دراسات في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد علي الشاهرودي

دراسات في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد علي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٧

الموضوع كما هو واضح ، فهذه الأصول يكون منزلة منزلة العلم من الجهة الثانية ، فتقوم مقام ما أخذ في الموضوع من تلك الجهة ، مثلا الغاية في قوله عليه‌السلام «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه» (١) انما تكون مأخوذة من تلك الجهة ، فان الحلية مجعولة للشاك لا بما أن هذه الصفة موجودة في نفسه ، بل بما أنه متحير وليس له عقد القلب مقدمة للعمل ، وعلى هذا فتقوم الأصول المحرزة مقامه ، وهكذا الشك المأخوذ في جميع الأصول غير المحرزة ولأجل هذا تقدم الأصول المحرزة على غير المحرزة ، إذ بقيامها يرتفع موضوعها كما هو واضح.

وأما الأصول غير المحرزة التي ليس لها نظر إلى الواقع ، بل هي وظائف عملية مجعولة للجاهل كالبراءة العقلية والشرعية والاحتياط العقلي والشرعي فعدم قيامها بأجمعها مقام القطع الموضوعي في غاية الوضوح ، لأنها لا تكون محرزة للواقع لا وجدانا ولا بالتعبد الشرعي.

وهكذا عدم قيامها مقام القطع الطريقي المحض وان لم يكن ذلك بتلك المثابة من الوضوح ، بيان ذلك : أن البراءة العقلية عبارة عن حكم العقل وإدراكه عدم صحة العقاب على مخالفة الواقع الّذي لا يكون واصلا ، وان المكلف معذور في ذلك ولا يستحق العقاب عليه ، كما أن الاحتياط العقلي عبارة عن إدراك العقل حسن العقاب وصحته بمعنى استحقاق المخالف للعقاب لو صادف الواقع ، وهذا معنى التنجيز. فالبراءة العقلية عبارة أخرى عن المعذرية ، والاحتياط العقلي عبارة عن التنجيز ، وكلاهما أثر للقطع لا شيء نزل منزلته ، فانه لا بد في التنزيل من أمور ثلاثة ، منزل ومنزل عليه ووجه التنزيل أي الأثر الّذي يكون التنزيل بلحاظه ويكون هو المصحح لذلك ، وعليه فكيف يعقل تنزيل البراءة والاحتياط منزلة

__________________

(١) وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٤.

٦١

القطع مع كونهما الأثر المصحح للتنزيل. وأما البراءة الشرعية فلأنها ترخيص شرعي بلحاظ عدم إحراز الواقع لا إحراز عدم الواقع كما هو واضح لمن راجع أدلتها. وأما الاحتياط الشرعي كما في الشبهات التحريمية على القول به ، أو في الموارد المهمة مثل باب الدماء والفروج فهو وإن كان منجزا وموجبا لاستحقاق العقاب ولكن العقاب في موارده ليس على مخالفة الواقع ، لأن قبح العقاب بلا بيان يكون من الأحكام العقلية الضرورية ، وقد عرفت أنه غير قابل للتخصيص ، وإنما العقاب يكون على مخالفة هذا التكليف أعني وجوب الاحتياط ، لكن حيث أنه ناشئ عن مصلحة الواقع لا محالة يكون ترتب العقاب على مخالفته في فرض مصادفة الواقع ، وإلّا فيكون تجريا محضا. وبالجملة فالاحتياط الشرعي إنما هو حكم إلزامي مولوي كما يظهر من أدلته ، ونفس مخالفته يوجب العقاب ، وهذا أجنبي عن تنزيل شيء منزلة القطع.

وتلخص من جميع ما تقدم أن الأمارات تقوم مقام القطع الطريقي مطلقا ، سواء كان مأخوذا في الموضوع أم لم يكن بنفس دليل حجيتها ، والأصول المحرزة تقوم مقامه كذلك لكن بما أنه موجب للاعتقاد والبناء العملي ، وأما الأصول غير المحرزة فلا تقوم مقام القطع أصلا.

هذا تمام الكلام في أقسام القطع.

ثم أن للمحقق الخراسانيّ في حاشيته كلاما في قيام الطرق والأمارات مقام القطع الموضوعي بقسميه على القول بجعل المؤدى (١) ، فهل يمكن المساعدة عليه بعد الإغماض عن فساد المبنى أم لا؟ حاصل ما أفاده : هو أن أدلة الأمارات متكفلة لتنزيل المؤدى منزلة الواقع فقط ، فلا يلزم هناك إلّا لحاظ واحد آلي ، غايته تلك

__________________

(١) درر الفوائد (حاشية على الفرائد) : ٢٩ ـ ٣١.

٦٢

الأدلة بالدلالة الالتزامية العرفية تدل على تنزيل العلم بالمؤدى منزلة العلم بالواقع من دون احتياج إلى اللحاظ الاستقلالي ، فيترتب تحقق كلا جزئي الموضوع المأخوذ فيه القطع على تنزيل واحد من حيث المؤدى فقط. وأفاد في الكفاية بأن هذا مستلزم للدور (١) ، وهو محال.

ولا يخفى أنه لا يترتب أثر على هذا البحث بعد وضوح فساده أصلا ، ولكن الكبرى الكلية ربما يترتب عليها أثر في بعض الموارد ، فلا بأس بالتعرض لها إجمالا ، فنقول :

تارة : يكون الحكم مترتبا على نفس موضوعه من دون أن يكون مقيدا بقيد أصلا ، كما لو قال : لا تشرب الخمر ، فتحقق هذا الحكم خارجا لا يتوقف إلّا على وجود ذلك الموضوع من دون حاجة إلى مئونة زائدة ، ويمكن التمسك بإطلاقه مطلقا :

وأخرى : يكون الموضوع مقيدا كما في قوله : «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» (٢) فالموضوع يكون الماء المقيد بالكرية ، وفعلية ذلك لا يكون إلّا بتحقق الموضوع بما له من القيود وعليه ، فإذا قامت البينة مثلا على كرية مائع لا يكون ذلك مؤثرا إلّا بعد إحراز أن المائع ماء إما وجدانا وإما تعبدا ، ودليل حجية البينة الشامل بإطلاقه لهذه البينة القائمة على كرية هذا المائع لا يدل على التعبد بمائيته أيضا. نعم لو ورد دليل خاص على حجية خصوص هذه البينة يدل على ذلك بدلالة الاقتضاء وصونا لكلام الحكيم عن اللغوية ، وأما الدليل العام أو المطلق فلا يشمل مثل هذه البينة أصلا ، لأنّ التنزيل والتعبد لا بد وأن يكون بلحاظ الأثر ، ولا أثر لهذه البينة ، ولا يلزم اللغوية من عدم شموله لها كما هو واضح ، فلا يمكن التمسك بإطلاق دليل حجية البينة لمثل هذه البينة ثم إثبات الجزء الآخر في طول دلالته على ذلك بالدلالة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ باب ٩ من أبواب الماء المطلق ، ح ١.

٦٣

الالتزامية ، فان ذلك مستلزم للدور الواضح ، إذ شمول الإطلاق لكل فرد متوقف على ثبوت أثر مترتب عليه ، والمفروض أن الأثر أيضا متوقف على التنزيل وشمول الإطلاق لهذا الفرد ، والمقام من هذا القبيل ، ويترتب على هذا الكبرى أمور مهمة ، منها عدم شمول أدلة الأصول لمثبتاتها كما يأتي تفصيله إن شاء الله.

ثم لا يخفى أن صاحب الكفاية ذكر في الأمر الرابع (١) ما حاصله : أنه يمكن أخذ القطع بالحكم بمرتبة منه في مرتبة أخرى من نفسه أو من ضده أو من مثله ، وقد عبر عن هذه الأحكام بالفعلي لا من جميع الجهات ، وصرح به في غير موضع من كتابه.

والتحقيق أن يقال : أن صحة أخذ القطع بالحكم بمرتبة في المرتبة الأخرى تبتني على مبناه في مراتب الحكم من الاقتضائي والإنشائي والفعلي والمنجز ، ولكنه بمعزل عن التحقيق ، إذ ليس للحكم إلّا مرتبتان ، مرتبة الجعل والإنشاء بداعي البعث والتحريك بنحو القضية الحقيقية ومرتبة خروجه من التقدير إلى الفعلية والتحقق الخارجي وهي تكون بفعلية موضوعه ، وأما الحكم الاقتضائي والإنشائي بمعنى الإنشاء قانونا أو امتحانا وأمثال ذلك فليس من مراتب الحكم ، وليس الإنشائي بهذا المعنى قابلا لأن يصير فعليا أصلا ، بل ليس حكما حقيقة ، وحيث أن المقام ليس مقام إبطال ما ذكره فنحيل ذلك إلى محله.

وبالجملة فبناء على مبناه يكون ما أفاده متينا ، وأما على المبنى الصحيح من أنه ليس للحكم إلّا مرتبتان ، مرتبة الجعل ومرتبة المجعول ، فيستحيل ذلك ، ولا يمكن أخذ القطع بمرتبة جعل الحكم في مرتبة فعليته أصلا بأن يجعل الحكم لعنوان القاطع بنحو القضية الحقيقية ، وذلك لأن المراد من القطع بالحكم الجعلي ليس القطع بالحكم

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٥.

٦٤

الثابت لغير شخص القاطع ، فان إمكان ذلك لا يحتاج إلى تعدد المرتبة ، كما لو فرضنا أن القطع بوجوب الحج على زيد كان دخيلا في الحكم بوجوبه على عمر ، بل المراد القطع بالحكم الثابت لنفس القاطع ، وثبوت الحكم لشخص القاطع جعلا ملازم لفعليته ، فلا محالة لا بد وأن يتعلق القطع بالحكم الفعلي ، فإذا فرضنا دخله في فعلية الحكم يعود إشكال الدور ، وتوضيح ذلك : هو أن شمول وجوب الحج المجعول على المستطيع بنحو القضية الحقيقية لهذا المكلف وصيرورته حكما له لا يكون إلّا بعد حصول الاستطاعة له خارجا ، وإلّا فليس حكما مجعولا بالقياس إليه ، بل هو حكم لغيره ، ومثله الحكم المجعول لعنوان القاطع بالحكم بنحو القضية الحقيقية ، فانه لا يكون حكما ثابتا لشخص إلّا بعد حصول القطع به له ، ومن الواضح أن القطع طريق ، ولا بد من تحقق الحكم وثبوته في رتبة سابقة على تحقق القطع ، وهذا دور واضح.

هذا تمام الكلام في أقسام القطع.

أقسام الظن :

وأما أقسام الظن فمجمل الكلام فيه هو أنه تارة : يكون طريقا محضا ، وأخرى : يكون مأخوذا في الموضوع على نحو الصفتية أو الكاشفية ، فيجري فيه جميع الأقسام الجارية في القطع. وهل يمكن أخذه في موضوع في نفس متعلقه ان كان حكما ، وحكمه أن كان موضوعا ، أو في مثله أو ضده؟

أما أخذه في موضوع نفس متعلقه أو حكم متعلقه فهو غير معقول ، لاستلزامه الدور ، كما أن أخذ الاحتمال فيه أيضا كذلك. وأما أخذه في المماثل فلا إشكال فيه ، لأن بين ثبوت الواقع والظن به عموم من وجه ، يجتمعان في صورة مطابقة الظن للواقع ويفترق الظن عن الواقع فيما إذا تعلق بشيء ولم يكن ثابتا ويفترق الواقع عن الظن في عكس ذلك ، ففي مورد الاجتماع لا بد من الالتزام بالتأكد كما في جميع موارد

٦٥

اجتماع العنوانين في موضوع واحد ، وأما في موارد الافتراق فالحكم يكون ثابتا واقعا لأجل العنوان الواقعي أو لأجل تعلق الظن بالحكم. وأما أخذه فيما يضاده فان لم يكن الظن ظنا معتبرا فلا إشكال فيه ، وأما الظن المعتبر فلا يمكن فيه ذلك ، لمنافاته مع حجيته وجعله معتبرا كما هو واضح.

والحاصل : انّ الظن تارة : يكون طريقا محضا إلى متعلقه معتبرا شرعا كالقطع الطريقي ، غاية الأمر طريقية القطع ذاتية وطريقية الظن المعتبر اعتبارية شرعية ، وأخرى : يكون مأخوذا في الموضوع على نحو يكون جزؤه أو تمامه ، وعلى كلا التقديرين أما أن يكون الظن معتبرا أو غير معتبر.

أما الظن المعتبر الموضوعي فيمكن أخذه في موضوع حكم مخالف لمتعلقه لا يماثله ولا يضاده ، فيكون بالنسبة إلى متعلقه طريقا محضا وبالقياس إلى الحكم المخالف له دخيلا في موضوعه ، أما بنحو الصفتية وأما بنحو الطريقية ، ويمكن أيضا أخذه في موضوع حكم مماثل لمتعلقه ، سواء قلنا بإمكان أخذ القطع بالحكم في موضوع الحكم المماثل أم لم نقل. ولا وجه لما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره من قياس المقام بأخذ القطع في موضوع الحكم المماثل (١) ، وذلك لأن الظان ولو كان ظنه معتبرا يحتمل أن يكون ظنه مخالفا للواقع ، إذ اعتبار الظن لا يزيل الصفة النفسانيّة ، فيكون بين الواقع وتعلق الظن المعتبر به عموما من وجه ، وهذا بخلاف القطع ، فانّ القاطع لا يحتمل مخالفة قطعه للواقع ، فالنسبة بين الواقع في نظر القاطع وتعلق القطع به عموم مطلق لا محالة ، فأخذ القطع بالحكم في موضوع حكم مماثل له دائما يكون مستلزما لاجتماع المثلين في نظر القاطع ، وأما أخذ الظن كذلك فليس فيه إلّا احتمال اجتماع العنوانين نظير جميع موارد العامين من وجه المحكومين بحكمين متماثلين ، ففي مورد

__________________

(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٣٤.

٦٦

الاجتماع في المقام يلتزم بالتأكد كما يلتزم به هناك ، فقياس الظن بالقطع من هذه الجهة مع الفارق. وأما أخذ الظن بالحكم في موضوع ضده فالظاهر أنه غير ممكن ، لأنه مناف لدليل اعتبار ذلك الظن ، فان مقتضى اعتبار الظن هو لزوم ترتيب آثار متعلقه خارجا ومع ذلك كيف يمكن الحكم بترتيب آثار ضده ، وهذا واضح جدا.

وأما الظن غير المعتبر فأخذه في موضوع المخالف أو المماثل في غاية الوضوح ، وربما يتوهم استحالة أخذه جزء للموضوع ، لأن ذلك الجزء الآخر ان كان محرزا بنفس هذا الظن غير المعتبر فلا يكون محرزا أصلا ، لا وجدانا لأنه ظن ولا تعبدا لأنه غير معتبر شرعا ولم يقم دليل على اعتباره على الفرض ، وان كان محرزا بالقطع الوجداني فهو خلف ، لأن الظن مناقض للقطع أو مضاد له ، فهذا النحو من التكليف لا يكون قابلا لأن يصير فعليا ، وإذا لم يكن قابلا للفعلية لا يكون قابلا للإنشاء أيضا للملازمة بين الأمرين. وهذا التوهم فاسد ، لأنه مبتن على أن يكون المحرز منحصرا في القطع والظن ، ومن الواضح عدم انحصار الحجة فيهما ، إذ يمكن إحراز الجزء الآخر بالبينة أو الاستصحاب وأمثال ذلك مما يكون معتبرا شرعا ولا يكون منافيا مع الظن أيضا ، مثلا لو فرضنا أن الحرمة مترتبة على مظنون الخمرية بنحو التركيب وكان مائع مستصحب الخمرية وتعلق الظن بخمريته أيضا فيلتئم الموضوع ، ويترتب عليه الحكم لثبوت كلا جزئيه.

وأما أخذ الظن غير المعتبر في موضوع حكم مضاد لمتعلقه فقد أفاد في الكفاية (١) إمكان ذلك بدعوى : أن الظن غير المعتبر في حكم الشك في الواقع ، فيكون رتبة الحكم الظاهري محفوظة ، فلا يلزم من جعل الحكم المضاد في فرض

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٥ ـ ٢٧.

٦٧

الجهل اجتماع الضدين وإلّا لم يمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري مطلقا ، وعليه فيمكن أن يحكم المولى بوجوب شرب مائع ظن بحرمته بظن غير معتبر ، لأن تعدد الرتبة مانع عن ثبوت التضاد بين الحكمين فالحكم الواقعي حينئذ يكون فعليا من بعض الجهات ، بخلاف الحكم الظاهري فانه فعلي من جميع الجهات.

واختار المحقق النائيني (١) استحالة ذلك بدعوى : أن الحكم الظاهري وان كان مختصا بصورة الشك في الواقع ولكن إطلاق الحكم الواقعي ثبوتا يشمل صورة تعلق الظن به أيضا ، ومع ذلك كيف يمكن جعل حكم ترخيصي أو إلزامي مضاد له في هذا الظرف ، وليس ذلك إلّا جمعا بين المتضادين.

والصحيح : هو ما أفاده ، وذلك لأن الموضوع لا يخلو من أن يكون مشتملا على المصلحة أو على المفسدة الملزمتين بلا مزاحم ، فلا بد وأن يكون واجبا أو حراما ، أو يكون فيه ملاك الحرمة وملاك الوجوب معا ، وحينئذ ان كان أحدهما أهم وكانت أهميته بمقدار ملزم فيتقدم الملاك الأهم ، وإلّا فلا بد من الحكم بالإباحة ، وليس المقام من قبيل اجتماع الأمر والنهي ، فانّ حيثية تعلق الظن ليست حيثية تقييدية ، وإنما هي حيثية تعليلية ، فيكون المقام من قبيل جعل حكمين متضادين للعامين من وجه. وأما قياس المقام بموارد مخالفة الحكم الواقعي والظاهري فغير صحيح ، لما سيأتي إن شاء الله في أول مبحث الظن من أن سنخ الحكم الظاهري سنخ حكم يجتمع مع الحكم الواقعي ولا يضاده ، ولا ربط له بالمقام ، فان الحكم الثابت في مظنون الخمرية أو الحرمة مثلا ليس حكما ظاهريا ، وإنما هو حكم واقعي ثابت لهذا العنوان المقيد ، فلا يقاس أحد المقامين بالآخر.

ثم لا يخفى ان ما ذكرناه من تقسيم الظن المأخوذ في الموضوع بنحو الصفتية أو

__________________

(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٣٢ ـ ٣٣.

٦٨

الطريقية تمام الموضوع أو جزئه إنما هو لتشريح الذهن ، وإلّا فلم يوجد في شيء من موارد الأحكام الشرعية أخذ الظن في الموضوع. وأما الظن بالضرر المعتبر في السفر والإفطار ، أو الظن في عدد الركعات ، أو الظن بالعدالة على وجه ، أو الظن بدخول الوقت إذا كان في السماء علّة أو الظن بالقبلة عند تعذر العلم وأمثال ذلك فكلها ظنون طريقية محضة ، وليس شيء منها مأخوذا في الموضوع كما أفاد ذلك المحقق النائيني رحمه‌الله (١).

__________________

(١) المصدر السابق.

٦٩
٧٠

الأمر الرابع :

وجوب الموافقة الالتزامية

هل يجب موافقة القطع التزاما ، وتحرم مخالفته الالتزامية أم لا؟ ولبعض المناسبات ذكرت هذه المسألة هنا ، والغرض منها بيان جريان الأصول العملية وعدمه في موارد دوران الأمر بين المحذورين ، حيث لا مجال فيها للمخالفة القطعية ولا للموافقة القطعية ، وفي أطراف العلم الإجمالي فيما إذا كانت الأطراف سابقا محكومة بحكم إلزاميّ وعلم إجمالا بتبدل الإلزام في بعض تلك الأطراف بالحكم الترخيصي ، كما لو علم تفصيلا بنجاسة الإناءين ثم علم إجمالا بطهارة أحدهما ، فان في هذه الموارد لا يلزم من جريان الأصل في جميع الأطراف مخالفة قطعية كما هو واضح ، ولا يلزم من ذلك إلّا الحكم بخلاف الحكم الواقعي الثابت بالإجمال ، فهل يكفي ذلك في المنع عن جريان الأصول أم لا؟

ثم ان البحث في المقام متمحض في منع لزوم المخالفة الالتزامية عن جريان الأصول وعدمه ، وأما البحث عن جريان الأصول في نفسها في مورد دوران الأمر بين المحذورين فسيأتي في محله من مباحث البراءة. كما أن البحث عن جريانها في نفسها في أطراف العلم الإجمالي إذا كانت الحالة السابقة في كل منها حكما إلزاميا وكان المعلوم بالإجمال ارتفاعه في أحدهما وتبدله بالحكم الترخيصي يأتي في مبحث العلم الإجمالي والاستصحاب إن شاء الله.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ من منع عن جريان الأصول في هذه الموارد التي لا

٧١

يلزم من جريانها مخالفة عملية بعد تسليمه شمول إطلاقات الأدلة لا بدّ له من إثبات مقدمتين.

الأولى : إثبات أن العقل مستقل بلزوم موافقة القطع ومتابعته في الأعمال الجوانحية كما كان مستقلا بوجوب متابعته في الأعمال الجوارحية.

الثانية : إثبات منافاة إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي مطلقا مع الموافقة الالتزامية وعدم إمكان الحكم بالبراءة عن حكم إلزاميّ عملا مع الالتزام بالواقع في مورده.

أما المقدمة الأولى : وهي وجوب الموافقة الالتزامية ، فان أريد به لزوم تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به من الأحكام فهو حق ، إلّا أنه من الأصول لا الفروع ، لأنه لازم تصديق نبوته ، كما انه غير مختص بالأحكام الإلزامية ، بل جار في الترخيصات أيضا ، ويجري في غير الأحكام من إخباراته وغيرها ، وهو غير مانع عن إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي كما هو واضح.

وان أريد به لزوم الإتيان بالعمل بما انه واجب المعبر عنه بلزوم قصد الوجه فهو مضافا إلى اختصاصه بالواجبات التعبدية على القول به انه لا دليل على اعتباره ، إذ لا يعتبر في العبادات إلّا الإتيان بها مضافة إلى المولى ، كما يشهد لذلك ما ورد في الوضوء من كفاية الإتيان به بنية صالحة.

وان أريد به وجوب الالتزام القلبي بأن يكون البعث نحو شيء متكفلا لحكمين ، البعث نحو العمل الجوارحي وإيجاب عمل جوانحي هو الالتزام بوجوب ذاك العمل ، فلا دليل عليه ، لوضوح أن الأمر لا دلالة فيه إلّا على بعث واحد نحو العمل الجوارحي.

وبالجملة فالاحتمالان الأولان أجنبيان عن المقام ، والاحتمال الثالث وان كان محل النزاع ولكن لا دليل عليه أصلا ، ومع التنزل عن ذلك فوجوب الالتزام إنما هو

٧٢

في مورد أمكن فيه ذلك ، وأما فيما إذا لم يمكن ذلك كالموردين فيسقط وجوبه.

وأما الثانية : فالظاهر انه لا منافاة بين إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي والالتزام بالحكم الواقعي ، وذلك لأن مفاد الأصول أحكام ظاهرية مجعولة في مقام العمل ، ولا منافاة بين ثبوتها وثبوت الحكم الواقعي على ما هو عليه والالتزام به على واقعه. اللهم إلّا أن يقال : بوجوب الالتزام بكل حكم بشخصه وعدم كفاية الالتزام الإجمالي ، ولكنه مضافا إلى فساده في نفسه غير مقدور في مثل الموردين ، وأما القول بالتخيير في الالتزام فهو مستلزم للتشريع ، على أنه لا معنى للالتزام بوجوب ما لا يعلم وجوبه أو بحرمة ما لم يعلم حرمته.

فالصحيح : أنه لا مانع من إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي فيما إذا لم يكن مستلزما للمخالفة العملية بناء على شمول الأدلة لها.

٧٣
٧٤

الأمر الخامس :

القطع الحاصل

من أسباب غير متعارفة

هل يفرق في القطع بين الحاصل من الأسباب المتعارفة والحاصل من الأسباب غير المتعارفة كما في قطع القطاع؟ وهل يفرق في الظن والشك بين ظن كثير الظن وشك كثير الشك وغيره أم لا؟

فنقول : أما الظن أو الشك فان أخذ في موضوع حكم كما في قوله عليه‌السلام : «إذا شككت بين الثلاث والأربع ولم يذهب وهمك إلى شيء» ، فلا يبعد دعوى انصرافه عن الظنون والشكوك غير المتعارفة ، وعليه فيصعب أمر كثير الشك ، فانه إذا لم يشمله أدلة الشكوك الصحيحة فلا مناص له من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ، فلا بد له من الإتيان بالعمل إلى أن يقطع بالفراغ ، ولكن وردت هناك روايات دالة على عدم اعتناء كثير الشك بشكه مثل قوله : «لا شك لكثير الشك» فبها يستريح كثير الشك. وأما كثير الظن فلو كان مأخوذا في لسان دليل فلا أثر لدعوى انصرافه عن القطع الحاصل من الأسباب غير المتعارفة ، لأن القاطع لا يرى حصول قطعه من سبب غير مناسب ، بل يراه ناشئا من سبب صحيح. وأما الطريقي المحض فالأمر فيه أوضح ، فان كاشفيته ذاتية ، وهو منجز ومعذر بحكم العقل ، ولا إطلاق هناك حتى يدعي انصرافه.

٧٥

وملخص الكلام في قطع القطاع يقع في مقامين :

الأول : في إمكان النهي عن عمل القطاع بقطعه.

الثاني : في إمكان المنع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنة.

أما المقام الأول : فتحقيق الحال فيه انه ان أريد من القطاع من يحصل له اليقين كثيرا لكونه عالما بالملازمات في غالب الأشياء وبثبوت ملزوماتها أما بالعلم اللدني كما في الإمام وبعض الأولياء ، وأما بالعلم الاكتسابي ، وأما بالفراسة وغير ذلك كما في الطبيب الّذي يعلم بحصول اليرقان في شخص لعلمه بصفرة وجهه وبالملازمة بين الأمرين ، بخلاف غير الطبيب فانه لا يحصل له هذا القطع لعدم علمه بالملازمة ، فمن الواضح ان القطاع بهذا المعنى يشترك مع غيره القاطع ، ولا معنى للمنع عن العمل بقطعه. وان أريد به من يحصل له القطع من غير الأسباب المتعارفة كما هو الظاهر ، فهو وإن أمكن أن يلتفت إلى أن نوع قطعه يحصل من أسباب غير عادية ، إلّا أنه لا يحتمل حصول كل فرد بخصوصه من سبب غير متعارف ، ولا يمكن أن يلتفت إلى أن شخص القطع الحاصل من السبب الخاصّ مما لا ينبغي حصوله منه ، إذ القاطع بشيء يرى مقطوعه بديهيا أو أنه منته إلى البديهي ، وعليه فلا أثر للمنع عن العمل بقطع حاصل من سبب غير عادي ، فمنع القطاع عن العمل بالقطع الطريقي غير ممكن ، لأن طريقية القطع ذاتية ، وأما المأخوذ في الموضوع فيمكن دعوى انصرافه عن قطع القطاع ، إلّا أن انصرافه عنه لا أثر له كما عرفت.

وأما المقام الثاني : فالكلام فيه تارة يقع صغرويا ، وأخرى كبرويا.

أما الصغرى فربما يقال : أن مراد الأخباريين من المنع عن العمل بغير الكتاب والسنة هو المنع عن حصول القطع من غيرهما ، وهذا القول وان كان يشهد له كلمات بعضهم إلّا أن كلام جملة منهم صريح في المنع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنة بعد حصوله.

٧٦

وأما الكبرى ، وهي المنع عن العمل بالحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل فتحقيقه : هو أن الحكم العقلي في محل الكلام يتصور على أقسام ثلاثة :

الأول : أن يدرك وجود المصلحة أو المفسدة في فعل ، فبتبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد يحكم بثبوت الحكم الشرعي في ذلك المورد.

الثاني : أن يتعلق بالحسن والقبح بمعنى أن يدرك استحقاق الذم أو المدح على فعل ، وحيث أن مدح الشارع ثوابه ، وذمه عقابه ، فيحكم بثبوت الحكم الشرعي في مورده.

الثالث : أن يتعلق بأمر خارجي ثابت مع قطع النّظر عن ثبوت شرع وشريعة ، نظير إدراكه استحالة اجتماع النقيضين أو الضدين ، وبضميمة حكم شرعي إليه يستكشف الحكم الشرعي في مورده.

أما القسم الأول : فالصحيح انه مستلزم لثبوت الحكم الشرعي أصلا ، وذلك لأن مجرد وجود المصلحة أو المفسدة في شيء لا يستلزم ثبوت الحكم الشرعي على طبقها ، إذ ربما تكون المصلحة مزاحمة بالمفسدة وبالعكس ، وربما تكون مقرونة بالمانع ، وربما تكون فعليتها مشروطة بشرط غير حاصل ، والعقل لا يمكنه الإحاطة بجميع هذه الأمور ، ولذا قيل : أن الشارع يفرق بين المجتمعات ويجمع بين المتفرقات ، والمتيقن من قوله عليه‌السلام «ان دين الله لا يصاب بالعقول» (١) هو هذا المورد ، فالحق فيه مع الأخباريين المانعين عن حصول القطع بالحكم الشرعي من اليقين بوجود المصلحة أو المفسدة في شيء. ولا يبعد أن يكون نظر المانعين من حصول القطع من مقدمات عقلية إلى خصوص هذا القسم ، ولكنه مع ذلك لو فرضنا حصول القطع بالحكم الشرعي منه ولو نادرا لا يعقل المنع عن العمل به لما عرفت ان حجيته

__________________

(١) كمال الدين : ٣٢٤.

٧٧

ذاتية ، وان المنع عن العمل به مستلزم لاجتماع الضدين.

وأما القسم الثاني : فإدراك العقل للحسن والقبح وان كان ضروريا ، بل الحسن والقبح واستحقاق العقاب والذم والثواب والمدح من المستقلات العقلية ، وليسا كالمصلحة والمفسدة التي لا مجال لإحاطة العقل بها بجميع شئونها ، ولو لا ذلك لما كان في البعث والزجر المولوي فائدة أصلا ، ولكن حكم العقل بذلك ـ كما عرفت في بحث التجري ـ إنما يكون في طول الحكم الشرعي وفي مرتبة معلوله ، ومع هذا كيف يمكن أن يستكشف به الحكم الشرعي.

وأما القسم الثالث : وهو إدراك العقل لأمر خارجي يترتب عليه إدراك الحكم الشرعي ، مثل إدراكه الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، أو وجوب شيء وحرمة ضده ، فان الملازمة من الأمور الواقعية الأزلية الثابتة سواء كان شرع وشريعة أم لم يكن ، فليس إدراك العقل لها إدراكا لحكم شرعي ، فلا مجال لتوهم شمول قوله عليه‌السلام «ان دين الله لا يصاب بالعقول» لهذا القسم أصلا ، فإذا أدرك العقل هذه الملازمة وثبت وجوب ذي المقدمة بدليله الشرعي فلا محالة يحصل له القطع بوجوب المقدمة أيضا ، لما ذكرنا من أن العلم بثبوت اللازم معلول للعلم بالملازمة وبثبوت الملزوم ، ويسمى هذا الحكم العقلي بالعقلي غير المستقل لكون إحدى مقدمتيه شرعية ، وإذا حصل العلم بوجوب المقدمة لا معنى حينئذ لمنعه عن العمل بقطعه أصلا ، لأنه مستلزم لاجتماع الضدين في نظر القاطع وهو محال.

بقي في المقام التعرض لفروع (١) ذكرها الشيخ قدس‌سره التي توهم عنها ثبوت المنع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنة ، والجواب عنها إجمالا : انه بعد ما أثبتنا بداهة استحالة المنع عن العمل بالقطع لا مناص لنا من حمل ما كان ظاهره المنع

__________________

(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٧٤ ـ ٧٦ (ط. جامعة المدرسين).

٧٨

على المنع عن مقدمات القطع ، وتفصيلا : نتعرض لبيان كل فرع من هذه الفروع مستقلا :

الفرع الأول : ما ورد فيما إذا أودع شخصان أحدهما درهما والآخر درهمين عند شخص واحد ، فسرق من المجموع درهم واحد ، انه يعطي لصاحب الدرهمين درهم واحد والدرهم الآخر ينصف بينهما. وفي هذا الفرض لو انتقل النصفان إلى شخص ثالث بهبة أو نحوهما واشترى بمجموعهما جارية يعلم تفصيلا بعدم دخولها في ملكه ، لأن بعض ثمنها ملك الغير قطعا ، فلا يجوز له وطئها ولا النّظر إليها ، ولم يلتزموا به.

وربما يقال : في دفع الإشكال عن هذا الفرع ان الامتزاج موجب للشركة ، فهو أحد المملكات ، وكما تحصل الشركة فيما لو امتزج منّ من الحنطة لشخص مع منين منها لشخص آخر بحيث لم يمكن إفرازها عرفا ، ففي المقام كذلك ، فان نفس امتزاج الدراهم عند الودعي محصل للشركة بين المالكين في كل جزء جزء من الدراهم ، فما سرق يكون من مالهما.

وفيه : مضافا إلى أن المقام أجنبي عن باب الامتزاج كما لا يخفى ، إن لازم حصول الشركة في مفروض المسألة هو إعطاء ثلث الدرهمين إلى صاحب الدرهم الواحد وإعطاء درهم وثلث إلى مالك الدرهمين ، والمفروض خلاف ذلك.

فالحق أن يقال : ان الحكم بتنصيف الدرهم الواحد بينهما ، أما أن يكون من باب الصلح القهري ، بمعنى ان المورد حيث يكون بحسب نوعه موردا للترافع فالشارع حسما لمادة النزاع أمر بتنصيف الدرهم تعبدا ، فبالتعبد الشرعي يدخل كل من النصفين في ملك واحد منهما ولاية ، وعلى هذا فلا إشكال ، لأن كلّا منهما يملك النصف من الدرهم الواحد واقعا بحكم الشارع.

وأما أن يكون من باب قاعدة العدل والإنصاف ، وهي من القواعد العقلائية

٧٩

التي أمضاها الشارع في جملة من الموارد ، كما إذا تداعى شخصان في مال واحد وكان المال تحت يدهما ، أو أقام كل منهما البينة على صدق دعواه ، أو لم يتمكنا من إقامة البينة وحلفا أو نكلا ، ففي هذه الموارد يحكم بتنصيف المال بينهما ، وهذه القاعدة العقلائية مبنية على تقديمهم الموافقة القطعية في الجملة مع المخالفة القطعية كذلك على الموافقة والمخالفة الاحتماليتين في باب الأموال ، فانه في هذه الموارد لو رجعوا إلى القرعة مثلا في تعيين المالك فاحتمال وصول تمام المال إلى مالكه وان كان موجودا لكن يحتمل أيضا عدم وصول شيء من المال إليه ، وهذا بخلاف التنصيف ، إذ عليه عدم وصول تمام المال إلى مالكه وان كان معلوما إلّا أنه يعلم بوصول مال المالك إليه في الجملة ، فيقدم الثاني على الأول ، فالحاكم مقدمة لوصول المال إلى مالكه يحكم بالتنصيف وان علم بوصول بعض المال إلى غير المالك يقينا ، وهذا يكون من قبيل صرف مقدار من المال مقدمة لإيصاله إلى مالكه حسبة فيما إذا كان المالك غائبا ، وعلى هذا فواحد من الدرهمين الباقيين يكون لمالك الدرهمين يقينا ، والدرهم الثاني يكون مرددا بينهما ، فيحكم بتنصيفه لما بيناه ، فيكون كل من النصفين ملكا لواحد منهما ظاهرا لا واقعا.

والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق واضح ، فانه على الأول تكون ملكية كل منهما للنصف ملكية واقعية ، وعلى الثاني تكون ملكية ظاهرية.

ثم أنه لو قلنا بأن جواز تصرف ذي اليد في المال ولو ظاهرا موضوع لجواز تصرف من انتقل إليه ذلك المال واقعا فلا إشكال في المقام ، فان كلّا من مالك الدرهم ومالك الدرهمين يحتمل أن يكون الدرهم الباقي ملكا له ، فيجوز له التصرف بمقتضى تلك القاعدة ، فإذا انتقل النصفان إلى الثالث يجوز تصرفه فيهما واقعا ، فلا مجال حينئذ للعلم الإجمالي بعدم جواز تصرفه في أحد النصفين ، ولا للعلم التفصيليّ بعدم جواز تصرفه في الجارية التي اشتراها بها ، وذلك واضح.

٨٠