منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

من شئون نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ بل هي عينها وحينئذ ينبغي القول بوجوب

__________________

اختيار كون التنجيس بنحو الاتساع فيكون كما لو كان العلم الاجمالي بين الإناءين ثم جعلت نصف احد الإناءين في ثالث فيكون العلم الاجمالي مرددا بين اناء واناءين وقد عرفت ضعف هذا الاحتمال لعدم استفادته من الاخبار بل المستفاد خلافه. الثاني تولد العلم الاجمالي الثاني من العلم الاجمالي الاول.

بيان ذلك ان العلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين لو لاقى الثوب احد الإناءين يحصل علم اجمالي ثاني بين نجاسة الثوب والطرف الآخر وحينئذ يلزم مراعاة الاحتياط باجتناب الثوب مع الطرف الآخر ولكن لا يخفى ان ذلك لا يصير منشأ للاحتياط حيث ان العلم الاجمالي الثاني المتولد منه متأخر عنه وقد تنجز التكليف بالاجتناب في بعض الاطراف بالعلم الاجمالي الاول فعليه لا يبقى مجال للثاني من غير فرق بين كون المتأخر زمانيا او رتبيا كما لو لاقى الثوب للاناء الصغير ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة الصغير او الكبير فان هذا العلم الاجمالي بينهما يتولد منه علم اجمالي ثان بين الثوب الملاقى للصغير وبين الكبير وهذا العلم الاجمالي الثاني المتأخر عن الاول رتبة لا زمانا غير مؤثر لفرض ان العلم الاول قد عن تنجز في الرتبة السابقة على هذا العلم الاجمالي الثاني ومع تأثير العلم الاجمالي المتقدم الذي بين نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر فلا يبقى محل لتأثير الآخر المفروض تولده من الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر اذ يكون تأثيره في تنجز وجوب الاجتناب عنه بعد تاثيره المتقدم من قبيل تحصيل الحاصل وايجاد الموجود ومع عدم تأثيره يرجع في الملاقى ـ بالكسر ـ الى الاصل من غير فرق بين كون الملاقاة سابقة على العلم الاجمالي او متأخرة او مقارنة على تفصيل ذكرناه في بحوثنا الفقهية.

٢٦١

الاجتناب عنه اذ هو أي الملاقي ـ بالكسر ـ مع الملاقى شيء واحد ويكون مقابلهما الطرف الآخر فلذا يجب الاجتناب عن الجميع ولكن لا يخفى أن الملاقي ـ بالكسر ـ وان كان من شئون الملاقى إلا انه يعد في عرضه لكونه تكليفا متولدا منه مستقلا ومع تعدد التكليف يكون كل تكليف منجزا بالعلم مستقلا وحينئذ لا يكفي في وجوب اجتناب الملاقي مع عدم فرضه طرفا للعلم الاجمالي كما هو المفروض. نعم يجب الاجتناب عنه مع فرض كونه طرفا بان يكون هو والملاقى طرفا للعلم الاجمالي والطرف الآخر المقابل للملاقى ـ بالفتح ـ.

وبالجملة يكون المقام من قبيل العلم الاجمالي إما بتكليفين واما بتكليف واحد ومما ذكرنا ان المختار هو السراية بمعنى السببية لا التعبد ولا الاتساع فحينئذ تتساقط الاصول في كل واحد من الطرفين وتبقى أصالة الطهارة في الملاقي سليمة عن المعارض.

ودعوى أنه بعد سقوط اصالة الطهارة في الملاقي لاجل المعارضة مع اصالة الطهارة في الطرف الآخر تصل النوبة الى اصل مسببي آخر وهي اصالة الحلية اذ الشك في حلية كل من الملاقي والطرف مسبب عن الشك في الطهارة وهذا الاصل اصل مسببي يجري بعد سقوط اصالة الطهارة الجارية في الملاقى ـ بالكسر ـ ففي هذه المرتبة تسقط الاصول الثلاثة وبعد سقوطها تصل النوبة الى اصالة الحل في الملاقى ـ بالكسر ـ المسببة من الشك في الطهارة ولازم ذلك جواز شربه مع عدم ترتيب آثار الطهارة من جواز الوضوء به مع انه لا يلتزم به في غير محلها أما عن المختار من أن العلم الاجمالي علة للتنجز ومانع من جريان الاصل النافي ولو بلا معارض فلا يتأتى هذا الاشكال إذ العلم الاجمالي السابق بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف الآخر لا يبقي مجالا لجريان الاصول الجارية في الطرف حتى اصالة الحلية فحينئذ لا تجري اصالة الحلية في الطرف لكي تحصل المعارضة مع اصالة الطهارة مع الملاقي

٢٦٢

ـ بالكسر ـ فلا مانع من جريان اصالة الطهارة في الملاقي لرجوع الشك في نجاستها الى الشك البدوي. نعم تتوجه هذه الشبهة بناء على كون العلم الاجمالي مقتضيا لكونه على هذا المسلك تكون الاصول ساقطة للمعارضة ومع تحققها تتساقط وتبقى اصالة الحلية في الملاقي جارية. هذا فيما اذا لم يفقد الملاقى ـ بالفتح ـ واما لو فقد فان كان بعد العلم الاجمالي فلا إشكال أنه لا أثر لفقده إذ العلم الاجمالي منجز واما لو كان ذلك قبل العلم الاجمالي فيجب الاجتناب بناء على المختار من علية العلم الاجمالي. نعم يمكن القول بذلك بناء على الاقتضاء إلا انه محل منع لعدم قيام ملاقيه مقام التالف وعلى الاقتضاء ينبغي التفصيل في جريان اصالة الطهارة في المسبب وهو الملاقي بين صورتي وجوده وعدمه فيما لو كان الاصل غير التنزيلي كاصالة الحلية لعدم جريانها في المفقود لعدم صلاحيتها لجعل الحلية الظاهرية وحينئذ يجري الاصل في الملاقى فتقع المعارضة بينها وبين الاصل الجاري في الطرف الآخر وبعد التساقط يؤثر العلم الاجمالي اثره ومن هنا يعلم ان اطلاق كلام الشيخ (قده) بقيام الملاقي ـ بالكسر ـ مقام الملاقى مع فقده مبني على علية العلم الاجمالي هذا تمام الكلام في الشبهة التحريمية واما الشبهة الوجوبية فسيأتي الكلام عنها في المبحث الآتي ان شاء الله تعالى.

٢٦٣

دوران الامر بين المتباينين

في الشبهة الوجوبية

المبحث الرابع لو دار الواجب بين المتباينين في الشبهة الوجوبية كما لو دار بين الظهر والجمعة او بين القصر والاتمام فانه لا اشكال في منجزية العلم الاجمالي لحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية كما قلنا في الشبهة التحريمية من دون فرق بينهما. نعم وقع الكلام في جريان استصحاب وجوب الاتيان بالمحتمل الآخر بعد الاتيان باحدهما فهل يجري مطلقا ام يجري في مورد عدم جريان قاعدة الاشتغال كما لو علم اجمالا بوجوب احد الامرين بعد الاتيان باحدهما؟ قيل بجريانه في الموضوع والحكم. اما الاول فيستصحب عدم الاتيان بما هو الواجب المعلوم لتمامية اركانه اذ الشك قد تعلق بما تعلق به اليقين وهو العنوان الاجمالي لفرض كونه متيقنا وباتيان احدهما يشك في ارتفاعه فيستصحب الموضوع الذي هو عدم الاتيان.

واما الثاني فيستصحب وجوب ما وجب سابقا وانه لم يسقط باتيان واحد منهما فيكون الشك قد تعلق بما هو المتيقن وبذلك تتم اركان استصحاب الحكم الذي هو الوجوب السابق ولكن لا يخفى ما فيهما.

اما عن الاول فالعنوان الذي هو المعلوم بالاجمال ليس له الاثر لكي يستصحب وانما الاثر مرتب على العناوين التفصيلية ولم يكن الشك واليقين قد تعلق بها فما تعلق الشك واليقين بالعنوان الاجمالي الذى هو عنوان احدهما ليس

٢٦٤

له الاثر لكي يصح استصحابه وما له الاثر الذى هو العناوين التفصيلية كعنوان الظهر او الجمعة لم يكن متيقنا ومشكوكا لكي يكون المتيقن عين المشكوك ليصح استصحابه

ودعوى انه من قبيل عنوان الكلي كاستصحاب الحدث المردد بين الاكبر والاصغر في غير محلها للفرق بينهما فان عنوان الكلي في المثال له اثر مترتب عليه بخلاف المقام فان عنوان احدهما لا اثر له وانما الاثر مرتب على العناوين التفصيلية اللهم إلّا ان يقال بان العنوان الاجمالي قد اخذ مرآة للمشكوك الذي له الاثر ويكفي ذلك في مقام التعبد في البقاء إلا ان ذلك مبني على القول بالسراية ولكنه خلاف التحقيق لما عرفت من ان اليقين والشك قد اجتمعا في نفس الكلي ولازم ذلك القول بوقوفهما على نفس الكلي من دون التعدي الى الافراد لكي تكون القضية المتيقنة عين المشكوكة وفي المقام ان العلم الاجمالي ليس له اثر فلا يجري الاستصحاب لعدم صحة التعبد بما لا اثر له. وبالجملة مع عدم السراية لا يجري الاستصحاب لعدم صحة التعبد لما لا اثر له. وبالجملة مع عدم السراية لا يجري الاستصحاب لان ما هو المتيقن لا اثر له وما هو المشكوك وان كان له الاثر لم يتعلق به اليقين فلم تكن القضية المتيقنة عين المشكوكة. ومن هذا يعلم الجواب عن الاستصحاب الجاري في الحكم الذي هو عبارة عن استصحاب وجوب الواجب بعد الاتيان باحدهما حيث ان اليقين قد تعلق بالعنوان الاجمالي الفاقد للاثر والشك قد تعلق بالعنوان التفصيلي فانه وان كان له اثر إلا انه لم يكن متعلقا لليقين. وبالجملة العنوان الاجمالي المتيقن ليس له اثر والذي له الاثر ليس متيقنا لكي يستصحب وقد عرفت انه ليس من قبيل الكلي كالحدث المردد بين الاصغر والاكبر لترتب الاثر عليه دون المقام إلا بدعوى جعل المماثل المستفاد من ادلة الاستصحاب وليس وجوب الباقي من لوازم نفس الواقع لكي يكون من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها وانما هو من لوازم مطلق وجود الجامع ولو بنحو الظاهر وحينئذ يتم وجوب الباقي بالاستصحاب وبجريانه يوجب انحلال العلم الاجمالي بوجوب

٢٦٥

احد الامرين وبانحلاله لا يبقى مجال لقاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى ان ذلك على خلاف المختار في الاستصحاب فان المستفاد من ادلته هو مجرد الأمر بمعاملة المشكوك معاملة المتيقن من دون جعل المماثل ، وعليه لا يبقى مجال لاستصحاب وجوب الفرد الباقي وعليه يجب مراعاة العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية فيجب الاحتياط في الشبهة الوجوبية موضوعية كانت او حكمية من غير فرق بين كون الواجب المردد من الشرائط وغيرها إلّا انه ينسب الى الحلي عدم وجوب رعاية العلم الاجمالي كما لو اشتبه الساتر الطاهر بالنجس فافتى بوجوب الصلاة عاريا ويؤيد ذلك فتوى المشهور بالصلاة عاريا عند انحصار الساتر بالنجس ومقتضاه ترك لبسهما والصلاة عاريا وتوجيهه بسقوط شرطية اللباس عند الجهل بالموضوع ومانعية النجاسة عند الشك واختصاص ذلك بصورة العلم محل منع لاطلاق ادلة الشرطية والمانعية فلا وجه لما ذكر الا فى حال الضيق واما في حال السعة فتجب مراعاة العلم الاجمالي.

فدعوى سقوط الشرطية او المانعية في حال السعة في غير محلها مع اطلاق ادلتهما ، اللهم إلا ان يقال بان ذلك مبني على القول بتقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الاجمالي ولذا قيل باستيفاء جميع محتملات الظهر لكي يصح الدخول في محتملات العصر في اشتباه القبلة بين الجهات الاربع او دوران الامر بين القصر والاتمام بتقريب انه لو كان المعلوم بالاجمال امرين مترتبين كالظهر والعصر المردد بين القصر والاتمام او بين الجهات الاربع في اشتباه القبلة وحيث ان الترتيب شرط بين الظهر والعصر فحينئذ لا بد في مقام الامتثال من احراز تحققه حال الاتيان بمحتملات العصر لعدم كفاية حصول العلم بتحقق الشرط وهو الترتيب بعد الاتيان بالمحتملات

ولكن لا يخفى اولا انا نمنع تقدم رتبة الامتثال التفصيلي على الاجمالي ،

٢٦٦

وثانيا ان الدخول في العصر بعد القطع بالفراغ من اتيان الظهر الواقعي انما يتم لو قلنا بان صحة الدخول في محتمل العصر بعد الفراغ من الظهر الواقعي ، واما بناء على ان القطع بوقوع محتمل العصر الواقعي عقيب الظهر الواقعي يكفي في صحة الدخول في الفرض المترتب عليه من غير فرق بين الصورتين فان الترتيب حاصل فيهما لعدم الترديد فيه للقطع بتحققه فيهما فان من صلى الظهرين الى كل جهة من الجهات التي اشتبه فيها القبلة يقطع بتحقق الترتيب الذي هو الشرط في الظهرين ولذا يقوى كفاية فعل بعض محتملات الظهر في صحة الدخول في محتملات العصر على نحو يحصل اليقين بالترتيب فيهما. بقى في المقام شيء يلزم التنبيه عليه وهو كيفية الاحتياط في العبادة فيما هو المعلوم بالاجمال فهل يجب الاتيان بداعي احتمال الامر او بداعي الامر المعلوم بالاجمال قولان مبنيان على انه يعتبر في مقام الامتثال الامر الجزمي ام لا يحتاج الى ذلك بل يكفي الاتيان بداعي نفس احتمال الامر ينشآن من جريان البراءة او الاشتغال في القيود غير الماخوذة في متعلق الامر فمن قال بالاشتغال اختار الاول ، ومن قال بالبراءة اختار الثاني وقد عرفت ان المختار جريان البراءة في مثل تلك اليقود فيجوز الاكتفاء بنفس الاحتمال في مقام المحركية لحصول الامتثال على تقدير تعلق الامر بما اتى به واقعا من دون قصد للاتيان بالمحتمل الآخر على ان نفس الاحتمال يكون محركا بالنسبة الى الشبهات البدوية فكذلك يكون نفسه محركا في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي.

ودعوى ان نفس الاحتمال لا يكفي عند امكان قصد الامتثال بالامر الجزمي لامكان قصد امتثال المعلوم بالاجمال فيكون بذلك قاصدا للامر الجزمي وفاقا للشيخ الانصاري (قده) من لزوم قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال ليحصل بذلك قصد الامر الجزمي فقد عرفت ما فيها. ودعوى بعض الاعاظم (قده) بانه لا فرق بين

٢٦٧

الشبهة البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي في كيفية الاطاعة اذ العلم باحد المحتملين لا يوجب فرقا في كيفيتها لعدم تمكن المكلف من الاتيان باحد المحتملين إلّا بقصد الامر الاحتمالي فتكون في الشبهتين اطاعة احتمالية فهي محل منع إذ الفرق بين الشبهتين في مقام الاطاعة ظاهر فان في الشبهة البدوية نفس الاحتمال يكون محركا بخلاف الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فان المحرك هو احتمال انطباق المعلوم بالاجمال وحينئذ المحرك نفس الامر الجزمي وان احتمال الانطباق مقدمة لتطبيق ما يدعو اليه الامر الجزمي المتعلق بالمعلوم بالاجمال الباعث للاتيان فالمكلف يكون منبعثا من نفس الاحتمال في الشبهة البدوية ومنبعثا عن الامر الجزمي في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي.

وبالجملة فبناء على القول في كيفية الاطاعة من وجوب الانبعاث عن الامر الجزمي في صحة العبادة فيلزمه القول بوجوب قصد المعلوم بالاجمال في كل من المحتملين واما بناء على عدم الالتزام بذلك في كيفية الاطاعة فلا يفرق بين الشبهتين وحيث اخترنا عدم الحاجة في مقام كيفية الاطاعة من قصد الامر الجزمي حيث يمكن لذا في المقام لا نفرق بين الشبهتين ، والعجب ممن التزم بوجوب قصد الامر الجزمي في مقام كيفية الاطاعة وفي المقام ادعى كفاية الاحتمال في صحة العبادة مع ان المقامين من واد واحد.

هذا تمام الكلام في المقام الاول الذي هو دوران الامر بين المتباينين من غير فرق بين كون الشبهة تحريمية او وجوبية ويتلوه إن شاء الله المقام الثاني من الاقل والاكثر والحمد لله رب العالمين.

٢٦٨

المقام الثانى

فى الاقل والاكثر

وهو على نحوين استقلالي وارتباطي : اما الاول وهو أن لا يكون امتثال الاقل منوط بامتثاله الاكثر على فرض وجوبه كما لو علم شخص بانه مدين لآخر وتردد في انه مدين له بعشرة دنانير بنحو لو ادى تسعة دنانير مع انه مطلوب بعشرة واقعا يكون قد ادى تسعة وبقي عليه دينار واحد واما الثاني وهو ان يكون امتثال الأقل في ضمن امتثال الاكثر على تقدير وجوبه كما لو علم شخص بوجوب مركب كالصلاة مثلا وترددت اجزاؤها بين تسعة اجزاء لا يكون ممتثلا اصلا لو فرض انه مطلوبا بمركب ذي عشرة اجزاء لكون الاقل مطلوب في ضمن الأكثر على تقدير وجوب الأكثر.

وبالجملة منشأ الفرق بينهما ان الاكثر في الارتباطي هو ما يكون مركبا من امور يترتب عليها غرض واحد او اغراض متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بنحو لا يحصل الاثر المقصود على بعضها إلا بضمها الى الباقي فيكون كل جزء منوط اسقاطه بضمه الى الآخر بخلاف الاكثر في الاستقلالي فان كل واحد من الامور يترتب عليها غرض مستقل بنحو يترتب ولو مع ظرف عدم الآخر ، مثلا صوم كل يوم من شهر رمضان واجب بوجوب مستقل وليس وجوبه منوطا بوجود صوم اليوم الآخر اما الاقل والاكثر الاستقلاليان فلا اشكال في جريان البراءة عقليها وشرعيها لانحلال العلم الاجمالي حقيقة الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي في الاكثر ، ولا ينافي ذلك بناء الاصحاب على وجوب الفحص بالنسبة الى بعض صغريات المسألة كباب الدين والفحص عن بلوغ المال الى حد الاستطاعة ، ومنشأ ـ

٢٦٩

ذلك انه ورد النص في الفحص عن التسبيك في تعيين النصاب في الذهب والفضة فهل يقتصر على مورد النص فتجري البراءة في بقية الموارد او يتعدى الى تلك الموارد الذي منها المقام فان الفرض هو جريان البراءة ولو كان بعد الفحص وليس المورد من موارد جريان الاشتغال قطعا كما لا يخفى.

الاقل والاكثر الارتباطيان

وانما الكلام وقع بين الاعلام في الاقل والاكثر الارتباطيين في ان الاصل هل هو البراءة عن وجوب الاكثر او الاشتغال وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور : الاول ان مناط البراءة شك في الاشتغال والتكليف ومناط الاشتغال الشك في الفراغ مع العلم باصل الاشتغال وبعبارة اخرى ان مرجع البراءة الى الشك في اشتغال الذمة بتكليف ومرجع الاشتغال الى الشك في المفرغ مع العلم بكون رقبة العبد تحت التكليف وانما الشك في السقوط وهذا مما لا اشكال فيه وحينئذ يكون النزاع في الاقل والاكثر صغرويا بمعنى انه ينطبق عليه اي المناطين اى البراءة او الاشتغال لا كبرويا وبالجملة النزاع في الاقل والاكثر صغروي بمعنى انه من مصاديق الشك في التكليف لكي يكون من موارد جريان البراءة او من مصاديق الشك في المكلف به لكي يكون من موارد قاعدة الاشتغال (١)

__________________

(١) لامور : الاول ما ذكره المحقق الخراساني (قده) في الكفاية من ان القول بالبراءة يستلزم الانحلال وهو محال للزومه الخلف او مستلزم من وجوده عدمه.

اما الاول فلان الانحلال في المقام يتوقف على العلم بكون التكليف منجزا

٢٧٠

وليس النزاع في ذلك كبرويا لما عرفت من ان الكبرى لا نزاع فيها كما لا يخفى.

__________________

على كل تقدير فلو ترتب عليه عدم تنجيزه اذا تعلق التكليف بالاكثر فذلك هو الخلف.

واما الثانى فلان الانحلال لازمه عدم تنجيز التكليف على كل تقدير وهو يستلزم عدم العلم بوجوب الاقل على كل حال المستلزم لعدم الانحلال فيلزم من فرض الانحلال عدمه وهو محال.

الثاني ما ذكره صاحب الحاشية (قده) على المعالم ان الاقل معتبر بشرط لا وفي ضمن الاكثر لا بشرط ومن الواضح يختلف التكليف المتعلق بالاقل مستقلا وفي ضمن الاكثر لا بشرط ومن الواضح يختلف التكليف المتعلق بالاقل مستقلا وفي ضمن الاكثر للاختلاف بينهما وعليه يكون الوجوب المتعلق بالاقل مرددا بين الوجوبين وذلك يقتضي الاحتياط لرجوعه الى التردد بين المتباينين.

الثالث ان وجوب الاقل ولو كان معلوما بالتفصيل إلا انه متولد منه فلا يوجب انحلال العلم الاجمالي ومع عدم انحلاله تجب مراعاته وهو لا يتحقق إلا بالاحتياط باتيان الاكثر.

الرابع ما افاده الاستاذ المحقق النائيني (قده) بما حاصله ان الانحلال عبارة عن تبدل القضية المنفصلة المانعة الخلو الى قضية متيقنة وقضية مشكوكة وذلك مفقود في المقام لعدم العلم بوجوب الاقل لا بشرط لفرض انه احد اطراف العلم الاجمالي واما العلم بوجوب الاقل الجامع بين الاطلاق والتقييد فهو مقوم للعلم الاجمالى فليس هو أحد الاطراف فلا يوجب انحلاله ولو اوجب انحلاله لزم ان ينحل العلم الاجمالي بنفسه وهو محال على ان المقام من الشك في السقوط وليس من الشك في الثبوت واذا رجع الى ذلك يكون موردا لقاعدة الاشتغال دون البراءة. وبعبارة اخرى ان القيد الزائد المشكوك يقتضي ان يكون مجرى للبراءة إلا انه لما كان ارتباطيا لا يوجب انقلاب العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك

٢٧١

الثاني انه ما المراد بالتكليف الارتباطي هل هو عبارة عن كون كل واحد من الاجزاء بنحو يتوقف على الآخر في عالم الوجود والامتثال وحينئذ يكون

__________________

بدوي لكون تفصيله عين اجماله فلو كان ذلك موجبا للانحلال لزم ان يكون العلم الاجمالي يوجب انحلال نفسه وهو محل منع. ولكن لا يخفى ان جميع ما ذكر محل نظر بل منع.

اما عن الاول فهو مبني على ان الانحلال يتوقف على العلم بتنجيز التكليف على كل حال وهو محل منع بل يتوقف على انحلاله في المركب بالعلم بتعلق تكاليف ضمنية وحينئذ نعلم بكون الاجزاء المفروض كونها هي الاقل معلومة الوجوب إلا انه نشك كونها مأخوذة لا بشرط او بشرط شيء وحينئذ يشك في الجزء الزائد هل هو متعلق للتكليف فيكون موردا لاصل البراءة.

واما عن الثاني فالتغاير في المقام ليس تغايرا ذاتيا وانما هو تغاير بحسب الاعتبار وهو لا ينافي الانحلال.

واما عن الثالث فهو مبني على كون وجوب الاجزاء مقدميا وذلك محل نظر والظاهر انها تجب بعين وجوب الكلي.

واما عن الرابع فهو مبني على كون الاقل من قبيل الجامع الطبيعي الذي هو عبارة عن وجوده في فرد مغاير لتحققه فى فرد آخر وان كان بينهما اتحاد في الماهية ولكن ذلك محل منع اذ الاقل في ضمن الاكثر من قبيل الخط القصير الموجود في ضمن الخط الطويل فحينئذ يكون معلوم وجوبه ولا يكون وجوبه مرددا بين الوجوبين لكي يقال بان العلم التفصيلي عين الاجمالي وانما وجوبه واحد حقيقي معلوم بالتفصيل والشك في تعلقه في الجزء الزائد على ان الجامع المهمل انما لا يكون موجبا للانحلال فيما اذا كان الاصل الجاري في الخصوص معارضا

٢٧٢

كل واحد من الاجزاء على نحو الواجب المشروط بمعنى وجوب كل جزء مشروط

__________________

كما هو كذلك في المتباينين لا مثل المقام الذى لا يكون بينهما معارضة لاختصاص احدهما بجريان الاصل دون الآخر فجريان الاصل في جانب من دون معارضة للآخر يوجب الانحلال فتكون القضية المنفصلة المانعة الخلو منحلة الى قضية متيقنة وهي وجوب الاقل وقضية مشكوكة وهي وجوب الزائد.

وبالجملة جريان الاصل في الجزء المشكوك موجب لحصول الامن من العقاب.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق هو جريان البراءة العقلية في الجزء المشكوك لما هو معلوم ان التكليف المتعلق بمركب ينحل بنفسه الى تكاليف ضمنية بقدر الاجزاء فيكون لكل جزء حصة من التكليف مغاير للحصة الاخرى فمع دوران التكليف بين الاقل والاكثر يكون الاقل معلوما وتعلقه بالجزء الزائد مشكوكا فيكون العقاب عليه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان هذا هو الذي ينبغي ان يستدل على المختار لا ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) من انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بوجوب الاقل المردد بين النفسي والغيرى وشك بدوى وهو وجوب الاكثر فان وجوبه غير محرز فيجري فيه الاصل لما هو معلوم بان الانحلال الى المعلوم التفصيلي لا بد وان يكون من سنخ المعلوم بالاجمال ومع عدمه يكون العلم الاجمالي غير منحل على أن الحق كون الاجزاء متصفة بالوجوب النفسي لا بالوجوبين او بخصوص الغيرى لما ذكر في محله من استحالة اتصافها بالوجوب الغيري. وعليه تكون الاجزاء في ضمن الاكثر بحد ذاتها محفوظة فيه ونفس ذلك الوجوب يتصف بتلك الاجزاء فلذا ينحل الوجوب النفسي المتعلق بالمركب الى علم تفصيلي متعلق بالاقل وشك بدوي بالجزء الزائد ووجوب الاقل من سنخ وجوب المركب ومع كونه من سنخه يوجب انحلاله هذا كله بالنسبة الى البراءة العقلية واما البراءة الشرعية فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالي.

٢٧٣

بالآخر فينحل الى واجبات مشروطة بعدد اجزاء ذلك المركب كما لو اجتمع عشرة اشخاص لتحريك حجر واحد فان كل واحد من العشرة بحسب تحريكه للحجر مشروط بالآخر ام لا بل هو عبارة عن كون كل واحد من الاجزاء له تكليف مستقل في مقام الامتثال وانما الوحدة حصلت من كون الاثر والغرض واحدا فيكون مناط الارتباط وحدة الاثر والغرض ، والذي يقتضيه التحقيق ان مناط الارتباطية هو الثاني دون الاول إذ لو كان المناط في الارتباطية هو الاول لزم ان يكون الواجبان المستقلان الناشئان عن مصلحتين مع فرض ان وجوب كل واحد منها منوط بالآخر يندرج في الواجب الارتباطي مع انه لا يلتزم به فتعين ان تكون الارتباطية ناشئة عن وحدة الوجوب الناشئ من وحدة الغرض.

وبالجملة ليس مناط الارتباطية اناطة امتثال كل واجب بالواجب الآخر بل مناط الارتباطية ان تكون امور متعددة يتعلق بها تكليف واحد ناشئ عن غرض واحد ومصلحة فاردة.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان عنوان الاجتماع بمعنى ان كل واحد من الاجزاء مشروط بالآخر او بمعنى الاجتماع في الوجود من العناوين المنتزعة من موضوع الحكم فهو متأخر عن نفس الحكم فلا يعقل ان تكون مأخوذة في موضوع الحكم وبعبارة اخرى ان مناط الواجب الارتباطي ان تكون الأمور المتعددة المتباينة بحسب الهوية تعتبر امرا واحدا باعتبار اشتراكها في غرض واحد وبذلك تجمع المتكثرات والمتشتتات بحسب الوجود وبذلك يمتاز عن المتحد بحسب الوجود والكثرة تكون اعتبارية كالكم المتصل مثل الخط فاجزاؤه متحدة فى الخارج ، والكثرة الحاصلة ليس لها واقع وانما هو قائم في عالم الذهن فان العقل يتصور الكثرة ويحلل ذلك الامر الوحداني الى كثرة.

والحاصل انه فرق بين المقام والكم المتصل ، فان المقام الكثرة لها واقع والوحدة

٢٧٤

اعتبارية كالصلاة مثلا فانها مركبة من ركوع وسجود وقيام وقراءة وغيرها فهي متغايرة بالذات والوجود وطرأت عليها الوحدة لاشتراكها في غرض واحد وكونها محصلة له بخلاف الكم المتصل فان اجزاء الخط مثلا متحدة بحسب الوجود وتطرأ عليها الكثرة وبالجملة الاتحاد حقيقى والكثرة اعتبارية في الكم المتصل وفي المقام الكثرة حقيقية والاتحاد اعتباري لا يقال ان ما ذكر هنا ينافي ما ذكر في الصحيح والاعم من انه لا بد من جامع ذاتي للاجزاء لانا نقول ان ما ذكر فى الصحيح والأعم لا ينافي ما قلناه هنا اذ ذلك في مقام التصور ومقام الثبوت بخلاف المقام فانه في مقام بيان واقع الامر وبيان الواجب الارتباطي لا يقال كيف تكون المتكثرات محصلة لغرض واحد ولا يصح ذلك إلّا ان يكون كاشفا عن وحدة المؤثر اذ لا يعقل ان ينشأ الشىء الواحد عن امور متعددة متباينة فان الواحد لا يصدر إلّا من الواحد لانا نقول ان هذا انما يرد لو كان الغرض بسيطا من جميع الجهات وذكرنا في محله انه بمثل هذا الجامع تمتاز العلوم بعضها عن بعض لا مثل المقام الذي يكون الغرض له جهات فلم يكن ذلك الامر مؤثرا في جهة بل تلك الامور مؤثرة في جهات لا يقال ان اغراض العبادات انما هي بسيطة تكشف عن جامع واحد إذ لا يعقل ان تكون المتكثرات مؤثرة في غرض واحد وعليه يكون مناط الارتباطية هو ذلك الجامع الذي يكشف عنه الغرض لانا نقول قد اشرنا في صدر المبحث ان توقف تحقق واجب على واجب آخر ما لم يكن الغرض المترتب عليهما واحدا لا يوجب صيرورتهما ارتباطيين ضرورة امكان حصول غرضين مستقلين من المتباينين من دون جامع بينهما وان انتزع منهما جامع اعتباري فيصير الغرضان واحدا بالاعتبار لتغاير بينهما بالهوية وعليه لا وجه لان يجعل ذلك ملاكا للارتباطية بل لا بد وان تلاحظ الوحدة باعتبار وحدة الغرض فان كان الغرض واحدا فالواجب ارتباطي وان كانت تلك الامور متباينة بالهوية وان كان الغرض المترتب متعددا فالواجب استقلالي وان لوحظت تلك الامور مجتمعة ومرتبطة فلا يتوقف حصول الغرض على

٢٧٥

الارتباط بين الاجزاء إذ ليس الغرض إلا مرتبة كاملة من الوجود يتحقق من اجتماع مراتب ضعيفة وبه ترتبط تلك الامور المتباينة بالذات وبهذا اللحاظ تسمى اجزاء فافهم.

الثالث ان المراد من الاقل في المقام هو ان يكون الاقل ماخوذا في ضمن الاكثر بذاته من دون حد الاقلية ويكون بالنسبة الى الزائد قد اخذ لا بشرط فيخرج ما لو اخذ الاقل بشرط لا عن الزيادة كالقصر والاتمام فانه داخل في المتباينين إذ الاقل بشرط لا يباين الاكثر كما انه يخرج عن المقام ما هو من قبيل الطبيعي والحصة كالانسان بالنسبة الى زيد بدعوى ان زيدا يشتمل على الانسان والخصوصية فلو شك في تعلق التكليف بمطلق الانسان او الانسان مع خصوصية زيد فيكون الشك من قبيل الاقل والاكثر فينحل التكليف الى معلوم تفصيلي وهو مطلق الانسان والشك في خصوصية زيد فتجرى البراءة عن الخصوصية فعليه يجب اكرام مطلق الانسان فيما لو شك في وجوب اكرام انسان مطلق او خصوص زيد فان هذه الدعوى في غير محلها لكونها محل منع لما عرفت من ان المراد بالاقل ان يكون بذاته موجودا في الاكثر كمثل الخط القصير الموجود في الخط الطويل من دون حد الاقلية وبالنسبة الى الاكثر قد اخذ لا بشرط وليس كذلك الانسان المطلق كما انه قابل للانطباق على زيد ينطبق على بقية الافراد لما هو معلوم انه بالنسبة الى افراده نسبة الاب الى افراده فحينئذ لم ينطبق عليه ضابط الاقل والاكثر كما انه لا ينطبق عليه ما هو لازم لباب الاقل والاكثر فان ايجاب الاكثر يوجب القطع بايجاب الاقل فان الاكثر لو كان واجبا بان وجب اكرام زيد المشتمل على الانسان والخصوصية لا يلازم وجوب الاقل وهو الانسان المطلق كما ان ايجاب اكرام مطلق الانسان لا يوجب اكرام زيد بخصوصيته فعليه يكون باب العام والخاص مندرجا تحت باب المتباينين ولذا ينطبق عليه ضابط التباين الذي هو يرجع

٢٧٦

الى قضيتين تعليقيتين وفي العام والخاص يرجع الى انه لو كان زيد بخصوصه واجبا وجب اكرامه بخصوصه ولم يجب اكرام مطلق الانسان ولو كان الانسان المطلق واجبا فزيد بخصوصه لم يجب اكرامه نعم ينطبق ملاك الاقل والاكثر على ما إذا اشتبه وجوب الاكرام بين زيد وعمرو او خصوص زيد.

وبالجملة الاقل محفوظ في ضمن الاكثر بذاته بنحو لا تكون له جهة سعة تتحقق في ضمن فرد آخر اذ لو كان له سعة لا تكون ذاته محفوظة في ضمن الاكثر فالاقل يتحقق في ضمن الاكثر بعينه من دون نقصان فيه سوى حد الاقل فانه بسبب انضمامه الى الجزء الآخر يرتفع ذلك الحد وكما انه محفوظ ذاته في ضمن الاكثر كذلك محفوظ في ضمنه بماله من المرتبة الخاصة من المصلحة فافهم.

الرابع ان المركب يوجد بوجود جميع اجزائه وانعدامه يكون بانعدام جزء من اجزائه فان المركب من اربعة اجزاء مثلا يكون كل جزء منها له دخل في التأثير بمعنى ان كل جزء بالنسبة الى المركب من قبيل المعد فعليه يكون لهذا المركب اعدام عدم ينشأ من انعدام جميع اجزائه وعدم ينشأ من انعدام جزء منه وعليه ليس عدم المركب على الاخير مستندا الى وجود بقية الاجزاء لان تلك الاجزاء الموجودة بمقتضى ذاتها لها التأثير في المركب غاية ما في الباب ان توقف التأثير الفعلي على وجود ذلك الجزء المعدوم لا بد ان يكون عدم المركب مستندا الى عدم ذلك الجزء او الى عدم الاجتماع المستند الى عدم الجزء وبعبارة اخرى انه لما كان الاقل في ضمن الاكثر له تلك المصلحة والغرض فانعدامه انما هو باعدام من جملتها انعدامه بانعدام جزئه مع وجود سائر الاجزاء ، فانعدامه ليس مستندا الى وجود سائر الاجزاء بل عدم الاجتماع المستند الى عدم الجزء وفرق بين استناد عدم المركب الى انعدام جميع الاجزاء وبين استناده الى انعدام الجزء لانه على الاول اسند الانعدام الى فقد المؤثرات جميعا بخلافه على الثاني لان فقد المركب

٢٧٧

مستند الى امرين مختلفين بمعنى ان اضافة العدم إلى الجزء المفقود غير اضافة الوجود الى الجزء الموجود ، فبالنسبة الى المفقود انعدام ذات المؤثر وبالنسبة الى سائر الاجزاء منع التأثير الفعلي مع بقائها على قابلية التأثير ، فالعدم مستند الى عدم الجزء فقط اذ البقية باقية على المؤثرية الشأنية.

الخامس أن الأقل محفوظ في ضمن الاكثر فان انضمام جزء آخر لا يخرج ذات الاقل عن الاقلية. نعم بهذا الانضمام يخرج حد الاقل عن الاقلية لان حده مشروط بعدم انضمامه للجزء فانضمامه الى شيء يخرج الحد عن الاقل فتارة يكون اعتباره عدم انضمام جزء اليه خارجا كالخط القصير بالنسبة للخط الطويل ، واخرى يكون محدودا بحد الاقلية لا في الخارج بحيث لو زيد عليه حصة اخرى من الوجود في الخارج لا يخرج عن كونه اقل ايضا في الموطن الذي لوحظ فيه العنوان. وهذا شرط لا في عالم العروض ، ولا شرط في عالم الاتصاف. ففي الاول قد أخذ في عالم الاتصاف والعروض كليهما بشرط لا بخلاف الثاني فانه ان اخذ بشرط لا فهو جزء وان أخذ لا بشرط فهو عين الكل فاتصاف الاخير بالاقلية في عالم الاعتبار لعدم اعتبار الزائد واخذه بشرط لا ذهنا وذلك بالنسبة الى الخارجيات مثل الجسم الطويل الذي طلعت الشمس على مقدار منه فكذلك لو فرضنا انه في الخارج مركب قد زيد مع ما اعتبر له من الاجزاء جزء آخر فكما انه لا يقال للجسم الخارجي الذي طلعت الشمس على مقدار منه بان ذاته ناقصة وليست قابلة لأن تطلع الشمس على جميعه والمفروض ان الشمس مستعدة لو لا الحاجب لحصل اشراقها على الجميع ولا يوجب كون الجسم اقصر مما كان عليه ويكون وجود العيني محدودا لعدم اشراق الشمس على جميعه فكذلك فيما تعلقت الارادة بمركب اعتباري من اجزاء اربعة لا ازيد ولا انقص فلا يوجب ان يكون المركب محدودا بالاقل لان القصور الطارئ من قبل الارادة التي هي من قبيل العرض للجسم لا يصير منشأ لتحديد

٢٧٨

المراد ، فلو اجتمع هذا المركب مع شىء زائد لا يخرج هذا المركب عن كونه له مرتبة من المصلحة لأن المعروض لم يعتبر بحسب الخارج عدم الانضمام ولم يسر الحد الاعتباري الى الخارج حتى يوجب تحديده فالاقل والاكثر يمتاز عن المتباينين من حيث ان في المتباينين تعلق العلم الاجمالي بنفس الذاتين المتمايزتين ففيه ما به قوام العلم الاجمالي وهو التكليف المردد بين ان يتعلق بهذا او بذاك وليس احدهما على تفصيلي وفي باب الاقل والاكثر أن الاقل لو كان واجبا فانما اخذ في عالم العروض لا بشرط لا في عالم الاتصاف وإلّا فيدخل تحت المتباينين فملخص الفرق بينهما ان المتباينين بين الذاتين ، تمايز بخلاف الاقل والاكثر لا تمايز بين الذاتين ، وانما التمايز بين الحدين. فاذا عرفت الفرق فلم يكن بين الذاتين ملاك العلم الاجمالي وهو قضيتان تعليقيتان اذ لم يصدق انه لو كان الاكثر واجبا لم يكن الاقل واجبا ، وانما الملاك موجود بين حدي الاقل والاكثر ولكن ليس ذا اثر لان الحد لم يكن موضوعا ومتعلقا للتكليف وانما موضوع التكليف الذاتان وليس فيه ملاك العلم الاجمالي على ان العلم التفصيلي بوجوب الاقل موجب لانحلال العلم الاجمالي.

وبالجملة مبحث الاقل والاكثر خارج عن العلم الاجمالي لان ما كان موضوعا ومتعلقا للتكليف وهو الذاتان غير موجود فيهما ملاك العلم الاجمالي ، وما لم يكونا كذلك كالحدين وان كان فيه ملاك العلم الاجمالي إلا انه لا اثر له لعدم كونهما موضوعا للتكليف حتى يكون ذلك العلم موجبا لتنجيز ذلك التكليف. اذا عرفت هذه المقدمات فاعلم انه ينبغي بيان ما سلكه الاعلام (قدس الله اسرارهم) فنقول ومن الله المستعان فقد سلك الاستاذ (قده) في الكفاية عدم اجراء البراءة العقلية وبيان كلامه تارة مبني على كون وجوب الاجزاء وجوبا مقدميا ، واخرى كون وجوبها بعين وجوب الكل ، أما بناء كلامه على الاول فتقريبه ان الوجوب اذا دار بين الاقل والاكثر فينحل الوجوب الى الاجزاء فيكون وجوبها مرددا بين

٢٧٩

ثلاثة منها أو أربعة ، وعلى اي تقدير فثلاثة منها معلومة تفصيلا بوجوبها اما بنفسها او مقدمة للاكثر ، وكون هذا العلم التفصيلي موجبا لانحلال ذلك العلم الاجمالي موقوفا على عدم منجزية العلم الاجمالي ، ولا اشكال ان بسبب تنجيز ذلك العلم الاجمالي حصل علم تفصيلي بوجوب تلك الاجزاء ، وبعبارة اخرى ان هذا العلم التفصيلي ليس من قبيل امارة او غيرها حتى يوجب انحلاله بل هو متولد من ذلك العلم الاجمالي فلا بد من كونه منجزا حتى يتولد منه ذلك فكيف يكون هذا العلم التفصيلي موجبا للانحلال إلا ان يجعل هناك بدل فيكون موجبا للانحلال ولكن لا يخفى ان هذا المبنى فاسد بل قد صرح بخلافه في باب المقدمة نعم ربما يقال ان منشأ التزامه بعدم انحلاله هو الملازمة بين وجوب الأقل مع وجوب الاكثر لانه وان حصل العلم التفصيلي بان الأقل واجب ولكن على نحو الترديد إلا ان هذا العلم التفصيلي لا يوجب انحلاله لان وجوب الاقل مطلقا لا يلازم وجوب الاكثر فيكون العلم بوجوب الاقل مطلقا. يلازم تنجيز العلم الاجمالي وان وجوب الاكثر منجز فكيف يكون موجبا لانحلاله وإلا لزم من وجوده عدمه وفيه انك قد عرفت من المقدمات ان انعدام المركب له اعدام فتارة يكون مستندا إلى انعدام جميع الاجزاء واخرى يكون مستندا الى انعدام جزء كما لو فقد احد اجزاء المركب فان انعدام المركب ليس من انعدام الاجزاء بل من جهة انعدام ذلك الجزء المفقود فحينئذ لما كان الاكثر لم يثبت حفظ وجوده من ناحية الجزء المشكوك بل غاية ما ثبت من جهة الاجزاء وجوب الاقل من جهة وجود الطريق اليها وهو العلم التفصيلي بالوجوب المردد بين النفس والغيري والملازمة المذكورة لا تقتضي تنجز العلم بالاكثر إلا بهذا المقدار اي بالقدر الذي قام عليه الطريق ويقتضي سد باب العدم من ناحية الثلاثة لا مطلقا فكيف يمنع عن الانحلال مطلقا وانما يمنعه من انحلاله بمقدار

٢٨٠