منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ٣

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ٣

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-609-7
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٢٩٢

يظهر بصورة إلياس في الأرض ، والله تعالى يعلم.

وقد حكى بعض الصوفية أنّ بعض مشايخهم وهو قضيب البان الموصليّ (١) كان يرى في زمان واحد في مجالس متعدّدة مشتغلا في كلّ مجلس بأمر غير ما في الآخر. وهذه الحكاية على تقدير صحّتها يمكن توجيهها بما ذكرنا.

ثمّ إنّك حيث عرفت بيان الشواهد على هذا المطلوب ، وتوجيه الأخبار الواردة في كيفيّة حال الروح بعد المفارقة عن البدن ، وكذا توجيه غير ذلك من الأخبار على القول بوجود عالم المثال.

فاعلم أنّ العمدة في مستند هذا القول هو الأخبار الدالّة عليه ، فلنتكلّم في دلالتها حتّى يتّضح لك ثبوت هذا العالم ، وكذا كيفيّة حالاته وأوصافه.

فنقول : إنّ دلالة تلك الأخبار التي نقلناها دلائل على ثبوت العالم المثاليّ ووجود البدن المثاليّ ، وإن كانت ظاهرة غنيّة عن البيان لدى التأمّل الصادق ، إلّا أنّا لا نبالي بالتنبيه عليه. فنقول : إنّ ما تضمّنه بعض تلك الأخبار من أنّ الأرواح في صفة الأجساد ، وأنّهم على صور أبدانهم ونحو ذلك ، ليس المراد به أنّ ذوات تلك الأرواح بأعيانها أجسام كثيفة أو لطيفة على صفة الأجساد وهيئتها وشكلها ، لأنّه مع عدم كونه مذهبا لأحد من المليّين والفلاسفة ، ينفيه ما مرّ من الدليل على تجرّد الروح وعلى كونها مغايرة للبدن بتمامه وأجزائه ، بل المراد كما هو صريح بعض الأخبار الأخر من تلك الأخبار أنّ تلك الأرواح ذوات أخر وراء الأجساد يصيّرها الله في قوالب وأجساد مثل قوالبها وأجسادها في الدنيا ، بحيث يكون لها نوع تعلّق بتلك الأجساد ، وهذا بظاهره وإن كان أعمّ من أن يكون ذلك التعلّق تعلّق التدبير والتصرّف ، أو التعلّق بوجه آخر من الحلول أو الدخول أو الانضمام أو نحو ذلك إلّا أنّ تشبيه تلك القوالب بالقوالب الدنيويّة يدلّ على أنّ ذلك التعلّق ليس سوى تعلّق التدبير والتصرّف ، فإنّ هذا كان لها مع القوالب الدنيويّة لا غير. مع أنّ القول بتجرّدها ـ كما هو الحقّ وعرفت الدليل عليه ـ ينفي ما سوى تعلّق التدبير

__________________

(١) راجع الأعلام للزركليّ ٤ / ٤٤ و ٥ / ١٩٩.

١٢١

والتصرّف.

وحينئذ نقول : إنّ ذلك القالب الذي يصيّر الله تعالى الروح فيه بعد المفارقة ظاهر أنّه ليس عين القالب العنصريّ الذي كان للروح حين التعلّق به في النشأة الدنيويّة ، لأنّه باطل بالاتّفاق ولم يقل به أحد ، حيث إنّ المفروض بطلان ذلك القالب ومفارقة الروح عنه وإعادته بعينه ، أي بأجزائه الأصليّة ، وإن كانت ممكنة كما دلّ الدليل عليه ، إلّا أنّ تلك الإعادة إنّما تكون عند قيام الساعة لا في النشأة البرزخيّة المتوسّطة بين النشأة الدنيويّة والأخرويّة.

وأيضا التشبيه بالقالب الدنيويّ كما تضمّنته تلك الأخبار ينفي كونه عين ذلك القالب الدنيويّ ، بل يدلّ على أنّه قالب آخر مثل قالبها في الدنيا.

وظاهر أيضا أنّه ليس ذلك القالب الآخر قالبا عنصريّا جماديّا أو نباتيّا أو حيوانيّا أو إنسانيّا شبيها بقالبها في الدنيا ، لأنّ كلّ ذلك متضمّن للتناسخ الذي عرفت الدليل على بطلانه كما مرّ.

ومنه يظهر أنّه ليس قالبا جسمانيا فلكيّا أيضا ، لأنّ مفسدة التناسخ لازمة على تقديره أيضا كما يقتضيه التدبّر في دليل بطلانه. مع أنّ الجرم الفلكيّ كما تقرّر عندهم غير قابل لصيرورته قالبا لروح ما ولتشكّله أشكالا مختلفة على هيئات القوالب البدنيّة العنصريّة.

وظاهر أيضا أنّ ذلك القالب ليس شيئا من جرم فلكيّ ، أو جرم إبداعيّ غير منخرق ، أو جسم عنصريّ يكون للروح الإنسانيّ تعلّق به وراء تعلّق التدبير والتصرّف ، بل بأن يكون ذلك موضوعا لتصوّرات الروح وتخيّلاتها ، فإنّ ذلك مع كونه باطلا ـ كما مرّ

الدليل عليه ـ ينفيه ظاهر تلك الأخبار الدالّة على التشبيه بالقالب الدنيويّ ، وعلى أنّ التعلّق به تعلّق التدبير والتصرّف لا غير.

وظاهر أيضا أن ليس ذلك القالب شيئا مجرّدا عن المادّة في ذاته مطلقا وأمرا عقليّا ، لأنّ المفروض كونه قالبا للروح كقالبها في الدنيا وذا هيئة وشكل مثله ، والشيء المجرّد والأمر العقليّ لا يمكن أن يكون كذلك ؛ فحيث ظهر أنّ ذلك القالب ليس أمرا مجرّدا عقليّا

١٢٢

ولا قالبا جسمانيّا عنصريّا أو فلكيّا ، ظهر أنّه من عالم آخر غير العالم الحسّيّ والعقليّ متوسّط بين العالمين ، يسمّيه القائلون به عالم المثال وعالم البرزخ ، وسيجيء شرح معنى توسّطه بينهما.

ثمّ نقول : إنّ ما تضمّنه تلك الأخبار ، من أنّ الأرواح في صفة الأجساد ، وأنّهم على صور أبدانهم ، وأنّ الروح يصيّر في قالب كقالبه في الدنيا ، حيث يدلّ على أنّ القالب المثاليّ البرزخيّ مثل القالب الدنيويّ في الصفة والصورة ، لا ينافيه ما تضمّنه بعض الأخبار التي قدّمنا ذكرها آنفا ، من أنّ الميّت يجيء لزيارة أهله بصورة طائر لطيف ، ويجلس على جدار أهله وينظر إلى أحوالهم ، فإنّه يمكن أن يكون المراد به ـ والله أعلم ـ أنّ القالب الذي أعدّه الله تعالى للأرواح وصيّرها فيه في الأصل ، إنّما هو قالب كقالبه في الدنيا في الصورة والصفة ، إلّا أنّ ذلك القالب لمّا كان قالبا مثاليّا متوسّطا بين العالمين قابلا للتشكّل بالأشكال المختلفة ، ومن جملتها شكل الطائر وصورته ، فربّما يجيء بحسب مصلحة من المصالح وبحسب مرتبته ومنزلته في صورة طائر لطيف.

ومنه يظهر أن لا منافاة بين ذلك الخبر ، وخبر يونس بن ظبيان (١) ، عن الصادق عليه‌السلام المتضمّن لقوله عليه‌السلام : «سبحان الله ، المؤمن أكرم على الله من ذلك أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر» ، لأنّ القائلين بجعله في حوصلة طائر أخضر ، لعلّهم قالوا بذلك زعما منهم أنّ الأصل فيما أعدّه الله تعالى للأرواح هو حواصل الطيور الخضر ، لا القوالب التي هي أمثال قوالبهم في الدنيا ، فردّه عليه‌السلام لذلك ، ولأنّ فيه توهّم التناسخ المحال ، وهذا لا ينافي جواز تشكّلهم بعد تعلّقهم بقوالبهم المثاليّة التي هي مثل قوالبهم في الدنيا بصورة طائر أخضر مثلا.

وكذلك لا ينافيه ما تضمّنه بعض الأخبار التي قدّمنا ذكرها في صدر الرسالة : أنّ الأرواح في حجرات ، فإنّه يمكن أن يكون المراد به ـ والله اعلم ـ أنّهم مع تعلّقهم بتلك القوالب المثاليّة يكونون في حجرات ، أي مثاليّة برزخيّة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٦٦ (في أحكام الأموات).

١٢٣

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في ذلك كما تدلّ على وجود الأبدان المثاليّة لأرواح المؤمنين ، كالأخبار التي نقلناها هاهنا ، كذلك تدلّ على وجودها لأرواح الكافرين المستضعفين والأطفال ، سواء كانوا أطفال المؤمنين أو أطفال الكفّار ، كما يظهر ذلك على من تصفّح الأخبار ، وقد نقلنا جملة منها في صدر الرسالة ، فتذكّر.

وبالجملة ، فمدلول الأخبار وجود البدن المثالي لكلّ روح انسانيّ من الأرواح بعد مفارقته عن البدن.

ثمّ إنّ ما دلّ من تلك الأخبار على أنّ أرواح المؤمنين في شجرة من الجنّة ، أو في الجنّة ، لعلّ المراد به ـ والله أعلم ـ الجنّة المثاليّة والشجرة المثاليّة ، لا أصل الجنّة الموعودة وشجرتها ، كما سنوضّح ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

كما أنّ ما دلّ منها على أنّ أرواح المؤمنين في بستان في المغرب في شاطئ الفرات يأكلون من ثماره ، وأرواح الكفّار في نار في المشرق أحرّ من نار الدنيا ، وهم فيها يأكلون من زقّومها ويشربون من حميمها ، لعلّ المراد بتلك الثمار في ذلك البستان الثمار المثاليّة ، والبستان المثاليّ ، وبتلك النار النار المثاليّة وكذا الزقّوم والحميم.

ولا منافاة بين ما دلّ على أنّ أرواح المؤمنين في الجنّة أو في شجرة من الجنّة ، وما دلّ على أنّ أرواحهم في وادي السلام ، أي ظهر الكوفة يعني النجف الأشرف ، الذي هو وادي السلامة ، وورد في بعض الأخبار أنّه بقعة من جنّة عدن ، وما دلّ على أنّهم في بستان في جانب المغرب على شاطئ الفرات ، لأنّه يمكن أن يكون كلّ تلك الأمكنة مساكن لهم ، فيكونون تارة في هذا وتارة في ذاك ، وتارة في ذلك ، حيث لا مانع منه ، وخصوصا في الأبدان المثاليّة.

مع أنّه يمكن حمل بعض تلك الأماكن على بعض بحيث يؤول إلى أمر واحد ، فتدبّر.

كما أنّه لا منافاة بين ما دلّ على أنّ أرواح الكفّار في نار في المشرق ، وبين ما دلّ على أنّهم في وادي برهوت ، وهو واد في اليمن ، لما ذكرنا من الوجه أيضا ، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

ثمّ إنّك حيث عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ تلك الأخبار الواردة الدالّة على وجود أصل

١٢٤

تلك القوالب المثاليّة ، مع دلالتها على ذلك ، تدلّ أيضا على أحوالها وصفاتها وكيفيّاتها ، وأنّها ممّا ينتفي عنها بعض لوازم الجسميّة ، ويثبت لها بعض لوازمها الأخر ، وأنّ اللوازم المثبتة ما ذا؟ والمنفيّة ما هي؟ ويستفاد منها معنى كون العالم المثاليّ متوسّطا بين العالمين ليس في كثافة الماديّات ولا في لطافة المجرّدات.

وبيان ذلك أنّ ما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ الأرواح في النشأة البرزخيّة على صفة الأجساد ، وأنّهم على صور أبدانهم ، وأنّهم في قوالب مثل قوالبهم الدنيويّة ، يدلّ على أنّ القالب المثاليّ ثابت له الشكل والهيئة والصورة والوضع وأمثال ذلك ممّا هو كان ثابتا للبدن العنصريّ مشابها له ، وكلّها من لوازم الجسميّة ، وهذا ظاهر.

بل إنّه ربّما يشعر ذلك من جهة إشعاره بأنّ لكلّ روح قالبا مثاليّا مناسبا له في الصفات كما في النشأة الدنيويّة ، بأنّ تلك القوالب المثاليّة بعضها نورانيّة كما للسعداء ، وبعضها ظلمانيّة كما للأشقياء ، وهذا موافق لما ذكره القائلون بوجود هذا العالم من الحكماء أيضا حيث قالوا : بأنّ الأشباح الموجودة في هذا العالم ذوات أوضاع مقداريّة ، منها ظلمانيّة يتعذّب بها الأشقياء ، وهي صور زرق مكروهة يتألّم النفوس بمشاهدتها ، ومنها مستنيرة يتنعّم بها السعداء ، وهي صور حسنة بهيّة بيض كأمثال اللؤلؤ المكنون ، وما ذكروه يعمّ الأشباح الموجودة في ذلك العالم مطلقا ، سواء كانت أشباحا هي قوالب الأرواح ، أو أشباحا أخر هي صور الأعمال قرينة للأرواح. وقد دلّ عليه ما نقله الشيخ البهائيّ (ره) عنهم أيضا كما نقلناه سابقا ، ولا امتناع في أن يكون لها مقدار ووضع وشكل مع عدم ثبوت جسميّة لها ، ولذلك يتمثّلون في ذلك بالصور المرئيّة في المرآة ، ويقولون أنّها كوّة مفتوحة إلى عالم المثال.

وكذلك ما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ الأرواح في ضمن تلك القوالب المثاليّة البرزخيّة يجلسون حلقا حلقا على صور أبدانهم العنصريّة الدنيويّة ويتحدّثون ويتنعّمون بالأكل والشرب ، وأنّهم ربّما يكونون في الهواء بين الأرض والسماء يتعارفون في الجوّ ويتلاقون ، وأنّهم ربّما يجيئون لزيارة أهلهم ويذهبون وينظرون إلى أحوال أهلهم ، فربّما يفرحون ويسرّون ، وربّما يكرهون ويغتمّون ، وأنّهم إن رأوا عملا صالحا منهم شكروا ، وإن

١٢٥

رأوا عملا سيّئا اغتمّوا وتألّموا ، ونحو ذلك من الحالات الواردة في شأنهم في ذلك العالم ، يدلّ على أمور :

منها أنّ لتلك الأبدان المثاليّة حواسّا ظاهرة وباطنة ، وكذا للنفس فيه آلات مثاليّة ، كما كانت لها في النشأة الدنيويّة آلات بدنيّة جسمانيّة ، وبالجملة قوى مدركة حيوانيّة وآلات مثاليّة ، تدرك تلك الأرواح في ضمن تلك القوالب بتوسّط تلك القوى وبتلك الآلات المثالية إدراكات جزئيّة ملائمة أو غير ملائمة ، فتلتذّ لذّة بدنيّة ، أو تتألّم ألما بدنيّا ، كما كانت تدرك في النشأة الدنيويّة بتوسّط القوى والآلات البدنيّة ، مضافا إلى ما هو ثابت لتلك الأرواح بالقياس إلى ذواتها المجرّدة الباقية من القوة العقليّة التي بها تدرك المعقولات ، فتلتذّ لذّة عقليّة أو تتألّم ألما عقليّا. وهذا نظير ما قاله الحكماء من أنّ للنفوس المنطبعة الفلكيّة إدراكات جزئيّة مضافا إلى الإدراكات الكلّيّة للنفوس المجرّدة المتعلّقة بها ، مع كون أجسام الأفلاك وأجرامها لطيفة غير كثيفة ، فاللطافة لا تمنع أن تكون لها قوى مدركة جزئيّة ، وآلات لذلك لطيفة.

ومنها : أنّ في ذلك العالم أصواتا وطعوما وروائح ونحوها من مدركات الحواس ، وإن كانت هي مثلا قائمة بذواتها لا أعراضا ، أو كانت أعراضا قائمة بمثل قائمة بذواتها لا كالأعراض الموجودة في العالم الحسّيّ القائمة بالأجسام ، وكذلك فيه مأكولات ومشروبات هي غذاء الأرواح في ذلك العالم.

ومنها : أنّ للأرواح في ضمن تلك القوالب حركات وسكنات في الأين ، بل في الكيف أيضا ، وإن كانت الأينيّة منها في ذلك العالم ليست مثل الأينيّة منها في العالم الحسّيّ. وبذلك ، وكذا بما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ لهم فيه أكلا وشربا وشوقا إليهما ، وتنعّما بهما ، وكذا كراهة وسرورا ، يظهر أنّ لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب قوى محرّكة حيوانيّة فاعلة للحركة ، وكذا باعثة عليها من الشوقيّة الشهوانيّة ، بل الغضبيّة أيضا. حيث إنّ النفس التي لها القوة المحرّكة الشوقيّة لا تخلو عن قوّة غضبيّة أيضا.

وإنّ ما ورد من سرورهم وكراهتهم كما يدلّ على ثبوت القوّة الشوقيّة لهم ، كذلك يدلّ على ثبوت القوّة الغضبيّة لهم ، حيث إنّ تلك الكراهة أعمّ من الكراهة النفسانيّة ومن

١٢٦

الكراهة البدنيّة التي هي الغضب.

وبذلك يظهر أنّ لتلك الأرواح في ذلك العالم جميع القوى الحيوانيّة ، مدركة كانت أم محرّكة ، فاعلة للحركة أم باعثة عليها ، مضافا إلى ما كان ثابتا لها بالقياس إلى ذواتها الباقية من القوى العقليّة النظريّة والعمليّة والعلوم والملكات.

وهذا بيان جملة من لوازم الجسميّة التي يستفاد من تلك الأخبار ثبوتها لتلك القوالب المثاليّة ولذلك العالم. ويستفاد منه أيضا أنّ اللوازم الأخر الجسمانيّة منتفية عنها وعن ذلك العالم ، وذلك على وجوه :

الأوّل : أنّه لو كانت كلّ اللوازم الجسمانيّة ثابتة لها لكانت هي قوالب جسمانيّة عنصريّة أو فلكيّة ، وهذا خلاف المفروض.

والثاني : أنّه حيث تضمّنت تلك الأخبار لثبوت ما بيّنّا ثبوتها لها مع السكوت عن ثبوت اللوازم الأخر الجسمانيّة ، فتدلّ بفحاويها على انتفائها عنها ، إذ لو كانت هي أيضا ثابتة لها ، لكان ينبغي أن يكون في تلك الأخبار دلالة عليها أو إشعار بها ، وإذ ليس فليس.

لا يقال : إنّ ما تضمّنته تلك الأخبار ، من أنّ لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب أكلا وشربا ربّما يشعر ، بل يدلّ على أنّ لها قوى نباتيّة أيضا ، إذ الأكل والشرب لا يكونان إلّا بها.

لأنّا نقول : إنّ القوى النباتيّة لا تكون إلّا لجسم له تغذية وتنمية وتوليد ، ولا يظهر من تلك الأخبار أنّ هذه الأفعال الثلاثة ثابتة لتلك القوالب حتّى يثبت لها القوى النباتيّة. بل الظاهر منها أنّ فيها دلالة على خلاف ذلك ، كما سنشير إليه.

وحينئذ نقول : إنّ ما دلّ على الأكل والشرب لا يدلّ على أكثر من أنّ لها قوّة شوقيّة وشهوانيّة من القوى الحيوانيّة ، وقد ذكرنا أنّ القوّة الحيوانيّة ثابتة لها ، بل ربّما يدّعى أنّ فيه إشعارا ، بأنّ لذّة الأكل والشرب التي في ذلك العالم لذّة حقيقيّة ، ليست مثل اللّذة التي في العالم الدنيويّ حيث إنّها في النشأة الدنيويّة إنّما هي رفع ألم الجوع والعطش اللذين هما مع التحلّل البدنيّ ، ليكون المأكول والمشروب بدلين عمّا يتحلّل من البدن ، وأمّا هي في ذلك العالم فليست كذلك ، حيث إنّ التحلّل البدنيّ لا يكون فيه حتّى يقارنه ألم جوع أو

١٢٧

عطش ويحتاج إلى بدل ما يتحلّل ، بل هي لذّة حقيقيّة. وأمّا أنّ التحلّل البدنيّ لا يكون فيه فسنشير إليه.

الثالث : أنّ تلك الأخبار حيث تدلّ بفحاويها على أنّ تلك القوالب المثاليّة لطيفة في الغاية ، روحانيّة جدّا ، باقية دائمة كائنة على صفة الأجساد الدنيويّة دائما لا تتطرّق إليها شائبة تغيّر أو تبدّل أو زوال أو نحوها ، وبالجملة الحالات التي هي من جهة المادّة الجسمانيّة ، فتدلّ على أنّ كلّ اللوازم الجسمانيّة التي هي من جهة المادّة منتفية عن تلك القوالب وعن ذلك العالم ، فيظهر منه أنّه ينتفي عنها ما في العالم الحسّيّ من صفات البسائط العنصريّة والاسطقسّات كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والثقل والخفّة وأمثال ذلك. وكذا صفات المركّبات منها من المعدنيّات وغيرها. وكذا صفات النبات وأفعالها ، من الجذب والإمساك والهضم والدفع والتصوير والتشكيل والتخليق والإنماء والتوليد والتحلّل ونحو ذلك.

وبذلك يظهر أن ليس لها قوى نباتيّة ، وأنّ الأكل والشرب الواردين في الأخبار ليسا ليكونا بدلين عمّا يتحلّل. وأنّ لذّتهما في ذلك العالم لذّة حقيقيّة ليست مثل ما في النشأة الحسّيّة. وكذا ينتفي عنها الصفات التي للأفلاك من جهة موادّها التي هي متغيّرة في حدّ ذاتها ، مع أنّ بعض ما تضمّنته تلك الأخبار من الحالات التي لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب كالأكل والشرب والحركة الأينيّة ونحوها ، ينفي أيضا كونها أجراما فلكيّة ، إذ ليس لها ذلك.

وما فصّلناه جملة من أحوال هذا العالم استفدناها من تلك الأخبار بحسب فهمنا القاصر.

وبه يظهر وجه تسمية هذا العالم بعالم المثال من جهة كونه مماثلا للعالم المحسوس الجسمانيّ المادّيّ في كثير من الصفات واللوازم ، وإن كان مغايرا له في بعض آخر.

وكذا يظهر وجه كون هذا العالم عالما متوسّطا بين العالم الحسّيّ والعقليّ من جهة أنّه ليس في كثافة المادّيّات ولا في لطافة المجرّدات ، وأنّه ينتفي عنه بعض لوازم الجسميّة ويثبت لها بعض آخر منها. وهذا مطابق أيضا لما قال به الحكماء القائلون بهذا العالم كما

١٢٨

يظهر على من تصفّح كلامهم في ذلك ، إلّا أنّهم زادوا على ذلك ، وقالوا : إنّ المحسوسات بالحواسّ من الأجسام والأعراض ثابتة في هذا العالم ، قائمة بذاتها.

وإنّ كلّ ما في عالمنا هذا من الأفلاك والكواكب والعناصر والمركّبات والأرض والبرّ والبحر والإنسان والحيوان والجماد والمعادن والنبات والحركات وسائر الأعراض إلى غير ذلك من الموجودات ، موجود في العالم المثاليّ إلّا أنّها إليه ألطف وأحسن وأشرف وأفضل ممّا في عالمنا ، لقربها من المبدأ الأوّل.

وإنّ العالم المثاليّ عالم عظيم الفسحة لا ضيق فيه ، لأنّ الضيق إنّما يكون في الأمكنة والأبعاد الهيولانيّة. والصور هناك قائمة بنفسها لا تحتاج إلى مادّة ، فلا تحتاج إلى مكان ، لأنّ المكان إنّما يحتاج إليه ذو المادّة فلا يزاحم على مادّة ولا مكان ولا محل ، بل إنّ ما في العالم العقليّ من المجرّدات والمفارقات والعقول ، لها أشباح ومظاهر مثالية أيضا موجودة في العالم المثاليّ ، يظهر تلك المجرّدات في عالمنا هذا بحسب ما يقتضيه المصلحة والحال في ضمن تلك المظاهر والأشباح اللطيفة في الغاية القابلة للتشكّل بأشكال مختلفة على أشكال وصور مختلفة ، فقد تشاهد أحيانا وتغيب وتحضر بصورة أخرى كالبرق الخاطف ، فيتوهّم الرائي أنّها انقلبت وليس كذلك.

وإنّ العالم المثاليّ له طبقات كثيرة لا يحصيها إلّا الباري تعالى ، وكلّ طبقة منه فيها أشخاص غير متناهية ، وهذه الطبقات منها نورانيّة ملذّة ، هي طبقات الجنان بعضها أشرف وأفضل وأنور ، وبعضها دون ذلك ، ومنها طبقات مظلمة موحشة مؤلمة هي طبقات الجحيم متفاوتة أيضا في شدّة الظلمة والوحشة ، فالطبقة الفاضلة متاخمة لعالم العقل ، فهي في أفقه ، والطبقة السافلة متاخمة لعالم الحسّيّ ، فهي في أفقه ، وباقي الطبقات التي لا تحصى كثرتها محصورة بين هاتين الطبقتين ، وكلّ طبقة منها يسكنها قوم من الملائكة والجنّ والشياطين لا يتناهى عددهم.

وإنّ هذا العالم المثاليّ لا تتناهى عجائبه ، ولا يمكن إدراك غرائبه في العالم الدنيويّ الظلمانيّ ، بل لا يحيط بحقائقه إلّا الله تعالى ومقرّبو حضرته.

وإنّ هذا العالم عالم مقداريّ ، غير العالم الحسّيّ وغير العالم العقليّ والنفسيّ ، فيه

١٢٩

مدن لا تحصى ، من جملة ذلك ما سمّاه الشارع جابرصا وجابلقا ، وهما مدينتان من مدائنه ، لكلّ واحدة منها ألف باب لا يحصى ما فيها من الخلائق ، وأعظم تلك المدائن هورقليا التي هي مدينة مثاليّة فلكيّة ، فيها مثل الأفلاك وما فيها ، إلى غير ذلك من الأقوال التي قالوا بها ونسبوا القول بها إلى أساطين الحكمة ، كأفلاطون ومن قبله كسقراط وفيثاغورس وانباذقلس وغيرهم ، بل إلى الأنبياء عليه‌السلام أيضا ، وادّعوا أنّ أرباب الكشف منهم وصلوا إلى هذا العالم وأحواله ، وشاهدوه بكثرة الرياضات وخلع نواسيت الأبدان. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

في وجه تسمية العالم المثاليّ والبرزخيّ بالعالم المتوسّط

بين العالمين ، وكذا في وجه تسمية النشأة الدنيويّة

بالعالم الحسّيّ والنشأة الأخرويّة بالعالم العقليّ

فإن قلت : قد ظهر ممّا قد قرّرت وجه كون العالم المثاليّ متوسّطا بين العالم الحسّيّ والعالم العقليّ ، فما وجه ما يقال إنّ ما بعد الموت إلى قيام القيامة عالم البرزخ؟ قلت : معنى البرزخ الحاجز بين الشيئين والمتوسّط بينهما ، وهذا العالم لا يخفى أنّه بحسب الوجود في الخارج والزمان متوسّط بين النشأة الدنيويّة والأخرويّة ، حاجز بينهما ، وكذا بحسب المرتبة متوسّط بين العالم الحسيّ والعالم العقليّ ، حيث إنّ موجودات هذا العالم من جنس موجودات العالم المثاليّ ، وقد عرفت أنّه متوسّط بينهما.

فإن قلت : ما معنى ما يقال : إنّ النشأة الدنيويّة عالم حسّيّ والنشأة الأخرويّة عالم عقليّ؟ كما هو مذكور في كلام كثير منهم ، مع أنّ في كلّ من النشأتين محسوسا ومعقولا تدرك النفس محسوساتها بالحواس ومعقولاتها بذاتها وبالقوّة العقليّة ، أمّا النشأة الدنيويّة فظاهر وجودهما فيها ، وأمّا النشأة الأخرويّة فحيث نقول بالمعاد الجسمانيّ وبوجود الأجسام فيها ، وكذا بوجود المعقولات فيها ، وبإدراك النفس للقسمين جميعا حيث نقول باللذّات الحسّيّة والعقليّة فيها.

١٣٠

قلت : يمكن أن يكون معنى ذلك أنّ النشأة الدنيويّة عالم مشاهد محسوس ، والنشأة الأخرويّة عالم معقول ، حيث إنّ وجود النشأة الدنيويّة يدرك بالمشاهدة والعيان ، وأنّ النشأة الأخروية يدرك بأخبار الأنبياء عليه‌السلام ، وبالدلائل العقليّة ، وهذا كما أنّهم قالوا : إنّ النشأة الدنيويّة عالم الشهادة ، والنشأة الأخرويّة عالم الغيب ، إلّا أنّ هذا الوجه إنّما يستقيم بالقياس إلى من في هذه النشأة الدنيويّة فقط.

وكذلك يمكن إطلاق العالم العقليّ وعالم المعقول بهذا المعنى على النشأة البرزخيّة أيضا ، حيث إنّ وجودها أيضا ليس بمشاهد ، بل هو معلوم لنا بأخبار الأنبياء عليه‌السلام وبالدلائل العقليّة.

وكذلك يمكن أن يكون معنى ذلك ، أنّه وإن كان في كلتا النشأتين محسوسا ومعقولا يدركهما النفس ، إلّا أنّ السلطنة والغلبة في النشأة الدنيويّة إنّما هي للحسّ ، والعقل مغلوب له ، حيث إنّ انغماس النفس في الغواشي البدنيّة ، شغلها وألهاها عن إدراك المعقولات كما هو حقّه ، إلّا أن تكون النفس قد خلعت ربقة الغواشي البدنيّة عن عنقها ، وأمّا في النشأة الأخرويّة فالسلطان إنّما هو العقل ، حيث إنّه ليس بمنغمر في تلك الغواشي ، وإنّ الحواسّ الظاهرة والباطنة والآلات البدنيّة العنصريّة وإن كانت موجودة لها في الآخرة ـ حيث نقول بمعاد البدن العنصريّ الأوّليّ ـ إلّا أنّها لا تلهيها ولا تشغلها عن أفعالها الذاتيّة العقليّة أصلا ، كما كانت تلهيها وتغفلها عن ذلك في النشأة الدنيويّة.

والحاصل أنّ النشأة الأخرويّة عكس النشأة الدنيويّة ، وكما كانت السلطنة في الدنيويّة للحسّ ، ولذلك سمّيت بالعالم الحسّيّ ، كذلك تكون السلطنة في الأخرويّة للعقل ، وبذلك يسمّى عالما عقليّا.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه يستقيم بالقياس إلى من في النشأتين جميعا.

وأنّه به يمكن أن يستفاد وجه آخر ، لكون ما بعد الموت إلى قيام الساعة عالما برزخيّا متوسّطا بهذا المعنى بين العالمين ، أي الحسّيّ والعقليّ ، حيث إنّ ذلك العالم لما كان عالما مثاليّا ، وكان محسوساتها بصور مثاليّة تدركها النفس بالحواسّ والآلات البدنيّة المثاليّة ، وكذلك كان هناك معقولات تدركها النفس بقوّتها العقليّة ، ولم تكن هناك مزاحمة

١٣١

بين الحسّ والعقل ، بل كان يفعل كلّ منهما فعله كما هو حقّه. مع أنّه ليس هناك شيء من شأنه أن يشغل العقل عن فعله ، حيث إنّ الشاغل إنّما هو الآلات البدنيّة العنصريّة ، لا الآلات المثاليّة ، فبذلك يسمّى عالما متوسّطا بين العالمين.

وبالجملة ، ففي النشأة الأخرويّة السلطان للعقل ، حيث إنّه مع وجود ما من شأنه أن يكون معارضا له ومزاحما إيّاه ، وهو القوى البدنيّة العنصريّة ، يظهر أفعاله على الوجه الأتمّ ، وفي النشأة الدنيويّة السلطان للحسّ ، حيث إنّه يلهي العقل عن فعله. وأمّا في النشأة البرزخيّة فلا سلطان لأحدهما على الآخر ، والحسّ يفعل فعله كما هو حقّه ، وكذلك العقل يفعل فعله كما هو حقّه ، من دون أن يكون هناك شيئا من شأنه أن يغلبه ، وهو القوى الحسّيّة البدنيّة العنصريّة ، إذ ليست هي هناك ، والقوى الحسّيّة المثاليّة ليست من شأنها أن تغلبه وتعارضه ، فهي بهذا الاعتبار عالم متوسّط بين العالمين.

وكذلك يمكن أن يكون وجه ذلك أنّ كثيرا من مستلذّات الآخرة لمّا كانت توجد بلا مادّة ومدّة ، بل بمحض التصوّر والاشتهاء ، وبإذن الله تعالى كما دلّ عليه كثير من الآيات والأخبار ، كانت مشابهة للأمور العقليّة والمجرّدات عن المادّة ، حيث إنّها أيضا توجد بلا مادّة ومدّة ، بخلاف الموجودات الدنيويّة ، حيث إنّها توجد مع مادّة ومدّة ، فلذلك سمّيت الآخرة بالعالم العقليّ ، والدنيا بالعالم الحسّيّ ، ويطابقه ما قالوه من أنّ الدنيا عالم الخلق ، والآخرة عالم الأمر.

أو أنّ مستلذّات عالم الآخرة من المحسوسات ، وإن كانت لها مادّة جسمانيّة أيضا ، إلّا أنّها لمّا كانت لطيفة في الغاية ، صافية جدا ، وكانت النفس لقوّتها في إدراكها وشدّة تجريدها ، تصل إلى غورها وتسري في جواهرها ، حتّى كأنّها هي بلا فصل ، كما في إدراك العقل للمعقولات ، وليس إدراكها لها هنالك بملاقاة السطوح كما في النشأة الدنيويّة ، سمّيت الآخرة بالعالم العقليّ ، حيث إنّ إدراك النفس لمحسوساتها أيضا شبيه بإدراك العقل للمعقولات ، وسمّيت الدنيا بالعالم الحسّيّ حيث إنّ إدراكها لمحسوساتها ليس على جهة إدراكها لمعقولاتها ولا مشابها له.

أو أنّ موجودات عالم الآخرة من المستلذّات وإن كانت جسمانيّة أيضا ، لطيفة في

١٣٢

الغاية فوق اللطافة التي هي للأجسام الكائنة في الدنيا عنصريّاتها وفلكيّاتها ، قريبة من اللطافة التي للعقليّات ، كأنّها في أفق العالم العقليّ.

أو أنّ موجودات عالم الآخرة بأسرها لمّا كانت باقية غير داثرة ، وإن كانت جسمانيّة أيضا كبقاء الأمور العقليّة والمجرّدات عن المادّة ، ولم يكن للجسمانيّات منها مادّة قابلة للتغيّر والزوال والكون والفساد ، وكمادة الجسمانيّات في الدنيا ، حيث إنّها قابلة للفناء ، كان عالم الآخرة عالما عقليّا ، حيث إنّ العقليّات منها غير قابلة للفناء وكذا الجسمانيّات ، بخلاف عالم الدنيا ، حيث إنّ الجسمانيّات منها قابلة لذلك. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

في أن القول بالأجساد المثاليّة في النشأة البرزخيّة ممّا لا مانع منه من

جهة النقل والعقل ، بل إنّه ممّا يؤيّده العقل

ثمّ إنّك إذا تحقّقت ما بيّناه وفصّلناه ، وتبيّنت أنّ الشرع الشريف القويم يدلّ على انتقال الأرواح بعد الموت إلى الأجساد المثاليّة التي عرفت صفاتها وحالاتها ، فاعلم أنّ القول به ممّا لا مانع عنه مطلقا ، لا من جهة الشرع ولا من جهة العقل ، بل إنّ العقل ربّما يؤيّده.

أمّا بيان التأييد ، فحيث ظهر ممّا أسلفنا لك أنّ النفس الإنسانيّة لمّا كانت بدنيّة في أفعالها ، محتاجة إلى الآلات البدنيّة في إدراكاتها الجزئيّة ، التي لا ينفكّ عنها في حال من الأحوال ، فتحتاج البتّة بعد المفارقة أيضا إلى بدن ما تتعلّق هي به وتتصرّف فيه تصرّف التدبير ، وتجعله آلة لأفعالها وإدراكاتها ، وظاهر أنّ ذلك البدن ليس هو البدن الأوّل العنصريّ ، لكون المفروض مفارقتها عنه ولم يعد بعد ، ولا بدنا آخر جسمانيّا عنصريّا أو فلكيّا ، لما ظهر من بطلانه ، ولا أمرا عقليّا لبطلانه أيضا كما سبق ، فلا بدّ أن يكون بدنا آخر من جنس عالم آخر متوسّط بين التجسّم الماديّ والتجرّد العقليّ ، أي البدن البرزخيّ المثاليّ ، وفيه المطلوب.

١٣٣

وكما أنّ الأخبار الواردة في ذلك دالّة على وجود البدن المثاليّ لكلّ روح من الأرواح على ما عرفت بيانه ، كذلك هذا الدليل أيضا يدلّ عليه ، حيث إنّ احتياج النفس الإنسانيّة إلى بدن غير مختصّ بنفس دون نفس ، بل يعمّ الكلّ ، أي نفوس الكاملين وغير الكاملين والسعداء والأشقياء والمتوسّطين والبله والصبيان والمجانين ، إذ نفوس الكلّ باقية بعد خراب أبدانهم ، كما عرفت الدليل عليه فيما سلف.

وقد دلّ الدليل المذكور على أنّ النفس الباقية بعد فناء بدنها العنصريّ تحتاج إلى بدن مثاليّ ، وفيه المطلوب.

وأمّا بيان عدم المانع عنه ، فلأن ذلك المانع ، إمّا من جهة الشرع ، وظاهر انتفاؤه ، وإمّا من جهة العقل ، وليس يتصوّر هنا مانع عنه من جهة إلّا توهم لزوم التناسخ المستحيل ، وهو منتف هنا. وبيان الانتفاء أنّك قد عرفت فيما قرّرنا دلائل إبطال التناسخ أنّ العمدة والأصل في بطلانه أحد أمور ثلاثة :

أحدها : أنّ النفس المستنسخة إذا قلنا بجواز تعلّقها ببدن آخر ، يكون ذلك البدن لاستعداده لحدوث تعلّق نفس به مناسبة له مستعدّا لحدوث نفس له غير النفس المستنسخة ، فإذا جاز تعلّق تلك النفس الأخرى به ، مع فرض جواز تعلّق المستنسخة أيضا به ، لزم جواز أن يتعلّق به نفسان ، وهذا محال كما مرّ بيانه.

والثاني : أنّه إذا جاز التناسخ وتعلّق النفس المستنسخة ببدن آخر غير الأوّل ، لزم أن ينقلب فعليّتها التي حصلت لها في ضمن البدن الأوّل إلى القوّة التي كانت لها أوّلا في ضمن البدن الآخر ، وانقلاب الفعليّة إلى القوّة والاستعداد المحض محال.

والثالث : أنّه يلزم منه جواز تعلّق نفس واحدة بأكثر من بدن واحد تعلّق التدبير والتصرّف.

ولا يخفى أنّ هذه المحالات لا تلزم على تقدير القول بالانتقال إلى البدن المثاليّ أصلا ، لأنّ البدن المثاليّ حيث إنّه ليس من جنس البدن الجسمانيّ ، وليس له مادّة جسمانيّة ، فليس له قوّة ولا استعداد لشيء لأنّ ذلك من توابع المادّة الجسمانيّة ، وإذا لم يكن له قوّة واستعداد كما للجسمانيّات ، فلا يلزم أن يكون مستعدّا لحدوث نفس أخرى ،

١٣٤

حتّى إذا تعلّقت به النفس المستنسخة لزم أن يجوز أن يتعلّق به نفسان.

ولا أن يكون إذا تعلّق به نفس لزم أن تكون تلك النفس في ضمنه بالقوّة ، حتّى يلزم انقلاب الفعليّة إلى القوّة ، بل يمكن أن يكون النفس باقية في ضمنه أيضا على فعليّتها الأوّلية الحاصلة لها في ضمن البدن العنصريّ كائنة كما كانت.

وكذلك حيث كان البدن المثاليّ ظلّا وشبحا للبدن العنصريّ وموجودا بالعرض بوجوده ، لا يلزم منه تعلّق النفس الواحدة تعلّق التدبير والتصرّف ببدنين متغايرين بالذات منفصلين بالحقيقة موجودين كلّ منهما بوجود منفرد ، فلا يلزم منه محال ، لأنّ المحال إنّما هو تعلّقها ببدنين منفصلين موجودين كلّ منهما بوجود على حدة بالذات.

فإن قلت : كيف يجتمع القول بعدم مادّة لذلك البدن المثاليّ مع القول بحدوثه؟ كما هو ظاهر بعض تلك الأخبار المذكورة ، مع أنّ المقرّر عند الحكماء أنّ كلّ حادث فمسبوق بمادّة.

قلت : إنّ القول بمسبوقيّة كلّ حادث بمادّة ، وإن كان ممّا قالته الحكماء ، إلّا أنّه ليس عليه دليل قطعيّ ، بل إنّ الدليل على حدوث العالم بجملته ـ كما هو إجماعيّ أهل الملل والأديان ، على ما قرّرناه في رسالة «حدوث العالم» ـ ينفي ذلك القول ، فإنّ هذا القول يستلزم القول بقدم العالم ، ولا أقلّ من قدم المادّة زمانا ، ومقتضى حدوث العالم بجملته حدوثا زمانيّا أو دهريّا كما قرّرناه هناك حدوث المادّة أيضا كذلك ، لأنّها من أجزاء العالم. بل نقول :

إنّه يمكن حدوث الحادث بمحض العلم بالأصلح والعناية الأزليّة المقتضية لحدوثه ، والمرجّحة لتخصّصه بزمان دون زمان ، سواء كان ذلك الحادث مجرّدا عن المادّة أو مادّيّا أو متوسّطا بينهما ، وحدوث البدن المثاليّ على تقدير القول به لعلّه من هذا القبيل ، حيث يجوز أن يكون اقتضى العلم بالأصلح حدوثه وتعلّق النفس به ، كيلا تكون معطّلة من جهة إدراكاتها البدنيّة. وأمّا تخصّص كلّ نفس ببدن مثاليّ ، فلعلّه كان وجهه مناسبة ما بين تلك النفس وذلك البدن المثاليّ المناسب لها من حيث صفاتها وحالاتها الموافق للبدن الأوّل العنصريّ في بعض الصفات والهيئات والحالات ، وإن لم نكن نعلم تلك المناسبة على

١٣٥

التحقيق.

وهذا على تقدير تسليم كون البدن المثاليّ مغايرا بالذات وبالوجود للبدن العنصريّ ، وأمّا على تقدير كونه ظلّا وشبحا للبدن العنصريّ كما هو التحقيق ، وموجودا بوجوده بالعرض ، سواء قلنا بحدوثه بحدوث البدن العنصريّ ، مقارنا له كما دلّت عليه كثير من الشواهد المتقدّمة ، وبوجوده بالعرض بوجود البدن العنصريّ ، أو قلنا بحدوثه بعد خراب البدن ، وكون وجوده بالعرض بوجود الأجزاء الأصليّة من البدن الأصليّ وظلّا وشبحا لها ، فلا يرد السؤال قطعا ، لأنّ اللازم على هذا التقدير حدوث البدن المثاليّ بحدوث البدن العنصريّ المسبوق بالمادة أو بعده بتبعيّته ، وكذا وجوده بالعرض بوجود البدن الأصليّ أو الأجزاء الأصليّة منه بالذات ، ولا محذور فيه.

وهذا كما يقولون : إنّ لوازم الماهيّات غير مجعولة بجعل على حدة ، بل إنّ هناك جعلا واحدا يتعلّق بالذات بالماهيّة وبالعرض بلازمها ، وإنّهما موجودان بوجود واحد حاصل للماهيّة بالذات وللازمها بالعرض.

وبوجه آخر ، أنّ ذلك الذي ذكرت ، إنّما هو على تقدير القول بحدوث المثاليّ بعد مفارقة النفس عن البدن العنصريّ ، وذلك ليس بثابت ، بل إنّ بعض الشواهد التي ذكرناها شاهدة على وجود البدن المثاليّ ربّما تشهد بأنّ البدن المثاليّ كان حاصلا للنفس حين تعلّقها بالبدن العنصريّ أيضا.

ويمكن حمل الأخبار الأخر عليه أيضا كما أشرنا إليه.

وعلى هذا ، فلا يرد ما ذكرت أصلا ، بل إنّه على تقديره يكون عدم ورود مفسدة التناسخ أظهر ، لأنّ ذلك البدن المثاليّ حيث كان موجودا للنفس قبل المفارقة أيضا ، كان بدنا أصليا لها كالبدن العنصريّ ، إلّا أنّه كان أوّلا معه مقارنا له بهيئته ، وثانيا منفردا عنه مقارنا للأجزاء الأصليّة منه ، والبدن الأصليّ للنفس لا يكون فيه استعداد لنفس أخرى غيرها ، حتّى يلزم جواز اجتماع نفسين في بدن واحد ، وكذلك لا تصير النفس المتعلّقة به بالقوّة من جهة كمالاتها ، حتّى يلزم انقلاب ما بالفعل إلى ما بالقوة ، بل تكون بالفعل في كمالاتها كما كانت أوّلا ، وكذلك لا يلزم تعلّق نفس واحدة ببدنين منفصلين متغايرين

١٣٦

بالذات والوجود ، لما عرفت. وهذا هو المعتمد أيضا في دفع مفاسد القول بالتناسخ ، على تقدير انتقال النفس يوم القيامة إلى البدن الجسمانيّ العنصريّ الذي هو عين البدن الأوّل العنصريّ بحسب الأجزاء الأصليّة وكثير من الصفات والحالات وإن كان مغايرا له بحسب الأجزاء الفضليّة وبعض الصفات على ما سنحقّقه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وبالجملة ، فينبغي أن يكون التعويل في دفع لزوم مفاسد التناسخ ، على القول بانتقال الأرواح إلى الأجساد المثاليّة على ما ذكرنا ، لو قلنا بامتناع التناسخ عقلا ، كما قرّرنا الدليل العقليّ على امتناعه سابقا ، سواء قلنا بامتناعه سمعا أيضا أم لم نقل ، وإن كان يمكن دفع لزوم مفاسده عن هذا القول ، على تقدير القول بامتناع التناسخ سمعا أيضا ، بما تضمّنه كلام ذلك البعض من المتبحّرين ، ككلام الشيخ البهائيّ الذي نقله هو عنه كما نقلنا كلاميهما.

كلام مع الشيخ البهائيّ والعلّامة المجلسيّ

وحاصل الدفع أنّ العمدة في بطلان التناسخ هو إجماع المسلمين وضرورة الدين ، وهذا الإجماع وهذه الضرورة إنّما تحققا في بطلان التناسخ بالمعنى الذي قال به التناسخيّة ، وهو انتقال الروح من بدن عنصريّ إلى بدن آخر جسمانيّ عنصري أو فلكيّ ، لا إلى بدن مثاليّ أيضا ، فإنّه لو انعقد الإجماع أو تحقّقت الضرورة في نفي هذا أيضا لما قال به كثير به من المسلمين كشيخنا المفيد (ره) وغيره من علمائنا المتكلّمين المحدّثين.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه أيضا وجه جيد ، لو ثبت ذلك الادّعاء ، إلّا أنّ في كلاميهما نظرا من جهة أخرى ، وهو أنّ ما تضمّناه من أنّ التناسخ لم يتمّ دليل عقليّ على امتناعه منظور فيه ، كيف وقد عرفت فيما سبق قيام الدليل العقليّ عليه ، وعلى تقديره! فيبقى السؤال عن أنّ المحال العقليّ الذي يلزم على تقدير انتقال الروح إلى البدن الجسمانيّ غير البدن الأوّل كما يراه التناسخيّة ، هل يلزم على تقدير انتقال الروح إلى البدن المثاليّ أم لا؟ وعلى تقدير عدم اللزوم فوجهه ما ذا؟ بل ربّما يقال إنّ المحذور ليس هو لزوم إطلاق

١٣٧

التناسخ ، حتّى يجاب بأنّ الشرع جوّز هذا النحو من التناسخ ومنع غيره ، بل الإشكال إنّما هو لزوم المحذور اللازم للتناسخ ، كما ذكروه في بيان استحالته من استيجاب كون بدن واحد ذا نفسين ، وكون نفس واحدة ذات بدنين منفصلين متغايرين بالذات ، أو انقلاب الفعليّة قوّة ، وهذا لازم في الظاهر على تقدير الانتقال إلى البدن المثاليّ أيضا كما في صورة الانتقال إلى البدن الجسمانيّ ، فينبغي دفع لزوم هذا اللازم فيما نحن فيه.

وأيضا فما تضمّنه كلامه الشيخ البهائيّ (ره) من عود الأرواح عند قيام القيامة الكبرى إلى أبدانها الأوّليّة بإذن مبدعها ، إمّا بجمع أجزائها المتشتّتة ، أو بإيجادها من كتم العدم يشعر بتجويزه إعادة المعدوم ، وقد عرفت امتناعها عقلا.

وأيضا ، فما تضمّنه كلامه من أنّه ليس إنكارنا على التناسخيّة حكمنا بتكفيرهم بمجرّد قولهم بانتقال الروح من بدن إلى بدن آخر ، فإنّ المعاد الجسمانيّ كذلك عند كثير من أهل الإسلام ، بل بقولهم بقدم النفوس وتردّدها في أجسام هذا العالم وإنكارهم المعاد الجسمانيّ في النشأة الأخرويّة محلّ تأمّل ، لأنّ بطلان التناسخ إذا انعقد إجماع المسلمين عليه ، وكان ضروريّا في الدين ، ينبغي الحكم بكفرهم بمجرّد ذلك مطلقا. سواء قالوا بقدم النفس أم قالوا به ، وإن كان القول بقدم النفس وإنكار المعاد الجسمانيّ منشئا للحكم بكفرهم أيضا لو كانوا قائلين بذلك ومنكرين لذاك ، وليس يظهر أنّ ما انعقد الإجماع على بطلانه ـ وبطلانه ضروريّ في الدين ـ هو القول بالتناسخ بالمعنى المتنازع فيه ، الذي كان مع القول بقدم النفوس ومع الإنكار للمعاد الجسمانيّ ، بل الظاهر إنّه القول بهذا التناسخ مطلقا.

كما أنّه ليس يظهر من الشرع أنّ المعاد الجسمانيّ هو عود الروح إلى بدن آخر غير الأوّل مطلقا ، كما أسند هو القول به إلى كثير من أهل الإسلام ، بل الظاهر من الشرع وكذا من كلمات أكثر أهل الإسلام كما هو التحقيق ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه ، هو عود الروح الباقي بذاته إلى البدن الأوّل بعينه من جهة أجزائه الأصليّة الباقية ، وإن كان مغايرا للبدن الأوّل من جهة الأجزاء الفضليّة ، وأنّ المعاد يوم القيامة هو ذلك الشخص بعينه نفسا وبدنا ، والله أعلم بالصواب.

١٣٨

في ثبوت السعادة والشقاوة في عالم البرزخ

ثمّ إنّه حيث انجرّ الكلام إلى هذا المقام ، فلنرجع إلى ما كنّا بصدده من المرام ، فنقول: إنّ الشرع كما نطق بوجود قالب مثاليّ لكلّ روح من الأرواح ، وعرفت أنّه ممّا يؤيّده العقل أيضا ، كذلك دلّ على أنّ للأرواح في ذلك العالم المثاليّ ـ أي في عالم البرزخ ـ سعادة وشقاوة بدنيّتين ، ولذّة وألما حسّيّين ، وقد وردت بذلك أخبار لا تحصى ، كما لا يخفى على من تتبّعها ، ويؤيّده العقل أيضا ، حيث إنّ البدن المثاليّ إذا كان له قوى وحواسّ بدنيّة ، كما دلّت تلك الأخبار عليه ، وجب أن يكون من شأن الروح المتعلّقة به إدراك المحسوسات فتلتذّ به أو تتألّم على وفق حالها ومرتبتها ، وإلّا فيكون وجود تلك القوى والحواسّ معطّلا.

وبالجملة ، فيجب أن يكون لها في ضمنه لذّة حسّيّة أو ألم حسّيّ ، مضافا إلى السعادة والشقاوة العقليّتين اللتين هما لها بالقياس إلى ذاتها ، وقد دلّ الدليل العقليّ على وجودهما لها بحسب حالها ، ولم ينكره الشرع أيضا ، كما عرفت بيان ذلك فيما تقدّم.

وكذلك قد دلّ على أنّ اللذّة الحسّيّة والألم الحسّيّ في عالم البرزخ أعظم شأنا وأشدّ تأثيرا منهما في العالم الدنيويّ ، كما وردت به أخبار كثيرة أيضا.

وقد ورد أيضا تشبيه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرؤيا وما يشاهد فيها ، وهذا أيضا مطابق للعقل ، حيث إنّا نجد من أنفسنا أنّ المحلوم به أعظم شأنا في بابه من المحسوس الدنيويّ ، وكأنّ وجهه قلّة العوائق وتجرّد النفس وصفاء القابل ونحو ذلك ممّا له مدخل في كون اللّذة أعظم والألم أشدّ.

في تجسّم الأعمال

وكذلك قد ورد الشرع بما يدلّ على تجسيم الأعمال ، وذلك أيضا أكثر من أن يحصى:

١٣٩

قال تعالى : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) (١).

(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ). (٢)

(بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ). (٣)

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً). (٤)

وفي الحديث : «الذين يشربون في آنية الفضّة إنّما يخرج من بطونهم نار جهنّم» (٥).

وفيه أيضا : «الجنّة قيعان غراسها سبحان الله وبحمده». (٦)

وفيه أيضا : «إنّما هي أعمالهم ردّت إليهم». (٧)

وفيه أيضا : «إذا دخل وقت كلّ فريضة نادى ملك من السماء : أيّها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم». (٨)

وفيه أيضا : «ما من عبد منع من زكاته شيئا ، إلّا كان ذلك الذي منعه ثعبانا من نار يكون طوقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ الناس من الحساب». (٩)

وفيه أيضا : «إنّ العبد إذا كان في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله ، فيلتفت إلى ماله فيقول : والله إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا ، فما ذا عندك؟ فيقول : خذ منّي كفنك ، فيلتفت إلى ولده فيقول : والله إنّي كنت لكم محبّا ، وإنّي كنت عليكم لمحاميا ، فما ذا عندكم؟ فيقولون : نؤدّيك إلى حفرتك ونواريك فيها ، فيلتفت إلى عمله فيقول : والله إنّك كنت عليّ ثقيلا وإنّي كنت فيك زاهدا. فما ذا عندك؟ فيقول : أنا

__________________

(١) الكهف (١٨) : ٤٩.

(٢) آل عمران (٣) : ١٨٠.

(٣) البقرة (٢) : ٨١.

(٤) النساء (٤) : ١٠.

(٥) عوالي اللئالي ٢ / ٢١١ ؛ المستدرك ٢ / ٥٩٨.

(٦) علم اليقين ٢ / ٨٨٤ طبع قم.

(٧) نفس المصدر.

(٨) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٠٨.

(٩) الكافي ٣ / ٥٠٢.

١٤٠