتمال عن البيانية وانما الكلام في البراءة الشرعية فالوجه الاخير لا تجري فيه لان قباله عمومات مثل ما لا يعلمون وكل شىء مطلق حتى يرد فيه نهي فلا بد من تقريب

٣٢٩

آخر وبيانه باحد وجوه :

الاول انه مقتضى الجمع بين الاخبار الدالة على التوقف والاحتياط وبين تلك العمومات.

الثاني دعوى ان تلك العمومات منصرفة عما كان هناك في معرض البيان وهذا الانصراف انما هو من مرتكزات حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان مع كونه معرضا للبيانية.

الثالث ان الامارة لما كانت متقدمة على الاصل وتقدمها عليه اما على الحكومة او الورود او التخصيص فقبل الفحص يحتمل وجود الحجة فيكون التمسك بدليل الاصل من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ويرد على الاخير بان تقدم الامارة ليس بوجودها الواقعي بل بوجودها العلمي الواصل الينا ، فقبل وصولها في الحقيقة نقطع بعدم التخصيص. نعم لا يرد هذا على من يقول بان الامارة حجة بوجودها الواقعي ولئن سلمنا فنقول احراز عدمها بالاصل وهو استصحاب عدمها فهو وان كان المورد من الشبهات الموضوعية ولكنه سنخ للحكم الكلي وهو عدم وجوب الفحص فيكون من قبيل الشبهات الحكمية ويرد على الثاني منع الانصراف اذ هو ينافي استدلالهم على عدم وجوب الفحص في البراءة بالعمومات. ويرد على الاول ان ادلة الاحتياط اما محمولة على الاستحباب واما انها مختصة بالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي.

واما استدلالهم بالاجماع القطعي على وجوب الفحص فهو غير ثابت فالعمدة في المسألة الاستدلال بالآيات والاخبار ثم لا يخفى ان النتيجة المترتبة على احد هذه الوجوه على تقدير تماميتها مختلفة اما على الوجه الاولى الذي يكون فيه نفس الاحتمال منجزا فالبناء على وجوب الفحص فيه من جهة ايجاب الاحتياط من الشارع قبل الفحص في الشبهات الحكمية فحينئذ فيما لم يفحص يدور

٣٣٠

الامر في استحقاقه للعقوبة وعدمها مدار مطابقة هذا الاحتمال للواقع وعدمه ولا يعاقب على وجود طريق معتبر إذ على هذا الفرض نفس الاحتمال منجز ، واما على الاخيرين فيتصور فيه ما ذكرناه وايضا فيهما وجه آخر وهو ان المنجز هو الشك في الامارة والذي هو منجز للواقع هو الامارة فمجرد الشك فيها يكون منجزا وحينئذ تناط العقوبة وعدمها مناط مخالفة الطريق.

واما الاخبار والآيات فاوضحها دلالة قوله هلا تعلمت في جواب ما علمت فهو يختلف باختلاف معانيه فبناء على كونه ارشادا لحكم العقل من انه لا يجري قبح العقاب من دون بيان فيما كان في معرض البيان فحينئذ يكون نفس هذا الاحتمال منجزا للواقع فيكون العقاب وعدمه دائرا مدار الواقع وهذا امر مرتكز وهو يمنع انعقاد الظهور في قوله هلا تعلمت في المولوية وهذا الاحتمال هو اقوى المحتملات ويحتمل فيه وجوه أخر منها كون وجوب التعلم والاحتياط حكما طريقيا ومنها كون وجوبه من باب المقدمة وعلى هذين الاحتمالين تكون العقوبة وعدمها منوطتين بمخالفة الواقع.

ومنها كون وجوبه نفسيا وهو على احتمالين احدهما كون الوجوب وجوبا تهيئيا فحينئذ تكون العقوبة وعدمها ايضا على مخالفة الواقع وعدمه.

الثاني كون الوجوب نفسيا وعليه يكون العقاب وعدمه على ترك نفس التعلم ويظهر هذا من صاحب المدارك (قده) وشيخه الاردبيلي (قده).

ولا يخفى ان الاحتمال الاول هو المتعين لانه على الاولى الوجوب النفسي بعيد عن مساق الحديث والوجوب المقدمي ممنوع لانه انما يتم لو كان الجهل اوجب الغفلة عن الصلاة كلها.

واما بالنسبة الى من شك في السورة وان الصلاة ملتفت اليها في الجملة لانه حينئذ متمكن من الاحتياط والظاهر كما عرفت كون هذه الاوامر ارشادية الى ما هو

٣٣١

مرتكز في العقل. ودعوى انها نفسية ممنوعة اولا انه مناف لنص بعض الاخبار مثل قوله (ع) لم ما عملت ونحوها الدال على ان التعلم للعمل.

وثانيا ان الترغيب والتحضيض على امر لا بد وان تكون مطلوبيته مستفادة من الخارج ومن المعلوم انه ليس لنا اوامر للتعلم سوى هذه الاخبار فتامل.

بقى في المقام اشكال مشهور لا بأس بالاشارة اليه وهو انه ما الوجه في لزوم تحصيل العلم بالاحكام المشروطة فانه قبل حصول الشرط لا تكليف حتى يجب تحصيل العلم به من باب المقدمة وبعد حصول الشرط يخرج عن كونها مشروطة.

فنقول اما على ما اخترناه في الواجب المشروط من ان الطلب فعلي ولكن الارادة منوطة بحصول الشرط وبه يفرق بينه وبين المطلق لان الارادة فعلية فلا يتوجه علينا هذا الاشكال لانه لما كان الطلب فعليا فيجب تحصيل المقدمات التي منها العلم نعم يتوجه الاشكال على مسلك المشهور في الواجب المشروط كالارادة منوط بالشرط ولكن لا يخفى انه يمكن دفعه على ما اخترناه من ان الاوامر المتوجهة للمتعلم ارشادية الى حكم العقل فان كان قبل حصول الشرط فلا تكليف ولكن هو متوقع ومعلوم عادة حصوله فيحكم العقل بحصول تعلم تلك الاحكام إذ العقل لا يفرق بين تحصيل الاحكام المطلقة والاحكام المشروطة.

وبالجملة على كلا المسلكين في الواجب المشروط الاشكال مندفع غاية ما في الباب انه على المسلك المختار يكون وجوب التعلم شرعيا حيث ان الطلب فعلي قبل تحقق الشرط بخلافه على المشهور حيث ان ايجابه بحكم العقل لم يكن شرعيا بل كان ايجابه عقليا كما لا يخفى. واما على مسلك كون وجوب التعلم مقدميا فائضا يمكن الجواب من جهة ان العقل مستقل بانه يلزم منه ترك المشروط عند تحقق شرطه وهذا لم يكن إلا بسوء اختياره فيستقل العقل بتحصيل التعلم.

واما الوجوب التهيئي فان اريد به الوجوب من حيث الملاك اي ملاك

٣٣٢

تحصيل العلم فيكون التهيؤ للوصول به الى التكاليف الواقعية وهذا عين الوجوب المقدمي وان اريد به الوجوب من حيث الإيجاب فهو نظير وجوب تحصيل العلم بالبلوغ والفرق بينه وبين الوجوب المقدمي ان المقدمي اصل وجوبه ناشئ من الغير بخلافه في الوجوب التهيئي إذ هو نفسي للغير لا وجوبه من الغير وقد عرفت مما ذكرنا ان اظهر الاحتمالات هو كونه للارشاد ، إذ هذه الاوامر ترشد الى حكم العقل اما من جهة ان الاحتمال منجز في نظر الشرع قبل الفحص ، واما من جهة احتمال وجود الواقع المنجز فحينئذ يدخل المقام تحت وجوب دفع الضرر المحتمل فلا تغفل.

ثم لا يخفى انه وقع في كلام بعض المتأخرين شرطان آخران للبراءة : الأول انه من شرط جريان البراءة ان لا يلزم من اجرائها اثبات حكم في موضوع آخر كالإناءين الذين علم اجمالا بنجاسة احدهما فانه إذا جرت اصالة الطهارة في احد الإناءين تثبت نجاسة الاناء الآخر.

اقول ان كل حكم شرعي اذا لوحظ مع حكم آخر فاما ان يكون بينهما ربط اولا. فان كان الاول بان يكون احدهما موضوعا والآخر محمولا ويكون احدهما شرطا للآخر فانه حينئذ لا بد من ثبوت احدهما بثبوت الآخر مثلا وجوب الحج منوط بعدم الدين فجريان البراءة في الدين موجب لايجاب الحج لأن الحج موضوعه عدم الدين ولو ظاهرا ولا يخفى ان الوجوب ليس من آثار عدم الدين الواقعي حتى يدخل في باب العلم الاجمالي بل هو شرط لعدمه ظاهرا على ما عرفت ذلك منا سابقا ، وان كان الثاني اي لم يكن بينهما ربط شرعا فاما ان يكون بينهما تلازم عقلا او عادة وعلى كل حال لا معنى للشرط المذكور.

بيان ذلك انه لا اشكال ولا ريب ان مفاد اصل البراءة هو حكم في ظرف الشك وجعل وظيفته فيه.

٣٣٣

وبذلك يمتاز عن الامارات فانها لبيان ما في الواقع والكشف عنه فحينئذ لا يترتب على اصل البراءة آثار الواقع ولوازمه سواء كانت هناك واسطة ام لا إذ ليس لها نظر الى الواقع فان اجراء البراءة في احد الإناءين لا يقتضي اثبات الاشتغال في الاناء الآخر حتى يمنع منه لما عرفت انه حكم ظاهري ولذا لو قلنا بان العلم الإجمالي مقتض فانه يجري كلا الأصلين لو لا التعارض ولو سلم وقلنا بانه تترتب آثاره ولوازمه العقلية ولو بواسطة

فنقول الاجتناب من الاناء الآخر ليس من آثار اجراء البراءة في الاناء الأول لا من آثاره الواقعية ولا من آثاره الظاهرية نعم هو من آثار العلم الاجمالي وهو لا ربط له باجراء البراءة في احد الاطراف ، ولو سلم ذلك وقلنا بانه من آثار اجراء البراءة في احد الاطراف الاشتغال في الآخر.

فنقول لا يخلو الحال اما ان نقول في الاصل المثبت اولا نقول ، فاما على الثاني فواضح انه لا معنى لهذا الشرط المذكور ، وعلى الاول فيرد عليه انه لا بد من جريان الاشتغال في الطرف الآخر فلا موقع للشرط المذكور إذ المنع من جريان الاشتغال في الطرف الآخر كما هو مفاد الشرط المذكور يلزم منه التفكيك بين اللازم والملزوم.

وبالجملة ان اثبات الاشتغال في الطرف الآخر لو اجريت البراءة في احد الطرفين من لوازمه العقلية إذ يلزم من اجراء البراءة ذلك ولو منع يلزم التفكيك بين اللازم والملزوم فهو محال فافهم.

الشرط الثاني ان لا يحصل من اعمال البراءة ضرر ومثل له بما لو فتح انسان قفص طائر فطار طيره فانه باعمال البراءة يلزم ضرر على الغير فلا يجوز له ذلك لاندراجه تحت قاعدة الاتلاف او قاعدة الضرر وتوضيح المقام على وجه يرتفع عنه شائبة الاوهام هو ان القفص الذي فتح بابه هل هو له وملكه او ملك

٣٣٤

غيره فان كان الثاني فلا اشكال انه لا يجوز التصرف لان مثل هذا التصرف مستند الى اتلاف الطير اليه عرفا وليس دليله قاعدة الضرر لما سيأتي إن شاء الله تعالى. ان قاعدة الضرر لا يثبت حكما بل من جهة حرمة التصرف في مال الغير ولا تجري هنا البراءة مطلقا اي سواء لزم من التضرر تلف الطير او لا يلزم لانه لا شك في حرمة التصرف في مال الغير ، وان كان الاول فاما ان يكون صاحب الطير مأذونا من صاحب القفص باخذه استعارة أو لا يكون ماذونا بل اخذه غصبا. فعلى الاول لا اشكال في جواز التصرف بالقفص بفتحه وغيره لقاعدة السلطنة ففي هذه الصورة لا شك لكي يجري الاصل بل له التصرف ولو استلزم ضرر على الغير. واما على الثاني فالظاهر ان المسألة تدخل في تزاحم الحقوق ونظيرها الارض المستعارة للغرس والتحقيق في تزاحم الحقوق ان لكل واحد منهما له السلطنة على نحو الاستقلال حيث انه بمجرد اذن صاحب الارض لم يجعل لصاحب الغرس حقا بحيث تنقطع سلطنة صاحب الارض بل باذنه يثبت له اباحة التصرف ما لم يرجع عن اذنه نعم ان مال الغارس لما كان باذن صاحب الارض تكون خسارته على صاحب الارض بان يعطيه التفاوت بين الشجرية والخشية وعلى الغارس طم الحفر والخسارات التي وردت على الارض وبالنسبة الى المقام مثله يجري ذلك فلصاحب القفص ان يتصرف بماله بناء على تسليم القاعدتين اي قاعدة الضرر وقاعدة الاتلاف ، واما لو لم نسلمهما فبالطريق الاولى انه لا مجال لهذا الشرط المذكور وبالجملة هذا الشرط في غير محله وهو كسابقه في انه لا موقع له كما اوضحنا لك ذلك سابقا فافهم واغتنم.

٣٣٥

حديث لا ضرر (١)

ولما انجز الكلام الى قاعدة لا ضرر فلا باس بالتعرض اليها على نحو الاجمال فنقول ومن الله الاستعانة.

انه يقع الكلام فيها من جهات الاولى في بيان مدركها فلا اشكال ان

________________

(١) اتماما للفائدة وزيادة في الايضاح رأينا ان نلحق في هذا البحث ما استفدناه من بحث هذه القاعدة من استاذنا الأعظم المحقق الميرزا محمد حسين النائيني طاب ثراه فاستمع لما اتلوه عليك فنقول.

يقع الكلام في حديث لا ضرر في جهات الاولى في سند الرواية وذلك مذكور في كتب الفريقين بلا خلاف بينهم ، وانما وقع الخلاف بينهم في المتن من حيث الزيادة والنقيصة.

الروايات الواردة في هذا الباب على طوائف ثلاثة منها لا ضرر ولا ضرار ومنها لا ضرر في الاسلام كذا جاء في نهاية ابن الاثير وفي تذكرة العلامة ومنها لا ضرر ولا ضرار على مؤمن كما عن ابن مسكان عن زرارة عن ابي جعفر في قضية سمرة بن جندب وقد ذكر في ذيلها قول رسول الله (ص) لسمرة إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ـ فروع الكافي ـ

اما لا ضرر في الاسلام كما جاء في الفقيه وفي التذكرة ومجمع البحرين فالالتزام بها لا محذور فيه لما ذكر في علم الدراية انه لو تردد المتن بين الزيادة او النقيصة فالالتزام بالزيادة اولى خصوصا اذا ذكرت لزيادة في موردين فانه لا بد من الاخذ ـ

٣٣٦

في مدركها اخبار خاصة مستفيضة دالة على اعتبار تلك القاعدة وقد ذكرت تلك الاخبار تارة مستقلة واخرى ملحقة بموارد خاصة ولسانها يختلف فتارة بلسان

________________

بها حينئذ وذلك لجريان اصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة دون النقيصة.

ولكن لا يخفى أنه لا يمكن الالتزام بهذا الاصل من طرف الزيادة لوجود الروايات الكثيرة في ذلك الجانب الآخر على ان كلمة ـ في الاسلام ـ الزائد في بعض الروايات لا فائدة فيها. نعم ذكر الشيخ الانصاري ان لزيادتها فائدة من جهة انها اظهر لحكومتها على الادلة الواقعية وانها تبعد حمل كلمة ـ لا ـ على النهي بلسان النفي اذ لو حملنا كلمة ـ لا ـ على النهي يكون المعنى يحرم الضرر في الاسلام وعليه يكون الظرف لغوا فلا يكون على هذا معنى لحكومتها على الادلة الواقعية ولكن لا يخفى انما يتم ذلك بناء على تعلق الظرف بالضرر.

واما لو قلنا بتعلقه بمحذوف فحينئذ يمكن ان تحمل كلمة ـ لا ـ على النهي تارة وعلى النفي اخرى. واما رواية لا ضرر على مؤمن فهي وان لم يكن ضعفها كالسابقة حيث انها مروية في الكافي والراوي ابن مسكان إلا انه لا فائدة فيها حيث ان الذمي والمعاهد لما كان بحكم الاسلام فاي فائدة لهذه الزيادة ولعل مجيء مثل هذه الزيادة جاء عن طريق النقل بالمعنى.

وكيف كان فالبحث عن وجه الزيادة لا فائدة فيه

الجهة الثانية ان قاعدة لا ضرر ولا ضرار وردت بنحوين مستقلة تارة وملحقة بمورد خاص اخرى فعلى الاستقلال يحتمل حكومتها على الادلة الواقعية كما يحتمل عدم حكومتها على تلك الادلة وان كان الاظهر الحكومة كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

وعلى الالحاق بالمورد الخاص فالحكومة متعينة. وروى احمد بن حنبل عن عباد بن ثابت في جمعه لأفضلية النبي (ص) القاعدة المذكورة ووردت كذلك

٣٣٧

لا ضرر ولا ضرار ، واخرى بلسان من اضر بطريق المسلمين فهو له ضامن ، وثالثة بلسان لا ضرر ولا ضرار في الشريعة او في الاسلام وكيف كان ثبوتها من حيث الورود مما لا اشكال فيه.

________________

روايتها عن طرقنا كما عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله (ع) بذلك المضمون وما صدر عنه (ص) من قضاء فان العامة والخاصة ترويه إلّا أن جمعه كان خاصا بالعامة فقط. وان شيخ الشريعة الاصفهاني (قده) قد اتعب نفسه في سند هذه القاعدة فوجدها تنتهي سندا بعقبة بن خالد ، والذي نراه نحن بعد ان بحثنا سند القاعدة ان سندها ينتهي باحمد بن عبد الله بن هلال وقد ذكر الاصحاب هذه القاعدة ملحقة بموارد ثلاثة :

الاول ما رواه زرارة عن ابي جعفر (ع) ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الانصار وكان منزل الانصارى بباب البستان وكان يمر الى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصاري ان يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الانصاري الى رسول الله (ص) فشكى اليه فاخبره بالخبر فارسل رسول الله (ص) وخبره بقول الانصاري وما شكاه وقال اذا اردت الدخول فاستأذن فابى فلما ابى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله تعالى فأبى ان يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى ان يقبل فقال رسول الله (ص) للانصاري اذهب واقلعها وارم بها اليه لا ضرر ولا ضرار.

الثاني رواية عقبة بن خالد عن الصادق (ع) قضى رسول الله (ص) بالشفعة الى ان قال ولا ضرر ولا ضرار.

الثالث رواية اخرى لعقبة بن خالد عن ابي عبد الله قال قضى رسول الله (ص) بين اهل المدينة في مشارب النخل انه لا يمنع نفع الشىء وقضى بين اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال لا ضرر ولا ضرار.

٣٣٨

الجهة الثانية ان الضرر مقابل للنفع والتقابل بينهما تقابل العدم والملكة وعليه لا يطلق الضرر الا على ما يكون له مساس بالشخص من النقص حقا او مالا

________________

فالذي يظهر من الاصحاب كون لا ضرر ولا ضرار بالنسبة الى الموارد الثلاثة لها الحكومة على الادلة الواقعية المتناولة للموارد الثلاثة ولكن لا يخفى انه بالنسبة الى قضية سمرة لا اشكال في حكومتها في المقام على الدليل الواقعي الذي هو حرمة التصرف في ملك الغير واحترام ماله وقوله (ص) اقلعها وارم بها اليه فقد رفع حرمة التصرف في ملك الغير واحترام ماله.

واما بالنسبة الى الموردين كالشفعة وفضل منع الماء فلا حكومة لقاعدة لا ضرر ولا ضرار فيهما لأن الحكومة تقتضي كون المورد من مصاديق القاعدة بنحو يكون المورد من صغرياتها لا انه ورد من باب الاجتماع في الذكر بأن يكون الراوي ينقل ما سمعه من الإمام (ع) وهو في صدد البيان لقضايا متعددة وان كان ذلك خلاف الظاهر إلا انه مع قيام القرينة على كون الاجتماع في الذكر لا محذور فيه كما هو كذلك في المقام لامكان دعوى تحقق القرينة فيكون من موارد اقضية النبي (ص) التي جمعتها كتب العامة مستقلة ومن قبيل ذكر الموارد والقضايا المتعددة فيغلب الظن في الموردين انهما من هذا القبيل. وعليه فلا حكومة للقاعدة في الموردين المذكورين.

ويؤيد ذلك ان انطباق القاعدة على المورد الخاص كما هو مفاد الحكومة يلزم منه كون المورد ضررا مع انه لا اشكال في ان مورد الشفعة ومنع فضل الماء ليسا من الضرر في شىء.

بيان ذلك هو ان العناوين تارة تكون اولية واخرى ثانوية اما الاولية فهي عبارة عن كونها كليا طبيعيا ويكون المورد مصداقا له ويحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي والثانوية عبارة عن كونها مسببا توليديا مثل حركة اليد يكون عنوانا اوليا فيقال هذه حركة يد وبما انها ينشأ منها التأديب فتكون معنونة به ولازم

٣٣٩

او بدنا او عرضا او سياسة فلا يصلح اطلاق الضرر إلا بالنسبة الى مورد قابل لاطلاق النفع عليه فما يكون عدم نفع من المباحات الاصلية لا يطلق الضرر عليه وليس التقابل بينهما من باب التضاد كما قيل.

________________

تعنون الشىء بعنوانه الثانوي ان يكون ذلك العنوان دائميا لأن الذي يتعنون هو العلة التامة او الجزء الاخير منها.

واما المقدمات الاعدادية البعيدة والقريبة ما لم تصل الى العلية فلا تتعنون مثلا ان الذي ضرب بآلة القتل يقال عنه انه قاتل ، واما من صنع الرصاص مثلا فانه لا يقال له قاتل.

اذا عرفت المراد من العناوين الاولية والثانوية فاعلم ان الضرر ليس من العناوين الاولية إذ ليس انطباقه على افراده كانطباق الكلي الطبيعي فلا يقال هذا ضرر بل من العناوين الثانوية التي هي مسبب توليدي فالذي يتعنون بالضرر هو العلة التامة او الجزء الاخير منها والشفعة ليست من هذا القبيل حيث ان كون زيد في مكان عمرو لا يوجب ضررا. نعم ربما يحصل من باب الاتفاق ان كان في مكان عمرو رجل فاسق يوجب ضررا وهذا ليس إلا من باب الاتفاق وقد عرفت ان العنوان الثانوي انما يطرأ على ما هو العلة التامة او الجزء الاخير منها ولازمه كونه دائميا لا اتفاقيا. واما بالنسبة لمنع فضل الماء في احد الموردين يكون ضررا اتفاقيا لا بنحو العلة ولا الجزء الاخير منها وإلّا لكان دائميا مضافا الى ذلك ان منع فضل الماء لا يصلح ان يكون صغرى لقاعدة لا ضرر كما يتوهم ذلك من الرواية حتى على تقدير ان تكون ـ لا ـ للنهي فيكون المعنى يحرم الضرر لأن منع فضل الماء مكروه عند الاصحاب وليس بمحرم وهو ينافي كونه مصداقا للقاعدة من غير فرق بين ان تكون الحكومة بمعنى رفع الحكم بلسان رفع الموضوع او رفع الحكم نفسه.

٣٤٠