تراثنا ـ العددان [ 89 و 90 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 89 و 90 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢

١

تراثنا

صاحب الامتياز:

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول:

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الأول والثاني [٨٩ و ٩٠]

السنة الثانية والعشرون

* كلمة العدد :

* التشيّع وحدة مفهوم.

............................................................... هيئة التحرير ٧

* الفوائـد البديعة من «وسائل الشـيعة» (٥).

................................................ السـيّد علي الحسيني الميلاني ١٠

* الأعلام الجليّة في أصالة نسخة الشهيد من الصحيفة السجاديّة.

........................................... السيّد حسن الموسوي البروجردي ٣٥

* تاريخ النظرية الرجالية في المدرسة الإمامية (١)

.................................................... السـيّد زهير الأعرجي ١٥١

٢

محّرم ـ جمادى الآخرة

١٤٢٨ هـ

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام العامّة.

......................................... السـيّد عبـد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ٢٤٠

* من المخطوطات العربية في المتحف البريطاني / لندن (٤).

................................................ الشيخ محمّـد مهدي نجف ٢٧٣

* من ذخائر التراث :

* مناظرة الملك ركن الدولة للصدوق ابن بابويه رحمه‌الله.

..................................................... تحقيق : جـواد الورد ٣٠١

* من أنباء التراث

........................................................... هيـئة التحرير ٤٤٤

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة «مناظرة الملك ركن الدولة للصدوق ابن بابوية» للفقيه والمتكلّم أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الشيخ الصدوق رحمه‌الله (ت ٣٨١ هـ) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

كلمة العـدد :

الـتـشـيّع

وحدة مـفـهوم

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

صفونة التشيّع وعربنة التسنّن ، أحدث موضات الجناح المناوئ ضمن مسلسل حملته الإعلامية المضلّلة التي لا زال يمارسها منذ صدر الاسلام إلى يومنا هذا ، وقد قرأنا له من قبل : التشيّع السياسي ، التشيّع الاجتماعي ، التشيّع الديني ، التشيّع العلوي ...

إنّ صياغة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لطبيعة التشكيلة القيادية وبناءه الهيكلية الرائدة في إدارة الأُمّة أوجدا تحفّظاً وامتعاضاً لدى شريحة اعتقدت أنّها الأجدر والأكفأ في تسلّم المهام ، ورغم وجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) بين ظهرانيهم كانت تطفح بين الفينة والأُخرى مواقف ترسم توجّهاً مستقبليّاً للانقضاض على الحكم واستلابه من رجاله الشرعيين ؛ إنّها نار الخيبة التي ما اختبأت تحت الرماد حتى بحضوره (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فراحت تسوّق الأوهام والإشكاليّات عبر شتّى الوسائل والآليّات ، وكان المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) يدحضها في كلّ مرّة بمختلف دلائل الدعم والإسناد لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

شفافية الخطاب النبويّ في تفهيم الأُمّة أصل الولاية المتجلّي في غدير خمّ لم تثن القوم عن مواصلة الطموح وترجمة الأماني إلى حقيقة

٧

تقفز على كلّ المعايير والقيم المقدّسة التي صاغتها إرادة السماء ، وللأسف فإنّ طيفاً كبيراً قد ضاع وسط أفكار هلامية ضبابية نادى بها التيار الممتعض من قرارات الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سيّما المختصّ منها بشؤون إدارة الأُمّة ومستقبلها.

رغم كلّ ذلك نقول: الاختلاف في الفهم طبيعة غريزية في الجنس البشري ، فقد اختلف الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس في فهم القيم والمبادئ التي نادى بها المسيح عليه‌السلام ، واختلف ماركس وهيغل وفيورباخ في فهم المذهب الوجودي الإلحادي ... واختلفنا نحن المسلمون في فهم الإسلام ، فاعتقدته الشيعة كما ترى واعتقده الآخرون كما يرون. ويلعب العقل عندنا كما لدى الكثيرين من غيرنا دوراً محورياً في فهم النصّ والحدث ، فنشأت فينا الفرق والمذاهب والتيارات المختلفة ، ونشأنا نحن أتباع التشيّع على الاعتقاد بكون الفكر الشيعيّ هو المعنى الصحيح للإسلام ، انبثاقاً من الأدلّة والبراهين والشواهد التي تؤكّد أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى أصل الولاية اهتماماً خاصّاً بالقول والفعل والتقرير ، وجسّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوب العمل بها من بعده في شامخة غدير خمّ (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(١).

لذا فإنّ محاولة النيل من التشيّع عبر نعته بالسياسيّ تارةً والدينيّ أُخرى والاجتماعيّ ثالثة والصفويّ رابعةً ... أو قراءته من خلال بعض التجارب التاريخية والرؤى الفكرية المعيّنة ... أو دراسة الإسلام دراسة انتقائية ... كلها جناية صارخة بحقّه ؛ إذ كلّ تجربة أو رؤية في هذا السياق لا بدّ من عرضها على مفهوم التشيّع فإن وافقته وإلاّ يُضرَب بها عرض

__________________

(١) سورة النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤.

٨

الحائط.

وما مصطلحات : تقيّة المجاهد ، اجتهاد وانفتاح ، رجوع إلى العالم المختصّ ، إنسانية ، وحدة ، توحيد ، سنّة ، مقارعة الظالمين ، انتظار إيجابيّ ، عَبرة ... والمصطلحات المعاكسة لها ... التي تقال في التشيّع ، إلاّ جهدٌ آخر للطعن والنيل من وحدة مفهومه وسلامة انتمائه.

إنّ صفونة التشيّع وعربنة التسنّن يافطة جديدة لن تجرّ لهم نفعاً أيضاً ، فلقد رفعوا من قبلُ غيرَها في عكاظ تضليلاتهم وما ربحوا وعادوا بخفّي حنين ، بل مارسوا أشدّ أنواع الظلم والتعسّف والاضطهاد بحقّ التشيّع منذ البدء حتّى يومنا هذا ، وهذه الذراع التي تمتدّ الآن لقتل الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين وتهجّر الناس قسراً من ديارهم وتنعت الشيعة بالكفر والضلال هي ذات الذراع التي امتدّت لتغتال أمير المؤمنين عليه‌السلام في محراب الصلاة وتذبح ريحانة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسين الشهيد عليه‌السلام وخيرة صحبه وأبنائه في كربلاء وتسبي أطفاله ونساءه.

إنّ وقفة تأمّل قصيرة مستشرفة ورق التأريخ تظهر شموخ التشيّع ورسوخ قيمه ومبانيه التي تعني الإسلام بأوجز بيان رغم كلّ مساعي الحذف والنفي والتزييف الفكريّ والمادّي ، بل وتظهر حجم الحقد والحسد اللذين أعميا بصرهم وبصيرتهم ، وتثبت أنّ نور الإيمان لا يدرك بهذه الآليّات الدنيئة. (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّور)(١).

هيئة التحرير

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٤٠.

٩

الفوائـد البديـعة

مـن

وسائل الشيعة

(٥)

السـيّد عليّ الحسـيني الميلاني

(٢٨)

حقوق المؤمنين

ومن تعاليم أهل البيت عليهم السلام في مجال التربية والتهذيب : الأخبار الواردة عنهم في حقوق المؤمنين ، بمفاهيم راقية ومعاني دقيقة ، بيّنوها بعبارات جميلة وأساليب بديعة.

وقد رأيت أنّ أذكر جملةً منتخبةً من أخبارهم في الباب ؛ لشدّة الحاجة إلى مثلها في هذا الزّمان ، الذي قلَّ فيه التعاطف بين المؤمنين ، للظروف الصعبة التي يمرّون بها ، فإنّ أحاديث الأئمّة عليهم السلام تعطف بعضهم على بعض ، كما ورد عن أبي عبـد الله عليه السلام ـ في حديث ـ : «وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإنْ أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإنْ تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم»(١).

هذا ، وقد رتّبت ما انتخبت في مقدّمة وفصول ، وأسأل الله أنْ يوفّقنا للعمل فإنّه المأمول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٣٤٦ ح ٢١٧٢٤.

١٠

أمّا المقدّمة فهي في شأن المؤمن :

وقد ورد في الأخبار في شأن المؤمن ما يذهل الأفكار والعقول ، وذكرها كلّها يطول ، ومجمل مدلولها أنّ إكرام المؤمن إكرام لله ولأهل البيت عليهم السلام ، وإهانته إهانةٌ لله وأهل البيت عليهم السلام ، وإليك بعض النصوص :

عن الإمام العسكري عليه السلام ـ في حديث ـ : «فأمّا من قويت بصيرته ، وحسنت بالولاية لأوليائه والبراءة من أعدائه معرفته ، فذلك أخوكم في الدين ، أمسُّ بكم رحماً من الآباء والاُمّهات ... فإنّ موالينا وشيعتنا منّا وكلّنا كالجسد الواحد ...»(١).

ففي هذا الخبر :

١ ـ المعيار في الأُخوّة الدينية بين المؤمنين ، بعد معرفة الله ورسوله ، أمران يكمّل أحدهما الآخر ، هما : الولاية لأولياء الله ، والبراءة من أعداء الله.

وعليه ، فموضوع بحثنا والمقصود من عنوان «المؤمنين» هو الشيعي الجامع بين الوصفين.

٢ ـ إنّ نسبة المؤمن إلى المؤمن ـ في اعتبار الأئمّة عليهم السلام ـ أقرب وأقوى من النسبة بين الأبناء وآبائهم وأُمّهاتهم.

٣ ـ إنّ شيعة أهل البيت عليهم السلام منهم ، وهم وشيعتهم كالجسد الواحد ، ولا يخفى ما لهذا الكلام من دلالات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٢٢٩ ح ١١٩٠٤.

١١

وعن أبي عبـد الله عليه السلام ـ فيما كتبه إلى النجاشي الوالي على الأهواز ـ قال : «من زار أخاه إلى منزله لا لحاجة إليه ، كتب من زوّار الله ، وكان حقيقاً على الله أن يكرم زائره».

وقال عليه السلام : «ومن أدخل على أخيه المؤمن سروراً فقد أدخل على أهل البيت سروراً ، ومن أدخل على أهل البيت سروراً فقد أدخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله سروراً ، ومن أدخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله سروراً فقد سرّ الله ، ومن سرّ الله فحقيق على الله أنْ يدخله جنّته»(١).

فعندما يزور أخاه المؤمن لا لحاجة بل أداءً لحقٍّ من حقوقه الثابتة بأمر الله عزّ وجلّ ، فهو من زوّار الله ، يقول الإمام عليه السلام : «وكان حقيقاً على الله» أي ثابتاً عليه عقلاً ونقلاً «أنْ يكرم زائره» وإكرام الله تعالى فوق «أنْ يدخله جنّته» فإنّه يكون من أهل الجنّة المكرمين ، يقول تعالى : (إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَـحْرُومِ * وَالَّذِينَ ... أُولئِكَ فِي جَنَّات مُكْرَمُونَ * ... أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئ مِنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيم * كَلاَّ ...)(٢).

والمستفاد من الآيات وما ورد بذيلها من الأخبار : إنّ «المكرمين» في الجنّة أعلى درجةً من سائر أهلها ، كما أنّ هناك درجات أعلى من درجة المكرمين.

وقد جاء الإكرام في رواية عن أبي عبـد الله عليه السلام قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/٢٠٧ ـ ٢١٢ ح ٢٢٣٥٤.

(٢) سورة المعارج ٧٠ : ٢٢ ـ ٣٩.

١٢

«من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنّما أكرم الله عزّ وجلّ»(١).

فإكرام الأخ المسلم بالمعنى المذكور من قبل إكرامٌ لله ، ومن أكرم الله تعالى أكرمه ؛ لأنّه لا يجازي الإحسان إلاّ بالإحسان.

وفي المقابل : من أذلَّ وليّاً من أولياء الله ورسوله ؛ فسيرى عقاب عمله.

عن إسحاق بن عمّار : «قال لي أبو عبـد الله عليه السلام : يا إسحاق ، كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت؟ قال : يأتوني إلى المنزل فأعطيهم. فقال لي : ما أراك ـ يا إسحاق ـ إلاّ قد أذللت المؤمنين. فإيّاك إيّاك ، إنّ الله تعالى يقول : من أذلّ لي وليّاً فقد أرصد لي بالمحاربة»(٢).

أقول :

١ ـ سنذكر خبر إسحاق بن عمّار ـ وقد كان ربّ مال كثير ـ ببعض التفصيل.

٢ ـ انظر كيف يربّي الإمام أصحابه وشيعته! إنّه يريد أنْ يفهم ـ إسحاقاً وغيره ـ بأنّ أداء الحقوق يكون بإيصالها إلى أصحابها ، لا أنْ يأتوا إلى المنزل لأخذها ، أليس ندّعي التشيّع لهم والإقتداء بهم؟! وهم عليهم السلام كانوا يأخذون الطعام وغيره إلى المستحقّين.

٣ ـ إنّ إذلال الولي من أولياء الله ، يساوي إرصاد الله بالمحاربة. وكيف تكون عاقبة من أرصد الله بالمحاربة؟

فانظر إلى جزاء من أكرم المؤمن ، وإلى عاقبة من أذلّه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٣٧٦ ح ٢١٨٠٤.

(٢) وسائل الشيعة ٩/٣١٥ ح ١٢١٠٩.

١٣

وبعد :

فقد قسّمنا الحقوق بحسب الأخبار المختارة إلى ثلاثة أنواع :

الأوّل : أداء حقِّ المؤمن في حوائجه المعنويّة.

والثاني : أداء حقّ المؤمن بالسعي في حوائجه.

والثالث : أداء حقّ المؤمن ببذل المال في حوائجه.

وقبل الورود في الأنواع ، نذكّر بالمطلب التالي :

عن أمير المؤمنين عليه السلام : «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : الحوائج أمانة من الله في صدور العباد ، فمن كتمها كتبت له عبادة»(١).

يفيد هذا الخبر : إنّ الحاجة بحكم الأمانة ، فكما يجب حفظ الأمانة وردّها إلى صاحبها ، كذلك الحاجة ، على المؤمن أنْ لا يظهرها ولا يخبر بها أحداً ، بل يرجع إلى الله سبحانه ويطلبها منه.

ولذا ورد عن أحدهم أنّه دخل على أبي عبـد الله عليه السلام فذكر له بعض حاله ، فناوله الإمام عليه السلام كيساً فيه أربعمائة دينار ، ثمّ قال له : «إيّاك أنْ تخبر الناس بكلّ حالك ، فتهون عليهم»(٢).

وقال أبو عبـد الله عليه السلام : «إنّ الله فوّض إلى المؤمن أُموره كلّها ، ولم يفوّض إليه أنْ يكون ذليلاً ...»(٣).

فهم ـ عليهم السلام ـ يريدون العزّة والكرامة لشيعتهم ، فإنّ في ذلك

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٤٤٥ ح ١٢٤٥٨.

(٢) وسائل الشيعة ٩/٤٤٥ ح ١٢٤٥٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٦/١٥٦ ح ٢١٢٣٢.

١٤

العزّة والكرامة لهم ولله عزّ وجلّ ، لكنّهم مع ذلك لا يمنعون من بيان الحال إلى المؤمن ؛ لأنّ المؤمنين بعضهم من بعض كما سيأتي.

ولذا ورد عنهم عليهم السلام : «من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنّما شكاها إلى الله ، ومن شكاها إلى كافر فكأنّما شكى الله»(١).

وهم ـ في نفس الوقت ـ يوصون من قضيت الحاجة على يده بالكتمان وعدم المنِّ.

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : «المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة»(٢).

وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في حديث ـ : «من اصطنع إلى أخيه معروفاً فامتنّ به أحبط الله عمله ، وثبّت وزره ، ولم يشكر له سعيه»(٣).

فانظر كيف يؤدّبون شيعتهم!

إنْ كانت لك حاجة فلا تخبر بها أحداً ، واكتمها ، وارجع إلى الذي ابتلاك بها واسأله ، فهو أقدر على قضائها وفرجك ؛ لأنّ عزّك في استغنائك عن الناس ، فإذا ضاق عليك الأمر فاعلِم أخاك المؤمن ـ لا غيره ـ بحاجتك إن كان قادراً على قضائها ، فهو مأمور بذلك وبالستر عليك ، بل لك الفضل عليه إذا أخبرته بذلك فوفّق لتحصيل الأجر والثواب.

وقد أشرنا إلى أنّ الحوائج على أنواع ، نذكرها في الفصول التالية :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٤٤٧ ح ١٢٤٦٣.

(٢) وسائل الشيعة ٩/٤٥٦ ح ١٢٤٨٩.

(٣) وسائل الشيعة ٩/٤٥٢ ح ١٢٤٨١.

١٥

الفصل الأول

أداء حقّ المؤمن في حوائجه المعنوية

إنّه ليست الحوائج مادّية دائماً ، بل ربّما يحتاج إليك المؤمن في أمر غير مادّي ، لكنّه أهمّ وأجلّ من كلّ حاجة مادّية ..

أنْ يمحضه النصيحة إذا استشاره :

إنّ المؤمن بحاجة ماسّة إلى الاستشارة والاستنارة من عقول الآخرين وأفهامهم في مختلف الأُمور ؛ لأنّ «من شاور الرجال شاركها في عقولها»(١) ، وإنّه «خاطر بنفسه من استغنى برأيه»(٢) ، وسنبحث عن المشاورة في مجال آخر.

لكنّ على المؤمن إذا جاءه المؤمن ليستشيره أنْ يمحضه النصيحة ، وإلاّ عاقبه الله :

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبّه»(٣).

أنْ يحفظ مروّته ويستر عيوبه :

وعن أبي عبـد الله عليه السلام قال : «حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام ، عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : أدنى الكفر أن

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢/٤٠ ح ١٥٥٨٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٤٠ ح ١٥٥٨٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٧/٢٠٨ ح ٢٢٣٥٤.

١٦

يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أنْ يفضحه بها ، (أُولئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ).

وحدّثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام أنّه قال : من قال في مؤمن ما رأت عيناه ، وسمعت أُذناه ما يشينه ويهدم مرؤته ، فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام قال : من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مرؤته وثلبه ، أوبقه الله بخطيئته حتّى يأتي بمخرج ممّا قال ، ولن يأتي بالمخرج منه أبداً»(١).

أنْ يعزّه ويحفظ كرامته :

ومن آداب أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم أنّهم إذا علموا بحاجة مؤمن بادروا إلى قضائها قبل أنْ يسأل ، وهذا ممّا أمروا به شيعتهم :

عن أبي عبـد الله عليه السلام ـ في حديث ـ : «وإذا علمت أنّ له حاجةً تبادره إلى قضائها ، ولا تلجئه إلى أن يسألكها ، ولكن تبادره مبادرةً»(٢).

وعنه عليه السلام قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلطفه بها وفرّج عنه كربته ، لم يزل في ظلّ الله الممدود عليه من الرحمة ما كان في ذلك»(٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/٢١١ ح ٢٢٣٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٢٠٥ ح ١٦٠٩٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٦/٣٧٦ ح ٢١٨٠٥.

١٧

وعنه عليه السلام : «قال الله عزّ وجلّ : ليأذن بحرب منّي من أذلّ عبدي المؤمن ، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن»(١).

أن يحترمه ولا يحقّره :

ومن حقوق المؤمن أن يحترمه ولا يحقّره ، وفي ذلك أخبار كثيرة :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام : «من حقّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين ، لم يزل الله عزّ وجلّ حاقراً له ماقتاً ، حتّى يرجع من محقرته إيّاه»(٢).

هذا في الأعمّ من المسكين وغيره. وأمّا في خصوص الفقير والمسكين فالنصوص أكثر.

ثمّ إنّ للاحترام في الأخبار مصاديق :

عن إسحاق بن عمّار : «قلت لأبي عبـد الله عليه السلام : من قام من مجلسه تعظيماً لرجل ، قال : مكروه إلاّ لرجل في الدين»(٣).

أي : من أجل كونه مؤمناً من أهل الديانة ، لا من أجل الدنيا وكونه موسراً ، ولذا ورد المنع من إكرام الرجل من أجل ماله ، في روايات عديدة.

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «يا أبا حمزة ، أيّما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة ، وهو في منزله ، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه ، لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا.

قلت : جعلت فداك ، في لعنة الله حتى يلتقيا؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢/٢٦٤ ح ١٦٢٦٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٢٧١ ح ١٦٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢/٢٢٦ ح ١٦١٥٥.

١٨

قال : نعم»(١).

يتعجّب أبو حمزة ؛ لأنّ لعنة الله ليست بشيء هيّن ، ولا تكون لشيء هيّن ، لكنّ الإمام يؤكّد بقوله «نعم» ، وذلك لأنّ عدم الخروج إليه تحقير واستخفافٌ بالمؤمن ، ومن استخفّ بأخيه المؤمن فقد استخفّ بأهل البيت عليهم السلام :

فعن أبي عبـد الله ، قال لنفر عنده : «ما لكم تستخفّون بنا؟! فقام إليه رجل من خراسان فقال : معاذ لوجه الله أنْ نستخفّ بك أو بشيء من أمرك.

فقال : بلى ، إنّك أحد من استخفّ بي.

فقال : معاذ لوجه الله أن استخفّ بك.

فقال له : ويحك! ألم تسمع فلاناً ، ونحن بقرب الجحفة ، وهو يقول لك : احملني قدر ميل فقد والله عييت ، والله ما رفعت به رأساً لقد استخففت به ، ومن استخفّ بمؤمن فبنا استخفّ ، وضيّع حرمة الله عزّ وجلّ»(٢).

نعم ، مجرّد عدم رفع الرأس في هكذا مورد استخفاف ، فكان عليه أنْ يرفع له رأساً ، فإنْ كان معذوراً من حمله فيعتذر إليه.

كذلك الخروج من المنزل لمن أتاه ، فإنّ عليه أنْ يخرج إليه إلى الباب ، فإنْ كان معذوراً من أن يكلّمه أو يدعوه إلى داخل المنزل فليعتذر إليه. ثمّ إنّ على الضيف أن يعذره ويرجع كما قال الله عزّ وجلّ : (وَإِن قِيلَ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢/٢٢٩ ح ١٦١١٦١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦/٢٧٢ ح ١٦٢٨٦.

١٩

لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا)(١) ، اللّهم إلاّ أن يكون مجيؤه بوعد سابق ، فيكون صاحب المنزل مخلفاً للوعد ، إلاّ أنْ يكون العذر أمراً طارئاً ، فعلى الضيف قبول العذر.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لمحمّد بن الحنيفة قال : «لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون استعتاب ، لعلّ له عذراً وأنت تلوم به ، اقبل من متنصّل عذراً ، صادقاً كان أو كاذباً ، فتنالك الشفاعة»(٢).

ثمّ إذا دخل ... فمن حقوقه لمّا يخرج أن يمشي صاحب المنزل معه :

فعن الرضا ، عن آبائه ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : «إنّ من حقّ الضيف أنْ تمشي معه فتخرجه من حريمك إلى الباب»(٣).

وهذا في الضيف بصورة عامّة.

فهكذا ، أدَّبوا شيعتهم ..

أن يحمله على الصحّة :

ويحتاج المؤمن إلى المؤمن في أنْ يحمل أقواله وأفعاله على الصحّة قدر الإمكان ، وهذا من حقوقه ، فلا يظنّ بكلمة خرجت منه سوءاً :

فعن أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً»(٤).

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٢٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٢١٧ ح ١٦١٢٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢/٢٢٦ ح ١٦١٥٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٦/٣٨٠ ح ٢١٨١٣.

٢٠