تراثنا ـ العددان [ 89 و 90 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 89 و 90 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢

ولا يعيّرنّه بشيء من عثراته :

فعن سيّدنا أبي عبـد الله عليه السلام : «أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يؤاخي الرجل الرجل على دينه فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعيّره بها يوماً ما»(١).

لأنّه إذا حمل كلّ ذلك على الصحّة ، فسوف لا تبقى عثرة حتّى يعيّره بها ، فإنْ لم يجد لها في الخير محتملاً ، فليس له أن يعيّر بها.

ولا يطعن عليه أو يردّ عليه قوله :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ الله عزّ وجلّ ، خلق المؤمن من عظمة جلاله وقدرته ، فمن طعن عليه أو ردّ عليه قوله فقد ردّ على الله»(٢).

فإنّه إنْ كان قابلاً للحمل على الصحّة فواضحٌ ، وإلاّ ذكّره بالحقّ فيما بينهما ، فلا يطعن عليه أو يردّ قوله فيهان بين الناس ، وقد خلقه الله من عظمة جلاله.

أنْ يحبّه ويحبّ له ما يحبّ لنفسه :

وممّا يحتاج إليه المؤمن من أخيه المؤمن هو الحبٌّ ، وبذلك روايات كثيرة ، بل ورد الأمر بالمودّة بين المؤمنين وهي فوق الحبّ :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام : «إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢/٢٧٦ ح ١٦٢٩٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٣٠٠ ح ١٦٣٥٦.

٢١

المودّة له في صدره ...»(١).

وأمّا أنْ يحبّ له ما يحبّ لنفسه ، فالأخبار به لا تحصى ... بل في رواية :

«أيسر حقٍّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك»(٢).

أنْ يدعو له :

وهذا أيضاً من حوائج المؤمنين ومن حقوق بعضهم على البعض ، بل من أولاها وأهمّها ، وإليك بعض الأخبار ؛ لترى كيف أدّب الأئمة عليهم السلام أصحابهم :

عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه قال : «رأيت عبـد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفاً كان أحسن من موقفه ، مازال مادّاً يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتّى تبلغ الأرض ، فلمّا انصرف الناس.

قلت : يا أبا محمّد ، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك.

قال : والله ما دعوت إلاّ لإخواني ، وذلك لأنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أخبرني أنّه من دعا لأَخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك مائة ألف ضعف مثله ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا»(٣).

وعن ابن أبي عمير قال : «كان عيسى بن أعين إذا حجّ فصار إلى

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢/٢٠٧ ح ١٦١٠٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٢٠٥ ح ١٦٠٩٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٣/٥٤٤ ح ١٨٤٠٢.

٢٢

الموقف أقبل على الدعاء لإخوانه حتّى يفيض الناس ، قال : فقلت له : تنفق مالك وتتعب بدنك ، حتّى إذا صرت إلى الموضع الذي تبثّ فيه الحوائج إلى الله عزّ وجلّ أقبلت على الدعاء لإخوانك وتركت نفسك؟

فقال : إنّي على ثقة من دعوة الملَك لي ، وفي شكِّ من الدعاء لنفسي»(١).

وعن إبراهيم بن أبي البلاد ـ أو عبـد الله بن جندب ـ قال : «كنت في الموقف ، فلمّا أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلّمت عليه وكان مصاباً بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك وأنا والله مشفق على الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلاً.

قال : لا والله يا أبا محمّد ، ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة.

فقلت : فلمن دعوت؟

قال : دعوت لإِخواني ، فإنّي سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من دعا لأَخيه بظهر الغيب وكّل الله به ملَكاً يقول : ولك مثلاه ، فأردت أن أكون أنا أدعو لإِخواني ويكون الملَك يدعو لي ، لأَنّي في شكّ من دعائي لنفسي ، ولست في شكٍّ من دعاء الملَك لي»(٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣/٥٤٤ ح ١٨٤٠٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٣/٥٤٥ ح ١٨٤٠٤.

٢٣

الفصل الثاني

أداء حقّ المؤمن بالسّعي في حوائجه

ومن حقوق المؤمن على أخيه المؤمن أنْ يسعى في قضاء حوائجه ؛ لأنّه ليس كلّ أحد بقادر على قضاء الحاجة بنفسه ، ولكنْ يمكنه السّعي وراء قضائها ، إذ له وجاهة ومكانة بين الناس ، يمكنه بذل شيء منها في سبيل حاجة أخيه المؤمن :

فعن أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ الله فرض عليكم زكاة جاهكم ، كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم»(١).

فليبذل المؤمن من جاهه لقضاء حاجة أخيه ، ففي الأخبار :

قال أبو عبـد الله عليه السلام : «قال الله عزّ وجلّ : الخلق عيالي ، فأحبّهم إليَّ ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم»(٢).

وقد ذكروا عليهم السلام طرفاً من الثواب الموعود به لذلك :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام : «مشيُ الرجل في حاجة أخيه المؤمن ، يكتب له عشر حسنات ، وتمحى عنه عشر سيئات ، وترفع له عشر درجات ، ويعدل عشر رقاب ، وأفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام»(٣).

وأفادت الأخبار أنّ هؤلاء السّاعين في حوائج المؤمنين هم خلقٌ منتجبون ، انتجبهم الله سبحانه لهذا الأمر :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٣٨١ ح ٢١٨١٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٦/٣٦٧ ح ٢١٧٨١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦/٣٦٦ ح ٢١٧٧٥.

٢٤

فعن أبي عبد الله عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ خلق خلقاً من خلقه ، انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنّة ، فإنْ استطعت أنْ تكون منهم فكن»(١).

ثمّ إنّ الثواب غير منوط بقضاء الحاجة ، بل إنّه يترتّب لمن مشى فيها قضيت أو لم تقض :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : «أوحى الله إلى داود عليه السلام : إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه في الجنّة ، قال داوُد : يا ربّ ، ما هذا العبد ...؟ قال : عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم ، أحبّ قضاءها ، قضيت له أم لم تقض»(٢).

ومن لا يستطيع السعي ، فليكن ذلك من همّه ، فإنّه سيؤجر عليه :

فعن أبي جعفر عليه السلام : «إنّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده ، فيهتمّ بها قلبه ، فيدخله الله تبارك وتعالى بهمّه الجنّة»(٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٣٥٧ ح ٢١٧٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٦/٣٦٨ ح ٢١٧٨٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٦/٣٣٧ ح ٢١٧٠٣.

٢٥

الفصل الثالث

أداء حقّ المؤمن ببذل المال في حوائجه

ويتّضح ذلك في ضمن مطالب :

الأوّل :

لقد ورد في غير خبر أنّ «المؤمن أخو المؤمن ، عينه ودليله» :

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : «المؤمن أخو المؤمن ، عينه ودليله ، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يعده عدةً فيخلفه»(١).

بل في بعض الأخبار : أنّ المؤمن من المؤمن :

فعن أبي جعفر عليه السلام إنّه قال : «أحبّ أخاك المسلم وأحبّ له ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لنفسك ، إذا احتجت فسله وإذا سألك فأعطه ، ولا تدّخر عنه خيراً فإنّه لا يدّخر عنك. كن له ظهراً فإنّه لك ظهر ، إن غاب فاحفظه في غيبته وإنْ شهد فزره وأجلّه وأكرمه ، فإنّه منك وأنت منه ...»(٢).

الثاني :

وما أكثر الروايات الواردة في «ذمّ البخل» :

فعن رسول الله صلّى الله عليه وآله : «قال الله عزّ وجلّ : حرّمت الجنّة على المنّان والبخيل والقتّات»(٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢/٢٠٥ ح ١٦٠٩٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٢١٠ ح ١٦١٠٩

(٣) وسائل الشيعة ١٢/٤٥٣ ح ١٢٤٨٠.

٢٦

وعنه صلّى الله عليه وآله : «خصلتان لا تجتمعان في مسلم : البخل وسوء الخلق»(١).

وعنه عليه السلام : «ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء : لا يكون فيهم من يسأل بكفّه ، ولا يكون فيهم بخيل ، ولا يكون فيهم من يؤتى في دبره»(٢).

وعنه : «شابّ سخي مرهق في الذنوب ، أحبّ إلى الله من شيخ عابد بخيل»(٣).

وعن أبي جعفر عليه السلام : «ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله ، إلا ابتلي بأنْ ينفق أضعافها فيما أسخط الله»(٤).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «البخل جامع لمساوىء العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء»(٥).

الثالث :

وكذلك ما ورد عنهم في «فضل الإنفاق في سبيل الله» :

ولكنَّ المهمّ ما تفيده بعض الأخبار من أنَّ الله سبحانه وتعالى إنّما يعطي الأموال من أجل أن تُصرف في الموارد التي عيّنها :

فعن أبي عبد الله عليه السلام : «إنّما أعطاكم هذه الفضول من الأموال

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٣٩ ح ١١٤٧١.

(٢) بحار الأنوار ٧٠/٣٠٧.

(٣) وسائل الشيعة ٩/١٧ ح ١١٤٠٧.

(٤) بحار الأنوار ٧٥/١٧٣.

(٥) بحار الأنوار ٧٠/٣٠٧.

٢٧

لتوجّهوها حيث وجّهها الله ، ولم يعطكموها لتكنزوها»(١).

ولا يخفى ما في هذا الخبر من نكات :

١ ـ فقد عبَّر بكلمة «الفضول» ؛ ليشير إلى أنّ المقصود هو المال الزائد على قدر الحاجة ، وإلاّ فقد ورد الذمّ الشديد منهم على بذل ما يحتاج الإنسان إليه لنفسه وعائلته بحسب شؤونه.

٢ ـ وعبّر بكلمة «الإعطاء» ولم يقل «التمليك» ونحوه ، وكأنّه للإشارة إلى أنّ هذا المال الزائد ـ الذي هو ملك له بلا كلام إنْ حصل عليه بطريق شرعي ـ بمنزلة الأمانة التي عليه أن يوصلها.

٣ ـ وقد عيَّن الله المكان الذي على المؤمن أن يوصل إليه المال ، «لتوجّهوها حيث وجّهها الله» ، وليس الأمر بيد المؤمن حتّى يضعه حيث يشاء.

الرابع :

وإنّ أوّل شيء يؤكّدون عليه هو «المواساة» :

عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ قال : «إنّ من أشدّ ما افترض الله على خلقه ثلاثاً : إنصاف المؤمن من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلاّ بما يرضى لنفسه منه ، ومواساة الأخ في المال ، وذكر الله على كلّ حال ، ليس «سبحان الله والحمد لله» ولكن عند ما حرّم الله عليه فيدعه»(٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٢٩٧ ح ٢١٥٩٤.

(٢) وسائل الشيعة ٩/٤٢٧ ح ١٢٤٠٢.

٢٨

وعن محمّد بن عجلان قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل رجل فسلّم ، فسأله : كيف مَنْ خلّفت من إخوانك؟

قال : فأحسن الثناء وزكّى وأطرى.

فقال له : كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟

فقال : قليلة.

قال : فكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟

قال : قليلة.

قال : فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟

قال : إنّك لتذكر أخلاقاً قلّما هي فيمن عندنا.

قال : فقال : فكيف تزعم هؤلاء أنّهم شيعة»(١).

وعن أبي إسماعيل قال : «قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك ، إنّ الشيعة عندنا كثير.

فقال : فهل يعطف الغني على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء ويتواسون؟

فقلت : لا.

فقال : ليس هؤلاء شيعة ، الشيعة من يفعل هذا»(٢).

وعن سعيد بن الحسن قال : «قال أبو جعفر عليه السلام : أيجيء

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٤٢٨ ح ١٢٤٠٤.

(٢) وسائل الشيعة ٩/٤٢٨ ح ١٢٤٠٥.

٢٩

أحدكم إلى أخيه فيدخل بيده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟

فقلت : ما أعرف ذلك فينا.

فقال أبو جعفر عليه السلام : فلا شيء إذاً.

قلت : فالهلاك إذاً؟

فقال : إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد»(١).

أقول :

إلاّ أنّهم لا يكتفون بهذا ، بل يأمرون بـ : «الايثار» ، أنظر إلى كلام الإمام :

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ أنّه قال له : «أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن.

فقال : يا أبان ، دعه لا تردّه.

قلت : بلى ، جعلت فداك ، فلم أزل اُردّد عليه.

فقال : يا أبان ، تقاسمه شطر مالك ، ثمّ نظر إليّ فرأى ما دخلني.

فقال : يا أبان ، أما تعلم أنّ الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟

قلت : بلى ، جعلت فداك.

فقال : إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد إنّما أنت وهو سواء ، إنّما تؤثره

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥/١٢٠ ح ٦٠٩٠.

٣٠

إذا أنت أعطيته من النصف الآخر»(١).

وعن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ، ومن صالح الأعمال البرّ بالإخوان والسّعي في حوائجهم ، وفي ذلك مرغمة الشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان.

يا جميل ، أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك.

قلت : مَن غرر أصحابي؟

قال : هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر. ثمّ قال : أما إنّ صاحب الكثير يهون عليه ذلك ، وقد مدح الله صاحب القليل فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢)»(٣).

وعن المفضّل قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ، فسأله رجل في كم تجب الزكاة من المال؟

فقال له : الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد؟ قال : أريدها جميعاً.

فقال : أمّا الظاهرة ، ففي كلّ ألف خمسة وعشرون درهماً. وأمّا الباطنة ، فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليك منك»(٤).

هذا ، ومن الأخبار في بذل المال في حوائج المؤمنين :

عن عمّار الساباطي : إنّ الصّادق عليه السلام قال له : «يا عمّار ، أنت

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٤٢٧ ح ١٢٤٠٣.

(٢) سورة الحشر ٥٩ : ٩.

(٣) بحار الأنوار ٧١/٣٩٤.

(٤) بحار الانوار ٧١/٣٩٦.

٣١

ربّ مال كثير.

قال : نعم جعلت فداك.

قال : فتؤدّي ما افترض الله عليك من الزكاة؟

فقال : نعم.

قال : فتخرج الحق المعلوم من مالك؟

قال : نعم.

قال : فتصل قرابتك؟

قال : نعم.

قال : فتصل إخوانك؟

قال : نعم.

قال عليه السلام : يا عمّار ، إنّ المال يفنى والبدن يبلى والعمل يبقى ، والديّان حيٌّ لا يموت. يا عمّار ، أما أنّه ما قدّمت فلن يسبقك ، وما أخّرت فلن يلحقك»(١).

وعن أبي جعفر عليه السلام : «إنّ رجلاً جاء إلى أبي علي بن الحسين فقال له : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَـحْرُومِ)(٢) ما هذا الحقّ المعلوم؟

فقال له علي بن الحسين عليه السلام : الحق المعلوم الشيء يخرجه من ماله ، ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين.

قال : فإذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة فما هو؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٥٠ ح ١١٤٩٥.

(٢) سورة المعارج ٧٠ : ٢٤ ـ ٢٥.

٣٢

فقال : هو الشيء يخرجه الرجل من ماله ، إنْ شاء أكثر وإنْ شاء أقلّ ، على ما يملك.

فقال له الرجل : فما يصنع به؟

فقال : يصل به رحماً ، ويقوّي به ضعيفاً ، ويحمل به كلاًّ ، أو يصل به أخاً له في الله أو لنائبة تنوبه.

فقال الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته»(١).

وعن أبي جعفر عليه السلام : «إنّ من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن : أنْ يشبع جوعته ، ويواري عورته ، ويفرّج عنه كربته ، ويقضي دينه ، فإذا مات خلفه في أهله وولده»(٢).

وعن أبي عبد الله عن آبائه عن النبي صلّى الله عليه وآله : «من أغاث لهفاناً من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ، وآمنه يوم الفزع الأكبر ، وآمنه من سوء المنقلب ، ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة ، قضى الله له حوائج كثيرة من إحداها الجنّة ...»(٣).

وعن أبي عبد الله عليه السلام : «من أغاث أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفّس كربته وأعانه على نجاح حاجته ، كتب الله عزّ وجلّ له بذلك ثنتين وسبعين رحمة من الله ، يعجّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته ، ويدّخر له إحدى سبعين رحمة ؛ لأفزاع يوم القيامة وأهواله»(٤).

وعنه عليه السلام : «أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/٤٩ ح ١١٤٩١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢/٢٠٤ ح ١٦٠٩٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٧/٢٩ ح ٢٢٣٥٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٦/٣٧٠ ح ٢١٧٨٩.

٣٣

يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ، ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة. قال : والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه. فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير»(١).

فانظر أيّ أثر يترتّب من الله على إغاثة المؤمن وتنفيس كربة من كربه؟!

ولكنْ لا يخفى أنّ في الخبر كلمة : «وهو معسر» ، وفي الذي قبله : «عند جهده» ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ على المؤمن أنْ يبذل غاية جهده في حلّ مشكلاته ، فإنْ لم يتمكّن ووقع في العسر ، فهناك موضع إغاثة الغير.

فلنكتف بهذا القدر ، وهو كاف لمن كان من أهل الخير ، والله هو الموفق.

للبحث صلة ...

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٣٧١ ح ٢١٧٩٠.

٣٤

الأعلام الجليّة

في أصالة نسخة الشهيد

من الصحيفة السجاديّة

السـيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّد الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ مُحَمَّـد وَعِتْرَتِهِ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، لاسِيَّمَا بَقِيَّةِ اللهِ فِي الأرَضِينَ الحُجَّةِ بنِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيّ عَجَّلَ اللهُ فَرَجَهُ الشَّرِيفَ ، وَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائِهِمْ أَجْمَعِين مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَومِ الدِّينِ.

وبعد :

فإنّ من أهمّ وأعرق الوثائق الحديثيّة ـ التي عهدها المسلمون من القرن الأوّل(١) ، وتكاتفت الجهود الكريمة على العناية بها ، وحفظها ،

__________________

(١) قال محمّد بن عليّ بن شهر آشوب (ت ٥٨٨ هـ) ـ في معرض ردّه على قول الغزالي ـ في مقدّمة كتابه معالم العلماء : ٣٨ : «إنّ أوّل من صنّف فيه ٍ[أي الإسلام] أميرالمؤمنين عليّ عليه‌السلام جمع كتاب الله جلّ جلاله ، ثمّ سلمان الفارسي رضی‌الله‌عنه ، ثمّ أبو ذر الغفّاري رحمه‌الله ، ثمّ الأصبغ بن نباتة ، ثمّ عبيدالله بن أبي رافع ، ثمّ الصحيفة الكاملة عن زين العابدين عليه‌السلام».

٣٥

ونشرها ، وحمايتها ، وروايتها على صفحات القلوب والأوراق .. وتناقلوها ورووها جيلاً بعد جيل بتمام الدقّة والرعاية في الضبط والإتقان ، وتوارث ذلك الخلف عن السلف ـ هي : الصحيفة الكاملة السجّادية لمنشئها الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، زين العبّاد والسيّد السجّاد عليه آلاف التحيّة والثناء من ربّ العباد إلى يوم التناد وقد فتح الله من قلبه عليه‌السلامعلى لسانه ينابيع الحكمة والحقائق النبويّة ، ولذا سُمّيت هذه الصحيفة بـ : «إنجيل أهل البيت» و «زبور آل محمّد»(١) ؛ لأنّه كما أنّ الإنجيل والزبور جريا على لسان عيسى بن مريم وداود ـ على نبيّنا وآله وعليهما السلام ـ فإنّ هذه الأدعية الإلهيّة جرت على لسان من اشتهر بكثرة السجود والعبادة والبكاء عليه الصلاة والسلام ما تعاقب الغداة والعشيّة .. (٢).

__________________

(١) أوّل من ذكر هاتين التسميتين للصحيفة هو ابن شهر آشوب المازندراني (ت ٥٨٨ هـ) ، حيث قال ـ في معالم العلماء : ١٦٠ ، مرّة في ترجمة عمير بن المتوكّل ـ : إنّها ملقّبة بـ : «زبور آل محمّد عليهم‌السلام».

ومرّة أُخرى في ترجمة يحيى بن عليّ بن محمّد بن الحسين الرقّي : ١٦٦ ، قال : إنّه روي عن الصادق عليه‌السلام الدعاء المعروف بـ : «إنجيل أهل البيت عليهم‌السلام».

كما أشار إلى ذلك السيّد الداماد (ت ١٠٤٠ هـ) ، والمولى التقي المجلسي (ت ١٠٧٠ هـ) .. وأضرابهما في بعض كتابتهما حول الصحيفة (لاحظ بحار الأنوار ١١٠ / ٦١).

ولكن لايخفى أنّ التلقيب الثاني ـ يعني الزبور ـ ورد في ترجمة الرقّي المذكور ، وهو كما صرّح ابن شهرآشوب روى عن الصادق عليه‌السلام الدعاء المعروف بإنجيل أهل البيت عليهم‌السلام ، والظاهر أنّ مراده رحمه‌الله به هو الدعاء المعروف بالإنجيليّة الذي رواه جمع من الأعلام ، وهذا الدعاء لم يرد في الصحيفة بجميع رواياتها ، كما أنّ ابن شهرآشوب صرّح بأنّه يروي الدعاء بلفظ المفرد ، وهو لا يتطابق مع لفظ الأدعية للإمام عليه‌السلام ؛ ففيه وجه تأمّل ونظر. (لاحظ : الصحيفة الثالثة السجادية : ١٠٠ ـ ١٠٢)

(٢) لاحظ : بحار الأنوار ١١٠ : ٦١ / صورة ٤١.

٣٦

والصحيفة السجّادية ليست دعوات وحسب .. بل هي بحقّ موسوعة علميّة ، عقائديّة ، اجتماعيّة ، سياسيّة .. بشتّى ألوانها التي يعجز البيان عن إطرائها وتوصيفها ..

وهي أثر خالد لا محيص للموحّدين ـ من الشيعة والسنّة ـ عن التدبّر في ألفاظها ، والتفكّر في معانيها ..

دواعي العمل :

إنّ ما بأيديكم من الوريقات ، هي نظرة متواضعة حول نسخة فريدة نفيسة لتلك الصحيفة الشريفة ، بخطّ العالم الكبير ، فقيه آل الرسول ، الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي رضوان الله تعالى عليه.

ومن الأُمور المشجّعة على هذا العمل : إنّ متن هذه الجوهرة النفيسة كان مرجعاً للصحائف المخطوطة والمطبوعة المتداولة في عصرنا ، كما أنّه كان مرجعاً لعدّة من النسخ والصحائف المخطوطة المفقودة ـ كما سيأتي ذكر بعضها ـ.

ومن المعلوم أنّ أكثر طرق رواية الصحيفة ـ إجازة أو وجادة أو غير ذلك ـ ترجع إلى الشهيد(١) ـ قدّس الله سرّه الشريف ـ ؛ هذا وقد احتجبت هذه الدرّة اليتيمة عن الأنظار قرابة ثلاثة قرون ، مع أنّها أولى بالاعتبار في التصحيح والمقابلة ؛ لأنّ هذه النسخة أكثر إتقاناً من باقي النسخ المقابلة بالواسطة الواحدة أو بأكثر من واسطة .. عن هذه النسخة ، ولأجل هذا ؛ عزمت على تعريفها وإحياء أمرها ؛ كي تكون هذه خطوة متقدّمة لتصحيح

__________________

(١) انظر : كتاب الإجازات من بحار الأنوار ١١٠ / ٤٣ ـ ٦٦ ، فإنّ جميع الطرق التي ذكرها المجلسي ترجع إلى الشهيد رحمهما‌الله.

٣٧

وتحقيق الصحائف (١).

وقد سمّيتها بـ :

الأعلام الجليّة في أصالة نسخة الشهيد من الصحيفة السجّاديّة

فنقدّم هذه الكرّاسة في مباحث :

المبحث الأوّل : توثيق الصحيفة السجّاديّة

والبحث عنه يقع في عدّة مواضع :

الأوّل : توثيق الصحيفة من حيث الشهرة.

والثاني : من حيث المتن.

والثالث : من حيث الرواية.

ولكنّ هذه البحوث بشكل واسع تحتاج إلى محلّ آخر لتقصّي الكلام حولها ، مع أنّه كتبت مقالات مختلفة في المجلاّت ، وكُتُب مستقلّة مفصّلة لهذا الغرض ؛ فلا داعي لذكر وتكرار كلمات القوم في ذلك ، فلذا آثرنا ذكر زبدة العبارات ـ على قدر بضاعتنا ـ حتّى لا يخلو المقام من فوائدها ، وسعينا جهد الإمكان لذكر الكلمات التي لم يسلّط عليها الضوء ـ في غالب الكتابات التي كتبت في هذا المجال ـ ، حرصاً منّا على أن يصل الباحث ـ من خلال ما كتبوه ، وما سنذكره ـ على نتيجة أكمل وأتمّ ..

والله الموفّق للأُمور ..

__________________

(١) قابل ـ راقم السطور ـ الصحيفة المشهورة بنسخة الشهيد ومع كلّ النسخ التي قوبلت مع أُصول نسخة الشهيد ، وهذه الصحيفة المصحّحة قيد التصحيح والمقابلة مع النسخ الأُخرى.

٣٨

توثيقها من حيث النسبة إلى صاحبها وشهرتها بين العلماء :

يكفي في ذلك قول ابن إدريس (ت ٥٩٨ هـ) في مقدّمة شرح صحيفته ، ما لفظه : «وكان أعظم ما يتداول(١) بين المتعبّدين الصحيفة المنقولة عن سيّد العابدين عليه‌السلام إذ هي حلاوة ثمرة أصلها سيّد المرسلين ونفسُ نفس متّصلة بحضرة قُدس ربّ العالمين»(٢).

وهذا الكلام ـ في ذلك العصر ـ يدلّ على شهرة الصحيفة واهتمام العلماء بها.

وقال السيّد الداماد (ت ١٠٤٠ هـ) : «الصحيفة الكريمة السجّادية المسمّاة إنجيل أهل البيت ، وزبور آل الرسول عليهم‌السلام متواترة ، كما سائر الكتب في نسبتها إلى مصنّفيها ، وذكر الإسناد لبيان طريق حمل الرواية ، وإجازة تحمّل النقل ، وذلك سَنَن المشايخ في الإجازات»(٣).

وقال السيّد الشارح السيّد عليّ خان المدني (ت ١١٢٠ هـ) : «نسبة

__________________

(١) في الذريعة : (ما يتداوى به) ، والظاهر أنّ النسخة التي رآها صاحب الذريعة كتبت من نسختنا التي سيجيء تعريفها.

(٢) شرح الصحيفة لابن إدريس : ٢ (مخطوطة في المكتبة الرضويّة برقم ١٤٨٤٩ ، وكان تاريخها ١٠٨٨ هـ ، ونسخة أخرى بخطّ الشيخ عبدالرحيم بن محمّد عليّ التستري ، تلميذ العلاّمة الأنصاري كتبها سنة ١٣٠٥ هـ عن نسخة تاريخها ١٠٨٨ هـ ، ونسخة أُخرى في مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام برقم ١٠٧٤ ، بآخر مجموعة كلّها بخطّ ، تاريخ بعض ما فيها سنة ١٠٦٢ و ١٠٦٥ هـ ورقم المجموعة ١٥٢٠ ، لاحظ مجلّة ٨١ ـ ٨٢ صفحة ٢٢١)

وهو قيد التحقيق تحت يد العلاّمة الخبير آية الله السيّد محمّد مهدي آل الخرسان ـ حفظه الله ورعاه ـ الذريعة ١٣ / ٣٥٨ رقم ١٣٢٦.

(٣) شرح الصحيفة للسيّد الداماد : ٥٦.

٣٩

الصحيفة الشريفة إلى صاحبها عليه‌السلام ثابتة بالاستفاضة التي كادت تبلغ حدّ التواتر ..»(١).

وقال السيّد الصدر (ت ١٣٥٤ هـ) في إجازته للسيّد المرعشي (ت ١٤١١ هـ) : «فقد استجازني ... في رواية كتاب نهج البلاغة في خطب مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والصحيفة الكاملة السجّاديّة المعروفة بزبور أهل البيت عليهم‌السلام ، وإن كانا متواترين وإلى منشئها ، سلام الله عليهما إلاّ أنّ الانسلاك في سلسلة الرواة عنهم ممّا يُرغب فيه ويُندب إليه ...»(٢).

وممّا لا شكّ في نسبتها إلى صاحبها : تداولها بين علماء الإماميّة في كلّ الطبقات والعصور ، واهتمامهم بروايتها ، وذكرهم لها في إجازات مستقلّة ، ورواية كلّ من الشيخ النجاشي (ت ٤٥٠ هـ)(٣) ، وشيخ الطائفة الطوسي (ت ٤٦٠ هـ)(٤) ، وابن شهرآشوب السروي المازندراني رحمهم‌الله(ت ٥٨٨ هـ) في فهارسهم على كتب الإماميّة ، ووفور الشروح عليها(٥).

__________________

(١) رياض السالكين ١ / ٥٨.

(٢) مقدّمتان توثيقيتان حول الصحيفة السجاديّة / منشورتان في مجلّة علوم الحديث ، العدد الثالث ، الصفحة ٤٧.

(٣) رجال النجاشي : ٤٢٦ / ١١٤٤.

(٤) الفهرست للطوسي : ٤٧٧ / ٧٦٩.

(٥) كتب في فهرس شروح الصحيفة وتعريف نسخها : الشيخ العلاّمة آغا بزرگ الطهراني ضمن الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، والاُستاذ العلاّمة السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي ضمن كتابه باسم دراسات حول الصحيفة السجّادية ، فقد بحث فيها عن الشروح ضمن : الصحيفة عبر القرون ، وأيضاً طبع هذه الدراسة مع تحقيقه على نسخة من رواية عليّ بن مالك بقم ، والسيّد محمّد حسين الحكيم باسم : نسخه هاي خطي ، شروح وترجمه هاي صحيفه سجّاديّه ، وحسين درگاهي باسم :

٤٠