دراسات في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد علي الشاهرودي

دراسات في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد علي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

النهي واقعا بطرو إكراه أو اضطرار أو نسيان ونحوه فلا تصح العبادة المأتي بها في ضمن المجمع في صورتي العلم بالحرمة والجهل بها ، لعدم كونه مصداقا للمأمور به. ويصح في صورة طرو شيء من الإكراه والاضطرار ونحوه مما يرفع التكليف واقعا من دون ان يستلزم الإتيان به عصيانا مستلزما للعقاب ، كما في فرض تقديم جانب الأمر ، إذ لا نهي حينئذ واقعا. هذا كله على القول بالامتناع.

وامّا على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي وكون التركيب انضماميا ، فمع عدم المندوحة يكون المجمع داخلا في باب التزاحم لعجز المكلف عن امتثالهما ، ففي فرض الجهل بالحرمة وعدم تنجزها لا إشكال في انها لا تكون معجزة عن الواجب شرعا ، فلا تزاحم حينئذ فيكون الإتيان بالمجمع مجزيا.

ولا إشكال فيه إلّا ما ذكره الميرزا قدس‌سره من انه حيث انّ الوجودين متحققان بإيجاد ومؤثر واحد ، وقد فرضنا انّ أحدهما مشتمل على المفسدة الواقعية فلا يمكن التقرب بذلك الإيجاد لاشتماله على المفسدة.

والجواب عنه : ما تقدم مرارا من انّ الإيجاد والوجود متحدان حقيقة وتغايرهما بالاعتبار ، فان تعدد الوجود لا محالة يكون الإيجاد أيضا متعددا ، والمفروض انّ إيجاد الواجب لا مفسدة فيه ، فيصح التقرب به وان استلزم إيجاد ما فيه المفسدة أيضا ، فتأمل.

واما لو فرضنا تنجز النهي ووصوله أيضا ، فعلى تقدير تقديم جانب النهي تبتني صحة العبادة على القول بالترتب ، فعلى القول به في الواجبين المتزاحمين يمكن تصحيح العبادة فيما نحن فيه بذلك أيضا بان تكون الصلاة في الدار المغصوبة مثلا واجبة في ظرف عصيان النهي عن الغصب بان يقول المولى : «إذا عصيت ودار الأمر بين ان تجلس في المكان المغصوب أو تصلي فصل» كما عرفت ذلك في الترتب في التزاحم بين واجبين. نعم يختص ذلك بموارد يجري فيها الترتب ، فلا يتم في مثل

١٢١

الوضوء بآنية الذهب مثلا فيما يكون وجوبه مشروطا بالقدرة شرعا على ما مر الكلام فيه.

والحاصل : انه بناء على جواز الاجتماع مع عدم المندوحة يقع المزاحمة بين التكليفين لعدم قدرة المكلف على امتثالهما ، فلا بدّ من تقديم أحدهما ، امّا في فرض الجهل بالحرمة وعدم وصولها ، وتنجزها على المكلف فلا إشكال في صحة العبادة إذا أتى بها في ضمن المجمع ، لأنّ النهي غير الواصل لا يكون معجزا ، واما لو كان وأصلا ، فان قدمنا جانب الأمر فكذلك تصح العبادة لثبوت الأمر به كما هو واضح.

وامّا ان قدمنا جانب النهي فصحة الإتيان بالمجمع يكون بالترتب ، ولا إشكال فيها ، لأنّ ما أفاده الميرزا من انّ الوجودين حيث انهما يكونان بإيجاد واحد فيتصف بالقبح الفاعلي لاشتماله على ما فيه المفسدة ، فلا يمكن التقرب به ، قد عرفت الجواب عنه ، وانّ تعدد الوجود يستلزم تعدد الإيجاد ، وإيجاد الواجب غير مشتمل على المفسدة وان كان مستلزما له على الفرض لعدم المندوحة.

وهذا التلازم لا يمنع صحة الأمر على الفرض ، وإلّا للزم القول بامتناع الاجتماع ، وقد فرضنا جوازه ، فتصح العبادة المأتي بها في ضمن المجمع وان كان عاصيا من حيث اقترانها بالحرام. وهذا أعني صحة العبادة أوضح في فرض وجود المندوحة من غير حاجة إلى الترتب ، فانّ المجمع حينئذ يكون مشمولا لإطلاق الأمر بالطبيعة بناء على المختار من انّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود وانه يكفي في مقدورية الطبيعة القدرة على فرد واحد منها ، وإذا تعلق الأمر بالطبيعي مطلقا ، فانطباقه على المجمع قهري ، فلا محالة يتحقق به الامتثال.

نعم على مسلك الميرزا قدس‌سره وغيره من اعتبار القدرة على الافراد في ثبوت الإطلاق للطبيعي يدخل الفرض في باب التزاحم أيضا ، فصحة العبادة حينئذ على تقدير تقدم جانب النهي تكون بالترتب.

١٢٢

فالتفصيل في صحة المجمع بين صورتي العلم والجهل على ما نسب إلى المشهور لا ينطبق على القاعدة أصلا ، لما عرفت من انه لا بدّ من القول بالفساد في الصورتين على القول بالامتناع ، والحكم بالصحّة فيها على القول بالجواز.

فما استفدناه من بيان الثمرة امرين :

الأول : انّ هذا البحث بحث شريف ، إذ يترتب على القول بالامتناع فساد الإتيان بالمجمع في صورتي العلم بالنهي والجهل به ، إلّا فيما ورد الدليل الخاصّ فيه على الصحة من حديث لا تعاد ونحوه كما في الصلاة في الثوب المغصوب جهلا ، وعلى القول بجواز الاجتماع صحته في الصورتين.

الثاني : انّ ما نسبوه إلى المشهور من التفصيل بين الصورتين في الحكم بالصحّة والفساد لا ينطبق على القاعدة ، لأنه على الامتناع تفسد العبادة في كلتا الصورتين ، وعلى الجواز تصح فيهما ، غايته تكون الصحة في صورة الجهل بالحرمة مطلقا ، وفي فرض العلم مع وجود المندوحة مستندة إلى إطلاق الأمر من دون حاجة إلى الترتب ، وفي فرض العلم بالنهي وعدم المندوحة إلى الترتب على ما عرفت.

هذا كله في مقدمات المسألة.

وامّا تحقيق أصلها : فقد ذهب صاحب الكفاية إلى استحالة اجتماع الأمر والنهي وذكر في وجهه مقدمات بديهية أو مما ينتهي إليها.

منها : انّ الأحكام متضادة. والتضاد (١) بالمعنى اللغوي أعني التنافي بين الأحكام ضرورية ، نعم التضاد الاصطلاحي أعني استحالة اجتماع عرضين في موضوع واحد ثبوته في الأحكام مبني على كون الأحكام من قبيل الاعراض ، وامّا التضاد اللغوي فهو ثابت بلا إشكال.

__________________

(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٢٤٩ وما بعدها.

١٢٣

ومنها : انّ الموجود الواحد لا يكون له إلّا ماهية واحدة. وهذا أيضا واضح ، فانّ الماهية بناء على أصالة الوجود وكونها اعتبارية منتزعة من حدود الوجود ، وليس لوجود واحد حدود متباينة لينتزع منها ماهيتان أو أكثر ، وهكذا الحال بناء على أصالة الماهية فليس للموجود الواحد إلّا ماهية واحدة.

ومنها : انّ العنوان الواحد يستحيل ان يتعلق به الأمر والنهي معا. وهذا أيضا واضح.

وانما المهم في المقام بيان انّ تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون ليكون التركيب انضماميا ويعبر عنه بكون العنوانين جهة تقييدية ، أو انه لا يوجب تعدده ويكون التركيب اتحاديا والحرمة جهة تعليلية؟

ذهب في الكفاية إلى الأول ، وأهمل الاستدلال على دعواه سوى انه قال : «والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد ، ثم ذكر الشعر المعروف عبارتنا شتى وحسنك واحد» (١).

وفيه : انّ صدق العناوين العديدة على الواحد في الجملة لم يكن قابلا للإنكار إلّا انّ إثبات كون مورد اجتماع الأمر والنهي من هذا القبيل كان محل البحث وبعبارة أخرى : يعتبر في إنتاج الشكل الأول كلية الكبرى.

وسار الميرزا النائيني قدس‌سره إلى خلاف ذلك ، حيث ذهب إلى انّ العناوين لو كان اختلافها من قبيل اختلاف العناوين الاشتقاقية كعنوان العالم والعادل مثلا فتعددها لا يوجب تعدد المعنون ، فانّ قيام كل من المبادئ بالذات جهة تعليلية لصدق ذاك العنوان الاشتقاقي على تلك الذات الواحدة ، ومن ثمّ فيما لو تعلق كل من الأمر والنهي بعنوان واحد وكان اختلافه بإضافته إلى العنوان الاشتقاقي. وبعبارة أخرى :

__________________

(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٢٥٠.

١٢٤

إذا تعدد موضوع الحكمين واتحد متعلقهما ، كما لو قال «أكرم عالما» و «لا تكرم فاسقا» فانّ متعلق الأمر والنهي طبيعة واحدة وهي طبيعي الإكرام ، والاختلاف انما هو في الموضوع وعلّية الفسق والعدالة بينهما تعليلية لم يتوهم أحد دخول ذلك في باب اجتماع الأمر والنهي ، بل أجروا الفقهاء في مثل ذلك قواعد باب التعارض. وهذا بخلاف ما إذا كان تغاير العنوانين من قبيل الاختلاف في المبدأين كعنوان العلم والعدالة مثلا ، فانّ ذلك يستلزم تعدد المعنون ، ولذا يستحيل حمل أحدهما على الآخر ، لأنّ كلا منهما غيره خارجا ، ومن هذا القبيل عنوان الصلاة وعنوان الغصب ، فانّ تغايرهما من قبيل تغاير المبدأين ، فكل منهما موجود بوجود مستقل حتى في المجمع.

والشاهد على ذلك ما تراه من انّ الصلاة قد تتحقق في ضمن غير الغصب ، وهو قد يتحقق في ضمن غير الصلاة ، وكل من العنوانين جامع لما يوجد في المجمع وغيره ، فهما ماهيتان فكيف يعقل ان يوجد بوجود واحد ، فالصلاة في الدار المغصوبة وجودان : وجود الغصب ووجود الصلاة ، وان لم يمكن تمييز كل منهما عن الآخر ولم يمكن الإشارة الحسية إليه ، إلّا انّ البرهان قد ساقنا إلى ذلك وعلى هذا الأساس بنى قدس‌سره جواز اجتماع الأمر والنهي.

وحاصل ما ذكره : انّ العناوين تارة تكون من العناوين الاشتقاقية ، كعنوان العالم والفاسق ، وتعددها لا يستلزم تعدد المعنون ، لأنّ الحيثية فيها تعليلية ، فصدق العالم مثلا معلول لقيام مبدئه وهو العلم بالذات ، وصدق الفاسق عليه معلول لقيام مبدئه وهو الفسخ بها ، فالذات الواحدة معنونة بالعنوانين بعلّتين ، ولذا في مثل ذلك يستحيل اجتماع الأمر والنهي ، ومن ثم لم يتوهمه فيه أحد ، كما في المثال المتقدم.

وأخرى : يكون العنوانان من قبيل المبادئ ، كعنوان العلم والعدالة ، فحيث انهما ماهيتان يستحيل اتحادهما في الوجود بان يكون وجود واحد مصداقا لهما ،

١٢٥

لأنّ المقولات بل افراد مقولة واحدة متباينة ، فإذا كان بينهما العموم من وجه من حيث اجتماعهما في محل واحد واجتمعا فلا محالة يكون مصداق كل منهما مغايرا لمصداق الآخر، لأنّ الحيثية فيها تقييدية بمعنى انّ صدق العنوان فيها على المصداق لا يكون لقيام عنوان آخر به كما في المشتقات ، بل الفرد مصداق له بالذات كما انّ زيد مصداق الإنسان بالذات لا بقيام امر آخر به ، وهكذا العلم والعدالة ، فانّ مصداق العلم علم بالذات ، وهذا هو المراد من كون الحيثية تقييدية.

فتعدد مثل هذا العنوان يستلزم تعدد المعنون ، فيجوز اجتماع الأمر والنهي فيهما ، وعلى هذا بنى قدس‌سره جواز الاجتماع حيث انّ متعلق التكاليف دائما يكون من المبادئ والاختلاف فيها من قبيل تغاير المبادئ.

والمختار عندنا هو التفصيل ، بيان ذلك : هو انه إذا تعلق الأمر بمبدإ والنهي بمبدإ آخر ، وكان بينهما العموم من وجه من حيث إمكان اجتماعهما في محل واحد ، فلا يخلو الحال فيهما من أحد وجوه ثلاثة : لأنّه تارة : يكونان معا من العناوين المتأصلة أي من المقولات ، وأخرى : يكونان معا من الأمور الانتزاعية ، وثالثة : يكون أحدهما متأصلا والآخر انتزاعيا.

اما في القسم الأول ، أي ما إذا كان كلاهما متأصلا ، فقد عرفت انّ الماهيات العرضية جميعها متباينة بعضها مع بعض من غير فرق بين الجواهر والاعراض ، ولذا يستحيل حمل الجوهر على العرض ، وحمل مقولة على مقولة أخرى ، وحمل فرد من نوع على فرد آخر فمصداق واحد يكون مصداقا لهما غير معقول. نعم بعضها متباينة من حيث الاجتماع أيضا وبعضها يمكن اجتماعها في محل واحد كبعض أقسام الاعراض.

وبالجملة ، تارة : يكون كلا العنوانين الّذي تعلق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر من العناوين المتأصلة ، كما لو فرضنا امر المولى بكتابة شيء ونهى عن

١٢٦

الدخول في محل ، فحيث انّ المقولات المتأصلة متباينة ، كما انّ كل فرد أو صنف من مقولة متباين مع فرد أو صنف آخر منها يستحيل ان يكون المصداق الواحد مصداقا لهما ، بل لا بد وان يوجد كل منهما بوجود مستقل ، فإذا جمع المكلف بينهما بان كتب في حال الدخول في المحل المحرم يكون مطيعا وعاصيا.

وهذا المورد هو الّذي حكى في المعالم انّ جواز الاجتماع فيه بديهيا ، ومثّل له بما إذا امر المولى بخياطة ثوب ونهى عن الكون في مكان ، فخاطه المكلف في ذلك المكان. فيكون مطيعا وعاصيا بالضرورة (١).

هذا ولا مجال في هذا القسم لأن يقال : انّ تعدد العنوان ربما يتحقق مع وحدة المعنون إلى غير ذلك.

وأخرى : يكون أحد العنوانين متأصلا والآخر انتزاعيا أي غير متأصل ، كعنوان الصلاة والغصب فانّ الهيئة التركيبية في الصلاة وان كانت امرا اعتباريا إلّا انّ واقعها أعني الأفعال والأذكار والنية كلها مقولات متأصلة من الفعل والوضع والكيف النفسانيّ وغير ذلك ، واما الغصب أعني التصرف العدواني الّذي هو متقوم بعدم رضا المالك ولذا ينقلب الغصب بغير الغصب بمجرد رضائه أو موته إذا كان المتصرف وارثا له ، فالتصرف المقارن لعدم رضا المالك حرام ، والتصرف بمعنى التغير قد يتحقق في ضمن مقولة أخرى ، فهو عنوان صادق على مقولات متباينة ، نظير عنوان الفعل الّذي يصدق على الإيجاد والوجود أيضا ، فهو مفهوم وسيع ، وأوسع منه مفهوم الشيء الّذي يطلق على ذات الباري جلت عظمته. وبما انه لا جامع ذاتي بين المقولات فلا بدّ وان يكون عنوان التصرف العدواني أي المقارن مع عدم رضا المالك عنوانا انتزاعيا.

__________________

(١) معالم الدين ـ ١٠٩.

١٢٧

وفي هذا القسم لا بدّ من التفصيل في الجواز والامتناع ، وذلك لأنّ العنوان الانتزاعي لا وجود له مستقلا فلا بدّ وان يكون وجوده بوجود أحد المقولات المتأصلة ، وعليه فإذا كان منشأ انتزاعه مصداق ما تعلق به التكليف الآخر فلا محالة يتحد المعنونان فيمتنع الاجتماع ، وإلّا فيجوز ، مثال ذلك ما إذا نهى المولى عبده عن القيام الّذي هو عنوان متأصل وامره بإكرام شخص ، الّذي هو عنوان انتزاعي ربما يتحقق بالضيافة ، وقد يتحقق بإعطاء المالك ، وقد يتحقق بالقيام له ، فإذا فرضنا انّ العبد أكرمه بغير القيام مثل السلام وتحريك اليد وقام مقارنا لذلك بحيث لم يكن الإكرام منتزعا منه فلا محالة يكون مطيعا وعاصيا ، وامّا لو أكرمه بالقيام فيمتنع الاجتماع لاتحاد متعلق التكليفين كما هو واضح.

ومن ثم فصلنا في الصلاة في الدار المغصوبة بين الصلاة الإيمائي بفتح العين وغمضه وبين غيرها من الصلوات التامة ، فانّ مجرد الكون في المكان ليس من اجزاء الصلاة ، وما يكون من اجزائها وهو الإيماء بالعين لا يكون تصرفا ومنشأ لانتزاع عنوان الغصب ، فتكون صحيحة.

وامّا توهم كون الذّكر أو فتح العين وغمضه تصرفا بالدقة لاستلزامه تموج الهواء مدفوع بأنّ الأمر وان كان كذلك عقلا إلّا انّ ذلك لا يعد تصرفا بنظر العرف ، ولذا لو نفخ أحد من الخارج في دار غيره لم يفعل محرما ، وهذا بخلاف الصلاة المشتملة على الركوع والسجود.

وحاصل الكلام انّ القول بجواز اجتماع الأمر والنهي مطلقا والقول بالامتناع كذلك وانّ كان هو المشهور ، إلّا انّ الصحيح هو التفصيل ، بيانه : انّ متعلق الأمر والنهي وهو فعل المكلف الّذي يكون تحت اختياره قد يكون امرا متأصلا وقد يكون امرا انتزاعيا من ماهية متأصلة ، وهو أيضا مقدور للمكلف بالقدرة على إيجاد منشئه.

١٢٨

فتارة : يكون متعلق كل من الأمر والنهي ماهية متأصلة ، كما لو امر المولى عبده بالقيام ونهاه عن التكلم فأوجدهما معا.

وأخرى : يكون المتعلقان كلاهما امرا انتزاعيا ، كما لو امره بإكرام العالم ونهاه عن إكرام الفاسق ، فانّ الإكرام امر منتزع من القيام والسلام ونحوه ، فأكرمهما بقيام واحد.

وثالثة : يكون متعلق الأمر أو النهي متأصلا ومتعلق الآخر انتزاعيا ، كما لو أمره بالقيام ونهاه عن إكرام الفاسق ، فقام وأكرم به فاسقا أو العكس ، فالأقسام أربعة.

امّا في القسم الأول : أعني ما إذا كان متعلق كل من الأمر والنهي ماهية متأصلة ، فبما انّ لكل ماهية وجود مستقل مغاير لوجود الماهية الأخرى إذا كانتا عرضيتين ، ويستحيل ان يوجد بوجود واحد ، فهناك ماهيتان ووجودان ، غاية الأمر انضم أحدهما بالآخر ، فيجوز اجتماع الأمر والنهي فيهما مطلقا.

وإمّا القسم الثاني : فلا بدّ فيه من التفصيل ، فان كان منشأ انتزاع الأمرين الانتزاعيين موجود واحد كما لو أكرم العالم وأكرم الفاسق بقيام واحد امتنع الاجتماع ، لأنّ الفعل الواحد يستحيل ان يكون مأمورا به ومنهيا عنه ، وامّا لو كان لكل منهما منشأ انتزاع مستقل مغاير لمنشإ انتزاع الآخر كما لو فرضنا انه أكرم العالم بالقيام والفاسق بالسلام مثلا دفعة واحدة ، فيجوز اجتماع الأمر والنهي فيهما.

وامّا القسم الثالث : فكذلك يفصل فيه بين ما إذا كان منشأ انتزاع الأمر الانتزاعي الّذي تعلق به الأمر أو النهي عين الأمر المتأصل الّذي تعلق به الأمر أو النهي فيمتنع الاجتماع ، وما إذا كان غيره فيجوز الاجتماع ، مثلا لو امر المولى بالقيام ونهى عن إكرام الفاسق أو العكس ، فأتى بهما المكلف دفعة واحدة ، فان كان إكرامه للفاسق بنفس القيام امتنع الاجتماع ، لأنّ نفس القيام مصداق للمنهي عنه ومبغوض

١٢٩

للمولى فكيف يكون محبوبا له أيضا ، وامّا لو قام وأكرم الفاسق بالسلام مثلا فيجوز الاجتماع ، لما عرفت من تعدد المصداقين.

فتحصل : انّ إطلاق القول بالجواز لتعدد العنوان لا وجه له ، كما انّ القول بالامتناع مطلقا بدعوى انّ تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون فاسد ، وذلك لأنّ تعدد العنوان وان لم يوجب تعدد المعنون إلّا انه لا يوجب وحدته أيضا. فالصحيح هو التفصيل على ما عرفت.

وبالجملة ملاك الامتناع والإمكان هو كون التركيب اتحاديا والحيثية تعليلية ، وكونه انضماميا والحيثية تقييدية ، فلا بدّ وان ينظر إلى المتعلقين ، فان كانا انتزاعيين من موجود واحد ، أو كان أحدهما متأصلا والآخر منتزعا عنه فالتركيب اتحادي ، فلا بدّ من الامتناع. وامّا ان كانا متأصلين ، أو كان كل منهما منتزعا عن موجود متأصل مغاير للآخر ، أو كان الانتزاعي منتزعا عن غير ذلك المتأصل فالتركيب انضمامي ، فيجوز الاجتماع ، فيختلف ذلك باختلاف الموارد. هذا كله في بيان الكبرى.

وبقي الكلام في تطبيقها على الوضوء بالماء المغصوب ، فالظاهر انه من قبيل القسم الثاني من الأقسام المتقدمة ، فتأمل.

فانّ الوضوء كعنوان التصرف في مال الغير امر منتزع من الغسلات ، وبما انّ منشأ انتزاعهما فعل واحد فلا محالة يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيهما ، وحيث انا نقدم في أمثال ذلك جانب الحرمة لاستحالة تعلق الأمر بما هو مبغوض للمولى ، إذ لا يكون المبغوض مقربا ، فلا يشمل إطلاق الأمر مورد الاجتماع.

ويترتب على هذا فرع مهم لم نر من تعرض له ، وهو فساد الوضوء بالماء المغصوب مطلقا حتى مع الجهل بالغصبية ، فانّ الجهل وان كان عذرا رافعا للمغصوبية إلّا انه لا يرفع الحرمة الواقعية ، فإطلاق الأمر غير شامل لذلك ، لما

١٣٠

عرفت انّ مورد اجتماع الأمر والنهي يكون داخلا في باب التعارض لا التزاحم ، فنتيجة تقديم أحدهما هو تخصيص الآخر ، فيختص المأمور به في الفرض بغير الماء المغصوب.

وامّا الملاك فليس لنا طريق لكشفه على ما مر منا مرارا. والعجب من الميرزا قدس‌سره فانه مع ما بنى عليه من امتناع الاجتماع وتقديم جانب الحرمة وافق متن العروة في التفصيل في فساد الضوء بالماء المغصوب بين صورتي العلم بالغصب والجهل به لشبهة موضوعية.

نعم ادعى في مفتاح الكرامة الإجماع على صحة ذاك الوضوء جهلا ، إلّا انه على فرض تحققه ليس إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، لأنّ المجمعين عللوا ذهابهم إلى الصحة بما هو مذكور في كلماتهم من إدخال باب اجتماع الأمر في باب التزاحم ولا يزاحم التكليف المنجز ما لم يتنجز بجهل ونحوه ، وقد عرفت ما فيه.

وامّا الوضوء في المكان المغصوب فان لم يكن مصب الماء مغصوبا فالظاهر صحة الوضوء ، وذلك لأنّ الغصب حينئذ ليس إلّا من جهة إشغال ذاك المكان أو الفضاء ، فنفس الاشغال وان كان محرما كتحريك اليد إلّا انّ ذلك ليس بمأمور به ، وما هو المأمور به أعني مماسة الماء للبشرة ليست تصرفا في ملك الغير. وامّا لو كان مصب الماء مغصوبا ، فان كان في البين واسطة بان كان المصب ابتداء محلا مباحا ثم يصب منه إلى المكان المغصوب وكان المتوضئ متمكنا من المنع عن ذلك بوضع حائل أو ميزاب يمنع الماء عن ان يصب في ملك الغير فلا إشكال أيضا في صحة الوضوء. وامّا لو لم يكن هناك واسطة كذلك فيدخل المقام في باب مقدمة الحرام ، وحيث أنكرنا في محله وجوب مقدمة الواجب فضلا عن حرمة مقدمة الحرام ما لم تكون علّة تامة فالوضوء حينئذ وان كان مقدمة لانصباب الماء في ملك الغير إلّا انه ليس بمحرم ، فلا يكون داخلا في باب اجتماع الأمر والنهي ، فيكون مأمورا به إلّا في

١٣١

فرض الانحصار ، فلا بدّ حينئذ من تقديم أحد الحكمين من حرمة ذي المقدمة ووجوبها.

ولكن الصحيح ان يقال : انّ الحرام انما هو انصباب الماء ووقوعه في المكان المغصوب الّذي هو لازم كل جسم ، والواجب انما هو الغسل أعني مماسة الماء للبشرة ، وليس ذلك مقدمة لانصباب الماء في ذاك المكان.

نعم صب الماء مقدمة لحصول كلا الأمرين ، فالمقام لا يدخل في مقدمة الحرام ليكون الوضوء فاسدا على القول بحرمتها ، بل يكون الحرام والواجب مشتركين في المقدمة ، نظير ما لو فرضنا انّ المكلف بضرب واحد قتل شخصين أحدهما واجب القتل والآخر محفوظ الدم ، ومن الواضح انه لا يلزم اتحاد المشتركين في المقدمة من حيث الحكم. فالمقام أجنبي عن باب الاجتماع حتى لو قلنا بحرمة مقدمة الحرام كما هو واضح.

وامّا التوضي في آنية الذهب والفضة بالاغتراف منها ولو تدريجا ، ففي غير صورة الانحصار يصح أيضا ، وذلك لأنّ عنوان استعمال آنية الذهب والفضة الّذي ورد النهي عنه في الاخبار ليس كعنوان النهي عن الأكل فيها الّذي هو أيضا منهي عنه ، فانّ عنوان الأكل يختلف عرفا باختلاف الأواني ، مثلا الأكل في القدر ليس بمعنى وضع القدر على الشفة والأكل منه ، بل استعماله في الأكل انما هو بالطبخ فيه ، وهكذا في المصفاة إلى غير ذلك ، وامّا الاستعمال فلا يختلف صدقه باختلاف الأواني ، بل معناه امر واحد ، وعليه فلو فرضنا انّ أحدا أخذ الماء من إناء من الذهب ، فأخذه منه استعمال له ، واما لو رشه بعد ذلك على الأرض أو سقاه إلى حيوان لا يكون الرش والسقي استعمالا لذلك الإناء عرفا ، وهذا واضح. ففي المقام الاغتراف من الإناء وان كان استعمالا له إلّا انّ غسل الوجه بذلك الماء الّذي هو الوضوء ليس استعمالا للإناء ليكون محرما ، فلا يكون من باب اجتماع الأمر والنهي

١٣٢

أصلا ، وهكذا الحال في التوضي بالإناء المغصوب.

نعم في صورة الانحصار لا بدّ من تقديم أحد الجانبين على ما عرفت. هذا كله في الوضوء.

واما الصلاة فتارة : يقع الكلام فيها من حيث اللباس والمحمول ، وأخرى : من حيث المكان.

اما من حيث المكان فقد اعتبر فيها الفقهاء إباحة المكان ، ثم رتبوا عليه فساد الصلاة في المكان المغصوب ، فالمعتبر عنوان عام يعم حرمة المكان من حيث الغصب ومن سائر الحيثيات ، مثل كونه مصداقا للخلوة مع الأجنبية ، أو كونه معرضا للتهمة ، أو لتلف النّفس كالصلاة في المسبل (١) وأمثال ذلك ، وفي هذا الفرض ليس المحرم إلّا مجرد الكون في ذاك المكان ، وامّا بقية التصرفات فيه فليس بمحرم ، ومن الواضح انّ الكون في المكان انما هو من لوازم الجسم وليس مقوما للصلاة ومأمورا به ، ومن ثم لو فرضنا انّ أحدا صلى في غير مكان صحت صلاته ، فهو خارج عن باب اجتماع الأمر والنهي كلية.

واما الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في انّ المحرم حينئذ ليس مجرد الكون في المكان ، بل يحرم كل ما يعد تصرفا في الغصب مثل الحركة ونحوها ، وعليه فتدخل الصلاة في مورد الاجتماع من جهتين ، إحداهما : من حيث الركوع ، والثانية : من حيث السجدة.

بيان ذلك : انه ان قلنا بأنّ الركوع المأمور به انما هو مجرد تلك الهيئة التقوسية ، والهوى مقدمة له ، فلا إشكال من هذه الجهة إذ لا يلزم اجتماع الأمر والنهي ، فانّ المأمور به هو تلك الهيئة ، وليست تصرفا ، والمنهي عنه ما هو مقدمته وهو الهوي ،

__________________

(١) المسبل : أي الطريق.

١٣٣

وبتعبير الميرزا قدس‌سره انّ الصلاة منتزعة من مقولة الوضع والكيف ، والغصب منتزع من مقولة الأين ، فكيف يجتمعان. واما لو قلنا بأنّ الهوى والانحناء مقوم للركوع ومن ثمّ لا يقال : «ركع زيد» لو قام من جلوس إلى ان وصل إلى تلك الهيئة فلا محالة يتحد مورد الأمر والنهي ، فيمتنع اجتماعهما. هذا من حيث الركوع.

وامّا من حيث السجود ، فان قلنا : بأنه عبارة عن مماسة الجبهة للمسجد فلا اجتماع ، لأنّ المماسة لا تكون غصبا. وإن قلنا : بأنه عبارة عن وضع الجبهة الّذي هو متقوم بالاعتماد على الأرض وجعل ثقله عليها يكون من مورد امتناع اجتماع الأمر والنهي ، فيقدم جانب النهي ويحكم بفساد الصلاة.

نعم تصح الصلوات غير المشتملة على الركوع والسجود ، كصلاة الميت والصلاة الإيمائي خصوصا إذا كانت بالعين.

وبالجملة الغصب عنوان ينتزع عن التصرف في ملك الغير والاستيلاء العدواني على الشيء ، مثلا لو شرب الإنسان الماء المغصوب ، فعنوانه المتأصل هو الشرب ، وينتزع عنه عنوان الغصب أيضا.

ولا وجه لما ذكره الميرزا قدس‌سره من انّ الغصب من مقولة الأين فلا يصدق على الصلاة التي هي من مقولة الكيف والوضع مثلا ، لأنّ المقولات متباينة ، فانّ ذلك انما هو في المقولات المتأصلة ، واما العناوين الانتزاعية فيمكن اجتماعها في مورد واحد ، وتعدد العنوان الانتزاعي لا يستلزم تعدد المعنون.

وعلى هذا فاجتماع الأمر والنهي في الصلاة في المكان المغصوب المشتمل على الركوع والسجود يكون من جهتين.

امّا من ناحية السجدة بناء على كونها متقومة بالاعتماد على الأرض كما هو الصحيح ، ومن ثم لا تجوز السجدة على مكان لا يمكن الاستقرار عليه كالوحل والرمل. نعم بناء على ان تكون السجدة مجرد مماسة الجبهة فلا اجتماع من هذا

١٣٤

الحيث.

وامّا من ناحية الركوع ، فانه لو قلنا : بأنّ الركوع عبارة عن مجرد تلك الهيئة التقوسية ، والهوى مقدمة له ، فلا يتحد مصداق الواجب والحرام ، نعم مقدمة الواجب محرمة ، ولا يستلزم حرمة المقدمة حرمة ذيها.

وامّا لو قلنا : بأنّ الهوى مقوم للركوع لا مقدمة له ففي الهوى حركتان. حركة في الوضع أعني هيئة الشخص ، فانه بمجرد ما يشرع في الانحناء تتوارد عليه الهيئات والأوضاع إلى ان يصل إلى حد الراكع ، وحركة في الأين وهي طي المسافة في المكان أو الفضاء المغصوب على الفرض ، والغصب منتزع من الثانية لا الأولى ، فانّ الحركة في الأين قد يجتمع مع الحركة في الوضع كما في المثال ونحوه ، وقد لا يجتمع معها كما لو مشى الغاصب في المكان المغصوب مستقيما من دون تحقق تغيير في هيئته ، وعليه فان كان مقوم الركوع هو الحرمة في الوضع فلا يجتمع الأمر والنهي في الركوع ، وان كان مقومه الحركة في الأين لزم اجتماعهما لا محالة ، لاتحاد مصداق المأمور به والمنهي عنه ، فلا مناص من القول ببطلان الصلاة لتقديم جانب الحرمة. هذا كله في صورة العلم والعمد.

واما في صورة الجهل بالغصب ، فهل يمكن القول بصحة الصلاة في المكان المغصوب أم لا؟ امّا المشهور فتفصيلهم بين الصورتين مبني على تخيلهم كون باب اجتماع الأمر والنهي داخلا في باب التزاحم ، وقد عرفت منا ما فيه مرارا. ولكن على مسلكنا أيضا إمكانا يمكن التفصيل بين الصورتين ، لا على القاعدة ، بل من جهة حديث لا تعاد ، فانه ربما يحتمل ان يكون المراد من الركوع والسجود المذكورين فيه ذاتهما لا بوصف كونهما مأمورا بهما ، وعليه يتم التفصيل.

إلّا انّ الظاهر خلافه ، فانّ مورد الحديث انما هو اجزاء الصلاة وشرائطها لا ما هو أجنبي عنها ، فما نستظهره من الحديث هو الركوع والسجود بما لهما من

١٣٥

الخصوصيات الدخيلة في كونهما مأمورا بهما ، وعليه فالمقام يكون داخلا في المستثنى ، فتبطل الصلاة في فرض الجهل أيضا. ومع التنزل عما استظهرناه يكفينا إجمال الحديث من هذه الجهة ، فانّ مقتضى القاعدة عند الإخلال بشيء مما اعتبر في المأمور به هو البطلان ، والصحة كانت على خلاف القاعدة كما هو واضح.

وامّا الصلاة في اللباس المغصوب ، فان كان اللباس ساترا بالفعل يتحقق فيها اجتماع الأمر والنهي ، وذلك لأنّ الستر المعتبر في الصلاة ليس كالستر عن الناظر المحترم الّذي يتحقق بكل ما يمنع عن النّظر من الظلمة والدخول في الماء والتلطخ بالطين ونحو ذلك ، بل المأمور به في الصلاة عنوان لبس ما يكون من قبيل الثوب لقوله عليه‌السلام : «يجد ثوبا يستر به عورته».

فلا وجه لما في الجواهر من انّ الستر لا يكون مصداقا للغصب فلا يكون حراما ، والمحرم مقدمة التستر ، فانّ اللبس هو المأمور به ، وهو بنفسه من أظهر مصاديق غصب الثياب والتصرف فيها ، فمع الالتفات والعمد تبطل الصلاة في الفرض لا محالة. واما في صورة الجهل فتصح الصلاة من حيث التستر لا من حيث الركوع والسجود على ما سيأتي ، لكن الصحة من هذه الجهة ليست على القاعدة ، بل لحديث لا تعاد ، فانّ التستر ليس من الخمس المذكورة فيه ، فكأنّ هذا الشخص صلى عاريا جهلا أو نسيانا.

ثم انك بما عرفت انّ المراد من الساتر هو الساتر بالفعل لو فرضنا انّ المصلي لابس لأثواب متعددة ، فان كان واحد منها مباحا يخرج ذلك عن الفرض أعني كون الساتر بالفعل مغصوبا ويدخل في الفرع الآتي وهو كون لباس المصلى مغصوبا ، وسيأتي التعرض لحكمه.

بقي الكلام في غير الساتر بالفعل من اللباس والمحمول المغصوب. فبناء على القول بأنّ الهوى في الركوع والسجود مقدمة لهما تكون الصلاة في اللباس المغصوب

١٣٦

ومع المحمول كذلك محكومة بالصحّة في فرض العلم والعمد فضلا عن صورة الجهل.

وامّا لو قلنا : بأنه مقوم لهما ، فحيث انّ الهوى الّذي هو مأمور به على الفرض مقدمة للحرام لاستلزامه حركة المغصوب ، فبناء على حرمة مقدمة الحرام تبطل الصلاة المشتملة على الركوع والسجود من غير فرق بين صورتي العلم والجهل ، كما لا فرق بين الصورتين من هذه الجهة في الفرض المتقدم أعني كون الساتر الفعلي مغصوبا.

هذا كله في كبرى بحث اجتماع الأمر والنهي وتطبيقها.

وتلخص من جميع ما ذكر : انّ إطلاق القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي كإطلاق القول بجوازه مما لا وجه له ، بل لا بدّ من التفصيل ، ففي كل مورد اتحد مصداق المأمور به مع مصداق المنهي عنه لا بدّ من القول بالامتناع ، فلا يكون مورد الاجتماع مصداقا للمأمور به من غير فرق من هذا الحيث بين صورتي العلم والجهل.

وقد ظهر بما قدمناه الجواب عن استدلالات كل من المنكرين والمثبتين ، إلّا انّ المجوزين استدلوا على الجواز بوقوع ذلك في الشريعة ، وهو أخص من الإمكان في باب العبادات المكروهة.

والجواب الإجمالي عن ذلك ما ذكره في الكفاية من انّ العبادات المكروهة خارجة عن باب اجتماع الأمر والنهي ، فانه انما يكون فيما إذا تعلق الأمر بعنوان والنهي بعنوان آخر واتحد مصداقهما خارجا ، واما إذا تعلق النهي بحصة من العنوان المأمور به فبابه باب النهي في العبادة ، ولا بد من تخصيص متعلق الأمر بغير تلك الحصة ، كما لو قال : «صل» وقال : «لا تصل في الحمام» فيكون المأمور به غير الصلاة في الحمام ، فكل من القائل بجواز اجتماع الأمر والنهي والقائل بامتناعه لا بد له من الجواب عن العبادات المكروهة.

وامّا الجواب التفصيليّ ، فتارة : يكون العبادة المكروهة مما تعلق النهي فيها

١٣٧

بعنوان والأمر بعنوان آخر واتحد مصداقهما خارجا ، وأخرى : يكون النهي متعلقا بحصة من الطبيعي الّذي تعلق به الأمر.

وعلى الثاني تارة : يكون للفرد المنهي عنه بدل غير منهي عنه ، وأخرى : لا يكون له بدل ، فالأقسام ثلاثة :

اما القسم الأول : فمثاله ما إذا فرضنا انّ المولى امر بالصلاة ونهى عن الكون في مواضع التهمة فصلى المكلف فيها ، أو فرضنا انه نهى عن استعمال الماء المسخن بالشمس فتوضأ المكلف به. اما في موارد كون التركيب انضماميا ، فلا إشكال.

وامّا الموارد التي يكون التركيب اتحاديا ، فتفصيل الكلام فيه : هو انا قد ذكرنا في مبحث الترتب انه لو تعلق الوجوب أو الندب بالطبيعي على نحو صرف الوجود ، فالمأمور به انما هو الطبيعي دون افراده ، فلا تتصف بالوجوب ، كما انّ الكلية صفة للطبيعي ، ولا تتصف بها افراده ، فلا يقال : زيد إنسان والإنسان كلي فزيد كلي ، إذ ليس زيد مصداقا للإنسان بما هو كلي ، كما انّ زيدا بخصوصه ليس بواجب الإكرام وليس مصداقا لطبيعي إكرام العالم الواجب بما هو واجب ، وأوضحنا ذلك في بحث الضد أيضا ، وذكرنا انه لو ترك المكلف إكرام العالم مطلقا لا يعاقب على ترك إكرام خصوص زيد وخصوص عمرو وهكذا ، بل يعاقب على ترك إكرام العالم ، فالواجب هو طبيعي الإكرام ، وإيجاده انما هو بإيجاد مصداقه ، واما الوجود الخاصّ فليس بواجب وانما هو مصداقه.

نعم الأحكام الانحلالية تتعلق بالافراد كما عرفت ، وعليه فبما انّ الأمر في الفرض متعلق بالطبيعي ، والنهي انحلالي متعلق بالفرد ، فلم يجتمع الأمر والنهي أصلا ، والتعبير بالاجتماع مسامحة ، فلا وجه للقول بالامتناع أصلا.

وان قلت : هذا البيان بعينه جار في اجتماع الأمر والنهي التحريمي ، فلما ذا التزمتم فيه بالامتناع مع انه لا فرق بين الأحكام من حيث تضاد بعضها مع

١٣٨

بعض؟!

قلت : التنافي هناك أيضا ليس بين نفس الحكمين ، وانما هو بين الترخيص في التطبيق المستفاد من إطلاق الأمر بالطبيعي وبين النهي ، فان لازم إطلاق المأمور به بمعنى رفض القيود كون المكلف مرخصا في تطبيقه على أي فرد شاء ، فإذا فرضنا انّ فردا من افراد الطبيعي مبغوض للمولى تحريميا لا يعقل بقاء الترخيص في التطبيق بالقياس إليه ، فمن هذه الجهة تقع المعارضة بين إطلاق دليل الأمر ودليل التحريم.

واما في النهي التنزيهي ، فحيث انه لا ينافي الترخيص بل ربما يصرح به فيه غاية الأمر يكون فيه حزازة فلا منافاة بينهما أصلا ، وعليه فيكون أصل الطبيعي مأمورا به والتطبيق مكروها اصطلاحيا. ولعل هذا هو مراد من حمل الكراهة على أقلية الثواب (١) ، وإلّا فلو أريد منها ظاهرها فأغلب العبادات مكروهة ، فانّ زيارة الحسين عليه‌السلام يوم السبت أقل ثوابا منها في ليلة الجمعة وهكذا. هذا فيما إذا كان في البين مندوحة.

وامّا في فرض عدمها ، فتسقط الكراهة لا محالة ، إذ لا معنى لها بعد الانحصار وعدم قدرة المكلف على امتثال كلا الخطابين ، فلا بدّ من سقوطها حينئذ.

وبهذا البيان ظهر الحال في القسم الثاني ، فانّ الأمر فيه متعلق بالطبيعي ، ولا ينافيه تعلق النهي التنزيهي ببعض افراده.

وامّا القسم الثالث : أعني ما إذا تعلق النهي بحصة مما تعلق به الأمر من دون ان يكون لها بدل كالنهي عن صوم يوم عاشوراء ، فكيف يعقل كون الفعل الواحد محبوبا ومبغوضا؟!

وقد أجيب عن ذلك بوجوه ، أحسنها ما ذكره الشيخ قدس‌سره وحاصله : انّ النهي

__________________

(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٢٨٥.

١٣٩

فيه ليس نهيا اصطلاحيا بمعنى الزجر عن الفعل لمفسدة فيه ، بل يكون هناك مصلحة قائمة بالفعل ومصلحة أخرى قائمة بالترك ، ولا يبعد كونها أهم من مصلحة الفعل ، كما يستفاد ذلك من كثرة الحث عليه والتزام الأئمة به. هذا في مرحلة الثبوت.

وامّا في مقام الإثبات ، فالمراد من النهي امّا ان يكون طلب الترك ويكون مستعملا في معناه الحقيقي بناء على القول بأنه طلب ترك الفعل ، أو يكون مستعملا في الإرشاد إلى أولوية اختيار الترك لاشتماله على المصلحة الأهم مع كونه موافقا لراحة النّفس ولو كان استعماله في ذلك على نحو من المسامحة ، إذ لا يعقل ان يكون مستعملا في معناه الحقيقي وهو الزجر عن الفعل ، فيكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين.

وقد استشكل (١) في ذلك بأنه ما فائدة جعل مثل هذين الحكمين مع انّ المكلف بطبعه لا يخلو من الفعل أو الترك.

وبعبارة أخرى : طلب النقيضين والضدين اللذين لا ثالث لهما مستحيل ، لأنه ان كان تعيينيا فهو من طلب المحال ، وان كان تخييريا يكون من اللغو الواضح ، ومن هذه الجهة لم يرتض الميرزا قدس‌سره هذا الجواب ، وأجاب بجواب آخر سنبينه إن شاء الله.

ويرد على الإشكال انّ طلب الضدين اللذين لا ثالث لهما وان كان محالا كالنقيضين إلّا انّ المقام ليس كذلك ، فانّ الفعل المطلوب ليس هو مجرد الكف والإمساك ، وانما هو الإمساك الخاصّ أعنى مع النية وله ضدان : أحدهما مجرد ترك ذلك ، وثانيهما الترك مع النية أي بقصد القربة ، وما يعلق به الطلب انما هو ذات ترك الصوم دون المقيد بقصد القربة ، فيكون توصليا كأكل الرمان يوم الجمعة. فبابه باب المستحبين المتزاحمين كما هو واضح ، فالتوجيه الّذي ذكره الشيخ قدس‌سره أحسن ما قيل

__________________

(١) راجع فوائد الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٤٣٩.

١٤٠