دراسات في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد علي الشاهرودي

دراسات في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد علي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

وبهذا ظهر الجواب عن الميرزا القمي ، إذ عرفت أنه لا حاجة في ترتب الثواب على امتثال الواجب الغيري ، ونعبر بالمقدم ليكون أعم إلى الوجوب فكيف بالخطاب المستقل ، ويؤيد ما ذكرناه الروايات الواردة في ترتب الثواب على الإتيان ببعض المقدمات كالمشي إلى زيارة الحسين عليه‌السلام أو إلى الحج ونحو ذلك.

ثم انه استشكل في الطهارات الثلاث من جهات :

أحدها : انّ الأمر الغيري يكون توصليا ، فمن أين نشأت عبادية الوضوء والغسل والتيمم؟! ثانيها : انّ ظاهر بعض الاخبار ترتب الثواب عليها ، كما ورد في الوضوء «انّ الوضوء على الوضوء عشر حسنات» (١) إلى غير ذلك.

اما الجواب عن الجهة الثانية فقد ظهر بما تقدم.

واما الجهة الأولى فأجيب عنها بوجوه :

منها : ما في الكفاية من انها عبادات ذاتية (٢) ، وليست عباديتها لأجل امرها الغيري ، بل العبادة بما هي كذلك تكون مقدمة للصلاة مثلا نظير امر الوالد بصلاة الليل أو نذرها.

وقد أشكل المحقق النائيني (٣) عليه بوجوه :

الأول : انّ الاستحباب الذاتي ان تم فإنما يتم في الغسل والوضوء ، ولا دليل عليه في التيمم.

وفيه : انه ورد في الحديث «انّ التراب أحد الطهورين» وفي خبر آخر

__________________

(١) الكافي ـ ج ٣ ـ ص ٧٢.

(٢) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٧٧.

(٣) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٧٥.

٣٢١

«التيمم أحد الطهورين» (١) وكلاهما صحيح ، فانّ الطهور تارة يستعمل فيما يتطهر به كما استعمل بذاك المعنى في الخبر الأول ، وأخرى يستعمل بمعنى الفعل الناشئ منه الطهارة وقد استعمل بهذا المعنى في الخبر الثاني ، وبهذين الخبرين يثبت الموضوع والصغرى أعني كون التيمم طهورا ، وإذا ثبت ذلك فيعمه إطلاق ما دل على محبوبية الطهارة كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(٢) وغير ذلك.

نعم كونه طهورا انما هو في فرض عدم وجدان الماء كما هو واضح ، ولا ينافي ما ذكرناه شيء من الأحكام المخصوصة بالتيمم أصلا كما هو ظاهر.

الثاني : انه ولو سلّمنا الاستحباب الذاتي فيها إلّا انه يزول بعد ثبوت الوجوب الغيري لها ، فلا يبقى منشأ للعبادية.

وفيه : بعد الإغماض عما هو المختار من إمكان اجتماعهما كما نتعرض لبيانه في مورد مناسب ، انّ الاستحباب لا يزول حقيقة بالكلية بمجيء الوجوب ، وانما تتبدل المرتبة الضعيفة من الطلب إلى المرتبة القوية ، فالقربيّة تكون باقية على حالها.

الثالث : انه على هذا يلزم ان لا تكون الطهارة متحققة فيما إذا غفل الفاعل عن استحبابها النفسيّ ، ولم يقصده ، وقصد امرها الغيري ، فانه لا يكون حينئذ آتيا به على وجه القربة ، وقد نظّر كلامه بما إذا صلّى الظهر لا بداعي وجوبها بل بداعي مقدميتها لصلاة العصر.

وحيث انّ صاحب الكفاية كان ملتفتا إلى هذا الإشكال ذكر في المتن ما حاصله : انه يمكن حصول القربة بقصد امرها الغيري ، وذلك لأنه لا يدعو إلّا إلى ما كان مقدمة للواجب ، والمفروض انّ المقدمة هو العمل المأتي به بداعي امره

__________________

(١) الكافي ـ ج ٣ ـ ص ٦٤.

(٢) البقرة ـ ٢٢٢.

٣٢٢

الاستحبابي النفسيّ فيكون قصده ثابتا بالإجمال ، ولذا أجاب عنه المحقق المذكور بأنه يستحيل ذلك ، فانه عليه في المرتبة السابقة لا بدّ وان يتّصف العمل بالعبادية ويقصد امره الاستحبابي النفسيّ ليتعلق به الأمر الغيري ويمكن قصده ، فقصد الأمر الاستحبابي لا محالة متقدم رتبة على الأمر الغيري فكيف يحصل به.

والإنصاف انّ هذا الإشكال وارد على هذا الجواب ولا يمكن التفصي عنه.

ومنها : ما ذكره النائيني (١) قدس‌سره من انه لا مانع من ان يكون الأمر الواحد عباديا من جهة وتوصّليا من جهة أخرى ، ومثّل لذلك بما إذا نذر المكلف ان يعطي درهما إلى زيد ويصلي ركعتين بنحو الانضمام لا الانحلال ، فانّ الأمر الواحد بوفاء النذر يكون توصليا بالقياس إلى الأول وتعبديا بالقياس إلى الثاني ، وذكر انّ ذلك بالنسبة إلى اجزاء الواجب غير واقع في الشريعة ، وامّا بالإضافة إلى الشرائط فهو متحقق ثابت ، فانّ الأمر بالصلاة من حيث الستر والاستقبال توصلي ومن حيث الطهارة تعبدي.

وفيه : ما قدمناه في مبحث التعبدي والتوصلي من انّ الشرائط والقيود لا تكون متعلقة للأمر ، ولذا قد تكون امرا خارجا عن الاختيار وإلّا لما أمكن اتصافها بالوجوب الغيري كما لا تتصف به الاجزاء. نعم التقيد يكون كالأجزاء متصفا بالوجوب النفسيّ ، واما ذات القيد فلا ، وعليه فينتفي الجواب من أصله.

والتحقيق ان يقال : في الجواب عن الإشكال انّ اعتبار القربة في الطهارات الثلاث ناشئ من نفس مقدميتها فانّ مقدميتها للصلاة ونحوها انما هي بجعل الشارع ، والشارع جعلها كذلك مقدمة لا ذواتها ، فهي مع قصد القربة مقدمة لها ، فذواتها تكون جزء من المقدمة لا تمامها ، نظير بعض اجزاء كل منها كغسل الوجه

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٧٤.

٣٢٣

مثلا في الوضوء ، فلا يترتب ذي المقدمة على ذواتها ، لا لعدم كونها مقدمة أصلا ، بل لعدم كونها تمام المقدمة.

واما حصول العبادية فيها فيكون بأحد امرين : اما الإتيان بها بداعي امرها النفسيّ وهو واضح ، واما الإتيان بها بداعي وقوعها في طريق الواجب النفسيّ وكونها مقدمة له ، سواء قصد بها الوجوب الغيري أم لم يقصد ، بل سواء قلنا بوجوب المقدمة شرعا أم لم نقل به ، وقلنا بأنّ الخطابات المتعلقة بالمقدمات كلها إرشاد إلى وجوبها العقلي كما هو المختار وذلك لما عرفت من انّ مجرد وقوع العمل في طريق الوصول إلى مطلوب المولى كاف في قابليته للإضافة إليه ، وبقصد هذا العنوان تتحقق الإضافة والتقرب.

وعلى هذا لا يرد شيء مما أورد على ما سلكه المحقق الخراسانيّ والنائيني قدس‌سرهما وبتحقق العبادية فيما إذا كان الآتي بها غافلا عن امرها النفسيّ أو لم يكن معتقدا به أصلا.

بقي فرعان :

أحدهما : انه لو توضأ المكلف قبل دخول الوقت بداعي امرها النفسيّ الندبي لا إشكال في صحّة وضوءه ، ويجوز له الإتيان بالفريضة بعد دخول الوقت من دون إعادة الوضوء ، لأنّ الأمر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة المستفاد من الآية الشريفة إرشاد إلى اعتبار الطهارة في الصلاة والمفروض انها حاصلة في مورد الكلام ، فلا وجه للإعادة.

وثانيهما : انه لو توضأ بعد دخول وقت الفريضة بداعي الوجوب الغيري فلا إشكال. واما لو توضأ بداعي امره الندبي أو لغاية مندوبة ولم يكن قاصدا للإتيان بالفريضة ، بل كان بانيا على عدم الإتيان بها ، فهل يصح هذا الوضوء ويجوز له الاجتزاء به لصلاة الفريضة إذا بدا له ان يصليها أو يجب عليه الإعادة؟

٣٢٤

ربما يستشكل في صحّته بدعوى انّ الأمر الاستحبابي قد زال بطرو الوجوب على الوضوء ، فما قصده المتوضئ لم يكن وما كان لم يقصده.

وفيه : أولا : انه متوقف على القول بوجوب المقدمة شرعا ، وهو خلاف التحقيق كما سنبيّنه.

ثانيا : قد عرفت انّ طرو الوجوب لا يوجب زوال الاستحباب ولا انقلابه إلى مرتبة أخرى كما قيل وانما يوجب زوال الترخيص في الترك الثابت قبل مجيئه ، وعليه فاصل الطلب والشوق الثابت قبل ذلك يكون باقيا بعد مجيء الوجوب أيضا ، فلا مانع من قصده.

بقي فرع لا بأس بالإشارة إليه وهو : انه لو توضأ المكلف لغاية واجبة ، أو مستحبة فلم يأت بها ، فهل يصح وضوءه ليجوز له الدخول في غيرها مما يشترط بالطهارة أم لا؟

ربما يستشكل في ذلك من حيث انّ عدم ترتب تلك الغاية عليه يكشف من عدم كونه مقدمة له وعدم مطلوبيته لتلك الغاية.

ولا يخفى ان البحث عنه علمي محض ، وربما تبتني صحّته على القول بالمقدمة الموصلة وعدمه ، ولكن الحق صحته مطلقا على التقديرين ، وذلك لأنه لا يعتبر في عبادية العبادة إلّا امران :

أحدهما : ان يكون العمل قابلا لأن يضاف به إلى المولى.

ثانيهما : ان يضيفه العبد إلى المولى ويأتي به متقربا إلى الله تعالى.

وكلا الأمرين موجود في المقام.

اما إضافته إلى المولى فظاهر ، لأنه أتى به للتوصل إلى تلك الغاية المطلوبة.

واما قابليته للإضافة فقد يستشكل فيها من حيث عدم ترتب الغاية ، فيتوهم انه لم يكن قابلا لذلك وانما تخيل المكلف قابليته ، إلّا انه خلاف الواقع ،

٣٢٥

وذلك لأنّ محبوبيّته النفسيّة ثابتة سواء ترتبت عليه الغاية أم لم تترتّب ، قلنا بالمقدمة الموصلة أم لم نقل.

نعم خطأ المكلف من حيث جهة الإضافة وهو لا يضر بالعبادية ، نظير ما إذا غفل المكلف عن نذره لصلاة الليل فأتى بها بداعي الاستحباب ، أو تخيل استحباب امر واجب فأتى به بداعي الاستحباب ، فانّ الظاهر صحّة العمل في جميع ذلك.

٣٢٦

اختصاص وجوب المقدّمة بالمقدّمة الموصلة وعدمه

ثم انه وقع الخلاف في انّ وجوب المقدمة على القول به أو محبوبيّته هل يكون مختصّا بالمقدمة الموصلة ، أو التي قصد بها الإيصال ، أو انّ مقدمة الواجب محبوبة مطلقا؟

ولا يخفى انّ الأنسب تأخير هذه المسألة عن البحث عن أصل وجوب المقدمة ، فذكرها في المقام من قبيل تقديم ما حقّه التأخير ، وكيف كان الأقوال فيها خمسة :

الأول : هو القول بكونها تابعة لذيها من حيث الإطلاق والاشتراط.

الثاني : ما نسب إلى المعالم من انّ وجوب المقدّمة مشروط بإرادة الإتيان بذي المقدّمة ، وعليه فتكون إرادة الإتيان بذي المقدّمة شرطا لوجوب المقدمة لا قيدا للواجب فقط.

الثالث : ما نسب إلى الشيخ من انّ الواجب هو الحصّة الخاصّة من المقدّمة وهي ما قصد به الإيصال إلى ذي المقدّمة.

الرابع : ما نسب إلى الفصول من انّ الواجب خصوص الموصلة منها التي يترتّب عليها ذو المقدّمة.

الخامس : ما ذهب إليه بعض أعاظم مشايخنا قدس‌سرهم من اعتبار كلا الأمرين فيها.

ونقول : اما ما ذكره في المعالم ففساده واضح ، وذلك لأنه لا منشأ للقول بوجوب المقدّمة شرعا إلّا دعوى الملازمة بين محبوبية ذي المقدّمة ومحبوبيّة مقدّمته ، وعليه فنسأل من صاحب المعالم بعد وضوح استحالة التعليق في الملازمة انه لو لم

٣٢٧

يرد المكلف ان يصلي الفريضة مثلا فهل يكون وجوبها فعليا أو لا؟ وعلى الثاني يلزم ان يكون التكليف تابعا لاختيار المكلف ، ولا يمكن الالتزام به ، فلا بدّ من الالتزام بالأول ، وعليه فان كان ذو المقدّمة واجبا يستحيل عدم وجوب مقدّمته بعد فرض الملازمة لأنه خلف.

وامّا ما نسب إلى الشيخ من اعتبار قصد الإيصال ، فقد استدل عليه على ما في التقريرات بأنّ الواجب ليس ذات المقدّمة ، بل بعنوان المقدمية وإذا كان العنوان تحت الأمر لا يتحقق المأمور به إلّا إذا قصد ذات العنوان ، نظير عنوان التعظيم والتأديب ونحو ذلك.

وقد أوضح بعض مشايخنا قدس‌سرهم ما في التقريرات في ضمن مقدمتين.

إحداهما : انّ الجهة التعليلية للأحكام العقلية ترجع إلى الجهة التقييديّة ، وبعبارة واضحة انّ علّة الحكم العقلي في الحقيقة تكون عنوانا لموضوعه ، والحكم حقيقة يكون ثابتا لذاك العنوان ، وثبوته لموضوع القضيّة كما في الشكل الأول الّذي ترجع جميع القضايا إليه انما هو من باب تطبيق الكبرى على الصغرى وكون ذاك الموضوع من مصاديق ذاك العنوان ، من غير فرق بين الأحكام النظرية أي ما ينبغي ان يعلم كحكمه بالإمكان أو الاستحالة ، والأحكام العملية أي ما ينبغي ان يعمل كحكمه بالحسن والقبح ، مثلا إذا حكم العقل باستحالة اجتماع الأمر والنهي لكونه مستلزما لاجتماع الضدين أو النقيضين ففي الحقيقة يكون الموضوع لحكمه بالاستحالة هو اجتماع النقيضين ، ويثبت ذلك لاجتماع الأمر والنهي بما انه من أحد مصاديقه وصغرياته ، ومن ثم ذكر الشيخ الرئيس انّ الكبرى هي التي يدخل عليها لام التعليل.

ثانيهما : انّ الإلزام من المولى لا بدّ وان يتعلق بالحصّة الاختيارية من الطبيعة ، فلا يكون الغير الاختياري منها مصداقا للمأمور به وان كان وافيا

٣٢٨

بالغرض أحيانا ومسقطا للأمر.

ثم بضم إحدى المقدمتين إلى الأخرى استنتج انّ وجوب المقدّمة متعلّق بعنوان المقدمية لأنه العلّة لثبوته لا بذات المقدّمة.

وإذا ثبت ذلك فمقتضى المقدمة الثانية انّ ما يكون مصداقا للواجب منها هو المقدمة التي قصد بها عنوان المقدمية والإيصال إلى ذي المقدّمة ، لأنه إذا لم يؤت بها بهذا العنوان لا تكون المقدّمة بعنوان المقدّمية صادرة عن الاختيار وان صدر ذاتها اختيارا ، إلّا انها لم تكن متعلقا للأمر والوجوب وان كان مسقطا له.

هذا ونقول : ما أفاده من الكبرى الكلية مبتن على الأحكام العقلية ولا يصغى إلى ما نسب إلى بعض الأساطين من انّ باب العلل في الأحكام العقلية كبقية العلل والمعاليل لا باب الحكم والموضوع إلّا انه أجنبي عن المقام ، فانّ وجوب المقدمة المبحوث عنها ليس من الأحكام العقلية وانما هو شرعي ، والعقل يستكشف ثبوته من الملازمة ، وإلّا فالحاكم هو الشرع والحكم شرعي ومن ثم ذكرنا انّ الأنسب تأخير هذا البحث عن مسألة وجوب المقدّمة ، إذ بعد إثبات الوجوب الشرعي لها نتكلم في انه مطلق ، أو الواجب مطلق ، أو مشروط ، ولا يلزم رجوع الجهات التعليليّة في الأحكام الشرعية إلى الجهات التقييديّة.

فعلّة حكم الشارع بوجوب المقدّمة وان كان عنوان المقدمية ، وتوقف ذي المقدّمة عليه ، إلّا انه مع ذلك يمكن ان يجعل الوجوب على ذوات المقدمات ، لأنها المتوقف عليه لا على عنوان المقدميّة ثم انه لو سلمنا ذلك وفرضنا ثبوت الوجوب لعنوان المقدمة لا لذاتها نمنع المقدمة الثانية ونقول : لا يعتبر في اختيارية الفعل إلّا العلم والالتفات إلى العنوان ، وامّا قصده بان يكون الداعي لتحصيله تحقق العنوان ، فلا يعتبر فيها أصلا ، ولذا لو قلنا بأنّ مقدمة الحرام حرام وأتى بها المكلف مع العلم والالتفات ولم يقصد بها التوصل إلى المحرم قد أتى بالحرام قطعا ، وعليه ففي المقام لو

٣٢٩

كان المكلف ملتفتا إلى المقدميّة ، وأتى بها فقد حصلت المقدّمة بعنوانها اختيارا ، قصد بها التوصل أم لم يقصد.

ثم انه ذكر لهذا القول ثمرات.

منها : ما في التقرير من ظهور ثمرة البحث عن اعتبار قصد الإيصال في من أراد الصلاة إلى بعض الجهات الأربع دون جميعها عند تردد القبلة بينها ، فانه على القول باعتبار قصد الإيصال بطلت الصلاة ولو صادفت القبلة الحقيقية ، بخلافه لو لم نقل بذلك ، فانه تصح صلاته حينئذ وتكون مجزية.

وفيه : ما ذكره الميرزا من انّ ذلك خارج عن محل الكلام ، لأنّ الصلاة إلى القبلة الواقعيّة واجبة نفسيا ، والصلاة إلى بقيّة الجهات غير واجبة أصلا لا نفسيا ولا غيريا ، لأنها ليست مقدمة لوجود الواجب وانما هي مقدمة علمية ، ولا ربط لها بمحل البحث وقد تعرض لصحّة ذلك وجعلها مبتنية على القول بلزوم الموافقة القطعية للعلم الإجمالي وعدمه والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بناء على اعتبار الجزم في النية.

ومنها : ما في التقرير أيضا من ظهور الثمرة فيما إذا توضأ لخصوص غاية ، فانه على القول باعتبار قصد الإيصال لا يمكن ترتيب الغايات الأخر عليها ، مثلا إذا توضأ للصلاة وصلّى لا يمكنه مس المصحف مع ذاك الوضوء ، لعدم تحقق مقدمة جوازه لعدم قصد الإيصال إليه.

ثم تنظر فيما ذكره بأنّ الوضوء طبيعة واحدة فإذا تحققت تترتب عليها جميع آثارها ، فأجاب بأنّ الثمرة انما تترتب في الغسل لأنه ماهيات مختلفة ، ونقول :

أولا : انّ الغسل أيضا ماهيّة واحدة.

وثانيا : بناء على اختلافها انما تختلف باختلاف أسبابه ، مثلا غسل الجنابة ماهية مباينة لغسل الحيض ، ولا تختلف ماهية الغسل باختلاف الغايات ، ولم يقل

٣٣٠

أحد بذلك.

فالصحيح من الثمرات هو الّذي ذكره في الكفاية من انه لو توقف واجب أهم على مقدمة محرمة في نفسها ، كما لو توقف إنقاذ الغريق على التوسط في الأرض المغصوبة فدخلها المكلف لكن لا بقصد التوصل ، فانه بناء على اعتباره قد فعل حراما ، وبناء على عدمه لم يأت بالحرام ، إذ لا يعقل ثبوت الحرمة الفعلية لما يتوقف عليه الواجب الفعلي ، هذا ولكن كفاية مجرد قصد التوصّل في محبوبيّة المقدمة مما يأباه الذوق السليم والوجدان الّذي استدل به الشيخ قدس‌سره.

فالصحيح ما ذهب إليه الفصول من اعتبار الإيصال الخارجي في وجوب المقدّمة ، بداهة انّ وجوب المقدمة انما هو لترتب ذي المقدمة عليها ، فالمحبوب ما يقع في طريق الإيصال إليه لا ذات المقدمة ، وهذا وجداني كما ذكره في الفصول.

وتوضيح ذلك بمثال عرفي ، وهو انه لو فرضنا انّ بعض محارم الرّجل غرق في البحر وتوقف إنقاذه على ان يمس رجل أجنبي جسدها ، فلا محالة يكون ذلك محبوبا لمحبوبية الإنقاذ ، ولكن لو مس أحد جسدها من دون ان ينقذها لا يكون ذلك محبوبا له بالضرورة ، وانما يجب المس الّذي يترتب عليه إنقاذها.

فالوجدان أقوى دليل على اعتبار الإيصال في المقدمة الواجبة.

ثم انّ صاحب الفصول بعد ما استدل على اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة دون غيرها بالوجدان أيّد دعواه بجواز ان ينهى المولى عن غير المقدمة الموصلة وعدم جواز نهيه عن خصوص الموصلة أو عما يعمها أي عن مطلق المقدّمة ، وذكر انّ ذلك أيد اختصاص الوجوب بالموصلة دون غيرها.

وقد أورد عليه في الكفاية (١) بوجهين :

__________________

(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٨٨.

٣٣١

أحدهما : انه لا مانع من نهي الشارع عن بعض افراد المقدمة ، فانه يوجب ذلك انصراف وجوبها إلى غير المنهي عنه ، نظير ما إذا توقف الواجب على المشي في طريقين فنهى الشارع عن المشي في أحدهما ، فلا يكون في صحّة النهي دليل على الاختصاص.

ثانيهما : انه لو اختص وجوب المقدمة بالمقدمة الموصلة لزم التكليف بغير المقدور ، وجواز ترك الواجب النفسيّ اختيارا فيما إذا لم يرد المكلف الإتيان بذي المقدمة في فرض انحصار المقدمة بالمحرم ، وذلك لأنه حينئذ لا تكون المقدمة مرخصا فيها ، لأنّ جوازها انما يكون في فرض إيصالها وإرادة الإتيان بذيها ، فتبقى على حرمتها ، وإذا كانت محرمة فهي ممتنعة شرعا ، وإذا امتنعت المقدمة يمتنع ذوها أيضا ، فيكون التكليف به تكليفا بغير المقدور.

وفي كلا الإيرادين ما لا يخفى.

اما الإيراد الأول ففيه :

أولا : انه يمكن ان يغير صاحب الفصول تقريبه بان يقول : انّ الحاكم بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوبها انما هو الحكم ، فالعقل ـ بعد ما بينا غير مرة من انّ الإهمال النّفس الأمري غير معقول ، وانّ الحاكم لا يعقل ان يكون شاكا في موضوع حكمه ـ اما ان يحكم بثبوت الملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مطلق المقدمة ، واما ان يحكم بالملازمة بينه وبين وجوب حصّة خاصة من المقدمة ، وعلى الثاني يثبت المطلوب ، وعلى الأول يستحيل ان يخصص حكم العقل بالنهي الشرعي ويرتفع به إطلاق وجوب المقدمة ، فمن صحّة النهي يستكشف انّ طرف الملازمة من أول الأمر انما كان غير المنهي عنه.

ولا يخفى انّ مرادنا من الإطلاق والتقييد انما هو إطلاق فرد واحد وتقييده بالإضافة إلى حال الإيصال وعدمه ، فلا يقاس ذلك بأصل وجوب المقدمة في

٣٣٢

الجملة أي افراد ما منها على نحو القضية المنفصلة ليكون التطبيق باختيار المكلف الّذي هو قابل للتقييد بالنهي الشرعي عن بعض الافراد.

وثانيا : لو سلمنا ذلك فنقول : يكتفي صاحب الفصول بما التزم به الخراسانيّ قدس‌سره من إمكان النهي عن بعض افراد المقدمة أو أصنافها ، لأنه إذا أمكن ذلك ففي مورد ظهور الثمرة ـ وهو فرض انحصار المقدمة بالمحرم ـ مجرد إمكان النهي يكفي في ثبوته بمقتضى إطلاق دليل حرمة الغصب مثلا ، ولا يخرج عن ذلك إلّا بالمقدار المتيقن ، وهو خصوص المقدمة الموصلة ، وعليه فلا يفرق بين قول الفصول وبين ما ذكر في الكفاية من حيث اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة ، إلّا انه على مسلك الآخوند يكون ذلك لأجل المانع عن الشمول ، وهو نهي الشارع ، وعلى مسلك الفصول يكون الاختصاص لقصور في المقتضي لثبوت الوجوب بنحو الإطلاق.

واما الإيراد الثاني ، فهو من كبوة الجواد ، وذلك لأنّ ما ذكره انما يتم لو كان التعليق والقيد راجعا إلى الجواز كما ذهب إليه المعالم وردّه في الكفاية. واما بناء على رجوع القيد إلى الجائز ، فالحكم مطلق غير مقيد بإرادة ذي المقدمة ولا بشيء آخر ، فتكون الحصّة الموصلة من المقدمة محكومة بالجواز ، أتى به المكلف أم لم يأت ، والمفروض انه قادر على الإتيان بها ، فلما ذا يكون ذيها غير مقدور ، فيكون الترك اختياريا.

ثم انه استدل على عدم اختصاص الوجوب بالموصلة بوجوه :

منها : ما في الكفاية (١) وحاصله : انّ وجوب المقدمة لا بدّ وان يكون بملاك وغرض مترتب عليها ، وهو غير مختص بالموصلة ، بل هو موجود في غيرها أيضا ،

__________________

(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٨٤.

٣٣٣

فيعم الوجوب الجميع.

وتوضيح ذلك بمقدمتين :

إحداهما : انّ الغرض من إيجاب المقدمة انما هو حصول ما لولاه لما أمكن ذي المقدمة.

ثانيهما : انّ هذا الغرض ثابت في مطلق المقدمة ولو لم تكن موصلة وهو واضح ، واما فعلية الترتب والوصول فليست هي الغرض من المقدمة ، وإلّا لاختص وجوب المقدمة بالعلّة التامّة ، وهو بديهي الفساد.

وفيه : انّ الصحيح كما ذكرنا انّ ملاك وجوب المقدمة ليس إلّا استحالة انفكاك ذيها عنها وتوقفه عليها ، واما ما ذكره ، فان أريد به ظاهر عبارته أعني «حصول ما لولاه إلخ ...» فهو غير المقدمة لا الغرض المترتب من إيجابها ، وان أريد بذلك معنى آخر أعني به التمكن من الإتيان بذي المقدمة فهو واضح الفساد ، بداهة انّ إمكان ذي المقدمة ليس مترتبا على حصول مقدمته في الخارج وانما هو متوقف على إمكان مقدمته ، نعم حصوله مترتب على حصولها ، ومن ثم يصح الأمر بذي المقدمة مع عدم الإتيان بمقدماته.

وقد ذكر بعض أعاظم مشايخنا بعد ما أورده عليه انّ الغرض من إيجاب المقدمة انما هو القابلية والاستعداد لإيجاد ذي المقدمة من ناحيتها ، وان شئت فعبر عن ذلك بسد باب عدم ذي المقدمة من قبلها ، وهذا مترتب على مطلق المقدمة ولو لم تكن موصلة.

وفيه : انّ هذا وان كان ممكنا ثبوتا إلّا انه لا دليل عليه في مرحلة الإثبات ، إذ كما يحتمل ان يكون الغرض من إيجاب المقدمة ذلك يحتمل ان يكون الغرض منه امرا آخرا لا يتحقق إلّا بعد انضمام بقية المقدمات إليها ، نظير ما إذا أراد المولى طبخ الطعام فأمر بعض عبيده بإحضار الماء وبعضهم بإحضار الحطب والقدر إلى غير

٣٣٤

ذلك ، فانه ليس غرضه من امر كل منهم بذلك سد باب العدم من قبله ، وانما غرضه طبخ الطعام الّذي لا يترتب على جميع المقدمات.

وإذا كان الغرض كذلك فلا محالة ينحصر الواجب بخصوص المقدمة الموصلة ، وان شئت فعبر عنها بالعلّة التامّة وان كانت العبارة غير خالية عن المسامحة.

ومنها : ما ذكره في الكفاية (١) أيضا ، وحاصله : انه لو أتى المكلف بالمقدمة ولم يأت بعد بذيها فيكون التكليف بها ساقطا لا محالة ، ولا بدّ ان يكون سقوطه بالإطاعة كما هو المطلوب ، أو بالعصيان ، أو بزوال الموضوع ، أو بحصول الغرض ، وعلى الأول يثبت المطلوب ، والوسطان غير محتملين ، وعلى الرابع لا بدّ من ان يكون مطلوبا ، لأنّ الوافي بالغرض يؤمر به لو لا المانع.

والجواب عن ذلك.

أولا : بالنقض بما إذا شرع المكلف في الواجب التدريجي وأتى ببعض إجزاءه ، فانه تجري فيه الشقوق المتقدمة.

وثانيا : الحل في الجميع هو انّ الإطاعة والسقوط فيها يكون مراعى على الإتيان ببقية الاجزاء بنحو الشرط المتأخر ، فان أتى بها المكلف يستكشف سقوط التكليف من الأول بالإطاعة ، وإلّا فيستكشف عدم كون ما أتى به مصداقا للمأمور به من أول الأمر ، وهذا واضح.

ومما أورد على اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة ما ذكره المحقق النائيني من الدور ، ويمكن تقريبه بوجهين :

__________________

(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٨٦.

٣٣٥

الأول : ما استفدناه من مجلس بحثه (١) وهو تقريب الدور من ناحية الوجوب ، بان يقال : انّ الإيصال وعدمه امران منتزعان من ترتب ذي المقدّمة على مقدمته ، فإذا قيدنا المقدمة الواجبة بالإيصال فلا محالة يترشح من وجوبها وجوب غيري يتعلق بالواجب النفسيّ وهو ذي المقدمة ، والمفروض انّ وجوبها كان مترشحا منه ، فيلزم تقدم المتأخر وبالعكس ، وهو معنى الدور.

والجواب عنه واضح : فانّ الموقوف غير الموقوف عليه ، بداهة انّ وجوب المقدمة وان كان مترشحا من الوجوب النفسيّ المتعلق بذي المقدمة إلّا انّ الوجوب المترشح من وجوبها ليس هو الوجوب النفسيّ ليلزم الدور ، وانما هو وجوب غيري آخر ، فلا يلزم من ذلك إلّا اجتماع وجوبين على واجب واحد ، ويندفع محذوره بالالتزام بالتأكد على المشهور.

الثاني : من التقريبين تقريب الدور من ناحية المقدمية بأن يقال : انّ المقدمية لو كانت مختصة بالإيصال فلا محالة يكون تحققها متوقف على ترتب ذي المقدمة ، فيلزم الدور.

والجواب عنه : انّ الإيصال ليس دخيلا في عنوان المقدمية أصلا ، وانما هو دخيل في الواجب وقيد له لا للمقدمية ، فإشكال الدور مندفع بتقريبيه.

فلا يبقى إلا لزوم اجتماع وجوبين في الواجب النفسيّ الّذي هو مخالف للوجدان ، بداهة انّ من يطلب ذي المقدمة ليس في نفسه طلبان متعلقان به ، أحدهما نفسي والآخر غيري.

ويندفع ذلك بما هو الجواب الصحيح عن إشكال الدور أيضا وهو : انّ القائل بالمقدمة الموصلة لا يجعل الإيصال وترتب الواجب قيدا للمقدمة الواجبة أصلا ،

__________________

(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ٢٣٧.

٣٣٦

وانما يجعله عنوانا مشيرا ومعرفا عن ذات المقدمة التي هي ملازمة مع تحقق ذي المقدمة خارجا من دون ان يكون هناك تقيد أصلا ، فلا يلزم شيء من المحذورات المتقدمة.

فالصحيح انّ وجوب المقدمات الّذي هو وجوب وجداني لا تعدد فيه متعلق بذوات المقدمات التي تلازم وجود ذي المقدمة خارجا ، وليس لكل مقدمة وجوب مستقل ، إذ الغرض كما عرفت مترتب على المقدمات بنحو الانضمام من المقتضي والمعد وعدم المانع التي نعبر عنها بالعلّة التامّة ولو مسامحة ، لتوسط الاختيار بينها وبين تحقق الواجب خارجا.

هذا بناء على القول بوجوب المقدمة شرعا ، ولكن لو لم نقل بذلك كما هو الصحيح أيضا يترتب على بحث المقدمة الموصلة ثمر مهم في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم ، فانّ العقل لا محالة يحكم بالترخيص فيما إذا كان الواجب أهم ، فيبحث عن ان المرخص فيه هل هو خصوص الموصلة أو الأعم.

فثمرة هذا البحث غير منحصرة بالقول بوجوب المقدمة شرعا ، وقد عرفت انّ الصحيح ما ذهب إليه الفصول من اختصاص ثبوت الترخيص العقلي بالمقدمة الموصلة أي التي تلازم وجود ذيها خارجا.

بقي الكلام فيما اختاره صاحب الحاشية والميرزا النائيني قدس‌سره (١) مما يكون نتيجته عدم وجوب غير الموصلة من المقدمة بعد إنكارهما اختصاص وجوبها بالموصلة ، وحاصل ما ذكراه مبتن على مقدمتين :

الأولى : انه بعد ما ثبت على مبناهما استحالة تقييد الواجب بخصوص الموصلة ، فاستحالة التقييد يستلزم استحالة الإطلاق ، لأنّ التقابل بينهما تقابل

__________________

(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ٢٤٠ وما بعدها.

٣٣٧

العدم والملكة ، ويفترق هذا التقابل في ذلك عن غيره من تقابل التضاد وتقابل السلب والإيجاب ، فانّ استحالة أحد المتضادين يستلزم ضرورية الضد الآخر أو أحد الأضداد ، كما انّ استحالة أحد النقيضين يستدعي ضرورية النقيض الآخر ، وهذا بخلاف العدم والملكة فانّ استحالة الملكة تستلزم استحالة عدمها أيضا ، وعليه فإذا ثبتت استحالة تقييد المقدمة الواجبة بخصوص الموصلة فيستحيل ان تكون مطلقة من حيث الإيصال وعدمه ، فلا بدّ وان يكون وجوب المقدمة مهملة.

المقدمة الثانية : انّ الغرض من إيجاب المقدمة ليس إلّا ترتب ذيها عليها ، ومن الواضح انّ هذا الغرض انما يكون مترتبا على خصوص المقدمة الملازمة لترتب الواجب عليها دون مطلق المقدمة ، فالغرض مختص بخصوصها ، وعلى هذا ففي المقدمة المحرمة يتحقق خطابان بنحو الترتب.

أحدهما : الأمر بإيجاد المقدمة بنحو الإهمال.

وثانيهما : حرمة الإتيان بها على تقدير عصيان الخطاب النفسيّ وترك الإتيان بذي المقدمة أو ترك الإتيان بالمقدمة التي يترتب عليها ذوها على الخلاف في ذلك ، وعلى هذا فتبقى المقدمة الغير المترتب عليها ذو المقدمة على حرمتها ، وهذا هي ثمرة القول بالمقدمة الموصلة.

وإلى هنا يشترك المحققان ، ولا فرق بين ما ذكراه إلّا من ناحية المرتب عليه ، فانّ الظاهر مما ذكره صاحب الحاشية في مبحث الضد هو انّ وجوب الصلاة مترتب على عصيان الأمر بترك الصلاة المترتب عليه وجود الإزالة ، وقد ذكرنا في محله انّ الترتب وان كان من الواضحات إلّا انه انما يعقل مع تعدد الموضوع لا مع وحدته واما المحقق النائيني فجعل المترتب عليه عصيان الخطاب النفسيّ المتعلق بذي المقدمة ، وهذا هو الصحيح في بحث الترتب.

هذا ولكن على فرض إنكار القول بالمقدمة الموصلة لا يتم شيء من

٣٣٨

المقدمتين :

اما الأولى : فلما مرّ تفصيله في بحث التعبدي والتوصلي من استحالة ان يكون الحاكم جاهلا بموضوع حكمه ، فالإهمال الواقعي غير معقول ، وذكرنا انّ استحالة التقييد لا تستلزم استحالة الإطلاق وان كان بينهما تقابل العدم والملكة ، فانّ استحالة الملكة ربما تستلزم وجوب عدمها كما في العلم والجهل بكنهه تعالى ، وعليه فالموضوع لوجوب المقدمة لا بدّ وان يكون مطلقا أو مقيدا بالإيصال ، أو بعدمه. والثالث بديهي البطلان ، والثاني أبطلوه على فرضهم ، فيتعيّن الإطلاق.

وبالجملة قسم صاحب الفصول المقدمة إلى الموصلة وغير الموصلة وجعل متعلق الوجوب خصوص الأولى ، أعني المقدمة بشرط لا عن ترتب ذيها عليها ، فهي باقية على حكمها الأول من إباحة أو حرمة أو غير ذلك.

وصاحب الحاشية حيث رأى استحالة ذلك ذهب إلى انّ الواجب ذات المقدمة من حيث ترتب الواجب عليها بمعنى انّ الحيثية تكون تعليلية لا تقييدية ، وقد بينا انّ ما ذكره وتبعه فيه المحقق النائيني مبنى على مقدمتين :

الأولى : انه كما يستحيل تقييد متعلق الوجوب بخصوص الموصلة كذلك يستحيل ان يكون مطلقا بالقياس إليه ، بدعوى انّ استحالة التقييد تستدعي استحالة الإطلاق ، لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فلا محالة يكون متعلق الوجوب المقدمة بنحو الإهمال.

الثانية : انّ الغرض من إيجاب المقدمة ليس إلّا الوصول إلى ذي المقدمة ، وهو لا يترتب إلّا على المقدمة الملازمة لترتب الواجب النفسيّ عليها خارجا دون غيرها ، فيستكشف من مجموع ذلك ثبوت تكليف ، أو ترخيص معلق بإيجاد المقدمة من حيث ترتب الغرض عليها خارجا ، وثبوت تحريم متعلق بإيجادها بنحو الترتب على عصيان الوجوب الغيري على ما سلكه صاحب الحاشية على ما حكي

٣٣٩

عنه ، أو على عصيان الوجوب النفسيّ على ما ذهب إليه النائيني ، فيكون مفادهما على مسلك صاحب الحاشية انه يجب عليك الإيجاد بالمقدمة من حيث ترتب الغرض عليها وان عصيته ولم توجد المقدمة من ذاك الحيث ، فيحرم عليك إيجادها. وعلى مسلك النائيني انه يجب الإيجاد بالمقدمة وان عصيت الوجوب النفسيّ المتعلق بذيها ، فيحرم عليك الإتيان بها ، وذلك لأنّ إمكان الترتب يكون مستلزما لوقوعه كما هو مبيّن في محلّه ، فتكون النتيجة حرمة المقدمة المحرمة التي لا يترتب عليها ذي المقدمة خارجا.

ونقول : اما المقدمة الأولى ، فقد عرفت عدم تماميتها وانّ الإهمال النفسيّ الأمري مستحيل ، فلا مناص من إطلاق متعلق الوجوب أو تقييده بأحد الأمرين ، وانّ استحالة التقييد في مقام لا يستلزم استحالة الإطلاق.

نعم إذا استحال التقييد في مقام الإثبات بان قال المولى «أعتق رقبة» وبمجرد ذلك عرض له مانع عن التكلم فامتنع عليه التقيد لا يتحقق للفظ إطلاق نستكشف منه إطلاق مراد المولى ثبوتا.

وهذا مضافا إلى انّ تقابل الإطلاق والتقييد ليس من تقابل العدم والملكة ، بل تقابلهما من تقابل التضاد ، وذلك لأنّ الإطلاق الثبوتي امر وجودي وهو لحاظ السريان ورفض القيود ، ومن الواضح انّ استحالة أحد الضدين يستلزم ضرورية الضد الآخر.

واما المقدمة الثانية ، فهي صحيحة كما ذكر ، بداهة انّ المحبوب ليس إلّا المقدمة التي يترتب عليها المحبوب النفسيّ في الخارج دون غيرها.

ثم مع تسليم صحّة المقدمتين هل يتم الترتب في المقام أم لا؟.

الظاهر هو الثاني ، اما على مسلك الحاشية فواضح ، لما ذكرنا من انّ الترتب انما يتم إذا كان الحكمان في موضوعين ، وامّا ثبوت حكمين لموضوع واحد بنحو

٣٤٠