منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ٣

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ٣

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-609-7
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٢٩٢

يمرّ كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ كالرّيح الهابّة ، ومنهم هو كالجراد ، ومنهم من يجرّ رجلاه ويتعلّق يداه ، ومنهم من يخرّ على وجهه» (١) انتهى.

وقال الغزاليّ في رسالته المسمّاة ب «المضنون على غير أهلها» : وأمّا الصراط فهو عبارة عمّا لا مناسبة بين دقّته ودقّة الشعر ، وحدّته وحدّة السّيف ، فهو في الدّقة كالخطّ الهندسيّ ، والصّراط المستقيم عبارة عن الوسط الحقيقيّ بين الأخلاق المتضادّة ، ولذا أمرنا الله بالدّعاء له في سورة الفاتحة ، حيث قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) ، وقال في حقّ المصطفى عليه‌السلام : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٣). مثال ذلك السّخاوة بين التّبذير والإسراف والبخل ، والشّجاعة بين التّهور والجبن ، والتّواضع بين التّكبر والدّناءة ، والعفّة بين الشّهوة والجمود ، فلهذه الأخلاق طرف إفراط وتفريط ، وهما مذمومان ، والوسط ليس من الإفراط ولا من التّفريط ، فهو في غاية البعد من كلّ طرف ، فلذا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير الأمور أوسطها» ومثال ذلك الوسط الخطّ الهندسيّ بين الظلّ والشّمس.

والتّحقيق في ذلك أنّ كمال الآدميّ في المشابهة بالملائكة وهم منفكّون عن هذه الأوصاف المتضادّة وليس في إمكان الانفكاك عنها بالكلّيّة ، فكلّفه الله تعالى ما يشبه الانفكاك وهو الوسط ، فإنّ الفاتر لا حارّ ولا بارد ، والعوديّ لا أبيض ولا أسود ، فالبخل والتّبذير من صفات الإنسان ، والمقتصد السخيّ كأنّه لا يبخل ولا يبذّر ، فالصّراط المستقيم هو الوسط الحقّ بين الطّرفين الذي لا ميل له إلى أحد الجانبين ، وهو أدقّ من الشعر ، والذي يطلب غاية البعد من الطرفين ، فيكون على الوسط ، ولو فرضنا حلقة حديدة محاطة بالنار وقعت فيها نملة ، فهي تهرب بطبعها عن الحرارة ، ولا تهرب إلّا إلى المركز ، لأنّه الوسط الذي هو غاية البعد من المحيط المحرق ، وتلك النقطة لا عرض لها ، فإنّ الصراط المستقيم لا عرض له ، وهو أدقّ من الشعر ، ولذلك خرج من القوّة البشريّة الوقوف عليه ، فلا جرم ، يرد أمثالنا النار بقدر ميله عنه ، كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً

__________________

(١) راجع شرح التجريد للقوشجيّ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٢) الفاتحة (١) : ٦.

(٣) القلم (٦٨) : ٤.

٢٢١

مَقْضِيًّا) (١). وقال : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) (٢) ، فإن العدل بين المرأتين في المحبّة والوقوف على درجة متوسطة لا ميل فيه صراط الآخرة من غير ميل. وجاء في الحديث : «يمر المؤمن على الصراط كالبرق الخاطف» (٣) انتهى كلامه ، ومثله كلام بعضهم.

الصراط الدنيويّ

وأقول : لا يخفى عليك بعد التدبّر فيما ورد في الشرع من الآيات والأحاديث أنّ الصراط صراطان : دنيويّ وأخرويّ.

أمّا الدنيويّ ، أي الصراط المستقيم الذي ورد به الشرع ، فقد قال كثير من أهل الشرع إنّه هو التوحيد ، لأنّه الصراط الذي كان عليه جميع الأنبياء والأولياء ، وبعثوا كلّهم لأجل دعوة الخلق إليه ، وكذا لأجل منع العباد عن الميل إلى أحد طرفيه ، أي إلى يمينه أو شماله ، أي الشرك الجليّ والخفيّ ، كما ورد في الخبر أنّ اليمين والشمال مضلّتان (٤). وقالوا : إنّه يشهد بذلك آيات وأخبار ، كما قال تعالى :

(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥).

وقال : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٦).

__________________

(١) مريم (١٩) : ٧١.

(٢) النساء (٤) : ١٢٩.

(٣) بحار الأنوار ٩٤ / ٥١.

(٤) عوالي اللئالى ٤ / ١١٠ ، وفيه : مضلّة.

(٥) الشورى (٤٢) : ٥٢ ـ ٥٣.

(٦) الأنعام (٦) : ١٦١.

٢٢٢

وقال : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).

وقال : (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٢).

وقال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٣).

حيث إنّ الظاهر أنّ صراط الذين أنعمت عليهم ، صراط الأنبياء والأولياء عليه‌السلام وتابعيهم من أهل التوحيد ، كما قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) (٤).

وقال : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥).

وقال : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٦) ، وحينئذ يكون طريق المغضوب عليهم طريق المنحرفين عن التوحيد الذي الانحراف عنه ضلال وموجب لغضب الله تعالى والدخول في النار ، كالمشركين والكفّار وكاليهود والنّصارى ، كما ورد في التفسير أيضا ، وقد قال تعالى في شأن الكفار :

(وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) (٧).

وفي شأن الظالمين : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (٨).

__________________

(١) الزخرف (٤٣) : ٤٣.

(٢) مريم (١٩) : ٣٦.

(٣) الفاتحة (١) : ٦ ـ ٧.

(٤) مريم (١٩) : ٥٨.

(٥) الأنعام (٦) : ٨٧.

(٦) النساء (٤) : ٦٩.

(٧) المؤمنون (٢٣) : ٧٤.

(٨) هود (١١) : ١١٣.

٢٢٣

وفي شأن اليهود : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) (١).

وفي شأن النصارى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً) (٢).

وقد ورد في الخبر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطّ خطّا ، وخطّ حواليه خطوطا ، ثمّ أشار إلى الخط الأوسط فقال : «وانّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه» ، ثمّ أشار إلى الخطوط حوله فقال : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٣).

وقال بعضهم : إنّ الصراط المستقيم هو الإسلام ، وهو المرويّ عن ابن عبّاس وجابر ومقاتل.

وروى الحارث بن الأعور عن عليّ عليه‌السلام ، أنّه قال : الصراط المستقيم هو القرآن ؛ وهو المنقول عن ابن مسعود أيضا.

وقال محمّد بن الحنفيّة : إنّه هو الدين القويم (٤).

قال أبو بريدة الأسلميّ : هو طريق محمّد وآل محمّد عليهم‌السلام.

وعلى ذلك ينبغي أن يحمل ما نقلناه عن ابن بابويه آنفا ، من أنّ الصراط في وجه ، اسم الحجج عليه‌السلام ، يعني أنّ الصراط المستقيم هو طريقهم ومعرفتهم والانقياد لهم والاهتداء بهداهم.

وقال شهر بن حوشب : إنّ الذين أنعمت عليهم هم صحابة رسول الله وأهل بيته ، ويستفاد منه أنّ الصراط المستقيم طريقهم.

وقال بعضهم : إنّه إشارة إلى قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٥). حيث ورد في الخبر هكذا : النبيّين ، محمّد ، والصدّيقين علي بن أبي طالب ؛ والشهداء حمزة وجعفر ؛ والصالحين الأئمة

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦٠.

(٢) المائدة (٥) : ٧٧.

(٣) الأنعام (٦) : ١٥٣.

(٤) انظر : الصراط المستقيم للبيّاضيّ ١ / ٢٨٤.

(٥) النساء (٤) : ٦٩.

٢٢٤

الهداة ، وحسن أولئك رفيقا ، مهديّ هذه الأمة عليه‌السلام.

وقال عبد الله بن عبّاس : هم قوم موسى وعيسى عليه‌السلام ، قبل أن حرّفوا التوراة والإنجيل ، ويستفاد منه أنّ الصّراط المستقيم طريقهم.

وقال بعض العارفين : إنّ الصراط المستقيم عبارة عن الوسط الحقيقيّ بين الأخلاق الحميدة والذّميمة ، كالسّخاوة بين البخل والتّبذير ، والشّجاعة بين الجبن والتهوّر ، إذ هذه الأخلاق الحميدة لها طرفا إفراط وتفريط ، وهما مذمومان ، حيث إنّ اليمين والشّمال مضلّتان ، وبين الإفراط والتّفريط هو غاية البعد من الطّرف كالنّقطة من الدّائرة ، وعبّر الشّرع عن ذلك بالصّراط المستقيم ، وأمر الله تعالى نبيّه عليه‌السلام بالاستقامة عليه ، كما قال تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (١) ، وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شيّبتني سورة هود» (٢) ، وهو إشارة إلى هذه الآية في تلك السّورة ، وإشارة إلى صعوبة تحصيل هذه الدّرجة الّتي هي الاستقامة على هذا الصراط المستقيم.

وهذا الذي ذكرنا ، إنّما هو ذكر جملة من الأقوال في معنى الصّراط المستقيم ، وهذه الأقوال ، وإن كانت ترى بظاهرها مختلفة ، إلّا أنّه لا اختلاف في الحقيقة ، لكون مرجعها إلى أمر واحد ، أي الدّين القويم الذي هو الإسلام.

الصّراط الأخرويّ

كما دلّ عليه الأخبار الصّريحة التي هي غير قابلة للتّأويل ، ودلّ عليه الآيات القرآنيّة أيضا ، مثل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٣) ، بناء على ما فسّره كثير من المفسّرين ، من أنّ المراد بورود جميع المكلّفين النّار ، إشراف الكلّ عليها حين مرورهم على الصّراط الممدود على متن جهنّم ، وإن كان لبعضهم دخول فيها أيضا.

__________________

(١) هود (١١) : ١١٢.

(٢) تفسير الصافي ، طبع الإسلامية ١ / ٨١٥ ذيل الآية ١١٣ من سورة هود ، وفيه : فاستقم كما أمرت ... عن ابن عبّاس : ما نزلت آية كان أشقّ على رسول الله عليهما‌السلام من هذه الآية ، لهذا قال شيّبتني هود والواقعة وأخواتها.

(٣) مريم (١٩) : ٧١.

٢٢٥

وبالجملة ، قال به العلماء من أهل الإسلام ، وقالوا إنّه يجب الإيمان به لكونه ممّا نطق الشرع بوجوده ، وكاد وجوده أن يكون ضروريّا في الدين القويم ، فهو جسر ممدود على متن جهنّم أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السّيف ، أي جسم كذلك ، وهو مع كونه ممّا نطق به الشرع لا امتناع فيه عقلا ، وما ذكره منكروه في امتناعه ، كما نقله الشارح القوشجيّ من القاضي عبد الجبّار وكثير من المعتزلة في ذلك ، مندفع بما أجابه هو عنه كما مضى ذكره.

والحاصل أنّ ما تمسّك به منكره من عدم إمكان العبور عليه ، وأنّ فيه تعذيبا للمارّين ولا عذاب على المؤمنين مندفع.

أمّا الأوّل : فلأنّ ذلك الجسر الممدود ، حيث كان جسما من أجسام الآخرة التي هي مخالفة بالحقيقة لأجسام الدّنيا ، وكانت أبدان المكلّفين المعادين وأقدامهم أيضا من جنس تلك الأجسام الأخرويّة ، فلا امتناع في أن يمرّوا بتلك الأقدام الأخرويّة على ذلك الجسر الممدود الأخرويّ ، وقياس ذلك على الأجسام الدّنيويّة من جهة عدم إمكان المرور بالأقدام الدّنيويّة على الجسم الكذائيّ الدّنيويّ قياس الغائب على الشّاهد ، ولا وجه له.

على أنّ ذلك في الدّنيا أيضا ليس بممتنع بالذّات ، بل هو ممتنع عاديّ ، وجاز في حكمة الله تعالى خرق العادة في كثير من الأمور لحكمة ومصلحة اقتضته ، وكما جاز ذلك في الدّنيا ، كذلك جاز في الآخرة أيضا على تقدير تسليم كون ذلك فيها ممتنعا عاديّا أيضا.

وأمّا الثاني ، فلأنّه إذا كان مرور المؤمنين والصّلحاء على ذلك الجسر كالبرق الخاطف ، أو كالرّيح الهابّة ، كما ورد في الخبر ، فمن أين يكون لهم فيه عذاب؟

نعم ، العذاب إنّما يكون لغير المؤمنين الذين يكون مرورهم عليه بصعوبة ومشقّة ، كما دلّ الخبر عليه أيضا ، ولا ضير فيه ، بل ربّما يمكن أن يكون من جملة الحكمة في وجود ذلك الجسر ، وتكليف هؤلاء بالمرور عليه تعذيبهم ، كالحكمة في وجود جهنّم وإدخالهم فيها.

وحيث عرفت ذلك ، فنقول : إنّ من أوّل الصراط الأخرويّ بالصّراط المستقيم

٢٢٦

الدّنيويّ ، كالغزاليّ وأشباهه ، وكذا من قال بأن المراد الأدلّة الواضحة أو العبادات ، حيث إنّ ذلك أيضا يؤول إلى التّأويل بالصراط الدّنيويّ ؛

إن كان مرادهم بذلك أنّه لا يكون في الآخرة ذلك الجسر الممدود على متن جهنّم أصلا ولا تكليف المكلّفين بالمرور عليه قطعا ، بل إنّ الأخبار الواردة فيه كناية عن أنّ من استقام في الدّنيا على الصّراط المستقيم يكون بعيدا في الآخرة عن النّار وقريبا من الجنّة على تفاوت مراتب استقامته ، وأنّ من نكب في الدّنيا عن الصّراط المستقيم وانحرف عنه يكون حاله بالعكس على تفاوت مراتب انحرافه ، فهذا خلاف ما نطق به الشّرع ، بل هو إنكار ما هو ضروريّ أو كالضروريّ فيه.

وإن كان مرادهم بذلك أنّ الصراط الأخرويّ هو مظهر الصراط الدنيويّ ، يعني أنّ حقيقة الصّراط الدّنيويّ التي هي في الدّنيا بصورة الدّين القويم ، تظهر في الآخرة بصورة ذلك الجسر الممدود ، فله وجه.

وتوجيهه أن يقال : إنّك قد عرفت فيما تلونا عليك سابقا في باب تجسيم الأعمال ، أنّه يجوز أن يظهر حقيقة كلّيّة تارة بصورة كصورة العرض القائم في موضوع ، وتارة بصورة أخرى كصورة الجوهر المستغني عن الموضوع ، وأنّه يجوز أن يكون حقيقة العقائد والأعمال والأفعال هي في النّشأة الدّنيويّة بصورة المعاني والأعراض تظهر فيما بعد الموت بصورة الأعيان والجواهر والأجسام صورة بهيّة أو مؤلمة جزاء لذلك ، أمّا في النشأة البرزخيّة فبصورة الأعيان المثاليّة ، وأمّا في النّشأة الأخرويّة فبصورة الأعيان والأجسام الأخرويّة ، وأنّه لا امتناع في ذلك ، حتّى أنّه يجوز أن يكون أصل الجنّة والنّار بما فيهما مظاهر للعقائد والأعمال الحسنة أو السّيئة.

وعلى هذا فجاز أن يكون الصراط المستقيم الذي هو عبارة عن الإسلام والدّين القويم ، وعبارة عن مجموع العقائد والأفعال والأعمال والأمور الخاصّة الحقّة تظهر في النّشأة الأخرويّة بصورة ذلك الجسر الممدود على متن جهنّم الذي هو أدقّ من الشّعر وأحدّ من السيف ، ويكون وجه المناسبة بين الظاهر والمظهر ، بأنّه حيث كان هو في النّشأة الدّنيويّة طريقا وسطا كالخطّ المستقيم الهندسيّ الذي لا عرض له ، كما أشار إليه

٢٢٧

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان الانحراف عنه أدنى انحراف ، والميل عنه إلى يمينه وشماله اللّتين هما كالخطوط حول ذلك الخط المستقيم التي أشار إليها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الحديث فقال : «ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله» وقوعا في الضّلالة ، كما يدلّ عليه التفرّق عن السّبيل في الآية ، وما ورد أنّ اليمين والشمال مضلّتان ، ودخولا في الشّرك والكفر ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) (١) ، كان بهذا الاعتبار أدقّ من الشعر ، وكأنّه ممدود على متن الضلالة والشّرك والكفر. وحيث كان في النّشأة الدّنيويّة بهذه الحالة والصّفة ، كان مظهره في النّشأة الأخرويّة ، أي ذلك الجسر بهذه الصّفة أيضا ، أي ممدودا على متن جهنّم التي هي مظهر الضّلالة والشّرك ، وأدقّ من الشّعر ، بحيث يكون الانحراف عنه أدنى انحراف وقوعا في جهنّم.

وكذلك أنّه حيث كان في النّشأة الدّنيويّة مع دقّته ومدّه على متن الشّرك والضّلال أحدّ من السّيف ، حيث إنّ الإكباب والسّقوط عليه موجب للهلاك ، كالهلاك بالسّيف الذي يوقع عليه ، كما قال تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) ، كان مظهره في الآخرة أيضا كذلك ، حيث إنّ من لم يستقم عليه وخرّ على وجهه يكون ذلك سببا لهلاكه ، لسقوطه على ما هو أحدّ من السّيف ، كما ورد أنّ من وقف عليه شقّه بنصفين ، وكذلك أنّه حيث كان سلوكه والاستقامة عليه في الدّنيا سببا لدخول الجنّة ، كان الدّخول في الجنّة في الآخرة بحيث لا يحصل إلّا بالمرور على ذلك المظهر ، أي الجسر حتّى يدخل الجنّة ، فهو كما كان في الدّنيا طريقا إلى الجنّة كان في الآخرة أيضا كذلك ، لا يحصل الدّخول فيها إلّا بالمرور عليه ، وكان من جملة الحكم المتعالية في وجود ذلك الجسر ، وفي تكليف العباد بالمرور عليه أن يظهر أنّ أيّا منهم كان في الدّنيا مستقيما على الصّراط المستقيم ليثاب باستقامته الدّخول في الجنّة على تفاوت مراتب الاستقامة ، وأنّ أيّا منهم كان في الدّنيا منحرفا عنها أو مكبّا على وجهه ، ليعاقب بالدّخول في النّار على تفاوت مراتب الانحراف والإكباب.

__________________

(١) المؤمنون (٢٣) : ٧٤.

(٢) الملك (٦٧) : ٢٢.

٢٢٨

وبما ذكرنا يظهر لك أنّه لا امتناع في أن يكون الصّراط الأخرويّ مظهرا للصّراط المستقيم الدّنيويّ كما ذكرنا. وكذلك يظهر سرّ الحديث الذي رواه ابن بابويه ، من أنّه قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ إذا كان يوم القيامة» (١) الحديث.

حيث إنّ معرفة عليّ عليه‌السلام وولايته وانقياده والاقتداء بطريقته هو الصّراط المستقيم ، فيكون من استقام عليه ولم ينحرف عنه ولم يمل إلى ولاية غيره من أئمّة الضلالة ، يعطى له براءة وجواز يمرّ به على ذلك الجسر الممدود ، ومن كان بالعكس كان بالعكس ، كما قال تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (٢).

وفّقنا الله تعالى وسائر المؤمنين للاستقامة على صراط عليّ والاهتداء بهداه ، فإنّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

الأعراف والسّور

ومنها الأعراف والسّور ، قال تعالى : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٣) ، وقال : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (٤).

وقال الطّبرسيّ رحمه‌الله في الجوامع ، في تفسير الآية الأولى : «وبين الجنّة والنار ، أو بين أهليهما حجاب ، أي ستر ونحوه ، فضرب بينهم بسور. وعلى الأعراف ، أي وعلى أعراف الحجاب ، وهو السّور المضروب بين الجنّة والنّار ، وهي أعاليه جمع عرف مستعار من عرف الفرس والدّيك ، رجال. الصادق عليه‌السلام الأعراف : كثبان بين الجنّة والنّار يوقف عليها كلّ نبيّ وكلّ خليفة نبيّ مع المذنبين من أهل زمانه ، كما يقف صاحب الجيش مع الضّعفاء

__________________

(١) مرّ الحديث بأسره نقلا عن الاعتقادات للشيخ الصدوق (ره) ، فراجع.

(٢) هود (١١) : ١١٣.

(٣) الأعراف (٧) : ٤٦ ـ ٤٧.

(٤) الحديد (٥٧) : ١٣.

٢٢٩

من جنده ، وقد سيق المحسنون إلى الجنّة ، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه : انظروا إلى إخوانكم المحسنين وقد سيقوا إلى الجنّة ، فيسلّم عليهم المذنبون ، وذلك قوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) أن يدخلهم الله إيّاها بشفاعة النبيّ والإمام ، وينظر هؤلاء المذنبون إلى أهل النار ، فيقولون : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا ..) إلى آخره. وقيل إنّهم قوم قد استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فجعلوا هنالك حتّى يقضي الله فيهم ما شاء ويدخلهم الجنّة ، يعرفون كلّا من زمر السّعداء والأشقياء بسيماهم : بعلامتهم التي أعلمهم الله بها. وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ، ورأوا ما هم فيه من العذاب ، استعاذوا بالله وقالوا : «ربّنا لا تجعلنا معهم» (١) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه.

وقال أيضا في تفسير الآية التّالية لهذه الآية ، أعني قوله تعالى (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ) الآية : «أنّه روى الأصبغ ابن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه قال : نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنار ، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة ، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار» (٢) انتهى.

وقال في تفسير الآية الثّانية : فضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور ، أي حائط حائل بين شقّ الجنّة وشقّ النّار ، لذلك السّور باب لأهل الجنّة يدخلون فيه ، باطنه : باطن السّور أو الباب وهو الشقّ الذي يلي الجنّة فيه الرحمة أي الجنّة ، وظاهره ما ظهر لأهل النار من قبله من عنده ، ومن جهة العذاب هو النار» (٣). انتهى موضع الحاجة أيضا.

وقريب ممّا ذكره كلام الزمخشريّ (٤) والبيضاويّ في تفسير السّور والأعراف والرجال الذين على الأعراف ، ولا تغاير إلّا في بعض أمور لا يختلف به أصل المقصود ، وهو وجود السّور والأعراف والرّجال على الأعراف ، والظّاهر أنّه لا خلاف بين العلماء من أهل الإسلام في وجود ذلك ، كما هو منطوق الآية أيضا ، فيجب الإيمان به لذلك. واختلافهم

__________________

(١) جوامع الجامع ١ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

(٢) جوامع الجامع ١ / ٤٤٠.

(٣) جوامع الجامع ١ / ٤٨١.

(٤) تفسير البيضاويّ ٣ / ١١.

٢٣٠

في تفسير الرّجال مع كونه ممّا لا يقدح في أصل المقصود يمكن الجمع بأنّه يجوز أن يكون على الأعراف كلتا الطّائفتين جميعا ، أمّا الأنبياء والخلفاء فبأن يكونوا ـ مع كون منازلهم في الجنّة ، وفي أعلى علّيّين منها ـ على الأعراف مع المذنبين من أهل زمانهم في يوم الحساب ، والوقوف أو بعد ذلك أيضا في بعض الأحيان للحكمة التي تضمّنتها الآية. وأمّا الذين استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فبأن يكون منازلهم على الأعراف أو فيها ، ويمكثوا فيها إلى أن يشاء الله تعالى. وهذا الجمع هو الذي يدلّ عليه كلام ابن بابويه في «اعتقاداته».

قال : «اعتقادنا في الأعراف ، أنّه سور بين الجنّة والنار ، عليه رجال يعرفون كلّا بسيماهم ، والرّجال هم النبيّ والأوصياء عليه‌السلام ، لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرهم وأنكروه ، وعند الأعراف المرجون لأمر الله ، إمّا يعذبّهم أو يتوب عليهم» (١) انتهى. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

الكتاب والحساب والميزان والسؤال

ومنها الكتاب والحساب والميزان : قال تعالى في الكتاب : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً* اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٢) ،

وقال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً* وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٣).

وقال : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤).

__________________

(١) الاعتقادات للصدوق / ٨٧.

(٢) الإسراء (١٧) : ١٣ ـ ١٤.

(٣) الإسراء (١٧) : ٧١ و ٧٢.

(٤) الكهف (١٨) : ٤٩.

٢٣١

وقال : (وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ* وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ). (١)

وقال : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) ،

وقال : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٣) ،

وقال : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤).

وقال : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) الآية (٥).

وقال : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً* وَيَصْلى سَعِيراً) (٦).

وقال : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ* إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (٧).

وقال : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٨) ،

__________________

(١) الزمر (٣٩) : ٦٩ و ٧٠.

(٢) الجاثية (٤٥) : ٢٨ و ٢٩.

(٣) القمر (٥٤) : ٥٣.

(٤) المجادلة (٥٨) : ٦.

(٥) الحاقّة (٦٩) : ١٨ ـ ٢٥.

(٦) الانشقاق (٨٤) : ٧ ـ ١٢.

(٧) الانفطار (٨٢) : ١٠ ـ ١٤.

(٨) المطفّفين (٨٣) : ٧ ـ ١٠.

٢٣٢

وقال : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

وقال تعالى في الحساب : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (٢).

وقال : (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) (٣) ،

وقال : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤) ،

وقال : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) (٥) ،

وقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (٦)

وقال : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٧)

وقال : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) (٨) ،

وقال : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ). (٩)

وقال تعالى في الميزان : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (١٠).

وقال : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ

__________________

(١) المطفّفين (٨٣) : ١٨ ـ ٢١.

(٢) البقرة (٢) : ٢٨٤.

(٣) الرعد (١٣) : ١٨.

(٤) غافر (٤٠) : ١٧.

(٥) الشعراء (٢٦) : ١١٣.

(٦) لقمان (٣١) : ١٦.

(٧) الحاقّة (٦٩) : ٢٠.

(٨) الانشقاق (٨٤) : ٨.

(٩) الغاشية (٨٨) : ٢٥ ـ ٢٦.

(١٠) الأعراف (٧) : ٨ ـ ٩.

٢٣٣

خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (١) ،

وقال : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ* فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ* تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) (٢) ،

وقال : (وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) (٣)

وقال : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (٤)

وقال : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٥)

وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٦) ،

وقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً). (٧)

الكتاب

فظاهر الشّرع كما هو ظاهر تلك الآيات المذكورة ، وكذا ظاهر الأخبار ، وهو قول المفسّرين وغيرهم من العلماء ، إنّه عبارة عن صحيفة أعمال الخير أو الشرّ التي كتبتها الملائكة الحفظة للأعمال الكرام الكاتبون بأمر الله تعالى وحفظوها ، وإنّه يخرج لكلّ

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٤٧.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ١٠١ ـ ١٠٣.

(٣) الزمر (٣٩) : ٦٩ ـ ٧٠.

(٤) الشورى (٤٢) : ١٧.

(٥) القارعة (١٠١) : ٦ ـ ٨.

(٦) الزلزلة (٩٩) : ٧ ـ ٨.

(٧) الكهف (١٨) : ١٠٥.

٢٣٤

إنسان يوم القيامة كتابه وصحيفة عمله (كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) ، ويكلّف هو بقراءة ما فيه ، وبما فعله من خير أو شرّ ، فيقرأه ويعلم ما فعله ويعترف به ، ويكون هو حسيبا على نفسه ، وإنّه يكون ذلك الكتاب للأبرار منهم والسّعداء في علّيّين.

ومعناه كما ذكره المفسّرون : أنّ ما كتب من أعمالهم يكون في علّيّين ، أي في ديوان الخير الذي دوّن فيه كلّ ما عمله المقرّبون والأبرار والمتّقون من الجنّ والإنس ، حيث إنّ علّيّين اسم ذلك الدّيوان وعلمه ، وفيه معنى العلوّ ، سمّي بذلك إمّا لأنّه سبب الارتفاع إلى أعالي الدّرجات في الجنّة ، وإمّا لأنّه مرفوع في السّماء السّابعة تحت العرش حيث يسكن الكروبيّون ، ويشهد به قوله تعالى : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

وقيل : علّيّون اسم الجنة. وقيل : سدرة المنتهى. ويحتمل أن يكون معنى كونه في علّيّين كونه من جنس الأوراق والألواح العالية والصحف المكرّمة المرفوعة المطهّرة بأيدي سفرة كرام بررة.

وكذلك يؤتى ذلك الكتاب للسّعداء والأبرار بيمينهم ، حيث إنّ إعطاء الكتاب باليمين علامة الرضا والخلاص ، كما أنّ إعطاءه باليسار ووراء الظّهر علامة السّخط والهلاك.

أو لأنّ كتابهم لمّا كان من كتب الخيرات والحسنات التي يكنّى عنها باليمين ، فلذا يعطونه باليمين. أو لأنّهم حيث كانوا من أصحاب اليمين يؤتون كتابهم بها.

أو لأنّ كتابهم لمّا كان من كتب الخيرات وكان الملك الذي يكتب الخيرات والحسنات عند الترقوة اليمنى من الإنسان ، كما أنّ الملك الذي يكتب السيّئات عند التّرقوة اليسرى منه كما ورد به الأخبار ، فلذلك يعطى كتابهم بيمينهم.

وكذلك يكون ذلك الكتاب للفجّار في سجّين ، ومعناه كما ذكره المفسّرون أيضا : أنّ السجّين فيه معنى السّجن أي الحبس والضّيق ، ومعنى كونه فيه كونه في جبّ من جهنّم أو في ديوان الشّر الذي دوّن فيه أعمال الكفرة والفسقة من الجنّ والإنس ، أو لأنّه مطروح ،

__________________

(١) المطفّفين (٨٣) : ٢١.

٢٣٥

كما روي أنّه تحت الأرض السّابعة في موضع وحش يشهده الشّياطين كما يشهد ديوان الخير الملائكة.

ويحتمل أيضا أن يكون معناه أنّه من جنس الأوراق السّفلية والصّحائف الدنيّة القابلة للاحتراق.

وكذلك يؤتى ذلك الكتاب لبعض هؤلاء الفسقة والفجّار بشماله ، ووجه المناسبة ظاهر ، حيث إنّهم في مقابلة السّعداء والأبرار ، وكلّ حكمة تقتضي إعطاء كتاب السّعداء بيمينهم ، فمقابل تلك الحكمة يقتضي إعطاء كتاب هؤلاء المقابلين لهم بشمالهم ، ولبعضهم وراء الظّهر ، حيث إنّهم أوتوا الكتاب ، أي القرآن فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلا ، فيعطون كتاب أعمالهم أيضا وراء ظهرهم.

وقد ذكر بعض المفسّرين : أنّه يكون يمينه مغلولة إلى عنقه ، وشماله خلف ظهره ، فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره. وعلى هذا المعنى فيؤتى كتابه بشماله أيضا مع زيادة خزي وهوان ، ويكون الوجه في إعطاء كتابهم إيّاهم من وراء ظهرهم هو الوجه في إعطائه إيّاهم بشمالهم. والله تعالى يعلم.

وبالجملة ، فالظّاهر أنّ الكتاب عبارة عن تلك الصّحيفة التي كتبها الكرام الكاتبون من أعمال المكلّفين ، وكلّ صغير وكبير مستطر فيه ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، ويكون للمؤمنين والسّعداء من جنس ، وللفسقة والفجّار من جنس آخر كما ذكر ، وأنّ لكلّ مكلّف كتابا كتب فيه أعماله ، وهذا مع كونه ممّا قد نطق به الشّرع لا مانع منه عقلا ، فيجب الإيمان به. كما أنّ الشّرع قد نطق بتطاير الكتب أيضا يوم القيامة على ما دلّ عليه أخبار صريحة في ذلك ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (١). على ما ذكره كثير من العلماء ، بناء على أن يكون المراد بطائر الإنسان كتاب عمله الذي يطير ، وبإلزامه في عنقه تعليقه عليه. ولا مانع منه أيضا عقلا فيجب الإيمان به. وإن كان جمع من مفسّري الخاصّة والعامّة فسّروا الطّائر بالعمل وما قدّر للعبد من الخير

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ١٣.

٢٣٦

والشّر ، كأنّه طير إليه من عشّ الغيب ووكر القدر لمّا كانوا يتيمّنون ويتشاءمون بسنوح الطائر وبروجه ، استعير لما هو سبب الخير والشّر من قدر الله وعمل العبد. وقالوا : إنّ لزومه في عنق الإنسان أنّه لازم له لزوم الطّوق في عنقه ، وأنّه سبب لزينه أو شينه كالقلادة والغلّ.

ثمّ إنّ هذا المعنى الذي ذكرنا للكتاب ، وإن كان هو الظّاهر من الشرع وذهب إليه العلماء ، إلّا أنّ بعضا منهم قد أوّله أيضا على وجه آخر.

قال البيضاويّ في قوله تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١) : «إنّ الكتاب صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله ، فإنّ الأفعال الاختياريّة تحدث في النّفس أحوالا ، ولذلك يعيد تكرّرها لها ملكات» (٢) ، انتهى.

وقال صدر الأفاضل في «الشواهد» : «الإشراق التاسع في نشر الكتب والصحائف. كلّ ما يدركه الإنسان بحواسّه يرتفع منها أثر إلى الروح ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته ، وهو كتاب منطو اليوم عن مشاهدة الأبصار ، فيكشف له بالموت ما يغيب عنه في حال الحياة ممّا كان مسطورا في كتاب لا يجلّيها إلّا لوقتها ، وقد مرّ أنّ رسوخ الهيئات وتأكّد الصّفات ، وهو المسمّى عند أهل الحكمة بالملكة ، وعند أهل النّبوة والكشف بالملك والشيطان يوجب خلود الثّواب والعقاب ...

فكلّ من فعل مثقال ذرّة من خير أو شرّ يرى أثره مكتوبا في صحيفة ذاته أو صحيفة أعلى منها ، وهو نشر الصّحائف وبسط الكتب ، فإذا حان أن يقع بصره على وجه ذاته عند كشف غطاء ورفع شواغل ما يورده هذه الحواسّ المعبّر عنه بقوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (٣) فيلتفت إلى صحيفة باطنه وصحيفة قلبه ، فمن كان في غفلة عن ذاته وحساب سرّه يقول عند ذلك : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤) ، ومنشأ ذلك كما مرّ مرارا ، أنّ الدّار الآخرة هي دار الحياة

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ١٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ٣ / ١٩٨ ، وفي لفظه : هي صحيفة عمله ... فإنّ الأعمال ... لذلك يفيد تكريرها ...

(٣) التكوير (٨١) : ١٠.

(٤) الكهف (١٨) : ٤٩.

٢٣٧

والإدراك لقوله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) (١) ، وموادّ أشخاصها هي التّأمّلات الفكريّة والتّصوّرات الوهميّة ، فيتجسّم الأخلاق والنّيّات في الآخرة يوم تبلى السّرائر ، كما يتروّح الأعمال والأفعال في الأولى ، والفعل هاهنا مقدّم على الملكة ، وهناك بالعكس ، قال سبحانه في قصّة ابن نوح عليه‌السلام (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٢) ففي الخبر : «خلق الكافر من ذمّ (ذنب) المؤمن».

وفي كلام فيثاغورس : اعلم أنّك ستعارض لك في أقوالك وأفعالك وأفكارك ، وسيظهر لك من كلّ حركة فكريّة أو قوليّة أو فعليّة صور روحانيّة أو جسمانية ، فإن كانت الحركة غضبيّة أو شهويّة ، صارت مادّة لشيطان يؤذيك في حياتك ويحجبك عن ملاحظة النّور بعد وفاتك ، وإن كانت الحركة عقليّة صارت ملكا تلتذّ بمنادمته في دنياك ، وتهتدي بنوره في أخراك إلى جوار الله وكرامته.

فإذا انقطع الإنسان عن الدّنيا وتجرّد عن مشاعر البدن ، وكشف عنه الغطاء يكون الغيب له شهادة ، والسّر علانية ، والخبر عيانا ، فيكون حديد البصر قارئا لكتاب نفسه ، بقوله تعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٣) وقوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً* اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٤) ، فمن كان من أهل السّعادة وأصحاب اليمين ، وكان معلوماته أمورا مقدّسة ، فقد أوتي كتابه بيمينه من جهة علّيّين ، إنّ كتاب الأبرار لفي علّيّين وما أدراك ما علّيّون ، كتاب مرقوم ، يشهده المقرّبون.

ومن كان من الأشقياء المردودين ، وكان معلوماته مقصورة على الجزئيّات ، فقد أوتي كتابه من جهة سجّين ، إنّ كتاب الفجّار لفي سجّين ، لكونه من المجرمين المنكوسين ،

__________________

(١) العنكبوت (٢٩) : ٦٤.

(٢) هود (١١) : ٤٦.

(٣) ق (٥٠) : ٢٢.

(٤) الإسراء (١٧) : ١٣ ـ ١٤.

٢٣٨

لقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١) ، في الحساب والميزان (٢) ، انتهى كلامه.

قال المحقّق الطّوسي رحمه‌الله فيما ينسب إليه من رسالة «المبدأ والمعاد» بهذه العبارة : «فصل هشتم در اشارت به صحائف اعمال وكرام الكاتبين ونزول ملائكه وشياطين بر نيكان وبدان».

قول وفعل ما دام كه در دو كون اصوات وحركات باشند از بقا وثبات بى نصيب بود ، وچون به كون كتابت وتصوير آيند ، باقى وثابت شوند وهركه قولى بگويد ، يا فعلى بكند اثرى از او باقى ماند ، وبه اين سبب تكرار اقتضاى اكتساب ملكه كند ، كه با وجود آن ملكه معاودت به آن قول يا آن فعل آسان بود ، واگرنه چنين بودى هيچ كس علم وصناعت نتوانستى آموخت وتأديب كودكان وتكميل ناقصان را فائده نبودى. آن اثرها كه از اقوال وافعال باشد محل آن كتابتها وتصويرها را كتاب افعال وصحيفه اعمال خوانند ، چه اقوال واعمال چون مشخص شوند كتابت باشد ، چنان كه بيان كنيم ، وكاتبان ومصوّران مكتوبات ومصوّرات كرام الكاتبين باشند. قومى كه بر يمين باشند حسنات اهل يمين نويسند ، وقومى كه بر شمال باشند سيّئات اهل شمال نويسند : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (٣). در خبر است كه هركه حسنه كند از آن حسنه فرشته در وجود آيد ، واو را مثاب دارد ، وهركه سيّئه كند از آن سيّئه شيطانى در وجود آيد ، كه او را معذّب دارد ، وخود در قرآن مى گويد : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٤).

__________________

(١) السجدة (٣٢) : ١٢.

(٢) راجع : الشواهد الربوبيّة / ٢٩٣ ـ ٢٩٥.

(٣) ق (٥٠) : ١٧.

(٤) فصّلت (٤١) : ٣٠ ـ ٣١.

٢٣٩

وبه مقابل آن : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (١).

وهمچنين (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٢).

همين است كه به عبارت اهل بينش ، ملك وشيطان هر دو يكى است.

واگرنه بقا وثبات آن ملكات بودى ، خلود ثواب وعقاب را بر اعمال كه در زمان اندك كرده باشند وجهى نبودى ، ولكن «إنّما يخلد أهل الجنّة في الجنّة وأهل النّار في النّار بالنّيّات» ، پس هركه مثقال ذره نيكى يا بدى كند ، نيكى وبدى در كتابى مكتوب ومصوّر شود ، ومؤبّد ومخلّد بماند. وچون پيش چشم دارند ، كه (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (٣) ، كسانى كه از آن غافل بوده باشند ، گويند : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) (٤).

وهمچنين در اخبار بسيار آمده است ، كه از گفتن تسبيحى يا فعل حسنه مثلا حورى بيافرينند كه در بهشت جاودانى از آن تمتع يابند. ودر ديگر جانب همچنين از سيئات گناهكاران اشخاصى بيافرينند كه سبب محنت وعقوبت قومى باشند. چنان كه در قصّه پسر نوح عليه‌السلام آمده است : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٥) ، ودر بنى اسرائيل : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ* مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٦). ودر خبر است كه : «خلق الكافر من ذنب المؤمن». وامثال آن بسيار است.

واين جمله به حكم آن باشد كه (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٧) ، پس هرچه در نظر اهل دنيا در آيد از وراء حجاب آن را غير حيوان بيند ؛ چون حجاب

__________________

(١) الشعراء (٢٦) : ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) الزخرف (٤٣) : ٣٦.

(٣) التكوير (٨١) : ١٠.

(٤) الكهف (١٨) : ٤٩.

(٥) هود (١١) : ٤٦.

(٦) الدخان (٤٤) : ٣٠ ـ ٣١.

(٧) العنكبوت (٢٩) : ٦٤.

٢٤٠