منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

لا يكون ذلك ردا على الاخباريين ، لورود أدلتهم علي حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، فان حكمه حيث لا بيان ، ودليل الاخباريين صالح لكونه بيانا فتقدم ادلة الاخباريين على القول بالبراءة بمناط حكم العقل بالقبح ، فلذا

__________________

العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي من الاصول المثبتة ، ولكن لا يخفى انه قد اجيب عن الأول انه يتم لو كان الاثر مترتبا على نفس الشك ، واما لو كان الاثر مترتبا على الجامع بينهما فلا مانع من ان الشارع يعبدنا بالواقع فيرتب الاثر عليه ولا يلزم منه تحصيل الحاصل إذ مع جريان الاستصحاب احرز الواقع فلا يبقى موضوع للقاعدة ولذا قلنا بان استصحاب الطهارة مقدم على اصالة الطهارة كما انه اجيب عن الثاني بانا لا نسلم ذلك في الصبي المميز حيث انه بالنسبة اليه عدم التكليف في مورد قابل له والشارع رفعه عنه امتنانا على ان الانتساب وغيره لا يوجب تفاوتا في العدم فعليه لا محذور في ابقاء العدم غير المنتسب بالاستصحاب ليتحقق الانتساب الى الشارع.

وبالجملة الانتساب من الآثار المترتبة على نفس الاستصحاب لا المستصحب ولكن الانصاف ان ما ذكره الشيخ اولا هو الحق بتقريب ان الصغر والبلوغ من مقومات الموضوع والاحكام تدور مدار الموضوعات فمع كونها كذلك لا يمكن اجراء حكم لموضوع واثباته لموضوع آخر إذ ذلك من قبيل القياس الممنوع عندنا. نعم لو ان العنوان الذى اخذ موضوعا من الوسائط الثبوتية بمعنى يكون علة لترتب الحكم وليس بقاؤه يناط به كما في مثل نجاسة الماء المتغير فانه اذا زال التغير من قبل نفسه لا ترتفع النجاسة إذ الموضوع في القضية إذا تغير الماء نجس هو الماء والتغير علة للحدوث فلا مانع من جريان استصحاب النجاسة.

وبالجملة فرق واضح بين ما يكون الحكم منوطا بالموضوع كمثل قلد العادل

١٠١

القائل بالبراءة بمناط الاستصحاب يقدم على قول الاخباري بالاحتياط ، وهذا

__________________

واخرى لا يكون منوطا به بل يكون سببا لحدوث الحكم والمقام من قبيل الاول وعليه لم تكن القضية المتيقنة عين المشكوكة وسيأتي مزيد توضيح له في الاستصحاب ان شاء الله تعالى.

التقريب الثاني باستصحاب عدم جعل الحكم الالزامي فان الأحكام تدريجية الجعل فمع الشك في جعل الحكم نقطع بعدم جعله فيستصحب ما لم يقطع بجعله وقد اورد عليه الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) بايرادين :

الأول ـ بان عدم الجعل في حال الصغر من العدم المحمول غير المنتسب الى الشارع والعدم المشكوك حال الكبر من العدم النعتى واستصحاب العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي من الاصول المثبتة ، ولكن لا يخفى انك قد عرفت انه بالاستصحاب يحصل الانتساب إذ ليس الانتساب من المستصحب وانما هو من آثار الاستصحاب فنفس العدم السابق يستصحب وبنفس هذا الاستصحاب يترتب الانتساب ولا يكون من الأصل المثبت.

الثاني ان المحرك للعبد هو التكليف الفعلي لا التكليف الانشائي واستصحاب عدم الجعل لا يثبت عدم التكليف الفعلي إلا على القول بالأصل المثبت وقد اجيب عنه بالنقض باستصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل الذي هو لا خلاف فيه. نعم يرد عليه ان اصالة عدم جعل الحكم الالزامي بمعارضته باستصحاب عدم جعل الترخيص للعلم الاجمالي بثبوت احدهما فيتساقطان فيرجع الى البراءة ولكن لا يخفى انه لا مانع عن جريان الاصلين لعدم تحقق مخالفة عملية للتكليف الالزامي والانصاف انه لا مانع من تحقق استصحاب عدم الجعل فيقدم على اصالة البراءة من غير فرق بين كون الشبهة حكمية او موضوعية فافهم وتأمل.

١٠٢

هو العلة بالتمسك بالبراءة فيها بمناط الاستصحاب.

هذا كله لو كان المستصحب عدم العقوبة باللازم لبراءة الذمة ، واما بالنسبة الى عدم الاشتغال فيمكن القول بجريانه باعتبار أنه ليس المراد من البيان الواقعي ، بل المراد البيان الواصل ومن الواضح ان اشتغال الذمة يتوقف على البيان الواصل فمع احتمال البيان يحصل الشك في اشتغال الذمة فمع الشك يجري استصحاب عدم الاشتغال ، إلا ان يقال بان قاعدة القبح توجب القطع بعدم الاشتغال ، إلا ان الكلام مع قطع النظر عن قاعدة القبح على انه يمكن ان يقال بورود الاستصحاب على الترخيص العقلي ، فلذا يترتب عليه الاثر الشرعي ، ولا يترتب على الترخيص العقلي.

واما بالنسبة الى عدم المنع فلا مانع من جريان الاستصحاب ، ويكون قابلا لرد الاخباريين القائلين بالاحتياط اذ استصحاب عدم المنع يدفع دليل الاحتياط ، فانه في مورد احتمال المنع مع مجيء استصحاب عدم المنع ، ولذا ربما يقال بحكومة استصحاب عدم المنع على دليل الاحتياط ، فان لسانه يرفع احتمال المنع ولسان دليل الاحتياط في مقام احتمال المنع ، ولا يكون المقام من الاصل المثبت ، إذ ليس الترخيص من لوازم ذلك لكي يكون منه ، وإنما هو مجرى الاستصحاب نفس الترخيص الذي هو عدم المنع وهذا العدم من الامور الجعلية الذي هو بيد الشارع فيكون صالحا لان يستصحب لانه اما ان يترتب عليه الاثر أو نفسه هو الاثر ومرجع ذلك الى استصحاب عدم المنع واقعا الذي هو من اللوازم لبراءة الذمة بخلاف الثاني فانه من اللوازم في مرتبة الجهل ، وعليه يمكن الفرق بينهما إذ ما كان في مرتبة الجهل يمكن القول بورود قاعدة قبح العقاب على الاستصحاب ، ولكن بالنسبة الى نفي اللزوم واقعا كما هو مقتضى نفي المنع واقعا ينعكس الامر فيجرى الاستصحاب فيحرز العدم واقعا فلا يبقى مجال لقاعدة

١٠٣

القبح لتأخرها عن ذلك ، فافهم وتأمل فانه دقيق. هذا تمام الكلام في ادلة الاصوليين للقول بالبراءة في الشبهة الحكمية التحريمية.

ادلة الاخباريين

احتج الاخباريون القائلون بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية بالادلة الثلاثة :

أما الكتاب فبآيات منها قوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) الى غير ذلك من الآيات الناهية عن اتباع غير العلم ، ولكن لا يخفى انها معارضة للآيات الدالة على البراءة فلا بد من التصرف بظاهرها اما بحمل النهي فيها على التنزيهي ، او حمله على الشبهة البدوية قبل الفحص.

ويؤيد ذلك ما روي (هلا تعلمت) فانه يدل على ان الذي صار سببا للعقوبة هو ترك التعلم والتقصير ولا تثبت عقوبة زائدة على ترك التعلم مضافا الى ان الظاهر من الآية هو عدم العلم بمطلق الترخيص من قبل الشارع. وعليه يكون دليل البراءة المثبت للترخيص مقدما على هذه الآية. وبعبارة اخرى ان الترخيصات الحاصلة من ناحية الشارع تكون واردة على هذه الآيات فلذا هذه الآيات غير صالحة للاستدلال بها على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية التحريمية ومنها قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولكن لا يخفى انه ما المراد من التهلكة في الآية؟ ان كانت هي العقوبة الاخروية فلا بد من حمل الآية على صورة تحقق العلم الاجمالي او التفصيلي بالعقوبة وحينئذ لا يستدل

١٠٤

بالآية على الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية إذ هي من الشبهات غير المقرونة بالعلم وبنفس الشك في العقوبة يحصل القطع بعدمها لقاعدة قبح العقاب بلا بيان على ان مفادها مساوق لقاعدة دفع الضرر المحتمل الذي قد عرفت ورود قاعدة القبح عليها. وان كانت عبارة عن المضرة الدنيوية فقد عرفت منا سابقا انه لا يجب التحرز عنها ، إلا ما احرز انه مضرة فلم يجب التحرز عما احتمل انه مضرة كما في المقام.

ومنها قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ولكن لا يخفى ان المراد بحق تقاته هي المرتبة الكاملة من التقوى فتحمل الآية على الترغيب بتحصيل الأكمل فيكون مساقها مساق قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وعليه يحمل الامر على الاستحباب ومنه تعرف الحال في الاستدلال بقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) مضافا الى امكان حملها على الجهاد بالمعنى الاخص فعليه تخرج الآية عن الاستدلال بها للمقام.

ومنها قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ولكن لا يخفى ان الظاهر من هذه الآية هو امكان ازالة الشبهة بالرجوع الى الله والرسول وعليه تخرج هذه الآية عن الاستدلال بها للمقام إذ لا إشكال انه مع التمكن من ازالة الشبهة لا يرجع الى البراءة عند الجميع على انه يمكن حملها على صورة تعارض النصين فحينئذ يكون الرد الى الله والرسول هو الترجيح بموافقة الكتاب او السنة فعليه تخرج عن مقام الاستدلال بها للاحتياط فلا تغفل.

١٠٥

الاستدلال بالسنة على الاحتياط

احتج الاخباريون بالسنة على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية ، وهي على طوائف.

منها ما دل على حرمة العلم بغير العلم ، وقد عرفت انها غير دالة ، إذ الترخيصات المستفادة من الادلة واردة عليها.

ومنها الامر بالتوقف كقوله عليه‌السلام : (إذا اشتد الامر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا حتى نشرح لكم) وقد عرفت الجواب منا سابقا بأن مثل هذه الاخبار تدل على التوقف عند امكان إزالة الشبهة بالرجوع الى الكتاب او السنة فتختص بما قبل الفحص ، ولا اشكال انه عند الفريقين يجب التوقف فيخرج ذلك عن المقام فلذا لا يجوز الاستدلال بمثل ذلك على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية.

ومنها ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة ، فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وبهذا المضمون وردت عدة روايات.

ومنها رواية التثليث وفيها (ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم).

ولكن لا يخفى ان هذا المضمون لا دلالة فيه على مدعى الاخباريين ، فان ظاهرها كون الهلكة هي العلة للاقتحام في الشبهة ، ولازم ذلك ان تكون الهلكة مفروضة الوجود مع قطع النظر عن الامر بالتوقف إذ هي العلة للامر وليست مسببة من نفس الأمر وإلّا لزم ان يكون المعلول هو العلة وذلك باطل للزوم الدور الذي ملاكه تقدم الشيء على نفسه وهو واضح البطلان. وحينئذ

١٠٦

فذلك الامر الذي هو سبب للهلكة ليس إلا تنجز الحكم الواقعي ، أما بالعلم الاجمالي أو الشبهات البدوية قبل الفحص ولا تشمل المقام الذي هو الشبهة البدوية بعد الفحص فانها بمقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان مزبلة للهلكة بمعنى العقوبة.

وبعبارة اخرى ان الامر بالتوقف لا يصلح لان يكون امرا مولويا مبينا للواقع إذ لازمه ان يكون سببا لتحقق الهلكة وعليه تكون الهلكة معلولة للامر مع انك قد عرفت انها في رتبة سابقة على الامر وحينئذ لا يكون الامر بالتوقف صالحا للبيانية ، هذا وقد قرب الشيخ الانصاري (قده) وجها آخر بما محصله أن الهلكة عبارة عن العقوبة فتكون العقوبة بلا بيان قبيحة من المولي وبهذه الاخبار تكشف بطريق الإنّ ان الشارع لا يرضى بارتكاب الشبهة ، فيستكشف من ذلك ان الشارع قد اوجب الاحتياط ، وببيان آخر : ان هذه العمومات صالحة للبيانية بناء على ان المراد من الهلكة خصوص العقوبة كما هو الظاهر وشمول الاطلاقات للشبهة بعد الفحص ، فحينئذ يستكشف منها وجوب الاحتياط في المرتبة السابقة على الامر بالتوقف فيصلح وجوب الاحتياط للبيانية فيكون منجزا للواقع ، فتخرج الشبهات الحكمية البدوية عن حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، لصيرورة هذه الاخبار بيانا فتكون واردة على حكم العقل بالقبح.

وقد أجاب الشيخ (قده) عن هذا الاشكال بان ايجاب الاحتياط ان كان وجوبه مقدمة للتحرز عن العقوبة المحتملة فتكون العقوبة حينئذ على الواقع المجهول فلا اشكال في قبحه ، وان كان وجوبه نفسيا فالعقوبة تكون على تركه لا على ترك الواقع المجهول فلا يصلح لان يكون بيانا إذ هو حكم ظاهري في قبال الواقع وقد اورد عليه الاستاذ (قده) في الكفاية بما حاصله أن ايجاب الاحتياط لا ينحصر في الوجوب المقدمي والنفسي بل يمكن أن يكون طريقيا فحينئذ يعود

١٠٧

الاشكال المتقدم إذ كونه طريقيا يصلح لان يكون بيانا للحكم الواقعي.

وربما يستفاد الجواب من الاستاذ (قده) في الكفاية وفي حاشيته على الفرائد ببيان منا بانا نستحق العقاب على ترك الواقع المجهول بسبب ترك الاحتياط الواصل ايجابه الينا ووصوله الينا يتوقف على التعبد بظاهر العموم لكل شبهة فيتوقف الحكم بايجاب الاحتياط على التعبد بالعموم والتعبد بالعموم يتوقف على احتمال مطابقة الظاهر للواقع واحتمال المطابقة موقوف على التعبد بظهور العام فيلزم الدور.

وبالجملة من التعبد بالعموم يلزم منه الدور وهو محال فالملزوم مثله وإذا لم يمكن لنا التعبد بالعموم فلم يكن ايجاب الاحتياط واصلا واذا لم يكن واصلا لم يكن ترك الاحتياط موجبا للعقوبة على الواقع المجهول هذا كله ما يتعلق بكلام العلمين.

اقول يمكن ان يقال في دفع محذور الدور بناء على كون الخطاب مختص بالحاضرين وقت الخطاب وشمول الاحكام للغائبين بقاعدة الاشتراك.

بيان ذلك ان المشافهين لما خوطبوا بهذه العمومات تكون حجة بالنسبة اليهم فيجب عليهم الاحتياط بمقتضى هذه العمومات وحجيتها موقوفة على احتمال مطابقة العمومات للواقع وهذا الاحتمال لا يتوقف على التعبد بالعموم لكي يلزم محذور الدور بل من المحتمل أن يكون بطريق آخر وصل اليهم ولم يصل الينا مثلا نفرض ذلك الطريق تصريحه عليه‌السلام بايجاب الاحتياط فاذا وجب عليهم وجب علينا لقاعدة الاشتراك فعليه لا مانع من التمسك باطلاق الشبهة للشبهات البدوية بعد الفحص بالنسبة الى الموجودين في حال الخطاب وثبت الحكم المستفاد من الاطلاق للغائبين والمعدومين بقاعدة الاشتراك ، ولكن لا يخفى ان هذا ايضا محل منع توضيح ذلك ان العمومات المذكورة قد تخصصت بالآيات والروايات التي دلت على

١٠٨

البراءة فيكون الخارج من العمومات كل شبهة لم يرد فيها بيان من الشارع فتكون العمومات حجة في غير ما علم باخراجه وليست بحجة فيما علم باخراجه وذلك يتم في ما اذا قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما لو ورد اكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق منهم فلو شك في زيد العالم انه فاسق ام إلا فالتمسك بعموم اكرم العلماء فيجب اكرامه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية وقد حققنا في محله انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وبالجملة المقام من قبيل الشبهة المصداقية إذ لا اشكال انه بمقتضى الآيات والروايات الدالة على البراءة اخرجت كل شبهة لا بيان فيها. وفي مثل هذه الشبهة نشك في انها كان لها بيان ام لا فالتمسك بادلة ايجاب الاحتياط في كل شبهة تمسك بالعام في الشبهة المصداقية وقد عرفت انه خلاف التحقيق فالعمومات إنما تصلح بيانا عند من جوز التمسك بالعام في تلك الشبهة كما لا يخفى.

ان قلت ان الذي أخرجه عن دائرة العموم إنما هو حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان فلو جاء دليل بهذا المضمون فانما هو مؤيد لحكم العقل فيكون التخصيص بالدليل العقلي. فحينئذ يكون مندرجا تحت ما لو تخصص العام بالدليل اللبي لا بالدليل اللفظى ، وقد علم في محله ان المختار جواز التمسك بالعام في تلك الشبهة اذا كان المخصص لبيا لا لفظيا لما هو معلوم ان في الدليل اللبي يؤخذ بالقدر المتيقن وغيره يبقى تحت العام.

قلت : الدليل النقلي إنما يكون مؤيدا ولا يعتنى به إذا لم يكن فيه مزية ، واما لو كانت له مزية يعتنى بها فيجعل هو المخصص فلم يكن مؤيدا ، فعليه يلغي العام بالنسبة الى ما يكون من الشبهات البدوية بعد الفحص على انه لو انتهى الامر الى المعارضة فتقدم اخبار البراءة لكونها قاصرة عن شمولها للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فتكون اخص مطلقا من اخبار الاحتياط ولا اشكال في تقدم

١٠٩

الخاص على عموم العام فافهم وتأمل.

ومنها اخبار الاحتياط وقد وردت بمضامين مختلفة ففي بعضها اخوك دينك فاحتط لدينك ، وفي بعضها ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط وفي بعضها خذ الاحتياط في جميع امورك الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في حملها على الندب والاستحباب بل في بعضها النقية كمثل أرى لك ان تأخذ بالحائطة لدينك.

وبالجملة ان ادلة الاخباريين من الآيات والروايات لا تنهض على وجوب الاحتياط ، نعم تدل على رجحانه ومن ان رجحانه مسلم عند الجميع. ولو سلم دلالتها على الوجوب فتقدم أدلة الاصوليين الدالة على البراءة لما عرفت انها اخص فيقدم الخاص على عموم العام لقصور شمولها للشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى ومع تسليم المعارضة تتساقط بالمعارضة ويرجع الى قاعدة قبح العقاب من دون بيان فافهم وتأمل.

الاستدلال بدليل العقل على الاحتياط

ومما استدل على وجوب الاحتياط بدليل العقل وقد قرب بوجهين :

الاول ـ هو انا نعلم بتكاليف واقعية توجهت الينا وقد تنجزت علينا فيجب الخروج عن عهدتها ولا يحصل الفراغ اليقيني إلا بالاحتياط فيحكم العقل بوجوبه لان شغل الذمة اليقينى يستدعي الفراغ اليقيني.

هذا ولكن لا يخفى انك قد عرفت منا سابقا ان باب العلم تارة نقول بانسداده واخرى نقول بانفتاحه فان قلنا انسداده فتجري مقدمات الانسداد

١١٠

فتختلف النتيجة بحسب اختلاف المسالك فتارة التبعيض واخرى العمل بالظن وعلى الآخر اما الحكومة او الكشف وان قلنا بانفتاحه بناء على المختار من ان باب العلم غير منسد والنتيجة يكون الأخذ بكل ما قامت عليه امارة على الفعل أو الترك وبالنسبة الى غيرها من الموارد المشكوكة فيجب الاخذ بالاحتياط تحصيلا للفراغ اليقيني.

وكيف كان فلا اشكال في أن قيام الطرق التفصيلية توجب انحلال العلم الاجمالي وإنما الكلام في الطرق الظنية هل توجب الانحلال ام لا؟ وقضية الانحلال بها يوجب عدم تأثير العلم الاجمالي فلا يوجب الاحتياط وبذلك يكون الجواب عن دليل العقل ، والشيخ الانصارى (قده) ذكر فى جواب ان قلت قال بالنسبة الى الطرق التفصيلية انها لم توجد لكي توجب الانحلال ، واما بالنسبة الى الطرق الظنية انها وان وجدت ولكن لا توجب الانحلال لانها تجتمع مع العلم الاجمالي إذ لا منافاة بينها وبين العلم الاجمالي ، اما بنفسه فظاهر لعدم المحذور من اجتماع الظن مع العلم إذ هو ليس كالقطع التفصيلي لكي ينافي اجتماعه مع العلم ، واما بدليل اعتباره فهو ان مؤدى ذلك ليس الأخذ بمضمونه وهو لا يوجب تقييد الواقعيات وحصرها بمؤديات الطرق هذا ملخص ما قربه للاستدلال على ايجاب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية وقد اجاب قدس‌سره بوجهين.

الاول ـ ما لفظه يمنع تعلق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلا بما أدت اليه الطرق غير العلمية المنصوبة له فهو مكلف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق لا بالواقع من حيث هو ولا بمؤدى هذه الطرق من حيث هي لكي يلزم التصويب او ما يشبهه لان ما ذكرنا هو المتحصل من ثبوت الاحكام الواقعية للعالم وغيره وثبوت التكليف بالعمل بالطرق وتوضيحه في محله وحينئذ فلا يكون

١١١

ما شك في تحريمه مما هو مكلف به فعلا على تقدير حرمته واقعا.

واما الثاني فما فملخصه انه قد تبين في الشبهة المحصورة انه لو قام الطريق على احد اطراف العلم الاجمالي واحتمل انطباق المعلوم بالاجمالي عليه يوجب انحلال ذلك العلم وتجري اصالة الحل في الطرف الآخر لجريانها من دون معارض من غير فرق بين كون الدليل سابقا على العلم الاجمالي ام لاحقا إذ العلم الاجمالى غير ثابت بعد تحقق العلم التفصيلي بحرمة بعضها بواسطة وجوب متابعة البينة ، ولا يخفى ان ما نحن فيه من هذا القبيل.

اقول وفي كلا الجوابين نظر : اما عن الاول فلان لازم كلامه تقييد الواقعيات بمؤدى الطرق ، وذلك يناقض ما ذكره غير مرة بان الواقعيات غير مقيدة بمؤديات الطرق. واما عن الثانى فكلامه اشبه بالمصادرة على المطلوب. فانه اول الكلام في انه اذا قامت امارة على بعض اطراف العلم الاجمالي تكون تلك الامارة موجبة للانحلال بل على ما سيأتي ان الاصول لا مجرى لها مع كون العلم الاجمالي علة تامة للمنجزية. نعم لو كان بنحو الاقتضاء لا العلية للتنجيز فلا مانع من جريان الاصل وعند جريانه يكون مانعا من التنجيز فحينئذ يجري الاصل بلا معارض ومع جريانه لا يكون العلم الاجمالي مؤثرا من جهة وجود المانع وليس ذلك موجبا للانحلال وعليه يخرج عن محل النزاع. هذا ولكن الانصاف ان ما ذكره من الاشكال على الجواب الاول غير وارد بل كيف يتوهم من الشيخ ان يقول بتقييد الواقعيات حتى يتوجه عليه بايراد المناقضة بين كلامه هنا وبين كلامه في رد الفصول فالذي ينبغي ان يفهم كلام الشيخ (قده) على وجه لا مناقضة بين كلاميه هو ان يقال ان مناط الجوابين يختلف ، فان جوابه الاول ملاكه بيان ان القصور انما جاء من ناحية التكليف المعلوم ولم يكن قصورا من

١١٢

ناحية العلم. وفي الجواب الثاني التعرض للقصور من ناحية المعلوم.

توضيح ذلك ان التكليف الذي علم اجمالا تارة يكون المقصود منه حفظ الوجود على نحو الاطلاق بمعنى ان الشارع لا يرضى بتركه مطلقا واخرى يكون المقصود منه حفظ الوجود من جهة دون اخرى كما لو كان حفظه في ظرف ترك الآخر ولا يرضى بتركه في ظرف عدم ترك الآخر وهو المراد بالتكليف التوسطي وغرض الشيخ (قدس) في جوابه الأول هو بيان ان التكليف بنحو التكليف التوسطي بمعنى لا يرضى بتركه في ظرف ترك الآخر ويرضى بتركه في ظرف ايجاد الآخر فعليه لا تكون مناقضة بين هذا الكلام وما ذكره قبل ذلك في جواب صاحب الفصول.

فعليه يكون دليل اعتبار الامارة موجبا لورود النقض من ناحية التكليف الواقعي المعلوم بالاجمال لانه يكون موجبا للحصر والتقييد حتى يكون نقصا في ناحية العلم في التأثير ، واما الجواب الثاني فالشيخ لم يكن غرضه تقريب الانحلال بل كان في مقام ان العلم الاجمالى موجب للانحلال هذا كله في توجيه كلام الشيخ (قده).

واما الاستاذ ففي الكفاية سلم الانحلال ولكن ناقش بما حاصله ان القول بانحلال العلم الاجمالي الى مؤديات الطرق إذا قلنا في الطرق بجعل احكام ظاهرية طريقية ، واما إذا قلنا بجعل الحجية في باب الطرق بمعنى ان الطريقية في باب القطع منجعلة غير مجعولة وفي الطرق والامارات مجعولة فلا ينحل العلم الاجمالي بقيام الطرق والامارات إذ لا حكم مجعول في مواردها كي يوجب الانحلال واجاب بما حاصله بان نفس قيام الحجة على التكاليف المنطبقة عليها المعلومة اجمالا توجب الانحلال ولو تعبدا بان يكون ما قامت عليه الحجة عين المعلوم اجمالا في صورة الموافقة بنحو يصرف تنجز المعلوم بالاجمال الى ما قامت عليه الحجة وفي صورة

١١٣

المخالفة يكون عذرا لعدم الاجتناب عن المعلوم بالاجمال في ذلك الحال (١)

__________________

(١) ولا يخفى ان الجواب مبني على ان الامارة القائمة على الحكم الالزامي بنفس قيامها تنفي تنجز التكليف المحتمل بالنسبة الى بقية الاطراف فينحصر التنجز في موارد قيام الامارات مثلا لو علم اجمالا بنجاسة اناء زيد المردد بين الإناءين ثم قامت بينة بنجاسة اناء معين منهما هو اناء زيد كان التنجز منحصرا في انائه والانصاف ان ما ذكره محل نظر بل منع فان المستفاد من الامارة هو ثبوت الحكم في موردها ولا تنفي الحكم من غير موردها. اللهم إلا ان يقال بان ذلك لازم اختياره في جعل الطرق فانه بناء على مختاره من جعل المنجزية والعذرية تكون منجزية الامارة للواقع موجبة لحصر التنجيز فيما قامت عليه الامارة ونفيه عن غير مواردها

ولكن لا يخفى انه بناء على ذلك يصعب القول بالانحلال بناء على اشتراط منجزية الطرق والامارات بالوصول حيث ان العلم الاجمالي الثابت في اول الامر قد أثر أثره من تنجيز جميع المحتملات وقيام منجز آخر بعد ذلك على الحكم في بعض الاطراف لا يوجب سقوط منجزية العلم الاجمالي السابق تنجزه بل ربما يقال بلغوية تنجز اللاحق لعدم تأثيره بعد تحقق منجز سابق.

كما انه بناء على مسلك المشهور في جعل الطرق من انها احكام فعلية على طبق مؤدياتها المعبر عنها بالسببية لا ينحل العلم الاجمالي إذ ذلك لا يوجب سقوط منجزية العلم الاجمالي. نعم بناء على ما سلكه المحقق النّائينيّ (قده) من انها نفس الطريقية والمحرزية في مقام الاثبات لم يبق العلم الاجمالي لانقلاب القضية المنفصلة الى جملتين حمليتين فمع زواله يزول التنجز ولازمه الانحلال لانطباق ملاكه عليه الذي هو عبارة عن انقلاب القضية المنفصلة الى قضيتين حمليتين احدهما متيقنة

١١٤

مسألة الانحلال

وحيث انحر الكلام الى مسألة الانحلال وانها من المسائل المهمة لذا ينبغي بسط الكلام فيها :

فنقول ومن الله المستعان انا إذا علمنا اجمالا بتكليف مردد بين طرفين فتارة نقطع قطعا تفصيليا أو تقوم امارة قطعية أو ظنية على تعيين المعلوم بالاجمال في أحد الطرفين ، واخرى نقطع وجدانا او قيام امارة ظنية أو قطعية على وجود تكليف مماثل للمعلوم بالاجمال بنحو يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه فهنا صور ينبغي التكلم عنها.

__________________

ولو باليقين التعبدي والاخرى مشكوكة بنحو الشك الساري. واما لو لم تنقلب الى ذلك بل بقيت على كونها قضية منفصلة مانعة الخلو ، كما لو علمنا بنجاسة احد الإناءين فهي تنحل الى قضية مانعة الخلو اي اما هذا الاناء نجس او ذاك الاناء نجس ويحتمل نجاستهما فلا ينحل العلم الاجمالي.

فالمتحصل مما ذكر ان ملاك الانحلال انقلاب القضية المنفصلة الى قضيتين حمليتين احدهما متيقنة والاخرى مشكوكة ، وملاك عدم الانحلال عدم انقلاب القضية المنفصلة بل هي باقية على كونها مانعة الخلو ، وسر ذلك هو ان العلم الاجمالي الحاكم بتنجيزه هو العقل لكونه كاشفا عن الواقع كالعلم التفصيلي ولم يكن تنجيزه بالتعبد فعليه ان تنجيزه لا بد وان يكون على جميع التقادير بمعنى ان يكون علما بالتكليف الفعلي على كل تقدير ولا يزول كاشفيته إلا بالشك الساري الطارئ فيزول تنجزه ولا تزول الكاشفية بتحقق منجز لو لم يكن بنحو الشك

١١٥

اما الصورة الاولى فهي خارجة عن محل الكلام إذ لا اشكال في انحلال العلم الاجمالي فيها وانما الكلام في الصورة الثانية وهي ما لو قام قطع وجداني او امارة على التكليف ولم يكن لسانهما تعيين المعلوم بالاجمال وانما يحتمل انطباق ما هو المعلوم بالاجمال عليه فنقول ان محل الكلام تارة يكون فيما لو قطع وجدانا واخرى قيام امارة شرعية ، وثالثة أصل شرعي ، ورابعة أصل عقلي كقاعدة الاشتغال او الظن الانسدادي بناء على الحكومة ولا اشكال في ان الصورة الاخيرة غير موجبة للانحلال الحقيقي بل لو كان انحلالا فهو حكمي

__________________

الساري بل هو بنحو منجز جديد فان طرو مثل ذلك لا يوجب انقلاب القضية المنفصلة الى حمليتين قضية متيقنة وقضية مشكوكة بل هي باقية على حالها من كونها قضية منفصلة مانعة الخلو.

ومثل ذلك ما لو طرأ الاضطرار الى بعض الاطراف او تلف بعضها او امتثل التكليف باتيان بعضها فان العلم بالتكليف في مثل هذه الفروض منجز فمع تحقق مثل هذه الامور لا يوجب الشك في تنجزه لكي يكون من الشك الساري ، وإنما الشك في مثلها من الشك في السقوط فلا بد من تحصيل اليقين بسقوط التكليف المنجز.

هذا ويمكن ان يقال في تقريب الانحلال بوجه آخر وهو ان نفس قيام الامارة يوجب التنجز ، وبها يحصل الوصول فيكون عند بلوغ المكلف يحتمل وجود امارات تقوم على تكاليف قد تنجزت عليه فيكون هذا الاحتمال الحاصل عند البلوغ وقبل الفحص منجزا وهو مقارن للعلم الاجمالي فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجزا في جميع اطرافه لمقارنته لتنجز بعض أطرافه بسبب تحقق هذا الاحتمال فيكون نظير ما اذا علمنا بنجاسة احد الإناءين مع علمنا بنجاسة أحدهما المعين فان العلم الاجمالي غير

١١٦

واما الكلام في الصورة الاولى فهل قيام القطع الوجداني على أحد الطرفين يوجب الانحلال الحقيقي كما هو مذهب الجمهور ام لا يوجب الانحلال الحقيقي والحق هو الثاني وتدل عليه امور :

الاول ـ ان مفروض الكلام فيما لو قام قطع تفصيلي على أحد أطراف المعلوم بالاجمال ونقطع بعدم تحقق تكليف زائد على المعلوم بالاجمال ولا اشكال انه مع قيام مثل هذا القطع على أحد الاطراف أيضا يحتمل وجود المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر وحينئذ نقول ان هذا الاحتمال من أي شيء حصل

__________________

مؤثر على كل تقدير ، وقد بينا في محله ان مثل هذا العلم الاجمالي لا يترتب عليه أثر فلا يكون مؤثرا ومنجزا على كل تقدير إذ تنجيزه إنما هو بتساقط الاصول بعد تعارضها ، وفي المقام يجري الأصل بلا معارض في الطرف الآخر.

واما في الطرف الذي قامت عليه الامارة لا يجري الأصل فعليه لا مانع من دعوى انحلال العلم الاجمالي بقيام الطرق على بعض اطرافه بدعوى انقلابه الى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة وهي ما قامت عليه الامارة وقضية مشكوكة وهي ما لم تقم عليه الامارة فتجري اصالة البراءة فيها على جميع الأقوال في باب الطرق ببيان انه على الطريقة فلا اشكال في تحقق الانحلال بالشك الساري بان ينقلب الى قضية متيقنة وقضية مشكوكة.

واما بناء على المنجزية والمعذرية فقيام الامارة تكشف عن تنجز التكليف في بعض الاطراف من اول الامر من غير جهة العلم الاجمالى فتكون كما لو اقترن العلم الاجمالي بمنجز فلا يكون مؤثرا على كل تقدير كما انه على ما ينسب الى المشهور من القول بجعل السببية بان يكون قيام الامارة تكشف من اول الامر على اشتمال مؤديها على مصلحة أو مفسدة تستلزم الحكم على الاتيان بمؤداها فيكون من

١١٧

هل منشؤه هو العلم الاجمالى أو العلم التفصيلي الذي قام على أحد الاطراف أو شيء آخر من الخارج اما الاخيران فلا يمكن أن يصار اليهما ، اما العلم التفصيلي فقد قام على أحد الأطراف حسب الفرض فكيف يكون منشأ للاحتمال في الطرف الآخر وأما شىء آخر من الخارج فلقد عرفت انتفاءه فتعين ان يكون منشؤه احتمال انطباق المعلوم بالاجمال علي الطرف الآخر هو العلم الاجمالي فاذا جاء الاحتمال من العلم الاجمالى فلا بد من بقائه وعدم انحلاله إذ لو انحل فلا مجال لبقاء الاحتمال لزوال منشئه كما لا يخفى.

__________________

أول الأمر اقترن العلم الاجمالي بمنجز فذلك يوجب انحلاله لعدم تأثيره على كل تقدير فلذا لا مانع من جريان البراءة في الموارد التي لم تقم عليها الامارة لعدم معارضتها باصل في الطرف الآخر هذا كله لو لم نقل بجعل الحكم المماثل.

واما بناء على جعله فالعلم الاجمالي غير قابل للانحلال بذلك الحكم المماثل اما بناء على الموضوعية والسببية فتكون ما قامت عليه الامارة ذا مصلحة مقتضية لجعل الحكم المماثل على طبق المؤدي وذلك لا يوجب صرف تنجز العلم الاجمالي السابق الى ما قامت عليه الامارة لفرض سيق العلم في مقام التأثير فلا يكون مجال لتأثير الحجة في فعلية الحكم ولا في تنجزه ، واما امتناع اجتماع الفعلين واستحالة تنجز المتنجز لا ينفع في اسقاط المعلوم عن الفعلية وسقوط العلم عن المنجزية.

واما لو قلنا بجعل المماثل على الطريقية فيمكن دعوى الانحلال بدعوى صرف تنجز الواقع من حيث تعلق الامارة بالواقع الخاص الموجب لتنجزه إلا انه محل منع حيث انه بناء على جعل المماثل على نحو الطريقية يكون ذلك الصرف بنحو العناية ولا يكون صرفا حقيقيا فلو كان المعلوم بالاجمال بالغا مرتبة الفعلية

١١٨

الامر الثاني ان نظير العلوم التصديقية الصور التصورية فكما انها كانت متعلقة بالصور الذهنية من دون سراية الى ما في الخارج فكذلك العلوم التصديقية متعلقة بالصور الذهنية من دون سراية الى ما في الخارج ، ولا اشكال في ان العلم الاجمالي قد تعلق بالجامع بين الشيئين وفي عالم الذهن له وجود ذهني في قبال الخصوصيتين. نعم في عالم الخارج هو مندك فيهما والعلم التفصيلي تعلق باحد الخصوصيتين فلا يعقل أن يكون هذا العلم التفصيلي موجبا لانحلال العلم الاجمالي إذ هما في عالم الذهن متميزان بنحو يكون أحدهما متميزا عن الآخر فكيف يكون أحدهما موجبا لانحلال الآخر وانعدامه لما عرفت انهما متميزان في الوجود ، فلا يندك احدهما في الآخر كما لا يخفى.

الأمر الثالث ان كل علم اجمالي يتضمن وجود قطعين تعليقيين كما لو علمنا

__________________

يكون منجزا ومؤثرا ولا يرتفع تنجزه بمثل الحكم المماثل الذي كان تنجزه لغرض آخر.

وبالجملة صرف تنجز الواقع الى ما تعلقت به الامارة إذا كانت موجبة لتنجزه لا لايجاد حكم آخر فانه يكون حاله كما لو طرأ الاضطرار والتلف الى أحد الأطراف فانه لا يوجب صرف تنجز الواقع الى المضطر ونحوه ، ولكن الانصاف ان مثل هذا العلم الاجمالي قاصر عن تنجيز الواقعيات لما هو معلوم انه لم يتعلق باحكام فعلية بعثية او زجرية ، وإنما تعلق باحكام كلية حقيقية تصير فعلية عند تحقق موضوعاتها عند الابتلاء بها الحاصل ذلك بالتدريج فعليه لا يكون مثل هذا العلم الاجمالي المتعلق باحكام كلية يحصل فعلية موضوعاتها بتدرج الابتلاء وسيأتى منا عن قريب بيان حال العلم الاجمالي التدريجي في المتن مما هو نافع في المقام فلا تغفل.

١١٩

اجمالا بوجود نجس في أحد الإناءين بمعنى انه لو لم يكن في هذا الاناء نقطع بوجوده في ذاك الاناء ولو لم يكن في ذاك الاناء نقطع بوجوده في هذا الاناء فكل علم اجمالي لا بد وان يستلزم وجود قطعين تعليقين والمقام متحقق فيه ذلك ولا ينافي تحقق العلم التفصيلي في المقام فانه مع وجوده يتحقق فيه ذلك المناط فيظهر منه انه مع تحقق العلم التفصيلي لم ينعدم العلم الاجمالي. هذا بالنسبة الى العلم التفصيلى واما بالنسبة الى الامارة والاصل فبطريق أولى لا يوجب الانحلال الحقيقي من غير فرق بين مقارنتها للعلم الاجمالي أو سبقها أو تأخرها ودعوى انه بالنسبة الى مقارنتها للعلم الاجمالي يوجب انحلاله حقيقية لرجوع العلمين الى علم تفصيلي وشك بدوي في ما قامت اليه الامارة إذ ذلك هو مقتضى تعلق العلم الاجمالى بالجامع القابل للانطباق علي كل واحد من الطرفين ضرورة انه مع العلم بحرمة أحد الإناءين مع العلم ولو تعبدا بحرمه اناء احدهما المعين ، ومع انطباقه يستحيل بقاء العلم الاجمالى بل يتبدل الى العلم التفصيلي والشك البدوي.

ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم في الطرق غير العلمية على انك قد عرفت ان احتمال الانطباق على كل واحد من الاطراف مستلزم لبقاء العلم الاجمالى كما لا يخفى ولا يقاس المقام بالاقل والاكثر الاستقلاليين بدعوى ان في الاقل نعلم تفصيلا بوجوبه ونشك في وجوب الاكثر وهكذا في المقام فانا نعلم بوجوب ما قامت عليه الامارة ونشك في الطرف الآخر فانه قياس مع الفارق إذ فرق بين المقام وبين باب الاقل والاكثر ، فان باب الأقل والاكثر لم يكن مناط العلم الاجمالي متحققا الذي قد عرفت انه يحل الى قضيتين قطعتين تعليقتين إذ لا معنى للقول بان المقدار الزائد لو لم يكن في هذا لم يكن في ذاك إذ من المحتمل عدم تحققه في طرف من الاطراف ان قلت ان المقام كالاقل والاكثر من حيث ان التكليف

١٢٠