مخالفة الوهابيّة للقرآن والسنّة

عمر عبدالسلام

مخالفة الوهابيّة للقرآن والسنّة

المؤلف:

عمر عبدالسلام


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهداية
الطبعة: ١
الصفحات: ٩٢

٣

السفر لزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٤١
٤٢

تحريم الوهّابيّين (١)

السفر لزيارة قبر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

ورد فى كتاب الرد على الاخنانى لابن تيمية (المطبعة السلفية ومكتبتها) صفحة ٢٤ ما يلي :

لا يقصد السفر الى القبر [قبر النبي] دون المسجد الا جاهل او كافر.

وفى كتاب «مجموعة الرسائل الكبرى» في الرسالة الثّالثة في زيارة بيت المقدس ، طبعة بيروت ، المجلد الثّاني ، صفحة ٥٩ ورد قوله :

«لو نذر ناذر زيارة قبر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يجب عليه ، لأنّ السفر لزيارة قبر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهيّ عنه.

وقد تبعه فى ذلك عبد العزير بن عبد الله بن باز في كتابه «التحقيق والايضاح» صفحة ٦٩

والدكتور ناصر عبد الرحمن بن محمّد الجديع الاستاذ المساعد

__________________

(١) فى كتاب مرآة الجنان لليافعي في حوادث ٧٢٨ ما نصّه :

«ولابن تيمية مسائل غريبة أنكر عليها وحبس بسببها مباينة لمذهب اهل السنة ومن اقبحها نهيه عن زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

٤٣

بكلّية أصول الدين بالرياض جامعة الامام محمّد بن سعود الإسلاميّة في كتابه الموسوم ب : «التبرك» صفحة ٣٢٤.

السنّة وسيرة الصحابة والخلفاء تردّان الوهّابية :

لقد حرّم الوهابيون وعلى رأسهم امامهم ابن تيميّة زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مع انّه ورد الأمر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزيارة قبور المؤمنين كأمره بزيارة الاحياء من الاقرباء والمؤمنين واجمعت الامة والائمة على جوازهما بل مطلوبيتهما سواء من القريب او البعيد مضافا الى سيرة الصحابة والخلفاء بل مضافا الى سيرة النبي على زيارة القبور ومخاطبته اهلها ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فزوروا القبور ـ وزوروها ، عن صحيح مسلم باب الاضاحى

وكذا عن مسند احمد بن حنبل عن ابي سعيد الخدري (ج ٣ ص ٣٨).

وكذا في ابواب الجنائز من سنن الترمذي وابن ماجة والنسائي وابو داود ، واطلاق امره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزيارة القبور يشمل الزيارة عن القريب والبعيد وسيرة الخلفاء وحجاج بيت الله الحرام حيث يسافرون لزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مراسم الحج او بعدها تؤيّد ذلك.

نعم السفر بقصد زيارة المساجد لا معنى له ، لان المساجد للصلاة وكلها في الفضيلة من حيث الصلاة سواء الا المساجد الثّلاثة اعنى المسجد الحرام ومسجد النبي وبيت المقدس ، ولذا فقد ورد في صحيح البخاري باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

٤٤

احاديث بأن الصلاة في مسجد الحرام افضل من الصلاة في مسجد النبي.

قال ناصر بن عبد الرحمن :

«لما ان القول بشرعية شدّ الرحال لزيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفضي الى اتخاذه عيدا وهو ما نهى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم» كتاب التبرك ـ ص ٣٢٤.

ونقول للردّ على هذا الادعاء : بان زيارة القبور لا تصبح عيدا سواء قام بها القريب او البعيد ، (فقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزور قبر أمّه وقبور الشهداء مرة او عدّة مرات في العام كما وردت الاشارة في كتب السير والتاريخ الى قيام فاطمة بنت رسول الله بزيارة قبر حمزة وقد نحا الصحابة والتابعون هذا المنحى) فقد ورد ان هارون الرشيد والمنصور وغيرهما من الخلفاء كانوا يسافرون لزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

اما ادعاء الوهابيين بان سفر المنصور وهارون الرشيد وكل من كان يحج البيت الى المدينة لم يكن بقصد زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانما كان لاصابة فضيلة الصلاة في مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو ادعاء واضح البطلان لما هو معروف من افضلية الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والعاقل لا يمكن ان يستبدل الذي هو خير بما هو ادنى! (أن يترك الصلاة في المسجد الحرام ليصلّ في مسجد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

كما انهم لو سئلوا عن قصدهم من السفر من مكة الى المدينة لاجابوا حتما بأنهم يريدون زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٤٥

فمعنى جعل القبور عيدا ان يجعلها متروكة الزيارة الا فى الاعياد ومعنى الحديث الوارد فى النهى عن جعل قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيدا ان لا تترك زيارته فى ايام السنة حتى تصير زيارته مختصّة بيوم العيد لما ورد من زيارة النبي القبور وفاطمة فى الاسبوع مرتين وكذلك اصحابه وسيرة الخلفاء والمسلمين على السفر لزيارة قبر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ايام الحج وغيره) (١)

(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) النساء ١١٥

__________________

(١) والاولى ان لا يترك الحاج السفر لزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما روي الثواب له (فى بعضها وان التارك هو الجافى) كما نقل عن عليّ وابن عباس وعبد الله بن عمر.

٤٦

٤

بناء حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذوى القربى

٤٧
٤٨

بناء حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وذوى القربى

بايدي الصحابة والخلفاء

ولقد هدم الوهابيون فى سنة ١٣٤٤ ه‍ البناء الموجود حول مزار ذوى القربى وشبّاكه ، لكن لم يقدروا على هدم قبّة رسول الله وشبّاكه ، بل احدى الامور الهامّة التي اتخذها الوهابيون شعارا لهم هي دعوتهم لتخريب البيوت والجدران المقامة على حريم مزار قبور النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذو والقربى التي اوصى النبي وذوو القربى بالدفن فيها او بناها الصحابة والخلفاء لزعمهم حرمة تحويط مزار القبور بجعلها فى غرفة لصيرورة المزار بذلك مشرفا ومسجدا وقد نهى رسول الله عن اشراف القبور وجعلها مساجد.

لكن الدليل على ابتداعهم وعدم صيرورة القبر بذلك مشرفا ومسجدا امور :

أ : وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدفنه في غرفته وكذلك وصيّة الصحابة والخلفاء وعملهم بذلك دلائل واضحة على جواز جعل القبر في

٤٩

الغرفة :

ففي «طبقات ابن سعد» في المجلد الثاني باب ذكر موضع قبره ، وكتاب مختصر سيرة الرسول لمحمد بن عبد الوهاب باب ذكر غسله وتكفينه ودفنه :

كان المسلمون قد اختلفوا في دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ابو بكر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما مات نبيّ الا دفن حيث يقبض» فرفع فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي توفى عليه ثم حفر له تحته.

* وكذلك أوصى عمر بن الخطّاب بدفنه في غرفة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدفنه الصحابة فيها ، ودفن علي بن ابي طالب فاطمة بنت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غرفتها أو في دار عقيل ، جنب البقيع يعني في قبّة العبّاس (قبّة ذوي القربى) ودفن هارون الرشيد في داره وروى أنّ المأمون بنى حول مزاره هذا البناء الذي دفن فيه أيضا علي بن موسى الرضا ، راجع تاريخ ابن الأثير وتاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة وغيرهما.

ب : تحويط الصحابة والخلفاء مزار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دليل على جواز تحويط المزار :

روى ابن زبالة عن عائشة انها قالت :

ما زلت أضع خماري وأتفضّل في ثيابي حتّى دفن عمر ، فلم أزل متحفّظة في ثيابي حتى «بنيت» بيني وبين القبور جدارا.

ـ قال ابن سعد في «الطبقات» :

لم يكن على عهد رسول الله على بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذي كان

٥٠

مزاره بعد موته ـ حائط وكان «اوّل من بنى عليه جدارا عمر بن الخطاب» ، (١٣ ـ ٢٣ ه‍).

«طبقات ابن سعد» :

كان ابن الزبير قد زاد في ارتفاع الحائط الذي بنى على قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال عبيد الله بن ابي زياد : كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير (٦٤ ـ ٧٣).

وروي في صحيح البخاري أنّه بعد سقوط الحائط ، بناه الوليد بن عبد الملك الاموي :

«لمّا سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك اخذوا في بنائه» (٧٨ ـ ٧٩) (١).

روى السمهودي :

: انه كان حول ما يوازي حجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سطح المسجد حظير مقدار نصف قامة مبنيّا بالاجر تمييزا للحجرة الشريفة عن بقية سطح المسجد كما ذكره ابن النجار وغيره (٢) (وفاء الوفاء ج ٢ ص ٦٠٨).

__________________

(١) ـ صحيح البخاري في كتاب جنائزه في باب ما جاء فى قبر النبي (انساب الاشراف للبلاذري ج ٢ ص ٥٧٦).

(٢) ـ بنى الصحابة بيتا لمزار أمّ حبيبة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ذكر ابن شبة فى القرن الثاني في تاريخه قبرها فروى «عن زيد بن السائب قال : اخبرني جدي قال : لما حفر عقيل بن ابي طالب في داره بئرا وقع على حجر منقوش مكتوب فيه «قبر أمّ حبيبة بنت صخر بن حرب» فدفن عقيل البئر ، وبنى عليه بيتا. تاريخ المدينة المنورة : ج ١ / ١٢٠ ـ وفاء الوفاء للسمهودي : ص ٩١١.

٥١

ج : جعل القبر فى الغرفة لا يصيّره مشرفا ولا مسجدا ، اذ كان قبر النبي في غرفته غير مشرف ولا لاطى (١).

روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن ابي بكر انه قال :

«دخلت على عائشة فقلت لها يا أمّه اكشفي لي عن قبر النبي وصاحبيه ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء» (٢).

ـ «صحيح البخاري» في كتاب جنائزه ، وكذلك في كتاب «مجموعة الرسائل الكبرى» لابن تيمية في الرسالة الثالثة زيارة بيت المقدس :

عن عائشة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في مرضه الذي مات فيه :

«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا ،

قالت : ولو لا ذلك [القول من النبي] لا برزوا قبره غير اني اخشى ان يتخذ مسجدا (تعني لم يكن مبرزا حتى يصير مسجدا مع أنه في الغرفة) (٣).

__________________

(١) ـ وفاء الوفاء للسمهودي ج ٢ ص ٥٥١ (راجع طبقات ابن سعد أيضا).

(٢) ـ عدم اشراف قبر النبي كان لاجل نهى النبي عن اشراف القبور (مسند احمد بن حنبل فى مسند علي بن ابي طالب صفحة ٩٦ ، ١٢٩ و ١٣٨ : قال علي بن ابي طالب لابي الهيجاء الاسدي ابعثك على ما بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا قبرا مشرفا الّا سوّيته).

(٣) ـ لا تكون صلاة عائشة فى جنب القبر بمعنى انها اتخذته مسجدا لعدم قصد

٥٢

د : بناء قبّة حمزة بن عبد المطلب بمعونة الخلفاء العبّاسيين :

قال السمهودي في «وفاء الوفاء» :

ان على مزاره قبة عالية حسنة متقنة وبابه مصفّح كلّه بالحديد ، بنته أمّ الخليفة العباسيّ الناصر لدين الله (سنة : ٥٧٥ ـ ٦٢٢ ه‍) ابي العباس احمد بن المستضيء.

كما قاله ابن النجار وذلك في سنة تسعين وخمس مائة قال :

وجعلت على القبر ملبنا من ساج وحوله حصباء وباب المشهد من حديد يفتح كل يوم خميس وقريب منه مسجد يذكر انه موضع مقتله.

ـ «وواضح من النص السابق ان القبّة المشار إليها في الحديث لم تكن قبّة مسجد ، بل قبة مزار حرم حمزة ، وان الحرم كان قريبا من المسجد على مسافة قصيرة.

وبعبارة اخرى فان الحديث يشير الى وجود مبنيين متقاربين منفصلين بعضهما عن البعض احدهما حريم قبر حمزة والآخر المسجد وقد بنيت هذه القبّة تحت اشراف الخلفاء وان من قام بتهديمها ، هم الوهابيون ، ولو ان الوهابيين استطاعوا لخرّبوا مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

عائشة ذلك بل المراد عدم اتخاذه صنما يعبد بعنوان انه إله.

وبعبارة اخرى ان المراد من الحديث «النهى عن عبادة القبر لا مجرد الصلاة الى جنبه كما كانت تصلى عائشة وكما ان الزائرين يصلون اليوم فى مسجد النبي جنب قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

٥٣

بحجة انه قرن قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم اذ سطح المسجد وسطح مزار النبي متصلان وان كانا مميزين بالحظار كما عزموا عليه سابقا ولم يقدروا عليه»

ذكر ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة ان فاطمة بنت رسول الله كانت تزور قبر حمزة «ترمّه وتصلحه».

ه : تعمير قبّة ذوي القربى بايدى الخلفاء :

وهى المعروفة ب «قبّة العباس» الّتي هي من بيت عقيل كما روى ابن شبّة في تاريخ المدينة المنورة. (١)

وقال ابن الأثير :

«انه قد عمّر قبة ذوي القربى الخليفة العباسي الناصر (٢) لدين الله».

ويبدو ان قبة العباس المشار إليها هي من بيت عقيل في الاصل ، وكانّه جعلها محلا لدفن بني هاشم وذوي القربى ، حيث دفن فيها على حياة عقيل العباس بن عبد المطلب وفاطمة بنت اسد وابو سفيان الهاشمي وغيرهم ، وكأنّ عقيلا قد وقف بيته لدفن ذوي القرى.

وبذا وما سبق ذكره يتضح ان وجود الجدران والحرم حول الأماكن المقصودة بالزيارة خاصّة مكان زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقربائه ، أمر غير

__________________

(١) تاريخ المدينة المنورة لابن شبّه : ج ١ / ص ١١١ ـ ١٣٣.

(٢) تاريخ ابن اثير.

٥٤

منهيّ عنه ، بل انه من السنن الحسنة التي اوصى رسول الله بالدفن فيها وعمل بها وزاد فى بنائها اصحابه والتابعون والخلفاء كما هو كذلك فى بناء مزار ذوى القرباء التى كانت قبل ذلك بيت عقيل.

مضافا الى ان الوهابيين قد قاموا ببناء جدار حول مقبرة البقيع ، الّتي تعدّ مزارا للمؤمنين وجعلوا لها بابا كما عمّروا سقف مزار النبي وقبته اخيرا خلافا لبدء تسلطهم على المدينة حيث ارادوا تهديمه ولم يقدروا عليه وهذا يناقض اعتقادهم بحرمة البناء حول المزار.

وان اتخاذ القرار من مثل الوهابيين المشركين بتهديم هذه الأماكن على «أساس انّ هذا الأمر شرك وانّ من قام ببنائها وأوصى بالدفن فيها مشرك» ، يعد اهانة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه والخلفاء.

البكاء على الميّت :

ان في القرآن الكريم والسنة المتواترة شواهد جلية على جواز البكاء على الفقيد. وأوضح ما ورد في القرآن الكريم وصفه تعالى حالة يعقوب ـ عليه‌السلام ـ بعد ضياع يوسف ـ عليه‌السلام ـ منه وانقطاع اخباره ، اذ يقول تعالى : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ* قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١).

__________________

(١) ـ يوسف / ٨٤ ـ ٨٦.

٥٥

كما ورد في الحديث ان «النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار قبر أمّه وبكى وابكى من حوله» (١).

وورد انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال مخاطبا رقية بعد موتها : الحقي بسلفنا الخير عثمان ابن مظعون قال : وبكى النساء فجعل عمر يضر بهن بسوطه. فاخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده وقال : دعهن يا عمر وقال : وايّاكن ونعيق الشيطان فانّه مهما يكن من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة. ومهما يكن من اللسان ومن اليد فمن الشيطان.

قال : فبكت فاطمة على شفير القبر فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه.» (٢)

وكذلك روي ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بعد استشهاد حمزة :

«حمزة لا بواكي له ، فجاء نساء الانصار الى باب رسول الله فبكين على حمزة فدعا لهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم». (٣)

__________________

(١) ـ صحيح مسلم / باب عند دخول القبور.

(٢) ـ ابن شبة قي تاريخ المدينة المنورة والسمهودي في وفاء الوفاء وابن حجر في الاصابة.

سنن بيهقي في كتاب الجنائز وكذلك سنن ابن ماجة في الجنائز باب ٥٣.

(٣) طبقات ابن سعد والكامل لابن الاثير ومسند احمد بن حنبل في مسند عبد الله بن عمر ج ٢ / ص ٤٠.

(حديث ابن مسعود انه قال ما رأينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باكيا اشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب) من كتاب مختصر سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمحمد بن عبد الوهاب في ذكر شهداء احد.

٥٦

كذلك فقد اوردت كتب الحديث ابياتا ندبت فاطمة بها اباها اذ قالت :

يا أبتاه اجاب ربّا دعاه

يا أبتاه جنة الفردوس مأواه

يا أبتاه الى جبرئيل ننعاه

يا أبتاه من ربه ما ادناه (١)

وفي «صحيح البخاري» باب الجنائز وفي «سنن البيهقي» ، الجزء الرابع ان «رسول الله بكى في موت ابراهيم ، فقالوا : يا رسول الله تبكي وانت رسول الله؟ قال : انما انا بشر تدمع العين ويخشع القلب ولا نقول ما يسخط الرب.»

وواضح انّه لا حدّ للبكاء على الفقيد لا كما ولا كيفا وانما هو يرتبط بشدة او ضعف الحزن على الفقيد ، لهذا نرى ان بكاء يعقوب وحزنه على يوسف استمر سنوات طوال وادّى الى كفّ بصر يعقوب.

ـ كما ورد في صحيح مسلم ان عائشة «ذكر لها ان عبد الله بن عمر يقول ان الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لابي عبد الرحمن ، اما انه لم يكذب ولكنه نسي او اخطأ ، انما مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يهودية يبكى عليها فقال : انهم يبكون عليها وانها

__________________

(١) ـ طبقات ابن سعد ـ وكذلك سنن ابن ماجة في باب ١٥ ، وسنن النسائي في باب الجنائز.

٥٧

لتعذب في قبرها» المجلد الثانى من صحيح مسلم وذكرها الامام مالك في موطّئه في كتاب الجنائز.

ـ كذلك تجدر الاشارة الى تواتر الاحاديث الدالة على «إخبار جبرئيل بشهادة الحسين (١) من اهل البيت وذوي القربى وبكاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه ، وقد احصينا منها ما يقارب مائتي حديث ، منها ما ورد في «اسد الغابة» لابن الاثير ج ١ / ص ٣٤٩ ، الكامل لابن الاثير ج ٤ / ص ٩٣ ، البداية والنهاية ج ٦ / ص ٢٣٠ ، المعجم الكبير للطبراني ج ٣ / ص ١١٣ ، وج ٤ / ص ١١٥ ، فرائد السمطين للجويني ، ومسند احمد (عن علي بن ابي طالب ج ١ / ص ٨٥) وغيرها ...

ومن جملة تلك الاحاديث حديث اسماء بنت عميس حيث تقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ابني هذا يا اسماء تقتله الفئة الباغية لا انا لهم الله شفاعتي».

وحديث عائشة : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحّيته عنه ثم قمت لبعض امري فدنا منه ، فاستيقظ رسول الله وهو يبكي! فقلت : ما يبكيك؟ قال : ان جبرئيل اراني التربة التي يقتل عليها الحسين ، فاشتد غضب الله على من سفك دمه ...»

والملفت للنظر ان ابن تيميّة يعترف بظلم يزيد بن معاوية وخروجه على حدود الدين فيقول في كتابه «الوصية الكبرى»

__________________

(١) ـ تاريخ ابن عساكر.

٥٨

ما نصّه :

«وجرت في إمارة يزيد امور عظيمة : احدها مقتل الحسين ، واما الأمر الثاني : فإن اهل المدينة النبوية نقضوا بيعته واخرجوا نوابه فبعث إليهم جيشا وامره اذا لم يطيعوه بعد ثلاث ان يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثا فصار عسكره يقتلون وينهبون ويفتضّون الفروج المحرمة ، ثم ارسل جيشا الى مكة ...» الى ان يقول «وهذا من العدوان والظلم الذي فعل بأمره».

فلا نعلم بعد هذا كيف لا يحزن الوهابيون على مقتل الحسين وعلى ما ظهر من ظلم يزيد وامثاله وحكمه بغير ما انزل الله من افتضاض الفروج المحرمة وقتل النفوس المحترمة بل والاسراف في القتل وقد قال الله تعالى :

(... فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً). الاسراء / ٣٣

وقال : (... أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ...). سورة هود / ١٨

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). سورة مائدة / ٤٤

ـ كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الامراء من قريش الامراء من قريش الامراء من قريش لي عليهم حق ولهم عليكم حق ما فعلوا ثلاثا :

ما حكموا فعدلوا واسترحموا فرحموا وعاهدوا فوفوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين». راجع مسند احمد بن حنبل عن ابي برزة ج ٤ ص ٤٢٤.

٥٩

ـ سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أىّ الجهاد افضل؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلمة حق عند امام جائر ، راجع سنن نسائي الجزء السابع طبع مصر.

ـ قال ابو سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

من راى منكم منكرا فاستطاع ان يغيّره فليغيّره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ، راجع سنن ابن ماجة فى كتاب الفتن.

فتحصل ان يزيد بن معاوية هو الذي حكم بغير ما أنزل الله وبقتل الصحابة من أهل المدينة حتى الحسين بن علي من أهل بيت النبي (الذين أذهب الله عنهم الرجس واوجب مودتّهم) ظلما وعدوانا وافتضاض الفروج المحرمة فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لما وردت الأحاديث عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في لعن الأمراء الظلمة.

وكان على معاصريه امره بالمعروف ونهيه عن المنكر كما عمل بهما الحسين بن علي واستشهد في سبيل الله لذلك فمن بكى للحسين كان متأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بكائه للحسين عند اخبار جبرئيل بقتله ـ مسند احمد في مسند عائشة ومسند أمّ سلمة.

أسد الغابة عن انس بن حارث بن ابيه عن ابيه :

سمعت رسول الله والحسين فى حجره يقول : ابنى هذا يقتل فى ارض يقال لها العراق «فمن ادركه فلينصره».

٦٠