منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

بالاصول الموضوعية كما يظهر من الاستاذ في الكفاية حيث جعل عنوان التنبيه الاصول الموضوعية. وكيف كان فمن تلك الموارد ما اذا شك في الوجوب أو التحريم من جهة الشك في تحقق النسخ فان الاصحاب يحكمون بعدم النسخ للاستصحاب مع انه يشك في أصل التكليف فينبغي أن يكون من موارد جريان البراءة إلا انهم لم يجرونها لورود استصحاب عدم النسخ عليها ومن الموارد ما اذا شك في طهارة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه فان القوم يجرون استصحاب بقاء النجاسة ولا يجرون اصالة البراءة عن وجوب الاجتناب ومن الموارد ما اذا شك في حيوان انه مذكى ام لا فانه تجري اصالة عدم التذكية (١) فيحرم لحم

__________________

(١) بيان ذلك يتوقف على امور :

الاول ـ ان عدم التذكية المستصحب ليس المراد منه هو العدم الاولي المعبر عنه بالعدم المحمولي الذي هو عبارة عن ليس التامة إذ استصحاب العدم الازلي لاثبات العدم النعتي من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها مثلا عدم القيام الازلي الذي هو مفاد ليس التامة استصحابه لاثبات عدم القيام الذي هو صفة لزيد المعبر عنه بليس الناقصة من الاصول المثبتة واما استصحاب العدم الازلي من دون اثبات العدم النعتي فلا أثر له إذ الاثر مترتب على العدم النعتي فعليه المراد في المقام هو العدم النعتي اي عدم التذكية حال وجود الحيوان فهذا العدم النعتي يستصحب الى ما بعد الحياة.

الثاني ـ هل التذكية عبارة عن الاثر الحاصل على المحل القابل ام نفس الفعل من دون دخل لقابلية المحل فعلى الاول يكون معنى التذكية معنى بسيط والقابلية لها دخل فى التذكية فلو شك في التذكية من جهة الشك في القابلية تجري اصالة عدم التذكية وعلى الثانى لا يجري الاستصحاب المذكور مع الشك في القابلية إذ

١٦١

الحيوان المشكوك تذكيته بناء على ان التذكية معنى بسيط مسبب عن مجموع فري الاوداج مع قابلية المحل ووجود سائر الشرائط. واما لو كانت عبارة عن فري خاص واردا على المحل القابل فقد توهم جريان استصحاب عدم التذكية بمعنى عدم وجود المقيد بهذا القيد ولكنه خلاف التحقيق.

بيان ذلك ان القيود التي ترد على الطبائع تارة تكون تلك الطبائع على نحو التواطؤ واخرى تكون على نحو التشكيك وعلى الاول تكون ورود القيد موجبا لتخصص الطبيعة وجعلها حصصا متعددة وبعبارة اخرى ورود القيد على

__________________

بالنسبة الى الشك فيها شك في امر خارج عن المستصحب وهو لا يوجب الشك فيه والظاهر ان القابلية ليست لها دخل في التذكية حيث ان التذكية بحسب المتفاهم العرفي المستفاد من قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) عبارة ، عن نفس الافعال المطلوب تحققها في الخارج من فري الاوداج والتسمية وكون الذابح مسلما من دون دخل للقابلية

الثالث ـ اختلفوا في الحيوان المذكى ما هو؟ فقيل عبارة عما حل اكله وليس بمحرم الاكل وقيل يشمل جميع ما كان محرم الاكل غير المسوخات وقيل يشمل المسوخات دون الحشرات لكونه مورد النص في المسوخ وقيل تعميمه لكل حيوان.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الشك في التذكية لو كان على القول الاول أي من جهة حرمة الاكل وعدمه تجري اصالة عدم التذكية وعلى الثاني فائضا تجري اصالة عدم التذكية لو شك في حيوان انه مسوخ. واما على الاخيرين فلا يجرى الاصل لانتفاء موضوعه ، ثم ان الشهيد قال في انه لو شك في حلية حيوان وحرمته تجري اصالة الطهارة ويحرم اكل لحمه وذلك مبني على انه قد اخذ في لسان الدليل عنوان وجودي قد أخذ في موضوع التكليف فيستفاد من لازم الخطاب خطاب

١٦٢

الطبيعة يوجب تحديد الطبيعة وبسبب ذلك تكون الطبيعة متحصصة بتلك الحدود وبذلك تكون متباينة بنحو تكون تلك الحصة مباينة لتلك الحصة ولو لم تكن تلك الحدود والخصوصيات لا يحصل التباين بين الحصص ، فاذا كان ورود القيد على الطبيعة المتواطية بذاك النحو من التحصص فمع الشك في ورود مثل ذلك فنستصحب عدمه ولا ينافي علمنا بالقدر الجامع إذ من الواضح يستصحب عدم زيد مع علمنا بطبيعة الانسان إذ متعلق علمنا هو طبيعة الانسان وذلك غير متعلق الشك فانه تعلق بخصوص زيد الذي عدمه قد تعلق به الاستصحاب.

__________________

طريقى لاحراز ذلك الامر الوجودي وهذا يجري في كل ما أخذ في موضوع الحكم عنوان وجودي كمثل إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء فان عدم النجاسة قد علق على الكرية التي هي عنوان وجودى قد أخذ في الموضوع ، ولذا قلنا باصالة الانفعال في الماء القليل.

ولكن لا يخفى ان ذلك لو سلم في محله ففي ما نحن فيه لا يتم فان الحكم وان علق على الطيب إلا انه ليس امرا وجوديا وانما هو امر عدمي وهو عدم الخبث والخبث امر وجودي ولو سلم ان الطيب أمر وجودي فالخبث ايضا وجودى ولازم ذلك ان يكون عندنا خطابان طريقيان احدهما يحرز الطيب والآخر يحرز الخبيث فلو شك في كونه خبيثا لا يبقى مجال لاصالة البراءة حيث انه ليس لنا محرز للخبيث ، هذا والذي ينبغى ان يقال في هذا المقام هو ان الشك في حرمة اللحم تارة يكون حكميا واخرى موضوعيا اما الاولى فتارة يكون الشك في الحرمة لاجل دورانه بين كونه مأكول اللحم وبين غيره مع العلم بوقوع التذكية مع جميع شرائطها.

فهو من موارد جران البراءة لكونها من الشبهة الموضوعية واما استصحاب

١٦٣

وبالجملة متعلق العلم غير ما تعلق به الاستصحاب فلا منافات بينهما وان كان على النحو الثاني أي ورود القيد على الطبيعة المشككة فلا يجري الاستصحاب إذ القيد على هذا النحو لا يوجب تحصص الطبيعة بنحو تكون حصصا متباينة ، وإنما مع تحقق الحدود ، الذات محفوظة في الطرفين فيكون مرجع الشك في تحقق القيد الى الشك بين الواجد والفاقد مثلا نعلم بطبيعة الخط ولكنه مردد بين الخط الواجد والفاقد فينحل الى ذات وتقييد اما ذاته فلا يجري فيها الاستصحاب لكونها متيقنة ، واما القيد وان كان مشكوكا وليس له حالة سابقة فلا يجري فيه

__________________

حرمة اكل لحم الحيوان حيا فهو على تقدير تسليم حرمته حال الحياة فالحرمة متقومة به حيا فاستصحابها لحال الموت محل منع إذ العرف يرى التباين بين الحالتين فلم تكن القضية المتيقنة هي المشكوكة على ان حرمة اكله حيا محل كلام ولذا جوز بعض بلع السمك الصغير حيا مع ان تذكيته موته خارج الماء لا اخراجه حيا ولذا افتى الاصحاب بعدم جواز اكل القطعة المبانة منه وهو حي واخرى يكون الشك في الحرمة لاجل الشك في عروض ما يمنع عن قابليته للتذكية فلا مانع من استصحاب عدم طرو ما يمنع القابلية من غير حاجة الى استصحاب بقاء القابلية لامكان دعوى منعه بان القابلية ليس لها اثر كلي لكي تستصحب.

وثالثة يكون الشك في الحرمة للشك في قابلية ما وقع عليه التذكية فبناء على قيام دليل يدل على كل حيوان قابل للتذكية إلا ما خرج بالنص كما عليه الشيخ في الجواهر قده وبنينا على جريان استصحاب العدم الازلي فلا مانع من التمسك بذاك العموم بعد اجراء استصحاب عدم تحقق عنوان المخصص ، واما بناء على عدم الامرين وان التذكية امر بسيط مسبب عن الامور الخارجية كفري الاوداج الاربعة مع اجتماع الشرائط نظير الطهارة المسببة من الوضوء والغسل

١٦٤

الاستصحاب إلا على نحو السلب المحصل بل ولو على السلب المحصل لا يجري الاستصحاب على ما سيأتي من التفصيل بين لوازم الماهية ولوازم الوجود ، فاذا لم يجر الاستصحاب فلا مانع من جريان اصالة الجل ، اللهم إلا أن يقال في تقريب

__________________

فلا مانع من اصالة عدم التذكية واما بناء على ان التذكية أمر وجودي عبارة عن تلك الامور الخارجية كما استظهره المحقق النائيني (قده) من قوله تعالى (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) حيث اسند التذكية الى نفس المكلف وظاهر ذلك هو المباشرة لا التسبيب فلا محال للاستصحاب المذكور. نعم لا مانع من جريان اصالة الحل إلا ان الاشكال في صحة المبنى لمنع ظهور الآية في المباشرة فان الاسناد الى المكلف بنحو التسبيب شائع.

ورابعة ما اذا شك في التذكية مع احراز القابلية اما للشك في تحقق الذبح أو بعض شرائطه فانه لا اشكال في جريان اصالة عدم التذكية على جميع المباني السابقة ما لم تكن امارة على التذكية من السوق او يد المسلم.

واما الشبهة الحكمية فتارة يكون الشك من غير جهة التذكية كالشك في لحم الارنب مثلا مع فرض عدم الدليل على حرمته والعلم بوقوع التذكية فانه تجري اصالة الحل واخرى الشك من جهة الشك في القابلية للتذكية كالمولد من حيوانين كالكلب والشاة من دون ان يشبه احدهما فان وجد دليل عام يشمل كل حيوان قابل للتذكية إلا ما خرج بالنص فيؤخذ به وان لم يوجد عام فان كانت التذكية معنى بسيط فلا مانع من جريان اصالة عدم التذكية وان لم تكن كذلك فيرجع الى اصالة الحل. وثالثة يكون الشك ناشئا من طرو عارض فلا اشكال من الرجوع الى اصالة عدم طرو العارض ، ورابعة يكون الشك ناشئا من ان الذبح الواقع بغير الحديد يوجب التذكية حتى مع التمكن من الحديد

١٦٥

الاستصحاب بوجه آخر وهو استصحاب نفس الاضافة الحاصلة بين الفري

__________________

فلا اشكال في جريان اصالة عدم التذكية.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه بجريان الأصل المذكور لا اشكال في حرمة أكل لحم الحيوان ولا يجوز استعمال جلده في الصلاة وإنما الكلام في انه تترتب عليه النجاسة ام انه طاهر لجريان اصالة الطهارة ويظهر من بعض الاساطين التفصيل فحكم بحرمة اكل لحمه وطهارته ، وقد وجه ذلك بان المحرمات محصورة وكذا النجاسات معدودة والمشكوك إذا لم يدخل فيهما يكون الاصل فيه الطهارة وحرمة اكل اللحم ، ولا يخفى ان ذلك ليس لاجل اصالة عدم التذكية بل لاجل ان التعليق على امر وجودي يقتضي احرازه ، ومع الشك يدل بالدلالة العرفية الالتزامية الظاهرية على عدم تحققه ، ولكن لا يخفى ان التعليق على امر وجودي يقتضي احرازه لو سلم فانما هو في الحكم الترخيصي لا مثل المقام الذي هو الحكم بالاجتناب وإلا لم يبق موضوع لقاعدة كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر ولكن الانصاف ان التفصيل ليس مبنيا على ما ذكر بل مبني على ان ما علق عليه النجاسة على عنوان الميتة وان المراد من الميتة هو الموت بغير سبب شرعي كما هو مصرح عند أهل اللغة قال في مجمع البحرين ان المراد هو ازهاق الروح حتف الانف او بالضرب أو الشنق ونحوها وحينئذ تكون الميتة أمرا وجوديا لا أمرا عدميا فعليه تقع المعارضة بين اصالة عدم الموت وبين اصالة عدم التذكية فيتساقطان فنرجع الى قاعدة الطهارة بل لا معارضة بينهما لعدم لزوم مخالفة عملية تقتضي ذلك ومجرد كون عدم التذكية يلازم النجاسة لان التذكية والموت ضدان لا ثالث لهما ، لا يمنع من جريانهما لجواز التفكيك بين اللوازم في الاصول كالتوضؤ بماء مردد بين الماء والبول من الحكم بطهارة الاعضاء وبقاء الحدث للاستصحاب على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

١٦٦

والحيوان فان هذه الاضافة من حيث قيامها بالفري كان عدمها عدما موضوعيا ومن حيث قيامها بالحيوان كان عدما محموليا فيستصحب عدمها المحمولي بالنسبة الى وجود الحيوان إذ من الواضح ان هذا الحيوان كان موجودا ولم تكن هذه الاضافة حاصلة له وبعد موت الحيوان نشك في قيام الاضافة به فيستصحب عدمها ولكن لا يخفى ان ذلك إنما يتم مع احراز قابلية الحيوان للتذكية إذ مع الشك في القابلية لا تجري اصالة العدم ولو كان ازليا فانه وان قلنا بجريان اصالة العدم الازلي إلا انه في الصفات العارضة على الذات بواسطة وجودها كمثل مشكوك القرشية لا ما كان من لوازم الذات فان اصالة العدم الازلي لا تجري والمقام من هذا القبيل فان القابلية من لوازم ذات الحيوان فعلمية ينبغي القول بالتفصيل بين الشك في قابلية الحيوان للتذكية فلا تجري اصالة عدم التذكية ومع عدمها يجري الاصل المحكوم وهو اصالتي الطهارة والحلية بخلاف ما اذا احرزت القابلية وشك في ورود فعل الذابح مع شرائط التذكية فلا مانع من جريان اصالة التذكية وحينئذ لا تجري اصالتي الطهارة والحلية لجريان الاصل الحاكم فلا يبقى مجال للاصل المحكوم.

التنبيه الثاني لا اشكال في حسن الاحتياط (١) عقلا وشرعا وانه راجح

__________________

(١) كما انه لا اشكال في ان هذا الحسن عقلي ولا يخفى ان هذا ليس محلا للكلام وإنما الكلام في ان هذا الحسن العقلي هل يستتبع حكما شرعيا مولويا او انه على تقدير تحققه فهو ارشادي؟ ربما يقال بالثاني لان هذا الحكم راجع الى سلسلة المعلولات فيكون من باب الاطاعة واذا رجع الى ناحية الاطاعة يكون التكليف ارشاديا فعليه لا يكون الاستحباب مستفادا منه لعدم كونه حكما شرعيا مولويا ، اللهم إلا ان يقال بانه يمكن ان يستفاد الحكم الاستحبابي

١٦٧

في الشبهة التحريمية وفي الشبهة الوجوبية من غير فرق بين ان تكون الشبهة عبادة

__________________

الشرعي من بعض ادلة الاحتياط كمثل قوله فهو لما استبان له ترك أو قوله يوشك ان يقع حول الحمى وامثال ذلك إذ يستفاد منها اعطاء قوة وملكة على ترك المحرمات فينقلب الامر لرجوعه حينئذ الى ناحية العلل فعليه لا مانع من دعوى استفادة الحكم الاستحبابي الشرعي المولوي ثم على تقدير استفادة ذلك فهل هو متعلق بذات العمل او العمل بداعي احتمال وجود الامر ادعى الشيخ الانصارى قدس‌سره تعلقه بذات الفعل ، ولكن لا يخفى ان ذات الفعل بنفسه ليس فيه مصلحة والمصلحة إنما تتعلق بالشيء بما انه عبادة وعباديتها إنما تتحقق مع داعى احتمال وجود الامر وحاصل الكلام انه يقع في جهات : الاولى في عبادية المأتي ، الثانية في كيفية تعلق الامر الاحتياطي بما هو عبادة ، الثالثة في ان الامر الاحتياطي متعلق بذات العمل او بما هو عبادة اما الجهة الاولى فالظاهر انه لا إشكال فيه من حيث ان عبادية الفعل ليست باوامر الاحتياط وإنما احتمال الأمر محقق للعبادية ، واما الجهة الثانية فامر الاحتياط قابل لان يتعلق بالعبادة بما هو عبادة حيث ان الامر الاحتياطي متأخر عن العبادة بما هي عبادة وليست مهملة أي لا مقيدة ولا مطلقة كالامر المتعلق بذات العبادة ، واما الجهة الثالثة فلا يخفى ان امر الاحتياط إنما يتعلق بالعبادة بما هي عبادة لا بالذات حيث انه لما كان متضمنا للاستحباب النفسي لا بد وان يكون ناشئا من المصلحة ولا اشكال في ان هذه المصلحة ليست قائمة بالذات بما هي شيء بل إنما هي قائمة بما انها عبادة فعلى هذا لا بد بالنسبة الى الفتوى والافتاء بالاستحباب لو اتى بداعي الاحتمال لا مطلقا كما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) في فرائده خلافا لما سلكه في الرسائل العملية على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قده) فلا تغفل.

١٦٨

او غيرها وإنما الكلام في المراد من الرجحان فنقول ومن الله المستعان ان رجحان الاحتياط له صور منها ان يراد من الرجحان هو ما يترتب على صورة المصادفة حيث لا رجحان في صورة عدم المصادفة بمعنى انه لو اتى بالفعل وصادف الواقع يترتب المثوبة ولو لم يصادف لا مثوبة فلا رجحان.

ومنها ـ ان الرجحان يتحقق ويترتب على الفعل ولو لم يصادف بمعنى ان الرجحان غير منوط بالمصادفة فالاحتياط راجح صادف الواقع ام لم يصادف ففي المصادفة يترتب ما يترتب على الواقع وفي صورة غير المصادفة يكون انقيادا فتكون المثوبة مترتبة على الجامع بين الاطاعة والانقياد كما ان العقوبة مترتبة على الجامع بين العصيان والتجرى.

ومنها ـ ان لا يترتب على الاحتياط شيء مع قطع النظر عن حكم العقل والشرع ، واما بالنظر الى حكم الشرع والعقل فيترتب عليه المثوبة والعقوبة في صورة المصادفة ومع عدم المصادفة لا شيء يترتب عليه بمعنى يكون الامر بالاحتياط من قبيل الاوامر الطريقية.

ومنها ـ يكون رجحان الاحتياط لنفسه بمعنى ان اوامر الاحتياط نفسية تترتب على موافقتها المثوبة وعلى مخالفتها العقوبة مطلقا أي ولو خالف الواقع فتكون الصور المتصورة اربعة والفرق بين هذه الصور ظاهر ، اما الاولين فالفعل في حد ذاته راجح من دون نظر الى حكم الشارع والعقل ولذا يكون الامر بالاحتياط ارشاديا بخلاف الصورتين الاخيرتين فان الرجحان إنما يكون بملاحظة الشارع فمع قطع النظر عن حكمه لا رجحان ولذا يكون الامر بالاحتياط في الصورتين الاخيرتين مولويا فيهما غاية الامر بالنسبة الى الصورة الثالثة امرا طريقيا يترتب عليه المثوبة والعقوبة في صورة المصادفة كاوامر الطرق فانها أوامر مولوية طريقية شرعت لحفظ الواقع وبالنسبة الى الصورة الرابعة أمرا مولويا

١٦٩

نفسيا تترتب على موافقته المثوبة وعلى مخالفته العقوبة بلا نظر الى الواقع ويظهر الفرق بين الصور ايضا بانه على الصورتين الاوليين يكون المراد من الاحتياط اتيان الفعل بداعي احتمال الوجوب وترك الفعل بداعي احتمال الترك وعلى الاخيرتين يكون المراد من الاحتياط هو اتيان الفعل المشكوك الوجوب وترك الفعل المشكوك الحرمة فالأمر الشرعي بالنسبة الى الاولين ارشادي ، وبالنسبة الى الاخيرين أمر مولوي ، وبالجملة في الصورتين الاوليين الرجحان يترتب من دون نظر الى حكم الشارع فلذا حكم الشارع لو حصل يكون ارشاديا بخلاف الصورتين الاخيرتين فالرجحان إنما يترتب بملاحظة حكم الشارع ولذا يكون حكم الشارع حكما مولويا وسر الفرق قد ذكرنا اكثر من مرة بان العنوانين الطوليين يتصور على نحوين فتارة يكونان منتزعين مع حفظ الذات فيهما بان تكون الطولية جاءت من أخذ الوصف في العنوان الثاني الذى هو في طول الآخر كما في الخمر والخمر المشكوك فان العنوان الذي أخذ الشك فيه إنما في طول مطلق العنوان الذي نفس عنوان الخمر مع حفظ ذات الخمر في العنوانين الذي بينهما ترتب طولي واخرى يكون العنوانان طوليين من جميع الجهات أي حتى بالنسبة الى الذات بنحو يكون بالنسبة الى الذات في مرتبتين فذات أخذ موضوعا وذات اخذ معلولا كما فيما لو تعلقت الارادة بشيء فترى ذات متعلقة بها الارادة فتكون هذه الذات موضوعا لها وذات متأخرة عن الارادة وهي التي ينطبق عليها عنوان الاطاعة والعصيان وهذه الذات تكون معلولة للارادة ولذا لو تعلق بها امر يكون ذلك الامر ارشادي لاستحالة ان يكون ذلك الامر مولويا إذ لا يترتب عليه سوى ما يترتب على الامر الاول بخلاف ما كانت الطولية من جهة تقييد العنوان الثاني بالوصف إذ تغاير العنوانين مع حفظ الذات فيهما لا يوجب انطباق الاطاعة على العنوان الثاني فاثر الاطاعة لا يترتب عليه فعليه يكون الامر لو تعلق به يكون مولويا فتحصل

١٧٠

مما ذكرنا في بيان الفرق ان الاحتياط لو كان عبارة عن اتيان الفعل المشكوك يكون الامر المتعلق به مولويا لكون الطولية في العنوانين من جهة تقييد الوصف باحدهما وان كان عبارة عن اتيان الفعل بداعي احتمال وجوبه يكون الامر به ارشاديا حيث انه ينطبق عليه عنوان الاطاعة فيكون من باب طولية العنوانين من جهة طولية الذات في الرتبتين.

فظهر مما ذكرنا ان الخلاف في ان أوامر الاحتياط ارشادية أو مولوية ناشئة من الخلاف في أصل المبنى فمن قال بانها مولوية بنى كلامه على إن الاحتياط عبارة عن اتيان الفعل المشكوك ومن قال بان أوامر الاحتياط ارشادية بنى كلامه على إن الاحتياط عبارة عن إتيان الفعل بداعي احتمال وجوبه فاتضح مما ذكرنا ان مخالفة الشيخ مع الاستاذ بالنسبة الى أوامر الاحتياط إنما هو بحسب المبنى وان كان بحسب الظاهر وقع الخلط في كلامهما حتى تخيل ان النزاع بينهما إنما هو على مبنى واحد كما لا يخفى.

هذا كله بحسب مقام التصور والثبوت ، واما مقام التصديق والاثبات فنقول الاخبار على ثلاث طوائف فطائفة لسانها الاحتياط وظاهرها هو إتيان الفعل بداعي احتمال الوجوب لا اتيان الفعل المشكوك كقوله عليه‌السلام (احتط لدينك وطائفة لسانها التوقف فان في بادئ النظر يستفاد منها كون الامر مولويا ولكن في ذيلها تعليل يشعر بكون الامر للارشاد كقوله عليه‌السلام فان الوقوف في الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة وطائفة لسانها المولوية كما في قوله عليه‌السلام فهو لما استبان له أترك وقوله عليه‌السلام : (من يرتع حول الحمى أو شك ان يقع فيه فهو نظير قوله عليه‌السلام عليكم في التقية فانه يستفاد منها كون الامر فيه للمولوية دون الارشادية كما انه يستفاد المولوية من قوله عليه‌السلام عليكم بالاحتياط حتى تسألوا وتعلموا إذا عرفت ان الاخبار لسانها يختلف فمنها صالحة لكون الاوامر

١٧١

ارشادية ، ومنها صالحة لكون الاوامر مولوية ولا داعي لحمل بعضها على بعض لكي يكون مفادها شيئا واحدا بل ندعي انه لو اتى المكلف بالفعل بداعي احتمال الوجوب أو الترك بداعي احتمال حرمته ينطبق عليه عنوان الانقياد للحكم الواقعي ولا يترتب عليه ثواب تلك الاوامر ازيد من الثواب المترتب على الحكم الواقعي فاذا صح حمل الاحتياط على كل واحد من المعنيين فلا موجب لحمل احدهما على الآخر كما لا يخفى فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث لا اشكال في امكان الاحتياط في التوصليات واما في التعبديات (١) فقد وقع الاشكال في امكانه في صورة دوران الامر بين الوجوب

__________________

(١) لا اشكال في إمكان الاحتياط في التعبديات فيما إذا أحرز أصل الرجحان بان تردد أمر الفعل بين الوجوب والاستحباب لامكان أن يحتاط بالفعل بداعي أمره الواقعي ولا اشكال فيه سوى اعتبار نية الوجه إلا انك قد عرفت ان اعتباره على تقدير القول به حيث يمكن. واما إذا لم يحرز أصل الرجحان بان دار أمر الفعل بين الوجوب والاباحة فربما يشكل الاحتياط بمثل ذلك على كل حال فانه ان أتى به بداعي الامر يكون تشريعا وإن لم يأت به بذلك لم يأت بالعبادة المقيدة بقصد الامر وقد قوى الشيخ الانصاري عدم امكان الاحتياط في هذه الصورة قال ما لفظه (وفي جريان ذلك في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان أقواهما العدم لان العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الاربع عند اشتباه القبلة) وقد أجاب عن هذا الاشكال بما هذا لفظه (ان المراد من الاتقاء في هذه الاوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فمعنى الاحتياط بالصلاة الاتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا

١٧٢

وغير الاستحباب بتقريب انه يعتبر التقرب في العبادة ولا يحصل التقرب في الاحتياط لاحتياجه الى الامر الجزمي ومع احتمال وجوبه لا معنى للتقرب به لعدم الامر الجزمي وقد اجيب عن ذلك بان العقل لما حكم بحسنه يلزم أن يكون هناك

__________________

قصد القربة) وقد أورد المحقق الخراساني بان تصوير الاحتياط بهذا النحو تسليم للاشكال على ان إتيان الفعل المجرد عن قصد القربة ليس احتياطا بالعبادة وقد أجاب المحقق الخراساني (قده) ما لفظه (ان منشأ الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الامر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من إتيان جميع ما اعتبر فيها وقد عرفت انه فاسد ... الخ).

بيان ذلك هو ان الاشكال مبني على أخذ قصد التقرب في متعلق الأمر كسائر الاجزاء والشرائط إذ عليه لا يمكن الاتيان بكل ما يحتمل اعتباره شرعا ومن الواضح ان قصد التقرب مما يحتاج الى الامر ولو كان اجمالا ولا اشكال في ان الشبهات البدوية ليس فيها امر لا تفصيلا ولا اجمالا. واما لو قلنا بان قصد التقرب لم يؤخذ بمتعلق الامر شرعا وإنما العقل يحكم باتيانه فلا مانع من الاحتياط بالعبادة للتمكن من الاتيان بكل ما احتمل وجوبه شرعا مما له دخل في المأمور به أوله دخل في الغرض هذا والانصاف ان الاشكال ليس مبنيا على ما ذكر بل مبني على ان العبادية تتوقف على تحقق الامر الجزمي لكي يكون قصده محققا للعبادة ولو كان بنحو الامر الثاني المسمى بمتمم الجعل فمع احتمال الامر لا يمكن تحقق العبادية.

ودعوى انه بالملازمة نستكشف الامر بتقريب ان العقل يستقل بحسن الاحتياط وبقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع نستكشف الامر

١٧٣

أمر شرعي قد تعلق بالاحتياط للملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع. ويشكل بانه على تقدير ثبوت الملازمة إنما يكون الامر المتعلق به ارشاديا وإذا صار

__________________

به شرعا فتصح العبادة أو دعوى انا نستكشف الامر من ترتب الثواب على الاحتياط فتصح العبادة ممنوعة ، اما عن الاولى فان حكم العقل بالحسن إنما يكشف عن تحقق الامر الارشادي وهو لا يصحح العبادية ، واما عن الثانية فنمنع ترتب الثواب على الامر الاحتياطي فالتحقيق ان العبادية لا تتوقف على تحقق الامر الجزمي بل يكفي في عبادية الشيء إتيانه برجاء المحبوبية من دون حاجة الى قصد الامر الجزمي بل ربما يقال بان الانقياد رجاء لاجل احتمال وجود امر المولى ارقى من الامتثال التفصيلي للامر الجزمي لما هو معلوم بان العبادة تحتاج الى اضافة الى المولى والاتيان برجاء المحبوبية من أحسن انحاء الاضافة الى المولى والحاكم بذلك هو العقل وهذا لا اشكال فيه وإنما الكلام وقع في ان أوامر الاحتياط هل هي ارشادية ام مولوية؟ وعلى تقدير كونها مولوية فهل هي في طول الامر الواقعي لكي يلزم قصده في الاحتياط ام في عرضه لكي يجوز قصد نفس أمر الاحتياط وجهان مبنيان على ان اوامر الاحتياط تتعلق بذات الفعل لكي يصح الاتيان بداعي الامر الاحتياطي اوانها متعلقة بالمأتي به بداعي الامر الواقعي رجاء.

فينبغي لنا التكلم في الجهتين الاولى ان اوامر الاحتياط ان كانت في مرحلة الامتثال ومقام الاطاعة فتكون ارشادية لحكم العقل بلزوم الاطاعة فلا تكون مستتبعة للحكم الشرعي لكونها في سلسلة المعلولات فليست صالحة لان تكون مولوية وان كانت في مرتبة علل الاحكام ومن ملاكاتها فتكون من قبيل حكمه بحسن العدل والاحسان فحينئذ يستتبع حكما مولويا والظاهر هو الثانى وفاقا

١٧٤

ارشاديا لا يصلح للتقرب به كما لا يخفى. وقد اجيب عن ذلك بوجوه احداها انا نكتفي في حصول العبادة بالامر الاحتمالي فانه يدعو على الاتيان به. الثاني انه يكفي في كونه عبادة حكم العقل بالحسن. الثالث ان أوامر الاحتياط كالاوامر المتعلقة بنفس العبادة من حيثية قصد التقرب فكما ان قصد التقرب ليس

__________________

للاستاذ المحقق النائيني (قده) حيث استظهر من بعض أدلة الاحتياط كقوله (ومن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك) ان اوامر الاحتياط تكون ناشئة عن مصلحة في نفس الاحتياط وهي حصول قوة للنفس باعثة فعليه لم يكن امر الاحتياط ناشئا عن مصلحة ادراك الواقع وإنما هو ناشئ عن مصلحة في نفسه فحينئذ يكون ملاكه واقعا في سلسلة علل الاحكام وبذلك يكون أمر المتعلق بالاحتياط مولويا على انه لو منعنا الاستظهار من الادلة إلا ان كون حسن الاحتياط من المستقلات العقلية الواقعة في معلولات الاحكام لا يوجب أن يكون الامر المتعلق إرشاديا لا مولويا إذ مناط الارشادية هو استقلال العقل بذلك كما في باب الاطاعة والامتثال ، واما فيما لم يستقل العقل بذلك كما في لو امر الاحتياط بحيث لا يستقل بالامر به فلا مانع من أمر المولى به مولويا لاجل حفظ الواقع ولا ينافي حملها على الاستحباب بواسطة ثبوت الترخيص المستفاد من أدلة البراءة.

واما الجهة الثانية ان متعلق الامر بالتوصل هو ذات الفعل وفي التعبدي هو الذات بداعي قصد القربة وهذا القيد ان قلنا باخذه في المتعلق او بأخذه في الامر الثاني المسمى بمتمم الجعل أو هو معتبر في الغرض وعلى جميع المباني المصححة للعبادية الذي هو عنوان جامع وهو الاتيان متقربا إلى المولى ولو كان بنحو الاتيان بداعى احتمال مطابقة المأتي للامر الواقعي فان وافق الواقع فهو اطاعة حقيقية

١٧٥

مأخوذا في الامر لكونه يأتي عن ناحية الامر فلا يعقل اخذه في المتعلق فكذلك الاوامر المتعلقة بالاحتياط فان قصد التقرب لم يؤخذ فيها وحينئذ الاوامر المتعلقة بالاحتياط تكون مولوية وهي مستفادة من الاخبار. ولا يخفى ان مرجع الجواب الأول الى ان العبادية لا تفتقر الى الامر الجزمي بل يكفي في العبادية صرف الاحتمال وهذا في الحقيقة التزام بالاشكال واما الجواب عن الثانى فقد

__________________

وإلا انقياد وبذلك قال الشيخ الانصاري (قده) (في انه لا اشكال في رجحان الاحتياط حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتى به لداعي احتمال المحبوبية لانه انقياد واطاعة حكمية) إذ من الواضح ان الفعل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا وقع متقربا به فلو كان قصد التقرب لا يحصل إلا بالامر الجزمي فكيف يقع مقربا مع انتفاء العلم وفي مورد آخر قال : (بناء على ان هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقفها على ورود امر بها بل يكفي الاتيان به لاحتمال كونه مطلوبا أو كون تركه مبغوضا ولذا استقرت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على اعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص غير المعتبرة والفتاوى النادرة) ولا يخفى ان كلامه دال علي ان احتمال الامر يكفي في حصول التقرب بل قد عرفت منا سابقا ان تقربه أشد وأزيد من صورة العلم بالامر إذ العبد يتوجه الى المولى بصرف الاحتمال فيكون اخلاصه أشد ممن لا يتحرك إلا بالامر المعلوم وعلى ذلك يحمل كلام الشيخ (قده) ولا يحمل على ان الحسن العقلي علة للعبادية لكي يرد عليه ما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية كيف يعقل أن يكون من مبادئ ثبوته مع توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

١٧٦

اشار الاستاذ في الكفاية الى رده بانه يلزم منه محذور الدور. بيانه ان الحسن يتوقف على الاحتياط لانه عارض والاحتياط معروض ولا اشكال في توقف العارض على المعروض فكيف يكون هذا الحسن العارض على الاحتياط موجبا لحدوثه كما ان اوامر الاحتياط التي توجب العبادية يكون موضوعها العبادة. هذا وربما يقوى الوجه الاخير بتقريب ان المراد من الاحتياط هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية التقرب فلا تكون مأخوذة في موضوع الاحتياط بفرض أن معنى الاحتياط الاتيان بجميع ما يعتبر فيه عدا قصد التقرب فلو امر الاحتياط تتعلق بنفس الفعل وعليه يقصد المكلف فيه التقرب باطاعة الامر وقد أجاب الاستاذ في الكفاية عنه بانه لا دليل على حسن الاحتياط بهذا المعنى ولكن لا يخفى ان المصلحة في العبادة قائمة بالعمل مع قصد التقرب بنحو تكون قائمة بهما معا فيكونان مقدمة لحفظ تمام المصلحة وحينئذ فكما يكون المجموع مقدمة لحفظ تمام المصلحة كذلك كل جزء يكون مقدمة لحفظ حصة من المصلحة التي هي من قبل نفسه لا من قبل جزئه الآخر لفرض ان كل جزء له دخل في المصلحة فيكون كل جزء حافظا لتلك المصلحة الموجودة فيه لا في الجزء الآخر فدعوى ان الفعل العبادي بدون ضمه الى التقرب لا رجحان فيه مدفوعة بما تقدم من ان نفس الفعل فيه مصلحة فيكون حسنا ثم إن الاستاذ (قده) في الكفاية قد تفصى عن الاشكال بما حاصله ان الاشكال إنما يترتب فيما لو كان قصد القربة جزءا من المأمورية. واما على ما اخترناه من ان قصد التقرب غير مأخوذ في المتعلق وإنما اعتباره بحكم العقل فلا يتأتي الاشكال وعليه لا يكون مانع من جريان الاحتياط في العبادة ولكن الانصاف ان الاشكال إنما يبتني على ما ذكرناه من الوجهين في معنى الاحتياط فان قلنا بان الاحتياط عبارة عن اتيان الفعل بداعي احراز الواقع فيلزم البناء على ارشادية اوامر الاحتياط وحينئذ يتأتى الاشكال

١٧٧

إذ على هذا المعنى ليس لنا امر جزمي لكي يمكن الاتيان بداعي الامر الجزمي الذي هو معنى الاحتياط فان الامر الجزمي على هذا المعنى ليس إلا امرا ارشاديا وهو غير صالح للعبادية وما هو صالح لجعله عبادة هو ما يكون الامر مولويا وهو ليس بجزمي بل إنما هو امر احتمالي نعم يرتفع الاشكال لو قلنا بان التقرب المحقق للعبادية هو احتمال الامر ، واما لو قلنا بان الاحتياط عبارة عن اتيان الفعل بما انه مشكوك الوجوب فيكون الامر المتعلق به مولويا على نحو الطريقية فحينئذ يتوجه الاشكال حيث انه على هذا التفسير ليس لنا أمر جزمي لكي يتحقق الاحتياط إذ الامر الطريقي عند المصادفة حقيقي وعند المخالفة أمر صوري. نعم يرتفع الاشكال لو قلنا بان الامر الاحتمالى يكفي في عبادية المأتي به بمعنى ان نفس احتمال الامر يحصل به التقرب المحقق لعبادية الفعل كما انه يرتفع الاشكال ايضا لو قلنا بان اوامر الاحتياط أوامر نفسية مولوية فحينئذ يمكن الاتيان بالاحتياط بمعنى ان الاتيان بالفعل بداعي الأمر الجزمي. وببيان آخر أدق من سابقه وهو أن نقول ان الاحتياط تارة يراد منه احراز الواقع المشكوك واتيان محتمل الوجوب الذي هو عبارة اخرى عن العبادة بمرتبة سابقة على الشك في الوجوب كان موضوعا ومعروضا لمشكوك الوجوب ومن الواضح ان الاحتياط بناء على ذلك لا رجحان فيه من ناحية العقل إذ حكم العقل بحسنه لا ينطبق على اتيان محتمل الوجوب بعنوان الاطاعة أو بعنوان الانقياد. مع ان المفروض عدم اعتبار نية التقرب في هذا العنوان فعليه لا يكون مشكوك الوجوب عبادة ولا ينطبق عليه عنوان الاطاعة فلا يحكم العقل بحسنه ولا برجحانه واخرى يراد من الاحتياط احراز الواقع المشكوك واتيان مشكوك الوجوب بداعي احتمال الوجوب على نحو يكون قصد التقرب مأخوذا في عنوان الاحتياط وحينئذ يكون نفس هذا العنوان اي عنوان الاحتياط راجحا وحسنا عند العقل

١٧٨

لانه ينطبق عليه عنوان الاطاعة والانقياد.

فبناء على هذا المعنى فكما يكون ذات الفعل المشكوك وجوبه كان بعنوانه الاولى وهو بعنوان ان صلاته مشكوكة الوجوب مثلا عبادة يجب ان يؤتى به بداعى امره كذلك يكون بعنوانه الثانوي الذي هو عنوان الاحتياط وبعنوان احراز مشكوك الوجوب واتيان محتمل الوجوب ايضا يكون عبادة يجب أن يؤتى بهذا العنوان بداعي احتمال وجوبه فحينئذ يكون هذا العنوان أي عنوان الاحتياط واتيان مشكوك الوجوب بداعي احتمال وجوبه عنوانا عباديا متأخرا عن احتمال الوجوب ومعلولا للاحتمال لا معروضا وموضوعا كما في الصورة الاولى فينطبق على هذا المعنى من الاحتياط عنوان الاطاعة والانقياد فيحكم العقل بحسنه ورجحانه.

اذا عرفت هذين الصورتين في الاحتياط فنقول بناء على التفسير الاول الذي هو عبارة عن نفس اتيان المشكوك لا اشكال في ان نفس هذا الاتيان ليس راجحا ولا يحكم العقل بحسنه نعم المأتي به على تقدير وجوبه يكون حسن ويحكم العقل بوجود المصلحة فحينئذ لا تخلو اوامر الاحتياط اما ان تحمل على الارشاد الى المصلحة التقديرية ، واما ان تحمل على المولوية بان يكون على نحو الطريقية الى الامر الواقعي المشكوك ، واما ان تكون اوامر الاحتياط تحمل على النفسية بالنسبة الى تعنونها بالعنوان الثانوي اى اتيان مشكوك الوجوب وعلى هذه التقادير الثلاثة تارة نقول بانه يكفي في صحة العبادة بان يؤتي بداعى امره الاحتمالي واخرى نقول بانه يعتبر ان يؤتى به بداعي امره الجزمي فلا يكتفى بالامر الاحتمالي وعلى الصورة الاخيرة تارة نقول بكفاية الامر الجزمي المتعلق بعنوانه الثانوي واخرى نقول بانه لا بد وان يؤتى به بداعي امره الجزمي المتعلق بعنوانه الاولي ، فعلى الاول لا اشكال في امكان الاحتياط أي الاتيان بداعي

١٧٩

احتمال الامر. واما على الثانى الذي هو عبارة عن احتياج العبادية الى الأمر الجزمي فبناء على ارشادية اوامر الاحتياط فلا يمكن الاحتياط في العبادة لعدم صلاحية تلك الاوامر للعبادية لكونها ارشادية ، واما بناء على كون الاوامر طريقية فيمكن الاحتياط بالعبادة لكونها اوامر مولوية طريقية وصالحة للعبادية فحينئذ يمكن الاتيان بمشكوك الوجوب بداعي امره الجزمي المولوي المتعلق بعنوانه الثانوي الذي هو عنوان الاحتياط ، كما انه بناء على نفسية اوامر الاحتياط فائضا يمكن الاحتياط في العبادة أي إتيان مشكوك الوجوب بداعي امره الجزمي المتعلق بعنوان الاحتياط.

وبالجملة الاحتياط عبارة عن اتيان المشكوك بالعنوان الاولي فتارة نقول باحتياج العبادة الى الامر الجزمي فلا إشكال في عدم امكان الاحتياط بالعبادة لعدم تحقق الامر الجزمي واخرى كما هو الحق عدم الاحتياج الى ذلك بل يكفي في العبادية احتمال الامر ، فعليه يمكن الاحتياط بالعبادة أي الاتيان بالمتعلق لاحتمال الامر المتعلق به ، وان كان الاحتياط عبارة عن الاتيان بعنوانه الثانوي فبناء على عدم احتياج العبادة الى الامر الجزمي بل يؤتى بالمتعلق رجاء للامر الواقعي فلا اشكال في امكان الاحتياط في العبادة ، واما لو قلنا باحتياج العبادة الى الامر الجزمي فبناء على كون اوامر الاحتياط ارشادية فلا يمكن الاحتياط في للعبادة فانها وان كانت أوامر جزمية إلا انها ارشادية ، وان قلنا بانها أوامر مولوية طريقية أو نفسية فيمكن الاحتياط في العبادة. هذا كله في مقام الثبوت ، واما في مقام التصديق والاثبات فيختلف المستفاد من اخبار الباب فمثل قوله (ع) : (أخوك دينك فاحتط لدينك) وقوله (ع) : (إذا اصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط) وقوله (ع) : (الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة) يستفاد كون اوامر الاحتياط للارشاد الى حكم العقل بحسن الاطاعة ، واما مثل

١٨٠