منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

الاقل ، وبعبارة اخرى انه كما يتصور للفعلية مراتب ثلاثة فتارة الفعلية المطلقة وهي ما يكون حفظ وجوده من ناحية جميع المقدمات ، واخرى التكليف الشأني وهو ما لم يكن واجبا لامتثاله وحفظ وجوده كان من جهة نفس التكليف وثالثة الفعلية التوسطية كما في عبارة الشيخ (قده) وهي ما يكون حفظ الوجود من بعض المقدمات دون البقية كذلك يتصور هذه المراتب الثلاثة في مرحلة التنجز فتارة يكون التنجز مطلقا واخرى يكون شأنيا ، وثالثة يكون بين البين.

وبالجملة لا ينافي كون التكليف فعليا مع كون التنجز شأنيا أو كون التكليف فعليا مع كون التنجز من جهة دون جهة.

البراءة العقلية

اذا عرفت ذلك فاعلم ان وجوب الاكثر فعلي ولكن لم يثبت تنجزه حتى من جهة ذلك الجزء المشكوك. نعم ثبت تنجزه بالنسبة الى الاجزاء الموجودة وهذا المقدار من التنجز لا يوجب الاتيان بالاكثر من ناحية المقدمات بالاتيان بالاقل لا الاكثر مطلقا وهذا هو التنجز التوسطي اي ما يحكم العقل بوجوب الامتثال له من جهة دون جهة لعدم قيام الطريق على التكليف الا كذلك فلا منافاة بين تسليم الملازمة والالتزام بانحلال العلم الاجمالي لما عرفت من عدم التلازم بين تنجز التكليف بالاكثر من ناحية العلم التفصيلي بالاقل وتنجزه مطلقا حتى يمنع ذلك من الانحلال الذي يقتضيه العلم التفصيلي تنجز التكليف في بعض الاطراف وهو الاقل ، وبالنسبة الى الجزء المشكوك تجري البراءة العقلية لكونه من الشك البدوي ، فما توهم من كون الملازمة المذكورة مقتضية لتنجز التكليف بالاكثر مطلقا الموجب

٢٨١

ذلك لعدم انحلاله الى العلم التفصيلي بالاقل ، والشك البدوي فى الجزء المشكوك في غير محله لما عرفت من انحلاله. هذا كله لو كان وجوب الاجزاء بنحو المقدمية.

واما لو كان وجوبها على نحو وجوب الكل بان يكون وجوب الكل عين وجوب الاجزاء بالاسر ، فنقول ايضا لا يتم كلامه في الكفاية وما اوضح كلامه في الحاشية من انه لا اشكال في الذوات المتباينة اذ لاحظ المعتبر اجتماعها وليس لازمه ان تكون مجتمعة في الخارج وليس لازم فعلية الاجزاء الموجودة فعلية الجزء المشكوك فالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لا يلازم العلم بالاكثر وذلك لان تعلق التكليف والارادة بشىء مركب ينحل الى ارادات ضمنية فيكون في كل واحد من الاجزاء وجوب ضمني فيعلم تفصيلا بوجوب الاجزاء الثلاثة ويشك في وجوب الجزء الرابع ومرجع هذا الشك الى ان الملحوظ في ذهن الآمر هل هو خصوص الثلاثة او لاحظ شيئا رابعا منضما الى الثلاثة فحصل عندنا يقين وشك ، يقين تعلق بالاجزاء الثلاثة وشك تعلق بالجزء الرابع ولا يسرى ما تيقن الى ما شك فيه نظيره في باب الاستصحاب مشتمل على اليقين والشك إلا ان الشك لا يسرى الى اليقين إلا ان يكون من باب الشك الساري فيخرج عن باب الاستصحاب وعليه القطع بوجوب الاقل لا ينافي احتمال وجوب الاكثر.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الملازمة التي تدعى تارة تكون بين الاكثر بتمامه وبين العلم بالاقل وفيه ان هذا ينافي جواب الشبهة على تقدير تقريب الالتزام بكون وجوب الاجزاء مقدميا اذ غاية ما ثبت من الملازمة كون اتيان الاكثر واجبا من جهة هذه الاجزاء المذكورة ولا يجب الاتيان بالاكثر مطلقا حتى من جهة الجزء المشكوك فالاكثر من جهة تلك الاجزاء المعلومة يندرج تحت الاشتغال ومن جهة الجزء المشكوك يندرج تحت اصل البراءة لان اليقين المتعلق بتلك الاجزاء لا يسرى الى الشك في الجزء المشكوك واخرى يدعى الملازمة بين

٢٨٢

ذات الاقل والجزء المشكوك الذي هو قوام تحقق الاكثر إذ كون العلم التفصيلي بوجوب الاقل ملازما لوجوب الاكثر اي الجزء المشكوك من حيثية التنجيز ، ولكن لا يخفى ان لازم ذلك اما جريان الاشتغال في ظرف عدم البيان او جريان البراءة في ظرف تمامية البيان.

بيان ذلك ان الملازمة ان سلمت يكون الجزء المشكوك واجب الاتيان وهو في ظرف اللابيان واما ان لا يجب الاتيان بالاجزاء المعلومة. فظهر مما ذكرنا ان ما ادعاه الاستاذ (قده) من جريان البراءة العقلية مع عدم جريان البراءة العقلية محل اشكال نعم هنا مسلك آخر لصاحب الفصول (قده) لعدم جريان البراءة العقلية وهو انه وان نشأ من هذا العلم الاجمالي المردد بين الاقل والاكثر علم تفصيلي تعلق بالاقل وذلك يوجب انحلال العلم الاجمالي إلا ان قاعدة الاشتغال تقتضي الاتيان بالاكثر وذلك لان العلم بوجوب الاقل مردد بين كونه ضمنيا او مستقلا وعلى تقدير كونه ضمنيا لو اتى بالاقل دون الاكثر لم يكن آتيا بالواجب فلم يسقط عنه التكليف فاحتمال ذلك موجب للشك في مرحلة الفراغ فيكون من صغريات ما علم بالتكليف وشك في الفراغ فلا اشكال في جريان قاعدة الشغل.

اقول هذا نظير ما ذكره الاستاذ والشيخ (قده) في مسألة قصد القربة فانها وان لم تؤخذ في المأمور به ولكن لما كانت من الطوارئ الراجعة الى الامر يوجب الشك في الفراغ لو اتى بدون قصد القربة ، ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان انعدام المركب فيما لو انعدم احد اجزائه ليس مستندا الى عدم الجزء المشكوك ولا الى الاجزاء المعلومة فانها لا قصور لها بالنسبة الى الاجزاء المعلومة فتوقف المركب على الجزء المشكوك يوجب عدم اتصاف الاجزاء المعلومة بالوجوب فيكون عدم اتصافها مستندا الى عدم الجزء المشكوك ومن شئونه فاذا كان ذلك

٢٨٣

الجزء المشكوك تحت اصل البراءة فيرتفع ايضا ما هو من شئونه.

وبالجملة اذا فرض ان العلم الاجمالي انحل الى علم تفصيلي وشك بدوي فتجرى البراءة في الجزء المشكوك وعدم اتصاف بقية الاجزاء مستند الى عدم الجزء المشكوك واذا ارتفع بأصل البراءة فيرتفع ما هو من شئونه فالاشتغال بالزائد لم يثبت عما علم تفصيلا بوجوبه وان مقايسة المقام بمسألة قصد القربة ففيه مع ان الالتزام بالاشتغال في تلك المسألة محل منع وانه قياس مع الفارق لان قصد التقرب ليس مما يعتبر في المأمور به ، والجزء المشكوك مما يمكن اعتباره في المأمور به وربما يقرب الاحتياط ببيان ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد بنفس الامر ، والشك في الجزء الرابع يكون من قبيل الشك في المحصل فاذا رجع الى الشك في المحصل يكون من صغريات قاعدة الشغل ولكن لا يخفى ان ذلك انما يتم لو كان الغرض مما يتعلق به التكليف ولكن الوجدان حاكم بان الافعال الخاصة هي الواقعة تحت التكليف لا الاغراض والمصالح ، وليس التكليف بها بنحو المقدمية بل تعلق التكليف بها نفسي ، فالشك في ذلك الجزء شك في التكليف وذلك من موارد جريان البراءة وليس من موارد قاعدة الاشتغال.

ثم لا يخفى انه يقال حتى مع تسليم الملازمة التي ادعاها الاستاذ (قده) في الكفاية لا يثبت الاحتياط العقلي اذ العلم لم يتعلق بما هو قابل لان يتنجز مطلقا إلا ان يكون العلم ساقطا عن المنجزية ضرورة ان العلم التفصيلي بالاقل الذى يدور امره بين ان يكون التكليف به غيريا او نفسيا ، ولا ريب انه على التقدير الاول متعلق التكليف خارج عن محل الابتلاء لكونه متوقفا على تنجز الاكثر والمفروض كونه غير منجز فيكون هذا العلم الذي يكون احد طرفيه خارجا عن محل الابتلاء ولكن ذلك لا يوجب سقوط العلم بالاقل من التأثير كما انه لا يخرج المحل عن القابلية ايضا ، إذا العلم لما كان قد تعلق بالامرين احدهما يكون قابلا للتنجز فعلا والآخر

٢٨٤

غير قابل وتنجز العلم ذاتى ، واحتمال كون الاقل نفس التكليف يكفي في تنجز العلم فيكون العلم بيانا فتكون المسألة من صغريات قاعدة دفع الضرر المحتمل فتندرج المسألة تحت ما لو كان بعض اطراف العلم خارجا عن محل الابتلاء وهو لا يوجب سقوط العلم عن البيانية والحاصل مراد هذا القائل هو انه مع تسليم عدم لزوم محذور من ملازمة عدم تنجز الاكثر للاقل لما اشرنا ان العلم بالاقل ليس قابلا للتأثير لاحتمال كون خروج متعلقه اعني الاربعة عن لحاظ الشارع خارجا عن محل الابتلاء إلا ان هذا الاحتمال لا يوجب سقوط العلم عن البيانية ، ولكن احتمال انطباق الواجب النفسي على الاقل يثبت به تنجز الاقل ولو لم يكن الاكثر واجبا ، واحتمال انطباق العلم على الاكثر يكون ايضا منجزا لما عرفت من ان تنجز العلم ذاتي لا يمنع منه شىء إلا ما قطع برفعه.

وحاصل الكلام انه لا قصور في جريان البراءة العقلية لوجود المقتضي وهو الشك وانتفاء المانع الذي هو العلم الاجمالي اذ لا يصلح لكونه مانعا لفرض كونه بين الحدين اي حد الاقلية والاكثرية وهما راجعان لنفس التكليف بمعنى ان التكليف له سعة لكي يشمل الجزء المشكوك او ليس له سعة بنحو لا يشمله وذلك لا يوجب تفاوتا في ناحية التكليف من اول الامر اذ ليس إلا علم تفصيلي بالنسبة الى الاقل وشك بدوي بالنسبة للزائد ، ومن الواضح ان ذلك مجرى للبراءة وليس من موارد جريان قاعدة الاشتغال إلا اذا قلنا بان الذى له دخل في موضوع التكليف حد الاقلية والاكثرية بنحو يوجب قصور الوجوب لشمول الزائد في الاقل لكي يكون الوجوب في عالم المعروضية وجوبا مستقلا او يكون شاملا للزائد لكي يكون الوجوب ضمنيا فحينئذ يكون المقام من الترديد بين المتباينين وبعبارة اخرى ان تردد الحدين لو كان من باب مجمع الوجودين حيث انه على تقدير كونه متعلقا للتكليف هو الاقل في عالم عروض الوجوب فيكون ماخوذا

٢٨٥

بنحو لا بشرط ، وعلى تقدير كون متعلق التكليف هو الاكثر ماخوذا بشرط شىء ومن الواضح تباين الماهية اللابشرط القسمي مع الماهية بشرط شىء ومقتضى ذلك اندراج الاقل والاكثر الارتباطيين تحت قاعدة الاشتغال لكونها تكون من صغرياتها ولكن قد عرفت فساد هذا المبنى حيث ان جهة ارتباط الاجزاء ووحدتها ناشئة من وحدة الوجوب على الاجزاء فلا يصلح لتقييد الاقل فلذا معروض الوجوب على التقديرين لا يختلف بمعنى ان ما كان هو الواجب مستقلا هو نفسه واجب ضمني ، وانما الاختلاف في حد الوجوب الناشئ من تردده بين انبساطه على الزائد وعدمه فمع الشك في كون الواجب هو الاقل أو الاكثر يرجع ذلك الى الشك بين الحدين مع العلم بشخص الوجوب ومن الواضح ان مصب حكم العقل هو نفس التكليف دون الحد فعليه تجرى البراءة العقلية في الجزء المشكوك ولا تصح مانعية العلم الاجمالي.

وهذا الذي ذكرناه من جريان البراءة العقلية هو الحق في المقام لا ما ذكره بعض الاعاظم (قده) من انحلال العلم الاجمالى الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي بوجوب الجزء الزائد لعدم اختلاف سنخ التكليف بكونه تارة يؤخذ بشرط شىء واخرى لا بشرط على انه لا تقابل بين الاعتبارين لعدم التقابل بينهما تقابل التضاد لكي لا يكون بينهما جامع وانما التقابل تقابل العدم والملكة وعليه يكون بينهما جامع والاختلاف يكون بالاعتبار لا بالحقيقة لورود الاشكال على ما ذكر

اما عن الاول فلان اختلاف سنخ الطلب من كونه لا بشرط او بشرط لا يوجب الانحلال على ان العلم الاجمالي المتولد لا يوجب انحلاله.

واما عن الثانى فان التكليف المعتبر لا بشرط او بشرط لا مرجعه الى سعة في التكليف وضيق فيه وذلك يوجب الاختلاف في سنخ التكليف ماهية فيكون التقابل بينهما بالتضاد.

٢٨٦

وبالجملة العلم الاجمالي انما هو بين الحدين اى حد الاقل والاكثر ولكن نفس التكليف الذي هو مناط حكم العقل بالامتثال والاطاعة منحل الى علم تفصيلي بوجوب الاقل ، وشك بدوي بوجوب الجزء المشكوك فحينئذ يكون من موارد جريان البراءة العقلية.

ثم لا يخفى ان هنا تقريبا وبيانه ان الأمر بالشىء يقتضي النهي عن ضده العام وهو الترك لا الضد الخاص بحيث يكون الأمر بالصلاة ملازما بل عين النهي عن الترك والنهي بمركب مغاير للأمر فان الامر بالمركب اما ان يكون على نحو العام المجموعي والنهي عنه يكون على نحو العام البدلي لأن اتحاد المركب انما يكون باتيان جميع اجزائه بخلاف ترك المركب انما يكون باعدام متعددة إذ انعدام المركب بانعدام كل جزء وبانعدام مجموع الأجزاء فالنهي المتعلق بترك المركب انما هو على البدلية فمثل المركب من ثلاثة اجزاء معلومة وجزء المشكوك يكون لتركه افراد متعددة والنهي المتعلق بتركها ليس على سبيل المجموع بل على البدل ، فالمتيقن من تلك الافراد هو ترك الاقل وترك الاكثر مشكوك ، ومن المعلوم ان تنجز النهي من ترك المركب هو ترك كل جزء فعلي لا يتوقف على فعلية النهي بالاجزاء اللاحقة ولا على النهي بالمجموع فيكون النهي عن تركها منجزا فعلا والنهي عن تركه من جهة الجزء الرابع مشكوك فيجب الاتيان بالاقل فرارا عن المخالفة القطعية بحكم العقل ولا يجب الاتيان بالاكثر لان تركه مشكوك النهي عنه لا يقال ان ذلك انما يتم لو كان المشكوك الجزء الرابع. واما لو كان غيره لا يتم لا بسبب ان الشك من جهة الجزء غير الأخير يكون شكا بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة فلم يكن ترك الاقل متيقنا حتى يكون الاتيان بالاقل فرارا عن المخالفة القطعية بل لان الشك في الجزء الأول مثلا يوجب الشك بتعلق النهي في بقية الأجزاء لانا نقول ان هذا انما يتم لو كان النهي عن ترك الاجزاء السابقة مشروطا بالاجزاء

٢٨٧

الأخر ، واما لو كان على نحو الواجب المعلق فيكون النهي عن المركب الناشئ من ترك كل جزء منجزا لا يحصل الامتثال به إلا باتيانه ولا يضره الشك والاحتمال لأن ذلك انما هو في السقوط لا في الثبوت ودعوى ان ذلك يكون من الشك في السقوط والفراغ وهو من موارد جريان الاشتغال في غير محله إذ الشك في الفراغ انما يوجب الاشتغال لو كان لقصور في المأتى لا مثل المقام الذي يكون ناشئا من ناحية الحكم الناشئ من فقدان الجزء المشكوك الذي هو من موارد جريان البراءة العقلية وقد عرفت انه لا محذور من جريانها.

البراءة الشرعية

واما الكلام في البراءة النقلية فيختلف جريانها بحسب المباني فعلى مبنى كون وجوب الاجزاء مقدمة فقد عرفت انه لا يوجب الانحلال فيكون المرجع هو الاحتياط إلا ان يستفاد من حديث الرفع او السعة جعل البدل فلا اشكال في جريان البراءة النقلية وهكذا لو قلنا بان الحد هو الاقل فيكون داخلا في موضوع الحكم فقد عرفت انه لا يوجب الانحلال إلا ان يستفاد من حديث الرفع جعل البدل فان استفيد ذلك فيكون من موارد جريان البراءة وهذا لا اشكال فيه وإنما الاشكال لو قلنا بالملازمة فقد وقع الكلام في انه هل يستفاد من حديث الرفع حينئذ جعل البدل ام لا يستفاد ذلك الظاهر انه لا يستفاد منه جعل البدل لان مفاد حديث الرفع رفع وجوب الاكثر واما اثبات الوجوب النفسي للاقل فلا يستفاد منه فحينئذ يكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال ولم يكن من موارد جريان اصل البراءة إذ لو جرى اصل البراءة تأتى المحذور السابق وهو ان يكون لازم جريانه

٢٨٨

رفع الوجوب عن الاكثر ويوجب ثبوت الوجوب للاقل وذلك ممنوع إذ لا يستفاد من الحديث ذلك إذ هو حكم ظاهري لا يترتب على مخالفته عقوبة ولا موافقته مثوبة إلا على نحو التجرى وذلك خلاف المبنى.

وبالجملة التفكيك بين جريان البراءة العقلية والبراءة الشرعية محل نظر (١) لما عرفت من ان علية العلم الاجمالي تقتضي وجوب الاحتياط للزوم تحصيل الفراغ

__________________

(١) خلافا للمحقق الخراساني والاستاذ المحقق النائيني قدس‌سرهما حيث ذهبا الى التفكيك بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية فلم يجريا البراءة العقلية واجريا البراءة الشرعية والحق ان الرجوع الى البراءة الشرعية ملازم لجريان البراءة العقلية فان عمدة من يقول بعدم جريان البراءة العقلية ينحصر في امرين الاول لزوم تحصيل الغرض المعلوم ترتبه على المأتي به وهو مردد بين ترتبه على الاقل أو الاكثر ، الثاني عدم انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي بوجوب الاكثر حيث ان الاقل المتيقن وجوبه انما هو طبيعة مهملة مرددة بين الاطلاق والتقييد فعليه كل منهما مشكوك ومعه لا معنى للانحلال ولكن لا يخفى ان العلم بالغرض ليس له اقتضاء بنظر العقل اكثر من العلم بالامر ، فالشك في حصول الغرض ان كان ناشئا عن الشك في وجود موضوعه فالمرجع قاعدة الاشتغال وان كان الشك في حصوله للشك فيما يقومه وانه هو الاقل أو الاكثر فالمرجع اصالة البراءة والمقام من قبيل الثاني لا الاول.

ويؤيد ذلك بناء العقلاء على الرجوع في امثال المقام الى البراءة وعدم الاعتناء بعدم حصول الغرض مع فعل الاقل إلا ان يقال بان الغرض اخذ موضوعا للامر كما لو قال حصل المصلحة يكون المرجع هو اصالة الاشتغال ولكنه محل منع إذ لم يكن الغرض مأخوذا موضوعا للتكليف وإنما هو مما يترتب على المأتي به على انه لو قلنا بلزوم تحصيل الغرض على كل تقدير فلا تجري البراءة الشرعية فان

٢٨٩

ولو بنحو الجعل لعدم جريان الاصول النافية ولو بلا معارض على هذا الفرض إلّا ان يستفاد من جريانها اثبات وجوب الاقل فعلا بنحو يكون المفرغ الجعلي وذلك محل منع لمنع اقتضاء ذلك إلا على القول بحجية الاصل المثبت إلا ان يقرب حديث الرفع تارة بان يكون الحديث ناظرا الى اطلاقات ادلة الاجزاء بنحو يجعلها تختص بصورة العلم وترفع فعلية التكليف عن المشكوك واقعا مع ظهور بقية الاجزاء في

__________________

جريانها يرفع الجزء المشكوك إلا انه لا تجري لكون الغرض مترتبا على الاقل. واما عن الثاني فالاطلاق هو الملحوظ لا بشرط والتقييد هو الملحوظ بشرط شىء فتكون المضادة بينهما فجريان حديث الرفع في رفع وجوب الجزء المشكوك لا يثبت الاطلاق الذي هو الاقل والحاصل لو توقف انحلال العلم الاجمالي على اثبات الاطلاق فكما لا تثبته البراءة العقلية لا تثبته البراءة الشرعية وبعد معرفة الامرين وانهما غير صالحين للتفكيك ظهر لك عدم الحاجة الى ذلك بل يكفي في الانحلال جريان الاصل في احد الطرفين بلا معارض لعدم جريانه في الطرف الآخر للعلم بوجوبه قطعا من غير فرق بين البراءة الشرعية او العقلية.

ثم لا يخفى ان اثبات وجوب الاقل ليس بحديث الرفع وانما هو ثابت بعد جريان الاصل في رفع وجوب الاكثر بنفس العلم المتعلق بالاقل وان كان مرددا بين كونه لا بشرط او بشرط شىء حيث ان ذلك يجعل وجوب الاقل واصلا فعلا ولا يقاس بما اذا اضطر او نسى الجزء فان الباقي يحتاج الى دليل يدل على وجوبه وحيث لا دليل يسقط وجوب الباقي للفرق بين المقام وذلك لما عرفت ان العلم بالاقل بنفسه يجعل التكليف به واصلا. نعم يحتاج الى رفع الجزء المشكوك الى جريان اصالة البراءة. ومما ذكرناه انه لا حاجة الى ما ذكره المحقق الخراساني من جعل حديث الرفع من قبيل دليل الاستثناء بالنسبة الى ادلة الاجزاء بل هو محل نظر ناشئ من خلط باب الجهل بباب النسيان. فلا تغفل.

٢٩٠

الفعلية وبذلك يرتفع الاجمال الحاصل من التردد في متعلق التكليف هل هو الاقل او الاكثر ويعين كون التكليف متعلقا بخصوص الاقل والاتيان به يحصل الفراغ عن اشتغال الذمة بالتكليف ، واخرى تكون بين التكاليف الفعلية وبين الترخيصات الظاهرية مضادة فمع الترخيص الظاهري يلازم عدم فعلية التكليف واقعا إلا ان ادلة بقية الاجزاء ظاهرة في الفعلية فينتج من ذلك ان الواجب الفعلي هو خصوص الاقل وثالثة من جهة الملازمة العرفية بين رفع الجزئية عن شىء ولو بحسب الظاهر مع كلية غيره ولكن لا يخفى اما عن الاول فقد عرفت في مبحث اصل البراءة ان حديث الرفع ليس له نظر الى ادلة الاجزاء وانما مفاده هو الرفع الظاهري المتحقق في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع فحينئذ كيف يصلح لتقييد اطلاق ادلة الاجزاء على ان العناوين الماخوذة في الحديث اخذت بنحو الجهة التعليلية ولازم ذلك اخذه بمرتبة متأخرة وعليه لا اطلاق لادلة الاجزاء لتلك المرتبة المتاخرة.

واما عن الثاني فان دعوى المضادة بين الاحكام الواقعية والترخيصات الظاهرية محل نظر بل منع وإلّا لما امكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.

واما عن الثالث فدعوى الملازمة العرفية بين امرين انما تفهم اذا كان التنزيل متوجها لاحد المتلازمين لا مثل المقام اذ التنزيل متوجه على عنوان عام كعنوان ما لا يعلم ويكون المتكفل لتطبيقه هو العقل لا عنوان الجزئية حتى يفهم من رفعها اثبات كلية الاقل اللهم إلا ان يقال بان الادلة المثبتة للاجزاء انما تثبتها واقعا فيستفاد منها تمامية الاجزاء إلا ان حديث الرفع بالنسبة الى تلك الادلة من قبيل الاستثناء فحينئذ بحديث الرفع يثبت الاقل ، فعليه لا تنافي بين تسليم الملازمة مع عدم الالتزام الا بوجوب الاقل دون الاكثر هذا غاية تقريب جريان الحديث بناء على الملازمة.

٢٩١

وتحقيق المقام يتوقف على معرفة مفاد الحديث فنقول ان المرفوع في الحديث تارة يكون نفس الحكم وهو في رتبة الواقع فحينئذ يكون الجهل المعبر عنه بما لا يعلمون عنوانا مشيرا للحكم المرفوع الذى هو بمرتبة الواقع فيكون الموصول وكذلك الرفع على معناهما الحقيقي بلا تصرف فيهما لأن الحكم الواقعي رفعه ووضعه بيد الشارع واخرى يكون الجهل المعبر عنه بما لا يعلمون جهة تعليلية فعليه لا بد من التصرف ، اما في نفس الرفع او في المرفوع اما الرفع فيجعل عبارة عن المنع والدفع لا الرفع الحقيقي اذ المرفوع ليس الحكم الواقعي ، واما التصرف في المرفوع بان يراد به الحكم في مرتبة الشك لا بمرتبة الواقعي اذ الجهل لما اخذ بنحو الجهة التعليلية يكون متأخرا في الرتبة فكيف يكون علة للحكم الواقعي الذى رتبته متقدمة ، وثالثة يكون الجهل قد اخذ في الحديث بنحو الجهة التقييدية فلا بد حينئذ من التصرف ، اما في الرفع او المرفوع كما قلنا في الجهة التعليلية. اذا عرفت ذلك فاعلم ان تقريب جريان الحديث على مسلك الملازمة يتم لو قلنا بان مفاد الحديث هو الاول إذ عليه يكون الوجوب الضمني للاقل مرتفعا ويثبت كون الاقل بحده الخاص واجبا فينحل العلم الاجمالي من جهة جعل البدل وترتفع الملازمة ، واما على المعنيين الاخيرين فلا ترتفع الملازمة إذ رفع الجزء المشكوك ظاهر لا ينافي جزئيته واقعا والملازمة انما كانت بين الاقل والاكثر واقعا.

وبالجملة رفع الحكم عن الاكثر ظاهرا ليس ملازما لتحديد الاقل لا شرعا ولا عقلا إلا ان الكلام في تمامية المبنى الاول الذي هو عبارة عن رفع الحكم الواقعي فيكون من قبيل الامارات ولم تكن من قبيل الاصول مع انه لم يلتزم به على انه مناف للامتنان بل مناف للسياق اذ ظاهر سائر العناوين ان له دخلا ولو كان بنحو الجهة التعليلية ، ولكن غاية ما يقال في المقام ان اثبات الملازمة على المبنى

٢٩٢

الثاني ظاهر ولكن لازم ذلك ان تكون الملازمة جلية كما ذكرنا ذكرنا ذلك في الاستصحاب كمثل استصحاب سلب مالكية المالك مع نفى الملك عنه هذا كله في عالم التصور.

واما الكلام في عالم التصديق فنقول يظهر ذلك من تقديم مقدمة وهي انه لا اشكال في ان مفاد الحديث ليس كالامارات النافية اذ في اعمالها نظر الى الواقع فكذلك الحديث وليس مفاده رفع الحكم الظاهري فقط فحينئذ اذا رفع الجزء المشكوك ثبت الترخيص الظاهري وهو لا ينافي وجود المصلحة في الاكثر وبالجملة الامارة لها نظر الى الواقع بخلاف حديث الرفع فانه ليس له نظر الى الواقع فحينئذ ينافي لو رفع تكليف ثبوت المصلحة له بحسب الامر والواقع بخلاف الحديث فانه يجتمع مع وجود المصلحة بحسب الامر والواقع اذ يدل على نفي التكليف ظاهرا وهو يجتمع مع ثبوت المصلحة واقعا. ثم لا يخفى ان الخطابات المتعلقة بالمركبات تارة تتعرض للاجزاء والشرائط واخرى تتعرض الى المصلحة اما الاول فالخطاب المتعرض الى الاجزاء والشرائط وان كان مهملا بالنسبة اليها اي غير واف بذكر كل الاجزاء والشرائط إلّا انه واف بالنسبة الى الجهة الثانية اي متعرض بان الواجب واف بالمصلحة إذ لو لم يكن متعرضا بذلك لم يبق لنا نزاع في مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين هل هي تكون من موارد قاعدة الاشتغال او من موارد اصالة البراءة إذ لازم ذلك تحقق الامتثال بالناقص وبالجملة اطلاق التكليف وتماميته من الجهة الثانية لا ينافي اهماله بالنسبة الى الجهة الاولى فعليه مفاد كل خطاب قضية تعليقية إذ انه لو كان للجزء المشكوك دخل في تحقق الغرض فهو المطلوب فمفاد الحديث لو تم رفع دخالة الجزء المشكوك في الغرض فيرفعه ، فعليه يحصل تعارض بين القاعدتين ولا اشكال في حكومة ادلة الخطابات المتكفلة للتكاليف الواقعية لانها تنفى الشك في ان له دخلا فتكون حاكمة على دليل الرفع وهذا بخلاف ما لو قامت امارة على خلاف الدليل الواقعي فانه لما كانت نافية للمصلحة الواقعية

٢٩٣

رأسا فحينئذ ترتفع تلك القضية التعليقية.

وبالجملة انه مع تسليم الاطلاق في ناحية الدليل الذى لا بد من الاخذ به للقائل بالاشتغال فلا معنى لاجراء الحديث. فظهر مما ذكرنا ان كون التكليف بوجوب الاكثر توسطيا ، ثم لا يخفى انه مع الاغماض عما ذكر من الجهات لا وجه للقول بالتفكيك بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية من جهة اخرى وهي ان العلم الاجمالي اينما يتحقق أثر لأن حجيته منجعلة وليست مجعولة من الشارع إلا بجعل البدل وليس ذلك مناف لحجية العلم لرجوع ذلك الى ان للشارع التصرف في عالم الفراغ بجعل المفرغ فيكون في مقابل المفرغ الحقيقي مفرغا جعليا وقد بينا في مبحث القطع ان جعل المفرغ الجعلي لا ينافي وجود العلم إذ تنجزه كان في عالم الاثبات والمفرغ بالجعل في عالم السقوط وبالجملة اثر العلم لا يسقط إلا بجعل البدل وهو رفع اثر العلم.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد يستفاد من الحديث جعل البدل وتقريبه هو ان الترخيص المستفاد من حديث الرفع لازمه ان يثبت التحديد للاقل ولا اشكال ان هذا التحديد في مرتبة الترخيص لا سابق عليه ولا لاحق له إذ يمتنع ان ينفك احد المتلازمين عن الآخر فعليه كيف يثبت الترخيص بالنسبة الى الاكثر مع ان تأثير العلم في مرتبة سابقة فلا بد من سقوط ذلك التأثير حتى يصح الترخيص بالنسبة الى المرتبة اللاحقة وهو انما يكون بجعل البدل اولا حتى يكون قابلا لورود الترخيص ولا يستفاد من الترخيص جعل البدل لاستلزامه الدور وهو باطل فالملزوم مثله.

فتحصل مما ذكرنا انه لا يعقل الانفكاك بين البراءة العقلية والبراءة النقلية بناء على كون العلم الاجمالي علة تامة إلا بجعل البدل من امارة واما حديث الرفع فقد ظهر انه لم يثبت به ولو ثبت فلا ينفع. نعم يمكن ان يجري الحديث بناء

٢٩٤

على كون العلم الاجمالي مقتضيا على بعض المسالك واما بناء على مسلك من يقول بالاشتغال في باب العلم الاجمالي بالوجوب النفسي اما بالاقل او بالاكثر بناء على كون وجوب الاجزاء مقدميا إذ لا اشكال ان عنوان الجزئية انما ينتزع بعد تعلق التكليف بالمركب فهي عنوان متأخر بحسب الرتبة عن ذوات الاجزاء والشك قد تعلق بجزئية الاكثر لا بذات الاقل ولكن يجري بالنسبة الى العنوان المنتزع مثل الجزئية فانها عنوان متأخر عن الذوات ولا تحصل المعارضة لان جزئية الاقل مقطوع بها فلا يجري فيه الاصل لانه انما يجري بالنسبة الى المشكوك لا المقطوع فيجري الاصل في المقام بلا معارض ويكون المقام من مقامات عدم جريان الاصل في السبب لمانع فيجري في المسبب بلا مانع وما يقال بان الجزئية غير مجعولة لانها غير قابلة للرفع والوضع فلا يجري الاصل فيها اذ لم تكن مجعولة ممنوع لانها قابلة للجعل ولو بمنشإ انتزاعها وقد عرفت من مطاوي كلماتنا ان رفع الاحكام الوضعية انما تكون برفع الاحكام التكليفية وهي تارة برفع المقتضي واخرى تكون بايجاد المانع كما في المعاملات مثل اللزوم فانه يرتفع مع وجود العقد المقتضي واخرى تكون بايجاد المانع كما في المعاملات مثل اللزوم فانه يرتفع مع وجود العقد المقتضي له بجعل الخيار الذي هو المانع.

وبالجملة ان الاصل يجري مع كون العلم مقتضيا لا علة تامة إلا ان يكون مانع من جريانه مثل ما لو كان له معارض فحينئذ يجرى فيما لا معارضة له فالجزئية المنتزعة من امر متاخر عن الذات يمكن رفعها برفع منشئها. ودعوى انها غير قابلة للجعل عرفت انها ممنوعة وحيث قلنا بجريان البراءة العقلية فجريان البراءة النقلية يكون من الواضحات غير القابلة للانكار إلّا انه ليس المراد من رفع التكليف بالاكثر هو رفع التكليف الواقعي بجميع مراتبه وانما الرفع يتوجه الى الالزام الظاهري في مرتبة الشك ، واما المصلحة الانشائية فهي باقية على حالها لا يتوجه عليها الرفع لعدم الامتثال في رفعها ، ثم لا يخفى انه اشتهر على السنة الطلبة بل على السنة المدرسين بان الاستاذ (قده) في الكفاية عدل عن التفكيك بين البراءة

٢٩٥

العقلية والنقلية ومنشأ ذلك ما ذكره في الحاشية فلا بأس للتعرض لكلامه بتوضيح منا

فنقول ان الحكم الفعلي تارة يكون مطلوبا للمولى حتى في ظرف الشك وبعبارة اخرى ان الطلب تام بنحو يكون مرادا حتى في ظرف الشك واخرى يكون مطلوبا على ذلك النحو فلا يكون مرادا حتى في ظرف الشك والاستاذ (قده) لم يجر البراءة النقلية في القسم الاول لانه يكون بجريانها ترخيص في محتمل المعصية وهو باطل لكونه من قبيل الترخيص في مقطوع المعصية. نعم بجريانها في القسم الثانى لا يكون كذلك لأن التكليف لما لم يكن واصلا الى مرتبة الشك فجعل الترخيص في تلك المرتبة لا ينافي الحكم الفعلي غير الواصل الى طرف الشك وليس كلامه مختصا في المقام بل ذكر ذلك ايضا في الشبهات البدوية وجريان البراءة النقلية في المقام احرى من جريانها في الشبهات البدوية فهو لا يقول بعدم جريانها في المقام بل يقول شرط جريانها كليا عدم وصول التكليف الى مرتبة الشك اذ لو وصل الى مرتبته يكون ترخيصا في محتمل المعصية وهو محل منع لكونه يندرج تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل.

وبالجملة المتأمل في كلام الاستاذ في المقام مع كلامه في الشبهات البدوية يفهم ان مراده هو شرط جريان البراءة عدم كون التكليف تاما واصلا الى مرتبة الشك فلا يكون مثل ذلك مشعرا بالعدول وانما نشأ ذلك من عدم التعمق بكلامه. هذا كله بناء على القول بالاحتياط. واما بناء على ما هو المختار من جريان البراءة العقلية فلا اشكال من جريان البراءة النقلية لشمول حديث الرفع والحجب لنفي الجزء المشكوك بل لا مانع من جريان الاستصحاب اي استصحاب عدم وجوب الاكثر او عدم تعلق الجعل به سوى امرين احدهما دعوى معارضة ذلك بعدم تعلق الوجوب بالاقل او عدم جعل للاقل. وثانيهما ان ذلك لا يتم إلّا بالقول بحجية

٢٩٦

الاصل المثبت اذ نفي الوجوب عن الاكثر لا ينفع ما لم يثبت لازمه وهو وجوب الاقل واثبات ذلك بالاستصحاب موجب للقول بالاصل المثبت ولكن لا يخفى النظر في ذلك اما عن الاول فهو مبني على اخذ حد القلة في معروض الوجوب في المرتبة السابقة وقد عرفت انه محل منع لما عرفت من ان الواجب هو ذات الاقل بنحو الاهمال المحفوظ في الحالتين وعليه لا معنى لاخذ هذا الحد الآتي من ناحية الوجوب في معروضه واما عن الثالث فان جريان الاستصحابين انما هو لحصول اركانهما من غير حاجة لاثبات وجوب الاقل لما عرفت ان العلم الاجمالي لما انحل الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوى والاصل العملي يرفع الشك واما الاقل فهو ثابت بحكم العقل بتحصيل الفراغ بالاتيان بما علم وجوبه وان لم يعلم بكونه تمام المأمور به وبالجملة الاستصحاب لم يثبت حد الاقلية لكي يكون مثبتا لما عرفت من عدم اخذ الحد في الاقل وانما الاقل محفوظ بذاته في ضمن الاكثر فجريانه يرفع الجزء المشكوك وذات الاقل يكفى في وجوب الاتيان به حكم العقل بوجوب اتيان ما علم هذا تمام الكلام في ما لو كان الترديد بين الاقل والاكثر في الاجزاء

الشك في الشرائط

واما لو شك في الاقل او الاكثر من جهة الشرط (١) فقد قسموا الاصحاب ذلك الى ما هو خارج كالطهارة بالنسبة الى الصلاة والى ما هو داخل كالايمان بالنسبة الى الرقبة.

__________________

(١) المسمى ذلك بالمركبات التحليلية وهي تارة تكون ما يحتمل دخله في الواجب على نحو الشرطية له وجود مستقل كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فان الحكم

٢٩٧

اما الكلام بالنسبة الى القسم الاول المسمّاة بشرائط المأمور به فيجرى فيه

__________________

في هذا القسم بعينه هو الحكم في الاجزاء من حيث البراءة عقليها ونقليها من غير فرق بين ما اعتبر بنحو قد اخذ قيدا بين كونه من الشرط المتقدم او المقارن او المتأخر واخرى يكون ما احتمل دخله لم يكن منحازا إلّا انه لم يكن من مقوماته بل كان بنحو الصفة للموصوف والعارض للمعروض بنظر العرف كالرقبة الواجب عتقها لو ترددت بين كونها مطلق الرقبة او خصوص الرقبة المؤمنة فقد يقال بعدم جريان البراءة لعدم انحلال العلم الاجمالي في الفرض المذكور لما هو معلوم ان وجود الطبيعي في المقيد مغاير لوجوده في ضمن غيره فلم يكن الطبيعي فى غيره بعض المقيد بل يباينه ومعه كيف يرجع الى البراءة وقد اجيب عن ذلك بما حاصله ان ملاك الانحلال متحقق في هذا الفرض لجريان اصالة عدم التقييد لكونه كلفة زائدة ولا يعارضه اصالة الاطلاق فحينئذ ينحل العلم الاجمالي المتعلق بكلي الطبيعي المردد بين كونه مطلقا او مقيدا لجريان الاصل في طرف التقييد دون الاطلاق إذ الاطلاق يثبت السعة لا الضيق ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم بناء على علية العلم الاجمالي وان ملاك الانحلال في المقام هو انحلاله الى علم تفصيلي وشك بدوي وفي المقام الحصة المأخوذة في المقيد ليست هي المعلومة بالتفصيل لمغايرتها مع الحصة التي هي في ضمن فرد آخر.

وبالجملة لم يكن الاقل محفوظا بذاته دون اخذه في ضمن الاكثر لكي يكون معلوما بالتفصيل في المقام كما كان محفوظا في الاقل والاكثر في الاجزاء الخارجية وثالثة يكون ما يحتمل دخله مقوما كالفصل بالنسبة الى الجنس فانه على المختار من كون الملاك في الانحلال هو انحلاله الى علم تفصيلي وشك بدوي فلا اشكال ان المقام ليس من ذاك القبيل بل حتى على مبنى من يدعي ان ملاك الانحلال هو جريان الاصل من دون معارض ففي المقام اختار عدم جريان البراءة وقد استدل

٢٩٨

جميع ما ذكره في الاجزاء الخارجية من دون زيادة ونقيصة إذ الارادة لما كانت منحلة الى القيد والمقيد بحيث يكون فعلية التأثير مستندا اليهما بان كان كلاهما مؤثرا

__________________

عليه بعدم حصول الجنس في الخارج إلا في ضمن الفصل فلا يعقل تعلق الحكم به من دون فصل فحينئذ يكون المقام من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير فلا يكون الجنس حينئذ متيقنا والفصل بخصوصه مشكوكا لتجرى فيه البراءة وما ذكر لا يفرق بين ان يدور الامر بين التعيين والتخيير في اصل الشرطية ومرحلة الجعل بالنسبة الى الاحكام الواقعية كما لو شككنا في ان صلاة الجمعة في عصر الغيبة هل هي واجب عيني او تخييري وبين ان يدور ذلك في الاحكام الظاهرية كما لو شك في ان تقليد الاعلم هل هو واجب تعييني او تخييري وبين ان يدور الامر بينهما بالنسبة الى التكليف الفعلي كما لو علم بوجوب انقاذ غريق ووقع غريقان واحتمل احدهما نبيا فيدور الامر بين انقاذ ما يحتمل كونه نبيا بخصوصه او انقاذ احدهما.

ولا يخفى ان ما ذكرنا يجب الاتيان بما هو معين بخصوصه فيما اذا لم يحتمل كونه مباحا وإلا يكون من موارد جريان البراءة ولكن الانصاف ان البراءة تجرى في المركبات التحليلية كما تجري في الاجزاء الخارجية من غير فرق بينهما فان المعلوم بالاجمال الذي اخذ موضوعا للتكليف ينحل عند العقل الى معلوم ومشكوك فيه فالصلاة المشروطة بالطهارة عين ذات الصلاة المطلقة في الخارج كما ان الرقبة المؤمنة عين مطلق الرقبة والانسان عين الحيوان وانما الافتراق حصل من التحليل العقلي وهو متحقق في الجميع على السوية فان الصلاة المشروطة تنحل الى اصل الصلاة والاشتراط كذلك ينحل الانسان الى الحيوان والناطق فعليه في الجميع موجود ملاك الانحلال الذى هو معلوم تفصيلي وشك بدوي حيث انك تعلم تفصيلا بوجوب الجنس او نفس الصلاة ويشك في تقييدها بخصوصية الطهارة او بتفصيل الفصل فتجري البراءة في تلك الخصوصية فلا تغفل.

٢٩٩

ضمنيا فيجرى فيه ما ذكرناه سابقا من كون الذات لو تحققت من دون تحقق القيد فعدم التأثير ليس مستندا الى قصور الذات بل مستندا الى عدم تحقق القيد وان كان سببا لعدم فعلية التأثير للذات إلا انه لم يوجب استناد تحقق المراد فيجري ما ذكرناه سابقا من دون زيادة ونقصان ، وانما الكلام صغروي بالنسبة الى بعض الشروط التي لا يمكن اخذها في حيز الطلب مثل قصد القربة فانها عبارة عن اتيان الفعل بداعي الامر فتكون من معاليل الامر ومن احواله وطواريه فكيف يكون داخلا في موضوعه فاذا لم يعقل تعلق الامر به فكيف يمكن جريان البراءة فيما لو شك في اعتبار قصد التقرب لأن البراءة انما تجري فيما امكن البيان فيه ولم يبين لا فيما لا يمكن البيان فلذا قلنا بان المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال.

والتحقيق في المقام هو ان يقال أن الارادات المتعلقة بالمقيدات ومثلها المركبات تنحل الى ارادات متعددة بنحو تتعلق بكل قطعة ارادة لأن التكليف لما كان ناشئا من الغرض وهو يتوقف على امور يكون لكل واحد دخل في الغرض فما هو المحصل التام ليس إلّا المجتمعات في نظر العقل فحينئذ لا بد من حصول الامتثال بالاتيان بجميع ما للمامور به دخل من ذاته وقيوده ويعد ذلك امتثال واحد لا امتثالات متعددة تدريجية.

فان قلت ان الارادة لما كانت بحسب القطعات متعددة لا بد ان ينشأ منها اوامر وامتثال حسب تعدد الارادات فحين الاتيان بقطعة من تلك القطع لا بد وان يحصل الامتثال بمقدار ما اداه من القطع وإلّا اي وان لم يحصل الامتثال بل كان متوقفا على حصول الباقى فيلزم تحصيل الحاصل ، فعليه الاتيان بقطعة يحصل به امتثال قطعة من الارادة.

قلنا لنا ان تفكك بين فعلية الارادة وفاعليتها بيان ذلك ان الارادة لما كانت تنشأ من الغرض والغرض علة لها وهو بسيط يتوقف على الاتيان بجميع

٣٠٠