منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

ما لاحظ الآمر واعتبر المجموع شيئا واحدا فما لم يأت بجميع ما اعتبره الآمر فتكون الارادة باقية على فعليتها فسقوط الارادة المتعلقة بالمركب تتوقف على انطباق المأمور على المأتى به في الخارج على ما هو موجود في ذهن الشارع فما لم تنطبق الارادة فهي باقية على فعليتها لبقاء الغرض لأن الارادة لم تتعلق بما في الخارج حتى يقال بأن الارادة تسقط تدريجا من الفعلية باتيان المركب تدريجا بل على ما عرفت ان تعلق الارادة بالصورة الذهنية ولكن بنحو ترى خارجية وكونها مرآة للخارج فسقوط الارادة عن الفعلية متوقف على حصول الغرض ولما لم يحصل جزء من المركب تبقى الارادة على فعليتها إلّا انه من حيث الفاعلية والمحركية فالفعلية بالنسبة الى من لم يأت به باقية إلا انه من حيث الفاعلية والمحركية.

وبالجملة فالارادة المتعلقة بالمركبات وكذلك القيود والمقيدات على نحو واحد بحيث لو كان متعلق الإرادة ذات القيد فهي واقفة عليها بحدوده ولو كان متعلقها المقيد مع القيد فهي متعدية عن الذات ومنبسطة على القيد ايضا بنحو يكون كل من الذات والقيد مستقلا في التأثير بالنسبة الى حصة الغرض والقابلية فيهما ذاتية وانما تتوقف فعلية التأثير وحصول الغرض بتمامه على اتصاف الذات بالقيد وإلا فكل يسد بابا من ابواب انعدامه ويحفظ وجوده من ناحيته فكذلك لو تحققت الذات من دون القيد فلا قصور فيه من حيث سد باب العدم وانما المانع من تحققه عدم وجود القيد فعدمه مستند الى فقده لا إليه ووجود الذات المجردة ، وهكذا قصد القربة إذ ليس فرق من هذه الجهة بين سائر القيود وبين قصد القربة. فكما ان سائر القيود تكون فعلية التاثير فيها متوقفة على انضمام القيود للمقيد وان كان نفس المقيد بدون القيد يسد بابا من ابواب العدم فكذلك قصد القربة فانها لما كانت دخيلة في حصول الغرض تكون مثل سائر القيود في كون عدم حصول المراد مستندا الى فقد القيود ولا يستند الى الذات اذ هي باقية

٣٠١

على قابليتها وكونها سادة لعدم من تلك الاعدام ومن هنا نقول في مشكوك الاعتبار فيجري قاعدة قبح العقاب من دون بيان كما انه يجري الحديث كالشك في سائر القيود إذ هو نظيرها في كون عدم حصول المراد مستندا الى المفقود لا الموجود نعم يبقى الاشكال من جهة اخرى وهو ان مناط الرجوع الى قبح العقاب بلا بيان فما امكن البيان وفي قصد القربة لم يكن البيان فلا يجري قبح العقاب من دون بيان وكذلك الحديث يجري فيما امكن الوضع إذ ما امكن وضعه امكن رفعه وما لا يمكن وضعه لا يمكن رفعه ولازم ذلك في المقام ان تجري البراءة فيما شك في اعتباره في المأمور به باعتبار نفس الذات التي اخذت توأما مع قصد التقرب لعدم اخذ الذات مقيدة بالقربة لما عرفت من انها متأخرة عن الامر فكيف تؤخذ متقدمة عليه فذات المامور به بالنسبة الى القربة لا مطلقة ولا مقيدة وانما هي توأم معها لأن الامر العبادي نشأ عن مصلحة قائمة بالذات منضما الى قصد القربة فكيف تكون الارادة متعلقة بالذات المطلقة المجامعة مع الاتيان بدون قصد التقرب إذ لازمه ان يكون المعلول اوسع من العلة فعليه لا بد وان تكون الارادة تعلقت بما هو محصل للغرض وليس إلا الذات الذى هو توأم مع التقرب ولكن لا يخفى انك قد عرفت عدم الفرق بين قصد التقرب وسائر القيود من حيث كيفية تعلق الارادة وانها مع فقد القيود يكون المقصود مستندا الى المفقود من دون نقص في الموجود وان تأثيره الفعلي متوقف على الانضمام وليس البيان منحصرا بتقييد نفس ذلك الامر المتعلق بالذات بل يمكن حصوله بامر آخر يدل على كونه عباديا فلو شك في البيان يكون مجرى قاعدة قبح العقاب من دون بيان. ودعوى ان الشارع او كل البيان الى حكم العقل بالاشتغال فيكون رافعا لموضوع حكم القاعدة ممنوعة إذ الحكم بالاشتغال في رتبة متأخرة عن حكمه بالبراءة والعقل انما حكم بالبراءة والاتيان بما علم تفصيلا بوجوبه فالمشكوك منفي بمثل الحديث والحجب وغيرهما ، وعليه كيف يعتمد على

٣٠٢

حكم العقل بالاشتغال باتيان المشكوك مع انه مرخص فيه في الرتبة السابقة.

وبالجملة المرجع في المقام البراءة لا الاشتغال والأنصاف انه يمكن ان يجاب عن ذلك بوجه آخر وهو ان الجمل تارة تتمحض للاخبار كما في الجمل الخبرية واخرى تتمحض للانشاء كما في المعاملات ، وثالثة واجدة للامرين كانشاء الاحكام فانها مع كونها انشاء للاحكام فيها جهة حكاية عن الإرادة متحققة في نفس المولى ولا بد له من كشف مراده ولما لم يكن كشف مراده بالامر الاول في مثل قصد التقرب فله ان يكشف مراده بالامر الثاني المتعلق بالذات مع قصد التقرب وهاتان الارادتان طوليتان واقعا ولا ينافي تعلقهما بما هو محصل للغرض اذ ذلك لا يرتبط بعالم الطلب لما هو معلوم بالوجدان تحقق امور ثلاثة طولية ذات الشىء والامر به والاتيان بداعي الامر ولا ينافي محصليته للغرض كونهما طوليين فتحصل مما ذكر انه لا فرق بين قصد القربة وبين سائر القيود فكما انها تجري فيها البراءة كذلك تجرى البراءة في مثل قصد التقرب وشبهة كونها شك في محصل الغرض آتية في سائر القيود أيضا. فدعوى الفرق بين سائر القيود وبين مثل قصد التقرب في غير محلها هذا كله بالنسبة الى القيود الطولية والعرضية.

واما الكلام بالنسبة الى القسم الثاني وهو ما لم يكن له وجود في قبال المشروط بل وجوده عينه كما لو تردد وجوب الاكرام مثلا بين خصوص زيد وبين اكرام مطلق الانسان ويكون زيد من باب انطباق الطبيعة المأمور بها عليه ويكون من التخيير العقلي أو كان التردد بين مطلق العتق وبين خصوص عتق الرقبة المؤمنة في خصال الكفارة ويكون من باب التخيير الشرعي فقد توهم جريان البراءة في هذا القسم كالقسم الاول حيث ان مرجعه الى ان المطلوب مطلق الطبيعة او منضما الى الخصوصية وهو من باب الاقل والاكثر فانه من موارد جريان البراءة العقلية والنقلية ولكن لا يخفى ان ذلك توهم فاسد إذ المقام من باب جريان

٣٠٣

الاحتياط لا من موارد جريان البراءة لرجوع الشك في المقام الى الشك في ترتب العقوبة فيما اذا ترك اكرام زيد وعمرو وهل ترتبها على نفس الجامع حتى يكون لترك اكرام عمرو مدخلية او خصوص زيد لكي يكون لترك خصوص حصة زيد مدخلية.

وبالجملة الامر يدور في المقام بين تعلقه بحصة مخصوصة من الطبيعة او مطلق الحصة ويكون ذلك من قبيل دوران الأمر بين المتباينين وحينئذ يكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال وذلك باتيان الفرد المعين لا باتيان الفردين هذا في التخيير العقلي وقد عرفت انه مجرى الاحتياط واما التخيير الشرعي كخصال الكفارة فان قلنا بان التكليف المتعلق بكل واحد من تلك الخصال يرجع الى تعلق الامر بالجامع للحاظ وحدة الغرض فيكون حاله حال التخيير العقلي من عدم جريان البراءة ويكون من موارد جريان الاحتياط وان قلنا على ما هو التحقيق من ان الامر قد تعلق بامور متباينة من دون رجوعه الى جامع بينهما فحينئذ ربما يقال بانه يكون من باب الاقل والاكثر وعليه تجري فيه البراءة دون الاحتياط ولكن الحق انه من موارد جريان الاحتياط لا البراءة على هذا المبنى أيضا فان ذلك وان لم يكن من قبيل دوران الأمر بين خصوصية وحصة ولكنه من قبيل دوران الامر بين ترك ما يحتمل وجوبه معينا او تركه في ظرف عدمه لو كان الوجوب تخييريا وحينئذ يكون امره دائرا بين حرمة احد التركين فتكون حرمة احدهما مما يعلم به اجمالا ومقتضى ذلك العمل على طبق العلم الاجمالي لعدم المانع من تنجزه وذلك يقتضي الاحتياط فافهم وتأمل.

٣٠٤

تنبيهات الاقل والاكثر

وينبغي النبيه على امور الاول فيما لو كان الشك في المحصل وكان دائرا بين الاقل والاكثر كما لو كان الواجب أمرا بسيطا كالطهارة الحدثية أو الخبثية الحاصلة من الغسلات بناء على أن المأمور به هو نفس الطهارة وان مثل الغسلات محصلات له وقد جعل الشيخ الانصاري (قده) الشبهة الموضوعية فيما لو كان دائرا بين الاقل والاكثر من الشك في المحصل ولذا قال بالاحتياط ، كما انه قيل برجوع الشك في الاقل والاكثر الى ذلك بدعوى انه بناء على مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ان الاغراض هي التي تكون مطلوبة وهي عناوين بسيطة يترتب على تلك الافعال الخارجية فحينئذ تعلق الطلب بها من باب المقدمية فالشك في اعتبار شىء فيها يكون من الشك في المحصل ولأجل ذلك قيل بالاحتياط في جميع اقسام الاقل والاكثر لرجوع الشك في ذلك الى الشك في سبب تحقق المأمور به فيكون شكا في المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال. وقد اجاب بعض الاعاظم (قده) بان الافعال الخارجية لو كانت بالنسبة الى الاغراض من المسببات التوليدية بنحو لا تتوسط فيها ارادة فاعل مختار كالقتل والاحراق مثلا فيعد من الشك في المحصل ولكن ذلك محل منع حيث ان الافعال بالنسبة الى الاغراض من قبيل المعد كما في مثل صيرورة الزرع سنبلا فان نفس الفعل الخارجي من حرث الارض والقاء البذر لم يكن سببا توليديا لصيرورته سنبلا لكي يكون تحت اختيار المكلف فيكون صالحا لتعلق التكليف بل يحتاج الى صيرورته سنبلا الى توسط اشياء أخر من الهواء وعدم وجود ما يمنع من ذلك من الامور غير

٣٠٥

الاختيارية ولكن لا يخفى ما فيه فان المصالح والملاكات والاغراض لا تكون تحت التكاليف لو كان تعلقه بنحو يكون طاردا لجميع الاعدام لكونه غير مقدور للمكلف على هذا النحو ولكن لا مانع من تعلق التكليف بنحو يكون طاردا للعدم على نحو كونه معدا ويرجع ذلك الى انه يجب حفظ الغرض وسد باب عدمه من ناحية المقدمات الاختيارية.

ودعوى ان ارادة الآمر تابعة لإرادة الفاعل فمع عدم تعلق ارادة الفاعل كيف يعقل تعلق ارادة الآمر والمفروض في المقام عدم تعلق ارادة الفاعل لوجود امور غير اختيارية متوسطة بين الفاعل والمطلوب فيكون غير اختيارى ممنوعة حيث انك قد عرفت ان ذلك يتم لو كانت الارادة تتعلق بحفظ وجود المطلوب من جميع الجهات وسد باب العدم من جميع انحاء العدم فان ذلك يوجب كون الفعل المتعقب لامور غير اختيارية يكون غير اختيارى ولكن لا ينحصر تعلق الإرادة بذلك النحو بل يكفي في تعلقها سد باب العدم من ناحية المقدمات الاختيارية. وعليه الشك في تحقق كون المحصل للغرض او المصلحة هو الأقل او الاكثر يكون من الشك في المحصل الموجب لجريان قاعدة الاشتغال لا البراءة فيتوجه الأشكال إلّا أنّك قد عرفت منا سابقا بان التكاليف ولو قلنا بتعلقها بالاغراض او المصالح إلّا ان الحاكم بالفراغ هو العقل ولا اشكال ان الفراغ انما هو بمقدار ما اشتغلت به الذمة ولا اشكال باشتغال الذمة بالاقل فيحكم العقل بفراغ ما اشتغلت به الذمة وليس الاقل فيجب حفظه بذلك المقدار وحينئذ يشك في الزائد فتجري فيه البراءة واما الشبهة الموضوعية فهي عبارة عن الشبهة المصداقية بمعنى انا نشك في الموضوع الخارجي في اتصافه بعنوان كونه موضوع الكبرى كما لو شك في عالمية زيد بعد العلم بتحقق الكبرى وهو اكرم العلماء ومرجع ذلك الى الشك في سعة الحكم وضيقه من ناحية الخطاب من غير فرق بين كون الكبرى

٣٠٦

اخذت على نحو العام الاستقراري او العام المجموعي فان فيهما يرجع الى الشك في الامور الخارجية غايته على الاول من الاقل والاكثر الاستقلاليين وعلى الثاني من الاقل والاكثر الارتباطيين ومن الواضح ان الشبهة في الموضوع على هذا النحو مرجعها البراءة وليست من الشك في المحصل لأن الشك فيه تارة يكون في السبب فتكون حكمية لا موضوعية وان كانت في المسبب تكون موضوعية لامر بسيط لا تردد فيه بين الاقل والاكثر إلا ان يكون ذلك البسيط له مراتب كالنور لكن الشبهة تكون حكمية بالنسبة الى المامور به لا موضوعية ومن هنا تعرف الاشكال في ما ذكره الشيخ الانصاري من ارجاع الشبهة في الموضوع الى الشك في المحصل وتمثيله بذلك بما بين الهلالين فان حمل كلامه على الاول قد عرفت انه ليس من الشك في المحصل وانما هو مجرى لقاعدة البراءة لرجوعه الى الشك في سعة التكليف وضيقه وعلى الثاني فليس من الشبهة الموضوعية بل هي من الشبهة الحكمية.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور عدم جريان البراءة وجريان الاشتغال في الشك في المحصل نظرا الى ان الشك في دخل شىء في تحققه راجع الى الشك في حصول الفراغ منه وهو من موارد جريان الاشتغال لان شغل الذمة اليقينية يستدعي الفراغ اليقينى من غير فرق بين كون الامر البسيط له مراتب وكل جزء من السبب يوجب حصول مرتبة من ذلك الامر البسيط حتى تحصل المرتبة الخاصة المترتب عليها الامر كما يستفاد ذلك من اخبار غسل الجنابة من ان تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة وفي رواية اخرى ما جرى عليه الماء فقد طهر وكما ورد كل شىء امسسته الماء فقد انقيته وبين ما يكون الاثر المترتب البسيط ليس له مراتب بل حصوله يكون دفعيا ولكن لا يخفى ان التحقيق يقتضي التفصيل بين ما يكون الاثر تدريجي الحصول وبين ما يكون حصوله دفعيا بتسليم جريان

٣٠٧

الاشتغال في الثاني دون الاول حيث ان الشك في الاول راجع الى الشك في سعة ذلك الامر البسيط وضيقه فاذا رجع الامر الى ذلك فلا مانع من جريان البراءة عقليها وشرعيها بخلاف الثانى حيث ان الاثر لما كان دفعي الحصول وتحققه انما يكون عند تحقيق الجزء الاخير كان التكليف قد تنجز بمفهوم مبين معلوم تفصيلا لعدم الايهام في مفهومه فانه معلوم مبين تفصيلا وعليه الشك في دخل شىء في تحققه يوجب الشك في الفراغ وحينئذ العقل يستقل في مثله بالاحتياط كما لا يخفى

القاطعية والمانعية

التنبيه الثاني في القاطع والمانع فنقول : المانع هو ما اعتبر عدمه في المامور به فيرجع الكلام فيه الى الشك في الشرطية وسيأتي مزيد توضيح إن شاء الله تعالى والقاطع هو ما اعتبر فيه عدم الشىء في المأمور به مثل المانع إلا انه على نحو يكون ادخاله في المأمور به يوجب سلب وصف مثل الهيئة الاتصالية وهو تارة يكون الشك فيه ناشئا من اعتبار ذلك الوصف وعدمه مثلا ان نية الخروج من الوضوء يشك في انها موجبة لابطال الوضوء ام لا؟ وهذا الشك ناشئ من جهة اعتبار الوصف وهو الهيئة الاتصالية حتى يكون موجبا للبطلان ام لا يكون معتبرا حتى لا يكون موجبا للبطلان ولا يخفى ان هذه الصورة مرجعها الى ان الوصف هل هو معتبر ام لا؟ ومن الواضح ان الشك في مثل ذلك الى اصل البراءة ، واخرى يكون منشأ الشك في كون الامر الحادث متصفا بايجاد القاطعية ام لا بعد القطع في اعتبار ذلك الوصف مثل ما لو وقع في الصلاة فصل فشك في ان هذا الفصل قاطع للصلاة ام لا؟ بعد القطع بان الصلاة لها جزء مادي

٣٠٨

وهو الركوع والسجود ونحوهما وجزء صوري وهو الهيئة الاتصالية وفي هذه الصورة يكون من موارد جريان الاحتياط إذ الشك انما هو فى المحصل بعد القطع بنفس التكليف وهو اعتبار الهيئة الاتصالية وجريان الاحتياط في المقام من باب حكم العقل بالاشتغال لا من باب استصحاب الاشتغال فيكون المقام من قبيل الشك في الحجية الذي هو معلوم ان نفس الشك يكفي في عدم كونه حجة اللهم إلا ان يقال ان هذا انما يتم لو كان ذلك الوصف امرا خارجيا ثابتا للاجزاء على نحو مفاد كان الناقصة فلا مجال للاستصحاب لانه لم يترتب عليه اثر عملي إلا على القول بالاصل المثبت واما لو قلنا بان الوصف ليس إلا عبارة عن كون الاجزاء متصلة فيكون على نحو مفاد كان التامة فلا مانع من الاستصحاب ولم يكن نفس الشك كافيا في حكم العقل لان الشك مسيب عن الشك في بقاء الوصف وعدمه. وبالجملة ان الاستصحاب لا مانع منه سواء كان الشك في الشرط أو الجزء أو المانع من حيث الشبهة الحكمية.

واما الكلام فيها من حيث الشبهة الموضوعية فالذي يظهر من اصحابنا عند تتبع كلماتهم جريان الاشتغال ولا يجرون البراءة كما فيما لو علم بتوارد حالتي الطهارة والحدث فيقع الشك في الطهارة الحدثية وحينئذ اما لتعارض الاصلين ولا تجري البراءة واما من جهة عدم شمول الاخبار عن مثل هذا المورد ، ومثله أيضا فيما لو شك في اتيان جزء من الصلاة فيما لم تنطبق قاعدة التجاوز او الشك بعد الفراغ ففي مثل هذا وامثاله يجرون الاحتياط ولا يجرون البراءة ولكن فيما اذا لم يكن هناك اصل موضوعى ففي المثال الاول ربما تقع المناقشة فيه من جهة توهم جريان الاصل الموضوعي اما بالاصل الجاري قبل طرو الحالتين او ضده ولم تكن المناقشة كبروية اى في حكم العقل في امثال المقام بالاشتغال فيما اذا لم يكن اصل موضوعي نعم ربما يقال بعدم جريان البراءة في المقام.

وجريان الاشتغال ليس من جهة حكم العقل بتحصيل الفراغ بل من جهة ان

٣٠٩

اجراء دليل البراءة مثل حديث الرفع يوجب الاشتغال لان اجراء دليل البراءة مفاده عدم ترتب الآثار على وجوده وتنزيله منزلة العدم ولازمه اتيانه لعدم وجوده تنزيلا على تقدير وجوده واقعا ولكن لا يخفى ان حديث الرفع انما هو في مقام الامتنان فلا يكون ذلك الدليل مفيدا لاثبات كلفة على المكلف لان اثباته خلاف الامتنان فافهم.

اللهم إلّا ان يقال بانه لنا تقريب آخر في اجراء الحديث وهو انه كما ان للشارع التصرف في مرحلة اصل الاشتغال له التصرف في الفراغ بجعل البدل فيكون حكم العقل بالنسبة الى عالم الفراغ تعليقيا لا تنجيزيا فيمكن للشارع ان يجعل ترخيصا في عالم الفراغ وبعبارة اخرى ان العقل لما الزم بالاتيان بالمأمور به في ظرف الفراغ فللشارع ان يجعل فراغا جعليا بان يردع عنه فحينئذ ببركة الحديث يحصل الرفع عما الزم العقل باتيانه ويكون ما احتمل اتيانه كان آتيا وهذا لا ينافي كون الحديث في مرحلة الامتنان ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم على المختار في حديث الرفع من انه لا يستفاد منه جعل البدل خلافا لما ظهر من الاستاذ (قده) من استفادة ذلك.

ومما ذكرنا يظهر حال الشبهة في الموضوع الذي هو المنشأ في الشبهة في الحكم مثلا لو شك في وجوب غسل الصدغ في الوضوء للشك في انه من الوجه ام لا؟ فبناء على ان هذه الافعال مقدمة للطهارة فمن الواضح يكون الشك في اعتبار ما يحتمل الاعتبار من موارد جريان قاعدة الاحتياط اذ التكليف لا قصور فيه وقد تعلق بامر مبين لا اجمال ولا اهمال فيه وهو نفس الطهارة اى النظافة المسببة عن الافعال المخصوصة وانما القصور في المحقق والمحصل فعليه لا مجال لجريان قبح العقاب بلا بيان. نعم يمكن جريان البراءة بناء على الاستفادة من حديث الرفع جعل البدل كما ادعاه الاستاذ (قده) هذا كله في الشرط والجزء.

٣١٠

واما الكلام في المانع الذي مرجعه الى اشتراط عدم الشىء في المأمور به فمرجعه في الحقيقة الى الشك في تعلق التكليف لانحلاله الى نواهي متعددة حسب تعدد الموضوعات ففي كل مورد يشك في كونه مصداقا للمانع مرجعه الى الشك في ان المأمور به مقيد بعدم هذا الشىء ام لا؟ فلا اشكال في كونه من موارد جريان البراءة بخلاف الجزء والشرط إذ ليس التكليف المتعلق بهما ينحل إلى تكاليف متعددة والتقييد بالنسبة اليهما من حيث ايجاد المعدوم لا التكليف بعدم ما هو الموجود فارغا عنه فالشك في الجزء والشرط لم يكن بالنسبة الى الحكم الشرعى المتعلق بالموضوع الخارجي بخلاف المانع فانه يرجع الى الشك في حكم الشارع ولذا يكون من موارد اصل البراءة وليس من موارد اصالة الاشتغال هذا كله فيما لو اخذ النهي على نحو الطبيعة السارية.

واما لو اخذ على نحو صرف الوجود فالمرجع في الشك فى المانع هو الاحتياط لأن الشك في ذلك يكون من الشك في المحقق والمحصل اذ النهي على هذا التقدير لم يكن متعددا وانما هو نهي واحد قد علم به ومتعلقه امر مبين لا اجمال فيه فلذا يكون المرجع في هذه الصورة هو الاحتياط بخلاف الصورة الاولى.

ولكن لا يخفى ان ما ذكرنا من صرف الوجود فبالنسبة الى ناحية الوجود تحصل التفرقة بين الصورتين ، واما بالنسبة الى العدم فلا فرق بين صرف الوجود والطبيعة السارية لأن انعدام الطبيعة بجميع افرادها لا يفرق الحال بين النحوين اذ كما يحصل التعدد على نحو الطبيعة السارية بالنسبة الى الافراد كذلك يحصل التعدد فيما لو كان على نحو صرف الوجود باعتبار المراتب فيه.

وبالجملة على النحو الاول التعدد بالنسبة الى الافراد ، والتعدد على النحو الثاني بالنسبة الى المراتب.

وحاصل الكلام ان القاطع والمانع وان اشتركا من حيث الاخلال بالمأمور به

٣١١

إلا انه يمتاز احدهما عن الآخر فان المانع يكون عدمه مأخوذا فى المأمور به وله دخل في الملاك بخلاف القاطع فانه لم يوجد عدمه في المأمور به وانما هو معنى لما هو المعتبر من اخذ الجزء الصوري في المأمور به وهو الهيئة الاتصالية. وقد عرفت حكم كل واحد منهما مع العلم بانه مانعا او قاطعا ، واما لو شك في القاطع فتارة يشك فى كونه مانعا او قاطعا مع العلم بان الواقع لا يخلو من احدهما واخرى لا يحصل له العلم باحدهما بل يحتمل انه ليس شيئا منهما ، وثالثة الشك في القاطعية من جهة الشك في اعتبار الجزء الصوري ، ورابعة من جهة الشك فى كونه مصداقا للقاطع مثل التبسم هل هو مصداق للضحك الذى هو قاطع للصلاة ام لا؟

اما الصورة الاولى فلا اشكال في وجوب التحرز للعلم باخلاله اما لكونه مانعا او قاطعا ، واما الثانية فان الشك في القاطعية او المانعية من جهة الشبهة البدوية فيرجع الى الشك فى التكليف وهو من موارد جريان البراءة كما ان الثالثة يكون الشك فيها يرجع الى اعتبار جزئية الهيئة الاتصالية الراجع الى الشك فى دوران الامر بين الاقل والاكثر وقد عرفت انه من موارد جريان البراءة ، واما الرابعة فالشك في مصداق القاطعية تارة للشبهة الحكمية او للشبهة الموضوعية فالمرجع هو استصحاب بقاء الجزء الصوري وهو الهيئة الاتصالية من دون حاجة الى استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية في مشكوك القاطعية لامكان منعه لعدم كونه رافعا للشك في بقاء الهيئة الاتصالية الذي له الاثر وترتب بقاء الهيئة الاتصالية عقلي لا شرعي فلذا قلنا بجريان الاستصحاب المذكور الجاري فى المسبب فلا تغفل.

٣١٢

نسيان الجزء

التنبيه الثالث فيما لو نسي بعض اجزاء المركب فهل يجب الاتيان بالباقي ام لا؟

فنقول تارة يكون هناك اطلاق دليل يدل على المركب بنحو يكون طلبه مطلقا ـ اي في جميع الاحوال ـ واخرى لا يكون لدينا ذلك الاطلاق. فعلى الاول فألسنة الادلة الدالة على المركب مختلفة فبلسان يكون وصفا مولويا مثل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وحينئذ مثل هذا الدليل يقتضى المطلوبية على كل حال واخرى يكون لسانه ارشاديا كما ادعي في الاوامر المتعلقة باجزاء المركب وان كنا قد اوردنا في محله على انها ظاهرة في المولوية الضمنية لا الارشادية وانه لا ينبغي رفع اليد بالكلية عن المولوية وعلى اي حال اذا كان لسان الدليل ذلك فأيضا لا يختص بحال الذكر بل يعم حال الذكر والنسيان وثالثة يكون لسانه الزاميا فقد توهم اختصاصه بحال الذكر إذ الغافل لا يمكن ان يتوجه اليه مثل هذا الامر الالزامي ولكن لا يخفى ان الالزام انما هو مستفاد من الهيئة وحيث ان المكلف غافل لا يتوجه اليه التكليف فتسقط الهيئة من الدلالة على الالزام وحينئذ يبقى اطلاق المادة الدال على اعتبار الجزء حتى في حال نسيانه وعليه ترتفع فعلية الالزام في حق الناسي ولكن اطلاق المادة المقتضية لكونه جزءا في حال النسيان يدل على انه لو تذكر يجب اتيانه بالامر الاول.

اللهم إلا ان يقال بان الالزام المستفاد من الهيئة يتبع المادة سعة وضيقا اذ المادة انما تنبعث من الغرض فلا يعقل ان يكون أوسع من الغرض لفرض كونها من معاليل الغرض فكذلك بالنسبة الى الهيئة ايضا سعة وضيقا تتبع المادة لكون الهيئة تعد من توابع المادة فلا يعقل التفكيك بين المادة والهيئة وحينئذ فبهذا

٣١٣

الحكم العقلي يكون الكلام من قبيل المحفوف بالقرائن المتصلة فيرتفع ظهور اطلاق المادة فكيف يتمسك باطلاق المادة ولكن لا يخفى ان هذا الحكم العقلي انما هو من القرائن المنفصلة لان تكليف الغافل ليس من الامور التي لا تحتاج الى تأمل بل تحتاج الى ترو.

فعليه إنما يوجب هذا الحكم العقلي سقوط حجية الظهور لا اصل الظهور وينتج من ذلك انه بالنسبة الى ما بعد التذكر يجب الاتيان به بمقتضى الامر الاول.

وبالجملة على جميع هذه التقادير التكليف شامل للمتذكر والناسي كما لا يخفى ، واما على الثاني وهو عدم وجود دليل لفظي يتضمن الاطلاق ولكن قام دليل لبي مثل الاجماع ونحوه يدل على اعتبار جزئية شىء للمركب فحينئذ ليس لذلك الدليل اطلاق يتمسك به للناسي فحينئذ يشك في اعتباره بالنسبة الى الناسي فيرجع فيه الى الاصل لشمول حديث الرفع له كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

ثم لا يخفى قد اشكل الشيخ الانصاري (قده) على توجه الخطاب للناسي بما حاصله ان امتثال التكليف لا بد ان يؤتى به بداعي الامر المتعلق به ومع كونه غافلا لا يعقل الاتيان به بهذا الداعي اذ لا يعقل التوجه اليه بعنوان الناسي فما يأتى به غير مأمور به وما امر به لم يأت به ، ولكن لا يخفى انه وان لم يمكن بهذا العنوان ان يتوجه التكليف الى الناسي ولكن يمكن ان يتوجه اليه بعنوان آخر مثل ايها المؤمن أو أيها المكلف او بعنوان ملازم للاتيان بالناقص فحينئذ يكون الناقص قد تعلق به الامر فيجب الاتيان به بذاك الداعي اللهم إلّا ان يقال بان مراد الشيخ (قده) ان من شرط دعوة لامتثال شىء العلم به لا نفس وجوده الواقعي فيكون العلم بالدعوة في مرحلة الامتثال لها موضوعية فعليه اى امر يتوجه الى الغافل باي عنوان لا بد وان يكون محدودا بحد النقصان والغافل يتوهم ان ما اتى به من الناقص هو تمام المطلوب فلا يكون هذا التوهم داعيا للامتثال فلا يكون الامر بالناقص داعيا له لعدم العلم به.

٣١٤

فان قيل المقام من الخطأ في التطبيق ، قلنا ضابط الخطأ في التطبيق ان الواقع ينطبق على ما يزعمه المكلف وليس المقام كذلك إذ ليس الواقع ينطبق على ما توهمه المكلف لانهما امران متباينان احدهما متعلق بمركب تام والآخر متعلق بمركب ناقص. فدعوى انه من باب الخطأ في التطبيق في غير محله ولكن التحقيق انه لا دليل على لزوم كون الامر بالخصوصيات الخارجية والحدود الشخصية يكون داعيا للعمل بل غاية ما يلزم في العبادات ان تكون ارادة المولى داعية وهي المعتبرة في ذاتها ، واما الخصوصيات من كونها هي الثلاثة او الاربعة فلا دليل على اعتبارها فحينئذ لو فرض كون الامر في الواقع متعلقا بالاربعة واختص بالتذكر والغافل قد زعم ان الامر قد تعلق بالثلاثة فاتى بذلك العمل فلا وجه لفساد المأتي به. اللهم إلّا ان يقال بانه بناء على القول بان الالفاظ موضوعة للصحيح في العبادات فالجامع هو الذي تعلق به الامر وتكون الافراد الخارجية من قبيل انحصار الكلي في هذه المصاديق لا أن المصاديق هي المأمور بها فحينئذ لو بني على دخول الحدود في حيز الامر بنحو يكون اتيان العمل بداعي ذلك الامر الخاص ومع ذلك لا يضر قصد الامر التام بتحقق الداعي الصحيح إذ المفروض كون الجامع منطبقا على ما يقصده.

هذا كله فيما اذا لم يكن للمركب اطلاق. واما لو فرض وجود الاطلاق في المركب وحينئذ إما ان يكون لدليل الجزء اطلاق يشمل جميع الاحوال فبالنسبة الى حال الذكر يخصص دليل المركب بدليل الجزء لان دليل المركب نص في اعتباره ، واما بالنسبة الى حال النسيان تقع المعارضة بين دليل المركب ودليل الجزء فيتساقطان ويرجع الى الاصل لان دليل الجزء لما كان مطلقا فيؤخذ بالقدر المتيقن ويقيد دليل المركب بحال الذكر وبالنسبة الى حال النسيان ليس قابلا لرفع ظهور دليل المركب. ودعوى ان هذين الاطلاقين بمنزلة قرينة وذيها فحينئذ

٣١٥

يجب رفع اليد عن ظهور دليل المركب مطلقا ممنوعة بان ذلك انما يتم فيما اذا لم يكن لدليل الجزء اطلاق ، واما فيما اذا كان هناك اطلاق فلا يرفع اليد عن اطلاق دليل المركب بل يكونان متعارضين فيتساقطان فيرجع الى اصل البراءة لعدم المانع من جريانها ، هذا كله بالنسبة الى الاصل الاولى.

واما الكلام في الاصل الثانوي وان حديث الرفع هل يرفع الجزئية بالنسيان فيما لم يجر فيه الاصل الاولي لعدم وجود اطلاق لدليل الجزئية ام لا؟

فنقول جريان الحديث بالنسبة الى المورد لا اشكال فيه لأن الشك في ان كل ما هو جزء في حال الذكر هل هو جزء مطلقا حتى في حال النسيان فيكون سبب جريان الحديث رفع الجزئية المطلقة الذي لازمه انه لو ترك في حال النسيان لا عقاب او ان الجزئية مختصة بحال الذكر ففي حال النسيان من الاول لا جزئية ففي الحقيقة يرجع الشك الى الجهل بالحكم الشرعي بالنسبة الى كيفية الجعل الشرعي وانه يترتب من قبل تركه عقاب ام لا؟ فببركة هذا الحديث يرفع هذا الاحتمال. هذا ولكن الكلام في المراد من رفع النسيان وبيانه يتوقف على فقه الحديث.

فنقول يحتمل ان يراد من رفع النسيان بلحاظ اثره وقد يكون المراد برفعه رفع المنسي فان كان المراد به الاول فيكون المحصل من رفع النسيان جعل ترك الجزء المنسي بمنزلة عدمه وجعل هذا الترك بمنزلة عدمه اي رفع اثره وهو وجوب الكل الذي هو المركب من هذا المنسي ومن غيره ولو لم نجعل هذا الأثر لم يتصور لذلك الترك اثر فحينئذ يرد اشكال الشيخ الانصاري (قده) بان رفع الجزء من الآثار العقلية للنسيان فكيف يرفعه حديث الرفع ، ورفع وجوب الكل قد جعله هو الأثر بناء على كون وجوب الاجزاء غيريا فرفعه لرفع جزئية الجزء المشكوك يكون مثبتا للوازم مع انه من المعلوم ان حديث الرفع يستفاد منه النفي ولا يثبت شيئا.

٣١٦

وبالجملة لا يكون اثره رفع وجوب الاعادة. وكيف كان فالاولى ان يمنع جريان الحديث رأسا لانه على ما تقدم منه (قده) في الشبهة التحريمية من ان آثار النسيان لا ترتفع بالحديث كما لا يخفى. واما على الثاني اي ان يجعل المرفوع هو المنسي ويجعل عنوان النسيان عنوانا مشيرا الى المنسى فيكون الرفع حينئذ ناظرا الى الحكم الفعلي او الحكم الاقتضائي وقد عرفت انه بالنسبة الى الحكم الفعلي رفعه عقلي ولا حاجة فيه الى الحديث وان كان الحكم الاقتضائي فنقول انه امر تكويني غير قابل للتصرف الشرعي إلا بلحاظ رفع الحكم الفعلي ووجوب الاعادة وقد عرفت انه بالنسبة الى الناسي رفعه عقلي.

فتلخص مما ذكرنا ان رفع النسيان لا معنى له بل الطريق منحصر في ما لا يعلمون لان هذا مما يشك في جزئيته فيكون من موارد جريان الحديث كما لا يخفى هذا كله بالنسبة الى الاصل الثانوى فيما لو شك في جزئية شىء او شرطيته.

حديث الرفع

التنبيه الرابع في التمسك بحديث الرفع لرفع جزئية المنسي والاعادة بعد التذكر وهو تارة يكون بعنوان النسيان واخرى بعنوان ما لا يعلمون ، وعلى الاول يكون معنى رفع الجزئية حال النسيان هو عدم الجزئية حاله وتختص بحال التذكر ولازمه ان يكون الماتي به في حال النسيان مجزيا ولا اعادة ، وعلى الثاني يتمسك بالحديث إذ لا قصور في التمسك به في رفع جزئية المنسي للطبيعة المأمور بها حال النسيان إلا ان يقال انه فرق بين التمسك بالحديث في المقامين.

٣١٧

ففي ما لا يعلمون يكون رفع الجزئية بعنوان المشكوكية فيكون باقيا ببقاء موضوعه حتى مع رفع النسيان فلو كان الشك باقيا في حال التذكر فيبقى الرفع لبقاء موضوعه ولازم ذلك هو ان المأتى به في حال التذكر من مصاديق الطبيعة ظاهر فلا يجب الاعادة لسقوط الأمر المتعلق بالطبيعة حال النسيان. وعليه لا مجال لدعوى ان اطلاق الادلة يقتضي الاعادة لفرض عدم وجود اطلاق في المقام إذ لوجد لا معنى للرجوع الى البراءة بخلاف ما لو كان الرفع بعنوان النسيان فانه عند التذكر يجب الاعادة لفرض تحقق اطلاق في ادلة الاجزاء فيشك في سقوط التكليف فتجري قاعدة الاشتغال وليس من موارد اصل البراءة ولكنه خلاف الفرض إذ الكلام فيما لم يكن هناك اطلاق.

ولكن لا يخفى ان دعوى اجزاء المأتي به حال النسيان وعدم وجوب الاعادة بعد التذكر تحتاج الى الالتزام باحد امور ثلاثة : ـ

الاول ان يكون الحديث ناظرا الى رفع دخل الجزء المنسي في مصلحة المركب في ظرف النسيان.

الثاني ان مقتضى رفع الحديث لجزئية المنسي هو تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها في حال النسيان فى بقية الاجزاء ولو كان بجعل البدل.

الثالث الالتزام بتعدد المطلوب بان يكون المطلوب تمام الاجزاء والشرائط ومطلوب آخر وهو ما يشتمل على ما عدا الجزء المنسي.

ولكن لا يخفى انه لا يمكن الالتزام بكل واحد من هذه الامور : اما الاول فدخل الجزء او الشرط دخل تكوينى في المصلحة ، وحديث الرفع اجنبي عن ذلك ، والثانى ان الحديث ليس ناظرا الى تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها ، والثالث فظاهر اطلاقات الاوامر هو وحدة المطلوب.

فالتحقيق هو ان حديث الرفع لا يقتضي إجزاء المأتى به إذ معنى رفع

٣١٨

لنسيان رفع اثره اما بجعل النسيان بمعنى المنسي او بجعله عنوانا مشيرا الى المنسي وعلى اي تقدير لا يستفاد من الحديث اجزاء المأتى به وعدم وجوب الاعادة بعد التذكر اما على التقدير الاول فليست الاعادة من الآثار الشرعية الثابتة للنسيان.

واما على الثاني فليست الجزئية من آثار وجود الجزء وانما هي من آثار طبيعة الجزء والذي هو من آثار وجود الجزء هو الصحة فمعنى رفع الصحة هو البطلان ، وحينئذ تجب الاعادة وبالجملة لا ينتفي وجوب الاعادة به فان غاية ما يدل الحديث عليه هو رفع التكليف الفعلي والجزئية الفعلية حال النسيان فيسقط التكليف الفعلي لسقوطه بالنسبة الى بقية الاجزاء ما دام ناسيا.

واما الحديث فلا يقتضي سقوط المنسي عن الجزئية والشرطية عن طبيعة الصلاة فان ذلك لا يقتضيه الحديث وليس ذلك لاجل كون الامر بالبقية ضيق على المكلف فيكون خلاف الارفاق بالامة بل لما عرفت منا سابقا بأن الحديث ليس ناظرا لاثبات التكليف وانما شأنه متمحض للرفع فعليه لا يكون الحديث متكفلا للامر ببقية الاجزاء لكي يقال باجزاء المأتى به حال النسيان. الموجب لتحديد طبيعة الصلاة المأمور بها في تلك الحال ببقية الاجزاء ثم ان بعض الاعاظم (قده) اورد على التمسك بالحديث لاجزاء الماتي به حال النسيان امورا ثلاثة احدها ان الجزئية ليست هي المنسية لكي ترفع برفع النسيان.

ثانيها ان محل البحث في غير المستوعب للوقت وفي هذا الفرض تسقط الجزئية في حال النسيان وبعد التذكر في الوقت يجب الاعادة لعدم سقوطها بعد التذكر اذ سقوطها في حال النسيان لا يقتضي سقوطها في تمام الوقت.

ثالثها ان المركب عبارة عن امور متباينة تجمعها وحدة اعتبارية ويتعلق بها طلب واحد فينبسط على الاجزاء فيكون لكل واحد من الامور المتباينة

٣١٩

قطعة من الطلب وعليه تنتزع جزئية كل واحد منها من انبساط الطلب الواحد ولازم ذلك ان نسيان بعض الاجزاء موجب لسقوط الكل لا خصوص الجزء المنسي وذلك يوجب الاعادة.

ولكن لا يخفى ان كل ما ذكر من الامور الثلاثة محل نظر اما الاول فان المرفوع ليس هو نفس الجزئية لكي يرد عليه ما ذكره وانما المرفوع لازم من لوازم الجزء وهو بطلان العمل فيكون معنى رفع الجزئية سقوطه عن الجزئية في حال النسيان ولازم ذلك صحة العمل.

واما الثاني فان سقوط الجزئية في حال النسيان تلازم تحديد الطبيعة المأمور بها بما عدا الجزء المنسي ولازمه جعل بقية الاجزاء مما تنطبق عليه الطبيعة وذلك يقتضي عدم وجوب الاعادة ومنه تعرف النظر في الثالث فان مقتضى تحديد الطبيعة بما عدا المنسي سقوط نفس الجزء المنسي ولازمه عدم وجوب الاعادة ولكنك قد عرفت ان حديث الرفع ليس ناظرا الى تحديد الطبيعة بما عدا المنسي واثبات الامر الفعلي ببقية الاجزاء فاذا لم يكن ناظرا الى ذلك فيجب الاعادة باطلاق ادلة الاجزاء لعدم صلاحية الحديث لتقييد الاطلاقات فتكون الجزئية لها دخل في الملاك حتى مع النسيان كما لا يخفى.

٣٢٠