منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

المعصية بخلاف الاذن في ارتكاب بعض الاطراف ليس ترخيصا في مقطوع المعصية ولا يمنع العقل الاذن في ذلك لعدم تعلقه بما هو المعلوم الاجمالي إذ لم يتعلق العلم بخصوصية كل واحد من الاطراف فخصوصية كل من الأطراف مشكوكة وحينئذ يكون من موارد جريان الاصول ولا ينافي حكم العقل باشتغال الذمة ووجوب الامتثال إذ حكمه بذلك معلق على عدم الردع ومع تحقق الردع لا موضوع لحكمه ممنوعة ، لما عرفت منا سابقا انه لا يصح الترخيص في كل طرف من جهة احتمال انطباق المعلوم المنجز عليه على كل فرد لرجوعه الى الترخيص في محتمل المعصية ، وما ذكر من الفرق إنما يتم لو كان لقصور في شمول ادلة الترخيص لاطراف العلم الاجمالي إذ يصح حينئذ الفرق بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في كل طرف من اطراف العلم الاجمالي وربما يؤيد الفرق بان المقام من قبيل مقام الانحلال وجعل البدل إذ رجوعهما الى كون العلم الاجمالي بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية مقتض ، إذ جواز الترخيص بجعل البدل او الانحلال يوجب ان يكون العلم الاجمالي مقتضيا ، إذ لا معنى لجعل البدل او الانحلال مع كون العلم الاجمالي علة تامة لكون عليته تنافي جعل البدل او الانحلال ، ولكن لا يخفى انه فرق بين المقامين ، فان المقام كونه علة في مقام الفراغ بعد ثبوت اصل الاشتغال في التكليف بالعلم الاجمالي فليس فيه قصور في مقام المنجزية من جهة العلم ولا من جهة المعلوم في كونه قابلا للتنجز بخلاف مقام الانحلال وجعل البدل فانهما في مقام اصل الاشتغال ، اما الانحلال فمرجعه الى جواز الرجوع الى الأصل النافي الموجب لخروج العلم الاجمالي عن المؤثرية إذ قيام منجز يخرجه عن قابلية التنجيز فيما قام عليه المنجز فيكون موجبا لرفع تنجز التكليف. وبالجملة الانحلال عبارة عن التصرف في اصل الاشتغال ، واما جعل البدل الذي هو عبارة عن الاكتفاء بالأخذ بالبدل وإن

٢٢١

كان ذلك في مقام الفراغ إلا انه موجب لتعيين ما اشتغلت الذمة به في موضوع الفراغ فليس عبارة عن الاكتفاء بالشك بالفراغ لكي يكون مثل المقام وهذا هو الذي صار منشأ لجعل المقام من قبيل جعل البدل. كموارد قيام الامارة على تعيين المعلوم بالاجمال في احد الطرفين بالخصوص فلذا يكون الاتيان بذلك موجبا لفراغ الذمة عما اشتغلت به. فحينئذ يكون في المقام قد تصرف الشارع في مرحلة الفراغ بجعل بعض الأطراف بدلا جعليا لما هو المفرغ ولكن لا يخفى ان المقايسة في غير محلها إذ المقصود منه كونه علة لوجوب تحصيل مطلق ما يوجب معه الخروج عن عهدة التكليف من غير فرق بين كون المفرغ حقيقيا او جعليا لعدم خصوصية ذلك بنظر العقل وذلك لا ينافي علية العلم الاجمالي.

وبالجملة ان جعل البدل بمعنى جعل احد الطرفين بدلا عما اشتغلت ذمته بالاجتناب لا ينافي القول بالعلية لرجوعه الى مقام الفراغ بان يكون مفرغا جعليا وهو يتحقق بعد العلم بالاشتغال فمرحلة الاشتغال اجنبية عن مرحلة الفراغ فلا يكون جعل البدل موجبا لكون العلم الاجمالي مقتضيا بل يتحقق ولو كان بنحو العلية لكون العلم الاجمالي موجبا لتنجز التكليف ويجب الخروج عن عهدته من غير فرق بين أن يكون المفرغ حقيقيا او جعليا إذ لا خصوصية له بنظر العقل بان يكون المفرغ حقيقيا بل يكتفى فيه بان يكون بحكم الشارع مفرغا جعليا ، إلا انه يحتاج جعل البدل الى دليل ولا دليل عليه إلا نفس أدلة الاصول وحيث أن جريانها في الطرفين موجب لتساقطها وجريانها في أحد الطرفين مناف لعلية العلم الاجمالي إلا أن يقال بان الأصل النافي الجاري في بعض الاطراف إذا كان بلا معارض موجبا لكون الطرف الآخر بدلا ومصداقا للمعلوم بالاجمال ولازم ذلك كونها من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبذلك يفرق عن قيام الامارة على أحد الأطراف فانه يوجب انحلال العلم الاجمالي حيث انه يدل على تعيين

٢٢٢

المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر الموجب لأن يكون مصداقا جعليا بالدلالة الالتزامية.

ومن ذلك يظهر ان الاصل الجارى بلا معارض لا يقاس على الامارة فان الامارة بدلالتها الالتزامية توجب انحلال العلم الاجمالي بخلاف الأصل الجاري بلا معارض فانه لا يوجب تعيين المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر حيث انه ليس فيه دلالة التزامية على اثبات ذلك.

فتحصل مما ذكرنا ان العلم الاجمالي هو علة تامة كالعلم التفصيلي وجعل البدل لا ينافي عليته لو قام دليل على الجعل فلا تجري الاصول في أطرافه حتى الأصل الجاري بلا معارض. نعم على القول بالاقتضاء جاز الرجوع الى الأصل النافي في بعض الأطراف إذا كان بلا معارض كما لو فرض العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين وكان أحدهما متيقن الطهارة سابقا فان جريان اصالة الطهارة في طرف يعارض اصالة الطهارة في متيقن الطهارة فيتساقطان فيرجع الى قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها لعدم المعارض لها بعد سقوط جريان اصالة الطهارة في الطرف الآخر مع الاستصحاب الحاكم وذلك يوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة في الجارى فيه الاستصحاب مع انه قد تسالم الأصحاب على عدم جريانها ودعوى ان الالتزام بالطهارة في الفرض إنما هو لسقوط اصالة الطهارة بمعارضتها مع اصالة الطهارة الجارية في الاناء الآخر إذ مقتضى العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين موجب لتعارض القاعدة مع الاستصحاب والقاعدة فتسقط الاصول لكونها بالنسبة الى العلم الاجمالي في عرض واحد ممنوعة إذ لم يكن الاستصحاب مع القاعدة في مرتبة واحدة. فعليه الاستصحاب في هذا الطرف يعارض قاعدة الطهارة في الطرف الآخر وبعد التساقط تبقى قاعدة الطهارة بالنسبة اليه بلا معارض لسقوط الاصل الحاكم الذي هو الاستصحاب لمعارضته لقاعدة الطهارة في الطرف الآخر كما هو

٢٢٣

كذلك بالنسبة الى متمم الكر فانه بعد تعارض الاستصحابين الموضوعيين وتساقطهما يرجع الى قاعدة الطهارة ودعوى ان المجعول انما هو شىء واحد فلا يكون في البين إلا طهارة واحدة وحينئذ تقع المعارضة بين الاستصحاب والقاعدة الجاريين في طرف وبين نفس القاعدة في الطرف الآخر ممنوعة بان المجعول في قاعدة الطهارة في طول المجعول في الاستصحاب ولا مانع من تحققها في موضوع واحد لعدم لزوم اللغوية في الجعل مع تحقق الطولية بينهما وحينئذ مع سقوط الاستصحاب لمعارضته لقاعدة الطهارة في الطرف الآخر تجري اصالة الطهارة في مستصحب الطهارة كما هو شأن كل اصل محكوم مع سقوط الاصل الحاكم كالاصل الجاري في المسبب بعد سقوط الأصل الجاري في السبب وليس ذلك إلا لاجل الطولية بين الجعلين.

فظهر مما ذكرنا انه ليس المانع من جريان الأصل النافي الجاري في احد الأطراف ليس إلا لكون العلم الاجمالي علة تامة لا مقتضيا ، وكونه علة تامة لما عرفت من ان العقل حاكم بارتكاب احد الأطراف يوجب الوقوع في محتمل المعصية مع عدم تحقق المؤمن وهو كالوقوع في مقطوع المعصية وحكمه بذلك تنجيزي لا تعليقى وفاقا للشيخ الانصاري (قده) فانه صرح في الشبهة الوجوبية ان العلم الاجمالي كالتفصيلي علة تامة في تنجيز التكليف بالمعلوم ... الخ.

وقال في مقام آخر ان اصالة الحلية غير جارية في المقام بعد فرض كون المحرم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه منجزا عليه على ما هو مقتضى الخطابات بالاجتناب عنه لان العقل في الاشتغال اليقيني ترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام ... الخ. نعم ربما يستفاد من بعض كلماته كونه مقتضيا حيث ادعى تعارض الاصول في اطراف

٢٢٤

العلم الاجمالي وذلك يوجب كون المانع من جريانها في اطراف العلم الاجمالي هو التعارض لا كونه علة تامة بل يناسب القول بكونه مقتضيا بالنسبة الى الموافقة القطعية إذ دعوى العلية يوجب عدم جريان الأصل النافي ولو لم تكن هناك معارضة ولاجل ذلك ينسب الى الشيخ (قده) التفصيل بين المخالفة القطعية وبين الموافقة القطعية بالعلية في الاولى دون الثانية ، ولكن لا يخفى ان هذه النسبة غير صحيحة لما عرفت من تصريحه بالعلية في غير موضع فلا بد من حمل كلامه (قدس‌سره) على ان المعارضة جهة اخرى لعدم جريان الأصل.

وبالجملة تعارض الاصول وتساقطها ليس من لوازم القول باقتضاء العلم الاجمالى للتنجيز بل الذي هو من لوازم الاقتضاء هو جريان الأصل النافي بلا معارض كما انه من لوازم ذلك هو الالتزام بالتخيير بين الاصول النافية المشتملة على الترخيص على خلاف الواقع لتقييد اطراف دليل الترخيص الجاري في كل من الطرفين بحال عدم ارتكاب الآخر ولا يحتاج الى التساقط ولكن القول بذلك مما لم يقل به احد لما عرفت من ان بناء الأصحاب على عدم جريان الاصول النافية في اطراف العلم الاجمالي وبذلك يندفع ما ذكر من الالتزام بالتخيير لا لما ادعاه بعض الأعاظم من ان التخيير مع عدم قيام الدليل عليه بالخصوص لا بد وان يكون اما من جهة اقتضاء نفس الدليل الدال على الحكم كما لو قال اكرم العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو إلا انه يشك بان التخصيص كان بنحو المعية او بنحو الاطلاق فمرجع الشك الى مقدار التخصيص بمعنى انه يشك في التخصيص بنحو الافرادي او الاحوالي.

واما من جهة اقتضاء نفس المدلول كما في صورة تزاحم الواجبين مع ان كل واحد من الجهتين مفقود في المقام إذ يحتاج الى دليل يدل عليه مع انه لا دليل على احدى الجهتين لا من جهة الدليل اي الجعل ولا من جهة المدلول اي المجعول

٢٢٥

إذ ما ذكر محل نظر لامكان دعوى وجود الجهتين في المقام اما الجهة الأولى فيمكن دعوى ان مقتضى عموم دليل الأصل الجاري في كل واحد من الأطراف كان بنحو العينية مطلقا اي سواء عارضه اصل ام لا وحيث انه لا يمكن الالتزام بالاطلاق بنحو العينية لذا يلزم تقييد كل في ظرف ترك الآخر وذلك هو معنى التخيير.

واما الجهة الثانية فيمكن لنا الالتزام به في المقام بتقريب انه كما لا يمكن الأخذ باطلاق التكليفين لكونه من التكليف بما لا يطاق في المتزاحمين لذلك لا يمكن الاخذ بجريان الاصلين في الطرفين لكون العقل مانعا من جريان الأصل في كل من الطرفين.

والحاصل ان دعوى التخيير في المقام لاجل تحقق الجهتين فلا محذور فيه بدعوى الالتزام بالتقييد الحالي في اطلاق دليل الحلية لكل من الطرفين. واما لحكم العقل بمنع جريان الحلية في كل من الطرفين. وبالجملة ذلك لا يكون مانعا من الالتزام بالتخيير عند تعارض الاصول. نعم بناء الاصحاب على عدم التخيير بل عدم جريان الأصل ولو كان بلا معارض وليس إلا ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي علة في التنجز فيحكم العقل بمنع ارتكاب أحد الأطراف كمنعه بارتكاب الجميع إذ ارتكاب ما هو محتمل المعصية من دون حصول مؤمن فهو كارتكاب مقطوع المعصية فلذا قلنا ان العلم الاجمالي علة للتنجز بالنسبة الى الموافقة القطعية كالمخالفة القطعية فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية من غير فرق بينما تكون الاطراف موجودة بنحو الفعلية كما لو علمت بنجاسة أحد الإناءين او الموجودة بنحو التدريج كما لو كانت المرأة المضطربة تعلم انها تحيض في الشهر ثلاثة أيام فانه يجب الاجتناب عن جميع الاطراف بمقتضى تنجز العلم الاجمالي بالتكليف فيجب عليها الاجتناب عن قراءة العزائم ودخول المساجد ولا يجوز

٢٢٦

لزوجها وطؤها في تمام الشهر مع استمرار الدم لما عرفت من جريان الأدلة المتقدمة الجارية في المقام من غير فرق بين ان يكون الزمان أخذ بنحو الظرفية كما انه يجب على التاجر الذي يعلم بابتلائه في يومه او شهره بالمعاملة الربوية الامساك عما لا يعلم حكمه من المعاملات في تمام اليوم او الشهر او يكون الزمان مأخوذا على نحو القيدية للمكلف كما لو حلف على ترك الوطء في ليلة خاصة واشتبهت بين ليلتين او ازيد وكالمثال المتقدم في الحيض فانه يجب مراعاة العلم الاجمالي في جميع الصور حتى فيما إذا كان الزمان اخذ على نحو القيدية فانه بناء على ما اخترناه من امكان الواجب المعلق وارجاع الواجب المشروط اليه فان التكليف يكون بالنسبة الى هذه الصورة تكليفا فعليا لانه تكليف بالواجب فيكون فعليا بالنسبة للامر الاستقبالي وبمقتضى العلم الاجمالي الاحتياط بترك الوطء في كل من الليلتين ويلزم حفظ القدرة فعلا بالنسبة للطرف الآخر لاقتضاء فعلية الخطاب لايجاد الارادة الغيرية نحو المقدمات المفوتة. واما بناء على محالية واجب المعلق وارجاع ذلك الى المشروط بدعوى عدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف المأمور به فلا يكون بالنسبة الى الليلة المتأخرة فعليا لخروجها عن القدرة فلا مانع من جريان الأصل النافي. نعم تحتاج دعوى المنع من استقلال العقل في ظرف العلم بتحقق الغرض للزوم حفظ القدرة على تحصيله ، وهكذا لو كان الزمان له دخل في الملاك والخطاب فانه يجب حفظ القدرة بالنسبة الى الطرف الآخر لاستقلال العقل بقبح الاقدام على ما يوجب ترك مطلوب المولى لا لاجل فعلية التكليف وحينئذ لا يبقى مجال لجريان الاصول النافية.

وبالجملة الاحتياط باستقلال العقل بمنع الاتيان بالنسبة الى الطرف الآخر فيما لو ارجعنا الواجب المعلق الى المشروط لعدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف الفاعلية الذي هو ظرف المأمور به. واما لو قلنا بامكان الواجب المعلق كما

٢٢٧

هو المختار فمقتضاه فعلية الوجوب وان كان الواجب استقباليا ، فلو تعلق العلم الاجمالي به فانه يوجب تنجزه وتدريجية الطرف الآخر لا ترتفع فعليته فلذا نقول بمنجزية العلم الاجمالي (١) في الافراد التدريجية كمنجزيته في الافراد

__________________

(١) لا يخفى انه وقع الكلام في تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات على قولين ومحل الكلام إنما هو في تدريجية الاطراف مستندة الى تقييد أحد الأطراف بزمان او زماني متأخر لا بمعنى استنادها الى اختيار المكلف مع تمكنه من الجميع كما لو علم غصبية أحد الثوبين وكان متمكنا من لبسهما فانه لا إشكال ولا ريب ان العلم بالتكليف الفعلي مع تمكن المكلف من موافقته ومخالفته القطعيتين فانه يوجب تنجزه من غير ريب وشبهة ، كما انه ليس المراد من التدريجية المستندة الى عدم تمكن المكلف من الجمع بين الأطراف إلا انه يتمكن من ارتكاب كل منها بالفعل كما لو علم بوجوب صلاة الظهر او الجمعة فان المكلف لم يتمكن من جمعها إلا انه يتمكن من اتيان أحدهما فانه لا إشكال في تنجز العلم الاجمالي.

وبعد معرفة ذلك فاعلم ان التدريجية المذكورة تارة تكون فعلية على كل تقدير واخرى تكون فعلية على تقدير دون تقدير.

اما الاول فلا ريب في تنجز العلم الاجمالي كما لو علم اجمالا بتعلق النذر بقراءة سورة خاصة في هذا اليوم او غد فانه بناء على امكان الواجب المعلق يكون الوجوب بالنذر فعليا متعلقا بقراءة هذا اليوم او غد فانه لا اشكال في تنجز التكليف لوجود مناطه وهو فعلية التكليف.

واما فيما لو كان فعليا على تقدير دون تقدير كما لو علم بوجوب مردد بين كونه فعليا بالفعل وكونه فعليا فيما بعد كما لو تردد أمر بين كون وجوبه مطلقا

٢٢٨

العرضية من دون فرق بينهما لكون الوجوب في كل منهما فعليا فان العلم الاجمالي بوجود التكليف في الحال او الاستقبال في التدريجيات عند العقل والعقلاء يكون

__________________

او مشروطا بشرط قيل يجوز الرجوع الى الأصل في كل من الطرفين مطلقا نظرا الى ان تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على كونه متعلقا بالتكليف الفعلي وحيث ان المفروض في المقام قد تردد فيه التكليف بين كونه فعليا وكونه مشروطا بشرط غير حاصل فلا يحصل العلم بالتكليف الفعلي فلا يتنجز العلم فيه ومن هنا جاز الرجوع الى الأصل في الطرف فعلا كما انه ليس له مانع من الرجوع في الطرف الآخر وقيل بالتفصيل بينما اذا كان الملاك تاما من الأول فلا يجري فيه الأصل وبينما إذا لم يكن تاما فيجري فيه الأصل نظرا الى انه بتمامية الملاك يكون الترخيص الحاصل من الاصول تفويتا للملاك فلا يصح الترخيص بخلاف ما إذا لم يتم الملاك ولذا فصل الشيخ الانصاري (قده) بين مسألة العلم بالنذر المردد تعلقه بامر حالي او استقبالي وبين علم المرأة بالحيض المردد في ايام الشهر فقال بالمثال الاول بتنجيز العلم الاجمالي بخلاف المثال الثاني فانه لم يقل بتنجيزه بل قال باستصحاب عدم تحقق الحيض إلا انه استشكل من جريانه حيث ان المرأة بعد تحقق الآن الاول من الايام الثلاثة الباقية يحصل لها اليقين بحيض وطهر سابقين على هذا الآن قطعا وبما ان تاريخ كل منهما مجهول فلا يجري فيهما الاستصحاب للمعارضة على مبناه او لوجه آخر حسب ما ذكره المحقق الخراساني وكيف كان فلا مجال للاستصحاب فلذا يرجع الى البراءة. والحق هو ما ذهب اليه الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) في تنجيز العلم الاجمالي في هذا المقام مطلقا اما فيما تم فيه الملاك فعلا فواضح تنجزه واما فيما لم يتم فلما حقق في محله من استقلال العقل بقبح تفويت الملاك الملزم التام في ظرفه بتعجيز النفس قبل مجيء

٢٢٩

منجزا ويلزمون ترتيب الآثار عليه وليس ذلك إلا كون التكليف فعليا في الطرفين فلو لم يكن التكليف فعليا في الطرفين في الحال لكن نفس العلم بتكليف فعلي في الحال او التكليف الفعلي في الاستقبال منجز ومؤثر فيلزم بحكم العقل ترتيب الآثار عليه والذي يدل على ذلك ان القوم يلتزمون بحفظ المقدمات المفوتة قبل الوقت مع انه لا يكون التكليف بذيها في الحال فعليا فما نحن فيه أولى بلزوم الاحتياط إذ التكليف على احتمال وتقدير فعلي في الحال لوجود المناط في المقامين بنظر العقل الذي هو الغرض المعلوم للمولى من عدم جواز تفويته بل لا بد من حفظه والاتيان بمقدماته كما انه لا فرق في كون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا كما لو علم بنجاسة أحد الإناءين او كان عنوانا مرددا بين عنوانين مختلفي الحقيقة كما لو علم بنجاسة الاناء او غصبية اناء آخر فان العلم الاجمالي فعلي ومنجز في المقامين خلافا لصاحب الحدائق (قده) حيث اشترط في تنجيز العلم الاجمالي ان يكون عنوانا معينا غير مردد نظرا إلى ان التردد بين العنوانين لا يوجب العلم بتحقق الخطاب. نعم يكون مفهوم الخطاب متعلقا للعلم الاجمالي وهو غير صالح للتنجيز. ولكن لا يخفى ان ذلك محل نظر إذ المفهوم هو المتعلق للالزام المولوى وذلك يوجب تنجيز الواقع المعلوم إذ هو موضوع لحكم العقل بوجوب احراز متعلق الأمر المردد بين شيئين بنحو لو انكشف ذلك المجهول لانطبق عليه المعلوم بالاجمال وذلك يوجب تنجيزه. ودعوى ان

__________________

وقته فان العقل حاكم بقبح ذلك من غير فرق في قبح التفويت بين كونه مستندا الى العبد أو الى المولى فان ترخيص المولى في ارتكاب الطرف المبتلي به فعلا وترخيصه في ارتكاب الطرف الآخر ترخيص في تفويت الملاك الملزم التام وهو كالترخيص في مخالفة التكليف الفعلي وعصيانه كما لا يخفى.

٢٣٠

العلم الاجمالي لا أثر له لكون احد أطرافه الغصب وهو شرط علمي لا شرط واقعي فلو تردد الأمر بين كون الشيء غصبا او نجسا لا يجب الاجتناب عنه للشك في غصبيته ولذا قيل بصحة الوضوء مع الشك في الغصبية فبالنسبة الى النجاسة يكون من الشك البدوى ولذا لا يكون مثل هذا العلم الاجمالي منجزا لعدم احراز تكليف بالاجتناب حيث انه ان كان مغصوبا فلا يجب الاجتناب عنه لكون موضوعه العلم بالغصبية وبالنسبة الى النجاسة يكون من الشك البدوي فلا يكون التكليف منجزا. ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على اخذ العلم في موضوع الغصب وذلك محل منع لعدم اخذ العلم في موضوعه ، إذ الجهل بالغصب عذر وحينئذ لا قصور في تنجز التكليف المعلوم بالعلم بالالزام المولوي بترك احد الامرين اما الغصب أو النجاسة بمعنى انه قد توجه الى المكلف احد الخطابين اما خطاب لا تغصب أو خطاب لا تشرب النجس وحيث علم بتوجه أحد الخطابين يحكم العقل بتركهما تحصيلا للموافقة القطعية فان العقل يحكم بوجوبها كما يحكم بحرمة المخالفة القطعية.

شرائط تنجيز العلم الاجمالى

المبحث الثاني : فيما يعتبر في تنجز العلم الاجمالي وهو امور :

الاول : ان لا يكون كثير الاطراف بنحو يضعف تحقق انطباق المعلوم بالاجمال بمعنى ان كثرة الاطراف يوجب ضعف الاحتمال في كل فرد كما لو علمنا بوجود شاة محرمة الأكل في ضمن عشرة آلاف فيجوز للمكلف أخذ كل فرد وان كان يحتمل ان يكون هو المحرم إلا انه ضعيف لا يعبأ به بنحو يحصل له الاطمئنان بان المحرم في ضمن سائر الافراد فلذا لا يصلح ان يكون المعلوم

٢٣١

بالاجمال محركا كما هو محرك لو كان قليل الاطراف المسمى بالشبهة المحصورة إذ قلة الافراد يوجب ان يكون احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل فرد قويا بخلاف ما اذا كان كثير الاطراف فانه يكون احتمال الانطباق ضعيفا فلا يصلح للمحركية نظير ما هو في العرفيات فان من سب احد ثلاثة اشخاص فان كل واحد من الثلاثة يتأثر بخلاف ما إذا سب واحدا من أهل البلد فان كل واحد منهم لا يتأثر وهو المسمى بالشبهة غير المحصورة ، وذلك لبناء العقلاء على الغاء الاحتمال في كل واحد من الاطراف (١) وتعيينه في غيره على نحو (البدلية) وبذلك يصير ضابطا للشبهة غير المحصورة.

__________________

(١) وما ذكره (قده) يرجع الى ما ذكره الشيخ الانصارى من ان كثرة الوقائع المحتملة تبلغ الى مرتبة لا يعتنى بالعلم الاجمالي بنحو لا يكون قابلا لبعث المكلف على الاجتناب بنحو يضعف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل فرد فلا يكون هذا العلم علما حقيقيا يقبل التنجيز إلا انه اراد الاستاذ (قده) بان يترك واحدا الذي هو بمقدار المعلوم بالاجمال بنحو يكون بدلا ولا يخفى ان هذه الزيادة محل نظر إذ ان بناء العقلاء لم يكن مقتضيا لابقاء الواحد بل ينبغي ان يبقى ما يوجب خروج الاحتمال عن الضعف فيلزمه الاجتناب حينئذ عن الباقى على ان ما ذكره الشيخ وتابعة الاستاذ إنما يتم إذا ثبت مثل هذا البناء عند العقلاء وثبوته محل اشكال ، كما ان ما ذهب اليه المحقق النّائينيّ (قده) بان الضابط للشبهة غير المحصورة هو ما اذا لم يتمكن من المخالفة القطعية عادة لكثرة اطراف العلم الاجمالي وان امكنت الموافقة القطعية بتقريب ان تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة يوجب الوقوع في المخالفة القطعية بارتكاب جميع الاطراف وهي ممنوعة وارتكاب بعضها دون بعض يحتاج الى مؤمن من اجراء الأصل

٢٣٢

هذا بالنسبة الى الموافقة القطعية وفاقا للمشهور بين الاصحاب بل نقل الاجماع عليه وقد صرح بذلك المحقق البهبهاني وقال انه من ضروريات الدين ، وقد يقال بان ذلك مغروس في اذهان المتشرعة ولا يتم الاستدلال على المطلوب بذلك إلا بدعوى جعل واحد من الاطراف بدلا عن الواقع وإلا نفس الاحتمال الضعيف لا يوجب جواز الارتكاب لما عرفت من أن المختار هو علية العلم الاجمالي.

واما بالنسبة الى المخالفة القطعية فحيث اخترنا علية العلم الاجمالي فلذا نقول بحرمة المخالفة القطعية ولو لا استفادة البدلية بالنسبة الى الموافقة القطعية لقلنا بوجوب موافقتها.

ودعوى الاستاذ (قده) في الكفاية بانه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم اجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم تحرم مخالفته كذلك ايضا ، ودعواه في غير محلها لعدم القصور في ناحية العلم ولا من ناحية المعلوم. اما من ناحية العلم

__________________

واجراء الاصل في البعض دون الآخر ترجيح بلا مرجح ولازم الالتزام من جريانها في الجميع سقوطها بالمعارضة وذلك موجب للزوم الموافقة القطعية فيكون وجوبها في طول حرمة المخالفة القطعية. اما إذا لم تكن المخالفة القطعية ممكنة لعدم امكان ارتكاب جميع الاطراف فلم تنته النوبة الى جريان الاصول في بعضها دون بعض ليحصل التساقط الناشئ من تعارضها ومع تساقطها تكون الاصول جارية فيما يمكن ارتكابه من أطراف الشبهة كانت الموافقة القطعية غير واجبة لحصول المؤمن بجريانها في تلك الاطراف محل نظر فانه مبني على كون الموافقة القطعية في طول المخالفة ولكن الحق ان حرمة المخالفة في عرض وجوب الموافقة وكلاهما معلولان للعلم فسقوط احدهما للتعذر لا يستلزم سقوط الآخر كما لا يخفى.

٢٣٣

فلكشفه عن متعلقه كشفا تاما ، واما من ناحية المعلوم فقد عرفت انه بنحو الفعلية بنحو لو علم به تفصيلا لوجبت موافقته وحينئذ يكون صالحا للبيانية ومع صلوحه لذلك يكون منجزا لكون احتمال الانطباق على كل واحد من الأطراف يلازم احتمال العقاب على تقدير المخالفة فيصلح هذا الاحتمال بان يكون داعيا في نظر العقل.

وبالجملة قضية جعل البدل موجب لعدم وجوب الاحتياط وليس مناطه سقوط العلم عن التأثير بالنسبة الى الموافقة القطعية وإلا لو كان المناط هو سقوط العلم الاجمالي من جهة ضعف احتمال الانطباق لكان بالنسبة اليهما على السواء ، وكلام الاصحاب لا بد وان يكون نظرهم الى ما ذكرنا من جعل البدلية بل يمكن حمل كلام الشيخ الانصاري (قده) على جعل البدلية في بقية الاطراف وإلا فكلامه محل نظر إذ ما ذكره لا يوجب حرمة المخالفة القطعية.

ومما ذكرنا يظهر ان الضابط في كون الشبهة غير المحصورة هو ضعف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال مع جعل البدلية ونتيجة ذلك هو حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب الموافقة القطعية. واما بناء على جعل الضابط هو كثرة الاطراف بنحو يوجب عدم التمكن العادي من جمع الوقائع فيلزمه تبعيض الاحتياط في الشبهة الوجوبية ووجوب الموافقة الاحتمالية لعدم امكان الموافقة القطعية للجمع بين المحتملات فيسقط وجوبها وهو التبعيض في الاحتياط ، واما بالنسبة الى الشبهة التحريمية فقد يقال بسقوط العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية والمخالفة القطعية فمع عدم حرمة المخالفة القطعية لا يكون تعارضا في الاصول ومع عدم تعارضها لا تجب الموافقة القطعية وقد اشكل بعض الاعاظم على ما افاده الشيخ من التفصيل بين حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب موافقتها بان حرمة المخالفة القطعية فرع التمكن من المخالفة فمع عدمها لا تعد الشبهة من

٢٣٤

الشبهة غير المحصورة ولكن لا يخفى انه لو اقتضى ذلك في الشبهة غير المحصورة لزم ان يقتضي ذلك في الشبهة المحصورة لوجود الملاك الذى هو عدم التمكن من المخالفة القطعية ولازم ذلك عدم تعارض الاصول. وعليه ينبغي القول بجواز ارتكاب احدهما مع انه لا يمكن الالتزام بذلك.

فتحصل مما ذكرنا انه لا اشكال في وجوب الموافقة القطعية فضلا عن حرمة المخالفة القطعية بالنسبة الى الشبهة المحصورة. واما بالنسبة الى الشبهة غير المحصورة فقد وقع الكلام في وجوب الموافقة القطعية فالمشهور على عدم وجوب الموافقة نظرا الى ان كثرة الاطراف يوجب ضعف انطباق المعلوم بالاجمال عليه ولذا لا يكون محركا بخلاف انطباق المعلوم بالاجمال على اطراف الشبهة المحصورة فان انطباقه عليه يكون قويا للفرق الحاصل بين العلم بنجاسة الاناء المردد بين اناءين وبين الاناء المردد بين عشرين الف اناء ، ويؤيد ذلك ان ذلك امر عرفي للفرق الواضح بين من سب احد الاثنين على الاجمال وبين من سب واحدا من بلده فان في الاول يتأثر كل واحد من الاثنين دون الثانى فانه لا يتأثر كل واحد من اهل تلك البلاد ، ولكن لا يخفى ان نفس ضعف هذا الاحتمال لا يصحح جواز الارتكاب إذ الضعف بالغا ما بلغ لا يوجب ذلك خصوصا ، بناء على المختار من علية العلم الاجمالي بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية إلا ان يدعى بان ضعف الاحتمال يلازم قوة الاحتمال في بقية الاطراف على نحو يوجب الظن الاطمئناني في بقية الأطراف الراجع الى جعل بدلية احد الأطراف عن الواقع بان يكون مفرغا ولو كان بنحو التخيير ، وعلى ذلك يحمل كلام المشهور بل الاجماع المدعى دلالته على عدم الاعتناء باحتمال التكليف ناظر الى ذلك حيث انه لا يمكن تحققها إلا بملاحظة تحقق الظن الاطمئناني على تحقق المعلوم بالاجمال في ضمن الباقى بنحو يكون كاشفا عن جعل بدلية بقية الأطراف في مقام المفرغية

٢٣٥

ولازم ذلك عدم وجوب الموافقة القطعية إذ يبعد كون الاجماع الدال على جواز الارتكاب تعبديا بل هو محل المنع ولذا ترى كل طائفة من القائلين بجواز الارتكاب لا يستدلون بذلك بل يدعون ملازمة شىء للجواز فمنهم يدعي الملازمة للاضطرار ، وبعضهم الى الحرج ، وبعضهم خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء وعليه لا يبقى وثوق بالاجماع التعبدي.

ومما ذكرنا ان دعوى الاجماع تتم على ما هو المختار من ان نفس كثرة الأطراف يوجب تحقق الاطمينان في بقية الاطراف بنحو يجعل الباقى بدلا تخييريا وهذا الذي ذكرناه هو الضابط في كون الشبهة غير محصورة ، كما ان ما ذكره القوم من تحقق الملازمة كمثل الاضطرار والحرج وخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء هو الضابط لغير الشبهة المحصورة بمعنى ان المناط في كون الشبهة غير محصورة هو ان لا يلزم من ارتكاب الجميع ضرر او حرج او يكون البعض خارجا عن محل الابتلاء ، ولكن لا يخفى ان ذلك محل نظر إذ كما توجب هذه الاشياء جواز الارتكاب لبعض الأطراف في غير الشبهة المحصورة كذلك يجوز الارتكاب للشبهة المحصورة فلا يصلح ان يكون ضابطا لغير المحصورة. واما دعوى ان الضابط هو ان كثرة الاطراف يوجب عدم الاعتناء عند العقلاء كما ينسب الى الشيخ الانصاري (قده) او دعوى ان كثرة الاطراف يوجب عدم امكان الجمع العادي بين المحتملات كما ينسب الى بعض الاعاظم (قده) فمحل منع إذ الاول قد عرفت ان كثرة الاطراف لو كان بالغا ما بلغ لا يوجب ضعف الاحتمال ما لم يوجب قوته في البقية بنحو يوجب جعل البدل.

وعن الثانى فان عدم التمكن من الجمع ان اوجب جعل بقية الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ولو كان عاديا فقد عرفت ان ذلك لا يختص بالشبهة غير المحصورة لكي يجعل ضابطا بل يجرى حتى بالنسبة الى الشبهة المحصورة وان

٢٣٦

لم يوجب ذلك فنمنع كونه ضابطا خصوصا بناء على منجزية العلم الاجمالي بنحو العلية وكيف كان فعلى المختار من كون كثرة الانطباق على الأطراف اوجب قوة الانطباق على بقية الأطراف بنحو يوجب جعل احدها بدلا في مقام الفراغ وحينئذ فاما ان يكون اختيار تعيينه بيد المكلف ، واما ان يكون حجيتها اي كل واحد من الظنون الحاصلة في بقية الاطراف بنحو التخيير والظاهر هو الثانى فان المتيقن من حجيتها ذلك إذ لا دلالة على حجية كل واحد من الظنون على نحو التعيين بعد بطلان الترجيح من دون مرجح. واما على مختار الشيخ (قده) من كون الضابط هو كون كثرة الأطراف يوجب عدم الاعتناء بالعلم الاجمالي عند العقلاء فلازمه جواز المخالفة القطعية من غير فرق بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية بخلافه على المختار من حرمة المخالفة القطعية لعدم سقوط تأثير العلم الاجمالى بالنسبة اليها. واما على مختار بعض الاعاظم (قده) من ان الضابط هو عدم التمكن العادي من الجمع بين المحتملات فلازم القول في الشبهة الوجوبية التبعيض في الاحتياط ووجوب الموافقة الاحتمالية لامكان المخالفة القطعية بترك جميع المحتملات (١) وكيف كان فعلى المختار من ان تشخيص كونه من المحصور

__________________

(١) ربما تظهر الثمرة بين القولين بناء على عدم تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة في مائع مضاف مردد بين الف اناء ماء فبناء على مختار الشيخ (قده) من ان الملاك في عدم التنجيز هو كون الاحتمال موهونا بنحو لا يعتني به العقلاء فتكون الشبهة كلا شبهة فيصح الوضوء بالمائع المردد بين الشبهة غير المحصورة ؛ واما بناء على مختار الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) من ان الملاك هو عدم التمكن من المخالفة القطعية فمرجعه الى ان العلم كلا علم ، واما الشبهة فمتحققة فلا يصح الوضوء من ذلك المائع المردد حيث انه يحتاج

٢٣٧

أو من غير المحصورة بنظر العرف فربما يرى العرف ان الحبة المغصوبة المرددة بين لقمات وجودا واحدا فتعد من المحصور وربما تكون الحبة محتملة الانطباق على ما تحت يده من اللقمات وعلى ما تحت يد غيره فيرى العرف ان ترددها بين وجودات عديدة فيعتبرها العرف من غير المحصورة ، وربما يشك في ذلك فعلي المختار تلحق بالمحصورة لعدم احراز جعل البدل حينئذ.

بيان ذلك ان الشك في الانحصار وعدمه يرجع الى الشك في جعل البدل المصحح للترخيص في ترك الاحتياط وحينئذ لا بد من مراعاة العلم الاجمالي فيجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع المحتملات ، واما على مختار الشيخ (قده) فيلحق بغير المحصورة لرجوع الشك في ذلك الى الشك في بيانية العلم الاجمالي عند العقلاء ولازمه عدم صلاحيته للمنجزية فيرجع في مثله الى البراءة ، واما على مبنى كون الضابط عدم التمكن من جميع المحتملات عادة فيلحق بالمحصور لرجوع الشك في ذلك الى الشك في تحقق العلم بالخطاب والملاك وحينئذ يستقل العقل في مثله بلزوم الاتيان والعمل على مقتضى العلم الاجمالي كما لا يخفى.

الامر الثانى يعتبر في تنجيز العلم الاجمالي ان يكون التكليف بوجوب الاجتناب فعليا على كل تقدير بمعنى ان يكون مؤثرا بالنسبة لكل واحد من الاطراف بنحو لو علم تفصيلا يكون هو الحرام الواقعي وحينئذ يكون التكليف

__________________

في صحة الوضوء الى احراز انه ماء مطلق ولم يحصل إلا ان يقال بان مبناه ان المعلوم في الشبهة غير المحصورة بحكم التالف فعليه يصح الوضوء في المثال فيرد عليه ان ذلك مناف لمبناه في المقام على ان جعل المعلوم بحكم التالف محل نظر إذ لو كان الدرهم المغصوب في الشبهة غير المحصورة يعد تالفا لكي ينتقل الضمان الى مثله او قيمته مع انه لم يلتزم به احد في المقام كما لا يخفى.

٢٣٨

بالاجتناب منجزا فلو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء بنحو يوجب خروجه عن القدرة اما عقلا او عادة فيكون المكلف غير متمكن منه بالقدرة العقلية او العادية وبذلك يظهر ان ما لا يقدر عليه شرعا لا يدخل تحت المقام ، مثلا لو علم بنجاسة شيء اما في ملك الغير بنحو لا يرضى بالتصرف فيه او بنجاسة في ملكه الذي هو تحت تصرفه فان مجرد المنع الشرعي عن بعض اطراف العلم الاجمالي كالغصب لا يوجب خروجه عن توجه النهي اليه لكي يوجب سقوط العلم الاجمالي عن مقام التأثير إذ ملاك منجزية العلم الاجمالي متحقق في الفرض المذكور.

بيان ذلك ان في كل من الأطراف المعلوم بالاجمال لو علم به تفصيلا لصح توجه الخطاب بالتكليف الفعلي بالاجتناب عنه وذلك ملاك المنجزية فان المعلوم بالاجمال لو كان في اناء الغير لصح توجيه الخطاب بالاجتناب عنه لتحقق القدرة عليه بسرقة ونحوه كما ان بعض الاطراف مما يبعد الابتلاء به عادة ليس من محل الكلام. مثلا لو علم بنجاسة احد الترابين اما تراب الذي اعده للسجود عليه او التيمم به او تراب الطريق الذي يبعد ابتلاؤه به فان بعد اتفاقه لا يجعله بنحو يكون خارجا عن محل الابتلاء لاجل كونه معرضا عنه لخسته وحقارته وذلك لا يوجب سلب القدرة عليه عقلا او عادة.

وبالجملة هذان الموردان لا يعدان من المقام وكيف كان فاعتبار هذا الشرط بمكان من الوضوح حيث انه لو كان احد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء عقلا لا معنى لتعلق الارادة الفعلية بنحو التنجيز على ما لا يقدر عليه وهكذا لو كان خارجا عن القدرة عرفا.

بيان ذلك ان موضوع التكليف لو كان في معرض الابتلاء يحسن ان يخاطب بالاجتناب مطلقا كما لو كان المكلف تحت يده أواني فيحسن للمولى ان يخاطبه باجتنابها واما لو لم يكن كذلك بل كان بنحو يندر بحسب العادة الابتلاء

٢٣٩

بها كالاواني الموجودة عند الملك فانه ايضا لا يحسن ان يوجه خطابه بالاجتناب عن تلك الاواني وحال الخطاب كالعلم ، فكما ان الخطاب يقبح بوجوب اجتناب الاواني التي لم تكن تحت ابتلائه منها كذلك العلم ، وحينئذ ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد فلا يكون العلم موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد الى الترك فيما لم يكن المعلوم محلا للابتلاء بخلاف ما اذا كان محلا للابتلاء فانه يكون محركا وداعيا للعبد بالاتيان.

ودعوى ان امتناع الخطاب لمانع لا ينافي منجزية العلم الكاشف عن تحقق الارادة في نفس المولى إذ الخطاب ليس له موضوعية وانما أخذ طريقا لتحقق تلك الارادة وحاكيا عنها ومع وجود المانع من انشاء الخطاب لا يوجب عدم تحقق الارادة كما لو علمت بتحقق الارادة مع تحقق المانع للخطاب فلا اشكال في وجوب موافقتها كما انه لو علم بالخطاب مع العلم بعدم الارادة فلا تجب الموافقة عند العقل فحينئذ يكون المنجز هو العلم بالارادة وذلك حاصل ولو كانت الاطراف تخرج عن محل الابتلاء وحينئذ يجب الاحتياط باتيان الطرف الذي هو محل للابتلاء مدفوعة ، لما عرفت ان العلم من قبيل الخطاب فكما انه يلتزم بقبح الخطاب بما هو غير محل للابتلاء وعدم ترتيب الأثر عليه فكذلك في العلم من دون فرق بينهما وعليه ينافي تنجزه واشتغال ذمة العبد به.

وبالجملة شرطية الابتلاء إنما هو لاجل حسن الخطاب وليس ذلك لاجل عدم الارادة بالنسبة لما هو غير محل الابتلاء لتحققها قهرا بل لان العقل يحكم بكونه اجنبيا عن المكلف ويبعد تعلق الخطاب به لما يراه مستهجنا. هذا فيما لو علم بكونه مبتلى به او غير مبتلى به. واما لو شك في كونه محلا للابتلاء او غيره فتارة يكون لاجل الشبهة المصداقية واخرى لاجل الشبهة المفهومية. اما الاولى فلا

٢٤٠