الإفصاح في الإمامة

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإفصاح في الإمامة

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
المطبعة: مهر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٨

١
٢
٣
٤

٥
٦

مقدّمة

المؤلّف

هو شيخ الامّة ، ورئيس متكلّميها ، ورأس فقهائها : أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان ابن التابعي الجليل الشهيد سعيد بن جبير ، العكبري البغداديّ ، المعروف ب‍ (ابن المعلّم) الشهير في الآفاق ب‍ (الشيخ المفيد) (١)

ولد في الحادي عشر من ذي القعدة بعكبرا ـ وهي مدينة تقع في شمال بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة ـ سنة (٣٣٦) أو (٣٣٨) ه‍.

وتوفّي ببغداد ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان المبارك سنة (٤١٣) وكان يوم وفاته كيوم الحشر كما وصفه بعض المؤرّخين ، شيّعه ثمانون ألفا ، وصلّى عليه تلميذه الشريف المرتضى عليّ بن الحسين بميدان الأشنان ، الذي ضاق على الناس رغم سعته ، ولم ير يوم أكبر

__________________

(١) ـ روي أن عليّ بن عيسى الرمّاني لقّبه بالمفيد ، بعد مناظرة طريفة جرت بينهما ، أفحم الرمّاني فيها ، وقيل أن الذي لقّبه بالمفيد هو القاضي عبد الجبّار المعتزلي. انظر تفصيل ذلك في روضات الجنّات ٦ : ١٥٩.

٧

منه لشدّة زحام الناس للصلاة عليه ، ومن كثرة بكاء المؤالف والمخالف ، ولا عجب فقد فقد العلم به حامل لوائه ، وزعيم طلائعه ، ورائد الفكر وفارسه المعلّم وكميّه المقدام ، وثلم الدين بموته ثلمة لا يسدّها شيء.

كان (١) قدّس سرّه شيخا ربعة ، نحيفا ، أسمر ، خشن اللباس ، كثير الصلاة والصوم والتقشّف والتخشّع والصدقات ، عظيم الخشوع ، ما كان ينام من الليل إلاّ هجعة ثمّ يقوم ويصلّي ، أو يتلو كتاب اللّه ، أو يطالع ، أو يدرّس.

كان مديما للمطالعة والتعليم ، ومن أحفظ الناس ، قيل إنّه ما ترك للمخالفين كتابا إلاّ حفظه ، وبهذا قدر على حلّ شبه القوم.

كان دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، حاضر الجواب ، حسن اللسان والجدل ، ضنين السرّ ، جميل العلانية ، بارعا في جميع العلوم ، حتّى كان يقال : له على كلّ إمام منّة.

كان نشيطا للبحث والمناظرة ، صبورا على الخصم ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة فلا يدرك شأوه ، ولم يكن في زمانه من يدانيه أو يضاهيه في هذا المضمار ، حتّى جعل المخالفين في ضيق شديد بقوّة حجّته وتأثير

__________________

(١) ـ كلّ ما سنورده من أحواله وصفاته ومديحه فهو ممّا أطراه به كبار علماء الرجال والتاريخ من الفريقين ، كصهره أبي يعلى الجعفري وتلميذيه النجاشيّ والطوسيّ؛وكأبي حيّان التوحيدي وابن النديم والخطيب البغداديّ واليافعي والذهبي وابن الجوزي وابن حجر العسقلاني وابن كثير الشاميّ وغيرهم.

٨

كلامه في الناس الذين راحوا يتهافتون لولوج باب السعادة والفوز ، وسلوك نهج واحد أصيل وواضح ، ألا وهو نهج آل البيت عليهم‌السلام ، ممّا أثار حفيظة بعض المتعصّبين ـ الذين كان دأبهم الانتصار لأنفسهم ، فجانبوا الإنصاف بحق من خالفهم وإن كان محقّا دونهم ـ كابن العماد الحنبلي واليافعي والخطيب البغداديّ الذين راحوا يعلنون فرحهم وسرورهم بوفاة هذا المصلح العظيم ، ناسين جليل قدره ، فقالوا : «هلك به خلق من الناس إلى أن أراح اللّه المسلمين منه»!!!.

كان شديدا على أهل البدع والأهواء وحملة الأفكار المنحرفة ، وكان بعضهم يتفادى مناظرته ويخشى حجاجه ، وله مع البعض الآخر كالقاضي عبد الجبّار المعتزلي والقاضي أبي بكر الباقلاني رئيس الأشاعرة مناظرات كثيرة رواها تلامذته ومترجموه ، وحفلت بها كتبه ك‍ (العيون والمحاسن) ، وكتب أكثر من خمسين كتابا ورسالة في الرد عليهم وتفنيد آرائهم ، ومن أقطابهم : الجاحظ ، ابن عبّاد ، ابن قتيبة ، ثعلب ، الجبّائي ، أبو عبد اللّه البصري ، ابن كلاب القطّان ـ من رؤساء الحشويّة ـ ، الخالدي ، النسفيّ ، النصيبي ، الكرابيسي ، ابن رشيد ، ابن الاخشيد ، الحلاّج وغيرهم ، ألزمهم فيها الحجّة بالمنطق والدليل الذي لا ينقض.

كما خصّ الإمامة وما يتفرع عنها من بحوث عقائدية وكلامية بمجموعة من مصنّفاته القيّمة ، وما يهمّنا منها هنا كتابه :

٩

الإفصاح في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام

وهو هذا الكتاب الذي بين يديك ، قال في ديباجته :

«إنّي ـ بمشيئة اللّه وتوفيقه ـ مثبت في هذا الكتاب جملا من القول في الإمامة يستغنى ببيانها عن التفصيل ، ومعتمد في إيضاحها على موجز يغني عن التطويل ، وراسم في أصول ذلك رسوما يصل بها إلى فروعها ذوو التحصيل ... والغرض فيما نورده الآن تلخيص جنس مفرد لم يتميّز بالتحديد فيما أسلفناه ، ولا وجدناه على ما نؤمّه لأحد من أصحابنا المتقدّمين رضي اللّه عنهم ولا عرفناه ، مع صدق الحاجة إليه فيما كلّفه اللّه تعالى جميع من ألزمه فروضه وأمره ونهاه ، إذ كان به تمام الإخلاص لمن اصطفاه سبحانه من خلقه وتولاّه ، وكمال الطاعة في البراءة إليه ممّن بمعصيته له عاداه».

وقال في خاتمته :

«قد أثبتّ في هذا الكتاب جميع ما يتعلّق به أهل الخلاف في إمامة أئمتهم من تأويل القرآن والإجماع والعمد لهم في الأخبار على ما يتّفقون عليه من الإجماع دون ما يختلفون فيه ، لشذوذه ودخوله في باب الهذيان ، وبيّنت عن وجوه ذلك بواضح البيان ، وكشفت عن الحقيقة فيه بجليّ البرهان».

أورد فيه أدلّة علماء العامّة على صحّة إمامة أئمتهم ، وآراء المتكلّمين والمفسّرين وأصحاب النظريات المختلفة والمذاهب المتعدّدة ، ثمّ أجاب عنها بفهم قوي ، ونظر دقيق ، وأسلوب جميل ، وبيان فصيح ،

١٠

مبيّنا ضعفها وسقمها من عدّة وجوه ، ثمّ يفترض صحّة الدليل الذي احتجّوا به ، تاركا ما أورده عليه من إشكالات جانبا ، ليردّه بوجوه وأدلة اخرى ذات معان جديدة تختلف عن سابقتها ، مستشهدا في جميع ذلك بكثير من الآيات القرآنية ، مستعينا بطريقي : النقل الصحيح المتواتر المتّفق عليه ، والعقل ، فيستوفي البحث في المسألة الواحدة حتّى يسقطها من الاعتبار ، وبدلا من أن تكون دليلا لهم تصبح دليلا وحجّة عليهم ، غير تارك لهم ثغرة يلجئون إليها إلاّ التسليم واتّباع نهج الحقّ والصراط المستقيم بما جاءهم به من البيّنة والبرهان (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّٰهِ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوٰاءَ السَّبِيلِ يُحَاجُّونَ فِي اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مٰا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دٰاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعليهمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ.)

كما حاجج في هذا الكتاب أبرز الفرق وأشهرها كالسنّة والمعتزلة والحشويّة والخوارج فيما بينهم ، بذكر حجج وأدلّة وشبه بعضهم على البعض الآخر ، مؤكّدا قدرته وتفوّقه وسعة اطلاعه بأفكار وعقائد الفرق والمذاهب الأخرى.

والمباحثات المذكورة في هذا الكتاب ليست كلّها افتراضية أو غير واقعية ، كما قد يتصوّر البعض ، بل إنّ بعضها كان قد حدث فعلا ، كما هو واضح في محاججته مع بعض متكلّمي المعتزلة ، وبعض المرجئة ، قال في نهايتها بعد غلبته عليهما : «فلحق بالأوّل في الانقطاع ، ولم

١١

أحفظ منه إلاّ عبارات فارغة داخلة في باب الهذيان» (١).

وقد ضمّنه مؤلّفه منتخبا من كتابه (المسألة الكافئة) كما ذكر ذلك في معرض إحالته إليه (٢).

وأحال فيه أيضا إلى كتابه الآخر (العيون والمحاسن) (٣) الذي ألّفه سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ٤ ، أي قبل وفاته بأربعين سنة ، وكان عمره الشريف آنذاك خمسا أو سبعا وثلاثين سنة ، فيكون تأليفه للإفصاح بعد هذا العمر.

والمتيقّن لدينا أنّ الإفصاح ليس آخر كتاب ألّفه ، لأنّه وعد في آخره بتأليف كتاب في (إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من القرآن) وقد ألّفه فعلا ، إذ عدّه تلميذه أبو العبّاس أحمد بن علي النجاشيّ (٣٧٢ ـ ٤٥٠ ه‍) من تأليفاته (٥).

نسخ الكتاب

اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على ثلاث نسخ خطية ورابعة مطبوعة.

النسخة الأولى : وهي المحفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة ملك ،

__________________

(١) الإفصاح : ١٢٠.

(٢) الإفصاح : ١٢٩.

(٣) الإفصاح : ١٩٢.

(٤) الفصول المختارة من العيون والمحاسن ٢ : ٩٩.

(٥) رجال النجاشيّ : ٤٠.

١٢

في طهران ، برقم (٢٩٢٦) ، وتقع في (٥٧) ورقة ، ليس فيها اسم الناسخ ولا تاريخ الاستنساخ ، وكتب في رأس الصفحة الأولى (كتاب الإيضاح لشيخنا الأعز الأجلّ السديد الشيخ المفيد طاب ثراه) كذا ورد عنوان الكتاب في هذه النسخة ولكن الصحيح (الإفصاح) بدليل ما في سائر النسخ والمعاجم المختصّة والفهارس المعنية بالتراث. وقد رمزنا لها بـ (أ).

النسخة الثانية : وهي المحفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة المجلس النيابي الإيراني (مجلس شوراى إسلامي) ، في طهران ، برقم (١٠٥٤٧) ، وتقع في (٤٠) ورقة ، ليس فيها اسم الناسخ ولا تاريخ الاستنساخ.

ورمزنا لها ب‍ (ح).

النسخة الثالثة : وهي المحفوظة في خزانة مخطوطات المكتبة المركزية العامّة (آستان قدس رضوي) في مدينة مشهد المقدّسة ، برقم (٧٤٤٣) ، وتقع في (٥١) ورقة ، كتب في أوّلها :

(هذا كتاب الإفصاح في إثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من مصنّفات الشيخ أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد قدس اللّه سرّه السعيد).

وفي آخرها :

(يقول العبد الفقير إلى اللّه الغني ابن زين العابدين محمّد حسن الارموي ، النزيل عند سيّده ومولاه أمير المؤمنين علي في مشهد الغري ، على مشرّفه آلاف التحيّة والسلام : قد اتفق لي الفراغ من كتابة هذه

١٣

النسخة الشريفة ليومين خلتا (كذا) من شهر رمضان من شهور سنة ألف وثلاثمائة وخمسون (كذا) الهجرية على هاجرها الصلوات والسلام ، والمرجو من المنتفعين أن يذكرني (كذا) بالمغفرة والاستغفار ، واللّه ولي التوفيق ، سنة ١٣٥٠).

ورمزنا لها بـ (ب).

النسخة الرابعة : وهي المطبوعة في النجف الأشرف ، المطبعة الحيدريّة ، سنة (١٣٦٨ ه‍) ، في (١٣٦) صفحة ، وجاء في آخرها :

(إلى هنا تمّ كتاب الإفصاح للشيخ السديد الشيخ المفيد ... استنساخا على يد الفقير إلى ربّه الغني عبد الرزاق ١بن السيّد محمّد ابن السيّد عبّاس بن السيّد حسن بن السيّد قاسم الموسوي نسبا المقرّمي لقبا ، في النجف الأشرف على مشرّفه الصلاة والسلام ، عصر يوم الأحد الثاني من شهر ذي الحجة الحرام من سنة الألف والثلاثمائة والخمسين هجرية على مهاجرها ألف صلاة وتحية ، سنة ١٣٥٠ ذي الحجة.

صحّح مقابلة من أوّله إلى تمامه على نسخة العلامة الشيخ شير محمّد بن صفر علي الهمداني الجورقاني دام بقاه).

وأعادت مكتبة المفيد في قم المقدّسة طبعها بالأوفسيت ضمن

__________________

(١) وهو العلامة الحجّة ، له تأليفات بلغت أكثر من اثنين وأربعين كتابا ورسالة ، جلّها في تاريخ الشهداء العلويين وأئمة آل البيت عليهم‌السلام ، ولد في النجف الأشرف سنة (١٣١٦ ه‍) وتوفي فيها سنة (١٣٩١ ه‍) ، وصدر له من منشورات مؤسّسة البعثة (مقتل الحسين) عليه‌السلام.

١٤

كتاب (عدّة رسائل للشيخ المفيد).

ورمزنا لها ب‍ (م).

منهج التحقيق

لاحظنا أن النسخ الثلاث المخطوطة والنسخة المطبوعة في النجف الأشرف مليئة بالتصحيف والتحريف والسقط ، فكان من العسير اختيار نسخة من بينها يصحّ الاعتماد عليها كي تكون أصلا في التحقيق ، لذا اعتبرناها كلّها أصولا معتمدة وبمرتبة واحدة ، إذ تعدّ كل واحدة منها مكملة للأخرى ، فعمدنا إلى مقابلة جميع النسخ مع بعضها البعض.

ثمّ تلا المقابلة تخريج الأحاديث والآثار والأشعار من امّهات المصادر المعتمدة عند الفريقين.

وفي مرحلة تقويم متن الكتاب وتصحيحه ، قمنا بما يلي :

١ ـ إثبات أنسب الألفاظ وأصحّها ـ عند اختلاف النسخ ـ في متن الكتاب ، ثمّ الإشارة إلى الاختلافات ذات الوجوه المحتملة الواردة في النسخ الأخرى.

٢ ـ تقطيع المتن بأحسن وجه يحفظ له المعنى ويسهل على القارئ تقبّله ، ويضيف عليه جمالية في الإخراج.

٣ ـ ضبط بعض الكلمات الصعبة والأعلام.

٤ ـ شرح المفردات الغامضة شرحا موجزا باعتماد أهم معاجم اللغة.

٥ ـ ترجمة موجزة لبعض الرواة والأعلام الواردة في الكتاب.

١٥

٦ ـ التعليق المقتضب عند الضرورة.

ومن ثمّ تأتي مرحلة ترتيب هوامش الكتاب وفقا للمعلومات والملاحظات المثبتة في الفقرات المتقدمة.

وأخيرا قمنا بإعداد الفهارس الفنيّة الشاملة لمحتويات هذا الكتاب.

شكر وثناء

يسرّ مؤسّسة البعثة إذ تقدم للقارئ الكريم هذا الأثر القيّم أن تتقدّم بالثناء والتقدير للإخوة الأفاضل الذين ساهموا في إنجازه كلّ بحسب تخصّصه ، وكما يلي :

١ ـ مقابلة النسخ : الأخ كريم راضي الواسطي والأخ إسماعيل الموسوي.

٢ ـ تخريج النصوص : الأخ عصام البدريّ.

٣ ـ تقويم النصّ : الأخ علي موسى الكعبي والأخ شاكر شبع.

٤ ـ تثبيت الهوامش : الأخ عبد الكريم البصري.

٥ ـ إعداد الفهارس : الشيخ كريم الزّريقي.

نسأل اللّه سبحانه أن يوفّق كلّ العاملين في خدمة دينه المبين إلى ما يحب ويرضى ، وأن يوفّقنا لأداء واجبنا في حقل إحياء تراث أهل البيت عليهم‌السلام إنّه تعالى ولي التوفيق.

قسم الدراسات الإسلامية

مؤسّسة البعثة ـ قم

١٦

١٧

١٨

١٩

٢٠