محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5503-30-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٥٢
ذهاب معظم تلك الأصول ، ولخصها جماعة في كتب خاصّة ، تقريبا على المتناول ، وأحسن ما جمع منها ( الكافي ) و ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) و ( من لايحضره الفقيه ).
انتهى (١).
وكلام الشهيد الثاني ، والشيخ بهاء الدين ـ كما ترى ـ صريح في الشهادة بصحة تلك الأصول ، والكتب المعتمدة ، وعرض كثير منها على الأئمة عليهمالسلام ، وفي الشهادة بأن الكتب الأربعة ، وأمثالها من الكتب المعتمدة ، منقولة من تلك الأصول ، وأنها كلها محفوفة بالقرائن المتعددة.
وقال الكفعمي ـ في أول ( الجنة الواقية ) ـ :
هذا كتاب محتو على عوذ ، ودعوات ، وتسابيح ، وزيارات ، وحجب ، وتحصينات ، وهياكل ، واستغاثات ، وأحراز ، وصلوات ، وأقسام ، واستخارات.
إلي أن قال : مأخوذة من كتب معتمد على صحتها ، مأمون بالتمسك بوثقى عروتها.
انتهى (٢).
وقال الطبرسي ـ في أول ( الاحتجاج ) ـ :
ولا نأتي ، في أكثر ما نورده من الأخبار ، بإسناده الموجود ، للإجماع عليه ، ولموافقته لما دلت العقول إليه ، ولاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف ، إلا ما أوردته عن الحسن بن علي ؛ العسكري عليهالسلام ، فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه ، وإن كان مشتملا على
__________________
(١) الدراية ، للشهيد ( ص ١٧ ).
(٢) الجنة الواقية ( المصباح للكفعمي ) ص ٣ ـ ٤.
مثل الذي قدمناه ، فذكرت اسناده في أول خبر من ذلك.
انتهى (١).
وقد شهد علي بن إبراهيم ـ أيضاً ـ بثبوت أحاديث تفسيره ، وأنها مروية عن الثقات عن الأئمة عليهمالسلام (٢).
وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه ، فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره (٣).
وأكثر أصحاب الكتب المذكورة قد شهدوا بنحو ذلك ، إما في أوائل كتبهم أو في أواخرها ، أو أثنائها.
فانهم كثيرا ما يضعفون حديثا بسبب قوة معارضه ، أو نحو ذلك.
أو يتعرضون لتأويله.
أو يقولون : لولا الغرض الفلاني لم نذكره ، ويشيرون ـ أويصرحون ـ بأن ماعداه من أخبار ذلك الكتاب معتمد عندهم ، وهم قائلون بمضمونه ، جازمون بثبوته ، وصحة نقله.
وكل ذلك ظاهر بالقرائن الواضحة عند المتتبع الماهر.
ويأتي شهادة كثير منهم بصحة كثير من الكتب المعتمدة.
ولايخفى عليك : أن القرائن ، المذكورة في كلام الشيخ في ( العدة ) و ( الاستبصار ) وفي كلام الشيخ ، بهاء الدين ، وغيرهما : موجودة الآن ، أو أكثرها.
وقد شهد بذلك جماعة كثيرون ، يطول الكلام بنقل عباراتهم.
__________________
(١) الاحتجاج ، للطبرسي ( ج ١ ص ١٤ ).
(٢) تفسير القمي ( ج ١ ص ٤ ).
(٣) كامل الزيارات ( ص ٤ ).
وقد ادعى بعض المتأخرين اختلاط الأصول بغيرها ، وعدم إمكان التمييز ، واندراس الأصول ، وخفاء القرائن ، وأنهم لذلك وضعوا الاصطلاح الجديد.
وذلك ممنوع ، إن أراد حصوله في زمن أصحاب الكتب الأربعة ، بل ممنوع مطلقا ، وسند المنع ما أشرنا إليه ، وما يأتي إن شاء الله.
وليت شعري! كيف حصل هذا الاندراس ، وهذا الاختلاط ، في زمن العلامة ، وشيخه أحمد بن طاوس ، الذين أحدثا هذا الاصطلاح ، كما صرح به صاحب المنتقى ، وغيره ، في اليوم الذي أحدثاه فيه؟ ولم يحصل قبله بساعة ، أو يوم ، أو شهر ، أو سنة؟ بل كانوا يعملون بالاصطلاح الأول ، فيكون اندراس تلك الأصول واختلاطها كله في ساعة واحدة ، أو يوم واحد؟.
وهذا معلوم البطلان ، عادة.
بل كلام الشهيد الثاني ، والشيخ بهاء الدين ، وغيرهما : صريح في خلاف هذه الدعوى.
وقد اعترف الشيخ بهاء الدين ، والشيخ حسن ، وغيرهما ، بأن المتأخرين ـ أيضاً ـ كثيرا ما يسلكون مسلك المتقدمين ، ويعملون باصطلاحهم.
فعلم أن ذلك غير متعذر.
وقال الشيخ بهاء الدين ـ في ( مشرق الشمسين ) ـ :
المستفاد ـ من تصفح كتب علمائنا ، المؤلفة في السير ، والجرح والتعديل ـ أن اصحابنا الإمامية كان اجتنابهم ـ لمن كان ، من الشيعة ، على الحق أولا ، ثم أنكر إمامة بعض الأئمة عليهمالسلام ـ في أقصى المراتب ،
بل كانوا يحترزون عن مجالستهم ، والتكلم معهم ، فضلا عن أخذ الحديث عنهم.
بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها للعامة ، فإنهم كانوا يتاقون العامة ، ويجالسونهم ، وينقلون عنهم ، ويظهرون لهم أنهم منهم ، خوفاً من شوكتهم ، لأن حكام الضلال منهم.
وأما هؤلاء المخذولون : فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال ، وخصوصا : الواقفة (١) ، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم ، والتباعد عنهم ، حتى أنهم كانوا يسمونهم « الممطورة » أي الكلاب التي أصابها المطر.
وأئمتنا عليهمالسلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ، ومخالطتهم ، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ، ويقولون : إنهم كفار ، مشركون ، زنادقة ، وأنهم شرّ من النواصب وأن من خالطهم فهو منهم.
وكتب أصحابنا مملوءة بذلك ، كما يظهر لمن تصفح كتاب ( الكشي ) وغيره.
فإذا قبل علماؤنا ـ وسيما المتأخرون منهم ـ رواية رواها رجل من ثقات الإمامية ، عن أحد من هؤلاء ، وعولوا عليها ، وقالوا بصحتها ، مع علمهم بحاله ؛ فقبولهم لها ، وقولهم بصحتها ، لابد من ابتنائه على وجه صحيح ، لا يتطرق به القدح إليهم ، ولا إلى ذلك الرجل ، الثقة ، الراوي عن من هذا حاله.
كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف.
أو بعد توبته ، ورجوعه إلى الحق.
أو أن النقل إنما وقع من أصله الذي ألّفه ، واشتهر عنه قبل الوقف.
__________________
(١) كذا الصحيح وكان في كتابنا والمصدر : « الواقفية » وهو غلط ، إذ الفعل هو الوقف ، والفاعل : واقف ، وجمعه : الواقفة.
أو من كتابه الذي ألفه بعد الوقف ، ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد ، ككتاب علي بن الحسن ؛ الطاطري ، فإنه وإن كان من أشد الواقفية (١) عنادا للإمامية ـ فإن الشيخ شهد له في ( الفهرست ) بأنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم ، وروايتهم.
إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة.
والظاهر : أن قبول المحقق رواية علي بن أبي حمزة ـ مع تعصبه في مذهبه الفاسد ـ مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة من أصله.
وتعليله يشعر بذلك ، فان الرجل من أصحاب الأصول.
وكذلك قول العلامة بصحة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق عليهالسلام ، فإنه ثقة من أصحاب الأصول ، أيضا.
وتأليف هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف ، لأنه وقع في زمن الصادق عليهالسلام.
فقد بلغناعن مشايخنا ـ قدس الله أرواحهم ـ : أنه قد كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهمالسلام حديثا بادروا إلى إثباته في اصولهم ، لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه ، بتمادي الأيام ، وتوالي الشهور ، والأعوام.
والله أعلم بحقايق الأمور. انتهى (٢).
وهذا الكلام يستلزم الحكم بصحة أحاديث الكتب الأربعة ، وأمثالها ، من الكتب المعتمدة ، التي صرّح مؤلفوها وغيرهم بصحتها ، واهتموا بنقلها ورواياتها ، واعتمدوا ـ في دينهم ـ على ما فيها.
__________________
(١) لاحظ التعليقة (١) في الصفحة السابقة.
(٢) مشرق الشمسين ـ المطبوع مع الحبل المتين ( ص ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ).
ومثله يأتي في رواية الثقات ؛ الأجلاء ـ كأصحاب الإجماع ، ونحوهم ـ عن الضعفاء ، والكذابين ، والمجاهيل ، حيث يعلمون حالهم ، ويروون عنهم ، ويعملون بحديثهم ، ويشهدون بصحته.
وخصوصا مع العلم بكثرة طرقهم ، وكثرة الأصول الصحيحة عندهم وتمكنهم من العرض عليها ، بل على الأئمة عليهمالسلام.
فلا بد من حمل فعلهم ، وشهادتهم بالصحة ، على وجه صحيح ، لا يتطرق به الطعن إليهم.
وإلا ، لزم ضعف جميع رواياتهم لظهور ضعفهم وكذبهم ، فلا يتم الاصطلاح الجديد.
وقد اعترف الشيخ حسن ـ في ( المعالم ) و ( المنتقى ) في عدة مواضع ـ بأن أحاديث كتبنا المعتمدة محفوفة بالقرائن ، وأن المتقدمين إلى زمن العلامة كانوا يعملون بالقرائن ، لا بهذا الاصطلاح المشهور بعده ، وأن المتأخرين قد يعملون بذلك أيضا (١).
وقال السيد : رضي الدين ؛ علي بن طاوس ـ في كتاب ( كشف المحجة لثمرة المهجة ) في وصيّته لولده ـ :
روى الشيخ ، المتفق على ثقته ، وأمانته ؛ محمد بن يعقوب ؛ الكليني.
وهذا الشيخ كانت حياته في زمان وكلاء مولانا ؛ المهدي عليهالسلام : عثمان بن سعيد العمري ، وولده ؛ أبي جعفر ؛ محمد ، وأبي القاسم ؛ الحسين بن روح ، وعلي بن محمد ؛ السمري ، رضي الله عنهم ، وتوفي
__________________
(١) معالم الدين في الأصول ( ص ١٩٧ ) ، ومنتقى الجمان ( ج ١ ص ١٤ و ٢٧ ).
محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد ؛ السمري.
فتصانيف هذا الشيخ ، ورواياته ، في زمان الوكلاء المذكورين. انتهى (١).
وهي قرينة واضحة على صحة كتبه ، وثبوتها ، لقدرته على استعلام أحوال الكتب التي نقل منها ـ لو كان عنده شك فيها ـ لروايته عن السفراء والوكلاء المذكورين وغيرهم ، وكونه معهم في بلد واحد ، غالباً.
وقد ذكر الشيخ ؛ بهاء الدين في الرسالة ( الوجيزة ) :
أن الكليني ألف ( الكافي ) في مدة عشرين سنة.
قال : ولجلالة قدره عده جماعة من علماء العامة ـ كابن الأثيرفي ( جامع الأصول ) ـ من المجدّدين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة ، بعد ما ذكرأن سيدنا ، وإمامنا ، علي بن موسى ؛ الرضا عليهالسلام ، هو المجدد لذلك المذهب على رأس المائة الثانية.
انتهى (٢).
وقال المفيد رحمهالله في ( الإرشاد ) :
كان الصادق عليهالسلام أنبه إخوته ذكْراً ، وأعظمهم قدرا ، وأجلهم في العامة والخاصة ، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه ، فان أصحاب الحديث نقلوا أسماء الرواة عنه من الثقات ، على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رَجُل.
انتهى (٣).
__________________
(١) كشف المحجة لثمرة المهجة ( ص ١٥٩ ).
(٢) الوجيزة للبهائي ( ص ٧ ).
(٣) الإرشاد للمفيد ( ص ٢٧٠ ـ ٢٧١ ).
ونقل ابن شهرآشوب في ( المناقب ) : أن الذين رووا عن الصادق عليهالسلام من الثقات كانوا أربعة آلاف رجل ، وأن ابن عقدة ذكرهم في كتاب ( الرجال ) (١).
ونقل ابن شهر آشوب ـ في كتاب ( معالم العلماء ) ـ عن المفيد : أنه قال : صنفت الإمامية ـ من عهد أمير المؤمنين عليهالسلام إلى عهد أبي محمد ؛ الحسن ؛ العسكري عليهالسلام ـ أربعمائة كتاب ، تسمى ( الأصول ) ، فهذا معنى قولهم : له أصل (٢).
وقال الطبرسي في ( إعلام الورى ) ـ :
روى عن الصادق عليهالسلام ، من مشهوري أهل العلم ، أربعة آلاف إنسان ، وصنف ، من جواباته في المسائل ، أربعمائة كتاب ، معروفة ، تسمى ( الأصول ) رواها أصحابه ، وأصحاب ابنه موسى عليهالسلام. انتهى (٣).
ولا منافاة بين العبارتين ، ولاتعارض بين النقلين ، وليس مفهوم العدد بحجة ، كما لا يخفى.
وقال المحقق ؛ أبو القاسم ؛ جعفر بن سعيد ـ في ( المعتبر ) ـ :
روى عن الصادق عليهالسلام ، من الرجال ، ما يقارب أربعة آلاف رجل ، وبرز بتعليمه ، من الفقهاء ، الأفاضل ، جم غفير ، كزرارة بن أعين ، وإخوته : بكير ، وحمران ، وجميل بن صالح ، وجميل بن دراج ، ومحمد بن
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ( ج ٤ ص ٢٤٧ ).
(٢) معالم العلماء ( ص ٣ ).
(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى ( ص ٤١٠ ) ، وقال أيضا : ولم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، وإن اصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات ، « فكانوا أربعة ألاف رجل » اعلام الورى ( ص ٢٨٤ ).
مسلم ، وبريد بن معاوية ، والهشامين ، وأبي بصير ، وعبدالله ومحمد وعمران الحلبيين ، وعبدالله بن سنان ، وأبي الصباح الكناني ، وغيرهم ، من أعيان الفضلاء ، حتى كتبت ، من أجوبة مسائله ، أربعمائة مصنف ، لأربعمائة مصنف ، سموها اصولا (١).
ثم قال : كان من تلامذة الجواد عليهالسلام فضلاء ، كالحسين بن سعيد وأخيه ؛ الحسن ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ؛ البزنطي ، وأحمد بن محمد بن خالد ؛ البرقي ، وشاذان ؛ أبي الفضل ؛ القمي ، وأيوب بن نوح بن دراج ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، وغيرهم ممن يطول تعدادهم ، وكتبهم ـ الآن ـ منقولة بين الأصحاب ، دالة على العلم الغزير (٢).
ثم قال : اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر علمه وفضله ، وعرف تقدمه في نقد (٣) الأخبار ، وصحّة الاختيار ، وجودة الاعتبار.
واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم وعرف به اهتمامهم ، وعليه اعتمادهم.
فممن اخترت نقله : الحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، والحسين بن سعيد ، والفضل بن شاذان ، ويونس بن عبد الرحمن ، ومن المتأخرين : أبو جعفر ؛ محمد بن علي بن بابويه ، ومحمد بن يعقوب ؛ الكليني. انتهى (٤).
__________________
(١) المعتبر ( ١ | ٢٦ ).
(٢) كذا في الأصل ، وفي المصححتين : الغريز
(٣) كذا في الأصل والمصححة ، لكن المطبوع في ( المعتبر ) ( نقل ) باللام.
(٤) إلى هنا ورد في المعتبر ( ص ٧ ) لكن لكلامه تتمة ضرورية ، وهي قوله :
ومن أصحاب كتب الفتاوى : علي ابن بابويه ، وأبو علي ابن الجنيد ، والحسن بن أبي عقيل ؛ العماني ، والمفيد ؛ محمد بن محمد النعمان ، وعلم الهدى ، والشيخ ؛ أبو جعفر ؛ محمد بن الحسن ؛ الطوسي.
وقال المحقق ـ أيضاً ـ في كتاب الأصول ـ :
ذهب شيخنا أبوجعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه ، وإن كان مطلقا ، فعند التحقيق يتبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا ، بل بهذه الأخبار المروية عن الأئمة عليهمالسلام ، ودونها الأصحاب ، لا أن كل خبر يرويه إمامي يجب العمل به.
هذا الذي تبين لي من كلامه ، ونقل إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار.
حتى لو رواها غير الإمامي ، وكان الخبر سليما عن المعارض ، واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب ، عمل به.
انتهى (١).
وقال ـ أيضا ، في ( المعتبر ) في بحث الخمس ، بعد ما ذكر خبرين مرسلين ـ :
الذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله الأصحاب ، وأفتى به الفضلاء ، وإذا سلم النقل عن المعارض ، ومن المنكر ، لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم.
فإنا نعلم ما ذهب إليه أبو حنيفة ، والشافعي ، وإن كان الناقل عنهم ممن لا يعتمد على قوله ، وربما لم يعلم نسبته إلى صاحب المقالة.
ولو قال إنسان : « لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ، ولا مذهب الشافعي في الفقه ، لانه لم ينقل مسندا ، كان متجاهلا ».
وكذا مذهب أهل البيت عليهمالسلام ، ينسب إليهم بحكاية بعض
__________________
(١) المعارج في الأصول ( ص ١٤٧ ).
شيعتهم ، سواء ارسل أو اسند ، إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ، ولارده الفضلاء منهم. انتهى (١).
وقال ابن إدريس ـ في آخر ( السرائر ) ـ :
باب الزيادات : فيما انتزعته ، واستطرفته من كتب المشيخة المصنفين ، والرواة المحصلين ، وستقف على أسمائهم :
فمن ذلك : ما رواه موسى بن بكر ، في كتابه.
وأورد أحاديث كثيرة ، ثم قال :
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب معاوية بن عمار.
وأورد أحاديث كثيرة ، ثم قال :
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر ؛ البزنطي ، صاحب الرضا عليهالسلام.
ومن ذلك : ما أورده أبان بن تغلب ؛ صاحب الباقر ، والصادق عليهماالسلام ، في كتابه.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب جميل بن دراج.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب السياري ، واسمه : أبو عبدالله : صاحب موسى ، والرضا عليهماالسلام.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب جامع البزنطيّ ، صاحب الرضا عليهالسلام.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا علي بن محمد ، الهادي عليهماالسلام ، والأجوبة عن ذلك.
__________________
(١) المعتبر ( ج ٢ ص ٦٣٩ ).
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب المشيخة ، تصنيف الحسن بن محبوب ؛ السراد ؛ صاحب الرضا عليهالسلام.
وهو ثقة عند أصحابنا ، جليل القدر ، كثير الرواية ، أحد الأركان الأربعة في عصره ، وكتاب المشيخة : كتاب معتمد.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب نوادر المصنف ، تصنيف محمد بن علي بن محبوب.
وكان هذا الكتاب بخط شيخنا أبي جعفر ؛ الطوسي ، فنقلت هذه الأحاديث من خطه.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من ( كتاب من لا يحضره الفقيه ) ، لابن بابويه.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب ( قرب الإسناد ) ، تصنيف محمد بن عبدالله بن جعفر ؛ الحميري.
ومما استطرفناه ، من كتاب جعفر بن محمد بن سنان ؛ الدهقان.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب ( تهذيب الأحكام ).
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب عبدالله بن بكير بن أعين.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب أبي القاسم ابن قولويه.
ومما استطرفناه ، من كتاب ( أنس العالم ) ، تصنيف الصفواني.
ومما استطرفناه ، من كتاب ( المحاسن ) ، تصنيف أحمد بن أبي عبدالله ؛ البرقي.
ومن ذلك : ما استطرفناه ، من كتاب ( العيون والمحاسن ) تصنيف المفيد. انتهى (١).
__________________
(١) السرائر ( ص ٤٧١ ـ ٤٩٣ ) ، وقد طبع باسم ( مستطرفات السرائر ).
وقد أورد من كل كتاب ، من الكتب المذكورة ، أحاديث كثيرة.
وقد ذكر السيد ؛ رضي الدين ؛ بن طاوس ، في كتبه ما يدل على أن أكثر الكتب المذكورة ، وغيرها من أمثالها ، من أصول أصحاب الأئمة عليهمالسلام كانت عنده ، ونقل منها شيئا كثيرا ، ونحن نقلنا من ذلك أحاديث كثيرة ، كما مر.
ومعلوم أن كتب القدماء إنما اندرست بعد ذلك ، لوجود ما يغني عنها ، بل هو أوثق منها ، مثل الكتب الأربعة ، وغيرها ، مما تقدم ذكره من الكتب المعتمدة ، التي هي أحسن ترتيبا ، وتهذيبا ، وفي بعضها كفاية.
بل قد ذكر الشهيد في ( الذكرى ) والكفعمي في ( مصباحه ) قريبا من ذلك ، وصرحا : بأن كثيرا من اصول القدماء ، وكتبهم ، كانت موجودة عندهما.
فما الظن بأصحاب الكتب الأربعة ، وأمثالهم؟!.
وقد علم من كلام المحقق ، وابن إدريس : الشهادة لهذه الكتب بالصحة ، والثبوت ، والاعتماد.
ومعلوم من مذهبهما : أنهما لايعملان بخبر الواحد ، الخالي عن القرينة المفيدة للعلم والقطع.
وكذلك السيد المرتضى ـ مع أنه لا يعمل بخبر الواحد الخالي عن القرينة ـ قد شهد لهذه الأحاديث ـ المشار إليها ـ بالصحّة ، والثبوت ـ كما نقله صاحب المعالم ، والمنتقى ـ فقال :
إن أكثر أحاديثنا ، المروية في كتبنا ، معلومة ، مقطوع على صحتها :
إما بالتواتر من طريق الإشاعة ، والإذاعة.
وإما بعلامة ، وأمارة دلت على صحتها ، وصدق رواتها.
فهي موجبة للعلم ، مقتضية للقطع ، وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند معين مخصوص من طريق الآحاد.
انتهى (١).
وقال أيضاً ـ كما نقله عنه صاحب المعالم ـ : أن معظم الفقه ، تعلم مذاهب أئمتنا عليهمالسلام فيه ، بالضرورة ، وبالأخبار المتواترة.
وما لم يتحقق ذلك فيه ـ ولعله الأقل ـ يعول فيه على إجماع الإمامية. انتهى (٢).
ومراده بإجماع الإمامية : إجماعهم على نقل الحكم عن الإمام ، كوجوده في الكتب المجمع عليها ، وهو اجماع على الرواية لا على الرأي.
فيكون الخبر محفوفا بالقرينة ، وهي الإجماع وغيره ، صرح بذلك في رسالة اخرى له.
وقد ذكرالمفيد ، والسيد المرتضى ، في مواضع من كتبهما : أن الأحاديث المتواترة عندنا أكثر من أن تحصى.
وإنما قال السيد المرتضى في العبارة السابقة : « أكثر أحاديثنا » :
إما : لأن بعض الكتب كانت غير معتمدة ، وكانت متميزة عن الكتب المعتمدة وكانت أكثر مؤلفات الشيعة معتمدة ، معلومة ، مجمعا عليها.
وإما : لأن أحاديث الكتب المعتمدة ـ التي يقطع بثبوتها عنهم عليهمالسلام ـ فيها ماله معارض أقوى منه ، فلا يوجب العلم والعمل ، وإن أوجب العلم بثبوته عن المعصوم ، فلا يعلم كونه حكم الله ، بل يعلم كونه من باب التقية ـ مثلا ـ.
__________________
(١) معالم الدين ( ص ١٩٧ ) ومنتقى الجمان ( ج ١ ص ٢ ـ ٣ ).
(٢) معالم الدين ( ص ١٩٦ ).
فمراده بالصحة هنا : المعنى الأخص ، أعني ثبوت النقل ، وانتفاء المعارض المساوي أو الراجح كما يأتي.
ومن تأمل كتابنا هذا ، حق التأمل ، وعرف أحوال الرجال ، والكتب ، حق العرفة ، تيقن صدق دعوى السيّد المرتضى رضياللهعنه.
وأما ما يوجد في بعض كلامه من الطعن في ظواهر الأخبار ، فوجهه ظاهر : لوجود معارضها ، وعدم إمكان العمل بظاهرها.
أو لأن مراده بالأخبار ـ هناك ـ أعم من أخبار الكتب المعتمدة ، وغيرها.
وذلك كله واضح.
مع أن الشيخ في ( العدة ) أشار إلى دفع ذلك : بأنه إنما يقول برد الأخبار التي يرويها المخالفون ، لا ما يرويه ثقات الإمامية.
وقد صرح الشيخ ؛ حسن في ( المنتقى ) و ( المعالم ) ـ أيضاً ـ : بأن أحاديث الكتب الأربعة وأمثالها محفوفة بالقرائن ، وأنها منقولة من الأصول ، والكتب المجمع عليها بغير تغيير (١).
ومن المواضع التي صرح فيها بذلك : بحث ( الإجازة ) من ( المعالم ) ، فإنه قال : إن أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنما يظهر حيث لا يكون متعلقها معلوما بالتواتر ونحوه ، ككتب أخبارنا الأربعة ، فإنها متواترة إجمالا ، والعلم بصحة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال ، ولا مدخل للإجازة فيه غالباً.
__________________
(١) منتفى الجمان ( ١ | ٢٧ ).
انتهى (١).
ومعلوم أن حال كتب المتقدمين كانت في زمان مؤلفي الكتب الأربعة كذلك ، بل كانت أوضح ، وأوثق من ذلك.
وقد ذكر الشهيد في ( الذكرى ) ـ مما يدل على وجوب اتباع مذهب الإمامية ـ وجوها كثيرة ، منها : اتفاق الأمة على طهارة الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام ، وشرف اصولهم ، وظهور عدالتهم ، مع تواتر الشيعة إليهم ، والنقل عنهم ، بما لا سبيل إلى إنكاره.
حتى أن أبا عبدالله ؛ جعفر بن محمد ، الصادق عليهالسلام ، كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف ، لأربعمائة مصنف ودوّن ـ من رجاله المعروفين ـ أربعة آلاف رجل ، من أهل العراق ، والحجاز ، وخراسان ، والشام.
وكذلك عن مولانا الباقر عليهالسلام.
ورجال باقي الأئمة عليهمالسلام معروفون ، مشهورون ، أولو مصنفات مشهورة ، وقد ذكر كثيراً منهم العامة في رجالهم.
وبالجملة : إسناد النقل ، والنقلة عنهم عليهمالسلام ، يزيد ـ أضعافا كثيرة ـ عن النقلة عن كل واحد من رؤساء العامة.
فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم.
وحينئذ فنقول : الجمع بين عدالتهم ، وثبوت هذا النقل عنهم ، مع بطلانه ، مما يأباه العقل ، ويبطله الاعتبار بالضرورة.
إلى أن قال : وكتاب ( الكافي ) لأبي جعفر ؛ الكليني ـ وحده يزيد
__________________
(١) معالم الدين في الأصول ( ص ٢١٣ ).
على ما في الصحاح الستة للعامة ، متونا وأسانيد.
وكتاب ( مدينة العلم ) و ( من لا يحضره الفقيه ) قريب من ذلك.
وكتاب ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) نحو ذلك.
وغيرها مما يطول تعداده ، بالأسانيد الصحيحة ، المتصلة ، المنتقدة ، والحسان ، والقوية.
والإنكار ـ بعد ذلك ـ مكابرة محضة ، وتعصب صرف.
انتهى (١).
ومصنفات الصدوق ، وأكثر الكتب التي ذكرناها ، ونقلنا منها ، معلومة النسبة إلى مؤلفيها ، بالتواتر ، وهي إلى الآن في غاية الشهرة.
والباقي ـ منها ـ :
علم بالأخبار المحفوفة بالقرائن.
وذكرها علماء الرجال ، وغيرهم ، في مؤلفاتهم.
واعتمد على نقلها علماء الأعلام.
ووجدت بخطوط ثقات الأفاضل.
ورأينا على نسخها خطوط علمائنا ـ المتأخرين ، وجمع من المتقدمين ، بحيث لا مجال إلى الشك في صحتها ، وثبوتها عن مؤلفيها.
وأكثرها لا يقصر في الشهرة والتواتر عن الكتب الأربعة المذكورة أولا ، بل التحقيق والتأمل يقتضي تواتر الجميع.
على أن أدناها رتبة ـ في الوثوق والاعتماد ـ مقصور على أخبار السنن والآداب ، التي لا يحتاج في إثباتها إلى زيادة القرائن ، لكون أكثرها من
__________________
(١) الذكرى ، للشهيد ص ٦ السطر ١٦.
الضروريات ، المعلومة بالتواتر المعنويّ ، التي دل على مضمونها أحاديث أخر معتمدة.
وقد عرفت شهادة جماعة ـ من ثقات علمائنا المعتمدين ـ بصحة هذه الكتب ، عموماً أَو خُصوصاً.
وكذلك أكثر المتقدمين والمتأخرين ـ من علماء الرجال وغيرهم ـ قد اتفقت شهادتهم بنحو ذلك.
وما نقلناه كافٍ ، ويأتي مايؤيده إن شاء الله (١).
__________________
(١) في الفائدء التاسعة من هذه الخاتمة.
الفائدة السابعة
( التوثيقات العامة )