الإفصاح في الإمامة

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإفصاح في الإمامة

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
المطبعة: مهر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٨

بن أبي سفيان وأبا موسى الأشعري وله من الصحبة والسبق ما لا يجهل وقد علمتم عداوتهم لأمير المؤمنين عليه‌السلام وإظهارهم البراءة منه والقنوت عليه وهو ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأميره على أبي بكر وعمر وعثمان.

ولو كانت الصحبة أيضا مانعة من الخطإ في الدين والآثام لكانت مانعة لمالك بن نويرة وهو صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الصدقات ومن تبعه من وجوه المسلمين من الردة عن الإسلام.

ولكانت صحبة السامري لموسى بن عمران عليه‌السلام وعظم محله منه ومنزلته تمنعه من الضلال باتخاذ العجل والشرك بالله عزوجل ولاستحال أيضا على أصحاب موسى نبي الله عليه‌السلام وهم ستمائة ألف إنسان وقد شاهدوا الآيات والمعجزات وعرفوا الحجج والبينات أن يجتمعوا على خلاف نبيهم وهو حي بين أظهرهم وباينوا خليفته وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف وينذرهم فلا يصغون إلى شيء من قوله ويعكفون على عبادة العجل من دون الله عزوجل.

ولكان أيضا أصحاب عيسى عليه‌السلام معصومين من الردة ولم يكونوا كذلك بل فارقوا أمره وغيروا شرعه وادعوا عليه أنه كان يأمرهم بعبادته واتخاذه إلها مع الله تعالى تعمدا للكفر والضلال وإقداما على العناد من غير شبهة ولا سهو ولا نسيان.

__________________

(١) نصبت عطفا على الاسم الموصول (من).

(٢) في ب ، م : حتى دعوا عليه في قنوت الصلاة.

(٣) في أ : المؤمنين.

٤١

فإن قال : فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه وكان القوم قد دفعوا حقا لأمير المؤمنين عليه‌السلامكما وصفتموه فلم أقرهم على ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام واتبعهم عليه الأنصار والمهاجرون وما بال أمير المؤمنينعليه‌السلاملم يجاهدهم كما جاهد الناكثين والقاسطين والمارقين.

قيل له : لم يقرهم على ذلك جميع المسلمين ولا تبعهم عليه سائر الأنصار والمهاجرين وإن كان الراضي بذلك منهم الجمهور والمؤثر في العدد هم الأكثرون وليس ذلك علامة على الصواب بل هو في الأغلب دليل على الضلال وقد نطق بذلك القرآن قال الله تعالى (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).

وقال تعالى (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) وقال تعالى (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ).

وقال تعالى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)

وقال تعالى (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) في آيات يطول بإثباتها الكتاب.

__________________

(١) في ب : أمرهم

(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

(٣) سورة يوسف ١٢ : ١٠٦.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٩.

(٥) سورة ص ٣٨ : ٢٤.

(٦) سورة هود ١١ : ٤٠.

٤٢

على أن هذا القول وإن كان حجة فيما ذكرناه فالوجود شاهد لصحته على ما وصفناه ألا ترى أن أكثر الخلق على مرور الأيام والأوقات عصاة لله تعالى والقليل منهم مطيعون له على الإخلاص والجمهور الأكثر منهم جهال على كل حال والعلماء قليل يحصرهم العدد بلا ارتياب وأهل التصون والمروءة من بين الخلق أفراد وأهل المناقب في الدين والدنيا آحاد فيعلم بذلك أن الأكثر لا معتبر بهم في صحيح الأحكام.

وبعد فإنه لم يتمكن قط متملك إلا وكان حال الخلق معه حالهم مع أبي بكر وعمر وعثمان وهذه عادة جارية إلى وقتنا هذا وإلى آخر الزمان ألا ترى إلى اجتماع الأمة على متاركة معاوية بن أبي سفيان حين ظهر أمره عند مهادنة الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وسكوت الكافة عنه وهو يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على المنابر ويقنت عليه في الصلوات ويضرب رقاب المسلمين على الولاية له ويجيز على البراءة منه بالأموال.

وكذلك كانت حالهم مع يزيد لعنه الله وقد قتل الحسين بن

__________________

(١) في أ : على مرور الازمات ، وفي ح ، م : على مرور الأوقات.

(٢) التصوّن : حفظ النفس من المعائب " أقرب الموارد ـ صون ـ ١ : ٦٧١ ".

(٣) في ب ، م : ملك.

(٤) (الأمة) ليس في ب.

(٥) المتاركة : المسالمة ، والمصالحة. " أقرب الموارد ـ ترك ـ ١ : ٧٦ " ، وفي ب ، ح ، م : مشاركة.

٤٣

علي عليه‌السلام ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحبيبه وقرة عينه ظلما وعدوانا وسبى أهله ونساءه وذراريه وهتكهم بين الملإ وسيرهم على الأقتاب في الفلوات واستباح حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وقعة الحرة وسفك دماء أهل الإيمان وأظهر الردة عن الإسلام فلم يجاهره أحد من الأمة بنكيرة وأطبقوا على إظهار التسليم له والائتمام به والاتباع له والانقياد.

ولم يزل الأمر يجري في الأمة بعد يزيد لعنه الله مع الجبارين من بني أمية ومروان على ما وصفناه وكذلك كانت صورتهم من عهد آدم عليه‌السلام وإلى وقت من سميناه ومن بعدهم إلى الآن وإنما ينظر الناس إلى من حصل له الاتفاق في الرئاسة والسلطان وينقادون له كما ذكرناه ويجتنبون خلافه على ما بيناه سواء كان من الله أو من الشيطان أو كان عادلا في الرعية أو كان ظالما من الفجار.

بل قد وجدنا الجمهور في كثير الأحوال يتحيزون عن أولياء

__________________

(١) في أ : وذريته.

(٢) وقعة الحرة : حدثت في أيام يزيد بن معاوية في سنة (٦٣ ه‌) ، وكان أمير الجيش فيها مسلم بن عقبة ، وسموه لقبيح صنيعه مسرفا ، حيث قدم المدينة ونزل (حرة واقم) ـ شرق المدينة ـ فخرج أهل المدينة لمحاربته فكسرهم ، وقتل من الموالي ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل ، ومن الانصار ألفا وأربعمائة ، وقيل ألفا وسبعمائة ، ومن قريش ألفا وثلاثمائة ، ودخل جنده المدينة فنهبوا الاموال وسبوا الذرية واستباحوا الفروج ، وأحضروا أعيان المدينة لمبايعة يزيد بن معاوية ، " مروج الذهب ٣ : ٦٩ والكامل في التاريخ ٣ : ٦٣ ".

(٣) (يجري في الامة) ليس في ب.

(٤) في ب ، م : يحترزون ، وتحيز عنه : تنحى.

٤٤

الله تعالى ويخالفون أنبيائه ويسفكون في العناد لهم الدماء ويطبقون على طاعة أعداء الله عزوجل ويسلمون لهم على الطوع والإيثار وربما اتفق للظالم المتغلب والناقص الغبي الجاهل من الجماعة الرضا به والاتباع فانقادت الأمور له على منيته فيها والمحاب واختلفت (١) على العادل المستحق الكامل الحكيم العالم (٢) واضطربت عليه الأمور وكثرت له المعارضات وحصلت في ولايته الفتن والمنازعات والخصومات والمدافعات (٣).

وقد عرف أهل العلم ما جرى على كثير من أنبياء الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الأذى والتكذيب والرد لدعواهم والاستخفاف بحقوقهم والانصراف عن إجابتهم والاجتماع على خلافهم والاستحلال لدمائهم.

فأخبر الله تعالى بذلك فيما قص به (٤) من نبئهم في القرآن فكان من الاتباع للفراعنة والنماردة وملوك الفرس والروم على الضلال ما لا يحيل (٥) على ذي عقل ممن سمع الكتاب فيعلم بما شرحناه أنه لا معتبر في الحق بالاجتماع ولا معتمد في الباطل على الاختلاف وإنما مدار

__________________

(١) في أ ، ب ، ح : واختلف.

(٢) (العالم) ليس في ب ، ح ، م.

(٣) في م : المرافعات.

(٤) في أ : بهم.

(٥) في أ : لا يحل.

٤٥

الأمر في هذين البابين على الحجج والبينات لما وصفناه من وجود الاجتماع على الضلال والاختلاف والتباين في الهدى والصواب بما بيناه ولا سبيل إلى دفعه إلا بالعناد

فصل

فأما قوله فلم لم يجاهدهم أمير المؤمنين عليه‌السلامكما جاهد الناكثين والقاسطين والمارقين فقد ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام ذلك فيما تظاهر عنه من الأخبار فكان من (١) الجواب حيث يقول أما ((والله لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر (٢) وما أخذ الله على العلماء (٣) أن لا يقاروا على كظة (٤) ظالم ولا سغب (٥) مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها)) (٦)

فدل على أنه عليه‌السلام إنما ترك جهاد الأولين لعدم الأنصار وجاهد الآخرين لوجود الأعوان وكان ذلك هو الصلاح الشامل على معلوم الله تعالى وشرائط حكمته في التدبيرات.

__________________

(١) في ب ، ح ، م : هو.

(٢) في أ ، ح : لولا حضور الناصر ، ولزوم الحجة.

(٣) في أ ، ح : على أولياء الامر.

(٤) الكظة : شئ يعتري الانسان عند الامتلاء من الطعام ، والمراد استئثار الظالم بالحقوق. " الصحاح ـ كظظ ـ ٣ : ١١٧٨ ".

(٥) السغب : الجوع ، والمراد منه هضم حقوق المظلوم. " الصحاح ـ سغب ١ : ١٤٧.

(٦) نهج البلاغة ، الخطبة الشقشقية : ٣١.

٤٦

فإن قال : أفليس قد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال ما كان الله ليجمع أمتي على ضلال)). (١) فكيف يصح اجتماع الأمة على دفع المستحق عن حقه والرضا بخلاف الصواب وذلك ضلال بلا اختلاف.

قيل له : أول ما في هذا الباب أن الرواية لما ذكرت غير معلومة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما جاءت بها الأخبار على اختلاف من المعاني والألفاظ وقد دفع صحتها جماعة من رؤساء أهل النظر والاعتبار وأنكرها إمام المعتزلة وشيخها إبراهيم بن سيار النظام. (٢)

وبعد : فلو ثبت ما ضرنا فيما وصفناه لأنا لا نحكم بإجماع أمة الإسلام على الرضا بما صنعه المتقدمون على أمير المؤمنين عليه‌السلام فكيف نحكم بذلك ونحن نعلم يقينا كالاضطرار خلاف الأنصار في عقد الإمامة على المهاجرين وإنكار بني هاشم وأتباعهم على الجميع في تفردهم بالأمر دون أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد جاءت الأخبار مستفيضة بأقاويل جماعة من وجوه (٣) الصحابة في إنكار ما جرى وتظلم أمير المؤمنين عليه‌السلام من ذلك (٤) برفع الصوت والإجهار.

__________________

(١) انظر الرد على هذا الحديث في الاحتجاج : ١١٥ ، الخصال ٢ : ٥٤٩ / ٣٠. ومن مصادره سنن الترمذي ٤ : ٤٦٦ / ٢١٦٧ ، مسند أحمد ٥ : ١٤٥ ، سنن الدرامي ١ : ٢٩.

(٢) انظر ترجمته في : " تاريخ بغداد ٦ : ٩٧ / ٣١٣١ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٥٤١ / ١٧٢ ، لسان الميزان ١ : ٦٧ / ١٧٣ ، الكنى والالقاب ٣ : ٢٥٣ ".

(٣) (وجوه) ليس في ب ، م.

(٤) (من ذلك) ليس في ب ،

٤٧

وكان من قول العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما قد عرفه الناس ومن أبي سفيان بن حرب والزبير بن العوام أيضا ما لا يخفى على من سمع الأخبار وكذلك من عمار بن ياسر وسلمان وأبي ذر والمقداد وبريدة الأسلمي وخالد بن سعيد بن العاص في جماعات يطول بذكرها الكلام.

وهذا يبطل ما ظنه الخصم من اعتقاد (١) الإجماع على إمامة المتقدم (٢) على أمير المؤمنين عليه‌السلام على أنه لا شبهة تعرض في إجماع (٣) الأمة على أبي بكر وعمر وعثمان إلا وهي عارضة في قتل عثمان بن عفان وإمامة معاوية من بعد صلح الحسن عليه‌السلام وطاعة يزيد بعد الحرة وإمامة بني أمية وبني مروان.

فإن وجب (٤) لذلك القطع بالإجماع على الثلاثة المذكورين حتى تثبت إمامتهم ويقضى لهم بالصواب ليكون جميع من ذكرناه شركاؤهم في الإمامة وثبوت الرئاسة الدينية والسلطان إذ العلة واحدة فيما أوجب لهم ذلك فهو ظاهر التسليم والانقياد على الاجتماع وترك النكير والخلاف وهذا ما يأباه أهل العلم كافة ولا يذهب إليه أحد من أهل التمييز لتناقضه في الاعتقاد.

__________________

(١) في أ : اعتقادنا.

(٢) في ب : من تقدم.

(٣) في ب ، م : في التعرض على إجماع.

(٤) (وجب) ليس في ب.

٤٨

فإن قال : أليس قد روى أصحاب الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال خير القرون القرن الذي أنا فيه ثم الذين يلونه (١))) (٢)

وقال عليه‌السلام إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)). (٣)

وقال عليه‌السلام أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) (٤) فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف (٥) أصحابه السيئات أو يقيموا على الذنوب والكبائر الموبقات.

قيل له : هذه أحاديث آحاد وهي مضطربة الطرق والإسناد والخلل ظاهر في معانيها والفساد وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع ولا يقابل (٦) حجج الله تعالى وبيناته الواضحات (٧) مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد ورواها الثقات

__________________

(١) في ب : ثم الذي يليه.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٢٢٨ ، سنن أبي داود ٤ : ٢١٤ / ٤٦٥٧ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٦٢ / ٢١٠ ، وفيها : خير أمتي القرن ..

(٣) مسند أحمد ١ : ٨٠ و ٢ : ٢٩٥ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٤١ / ١٦١ ، صحيح البخاري ٦ : ٣٦٣ / ٣٨٣ ، سنن الدرامي ٢ : ٣١٣.

(٤)] لسان الميزان ٢ : ١٣٧ ، تفسير البحر المحيط ٥ : ٥٢٨ ، أعلام الموقعين ٢ : ٢٢٣ ، كنز العمال ١ : ١٩٩ / ١٠٠٢ ، كشف الخفاء ومزيل الالباس ١ / ١٣٢. وانظر تلخيص الشافي ٢ : ٢٤٦.

(٥) في م : يعترف.

(٦) في أ : يعترض الاجماعات ولا قايل ، في ب : تعترض الاجماعات ولا تقابل.

(٧) في أ : وموضحاته.

٤٩

عند أصحاب الآثار وأطبق على نقلها الفريقان من الشيعة والناصبة على الاتفاق ما ضمن خلاف ما انطوت (١) عليه فأبطلها على البيان.

فمنها : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم فقالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن إذن؟!)) (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة (٣) شر من الأولى (٤)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع لأصحابه إلا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا إني قد شهدت وغبتم (٥).

وقال عليه‌السلام لأصحابه أيضا إنكم محشورون إلى الله تعالى يوم

__________________

(١) في أ : انطق.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٥١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ / ٣٩٩٤ ، صحيح البخاري ٤ : ٣٢٦ / ٢٤٩.

(٣) في ب : آخره.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٤٨٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣١٠ / ٣٩٦١.

(٥) الجامع الصحيح للترمذي ٤ : ٤٦١ / ٢١٥٩ و ٤٨٦ / ٢١٩٣ ، صحيح البخاري ٧ : ١٨٢ و ٨ : ٢٨٥ / ١٤ و ٩ : ٩٠ / ٢٧ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٠٥ / ٢٩ ـ ٣١ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٢١ / ٤٦٨٦ قطعة منه ، مسند أحمد ١ : ٢٣٠ ، سنن النسائي ٧ : ١٢٧ قطعة منه ، سنن الدرامي ٢ : ٦٩ قطعة منه.

٥٠

القيامة حفاة عراة وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)) (١).

وقال عليه‌السلام أيها الناس بينا أنا على الحوض إذ مر بكم زمرا فتفرق بكم الطرق فأناديكم ألا هلموا إلى الطريق فيناديني مناد من ورائي إنهم بدلوا بعدك فأقول ألا سحقا ألا سحقا)) (٢).

وقال عليه‌السلام ما بال أقوام يقولون إن رحم (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنفع يوم القيامة بلى والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرطكم على الحوض فإذا جئتم قال الرجل منكم يا رسول الله أنا فلان بن فلان وقال الآخر أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقرى)) (٤).

وقال عليه‌السلام وقد ذكر عنده الدجال أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال)) (٥).

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ٤ : ٢١٩٤ / ٥٨ ، الجامع الصحيح للترمذي ٤ : ٦١٥ / ٢٤٢٣ ، سنن النسائي ٤ : ١١٧.

(٢) مسند أحمد ٦ : ٢٩٧.

(٣) (إن رحم) ليس في ب ، ح ، م.

(٤) مسند أحمد ٣ : ١٨ و ٦٢ قطعة منه.

(٥) كنز العمال ١٤ : ٣٢٢ / ٢٨٨١٢.

٥١

وقال عليه‌السلام إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني)) (١).

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلى برهان على أن كتاب الله عزوجل شاهد بما ذكرناه ولو لم يأت حديث فيه لكفى في بيان ما وصفناه.

قال الله سبحانه وتعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٢) فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على القطع والثبات.

وقال جل اسمه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٣) فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين وأعلمهم أنها تشملهم على العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب.

وقال سبحانه وتعالى (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٤) وهذا صريح في الخبر عن

__________________

(١) مسند أحمد ٦ : ٣٠٧.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٣) سورة الانفال ٨ : ٢٥.

(٤) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٤.

٥٢

فتنتهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاختبار وتمييزهم بالأعمال.

وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١) لى آخر الآية دليل على ما ذكرناه.

وقوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) (٢) يزيد ما شرحناه.

ولو ذهبنا إلى استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن والأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لانتشر القول فيه وطال به الكتاب.

وفي قول أنس بن مالك دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة فأضاء منها كل شيء فلما مات عليه‌السلام أظلم منها كل شيء وما نفضنا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأيدي ونحن في دفنه حتى أنكرنا قلوبنا (٣) ـ شاهد عدل على القوم بما بيناه.

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته وأثبتنا أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب ولا يكتسبون السيئات هم الذين حصروا عثمان بن عفان وشهدوا عليه بالردة عن الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٤.

(٢) سورة محمد صلى الله عليه وآله ٤٧ : ٢٩.

(٣) الجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٥٨٨ / ٣٦١٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٢١ / ٢٦٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٢ / ١٦٣١.

٥٣

وسفكوا دمه على استحلال وهم الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد العهود والإيمان وحاربوه بالبصرة وسفكوا دماء أهل الإسلام وهم القاسطون بالشام ومنهم رؤساء المارقة عن الدين والإيمان ومن قبل منع جمهورهم الزكاة حتى غزاهم إمام عدل عندكم (١). وسبى ذراريهم وحكم عليهم بالردة والكفر والضلال.

فإن زعمت أنهم (٢) فيما قصصناه من أمرهم (٣) على الصواب فكفاك خزيا بهذا المقال وإن حكمت عليهم أو على بعضهم (٤) بالخطاء وارتكاب الآثام بطلت أحاديثك ونقضت ما بينته (٥) من الاعتلال (٦).

ويقال له أيضا وهؤلاء الصحابة الذين رويت ما رويت فيهم من الأخبار وغرك منهم التسمية لهم بصحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان أكابرهم وأفاضلهم أهل بدر الذين زعمت أن الله قطع لهم المغفرة والرضوان هم الذين نطق القرآن بكراهتهم للجهاد ومجادلتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تركه وضنهم بأنفسهم من نصره ورغبتهم في الدنيا وزهدهم في الثواب فقال جل اسمه (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى

__________________

(١) (عندكم) ليس في ب ، م.

(٢) في أ ، ح : أن جميعهم.

(٣) في أ : امورهم.

(٤) (أو على بعضهم) ليس في ب ، م.

(٥) في أ : بنيته.

(٦) في أ : الاعتدال.

٥٤

الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ). (١)

ثم زجرهم الله تعالى عن شقاق نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لما علم من خبث نياتهم وأمرهم بالطاعة والإخلاص وضرب لهم فيما أنبأ به من بواطن (٢) أخبارهم وسرائرهم الأمثال وحذرهم من الفتنة بارتكابهم قبائح الأعمال وعدد عليهم نعمه ليشكروه ويطيعوه فيما دعاهم إليه من الأعمال وأنذرهم العقاب من الخيانة لله جلت عظمته ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ

__________________

(١) سورة الانفال ٨ : ٥ ـ ٨ ، وفي م زيادة : نفاقهم.

(٢) في أ : مواطن.

٥٥

تَشْكُرُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١).

ومن قبيل هذا ما أكده عليهم من فرض الصبر في الجهاد وتوعدهم بالغضب على الهزيمة لما علم من ضعف بصائرهم فلم يلتفتوا إلى وعيده وأسلموا نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عدوه في مقام بعد مقام.

فقال سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٣).

هذا وقد أخبر جل اسمه عن عامة من حضر بدرا من القوم ومحبتهم للحياة وخوفهم من الممات وحضورهم ذلك المكان طمعا في الغنائم والأموال وأنهم لم يكن لهم نية في نصرة الإسلام فقال تعالى (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ

__________________

(١) سورة الانفال ٨ : ٢٠ ـ ٢٨.

(٢) سورة الانفال ٨ : ٤٥.

(٣) سورة الانفال ٨ : ١٥ ، ١٦.

٥٦

لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). (١)

وقال في القوم بأعيانهم وقد أمرهم نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج إلى بدر فتثاقلوا عنه واحتجوا عليه ودافعوه عن الخروج معه.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عليهمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٢) الآية

وقال تعالى فيهم وقد كان لهم في الأسرى من الرأي ما كان (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣).

فأخبر سبحانه بالنص الذي لا يحتمل التأويل أنهم أرادوا الدنيا دون الآخرة وآثروا العاجلة على الآجلة وتعمدوا من العصيان ما لو لا

__________________

(١) سورة الانفال ٨ : ٤٢ ، ٤٣.

(٢) سورة النساء ٤ : ٧٧ ، ٧٨.

(٣) سورة الانفال ٨ : ٦٧ ، ٦٨.

٥٧

سابق علم الله وكتابه لعجل لهم العقاب.

وقال تعالى فيما قص (١) من نبأهم في يوم أحد وهزيمتهم من المشركين وتسليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (٢).

وقال جل اسمه في قصتهم بحنين وقد ولوا الأدبار ولم يبق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد غير أمير المؤمنين عليه‌السلام والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وسبعة من بني هاشم ليس معهم غيرهم من الناس (٣).

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...) (٤) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام والصابرين معه من بني هاشم دون سائر المنهزمين.

وقال سبحانه في نكثهم عهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حي بين أظهرهم موجود.

(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ

__________________

(١) في أ : فيما نص به.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٥٣.

(٣) إرشاد المفيد : ٧٤ ، مجمع البيان ٥ : ٢٨ ، السيرة الحلبية ٣ : ٦٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٢ ، مع اختلاف.

(٤) سورة التوبة ٩ : ٢٥ ، ٢٦

٥٨

اللهِ مَسْؤُلاً). (١)

وقد سمع كل من سمع الأخبار ما كان يصنعه كثير منهم والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حي بين أظهرهم والوحي ينزل عليه بالتوبيخ لهم والتعنيف والإيعاد ولا يزجرهم ذلك عن أمثال ما ارتكبوه من الآثام

فمن ذلك ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب على المنبر في يوم الجمعة إذ جاءت عير لقريش قد أقبلت من الشام ومعها من يضرب بالدف ويصفر (٣) ويستعمل ما حظره الإسلام فتركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائما على المنبر وانفضوا عنه إلى اللهو واللعب رغبة فيه وزهدا في سماع موعظة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما يتلوه عليهم من القرآن.

فأنزل الله عزوجل فيهم (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٤)

. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم (٥) يصلي بهم إذ أقبل رجل

__________________

(١) سورة الاحزاب ٣٣ : ١٥.

(٢) في أ : افلت.

(٣) (ويصفر) ليس في ب ، م.

(٤) تأويل الآيات ٢ : ٦٩٣ / ٣ ، تفسير القمي ٢ : ٣٦٧ ، مجمع البيان ١٠ : ٤٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٣١٣ و ٣٧٠ ، صحيح البخاري ٦ : ٢٦٧ / ٣٩٣ ، الجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٤١٤ / ٣٣١١ ، جامع البيان للطبري ٢٨ : ٦٧ ، الدر المنثور ٨ : ١٦٥ ، والآية من سورة الجمعة ٦٢ : ١١.

(٥) (ذات يوم) ليس في أ.

٥٩

ببصره سوء يريد المسجد للصلاة فوقع في بئر كانت هناك فضحكوا منه واستهزءوا به وقطعوا الصلاة ولم يوقروا الدين ولا هابوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما سلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ((من ضحك فليعد وضوءه والصلاة)) (١).

ولما تأخرت عائشة وصفوان بن المعطل (٢) في غزوة بني المصطلق أسرعوا إلى رميها بصفوان وقذفوها بالفجور وارتكبوا في ذلك البهتان وكان منهم في ليلة العقبة من التنفير لناقته صلى‌الله‌عليه‌وآله والاجتهاد في رميه عنها وقتله بذلك ما كان ثم لم يزالوا يكذبون عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأخبار حتى بلغه ذلك

فقال كثرت الكذابة علي فما أتاكم عني من حديث فاعرضوه على القرآن)). (٣)

فلو لم يدل على تهاونهم بالدين واستخفافهم بشرع نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أنهم كانوا قد تلقوا عنه أحكام الإسلام على الاتفاق فلما مضى صلى‌الله‌عليه‌وآله من بينّهم جاءوا بجميعها على غاية الاختلاف لكفى في ظهور حالهم ووضح به أمرهم وبان فكيف وقد ذكرنا من ذلك طرفا

__________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ١٦١ ـ ١٧٢ بعدة طرق ، تاريخ بغداد ٩ : ٣٧٩ ، وكنز العمال ٩ : ٣٣١ / ٢٦٢٨١.

(٢) انظر ترجمته في اسد الغابة ٣ : ٢٦ ، الجرح والتعديل ٤ : ٤٢٠ / ١٨٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٥٤٥ / ١١٥ ، الاصابة ٣ : ٢٥٠ / ٨٠٨٤.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٤٤٧

٦٠