منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

اشكال في عدم جواز التمسك بالاطلاقات والعموم لما هو معلوم انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، وانما الكلام وقع فيما لو كان الشك من جهة المفهوم فهل يجوز التمسك بالاطلاق ام لا؟.

ذهب الشيخ الانصاري (قده) الى التمسك بالاطلاقات نظرا الى ان تقييد المطلقات بان لا يكون خارجا عن محل الابتلاء من قبيل التقييد بدليل منفصل الحاكم به العقل المردد بين الاقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن الموجب للاقتصار عليه ويرجع في الحكم بغيره للاطلاق.

ودعوى ان حكم العقل بخروج ما لا يمكن ان يكون محلا للابتلاء عادة من الحكم الضروري فيكون من قبيل المخصص المجمل المتصل فاجماله يسرى الى المطلقات والعمومات ، ولكن لا يخفى ان ذلك لو سلم في مثل القدرة العقلية ، ففي القدرة العادية لا نسلم ، إذ اعتبارها ليست من ذلك القبيل ، وانما اعتبارها من الاحكام العقلية النظرية المحتاجة الى تأمل وليست من الضروريات غير المحتاجة الى تأمل.

وبالجملة حكم العقل باعتبارها وباستهجان الخطاب بما هو خارج عن محل الابتلاء تعد من المخصصات المنفصلة ليست مؤثرة في ظهور الخطابات.

فعليه يؤخذ بالقدر المتيقن وبتمسك بالاطلاق في طرف المشكوك ، والتزام بعض الاعاظم (قده) بكون المقام من المخصص المتصل المجمل إلا انه لا يسري اجماله الى المطلق لكون الخارج فى المقام عنوانا اجماليا وهو عنوان عدم الابتلاء ذو مراتب مختلفة وحينئذ يكون بمنزلة مخصصات عديدة فيؤخذ بالقدر المتيقن ويرجع بالباقى الى الاطلاق او العموم لرجوع الشك في ذلك الى مخصص آخر للعام غير ما هو المتيقن. فحينئذ ينفى بالاطلاق لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي وهو الاخذ بالقدر المتيقن والشك البدوي وهو التخصيص الزائد في غير محله اذ بعد تسليم كون المقام من المخصص المتصل فيسري اجماله الى المطلق من غير

٢٤١

فرق بين كون الخارج عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب ام عنوانا واقعيا مختلف المراتب.

فظهر مما ذكرنا جواز التمسك بالاطلاق في المقام لكونه من المخصص اللبي الذي هو من قبيل المخصص المنفصل غير الكاسر لظهور الاطلاق وليس في البين ما يمنع من التمسك بالاطلاق في المقام سوى ما ذكره الاستاذ (قده) من الوجهين : احدهما ما ذكره في الكفاية بما لفظه : (ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا اطلاق الخطاب ضرورة انه لا مجال للتشبث به إلا فيما اذا شك في التقييد بشيء به بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه لا فيما شك في اعتباره في صحته). وقد وجه كلامه (قده) بان التمسك في الاطلاق في مقام الاثبات انما يصح اذا صح التمسك به في مقام الثبوت ، فمع الشك في صحته ثبوتا لا اثر للاطلاق اثباتا ، واورد عليه بانه يستكشف الاطلاق ثبوتا من الاطلاق اثباتا كما هو شأن التمسك في سائر المطلقات ، ولكن لا يخفى ان توجيه كلامه (قده) بما ذكر في غير محله ، فان كلامه ناظر الى ان اطلاقات الادلة الظاهرية كالادلة الواقعية في ان موضوعاتها تعتبر فيها القدرة من العقلية والعادية ، فكما ان القدرة شرط في صحة الخطاب الواقعي كذلك شرط في صحة الخطاب الظاهري ولذا لا يحسن الخطاب بما هو خارج عن الابتلاء كما لا يحسن التعبد بالظهور عما هو خارج عن محل الابتلاء ، فمع الشك في ذلك يكون من الشك في القدرة فيشك في ترتب الاثر الفعلي ، ومع الشك في ذلك يشك في حجية الخطاب لكي يتمسك بالاطلاق لاثبات التكليف الفعلي في المشكوك فيه.

ثانيهما ما في الحاشية بما حاصله ان التمسك بالاطلاق انما هو في الانقسامات السابقة على الخطاب ، وليس ذلك بالنسبة الى الانقسامات اللاحقة كمثل قيدية ان لا يكون خارجا عن محل الابتلاء المأخوذ في موضوع التكليف ، فان العقل

٢٤٢

يراه من شرائط تنجز الخطاب المتأخر عن اصل الخطاب فكيف يكون الخطاب ناظرا اليه لكي يؤخذ باطلاقه ، ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين من النظر.

اما عن الاول فان شرطية القدرة المأخوذة عقلا في الخطاب الظاهري انما هو على نحو الطريقية الراجعة الى الامر بالبناء على العمل بالظهور تعبدا من غير جعل تكليف فعلي في صورة المصادفة او صورة عدم المصادفة ، وحينئذ لا محذور في توجه التكليف ، فمع الشك في القدرة يجب الاجتناب عن الطرف الذي هو محل الابتلاء.

واما من الثاني فنمنع كون الخروج عن الابتلاء عن الانقسامات المتأخرة لرجوعها الى ناحية القدرة اما العقلية او العادية ومن المعلوم انها معتبرة في نفس الخطاب كالاستطاعة مثلا ، ولذا يؤخذ قيدا فيه ، وليس ذلك من شئون التنجيز كما هو كذلك في العلم فانه من الانقسامات المتأخرة الراجعة الى ناحية التنجيز.

فظهر مما ذكرنا انه لا مانع من التمسك بالاطلاق في مقام الشك في الخروج عن محل الابتلاء ، وما ذكر من المنع محل نظر بل منع كما لا يخفى.

الأمر الثالث : ـ أن لا يكون الاضطرار إلى احد الاطراف فان ذلك يكون مانعا عن تنجيز العلم الاجمالى كما لو حصل الاضطرار حين حدوث العلم متعلقا بطرف معين فانه لا إشكال في كونه مانعا عن تنجيز العلم لاحتمال كون المضطر اليه موردا للتكليف فلا يكون الخطاب الواقعي حينئذ فعليا إلا أن يكون الاضطرار ينشأ عن تقصير في مقدماته بنحو يخرجه عن صلاحيته للعذر فلا مانع من دعوى كون العلم الاجمالي منجزا لعدم صلاحيته للمانعية عن فعلية الخطاب ويكون نظير من القي من شاهق ولكن الظاهر من الكلمات أنه مانع مثل هذا الاضطرار عن منجزية العلم ، كما أنه يكون مانعا من التنجيز فيما لو كان الاضطرار الى المعين سابقا على العلم الاجمالي لما عرفت من أن ما اضطر اليه قد يكون

٢٤٣

موردا للتكليف فهذا الاحتمال يوجب عدم فعلية الخطاب. نعم لو كان الاضطرار الى المعين بعد العلم الاجمالي فيكون حاله حال قيام الطريق على بعض الاطراف من عدم مانعيته عن تنجيز العلم بالنسبة الى الطرف الآخر وقد ذكرنا سابقا انه من قبيل العلم الاجمالي الحاصل بين الامور التدريجية بيان ذلك أن الاضطرار الى المعين تارة يكون قبل العلم بالتكليف ، واخرى مقارنا لحدوثه ، وثالثة بعده. فان كان قبل العلم أو مقارنا فلا إشكال في عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر إذ لا علم بالتكليف الفعلي مع تحقق احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على ما اضطر إليه فيكون الشك في الطرف الآخر شكا بدويا وهو من موارد جريان البراءة ، ويلحق بذلك الاضطرار بعد العلم بزمان لا يمكن فيه الامتثال لعدم كون العلم في هذه الحال مؤثرا في تنجيز التكليف بالنسبة الى زمان قبل الوجود إذ لا أثر لمجرد سبق زمان حدوث التكليف على الاضطرار. واما اذا كان الاضطرار بعد العلم بما يمكن فيه الامتثال الظاهر وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر لاندراج المقام بما يكون العلم الاجمالي بين الامور التدريجية حيث أنه متعلق بتكليف مردد بينما هو محدود في الطرف الآخر فان مقتضاه وجوب الاجتناب عن طرف غير المضطر اليه. هذا كله فيما إذا علم الاضطرار الى المعين.

واما الاضطرار الى غير المعين فالظاهر هو أن العلم الاجمالي منجز ويجب مراعاته وليس كالاضطرار الى المعين كما اختاره المحقق الخراساني من غير فرق بين أن يكون الاضطرار الى غير المعين قبل العلم أو بعده فانه يجب مراعاة العلم الاجمالى بالاجتناب عن غير ما اضطر اليه لبقاء فعلية التكليف في هذا الحال حيث أن الاضطرار مرجعه الى ترك الجمع بين المحتملين بمعنى رفع الحكم الظاهري بالنسبة الى الموافقة القطعية لا رفع أصل الفعلية حتى بالنسبة الى المخالفة القطعية فحينئذ يلزم رفع اثر العلم الاجمالي لأجل لزوم الموافقة القطعية وتبقى فعليته بالنسبة

٢٤٤

الى المخالفة. نعم ربما يقال بان التكليف الفعلي لم يكن على كل تقدير بل هو على تقدير دون تقدير فلا يصلح للتنجيز إذ شرط تنجيزه أن يكون متعلقا بالتكليف الفعلي على كل تقدير ولكنه محل منع إذ ذلك إنما يقتضي رفع اطلاق فعلية التكليف بالنسبة الى احد المحتملين حال الاجتناب عن المحتمل الآخر وعدمه بتقييده بحال ترك الطرف الآخر وبهذا التقييد يرتفع المحذور المذكور ولازمه عدم وجوب الموافقة القطعية ومنجزية العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ومرجعه الى اثبات تكليف التوسط بين نفي التكليف رأسا وبين ثبوته بقول مطلق من غير فرق بين القول بالاقتضاء والعلية اذ على القولين لا بد من الالتزام بالتكليف التوسطي (١) ومثله الاضطرار الى أحد الاطراف تلف بعض اطراف العلم الاجمالي.

__________________

(١) لا يخفى أنه بناء على المختار من ان الميزان في تنجيز العلم الاجمالي أنه لا مانع من جريان الاصل النافي في بعض الاطراف دون بعض فانه يمتنع تنجزه كما لو كان بعض الاطراف مضطرا اليه أو خارجا عن محل الابتلاء فانه لا يجري الاصل فيه لعدم ترتيب أثر على اجرائه في المضطر اليه أو خارج عن محل الابتلاء أو كان الاصل الجاري في بعض الاطراف مثبتا للتكليف كما لو علمنا بوقوع نجاسة في أحد الإناءين وكان أحدهما المعين متيقن النجاسة اما بالوجدان واما بالتعبد الحاصل من قيام امارة أو أصل محرز فانه يجري الاصل النافي في الطرف الآخر بلا معارض ، وكما لو كان بعض الاطراف موردا لقاعدة الاشتغال أو طرفا لعلم اجمالى سابق وقد تنجز فيه احتمال التكليف لذلك العلم لسقوط الاصل فيه بالمعارضة ، ففي جميع هذه الصور يجري الاصل في الطرف الآخر من دون معارض وبذلك يرفع تنجز العلم الاجمالي من غير فرق بين حدوث العلم الاجمالى

٢٤٥

بيان ذلك أن التلف تارة يكون متقدما على نفس العلم واخرى يكون مقارنا للعلم الاجمالي. وثالثة يكون متأخرا عن نفس العلم الاجمالي أما

__________________

متأخرا عن هذه الامور أو مقارنا لها. وانما الكلام فيما لو علم بطرو هذه الامور المذكورة بعد تحقق العلم الاجمالي فهل توجب تلك الامور سقوطه عن التأثير لكي يجري الاصل النافي في بعض الاطراف بنحو ينحل العلم الاجمالي؟ وجهان والظاهر هو الانحلال حيث ان العلم الاجمالي من قبيل العلم التفصيلي أو الامارات في أن الحكم المنكشف به منجز وتنجزه ما دام موجودا فاذا تبدل العلم بالشك الساري أو زالت البينة لشبهة موضوعية كما لو شك في عدالة البينة القائمة على نجاسة شيء أو لشبهة حكمية موجب لسقوط الحكم عن التنجيز لعدم وجود منجز له فى حال البقاء ولا يقاس ذلك بما لو كان الشك في التكليف بعد العلم به تفصيلا أو بعد قيام الحجة عليه لاجل الشك في ناحية الامتثال ، كما لو علم المكلف بتحقق تكليف متعلق بصلاة الظهر ثم شك فيه لاحتمال امتثاله والخروج عن عهدته يكون التكليف باقيا على حاله اذ فرق بين ذلك المقام إذ الشك في المقام ليس شكا بانطباق المعلوم بالاجمال عليه بل هو شك حادث متعلق بحدوث نجاسة اخرى فيه غير ما هو المعلوم تفصيلا فيكون موردا لشمول ادلة الاصول إذ المفروض أن الاصول المتعارضة موضوعها الشك بانطباق المعلوم بالاجمال على محتملاته وقد زال ذلك بزوال العلم الاجمالي وحدث شك آخر غير مقرون بالعلم الاجمالي.

وبالجملة الاصول المتعارضة قد تساقطت لارتفاع موضوعها والموضوع الحادث لم يكن الاصل فيه ساقطا وليس المقام من قبيل زوال العلم الاجمالي باتيان أحد الاطراف اذ ذلك بلحاظ البقاء دون الحدوث وإلا فالعلم بحدوث التكليف المردد موجود فعلا وليس زواله موجبا للشك في حدوث التكليف كما لا يخفى.

٢٤٦

الاولان فلا ينبغي الاشكال في عدم منجزية العلم الاجمالي كما لو تلف أحد الإناءين المشتبهين بالنجاسة ثم علم إجمالا بنجاسة الاناء التالف أو الباقى أو علم بمقارنته للتلف أو تلف بعد العلم بزمان لا يسع استعمال ذلك فيما هو مشروط بالطهارة فان في جميع تلك الصور العلم الاجمالي غير منجز للتكليف حيث أن التلف حينئذ يكون كاشفا عن عدم تعلق التكليف بترك استعمال ذلك التالف وتكون الشبهة بالنسبة الى الطرف الآخر من قبيل الشبهة البدوية التي مرجعها قاعدة الطهارة ولا تجرى قاعدة الطهارة في التالف لكي تقع المعارضة بينهما بناء على جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي وتساقطها فيه من غير فرق بين الصور المذكورة وكون العلم الاجمالي بالنسبة الى الصورة متأخرا عن التلف ولكن تأخره رتبيا والتأخر الرتبي يمنع من تنجز العلم الاجمالي لكونه متأخرا عن تلف أحدهما. وأما الصورة الثالثة وهو ما لو كان التلف بعد العلم الاجمالي بزمان يسع استعمال ذلك فيما هو مشروط بالطهارة فانه لا إشكال ولا ريب في وجوب الاجتناب عن الباقي وقد ذكر الاستاذ (قده) في الكفاية في وجه ذلك. وحاصله ان الوجوب ناشئ من قاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى أنه محل نظر حيث أن العلم الاجمالي علة لوجوب الاجتناب وعليته متوقفة على حصوله ومع زواله يرتفع الوجوب لزوال معلوله مع ان القوم قد التزموا بوجوب الاجتناب عن الطرف الموجود وقد ذكرنا في مسألة الانحلال أنه ليس ذلك من جهة الاشتغال بل من جهة العلم الاجمالي التدريجي المردد بين ثبوت التكليف في الآن الاول في طرفه وبين بقائه في الآنات الباقية لحكم العقل بمثله بالاشتغال بمتعلقه المردد بينهما فيجب الاحتياط في الطرف الآخر.

والحاصل أن العلم بنجاسة الاناء الكبير يوم الجمعة يقابله العلم بنجاسة الاناء الصغير يوم السبت وهذا العلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين الكبير يوم الجمعة والصغير يوم السبت فان العلم الاجمالي بنجاسة احدهما يكون منجزا نظير

٢٤٧

العلم بوجوب صوم احد اليومين الجمعة او السبت وقد التزموا بتنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات فلذا يلزمه الالتزام بذلك في هذا المقام اذ هو من قبيل ذلك.

وبالجملة ان التلف والاضطرار والخروج عن محل الابتلاء كلها على نهج واحد اذ العلم الاجمالي إن كان قبلها او مقارنا لها او متأخرا عنها بنحو لا يسع امتثال متعلق العلم الاجمالي لا يكون العلم الاجمالي منجزا ومؤثرا اذ ليس هو تنجزه على كل تقدير واما لو كان متأخرا تأخرا زمانيا فالعلم الاجمالي يجب رعايته لا لما ذكره الاستاذ في الكفاية من ان وجوب الامتثال ناشئ من قاعدة الاشتغال بل يجب رعايته لكون المورد من موارد العلم الاجمالي بين الافراد التدريجية والعقل يحكم بوجوب رعايته في الطرف الآخر ولو حصل الشك في السقوط فان العقل يحكم ببقاء الاشتغال فان شغل الذمة اليقينية يستدعي الفراغ اليقيني ثم ان الاستاذ (قده) في الكفاية فرق بين الفقدان والاضطرار فقال ما لفظه : (حيث ان فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فاذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك. وهذا بخلاف الاضطرار الى تركه فانه من حدود التكليف به وقيوده)

بيان ذلك هو ان الاضطرار والقدرة والفقدان قد اخذ عدمها في التكليف إلّا انه بنحو يختلف ففي الاضطرار قد اخذ في التكليف باعتبار عدم المزاحمة للمصلحة التي تقتضي الحكم مثلا في شرب النجس مفسدة اوجبت حرمته ما لم تزاحم بمصلحة اهم كحفظ النفس من الهلاك وفي القدرة تعتبر مأخوذة بالنسبة الى تعلق الارادة فتكون راجعة الى ناحية التكليف لا المكلف به كما في الاول ، وفي الفقدان كالاناء المفقود يرجع الى ناحية الاشتغال وبعبارة اخرى الجميع تشترك في اخذ عدمها في التكليف إلّا انها تختلف من جهة اعتباره شرطا ، فشرطية

٢٤٨

الاضطرار ترجع الى شرطية عدم المزاحم للمصلحة الموجبة للحكم ، وشرطية القدرة ترجع الى شرطية عدم المانع من تعلق الارادة ، وشرطية وجود الموضوع ترجع الى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف ، فالاناء المفقود لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الارادة بشربه ، ولكن العلم بكراهته لا يصلح لأن يكون موجبا لاشتغال الذمة فمن ناحية التكليف لا قصور فيه. نعم بالنسبة الى ناحية الاشتغال يرتفع شغل الذمة به عن الفاقد ، فعليه لا محذور في اشتغال الذمة بالطرف الباقى ، ولكن لا يخفى انه لا فرق بين الفقدان والاضطرار من ناحية قاعدة الاشتغال إذ القاعدة كما انها لا توجب تنجز الباقى في الاضطرار كذلك لا توجب تنجزه في الفقدان من غير فرق بينهما من هذه الجهة إذ العلم الاجمالي بعد الفقد غير صالح للمنجزية وان كان قبل الفقدان منجزا فمنجزيته إنما تكون قبله لا مطلقا فلا وجه للتنجيز إلا لما عرفت من كون العلم الاجمالي قائما بين التدريجيين طرفه المفقود والآخر الباقى بعد الفقدان.

وبالجملة لا فرق بين الاضطرار والفقدان من جهة ملاك التنجز فان العلم الاجمالي ليس بمنجز في الباقى بالنسبة الى الافراد الدفعية والاضطرار والفقدان بالنسبة الى الافراد التدريجية العلم الاجمالي منجز للباقى فيهما كما لا يخفى فلا تغفل.

٢٤٩

ملاقى احد اطراف الشبهة

المبحث الثالث في حكم ملاقى أحد أطراف المعلوم بالاجمال كما لو لاقى احد الإناءين المعلوم نجاسة احدهما بالاجمال فهل يحكم بنجاسة الملاقى بالكسر ام لا (١)

__________________

(١) لا يخفى ان محل الكلام فيما لو علم بالتكليف الفعلي الحاصل في الشبهات الحكمية ابتداء او من جهة العلم بالموضوع التام للحكم ، واما لو علم بجزء الموضوع كما لو علم بان أحد الجسدين ميت الانسان وقد مس احدهما قبل ان يغسل فانه خارج عن محل الكلام إذ لا اشكال في عدم وجوب الغسل بمسه إذ وجوب الغسل مرتب على مس ميت الانسان وهو مشكوك التحقق فلا مانع من جريان البراءة لرجوع الشك فيه الى اصل التكليف بخلاف ما لو علم بالموضوع التام يكون الشك في انطباق ما هو معلوم بالاجمال مع العلم باصل التكليف فيكون موردا لقاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المكلف به وهذا مما لا اشكال فيه فيما لو احرز من اي القسمين ، وربما يستشكل في بعض الموارد انه من اي القسمين كما لو علم بغصبية احدى الشجرتين فتجددت ثمرة لاحدهما دون الاخرى فقد يقال بجواز التصرف بالثمرة وعدم ضمانها إذ الموجب للحرمة التكليفية كونه نماء مغصوب وذلك مشكوك التحقق وهو منفي بالبراءة وموضوع الحرمة الوضعية وضع اليد على مال الغير وهو ايضا غير متحقق فلا ضمان.

وبالجملة العلم بالغصبية تترتب عليه الحرمة ومع عدمه لا تترتب الحرمة كما ان الضمان يترتب على العلم بالغصبية مع وضع اليد ومع عدمه لا ضمان ، وقد اجاب

٢٥٠

وقبل بيان المقصود يتوقف على مقدمة وهي ان الحكم بملاقاة النجس تارة يكون بنحو التعبد بنجاسته واخرى بنحو السراية وعلى الثانى اما بمعنى السببية بان تكون بملاقاة النجس سببا لتنجيس ملاقيه واخرى بمعنى الانبساط والاتساع بمعنى ان ملاقيه يكون من شئون وجود النجاسة ومن توابعه بنحو تكون نجاسة الملاقى ـ بالكسر ـ من مراتب وجود نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ وعليه يكون الملاقى ـ بالفتح ـ مع ملاقيه طرفا للعلم الاجمالي بخلاف ما لو كانت الملاقاة على النحو الأول فانه يكون الملاقى ـ بالكسر ـ له وجود مستقل يحصل من حكم الشارع

__________________

المحقق النّائينيّ (قده) اما عن الحكم الوضعي بان العلم الاجمالي بغصبية احدى الشجرتين مع وضع يده عليهما كما يترتب عليه ضمان نفس العين يترتب عليه ضمان منافعهما المتجددة لما هو معلوم من ان نفس وضع اليد على نفس العين المغصوبة كما يوجب ضمانها يوجب ضمان المنافع المتجددة الى الأبد ولذا يجوز للمالك الرجوع الى الغاصب الأول في المنافع المتجددة عند دخولها تحت الايادي المتأخرة ، واما الحكم التكليفي فهو وان لم يكن ملاكه متحققا في الاول إذ لا ثمرة في الغصب إلا ان ملاك حرمة الثمرة قد تحقق باعتبار كون اليد عادية بالاضافة الى نفس العين ومنافعها الموجودة وغير الموجودة بالفعل. ولكن لا يخفى ان ما ذكره محل منع يظهر مما ذكر فان الحكم الوضعي مترتب على وضع اليد على العين المغصوبة وذلك لم يحرز ، ومع عدم احراز ذلك كما لا تضمن المنافع لا تضمن نفس العين إذ لم يعلم بغصبيتها والعلم الاجمالي لا يجعل العين مغصوبة ، واما الحكم التكليفي فلم يتحقق ملاكه إذ لا معنى لثبوت ملاك تحريم المنافع قبل وجودها خارجا فان حرمة التصرف في مال الغير إنما تثبت بعد ثبوت موضوعها في الخارج ومع عدم تحقق موضوعها خارجا لا معنى لتحقق ملاكها.

٢٥١

بالنجاسة فلا يعد الملاقى ـ بالكسر ـ مع الملاقى ـ بالفتح ـ طرفا للعلم الاجمالي فيعد الملاقى ـ بالكسر ـ وجودا مستقلا وقد شك في نجاسته فيكون من الشك البدوي غير المقترن بالعلم الاجمالي فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة وسيأتي

__________________

والذي ينبغي ان يقال ان العينين المعلوم غصبية احدهما تارة تكونان مسبوقتين بملكية الغير لهما كما لو انتقل احدى الشجرتين لشخص ثم غصب الاخرى واشتبهت فحصل لاحدهما نماء دون الاخرى. واخرى لم تكونا كذلك كما لو خرج شخصان للصيد وصاد كل منهما صيدا فغصب احدهما ما اصطاده الآخر ثم اشتبها فحصل لأحدهما نماء دون الآخر فعلى الأول الظاهر انه يحكم بضمان المنافع وحرمة التصرف عملا باستصحاب بقاء الشجرة على ملك مالكها. ودعوى ان استصحاب بقاء الشجرة ذات النماء على ملك مالكها الأصلي معارض باستصحاب بقاء الشجرة الاخرى على ملك مالكها ممنوعة لعدم المعارضة بينهما لعدم لزوم مخالفة عملية وعليه يحكم بحرمة التصرف في كل من الشجرتين وبضمان المنافع المتجددة وعلى الثانى الظاهر انه لا يحكم بضمان المنافع المتجددة لعدم احراز كون النماء ولا العين مملوكتين للغير.

ودعوى استصحاب عدم دخول النماء في ملك من بيده العين لا اثر له في اثبات الضمان لترتبه على وضع اليد على ملك الغير لا على وضعها على غير ملكه واما جواز التصرف فهو مبني على جريان البراءة في الاموال لما ذكرنا في محله ان جريانها لاجل عموم اداتها ولم يرد تخصيص لها سوى ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : (لا يحل مال إلا من حيث احله الله) فان ذلك دال على ان الحلية لا بد وان تكون لسبب وقع الشك في تحققه يحكم بعدمه إلا ان ذلك محل نظر على تفصيل ذكرناه في بحوثنا الفقهية.

٢٥٢

الكلام انها لا معارض لها كما انه كذلك لو كانت الملاقاة على النحو الثاني الذى هو عبارة عن كون النجاسة معلولة للملاقاة حيث انه على هذا النحو يكون الملاقى ـ بالكسر ـ له وجود مستقل ونسبته الى الملاقى ـ بالفتح ـ بنحو العلية فيكون الشك في نجاسته من الشك البدوي فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة.

والظاهر ان المستفاد من اخبار الباب هو السراية بنحو السببية مثل حركة المفتاح الناشئة من حركة اليد فحينئذ تكون الملاقاة سببا لنجاسة ملاقيه وليست تلك النجاسة حكما مجعولا في عرض نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ كما انه ليست السراية بمعنى الانبساط والاتساع كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : (إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شىء) فان الظاهر من المفهوم ان النجاسة سبب لنجاسة الماء القليل على ان كلمات القوم صريحة بذلك. ويؤيد ذلك التزامهم بعدم المعارضة بين اصالة الطهارة في الملاقى ـ بالكسر ـ مع استصحاب الطهارة في الملاقى ـ بالفتح ـ فان ذلك يدل على ان الملاقى بالكسر له وجود مستقل وليس وجوده من مراتب وجود الملاقى ـ بالفتح ـ على ان الارتكاز العرفي في باب النجاسات يقتضي السببية ، فدعوى السراية بمعنى الاتساع او الوجود التعبدي ممنوعة لما عرفت من ان ما ذكرنا هو المرتكز العرفي فلذا يتعين الوجه الثاني كما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) حيث قال لان اصالة الطهارة والحل في الملاقى ـ بالكسر ـ سليمة عن معارضة اصالة الطهارة في المشتبه الآخر بخلاف اصالة الطهارة والحل في الملاقى ـ بالفتح ـ فانها معارضة بها في المشتبه الآخر والسر في ذلك ان الشك في الملاقى ـ بالكسر ـ ناشئ عن الشبهة المقومة بالمشتبهين فالاصل فيها اصل في الشك السببي والأصل فيه اصل في الشك المسببي ... الخ.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه بناء على ما اخترناه من ان نجاسة الملاقى ـ بالكسر ـ لاجل السراية بمعنى السببية لا للاتساع فتكون نجاسة الملاقى

٢٥٣

ـ بالكسر ـ في طول نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ فبناء على الاقتضاء بالنسبة الى الموافقة القطعية فينبغي الاقتصار على خصوص الملاقى بالفتح لمعارضة اصالة الطهارة والحلية للطرف الآخر فتجرى اصالة الطهارة في الملاقى بالكسر من دون معارض اما بناء على المختار من علية العلم الاجمالي للتنجيز فلا مجال للاشكال عليه حيث انه بناء عليه تسقط الاصول الجارية السببية والمسببية فتبقى اصالة الطهارة في الملاقى بالكسر سليمة عن المعارض.

واما بناء على الاقتضاء فقد وقع الكلام في انه هل هناك فرق بين الاقتضاء والعلية ام لا؟ (١) فنقول بناء على الاقتضاء يجب الاجتناب عن الطرفين لتعارض

__________________

(١) لا يخفى ان مسألة الملاقاة لاحد اطراف العلم الاجمالي تارة يحصل بعد العلم الاجمالي مثلا بان نعلم بنجاسة احد الإناءين ثم حصلت الملاقاة واخرى تحصل الملاقاة ثم يحصل العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف الآخر وثالثة تحصل الملاقاة مع عدم العلم بها ثم يحصل العلم بها بعد العلم الاجمالي بنجاسة ما لاقاه او الطرف الآخر اما الأول فالظاهر انه لا يجب الاجتناب عن الملاقى لما عرفت ان المقام مما علم بجزء الموضوع وليس علما بتمام الموضوع فان موضوع النجس هو الملاقاة المعلوم النجاسة والعلم الاجمالي لا يجعل الملاقى بالفتح نجسا وقد عرفت ان مثل ذلك خارج عن محل الكلام لكون الشك في الجزء الآخر يوجب الرجوع الى اصالة الطهارة وان قيل بالاجتناب بناء على السراية لاتحاد نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ مع نجاسة الملاقى بالفتح لكونه من شئونه. ولكن لا يخفى ان القول بالسراية الحقيقية باطل لكون تغير نجاسة الملاقى بالكسر مع نجاسة الملاقى بالفتح امرا واضحا ومع تغايرهما كيف يدعي السراية وان نسب ذلك الشيخ (قدس) استنادا الى رواية الكاهلي عن ابي جعفر عليه‌السلام انه اتاه رجل فقال وقعت فأرة في خابية فيها سمن او زيت فما ترى في اكله؟ فقال ابو جعفر عليه‌السلام : (لا تأكله) فقال

٢٥٤

الاصلين واما بالنسبة الى الملاقى بالكسر فلا يجب الاجتناب عنه لجريان اصالة الطهارة من دون معارض من غير فرق في ذلك بين كون العلمين طوليين او عرضيين

__________________

الرجل الفارة اهون علي من ان اترك طعامي لاجلها فقال له ابو جعفر عليه‌السلام :

(انك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك ان الله حرم الميتة من كل شيء) بتقريب ان السائل لم يرد اكل الفأرة وإنما أراد اكل السمن والزيت الملاقى لها ، فقول الامام عليه‌السلام ان الله حرم الميتة من كل شيء يدل على ان اكل الملاقى للميتة اكل للميتة والاجتناب عنها اجتناب عن ملاقيها ولكن ان هذه الاستفادة محل منع إذ لا يدل على التوسعة الحقيقية وإنما تدل على ان الحرمة الناشئة من نجاسة ملاقيه ملازمة مع حرمة ملاقيه ونجاسته بل دلالتها على المغايرة بين الملاقي والملاقى ظاهرة. اللهم إلا ان يدعى بانه يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر لحصول العلم الاجمالي بين الملاقى بالكسر والطرف الآخر ولذا لو فقد الملاقى بالفتح كان العلم الاجمالي الثاني متحققا إلا إذا حصلت الملاقاة بعد فقده فلا يكون هذا العلم الاجمالي مؤثرا وقد اورد الشيخ (قده) بان هذا العلم الاجمالي وان كان حاصلا إلا انه لا اثر له لسقوط الأصل الجاري في الطرف الآخر قبل حدوث العلم الثاني فلم يكن العلم الثاني محدثا لتكليف آخر غير التكليف الأول ومن شرائط تنجز العلم عدم سبقه بمنجز إذ مع تحققه لا يبقى مجال لحدوث في الطرف الآخر فعليه مع سقوط اصالة الطهارة في الطرف الآخر للمعارضة تجري اصالة الطهارة في الملاقى بالكسر من دون معارض.

واما الصورة الثانية وهي ما لو علم بالملاقاة ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح والطرف الآخر فقد اختار المحقق الخراساني (قده) وجوب الاجتناب نظرا الى ان هذا العلم الاجمالي كما حصل بينهما حصل بين الملاقى بالكسر

٢٥٥

واما بناء على القول بعلية العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية بنحو يمنع من جريان الأصل النافي ولو في بعض الاطراف فحينئذ ينبغي القول بالتفصيل بينما كان العلمان طوليين او عرضيين.

__________________

والطرف الآخر ففي العلم الاجمالي بين الملاقى بالفتح والملاقى بالكسر والطرف فهو نظير ما لو علم بوقوع النجاسة بين احد اناءين صغيرين او اناء آخر كبير من غير فرق بين المقامين إلا ان المقام في ان نجاسة الملاقى بالكسر ناشئة من الملاقى وذلك لا يوجب تغاير النجاستين وقد اورد عليه الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) بان نجاسة الملاقى قد نشأت من نجاسة الملاقى بالفتح ويجرى الاصل فيه لتقدم رتبته وتسقط بالمعارضة ومع تساقط الاصول في الرتبة السابقة فيبقى الاصل الجارى في الملاقى بالكسر بلا معارض.

الصورة الثالثة ما اذا حصلت الملاقاة قبل العلم الاجمالي إلا انه لم يعلم بها إلا بعده فلا اشكال في عدم وجوب الاجتناب فيما إذا كان زمان المعلوم بالاجمال سابقا على زمان الملاقاة واما إذا كان زمان الملاقاة متحدا مع زمان العلم الاجمالي فالظاهر انه يجب الاجتناب عنه وان قيل بعدم الوجوب نظرا الى ان العلم الاجمالي لسبقه زمانا موجب لجريان الأصلين ويتساقطان فيجري الأصل في الملاقى بالكسر بلا معارض ولكن لا يخفى ان العلم الاجمالي وان كان حدوثا متعلقا بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف الآخر إلا انه ينقلب الى العلم بنجاسة الملاقى مع ملاقيه او الطرف وقد عرفت ان الاعتبار بتساقط الاصول ببقاء العلم الاجمالي لا بحدوثه.

ثم ان صاحب الكفاية ذكر موردين وقال بوجوب الاجتناب فيهما

٢٥٦

بيان ذلك أن العلم الاجمالي في النجاسة بين شيئين تارة يكون حاصلا بينهما واخرى

__________________

الاول ما اذا علم بالملاقاة ثم علم اجمالا بنجاسة الملاقى بالفتح ـ او الطرف الآخر ولكن كان الملاقى حين حدوث العلم خارجا عن محل الابتلاء فتقع المعارضة بين الاصل الجاري في الملاقى ـ بالكسر ـ والجاري في الطرف الآخر واما الملاقى ـ بالفتح ـ لا يجري فيه الاصل لخروجه عن محل الابتلاء ومع التساقط يجب الاجتناب بحكم العقل وبعد رجوعه الى محل الابتلاء يجري فيه الاصل بلا معارض فيكون حاله حال الملاقي في المسألة السابقة من جهة ان الشك فيه شك في حدوث حكم جديد يرجع فيه الى الاصل ، الثاني لو علم اجمالا ابتداء بنجاسة الملاقى ـ بالكسر ـ وشىء آخر ثم حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ او ذلك الشيء من سابق ولكن لا يخفى اما عن الاول فلأن الخروج عن محل الابتلاء لا يمنع عن جريان الاصل إذا فرض له اثر فعلي كما لو غسل الثوب المتنجس بماء غافلا عن نجاسته ثم انعدم الماء فشك في طهارته فهل يشك احد في جريان اصالة الطهارة لترتب طهارة الثوب المغسول به واما عن الثاني فانما يتم لو كان حدوث العلم الاجمالي كافيا في تنجيز الواقع بقاء ولو مع انحلاله. واما على ما هو المختار من ان التنجيز يدور مدار حدوث العلم وبقائه فالعلم الحادث انحل بالعلم الثاني فيكون حال الملاقي فيما لو علم في يوم السبت نجاسة الاناء الكبير او الثوب وفي يوم الاحد علم بنجاسة اما الاناء الكبير او الصغير في يوم الجمعة كحال غيره في وجوب الاجتناب فان الثوب بالنسبة الى حاله في يوم السبت انه احد اطراف العلم الاجمالي وهو محكوم بالاجتناب إلا انه يوم الاحد انحل العلم الاجمالي الاول المتعلق بالثوب والاناء الكبير الى العلم الاجمالي المتعلق باحد الإناءين فلما انحل يكون الشك في الثوب شكا في حدوث نجاسة اخرى زائدا على المعلوم بالاجمال فعليه لا مانع من جريان الاصل بعد خروجه عن طرفية العلم الاجمالي بقاء كما لا يخفى.

٢٥٧

يكون حاصلا بين الثالث الملاقي لاحدهما وبين طرف الملاقى فعلى الاول تكون نجاسة الملاقي ناشئة من نجاسة الملاقى ومسببة عنه فتارة يكون العلم بالملاقاة بعد العلم بنجاسة أحد الشيئين واخرى يكون قبله وعلى الاول فالعلم الاجمالي يختص تأثيره بالطرفين لسبقه فلا يكون له أثر للعلم الاجمالي المتأخر رتبة إذ يعتبر في تنجيزه أن لا يكون مسبوقا بمنجز آخر ومع سبقه بالمنجزية كما هو كذلك بالنسبة الى الطرف غير الملاقي الذي هو طرف للعلم الاجمالي المتأخر وعليه لا أثر للعلم الاجمالي الثاني الذي هو في طول ذلك العلم الاجمالي الاول الذي هو بين نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ ونجاسة الطرف الآخر ، فاذا لم يكن له أثر فتكون نجاسة الملاقى بالنسبة اليه من الشك البدوي الذي مرجعه أصالة الطهارة. واما اذا كان على النحو الثاني بأن كان العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف فيلزم حينئذ الاجتناب عن خصوص الملاقى ـ بالكسر ـ والمشتبه الآخر دون الملاقى ـ بالفتح ـ إذ العلم بنجاسة الملاقى أو الطرف مؤثر لسبقه ومع تحققه لا يبقى مجال لتأثير العلم المتأخر الذي هو بين الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر كي يجب الاجتناب عن الملاقى. ودعوى أنه كيف يكون الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى مع ان التكليف مسبب عن التكليف بالملاقى مدفوعة بان نفس تبعية أحد الحكمين للآخر بحسب الثبوت لا يقتضي التبعية في التنجيز إذ تنجز كل تكليف لا بد من تنجزه في حال قيام الطريق ولا يكفي مجرد العلم بأحد الحكمين في تنجز الحكم الآخر لو لم يكن طرفا له إذ العلم الاجمالي الحاصل بين الملاقي والطرف الآخر كان منجزا للتكليف في الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى بالفتح لسقوطه عن قابلية التأثير لاجل تأثير العلم السابق وبالجملة بناء على القول بالاقتضاء تكون الاصول متعارضة فتسقط لاجل المعارضة فيجرى الاصل المسببي في الملاقي ـ بالكسر ـ بلا

٢٥٨

معارض لسقوط أصالة الطهارة الجارية في طرفه في المرتبة السابقة لمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في السبب وهو الملاقى بالفتح.

واما بناء على علية العلم الاجمالي بنحو لا يجري الأصل ولو بلا معارض فحينئذ يحتاج الحكم بطهارة الملاقي الى دعوى انحلال علمه بالعلم بالتكليف بين الملاقى بالكسر والطرف ولكن لا يخفى أن العلم بالتكليف بين الملاقي بالكسر والطرف الآخر لما كان في مرتبة سابقة فيكون منجزا فاذا كان منجزا لا يبقى مجال لتأثير العلم اللاحق الحاصل بين الملاقى بالفتح والطرف الآخر فحينئذ ينحل العلم المتأخر فاذا انحل يكون الشك بالنسبة للملاقى بالفتح من الشك البدوي الجارية فيه اصالة الطهارة ولا يخفى أن ما ذكرناه من انحلال العلم المتأخر بالعلم الاجمالي السابق المفروض تنجزه سابقا لا ينافي تأخر المعلوم بالعلم الاجمالي السابق على المعلوم بالاجمال اللاحق ، إذ التنجز من توابع نفس العلم لا المعلوم. فمن هنا تندفع الشبهة بان العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر وان كان سابقا في الرتبة على العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ إلّا ان المعلوم بالاجمال وفي العلم اللاحق مقدما في الرتبة على المعلوم بالاجمال في العلم السابق فهذا التقدم يوجب انحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم الاجمالي اللاحق لا العكس ، فاذا انحل العلم الاجمالى السابق فترجع الشبهة بالنسبة الى الملاقي بالكسر شبهة بدوية فتجرى فيه أصالة البراءة بلا معارض ولكنك قد عرفت أن التنجز من توابع العلم والمعلوم وتنجز التكليف يتبع العلم ولا يعقل تنجز العلم من حين وجوده في تنجز معلومه في المرتبة السابقة عن وجوده فلا معنى لتوهم انحلال العلم السابق بالتكليف بين الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر بالعلم اللاحق بالتكليف بين الملاقى والطرف لأجل سبق معلومه رتبة على المعلوم بالعلم السابق. هذا كله فيما اذا كانت الطولية بين العلمين. واما لو كان العلمان في عرض واحد فمقتضى ذلك تقارنهما فمع التقارن يلزم الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا والطرف الآخر

٢٥٩

لرجوع العلمين الى علم واحد يتعلق بتكليف مردد بين تكليف متعلق بطرف واحد وتكليفين يتعلقان بطرفين الذين هما الملاقى ـ بالكسر ـ والملاقى ـ بالفتح ـ ومقتضى ذلك وجوب الاجتناب عن الجميع. هذا كله لو قلنا بان نجاسة الملاقي في طول نجاسة الملاقى بنحو التعبد او بنحو السراية بمعنى السببية واما اذا قلنا بالسراية بنحو الانبساط والاتساع (١) بمعنى كون نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ

__________________

(١) لا يخفى ان الاتساع بجميع صوره لا ينطبق على ما نحن فيه. اما الاتساع الحقيقي كما لو غصبت الشجرة الصغيرة ثم زادت فان الزائد تابع للاصل فيكون مغصوبا كاصله مغصوبا اذ النجاسة لم تتسع بسبب الملاقاة اتساعا حقيقيا لكي يكون المقام من الاتساع الحقيقي كما أنه ليس من الاتساع الموضوعي كما في مثل بنت الربيبة بالنسبة الى زوجها فان حرمة بنت بنتها على الزوج انما هو بنفس العنوان الاول حيث أن موضوع الحرمة الربيبة الذي هو البنت وان نزلت وهذا العنوان صادق على بنت البنت والمقام ليس منه إذ لم يتولد من النجاسة شيء لكي يلحق بما يتولد عنه في حكمه كما انه ليس من القسم الثالث الذي هو عبارة عن ان يتسع الاصل باعتبار لحاق حكم فرعه به اذ لازم ذلك اثبات حكمين يلحق احدهما بالآخر وهما نجاسة الاصل ونجاسة ملاقيه وواضح ان المقام ليس من قبيل ذلك فعليه الاتساع بجميع معانيه لا ينطبق على السراية والظاهر ان ملاقاة النجاسة لم تكن من قبيل السراية بمعنى الاتساع نعم هي بمعنى السببية والظاهر انه ليس من قبيل الموضوع الجديد ليكون من باب التعبد. ودعوى أنه يستفاد ذلك من أدلة تنجيس الملاقاة ممنوعة ، إذ المستفاد من أدلة التنجيس هو السراية بمعنى السببية.

فعليه مقتضى القاعدة جريان قاعدة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ من دون فرق في ذلك بين تقدم الملاقاة على العلم الاجمالي وتأخرها عنه.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان القول بالاحتياط مبني على احد امرين الاول

٢٦٠