وسائل الشيعة - ج ٣٠

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

وسائل الشيعة - ج ٣٠

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5503-30-2
ISBN الدورة:
964-5503-00-0

الصفحات: ٥٥٢

ذهاب معظم تلك الأصول ، ولخصها جماعة في كتب خاصّة ، تقريبا على المتناول ، وأحسن ما جمع منها ( الكافي ) و ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) و ( من لايحضره الفقيه ).

انتهى (١).

وكلام الشهيد الثاني ، والشيخ بهاء الدين ـ كما ترى ـ صريح في الشهادة بصحة تلك الأصول ، والكتب المعتمدة ، وعرض كثير منها على الأئمة عليهم‌السلام ، وفي الشهادة بأن الكتب الأربعة ، وأمثالها من الكتب المعتمدة ، منقولة من تلك الأصول ، وأنها كلها محفوفة بالقرائن المتعددة.

وقال الكفعمي ـ في أول ( الجنة الواقية ) ـ :

هذا كتاب محتو على عوذ ، ودعوات ، وتسابيح ، وزيارات ، وحجب ، وتحصينات ، وهياكل ، واستغاثات ، وأحراز ، وصلوات ، وأقسام ، واستخارات.

إلي أن قال : مأخوذة من كتب معتمد على صحتها ، مأمون بالتمسك بوثقى عروتها.

انتهى (٢).

وقال الطبرسي ـ في أول ( الاحتجاج ) ـ :

ولا نأتي ، في أكثر ما نورده من الأخبار ، بإسناده الموجود ، للإجماع عليه ، ولموافقته لما دلت العقول إليه ، ولاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف ، إلا ما أوردته عن الحسن بن علي ؛ العسكري عليه‌السلام ، فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه ، وإن كان مشتملا على

__________________

(١) الدراية ، للشهيد ( ص ١٧ ).

(٢) الجنة الواقية ( المصباح للكفعمي ) ص ٣ ـ ٤.

٢٠١

مثل الذي قدمناه ، فذكرت اسناده في أول خبر من ذلك.

انتهى (١).

وقد شهد علي بن إبراهيم ـ أيضاً ـ بثبوت أحاديث تفسيره ، وأنها مروية عن الثقات عن الأئمة عليهم‌السلام (٢).

وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه ، فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره (٣).

وأكثر أصحاب الكتب المذكورة قد شهدوا بنحو ذلك ، إما في أوائل كتبهم أو في أواخرها ، أو أثنائها.

فانهم كثيرا ما يضعفون حديثا بسبب قوة معارضه ، أو نحو ذلك.

أو يتعرضون لتأويله.

أو يقولون : لولا الغرض الفلاني لم نذكره ، ويشيرون ـ أويصرحون ـ بأن ماعداه من أخبار ذلك الكتاب معتمد عندهم ، وهم قائلون بمضمونه ، جازمون بثبوته ، وصحة نقله.

وكل ذلك ظاهر بالقرائن الواضحة عند المتتبع الماهر.

ويأتي شهادة كثير منهم بصحة كثير من الكتب المعتمدة.

ولايخفى عليك : أن القرائن ، المذكورة في كلام الشيخ في ( العدة ) و ( الاستبصار ) وفي كلام الشيخ ، بهاء الدين ، وغيرهما : موجودة الآن ، أو أكثرها.

وقد شهد بذلك جماعة كثيرون ، يطول الكلام بنقل عباراتهم.

__________________

(١) الاحتجاج ، للطبرسي ( ج ١ ص ١٤ ).

(٢) تفسير القمي ( ج ١ ص ٤ ).

(٣) كامل الزيارات ( ص ٤ ).

٢٠٢

وقد ادعى بعض المتأخرين اختلاط الأصول بغيرها ، وعدم إمكان التمييز ، واندراس الأصول ، وخفاء القرائن ، وأنهم لذلك وضعوا الاصطلاح الجديد.

وذلك ممنوع ، إن أراد حصوله في زمن أصحاب الكتب الأربعة ، بل ممنوع مطلقا ، وسند المنع ما أشرنا إليه ، وما يأتي إن شاء الله.

وليت شعري! كيف حصل هذا الاندراس ، وهذا الاختلاط ، في زمن العلامة ، وشيخه أحمد بن طاوس ، الذين أحدثا هذا الاصطلاح ، كما صرح به صاحب المنتقى ، وغيره ، في اليوم الذي أحدثاه فيه؟ ولم يحصل قبله بساعة ، أو يوم ، أو شهر ، أو سنة؟ بل كانوا يعملون بالاصطلاح الأول ، فيكون اندراس تلك الأصول واختلاطها كله في ساعة واحدة ، أو يوم واحد؟.

وهذا معلوم البطلان ، عادة.

بل كلام الشهيد الثاني ، والشيخ بهاء الدين ، وغيرهما : صريح في خلاف هذه الدعوى.

وقد اعترف الشيخ بهاء الدين ، والشيخ حسن ، وغيرهما ، بأن المتأخرين ـ أيضاً ـ كثيرا ما يسلكون مسلك المتقدمين ، ويعملون باصطلاحهم.

فعلم أن ذلك غير متعذر.

وقال الشيخ بهاء الدين ـ في ( مشرق الشمسين ) ـ :

المستفاد ـ من تصفح كتب علمائنا ، المؤلفة في السير ، والجرح والتعديل ـ أن اصحابنا الإمامية كان اجتنابهم ـ لمن كان ، من الشيعة ، على الحق أولا ، ثم أنكر إمامة بعض الأئمة عليهم‌السلام ـ في أقصى المراتب ،

٢٠٣

بل كانوا يحترزون عن مجالستهم ، والتكلم معهم ، فضلا عن أخذ الحديث عنهم.

بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها للعامة ، فإنهم كانوا يتاقون العامة ، ويجالسونهم ، وينقلون عنهم ، ويظهرون لهم أنهم منهم ، خوفاً من شوكتهم ، لأن حكام الضلال منهم.

وأما هؤلاء المخذولون : فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال ، وخصوصا : الواقفة (١) ، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم ، والتباعد عنهم ، حتى أنهم كانوا يسمونهم « الممطورة » أي الكلاب التي أصابها المطر.

وأئمتنا عليهم‌السلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ، ومخالطتهم ، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ، ويقولون : إنهم كفار ، مشركون ، زنادقة ، وأنهم شرّ من النواصب وأن من خالطهم فهو منهم.

وكتب أصحابنا مملوءة بذلك ، كما يظهر لمن تصفح كتاب ( الكشي ) وغيره.

فإذا قبل علماؤنا ـ وسيما المتأخرون منهم ـ رواية رواها رجل من ثقات الإمامية ، عن أحد من هؤلاء ، وعولوا عليها ، وقالوا بصحتها ، مع علمهم بحاله ؛ فقبولهم لها ، وقولهم بصحتها ، لابد من ابتنائه على وجه صحيح ، لا يتطرق به القدح إليهم ، ولا إلى ذلك الرجل ، الثقة ، الراوي عن من هذا حاله.

كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف.

أو بعد توبته ، ورجوعه إلى الحق.

أو أن النقل إنما وقع من أصله الذي ألّفه ، واشتهر عنه قبل الوقف.

__________________

(١) كذا الصحيح وكان في كتابنا والمصدر : « الواقفية » وهو غلط ، إذ الفعل هو الوقف ، والفاعل : واقف ، وجمعه : الواقفة.

٢٠٤

أو من كتابه الذي ألفه بعد الوقف ، ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد ، ككتاب علي بن الحسن ؛ الطاطري ، فإنه وإن كان من أشد الواقفية (١) عنادا للإمامية ـ فإن الشيخ شهد له في ( الفهرست ) بأنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم ، وروايتهم.

إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة.

والظاهر : أن قبول المحقق رواية علي بن أبي حمزة ـ مع تعصبه في مذهبه الفاسد ـ مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة من أصله.

وتعليله يشعر بذلك ، فان الرجل من أصحاب الأصول.

وكذلك قول العلامة بصحة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق عليه‌السلام ، فإنه ثقة من أصحاب الأصول ، أيضا.

وتأليف هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف ، لأنه وقع في زمن الصادق عليه‌السلام.

فقد بلغناعن مشايخنا ـ قدس الله أرواحهم ـ : أنه قد كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهم‌السلام حديثا بادروا إلى إثباته في اصولهم ، لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه ، بتمادي الأيام ، وتوالي الشهور ، والأعوام.

والله أعلم بحقايق الأمور. انتهى (٢).

وهذا الكلام يستلزم الحكم بصحة أحاديث الكتب الأربعة ، وأمثالها ، من الكتب المعتمدة ، التي صرّح مؤلفوها وغيرهم بصحتها ، واهتموا بنقلها ورواياتها ، واعتمدوا ـ في دينهم ـ على ما فيها.

__________________

(١) لاحظ التعليقة (١) في الصفحة السابقة.

(٢) مشرق الشمسين ـ المطبوع مع الحبل المتين ( ص ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ).

٢٠٥

ومثله يأتي في رواية الثقات ؛ الأجلاء ـ كأصحاب الإجماع ، ونحوهم ـ عن الضعفاء ، والكذابين ، والمجاهيل ، حيث يعلمون حالهم ، ويروون عنهم ، ويعملون بحديثهم ، ويشهدون بصحته.

وخصوصا مع العلم بكثرة طرقهم ، وكثرة الأصول الصحيحة عندهم وتمكنهم من العرض عليها ، بل على الأئمة عليهم‌السلام.

فلا بد من حمل فعلهم ، وشهادتهم بالصحة ، على وجه صحيح ، لا يتطرق به الطعن إليهم.

وإلا ، لزم ضعف جميع رواياتهم لظهور ضعفهم وكذبهم ، فلا يتم الاصطلاح الجديد.

وقد اعترف الشيخ حسن ـ في ( المعالم ) و ( المنتقى ) في عدة مواضع ـ بأن أحاديث كتبنا المعتمدة محفوفة بالقرائن ، وأن المتقدمين إلى زمن العلامة كانوا يعملون بالقرائن ، لا بهذا الاصطلاح المشهور بعده ، وأن المتأخرين قد يعملون بذلك أيضا (١).

وقال السيد : رضي الدين ؛ علي بن طاوس ـ في كتاب ( كشف المحجة لثمرة المهجة ) في وصيّته لولده ـ :

روى الشيخ ، المتفق على ثقته ، وأمانته ؛ محمد بن يعقوب ؛ الكليني.

وهذا الشيخ كانت حياته في زمان وكلاء مولانا ؛ المهدي عليه‌السلام : عثمان بن سعيد العمري ، وولده ؛ أبي جعفر ؛ محمد ، وأبي القاسم ؛ الحسين بن روح ، وعلي بن محمد ؛ السمري ، رضي الله عنهم ، وتوفي

__________________

(١) معالم الدين في الأصول ( ص ١٩٧ ) ، ومنتقى الجمان ( ج ١ ص ١٤ و ٢٧ ).

٢٠٦

محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد ؛ السمري.

فتصانيف هذا الشيخ ، ورواياته ، في زمان الوكلاء المذكورين. انتهى (١).

وهي قرينة واضحة على صحة كتبه ، وثبوتها ، لقدرته على استعلام أحوال الكتب التي نقل منها ـ لو كان عنده شك فيها ـ لروايته عن السفراء والوكلاء المذكورين وغيرهم ، وكونه معهم في بلد واحد ، غالباً.

وقد ذكر الشيخ ؛ بهاء الدين في الرسالة ( الوجيزة ) :

أن الكليني ألف ( الكافي ) في مدة عشرين سنة.

قال : ولجلالة قدره عده جماعة من علماء العامة ـ كابن الأثيرفي ( جامع الأصول ) ـ من المجدّدين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة ، بعد ما ذكرأن سيدنا ، وإمامنا ، علي بن موسى ؛ الرضا عليه‌السلام ، هو المجدد لذلك المذهب على رأس المائة الثانية.

انتهى (٢).

وقال المفيد رحمه‌الله في ( الإرشاد ) :

كان الصادق عليه‌السلام أنبه إخوته ذكْراً ، وأعظمهم قدرا ، وأجلهم في العامة والخاصة ، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه ، فان أصحاب الحديث نقلوا أسماء الرواة عنه من الثقات ، على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رَجُل.

انتهى (٣).

__________________

(١) كشف المحجة لثمرة المهجة ( ص ١٥٩ ).

(٢) الوجيزة للبهائي ( ص ٧ ).

(٣) الإرشاد للمفيد ( ص ٢٧٠ ـ ٢٧١ ).

٢٠٧

ونقل ابن شهرآشوب في ( المناقب ) : أن الذين رووا عن الصادق عليه‌السلام من الثقات كانوا أربعة آلاف رجل ، وأن ابن عقدة ذكرهم في كتاب ( الرجال ) (١).

ونقل ابن شهر آشوب ـ في كتاب ( معالم العلماء ) ـ عن المفيد : أنه قال : صنفت الإمامية ـ من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى عهد أبي محمد ؛ الحسن ؛ العسكري عليه‌السلام ـ أربعمائة كتاب ، تسمى ( الأصول ) ، فهذا معنى قولهم : له أصل (٢).

وقال الطبرسي في ( إعلام الورى ) ـ :

روى عن الصادق عليه‌السلام ، من مشهوري أهل العلم ، أربعة آلاف إنسان ، وصنف ، من جواباته في المسائل ، أربعمائة كتاب ، معروفة ، تسمى ( الأصول ) رواها أصحابه ، وأصحاب ابنه موسى عليه‌السلام. انتهى (٣).

ولا منافاة بين العبارتين ، ولاتعارض بين النقلين ، وليس مفهوم العدد بحجة ، كما لا يخفى.

وقال المحقق ؛ أبو القاسم ؛ جعفر بن سعيد ـ في ( المعتبر ) ـ :

روى عن الصادق عليه‌السلام ، من الرجال ، ما يقارب أربعة آلاف رجل ، وبرز بتعليمه ، من الفقهاء ، الأفاضل ، جم غفير ، كزرارة بن أعين ، وإخوته : بكير ، وحمران ، وجميل بن صالح ، وجميل بن دراج ، ومحمد بن

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ( ج ٤ ص ٢٤٧ ).

(٢) معالم العلماء ( ص ٣ ).

(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى ( ص ٤١٠ ) ، وقال أيضا : ولم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، وإن اصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات ، « فكانوا أربعة ألاف رجل » اعلام الورى ( ص ٢٨٤ ).

٢٠٨

مسلم ، وبريد بن معاوية ، والهشامين ، وأبي بصير ، وعبدالله ومحمد وعمران الحلبيين ، وعبدالله بن سنان ، وأبي الصباح الكناني ، وغيرهم ، من أعيان الفضلاء ، حتى كتبت ، من أجوبة مسائله ، أربعمائة مصنف ، لأربعمائة مصنف ، سموها اصولا (١).

ثم قال : كان من تلامذة الجواد عليه‌السلام فضلاء ، كالحسين بن سعيد وأخيه ؛ الحسن ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ؛ البزنطي ، وأحمد بن محمد بن خالد ؛ البرقي ، وشاذان ؛ أبي الفضل ؛ القمي ، وأيوب بن نوح بن دراج ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، وغيرهم ممن يطول تعدادهم ، وكتبهم ـ الآن ـ منقولة بين الأصحاب ، دالة على العلم الغزير (٢).

ثم قال : اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر علمه وفضله ، وعرف تقدمه في نقد (٣) الأخبار ، وصحّة الاختيار ، وجودة الاعتبار.

واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم وعرف به اهتمامهم ، وعليه اعتمادهم.

فممن اخترت نقله : الحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، والحسين بن سعيد ، والفضل بن شاذان ، ويونس بن عبد الرحمن ، ومن المتأخرين : أبو جعفر ؛ محمد بن علي بن بابويه ، ومحمد بن يعقوب ؛ الكليني. انتهى (٤).

__________________

(١) المعتبر ( ١ | ٢٦ ).

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصححتين : الغريز

(٣) كذا في الأصل والمصححة ، لكن المطبوع في ( المعتبر ) ( نقل ) باللام.

(٤) إلى هنا ورد في المعتبر ( ص ٧ ) لكن لكلامه تتمة ضرورية ، وهي قوله :

ومن أصحاب كتب الفتاوى : علي ابن بابويه ، وأبو علي ابن الجنيد ، والحسن بن أبي عقيل ؛ العماني ، والمفيد ؛ محمد بن محمد النعمان ، وعلم الهدى ، والشيخ ؛ أبو جعفر ؛ محمد بن الحسن ؛ الطوسي.

٢٠٩

وقال المحقق ـ أيضاً ـ في كتاب الأصول ـ :

ذهب شيخنا أبوجعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه ، وإن كان مطلقا ، فعند التحقيق يتبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا ، بل بهذه الأخبار المروية عن الأئمة عليهم‌السلام ، ودونها الأصحاب ، لا أن كل خبر يرويه إمامي يجب العمل به.

هذا الذي تبين لي من كلامه ، ونقل إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار.

حتى لو رواها غير الإمامي ، وكان الخبر سليما عن المعارض ، واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب ، عمل به.

انتهى (١).

وقال ـ أيضا ، في ( المعتبر ) في بحث الخمس ، بعد ما ذكر خبرين مرسلين ـ :

الذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله الأصحاب ، وأفتى به الفضلاء ، وإذا سلم النقل عن المعارض ، ومن المنكر ، لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم.

فإنا نعلم ما ذهب إليه أبو حنيفة ، والشافعي ، وإن كان الناقل عنهم ممن لا يعتمد على قوله ، وربما لم يعلم نسبته إلى صاحب المقالة.

ولو قال إنسان : « لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ، ولا مذهب الشافعي في الفقه ، لانه لم ينقل مسندا ، كان متجاهلا ».

وكذا مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ينسب إليهم بحكاية بعض

__________________

(١) المعارج في الأصول ( ص ١٤٧ ).

٢١٠

شيعتهم ، سواء ارسل أو اسند ، إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ، ولارده الفضلاء منهم. انتهى (١).

وقال ابن إدريس ـ في آخر ( السرائر ) ـ :

باب الزيادات : فيما انتزعته ، واستطرفته من كتب المشيخة المصنفين ، والرواة المحصلين ، وستقف على أسمائهم :

فمن ذلك : ما رواه موسى بن بكر ، في كتابه.

وأورد أحاديث كثيرة ، ثم قال :

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب معاوية بن عمار.

وأورد أحاديث كثيرة ، ثم قال :

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر ؛ البزنطي ، صاحب الرضا عليه‌السلام.

ومن ذلك : ما أورده أبان بن تغلب ؛ صاحب الباقر ، والصادق عليهما‌السلام ، في كتابه.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب جميل بن دراج.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب السياري ، واسمه : أبو عبدالله : صاحب موسى ، والرضا عليهما‌السلام.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب جامع البزنطيّ ، صاحب الرضا عليه‌السلام.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا علي بن محمد ، الهادي عليهما‌السلام ، والأجوبة عن ذلك.

__________________

(١) المعتبر ( ج ٢ ص ٦٣٩ ).

٢١١

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب المشيخة ، تصنيف الحسن بن محبوب ؛ السراد ؛ صاحب الرضا عليه‌السلام.

وهو ثقة عند أصحابنا ، جليل القدر ، كثير الرواية ، أحد الأركان الأربعة في عصره ، وكتاب المشيخة : كتاب معتمد.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب نوادر المصنف ، تصنيف محمد بن علي بن محبوب.

وكان هذا الكتاب بخط شيخنا أبي جعفر ؛ الطوسي ، فنقلت هذه الأحاديث من خطه.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من ( كتاب من لا يحضره الفقيه ) ، لابن بابويه.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب ( قرب الإسناد ) ، تصنيف محمد بن عبدالله بن جعفر ؛ الحميري.

ومما استطرفناه ، من كتاب جعفر بن محمد بن سنان ؛ الدهقان.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب ( تهذيب الأحكام ).

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب عبدالله بن بكير بن أعين.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب أبي القاسم ابن قولويه.

ومما استطرفناه ، من كتاب ( أنس العالم ) ، تصنيف الصفواني.

ومما استطرفناه ، من كتاب ( المحاسن ) ، تصنيف أحمد بن أبي عبدالله ؛ البرقي.

ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب ( العيون والمحاسن ) تصنيف المفيد. انتهى (١).

__________________

(١) السرائر ( ص ٤٧١ ـ ٤٩٣ ) ، وقد طبع باسم ( مستطرفات السرائر ).

٢١٢

وقد أورد من كل كتاب ، من الكتب المذكورة ، أحاديث كثيرة.

وقد ذكر السيد ؛ رضي الدين ؛ بن طاوس ، في كتبه ما يدل على أن أكثر الكتب المذكورة ، وغيرها من أمثالها ، من أصول أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كانت عنده ، ونقل منها شيئا كثيرا ، ونحن نقلنا من ذلك أحاديث كثيرة ، كما مر.

ومعلوم أن كتب القدماء إنما اندرست بعد ذلك ، لوجود ما يغني عنها ، بل هو أوثق منها ، مثل الكتب الأربعة ، وغيرها ، مما تقدم ذكره من الكتب المعتمدة ، التي هي أحسن ترتيبا ، وتهذيبا ، وفي بعضها كفاية.

بل قد ذكر الشهيد في ( الذكرى ) والكفعمي في ( مصباحه ) قريبا من ذلك ، وصرحا : بأن كثيرا من اصول القدماء ، وكتبهم ، كانت موجودة عندهما.

فما الظن بأصحاب الكتب الأربعة ، وأمثالهم؟!.

وقد علم من كلام المحقق ، وابن إدريس : الشهادة لهذه الكتب بالصحة ، والثبوت ، والاعتماد.

ومعلوم من مذهبهما : أنهما لايعملان بخبر الواحد ، الخالي عن القرينة المفيدة للعلم والقطع.

وكذلك السيد المرتضى ـ مع أنه لا يعمل بخبر الواحد الخالي عن القرينة ـ قد شهد لهذه الأحاديث ـ المشار إليها ـ بالصحّة ، والثبوت ـ كما نقله صاحب المعالم ، والمنتقى ـ فقال :

إن أكثر أحاديثنا ، المروية في كتبنا ، معلومة ، مقطوع على صحتها :

إما بالتواتر من طريق الإشاعة ، والإذاعة.

وإما بعلامة ، وأمارة دلت على صحتها ، وصدق رواتها.

٢١٣

فهي موجبة للعلم ، مقتضية للقطع ، وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند معين مخصوص من طريق الآحاد.

انتهى (١).

وقال أيضاً ـ كما نقله عنه صاحب المعالم ـ : أن معظم الفقه ، تعلم مذاهب أئمتنا عليهم‌السلام فيه ، بالضرورة ، وبالأخبار المتواترة.

وما لم يتحقق ذلك فيه ـ ولعله الأقل ـ يعول فيه على إجماع الإمامية. انتهى (٢).

ومراده بإجماع الإمامية : إجماعهم على نقل الحكم عن الإمام ، كوجوده في الكتب المجمع عليها ، وهو اجماع على الرواية لا على الرأي.

فيكون الخبر محفوفا بالقرينة ، وهي الإجماع وغيره ، صرح بذلك في رسالة اخرى له.

وقد ذكرالمفيد ، والسيد المرتضى ، في مواضع من كتبهما : أن الأحاديث المتواترة عندنا أكثر من أن تحصى.

وإنما قال السيد المرتضى في العبارة السابقة : « أكثر أحاديثنا » :

إما : لأن بعض الكتب كانت غير معتمدة ، وكانت متميزة عن الكتب المعتمدة وكانت أكثر مؤلفات الشيعة معتمدة ، معلومة ، مجمعا عليها.

وإما : لأن أحاديث الكتب المعتمدة ـ التي يقطع بثبوتها عنهم عليهم‌السلام ـ فيها ماله معارض أقوى منه ، فلا يوجب العلم والعمل ، وإن أوجب العلم بثبوته عن المعصوم ، فلا يعلم كونه حكم الله ، بل يعلم كونه من باب التقية ـ مثلا ـ.

__________________

(١) معالم الدين ( ص ١٩٧ ) ومنتقى الجمان ( ج ١ ص ٢ ـ ٣ ).

(٢) معالم الدين ( ص ١٩٦ ).

٢١٤

فمراده بالصحة هنا : المعنى الأخص ، أعني ثبوت النقل ، وانتفاء المعارض المساوي أو الراجح كما يأتي.

ومن تأمل كتابنا هذا ، حق التأمل ، وعرف أحوال الرجال ، والكتب ، حق العرفة ، تيقن صدق دعوى السيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه.

وأما ما يوجد في بعض كلامه من الطعن في ظواهر الأخبار ، فوجهه ظاهر : لوجود معارضها ، وعدم إمكان العمل بظاهرها.

أو لأن مراده بالأخبار ـ هناك ـ أعم من أخبار الكتب المعتمدة ، وغيرها.

وذلك كله واضح.

مع أن الشيخ في ( العدة ) أشار إلى دفع ذلك : بأنه إنما يقول برد الأخبار التي يرويها المخالفون ، لا ما يرويه ثقات الإمامية.

وقد صرح الشيخ ؛ حسن في ( المنتقى ) و ( المعالم ) ـ أيضاً ـ : بأن أحاديث الكتب الأربعة وأمثالها محفوفة بالقرائن ، وأنها منقولة من الأصول ، والكتب المجمع عليها بغير تغيير (١).

ومن المواضع التي صرح فيها بذلك : بحث ( الإجازة ) من ( المعالم ) ، فإنه قال : إن أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنما يظهر حيث لا يكون متعلقها معلوما بالتواتر ونحوه ، ككتب أخبارنا الأربعة ، فإنها متواترة إجمالا ، والعلم بصحة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال ، ولا مدخل للإجازة فيه غالباً.

__________________

(١) منتفى الجمان ( ١ | ٢٧ ).

٢١٥

انتهى (١).

ومعلوم أن حال كتب المتقدمين كانت في زمان مؤلفي الكتب الأربعة كذلك ، بل كانت أوضح ، وأوثق من ذلك.

وقد ذكر الشهيد في ( الذكرى ) ـ مما يدل على وجوب اتباع مذهب الإمامية ـ وجوها كثيرة ، منها : اتفاق الأمة على طهارة الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، وشرف اصولهم ، وظهور عدالتهم ، مع تواتر الشيعة إليهم ، والنقل عنهم ، بما لا سبيل إلى إنكاره.

حتى أن أبا عبدالله ؛ جعفر بن محمد ، الصادق عليه‌السلام ، كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف ، لأربعمائة مصنف ودوّن ـ من رجاله المعروفين ـ أربعة آلاف رجل ، من أهل العراق ، والحجاز ، وخراسان ، والشام.

وكذلك عن مولانا الباقر عليه‌السلام.

ورجال باقي الأئمة عليهم‌السلام معروفون ، مشهورون ، أولو مصنفات مشهورة ، وقد ذكر كثيراً منهم العامة في رجالهم.

وبالجملة : إسناد النقل ، والنقلة عنهم عليهم‌السلام ، يزيد ـ أضعافا كثيرة ـ عن النقلة عن كل واحد من رؤساء العامة.

فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم.

وحينئذ فنقول : الجمع بين عدالتهم ، وثبوت هذا النقل عنهم ، مع بطلانه ، مما يأباه العقل ، ويبطله الاعتبار بالضرورة.

إلى أن قال : وكتاب ( الكافي ) لأبي جعفر ؛ الكليني ـ وحده يزيد

__________________

(١) معالم الدين في الأصول ( ص ٢١٣ ).

٢١٦

على ما في الصحاح الستة للعامة ، متونا وأسانيد.

وكتاب ( مدينة العلم ) و ( من لا يحضره الفقيه ) قريب من ذلك.

وكتاب ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) نحو ذلك.

وغيرها مما يطول تعداده ، بالأسانيد الصحيحة ، المتصلة ، المنتقدة ، والحسان ، والقوية.

والإنكار ـ بعد ذلك ـ مكابرة محضة ، وتعصب صرف.

انتهى (١).

ومصنفات الصدوق ، وأكثر الكتب التي ذكرناها ، ونقلنا منها ، معلومة النسبة إلى مؤلفيها ، بالتواتر ، وهي إلى الآن في غاية الشهرة.

والباقي ـ منها ـ :

علم بالأخبار المحفوفة بالقرائن.

وذكرها علماء الرجال ، وغيرهم ، في مؤلفاتهم.

واعتمد على نقلها علماء الأعلام.

ووجدت بخطوط ثقات الأفاضل.

ورأينا على نسخها خطوط علمائنا ـ المتأخرين ، وجمع من المتقدمين ، بحيث لا مجال إلى الشك في صحتها ، وثبوتها عن مؤلفيها.

وأكثرها لا يقصر في الشهرة والتواتر عن الكتب الأربعة المذكورة أولا ، بل التحقيق والتأمل يقتضي تواتر الجميع.

على أن أدناها رتبة ـ في الوثوق والاعتماد ـ مقصور على أخبار السنن والآداب ، التي لا يحتاج في إثباتها إلى زيادة القرائن ، لكون أكثرها من

__________________

(١) الذكرى ، للشهيد ص ٦ السطر ١٦.

٢١٧

الضروريات ، المعلومة بالتواتر المعنويّ ، التي دل على مضمونها أحاديث أخر معتمدة.

وقد عرفت شهادة جماعة ـ من ثقات علمائنا المعتمدين ـ بصحة هذه الكتب ، عموماً أَو خُصوصاً.

وكذلك أكثر المتقدمين والمتأخرين ـ من علماء الرجال وغيرهم ـ قد اتفقت شهادتهم بنحو ذلك.

وما نقلناه كافٍ ، ويأتي مايؤيده إن شاء الله (١).

__________________

(١) في الفائدء التاسعة من هذه الخاتمة.

٢١٨

الفائدة السابعة

( التوثيقات العامة )

٢١٩
٢٢٠