منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

او الترك لما عرفت من الفرق بين المتعلقين فان متعلق العلم المعلوم الاجمالي ومتعلق الشك الجارية فيه الاصول هو الخصوصيات التفصيلية.

فاتضح مما ذكرنا انه مع حكم العقل بالتخيير في المرتبة السابقة تكوينا لا معنى لجعل الترخيص الظاهرى كالبراءة عقلية وشرعية بمناط عدم البيان هذا كله مع تساوى المحتملين من دون أن يكون لاحدهما مزية إذ مع وجود المزية لاحد المحتملين لا يحكم العقل بالتخيير بل ربما ينتهي الامر الى جريان البراءة بالنسبة الى ذي المزية. نعم لا يكون في ذلك ترجيحا من حيث الاحتمال ، إذا مجرد أقوائية احتمال الوجوب لا يوجب الاخذ به كما أن احتمال الحرمة لا يوجب ترجيحها على احتمال الوجوب بدعوى ان دفع المفسدة المحتملة أولى من جلب المنفعة لمنع أصل الكلية وإنما هي تتبع احراز الاهمية في المفسدة المحتملة. وبالجملة مع تساوى المحتملين ملاكا يلزم القول بالتوقف او التخيير عقلا بمناط الاضطرار والتكوين لا البراءة او الاباحة الظاهرية هذا كله فيما إذا كانت الواقعة واحدة. واما مع تعددها فالحكم فيها ايضا التخيير عقلا كوحدة الواقعة وهذا لا اشكال فيه وإنما الكلام في ان هذا التخيير بدوي بمعنى عدم الاختيار في الواقعة الثانية غير ما اختاره اولا او انه استمراري فيجوز له اختيار خلاف ما اختاره في الواقعة الاولى.

قيل بانه بدوي لكون استمرار التخيير بالنسبة الى الواقعتين يوجب القطع بالموافقة القطعية او المخالفة بخلاف ما اذا قلنا (١) بكونه بدويا فانه لا يلزم إلا

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ النّائينيّ (قده) امورا :

الاول : ان فيما لو كان تكليف واحد مرددا بين محذورين وكانت القضية مما تتكرر فهل التخيير القهري الذي تحقق فيهما بدوي ام استمراري؟ ربما يقال

٢٠١

احتمال المخالفة ، وعليه بناء على تقديم حرمة المخالفة القطعية على الموافقة القطعية بدعوى كون العلم الاجمالي منجزا للواقع بالنسبة الى المخالفة على نحو

__________________

بالاول حيث ان القضية لما كانت متكررة فمع استمرارية التخيير لزمت المخالفة القطعية مثلا لو كانت امرأة تردد أمرها بين أن تكون محلوفة على وطئها او تركها في تمام الشهر فوطأها فى اول الشهر وتركها في نصف الشهر نفسه فتحصل له مخالفة قطعية لخطاب مردد بين الفعل والترك ، والذي يقتضيه التحقيق هو التخيير الاستمراري وان قلنا بمنجزية العلم الاجمالي مطلقا اي سواء كان اطرافه من الدفعية او التدريجية فيما لم يكن دائرا بين محذورين كما لو علمنا بحيضية المرأة اما في أول الشهر او وسطه او آخره فانه يجب الاجتناب عنها في تمام الشهر وان لم يكن الخطاب فعليا في وقت من الاوقات لان المنجز يدور مدار أحد الامرين اما الخطاب او الملاك التام وفي المقام يكون ترك وطئ الحائض ذا ملاك تام وذلك لما قلنا في المقدمات المفوتة ان الخطاب إذا كان قاصرا مع تمامية الملاك يجب احرازه ويحرم تفويته وسيأتى الرد على المحقق القمي (قده) حيث جوز الارتكاب قائلا : ان العلم بالمخالفة القطعية يحصل بعد ارتكاب الجميع ولم يكن له العلم بالمخالفة حين ارتكاب العمل لعدم الدليل على حرمة العلم بالمخالفة في مثل هذه الصورة. ولكن لا يخفى ان الملزم ليس هو الخطاب وإنما هو وجود الملاك التام. وكيف كان فالظاهر هو التخيير الاستمراري حيث ان الخطاب لم يكن فعليا مع تحقق المحذور في كل يوم ولم يحصل في ضم يوم الى يوم آخر الخطاب الفعلي كما كان ذلك يلزم في غير المقام. غاية الامر بعد الارتكاب يحصل له العلم بالمخالفة القطعية ولا دليل على حرمتها ما لم يكن هنا خطاب فعلي او ملاك تام كما لو صادف جريان الاصول او الامارات في الشبهة البدوية مع العلم بالمخالفة القطعية ولم يكن

٢٠٢

العلية وبالنسبة الى وجوب الموافقة بنحو الاقتضاء القابل لمنع المانع ففي صورة دوران الأمر بين محذورين تقدم جانب العلية على الاقتضاء وذلك يقتضي القول

__________________

من قبيل ما يكون تكليفين متعلقين بموضوعين فان في تلك الصورة يحصل له علم تفصيلي بخطاب اما بالوجوب او الحرمة بعد ضم أحد العلمين إلى الآخر.

الامر الثاني : هل الترجيح بما يحتمل الأهمية كما في دوران الامر بين التعيين والتخيير في باب المتزاحمين ام لا؟ الظاهر ان في المقام احتمال الاهمية غير المرجحة للفرق بين المقامين فان في باب التزاحم التكليف بالنسبة الى كلا الطرفين يعلم بتوجهه مع قطع النظر الى الاهمية فاذا كان احدهما اهم من حيث الاحتمال او المحتمل يكون معلوما باعثيته ومعجزا مولويا بخلاف الآخر فان الباعثية فيه مشكوكة فيرجع الشك بالنسبة للآخر شكا في الامتثال والسقوط بخلاف ما نحن فيه فان التكليف بما احتمل اهميته ليس معلوما ولا يمكن اتيانه بمجرد احتمال الأهمية فيرجع الشك الى مرحلة اصل التكليف ولا ريب ان المرجع هو البراءة على ان التعيين مع احراز الأهمية إنما هو من جهة لزوم التفويت فمع الشك فيها للشك في المزاحمة موجب للاحتياط ولذا نقول بترجيح الأهم في باب التزاحم والمقام ليس من هذا القبيل إذ ليس من باب التزاحم في شيء لعدم احراز المقتضي إلا لأحد الحكمين فلا موجب للاخذ يحتمل الاهمية.

الامر الثالث : ان دوران الأمر بين المحذورين يتصور على نحوين أحدهما : ان يكون التكليف الواحد مرددا بين محذورين وقد عرفت انه لا اثر للعلم الاجمالي وتسقط الاصول العملية الجارية في كل واحد من الطرفين وعدم مراعاة الاهمية ، ثانيهما : ان يكون التكليفان متعلقين بموضوعين إلا انه وقع الاشتباه بينهما كما لو حلف على وطء امرأة في ليلة الجمعة مثلا وعلي ترك وطء

٢٠٣

بمنع استمرار التخيير تقديما لحرمة المخالفة القطعية. ولكن لا يخفى انك قد عرفت سابقا ان العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية علة تامة كالمخالفة القطعية

__________________

امرأة اخرى في تلك الليلة ووقع الاشتباه بين الزوجتين فهل هذا كالصورة الاولى ام فرق بينهما؟ فنقول هذه الصورة مع سابقتها لها جهة اشتراك ولها جهة افتراق اما الافتراق فلعدم سقوط أثر العلم الاجمالي كلية في هذه الصورة وانما الساقط هو المخالفة القطعية لا المخالفة الاحتمالية.

بيان ذلك : ان التكليف في المقام بالاضافة الى كل من المرأتين في ليلة الجمعة وان كان دائرا بين الوجوب والحرمة كما في الصورة الاولى إلا انها تتضمن علوما ثلاثة اثنان منها هو العلم بجنس التكليف فى كل منهما واما الثالث : وهو العلم بنوع التكليف من الوجوب او الحرمة في ليلة الجمعة الحاصل من ضم احد العلمين الى الآخر وهذا العلم الاخير هو الموجب لتحقق أثر العلم الاجمالي وبه تحصل التفرقة بين الصورتين وبالأولين تشترك الصورتان. فان الخطاب لما كان واصلا فعلا وكانت الموافقة القطعية الحاصلة من فعلهما او تركهما موجبة للمخالفة القطعية وجب المصير الى الموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين لكونها اولى من الموافقة القطعية في احدهما المستلزمة للمخالفة القطعية فى الآخر ولا فرق في المقام بين ان تكون القضية متكررة ام لا ويصير التخيير بين الفعل والترك بدويا لا محاله.

واما الاشتراك : فهو انه لا يجب مراعاة احتمال الاهمية في هذه الصورة : كما في الصورة السابقة فانا وان كنا فى الدورة السابقة اعتبرنا ملاحظة الأهمية إلا انه لا وجه لها فان غاية ما يقال في توجيهها هو ان تكاذب التكليفين اما ان يرجع الى تعارض الدليلين الراجع الى التنافي في مقام الجعل فيكون من

٢٠٤

من دون فرق بينهما وحينئذ نلتزم بعدم الجمع بين تحصيل الموافقة القطعية والفرار عن المخالفة القطعية لما عرفت ان المناط هو الاضطرار من جهة تحصيل الموافقة

__________________

باب التعارض واما تكاذب وتعارض في المدلولين مع عدم ملاحظة مقام الجعل فانه يعد من باب التزاحم. اعم من ان يكون التزاحم في مرحلة الامتثال الموجب لرفع القدرة عن الآخر والشاغلية باحدهما يوجب سلب القدرة عن الآخر أو بنفس الخطاب المتعلق بالأهم يوجب رفع الخطاب الآخر كما لو وجب اخراج اداء الزكاة الموجب لعدم تحقق فاضل المئونة لكي يتعلق خطاب الخمس وفي هذين القسمين تجب مراعاة الأهمية فيكون ما نحن فيه من احد هذين القسمين ، ولكن لا يخفى انه إنما يتم لو قام دليل على حصر التعارض بين التكليفين بهذين القسمين ، واما لو لم يقم دليل كما هو المفروض بل يتصور لنا قسم ثالث وهو ان التعارض ناشئ من الخلط والاشتباه بالامور الخارجية فلا يجب مراعاة الاهمية. وبالجملة الصورتان على نحو واحد من دون ملاحظة فيها من الاهمية فافهم.

الأمر الرابع : ان دوران الأمر بين المحذورين لو كان ناشئا من جهة تعارض النصين فان قلنا بالتخيير في المسألة الاصولية اعني الأخذ بالحجة يكون التخيير فيه بدويا كما يظهر من بعض الاخبار إذ الظاهر ان التخيير لمن كان متحيرا وبعد الاخذ بالحجة يرتفع التخيير فلا ينفع استصحاب التخيير المثبت لاستمراريته لارتفاع موضوعه الذي هو التحير ولا اقل من الشك ولا يجرى الاستصحاب مع الشك في بقاء الموضوع وان قلنا بالتخيير في المسألة الفرعية فحينئذ يندرج فيما نحن فيه ويجري فيه جميع ما ذكرنا من دون فرق بينهما.

الأمر الخامس : محل الكلام في مسألة دوران الامر بين محذورين فيما

٢٠٥

القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار والتكوين وبالعكس للزوم ترك المخالفة القطعية بعدم القدرة على تحصيل الموافقة القطعية فمع الدوران كذلك لاجل الاضطرار والتكوين بين رفع اليد إما عن حرمة المخالفة واما عن وجوب الموافقة ينتهى الأمر الى التخيير بينهما فلذا يقوى القول بالتخيير الاستمرارى.

ودعوى كون التخيير فيه بدويا قياسا على تعارض الخبرين الدال احدهما على الحرمة والآخر على الوجوب في غير محلها إذ قياس المقام بذلك قياس مع الفارق فان تعارض الخبرين ان كان بنحو السببية يكون التخيير على حسب القاعدة وان اخذ الخبر على نحو الطريقية فهو على خلاف القاعدة إلا ان الدليل قد دل على الأخذ باحدهما مع عدم وجود مرجح وليس المقام من هذا القبيل إذ ليس المطلوب إلا الأخذ بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل تكوينا. هذا كله إذا كان كل من الواجب والحرام توصليا (١) واما اذا كانا تعبديين او احدهما

__________________

ـ إذا كانا توصليين إذ لو كان كل منهما تعبديا او احدهما المعين تعبديا خرج عما نحن فيه حيث انه يمكن فيه المخالفة القطعية بان يختار احدهما بدون قصد القربة كما ان الحكم ايضا لو دار الأمر بين المحذورين راجعا الى شرطية شيء او مانعيته كما في البسملة في الصلاة لو دار امرها بين الجهر والاخفات فمقتضى القاعدة هو لزوم التكرار ان تمكن وإلا فلا بد من اختيار احدهما مع قصد التقرب وبهذا انتهى كلام الاستاذ في المطلب الثالث والحمد لله رب العالمين وقع الفراغ عن مبحث البراءة ليلة الاحد التاسع ذي القعدة سنة ١٣٤٩ ه‍.

(١) لا يخفى ان مسألة دوران الامر بين محذورين فيما اذا كانا توصليين على اقوال قيل بالبراءة شرعا وعقلا لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة

٢٠٦

تعبديا بنحو يحتاج الى اسقاط الامر الى قصد التقرب. كما لو كانت المرأة مضطربة الوقت او العدد فرأت الدم المردد بين كونه حيضا او استحاضة فبناء

__________________

على خصوص احدهما وقيل بوجوب الأخذ بجانب الحرمة لقاعدة ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة وللاستقراء فان الغالب تغليب جانب الحرمة على الوجوب. وقيل بوجوب الأخذ باحدهما تخييرا بنحو التخيير الشرعي قياسا على الخبرين المتعارضين وقيل التخيير بين الفعل والترك عقلا مع التوقف على الحكم بشيء رأسا وقيل التخيير بين الفعل والترك عقلا والحكم بالاباحة شرعا.

والذي يقتضيه التحقيق على ما عرفت منا سابقا هو القول الاول لعموم ادلة البراءة عقليها وشرعيها.

واما القول الثاني فيرد عليه منع تلك القاعدة إذ لا اولوية لدفع المفسدة على جلب المنفعة لعدم الدليل عليه من الشرع او العقل.

واما الثالث فيرد عليه ان التخيير ان اريد منه التخيير في المسألة الاصولية نظير الاخذ باحد الخبرين المتعارضين فلا دليل عليه وقياسه بذلك مع وجود الفارق وهو وجود النص في تلك المسألة دون المقام وان اريد من التخيير التخيير في المسألة الفرعية اى التخيير بين الفعل والترك فهو امر غير معقول اذ ذلك من التخيير بين المتناقضين وهو حاصل وتحصيل الحاصل محال.

واما القول الرابع فهو ما اختاره المحقق الخراساني في كفايته ففيه ان دليل اصالة الحل غير جار في المقام للعلم بثبوت الالزام في الواقع وعدم كونه واقعا مباحا فكيف تحصل الاباحة الظاهرية.

واما الخامس : وهو ما اختاره الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) لوجهين :

الاول : ان الحكم الظاهري لا يتحقق إلّا ان يكون له اثر شرعي وإلّا

٢٠٧

على حرمة اتيان العبادة من الحائض ذاتا فحينئذ يدور الامر بين الحرام والواجب إذ لو كان الدم حيضا يحرم اتيان العبادة عليها وان كان دم استحاضة فيجب الاتيان. فهل الحكم في المقام التخيير ام لا؟ والظاهر انها مخيرة بين ترك الصلاة رأساً او اتيانها بقصد القربة لكون العلم الاجمالي في المقام مؤثرا باعتبار تمكن المخالفة القطعية فيدخل المقام في مسألة الاضطرار الى احد اطراف العلم الاجمالي لا على التعيين وعلى المختار من الاخذ باحد المحتملين وعدم اقتحامه في مخالفة الطرفين خلافا للاستاذ (قده) في مسألة الاضطرار الى احد اطراف الشبهة المحصورة حيث اختار عدم منجزية العلم رأسا الموجب لجواز المخالفة القطعية ووفاقا له في المقام حيث ادعى وجوب رعاية العلم الاجمالي بقدر الامكان وعدم جواز المخالفة القطعية على خلاف ما اختاره في تلك المسألة ووفاقا لما التزمه في

__________________

يكون لغوا في مقام الجعل.

الثاني : ان رفع الالزام بحسب الظاهر انما يكون في مورد قابل للوضع كايجاب الاحتياط مثلا مع ان المفروض في المقام عدم امكان ايجابه ، ولكن لا يخفى ان ايجاب الاحتياط انما لا يمكن جعله بالنسبة اليهما ، اي الحرمة والوجوب معا واما بالقياس الى كل واحد منهما فهو امر ممكن على ما عرفت منا سابقا. على ان اللغوية انما تكون مع انحصار الامر فيه وعدم امكان جعل آخر من الوجوب الظاهري او الحرمة الظاهرية ، واما مع امكانه فلا يكون جعل الترخيص في الفعل او الترك لغوا على انه لو صح ذلك لكان جعل الاباحة الظاهرية في غير المقام لغوا مع انه واضح البطلان. ومنه يظهر امكان جريان الاستصحاب في الامر بين المحذورين كما لا يخفى.

٢٠٨

بحث الانسداد باستكشاف وجوب الاحتياط وليس ذلك إلا لكون العلم الاجمالي منجزا.

وكيف كان ففي دوران الامر بين المحذورين هو الحكم بالتخيير توصليا كان ام تعبديا ففيما كان توصليا يكون التخيير عقليا بمناط الاضطرار والتكوين في المرتبة السابقة على العلم الاجمالي وفيما إذا كانا تعبديين او احدهما تعبديا فالتخيير من جهة الاضطرار لاحد الاحتمالين لحكم العقل بعدم جواز المخالفة القطعية وتحققها موجب لتنجز العلم الاجمالي ، فعليه لا بد من اختيار احد الامرين اما ترك الصلاة رأسا واما اتيانها بقصد القربة ولا يجوز ترك كلا الامرين لحصول المخالفة القطعية كما لا يخفى.

اصالة الاشتغال

هذا هو الاصل الثالث من الاصول العملية الجارية في مقام الشك في المكلف به أعني الشك المقرون بالعلم الاجمالي ، فتارة يكون بين متباينين. كما لو شك بين وجوب صلاة الجمعة او الظهر ، واخرى يكون الشك بين الاقل والاكثر ، فيقع الكلام في مقامين : المقام الاول في دوران الامر بين متباينين في الشبهة التحريمية والوجوبية وفيه مباحث :

المبحث الاول : في تنجز العلم الاجمالي والتكلم في ذلك تارة يقع في انه مقتض للتنجز بالنسبة الى المخالفة القطعية والموافقة القطعية ، واخرى انه علة تامة بالنسبة اليهما ، وثالثة انه علة لخصوص المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة للموافقة القطعية ويرجع ذلك الى ان العلم الاجمالي هل هو على نحو الاقتضاء القابل لمنع المانع بالنسبة الى المخالفة القطعية وموافقتها الموجب لجريان الاصول النافية في جميع الاطراف

٢٠٩

او انه يكون بنحو العلية المانعة لمجيء (١) الترخيص على خلافه. قال الاستاذ (قده)

__________________

(١) لا يخفى ان الموجب لحرمة المخالفة هو احتمال العقوبة وذلك كاف في حكم العقل بالتنجز من غير فرق بين موارد التكليف من كونها معلومة او محتملة فان العقل يحكم بلزوم الاطاعة الناشئة من احتمال العقاب وان كان فرق بين كونه ينشأ من مخالفة التكليف المعلوم او المحتمل من حيث اقوائية الاول إلا انه من حيث استقلال العقل بقبح ارتكاب ما يحتمل فيه المخالفة في الحكم الالزامي على نهج واحد إلا ان يكون هناك مؤمن من العقاب كقاعدة قبح العقاب بلا بيان او دليل شرعي يدل على البراءة ومع عدم تحققه يكون احتمال العقاب موجودا فيجب التحرز عنه بحكم العقل كما هو كذلك بالنسبة الى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي.

ويظهر من ذلك ان العلم الاجمالي تنجزه يدور مدار جريان الاصول في جميع اطرافه او في بعضها وعدمه. فان قلنا بجريانها في جميع الاطراف لم يكن العلم الاجمالي منجزا مطلقا ويكون وجوده كعدمه ، وان قلنا بعدم جريانها في شيء من الاطراف كان نفس احتمال التكليف منجزا من دون كونه مقترنا بالعلم الاجمالي وذلك يوجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية ، وان قلنا بجريانها في بعض دون بعض فلا تجب الموافقة القطعية وان حرمت المخالفة القطعية من غير فرق بين جريانها عند الشك في اصل التكليف او الشك في الامتثال خلافا للاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) حيث خصص مورد النزاع بالاصول الجارية عند الشك في التكليف دون الجارية في مرحلة الامتثال ، وذلك ان الترديد في مورد العلم الاجمالي كما يمكن ان يكون في اصل الحكم كذلك يمكن ان يكون في مرحلة الامتثال ، كما لو علمنا اجمالا بعد الاتيان بصلاتين ببطلان احدهما فان قلنا

٢١٠

في كفايته ان الترخيص وعدمه مبنيان على ان التكليف ان كان فعليا في جميع الجهات بان يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث او الزجر الفعلي مع ما عليه من

__________________

بجريان الاصول النافية في جميع اطراف العلم الاجمالي او بعضها لم يكن لنا مانع من جريان قاعدة الفراغ في المثال في كلتا الصلاتين او في احدهما.

وكيف كان فالكلام يقع في امكان جعل الحكم الظاهري وعدمه في تمام الاطراف او في بعضها اما جعله في تمام الاطراف فهو محل منع لامرين :

الاول : استلزامه الترخيص في المعصية وهو قبيح من غير فرق بين كون الحكم الظاهري حاصلا من امارة او اصل تنزيلي او غير تنزيلي كما انه لا يفرق العقل في قبح الترخيص في مخالفة التكليف بين ان يكون معلوما بالتفصيل او ان يكون معلوما بالاجمال وسر ذلك هو استحالة شمول ادلة الاصول لجميع اطراف العلم الاجمالي في عرض واحد كما انه يستحيل جعله في كل من الاطراف مقيدا بعدم ارتكاب الطرف الآخر.

الثاني : حصول المناقضة بين الحكم الظاهري والواقعي مع العلم الوجداني ومنشأ ذلك عدم شمول دليل الحكم الظاهري لجميع الاطراف.

بيان ذلك ان الحكم الظاهري تارة يحصل من امارة ، واخرى من اصل تنزيلي ، وثالثه من اصل غير تنزيلي. اما الاول فهو امر غير معقول لاستحالة جعل الحجية في جميع اطراف العلم الاجمالي من غير فرق بين ان يكون مؤدى الامارة احكاما إلزامية او غير إلزامية ، واما الاصل التنزيلي فقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) عدم جريانه بما حاصله انه تحصل المناقضة بين صدر دليله وبين الذيل فان صدره يعم الشك البدوي والمقرون بالعلم الاجمالي والذيل عبارة عن يقين المجعول وذلك يختص بالعلم الاجمالي ومن الواضح ان الحكم بحرمة النقض

٢١١

الاجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته فحينئذ يكون مضادا للترخيص الشرعي وبذلك يمنع من اعمال الاصول في خصوصية

__________________

في جميع الاطراف يناقض الحكم في بعضها وبذلك منع من جريان الاصول غير التنزيلية ولكن لا يخفى ان ذلك غير منحصر دليله في ما ذكر بل يكفي للقول بجريان الاصل في جميع الاطراف وجود المطلقات غير المشتملة على ذلك الذيل كما ان المناقضة بين جعل الحكم الظاهرى والواقعي ربما تمنع فان الناقض لكل يقين لا بد وان يكون هو اليقين المتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق والمفروض ان اليقين السابق قد تعلق بكل واحد من الاطراف بخصوصه ، ومتعلق العلم الاجمالي ليس ذلك فكيف يعقل نقضه لليقين السابق. فعليه ربما يقال بعدم مانع من شمول ادلة الاصول لجميع الاطراف إلا ما ذكرناه سابقا من عدم جعل الحكم الظاهري في تمام الاطراف ثبوتا لاستحالة شمولها لجميع اطراف العلم الاجمالي في عرض واحد او جعله في كل من الاطراف مقيدا بعدم ارتكاب الطرف الآخر.

واما الكلام بالنسبة الى جريانه في بعض الأطراف دون بعض فالظاهر عدم جريانها في طرف من الأطراف ، اما البراءة العقلية فعدم جريانها واضح بعد فرض كون العلم الاجمالي بيانا ، واما جريان الاصول الشرعية في بعض دون بعض ترجيح بلا مرجح ، والبعض غير المعين لا يحتمل تعلق الالزام به واقعا.

وبالجملة ان ادلة الاصول مع عدم شمولها لجميع اطراف العلم الاجمالي لا تشمل بعضها دون بعض ، اما شمولها لجميع الاطراف تخييرا بنحو يكون جريانها في كل واحد من الاطراف على تقدير عدم ارتكاب الآخر فبالنسبة الى التخيير الشرعي يحتاج الى دليل كما ثبت ذلك في الخبرين المتعارضين عند فقد المرجحات ، واما العقلي فهو اجنبي عما نحن فيه لكون المكلف قادرا على الامتثال

٢١٢

الاطراف وان لم يكن فعليا ولو كان بنحو لو علم تفصيلا لوجوب الامتثال وصح

__________________

القطعي للاجتناب عن جميع الاطراف كما انه قادر على ارتكاب الجميع. نعم هناك قسم من التخيير ربما يتوهم جريانه وهو التخيير الثابت من جهة الاقتصار على القدر المتيقن من رفع اليد عن ظواهر الاطلاقات بدعوى ان مقتضى اطلاق ادلة الاصول هو ثبوت الترخيص في كل واحد من اطراف العلم الاجمالي ، ومع العلم باستحالة هذا الجعل لاستلزامه مخالفة التكليف القطعي فلذا يدور الامر بين رفع اليد عن الترخيص في جميع الاطراف رأسا ورفع اليد عن اطلاقه وتقييد كل طرف بعدم ارتكاب الطرف الآخر ، ومن الواضح ان المتعين هو الثاني كما يدعى ذلك في تعارض الامارتين ، ومن الواضح ان المتعين هو الثاني كما يدعى ذلك في تعارض الامارتين ، وبه قال المحقق الخراساني حيث بنى ان دليل الحجية غير قاصر الشمول لاحدهما بغير تعيين وقد خالفه المحقق النّائينيّ (قده) فادعى ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من باب تقابل العدم والملكة واذا استحال التقييد استحال الاطلاق كما في المقام حيث ان الاطلاق ممتنع فالتقييد كذلك.

ولكن لا يخفى ان التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة محل نظر إذ لا دليل عليه على ان ما ذكر من التخيير وان قلنا به في الامارتين لا يتأتى في المقام إذ المفروض فيه ان الحكم الواقعي واصل وان كان متعلقه مترددا بين امرين ولم يكن متميزا في الخارج عن غيره وعليه كيف يعقل ثبوت حكم آخر على خلافه وهل هو إلا من الجمع بين المتضادين ، مثلا لو علم الشخص وجود خمر بين اناءين فكيف يمكن الحكم باباحته ولو مشروطا بترك ما هو مباح واقعا وهل هو إلا جمع بين المتضادين وليس ذلك من الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري إذ ذلك فيما لم يكن الحكم الواقعي واصلا وبالجملة باب العلم الاجمالي الحكم الواقعي فيه واصل فلا يعقل جعل حكم ظاهرى في احد اطرافه فانه مناف له فلا تغفل.

٢١٣

العقاب على مخالفته وحينئذ لم يكن هناك مانع عقلا او شرعا عن شمول ادلة البراءة الشرعية للاطراف لعدم كون العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيلي لكي يمنع من الترخيص الشرعي عن مخالفته.

وبالجملة الترخيص المستفاد من الاصول ينافي فعلية الحكم بخلاف ما لو كان غير فعلي فانه لا ينافي الترخيص ولكن لا يخفى ان المستفاد من ظواهر الخطابات ان الاحكام فعلية بنحو ليس فيها قصور من تنجيزها على المكلف من مورد قيام الطريق المنجز عليه وبنفس متعلقات الخطابات المنجزة يتعلق العلم الاجمالي به ففي صورة تعلقه بما هو مفاد الخطابات الواقعية الظاهرة في فعلية التكاليف المتصفة بالباعثية والزاجرية العقلية وحينئذ لا ينافيه الترخيص على الخلاف في ظرف الجهل بالواقع ، بل ربما يقال بان تعلق العلم بأمر مردد بين شيئين لا ينافى جريان الاصول في أطرافه لعدم المنافاة بينه وبين جريانها لاختلاف متعلقهما إذ الشك يتعلق بنفس الخصوصية الخارجية فيكون موردا لجريان الاصول والعلم قد تعلق بنفس الجامع بين الشيئين وحينئذ يكون المشكوك غير المتيقن ، فعليه لا مانع من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي سوى أحد امرين :

الاول : ان موضوع الاصول هو عدم العلم بالحرمة وهو لم يكن محرزا بالنسبة الى كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال المحتمل انطباقه عليها فيكون كل واحد منها محتمل الحرمة واحتمال ذلك ينافي احراز انه لم يعلم الحرمة ومع عدم احراز ذلك العنوان لا معنى للتمسك بعموم الاصل او باطلاقه.

الامر الثاني : لزوم التناقض فى مدلول ادلة الاصول فانه لو بنى على تطبيقها على كل واحد من الاطراف مثل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بناء على شمول صدره لكل واحد من الطرفين يكون اللازم تطبيق الذيل على المعلوم بالاجمال فيلزم من ذلك التناقض إذ عدم حل المعلوم بالاجمال يناقضه

٢١٤

كل واحد من الطرفين ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين : اما عن الاول فالعلم ليس من الصفات التي تسري الى ما ينطبق عليه الموضوع وانما هو قائم به فيكون كل واحد من الاطراف موضوعا لجريان الأصل لتحقق موضوعه ولا ينافي تعلق العلم بالامر المردد ، واما عن الثاني فلعدم التناقض بين عدم الحل القائم بالمعلوم بالاجمال من حيث كونه معلوما للحكم بالحل على كل واحد من طرفيه لكونه مشكوكا ، والذي يقتضيه التحقيق هو علية العلم الاجمالي في التنجز بنحو لا يمكن الترخيص في احد اطرافه لما قد عرفت منا سابقا ان سنخ العلم الاجمالي سنخ العلم التفصيلي من حيث كشفه عن متعلقه بل هو هو من غير فارق بينهما. غاية الأمر ان المعلوم بالاجمال يشك في انطباقه على كل واحد على البدل لتعلقه بعنوان احد الأمرين الجامع وهو معلوم بالتفصيل والترديد إنما هو فيما ينطبق عليه هل هو هذا او ذاك؟ فيكون ذلك العنوان مرآة اجماليا الى الخصوصيات الواقعية المرددة بين خصوصيات الاطراف بنحو تكون نسبته اليها نسبة الاجمال والتفصيل بنحو لو انكشف الواقع كان المعلوم بالاجمال عين المعلوم بالتفصيل ويكون ذلك الجامع منطبقا على تلك الخصوصية المنكشفة انطباقا عينيا ومنطبقا بتمامه عليه لا مثل الجامع الطبيعي بنحو يكون انطباقه على الخصوصية بنحو يكون جزؤه ، ولا يخفى ان الشك في الانطباق لا ينافي كشف العلم الاجمالي عن متعلقه إذ هو خارج عن متعلق العلم ، ولذا قلنا بان الشك في الخصوصية يكون موردا لجريان الاصل إلا ان جريانها يتوقف على عدم المانع عقلا وفي الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي العقلاء يرون تنجزه ويرون الترخيص في بعض الاطراف ترخيصا في محتمل المعصية وذلك كالترخيص في مقطوع المعصية من غير فرق بينهما إذ العقلاء لا يفرقون في الانبعاث والمحركية نحو الفعل بين العلم التفصيلي وبين العلم الاجمالي.

٢١٥

وبالجملة ان متعلق العلم الاجمالي بنظر العقل منجز كالعلم التفصيلي والعقل حاكم بوجوب امتثاله من غير فرق بينه وبين العلم التفصيلي في ذلك إلا في اجمال المتعلق وتفصيله وهو غير فارق بينهما بعد الفرض ان العقل يحكم باحراز متعلق الأمر من دون دخل للخصوصية بنحو لو فرض انكشاف ذلك الاجمال بتحقق موضوع حكم العقل وليس هذا الحكم معلق على عدم الردع ليكون مثل ادلة الاصول رافعة له بل حكمه إنما هو على نحو التنجيز بنحو يأبى عن الردع عنه بورود الترخيص على خلافه كما هو كذلك في العلم التفصيلي لما هو معلوم ان الترخيص بنظر العقل يكون ترخيصا في المعصية والدليل على ذلك هو تحقق المناقضة الارتكازية المتحققة بالعلم التفصيلي ولو لا ذلك لا يمنع من مجيء الترخيص ولا ينافي ذلك فعلية الحكم الواقعي بمقدار يقتضيه ظهور الخطابات الواقعية لاختلاف المرتبة بينهما إذ مرجع الترخيص في المرتبة المتأخرة عن الواقع ضرورة تحقق الفعلية مع الترخيص على الخلاف عند الجهل بالواقع فلا مانع من اجتماع الترخيص مع تحقق فعلية التكليف بما يقتضيه ظهور الخطابات الواقعية. اللهم إلا ان يقال بان فعلية الحكم الواقعي على الاطلاق حتى في ظرف الجهل بالواقع ينافيه الترخيص حتى في الشبهات البدوية والحاصل ان الفعلية من قبل الخطاب المقتضى لحفظ وجود المطلوب لا ينافي الترخيص عند الجهل بالواقع دون الفعلية على الاطلاق أي حتى عند الجهل بالواقع. ومحل الكلام في علية العلم الاجمالي إنما تعلقه بنفس فعلية الخطابات الواقعية فحينئذ لا ينافي الترخيص في ظرف الجهل لما عرفت من فعلية الحكم الواقعي في مقام طريقية الطريق وذلك لا منافاة معه كما ان حكم العقل بالاشتغال ان كان بنحو التعليق على عدم الردع بالترخيص فلا تحصل المناقضة في هذه المرحلة لارتفاع موضوع حكم العقل بمجيء الترخيص على الخلاف

٢١٦

كما هو كذلك في العلم التفصيلي بناء على انه مقتض وان حكم العقل بوجوب المتابعة معلق على عدم مجيء الترخيص على الخلاف ولكنك قد عرفت ان المناقضة بين مجىء الترخيص ومنجزية العلم التفصيلي مناقضة ارتكازية ومنه يعلم ان حكم العقل بالاشتغال في العلم الاجمالى بنحو يأبى عن الردع عنه بالترخيص على الخلاف في جميع الاطراف موجب لتنجيز العلم الاجمالي وذلك موجب لكون العلم الاجمالي علة للتنجيز لبناء العقلاء على وجود المناقضة بين الترخيص والاقتحام في محتمل المعصية. ولا يقاس المقام بالطبيعي بالنسبة الى افراده كما هو قضية المأخوذ في متعلق التكاليف فانه عبارة عن الطبيعي قبل الانطباق وليس قبل الايجاد إلا مجرد قابلية الانطباق على كل فرد ومن هنا يتحقق الامتثال باي فرد يختاره المكلف حتى بالنسبة الى النكرة فانها لها قابلية الانطباق فيها بنحو البدل بخلاف المقام فان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي عبارة عن الجامع المنطبق بوصف موجوديته والترديد إنما هو في المنطبق عليه هل هو هذا او ذاك؟ ومن لوازم ذلك سراية التنجز الى الواقع بملاحظة كونه من توابع ما هو الموجود من الحكم في الخارج وان لم نقل بسراية العلم الى نفس الخصوصيات لما عرفت انه قائم بنفس الصورة الاجمالية من دون السراية الى الخصوصيات ولذا نقول بان تنجز الواقع بسبب العلم لا يوجب عدم شمول الاصول للخصوصيات وانه لو لا حكم العقل بوجود المناقضة بين ما هو معلوم بالاجمال بالحرمة أو الحلية في جميع الاطراف لقلنا ان كلا من الخصوصية مشمول لدليل الاصل إذ لا قصور في شمول ادلة الاصول من غير فرق بين كونها تنزيلية وغير تنزيلية اما غيرها فان موضوعها هو الشك والشك متحقق ، مثلا لو علمت بنجاسة احد الإناءين فكل اناء بالخصوص يكون مشكوكا نجاسته او حرمته فيشمله حديث الرفع والحلية والطهارة من غير فرق بين كون هذه الادلة مغياة بالمعرفة وبين غيرها بناء على

٢١٧

انصراف الغاية الى العلم التفصيلي فواضح. واما بناء على التعميم فائضا لا مانع من شمول الاصول لتلك الخصوصيات لكونها محل شك فيتحقق موضوع الاصل لما عرفت من تغاير متعلق اليقين والشك في العلم الاجمالي فان العلم الاجمالي قائم بالصورة الاجمالية وعدم سرايته الى الخارج فحينئذ يكون حلالا بمقتضى شمول دليل الحلية او كان الناس في سعة مما لا يعلمون وكان مرفوعا وموضوعا عنهم إذ العلم بحرمته بالنسبة الى العنوان الاجمالي الذي هو عنوان أحد الامرين لا ينفى بنفي السعة بالنسبة الى الخصوصيات ولا يكون مرفوعا او لا يكون موضوعا إذ ذلك ليس مؤدى شيء من الاصول.

وبالجملة العلم الاجمالي المتعلق بذلك الجامع لا يمنع من شمول العمومات المذكورة للعناوين الخاصة. نعم ربما يقال بالنسبة الى السعة منع شمولها لاطراف العلم الاجمالي بناء على ان كلمة (ما) مصدرية ظرفية لا موصولة إذ بناء على تعميم العلم للعلم الاجمالي يشكل شمولها لاطراف العلم الاجمالي ولكن لا يخفى انه وان سلمنا ذلك بالنسبة الى دليل السعة إلا انه يكفي شمول سائر العمومات لكل واحد من الاطراف من حيث نفسه واما بالنسبة الى الاصول التنزيلية فقد قيل بانها لا تجرى مع قطع النظر عن منجزية العلم الاجمالي المستلزم للمخالفة القطعية العملية بوجهين :

الأول : ما ينسب الى بعض الاعاظم (قده) من قصور في المجعول بحسب الثبوت لو شملت الاصول لجميع اطراف العلم لمضادته لعدم امكان جعل الحكم الظاهري في الطرفين مع تحقق العلم الاجمالي ، مثلا لو علم اجمالا بنجاسة احد الإناءين مع جريان الاستصحاب في كل واحد من الطرفين فيعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف فلا يمكن بحسب الثبوت جعلهما في الطرفين إذ التعبد

٢١٨

ببقاء الاحراز السابق في الطرفين يكون مضادا للعلم الاجمالي الوجداني بالخلاف في أحدهما من غير فرق بين كون جريانهما موجب للمخالفة العملية وبين عدم لزوم ذلك. ولكن لا يخفى انك قد عرفت منا سابقا بالنسبة الى العلم الاجمالي انه متعلق بالجامع الذي هو عنوان اجمالي من دون سراية الى الخارج وهو المتيقن والشك متعلق بنفس الخصوصيات فنفس الخصوصيات الذي هو موضوع للاحراز التعبدي غير الاحراز الوجداني فلا تنافي ولا مضادة بينهما ولذا قلنا بعدم التضاد بين متعلق اليقين ومتعلق الشك إذ موضوع التعبد بالبقاء ليس هو اليقين باحد العنوانين حتى ينافي العلم الاجمالي وإنما هو الموضوع فيه هو خصوص اناء زيد وخصوص إناء عمرو وشيء منهما لا يعلم بانتقاضه حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين لما عرفت من وقوف العلم الاجمالي على معروضه من دون سراية من متعلقه الى الخارج فما أفيد في المنع مبني على القول بسراية متعلق اليقين الوجداني الذي هو متعلق للعلم الاجمالي لكي يسري الى الخارج. ولكنك قد عرفت منع ذلك لجواز اجتماع اليقين والشك في العلم الاجمالي ولا مضادة بينهما إذ متعلق اليقين هو عنوان احدهما من دون سرايته الى الخارج ومتعلق الشك هو خصوص كل واحد منهما.

وبالجملة المضادة إنما تحصل بين متعلق اليقين ومتعلق الشك فيما لو قلنا بسراية اليقين المتعلق بالجامع الذي هو العنوان الاجمالي الى ما في الخارج ، واما لو قلنا بعدم السراية ووقوف العلم على معروضه من دون سراية الى ما في الخارج فلا مانع من اجراء الاصول العملية من غير فرق بين كونها تنزيلية او غير تنزيلية في خصوص الاطراف إذ لا منافاة بين احراز التعبد في كل خصوصية من الأطراف لليقين الاجمالي ولا يلزم مناقضته للجعل إذ جعل الاستصحاب في كل من الخصوصيتين لا يوجب مناقضته لذلك الجامع فلا يلزم من جريانها في اطراف العلم

٢١٩

بالانتفاض بنحو ينقلب اليقين بخصوصية كل واحد من الاطراف الى اليقين بالخلاف إذ ذلك مخالفة للوجدان.

ودعوى انه يلزم انقلاب اليقين الى الشك او انتقاض اليقين بالشك فهو وان كان لازما إلا انه لا يمنع من جريان الاستصحابين في الطرفين بعد ان عرفت ان الموضوع في كل واحد منهما مشكوك فيكون موردا للاحراز التعبدي فلا يلزم من جريان الاصول واعمالها انقلاب اليقين الى الشك او انتقاض اليقين بالشك لاختلاف المرتبة بينهما وبذلك لا تحصل المضادة بينهما وليس شيء يمنع من اعمال الاصول في خصوصية كل واحد من الاطراف إلا ما عرفت من حكم العقل بمنع اعمالها لكونه ترخيصا في محتمل المعصية وهو قبيح. وبذلك قلنا بتنجز العلم التفصيلي فانه بنظر العقلاء يرون جريان الاصول ترخيصا في مقطوع المعصية ولو لا ذلك لكان العلم التفصيلي مقتض للتنجيز وليس بعلة تامة فالموجب للعلية هو نظر العقلاء في ان الترخيص في محتمل المعصية قبيح كالترخيص في معلوم المعصية وبهذه الجهة يكون العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الى المخالفة القطعية كما عرفت انه بنظر العقل بان متعلق العلم الاجمالي كمتعلق العلم التفصيلي من غير فرق بينهما إذ حكم العقل بالتنجيز تنجيزي غير معلق على عدم الردع فان حكمه بوجوب الامتثال وعدم الترخيص في الأطراف مانع من اعمال الاصول لحصول المضادة بين تنجيزية حكم العقل والترخيص في الاطراف الذي هو مناط تنجيزية العلم التفصيلي وحكم العقل بذلك يوجب اشغال الذمة بتحصيل موافقة العلم الاجمالي والخروج عن عهدته ولذا نقول بانه كما انه علة تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية فهو علة في التنجيز في الموافقة القطعية من غير فرق بينهما.

ودعوى انه بالنسبة الى المخالفة علة للتنجيز وبالنسبة الى الموافقة القطعية مقتض بتقريب ان الترخيص بالنسبة الى المخالفة القطعية ترخيص في معلوم

٢٢٠