منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ٢

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ٢

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-341-1
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٣٥٦

تمهيد في أنّ النفس الناطقة الإنسانيّة جوهر مجرّد عن المادّة

وحيث عرفت هذه الجملة على الإجمال ، فحريّ بنا أن نبيّن أنّ هذه النفس المستعدّة لقبول المعقولات بالعقل الهيولانيّ وما بعده من المراتب ليست بجسم ولا جسمانيّ ، وبالجملة ليست بذي وضع ، بل أنّها جوهر مجرّد عن المادّة وعن توابعها ، قائم بذاته. ولمّا كان بيان هذا المقصود على الوجه الذي نرومه هنا ، مبنيّا على أنّ النفس الإنسانيّة تدرك المعاني الكلّيّة والمعقولات المجرّدة عن المادّة ، فتكون هي أيضا مجرّدة عنها كمدركاتها المجرّدة ، وكان هذا موقوفا على بيان مقدّمات :

منها أنّها مدركة للمعاني الكلّيّة والمعقولات ، وهذه قد مضى بيانها ، حيث عرفت أنّ أخصّ الخواصّ بالإنسان إدراك المعاني الكلّيّة والمعقولات.

ومنها أنّ تلك المعاني مجرّدة عن المادّة.

ومنها أنّ إدراك النفس لها على أيّ وجه وما معناه؟

ومنها أنّه بأيّ سبب وجهة يكون إدراك المجرّدات مستلزما لتجرّد ما يدركها؟

وهذه المقدّمات لم تتبيّن بعد ، فلنبيّنها حتّى يتّضح المقصود. فلنتكلّم أولا في بيان أصناف الإدراكات التي للإنسان ، وفي إدراك المعاني الكلّيّة ، وفي تجرّد تلك المعاني والمعقولات عن المادّة.

نقل كلام وتنقيح مرام

فنقول : قال الشيخ فى طبيعيات الشفاء هكذا (١) : «فصل في تحقيق أصناف الإدراكات التي لنا ، فلنتكلّم الآن في القوى الحاسّة والمدركة (٢) ، ولنتكلّم فيها كلاما كلّيّا فنقول : يشبه أن يكون كلّ إدراك إنّما هو أخذ صورة المدرك بنحو من الأنحاء ، فإن كان الإدراك إدراكا لشيء مادّيّ ، فهو أخذ صورته مجرّدة عن المادّة تجريدا ما ، إلّا أنّ أصناف التجريد

__________________

(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٥٠ ، الفصل الثاني من المقالة الثانية من الفنّ السادس.

(٢) في المصدر : الدرّاكة.

١٦١

مختلفة ومراتبها متفاوتة.

فإنّ الصورة المادّيّة يعرض (١) لها بسبب المادّة أحوال وأمور ليست هي (٢) لذاتها ـ من جهة ما هي ـ تلك الصورة ، فتارة يكون النزع عن المادّة نزعا مع تلك العلائق كلّها أو بعضها ، وتارة يكون النزع نزعا كاملا ، وذلك بأن يجرّد الشيء عن المادّة وعن اللواحق التي لها (٣) من المادّة ، مثاله : أنّ الصّورة الإنسانيّة والماهيّة (٤) الإنسانيّة طبيعة لا محالة تشترك فيها أشخاص النوع كلّها بالسويّة ، وهي يحدّها (٥) شيء واحد ، وقد عرض لها أن وجدت في هذا التشخّص (٦) فتكثّرت ، وليس لها ذلك من جهة طبيعتها الإنسانيّة ، ولو كانت (٧) للطبيعة الإنسانيّة ما يجب فيها التكثّر ، لما كان يوجد إنسانا (٨) محمولا على واحد بالعدد. ولو كانت الإنسانيّة موجودة لزيد لأجل أنّها إنسانيّة (٩) ، لما كان لعمرو. فإذن أخذ (١٠) العوارض التي تعرض للإنسانيّة من جهة المادّة (١١) هي هذا النوع من التكثّر والانقسام ، ويعرض لها أيضا (١٢) هذه من العوارض ، وهو أنّها إذا كانت في مادّة (١٣) ، حصلت بقدر من الكمّ والكيف والوضع والأين ، وجميع هذه امور غريبة عن طبائعها ، وذلك لأنّه لو كانت الإنسانيّة على هذا الحدّ ، وحدّ آخر من الكمّ والكيف والأين والوضع لأجل أنّها إنسانيّة ، لكان يجب أن يكون كلّ إنسان مشاركا للآخر في تلك المعاني ، ولو كانت لأجل الإنسانيّة على حدّ آخر وجهة اخرى من الكمّ والكيف والأين والوضع ، لكان كلّ إنسان (١٤) أن يشترك فيه ، فإنّ (١٥) الصورة الإنسانيّة بذاتها غير مستوجبة أن يلحقها شيء من هذه اللواحق العارضة لها ، بل من جهة المادّة ، لأنّ المادّة التي تقارنها تكون قد لحقتها هذه اللواحق. فالحسّ يأخذ الصورة عن المادّة مع هذه اللواحق ومع وقوع نسبة بينها وبين المادّة ، إذا زالت تلك النسبة بطل ذلك الأخذ ، وذلك لأنّه لا ينزع الصورة عن المادّة مع جميع لواحقها ، ولا يمكنه أن يستثبت بتلك (١٦) الصورة إن غابت المادّة ، فيكون كأنّه لم ينزع (١٧) الصورة عن المادّة نزعا محكما ، بل يحتاج إلى وجود المادّة أيضا في أن تكون

__________________

(١) في المصدر : تعرض ...

(٢) ليست هي لها بذاتها ... المعنى ...

(٣) له من جهة المادة ...

(٤) الماهيّة ...

(٥) بحدّها ...

(٦) هذا الشخص وذلك الشخص فتكثّرت ...

(٧) ولو كان ...

(٨) إنسان ...

(٩) إنسانيّته ، لما كانت ...

(١٠) أجد ...

(١١) هي ...

(١٢) أيضا غير هذا من ...

(١٣) مادّة ما ...

(١٤) إنسان يجب أن ...

(١٥) فإذن الصورة ...

(١٦) تلك ...

(١٧) لم ينتزع الصورة إن غابت المادة ، فيكون كأنّه لم ينتزع الصورة.

١٦٢

تلك الصورة موجودة لها.

وأمّا الخيال والتخيّل فإنّه تبرّي (٣) الصورة المنزوعة عن المادّة تبرئة أشدّ ، وذلك لأنّه يأخذها عن المادّة بحيث لا يحتاج (٤) في وجودها فيها إلى وجود مادّتها ، لأنّ المادّة ، وإن غابت عن الحسّ أو بطلت ، فإنّ الصورة تكون ثابتة الوجود في الخيال ، فيكون أخذه (١) إيّاها قاصما للعلاقة بينها وبين المادّة قصما تامّا ، إلّا أنّ الخيال لا يكون قد جرّدها عن اللواحق المادّيّة ، فالحسّ لم يجرّدها عن المادّة تجريدا تامّا ، ولا جرّدها عن لواحق المادّة (٥) ، لأنّ الصّورة التي في الخيال هي حسب (٦) الصورة المحسوسة وعلى تقدير ما وتكيّف (٧) ما ووضع ، وليس يمكن في الخيال البتّة أن يتخيّل (٨) صورة هي بحال يمكن أن يشترك فيه (٩) جميع أشخاص ذلك النوع ، فإنّ الإنسان المتخيّل يكون كواحد من الناس ، ويجوز أن يكون ناس موجودين متخيّلين (١٠) ليسوا على نحو (١١) تخيّل ذلك الانسان.

وأمّا الوهم ، فإنّه قد يتعدّى قليلا هذه المرتبة في التجريد ، لأنّه (١٢) لا ينال المعاني التي ليست هي في ذاتها بمادّية ، وأن عرض لها أن تكون في مادّة. وذلك لأنّ الشكل والكون والوضع وما أشبه ذلك ، امور لا يمكن أن تكون إلّا بموادّ جسمانيّة.

وأمّا الخير والشرّ والموافق والمخالف وما أشبه ذلك ، فهي امور في أنفسها غير مادّيّة ، وقد يعرض لها أن تكون مادّيّة.

والدليل على أنّ هذه الامور غير مادّيّة ، أنّ هذه الامور لو كانت بالذات مادّيّة ، لما كان يعقل خير أو شرّ أو موافق (١٣) أو مخالف ، إلّا عارضا لجسم ، وقد يعقل ذلك ، بل يوجد.

فبيّن أنّ هذه الامور في (١٤) أنفسها غير مادّيّة ، وقد عرض لها أن كانت مادّيّة ، والوهم ربما (٢) ينال أو يدرك أمثال هذه الامور ، فإذن الوهم قد يدرك امورا غير مادّيّة ويأخذها

__________________

(١) أخذها خ ل.

(٣) في المصدر : يبرئ ...

(٤) تحتاج ...

(٥) لواحق المادة. وأمّا الخيال فإنّه قد جرّدها عن المادّة تجريدا تامّا ، ولكن لم يجرّدها البتّة عن لواحق المادّة ، لأنّ الصورة ...

(٦) على حسب ...

(٧) تكييف ما ووضع ما ...

(٨) تتخيّل ...

(٩) فيها ...

(١٠) ومتخيّلين ...

(١١) نحو ما يتخيّل خيال ذلك ...

(١٢) لأنّه ينال ...

(١٣) موافق ومخالف ...

(١٤) هي في أنفسها.

(٢) إنّما خ ل.

١٦٣

عن المادّة ، كما يدرك (٣) أيضا معان غير محسوسة وإن كانت مادّيّة ، فهذا النزع إذن أشدّ استقصاء وأقرب إلى البساطة من النزعين الأوّلين ، إلّا أنّه مع ذلك لا يجرّد هذه الصورة عن لواحق المادّة ، لأنّه يأخذها جزئيّة وبحسب مادّة مادّة ، وبالقياس إليها ، ومعلّقة (٤) بصورة محسوسة ، مكفوفة (٥) بلواحق المادّة وبما يشاركه (١) الخيال فيها.

وأمّا القوّة التي تكون الصور (٦) المثبتة فيها ، إمّا صور موجودات ليست بمادّيّة البتّة ولا عرض لها أن تكون مادّيّة ، أو صور موجودات مادّيّة ، لكن (٧) مبرّاة عن علائق المادّة من كلّ وجه ، فبيّن أنّها تدرك الصور بأن تأخذها أخذا مجرّدا عن المادّة من كلّ وجه.

أمّا (٨) ما هو متجرّد بذاته عن المادّة ، فالأمر فيه ظاهر ، وأمّا ما هو موجود للمادّة ، إمّا لأنّ وجودها مادّيّ ، وإمّا عارض له ذلك ، فتنزعها (٩) عن المادّة وعن لواحق المادّة معه (١٠) ، فيأخذه (٢) (١١) أخذا مجرّدا حتّى يكون مثل الإنسان الذي يقال على كثيرين ، وحتّى يكون قد أخذ الكثير طبيعة واحدة ، ويفرزه (١٢) عن كلّ كمّ وكيف وأين ووضع مادّيّ ، ولو لم يجرّده (١٣) عن ذلك ، لما صلح أن يقال على الجميع. فبهذا يفترق إدراك الحاكم الحسّيّ ، وإدراك الحاكم الخيالي ، وإدراك الحاكم الوهميّ ، وإدراك الحاكم العقليّ ، وإلى هذا المعنى نسوق (١٤) الكلام في هذا الفصل.

فنقول : إنّ الحاسّ في قوّته أن يصير مثل المحسوس بالفعل ، إذ كان الإحساس هو قبول صورة الشيء مجرّدة عن مادّته فيتصوّر بها الحاسّ ، فالمبصر هو مثل البصر (١٥) بالقوّة ، وكذلك الملموس والمطعوم وغير ذلك ، والمحسوس الأوّل بالحقيقة هو الذي ارتسم (١٦) في آلة الحسّ وإيّاه يدرك ، ويشبه أن يكون إذا قيل : أحسست الشيء الخارجيّ كان معناه غير معنى أحسست في النفس ؛ فإنّ معنى قوله : أحسست الشيء الخارجيّ ، أنّ صورته تمثّلت في حسّي. ومعنى أحسست في النفس ، أنّ الصورة نفسها تمثّلت في

__________________

(١) وبمشاركة خ ل.

(٢) فيأخذها خ ل.

(٣) في المصدر : ويدرك ...

(٤) متعلّقة ...

(٥) مكنوفة ...

(٦) الصورة ...

(٧) ولكن ...

(٨) فأمّا ما ...

(٩) فتنزعه ...

(١٠) معها ،

(١١) وتأخذه ...

(١٢) وتفرزه ...

(١٣) لم تجرّده ...

(١٤) كنّا نسوق ...

(١٥) المبصر ...

(١٦) يرتسم.

١٦٤

نفسي (٢). فلهذا يصعب إثبات وجود الكيفيّات المحسوسة في الأجسام. لكنّا نعلم يقينا أنّ جسمين وأحدهما يتأثّر عنه الحسّ شيئا ، والآخر لا يتأثّر عنه ذلك الشيء أنّه مختصّ في ذاته بكيفيّة هي مبدأ حالة (٣) الحاسّة دون الآخر». انتهى موضع الحاجة من كلامه (١).

وقال فى الإشارات هكذا : «إشارة : إدراك (٤) الشيء هو أن يكون حقيقة متمثّلة عند المدرك ، يشاهدها ما به يدرك ، فإمّا أن يكون (٥) تلك الحقيقة نفس حقيقة الشيء الخارج عن المدرك إذا أدرك ، فيكون حقيقته (٦) ما لا وجود له في الأعيان الخارجة ، مثل كثير من الأشكال الهندسيّة ، بل كثير من المفروضات التي لا يمكن (٧) إذا فرضت في الهندسة ممّا لا يتحقّق أصلا ، ويكون (٨) مثال حقيقته مرتسما في ذات المدرك غير مباين له ، وهو الثاني (٩)».

تنبيه : «الشيء قد يكون محسوسا عند ما يشاهد ، ثمّ يكون متخيّلا عند غيبته بتمثّل صورته في الباطن ، كزيد الذي أبصرته ـ مثلا ـ اذا غاب عنك فخيّلته (١٠) ؛ وقد يكون معقولا عند ما يتصوّر من زيد ـ مثلا ـ معنى الإنسان الموجود أيضا لغيره ، وهو عند ما يكون محسوسا يكون قد غشيته غواش غريبة عن ماهيّته (١١) لو أزيلت عنه لم تؤثّر في كنه ماهيّته (١٢) ، مثل أين ، ووضع ، وكيف ، ومقدار بعينه. ولو توهّم بدله غيره لم تؤثّر في حقيقة ماهيّة (١٣) إنسانيّته.

والحسّ يناله من حيث هو مغمور في هذه العوارض التي تتوجّه (١٤) بحسب المادّة التي خلق منها ، لا يجرّده عنها ولا يناله إلّا بعلاقة وضعيّة بين حسّه ومادّته ، ولذلك لا يتمثّل في الحسّ الظاهر صورته إذا زال.

وأمّا الخيال الباطن فيتخيّله (١٥) مع تلك العوارض لا يقدر (١٦) على تجريده المطلق عنها ، لكنّه يجرّده عن تلك العلاقة المذكورة التي تعلّق بها الحسّ ، فهو يتمثّل صورته مع

__________________

(١) الاشارات ٢ / ٣٠٨ ـ ٣٢٧.

(٢) في المصدر : في حسّي ...

(٣) وإحالة ...

(٤) درك الشيء هو أن تكون حقيقة ...

(٥) تكون ...

(٦) حقيقة ما لا وجود له الفعل في الأعيان ...

(٧) لا تمكن ...

(٨) أو يكون ...

(٩) وهو الباقي ...

(١٠) فتخيّلته ...

(١١) عن ماهيّته ...

(١٢) كنه ماهيّته ...

(١٣) حقيقة ماهيّة ...

(١٤) تلحقه ...

(١٥) فتخيّله ...

(١٦) لا تقتدر.

١٦٥

غيبوبة حاملها.

وأمّا العقل فيقتدر على تجريد الماهيّة (٢) المكفوفة باللواحق الغريبة المشخّصة إيّاها ، حتّى كأنّه عمل بالمحسوس عملا جعله معقولا». «وأمّا ما هو في ذاته بريء عن الشوائب المادّية واللواحق الغريبة التي لا تلزم ماهيّته (٣) عن ماهيّته ، فهو معقول لذاته ، ليس يحتاج إلى عمل يعمل به يعدّه لأن يعقله ما من شأنه أن يعقله ، بل لعلّه في (٤) جانب من شأنه أن يعقله». ـ انتهى كلامه ـ وقال في إلهيات الشفاء هكذا : (١)

فصل في العلم وأنّه عرض

وأمّا العلم فإنّ فيه شبهة ، وذلك لأنّ لقائل أن يقول أنّ العلم هو المكتسب من صور الموجودات مجرّدة عن موادّها ، وهي صور جواهر وأعراض ، فإن كانت صور الأعراض أعراضا ، فصور الجواهر كيف تكون أعراضا؟ فإنّ الجوهر لذاته جوهر ، فماهيّته (٥) لا تكون في موضوع البتّة ، وماهيّته (٦) محفوظة ، سواء نسبت إلى إدراك العقل لها ، أو نسبت إلى الوجود الخارجيّ. فنقول : إنّ ماهيّة (٧) الجوهر ، بمعنى أنّه الموجود في الأعيان لا في موضوع ، وهذا الصفة موجودة لماهيّة (٨) الجواهر المعقولة ، فإنّها ماهيّة (٩) شأنها أن تكون موجودة فى الأعيان (١٠) ، أي أنّ هذه الماهيّة (١١) هي معقولة عن أمر وجوده في الأعيان أن يكون لا في موضوع. وأمّا وجوده في العقل بهذه الصفة ، فليس ذلك في حدّه من حيث هو جوهر ، أي ليس حدّ الجوهر أنّه في العقل لا في موضوع ، بل حدّه أنّه سواء كان في العقل أو لم يكن ، فإنّ وجوده في الأعيان ليس في موضوع.

فإن قيل : فالعقل أيضا من الأعيان. قيل : يراد بالعين التي إذا حصل فيها الجوهر صدرت عنه أفاعيله وأحكامه ، والحركة كذلك ماهيّتها (١٢) أنّها كمال ما بالقوّة ، وليست في

__________________

(١) الشفاء ـ الإلهيّات / ١٤٠ ـ ١٤٤.

(٢) في المصدر : تجريد الماهيّة ...

(٣) لا تلزم ماهيّته عن ماهيّته ...

(٤) لعله من جانب ما من شأنه ...

(٥) فماهيّته جوهر لا تكون ...

(٦) وماهيّته ...

(٧) إنّ ماهيّة ...

(٨) لماهيّة ...

(٩) ماهيّة شأنها ...

(١٠) الأعيان لا في موضوع ...

(١١) هذه الماهيّة ...

(١٢) ماهيّتها أنّها.

١٦٦

العقل حركة بهذه الصفة ، حتّى يكون في العقل كمال ما بالقوّة من جهة كذا ، حتّى تصير ماهيّتها (١) محركة للعقل ، لأنّ معنى كون ماهيّتها (٢) على هذه الصفة هو أنّها ماهيّة (٣) تكون في الأعيان كمالا لما بالقوّة ، وإذا عقلت ، فإنّ هذه الماهيّة (٤) تكون أيضا بهذه الصفة ، فإنّها في العقل ماهيّة (٥) تكون في الأعيان كمال (٦) لما بالقوّة ، فليس يختلف كونها في الأعيان وكونها في العقل ، فإنّه فى كليهما على حكم واحد ، فإنّه في كليهما ماهيّة (٧) توجد في الأعيان كمالا لما بالقوّة. فلو كنّا قلنا : إنّ الحركة ماهيّة (٨) تكون كمالا بالقوّة (٩) في الأين ـ مثلا ـ لكلّ شيء يوجد (١٠) فيه ، ثمّ وجدت في النفس لا كذلك ، لكانت الحقيقة تختلف. وهذا كقول القائل : إنّ حجر المغناطيس حقيقته أنّه حجر يجذب الحديد ، فإذا وجد مقارنا لجسميّة كفّ الإنسان ولم يجذبه ، ووجد مقارنا لجسميّة حديد ما فجذبه ، فلم يجب أن يقال : إنّه مختلف بالحقيقة في الكفّ وفي الحديد ، بل هو (١١) كلّ واحد منهما بصفة واحدة ، وهو أنّه حجر من شأنه أن يجذب الحديد. فإنّه إذا كان في الكفّ أيضا ، كان بهذه الصفة ، وإذا كان عند الحديد أيضا ، كان بتلك الصفة. فكذلك حال ماهيّات (١٢) الأشياء في العقل (١٣) أيضا بهذه الصفة ، وليس اذا كانت في العقل في موضوع ، فقد بطل أن يكون (١٤) في العقل ماهيّة ما في الأعيان ليست فى موضوع.

فإن قيل : قد قلتم إنّ الجوهر هو (١٥) ماهيّة لا تكون في موضوع أصلا ، وقد صيّرتم ماهيّة (١٦) المعلومات في موضوع.

فنقول : قد قلنا : إنّه لا يكون في موضوع (١٧) أصلا.

فإن قيل : فقد (١٨) جعلتم ماهيّة الجوهر أنّها تارة تكون عرضا وتارة جوهرا ، وقد منعتم هذا.

فنقول : إنّا منعنا أيضا أن يكون (١٩) ماهيّة شيء توجد في الأعيان مرّة عرضا ، ومرّة

__________________

(١) في المصدر : تصير ماهيّتها ...

(٢) كون ماهيّتها ...

(٣) أنّها ماهيّة ...

(٤) هذه الماهيّة ...

(٥) ماهيّة تكون ...

(٦) كمال ما بالقوّة ، ليس يختلف ...

(٧) ماهيّة توجد ...

(٨) ماهيّة ...

(٩) لما بالقوّة ...

(١٠) توجد فيه ...

(١١) بل هو في كلّ ...

(١٢) ماهيّات ...

(١٣) العقل ، والحركة في العقل أيضا بهذه الصفة ...

(١٤) تكون في العقل ليست ماهيّة ما في ...

(١٥) هو ما ماهيّته ...

(١٦) ماهيّة المعلومات ...

(١٧) موضوع في الأعيان أصلا ...

(١٨) قد جعلتم ماهيّة ...

(١٩) تكون ماهيّة.

١٦٧

اخرى جوهرا حتّى تكون في الأعيان تحتاج إلى موضوع ما ، وفيها لا تحتاج إلى موضوع البتّة ، ولم نمنع أن يكون معقولة (٢) تلك الماهيّة تصير عرضا ، أي (٣) أن تكون موجودة في النفس لا كجزء.

ولقائل أن يقول : فماهيّة (٤) العقل الفعّال والجواهر المفارقة أيضا كذا يكون حالها ، حتّى يكون المعقول منها عرضا ، لكنّ المعقول منها لا يخالفها ، لأنّها لذاتها معقولة.

فنقول : ليس الأمر كذلك ، فإنّ معنى قولنا : إنّها لذاتها معقولة (١) ، هو أنّها تعقل ذاتها ، وإن لم يعقلها غيرها ، وأيضا (٥) أنّها مجرّدة عن المادّة وعلائقها لذاتها ، لا بتجريد يحتاج أن يتولّاه العقل. وأمّا إن قلنا (٦) هذا المعقول منها يكون من كلّ وجه هي أو مثلها ، وقلنا (٧) : إنّه ليس يحتاج إلى وجود المعقول منها ، إلّا أن توجد ذاتها في النفس ، فقد أحلنا. فإنّ ذاتها مفارقة ، ولا تصير نفسها صورة لنفس إنسان ، ولو صارت لكانت تلك النفس قد حصل (٨) فيها صورة الكلّ وعلمت كلّ شيء بالفعل ، ولكانت تصير كذلك لنفس واحدة ، وتبقى النفوس الاخرى ليس لها الشيء الذي تعقله ، إذ قد استبدّ بها نفس ما ، والذي يقال : إنّ شيئا واحدا بالعدد يكون صورة لموادّ كثيرة ، لا بأن يؤثّر فيها ، بل بأن يكون هو بعينه (٩) منطبعا ، أي انفرد في تلك المادّة وفي اخرى وأخرى ، فهو محال يعلم بأدنى تأمّل. وقد أشرنا إلى الحال (١٠) ، وذلك عند كلامنا في النفس ، وسنحوج (١١) من بعد إلى خوض في إبانة ذلك.

فإذن تلك الأشياء إنّما تحصل في القوى (١٢) البشريّة معاني ماهيّاتها (١٣) لا ذواتها ، ويكون حكمها كحكم سائر المعقولات من الجواهر ، إلّا في شيء واحد ، وهو أنّ (١٤) تلك الجواهر تحتاج إلى تقشيرات حتى يتجرّد منها تعقّل (١٥) ، وهذا أي الذوات العقليّة لا يحتاج إلى شيء غير (١٦) أن يوجد المعنى (١٧) من غير تقشير ، كما هو ، فينطبع بها النفس. وهذا (١٨) الذي قلناه إنّما

__________________

(١) معنى معقول خ ل.

(٢) في المصدر : معقول تلك الماهيّات يصير ...

(٣) أي تكون موجودة ...

(٤) فماهيّة ...

(٥) وأنّها أيضا ...

(٦) قلنا إنّ هذا ...

(٧) أو قلنا ...

(٨) حصلت فيها ...

(٩) بعينه منطبعا في تلك المادّة ...

(١٠) الحال في ذلك ...

(١١) وسنخرج ...

(١٢) في العقول ...

(١٣) ماهيّاتها ...

(١٤) أن تلك تحتاج الى تفسيرات ...

(١٥) منها معنى يعقل ...

(١٦) وهذا لا يحتاج الى شيء غير ...

(١٧) المعنى كما هو ، فتنطبع به النفس ...

(١٨) فهذا.

١٦٨

هو نقض حجّة المحتجّ ، وليس فيه إثبات ما يذهب (٤) إليه. فنقول : إنّ هذه المعقولات سنبيّن من أمرها بعد ، أنّ ما كان من الصور الطبيعيّة والتعليمات (١) ، فليس يجوز أن يقوم مفارقا بذاته ، بل يجب أن يكون في عقل أو في نفس ، وما كان من أشياء مفارقة ، فنفس وجود تلك المفارقات مباينة لنا ليس هو علمنا (٥) بها ، بل يجب أن نتأثّر عنها فيكون ما نتأثّر (٦) عنها هو علمنا بها ، وكذلك (٧) لو كانت صورا مفارقة وتعليمات (١) مفارقة ، فإنّما يكون علمنا بها ما يحصل لنا منها ، ولم تكن أنفسها توجد لنا منتقلة إلينا ، فقد بيّنّا بطلان هذا في مواضع. بل الموجود لنا منها هي الآثار الحاكية (٣) لها لا محالة ، وهي علمنا ذلك (٨) إمّا أن يحصل لنا في أبداننا او نفوسنا (٩) ، وقد بيّنا استحالة حصول ذلك فى أبداننا فبقي (١٠) أنّها تحصل في نفوسنا ، ولأنّها آثار في النفس ، لا ذوات تلك الأشياء ولا أمثال لتلك الأشياء (١١) ، أمثلة قائمة لا في موادّ بدنيّة أو نفسانيّة ، فيكون ما لا موضوع له يتكثّر نوعه بلا سبب يتعلّق به بوجه ، فهي أعراض في النفس». انتهى كلامه.

وأقول : لا يخفى عليك أنّ فيما نقلناه عن الشيخ في الكتابين غنية وكفاية في بيان ما رمنا هنا بيانه ، إلّا أنّك إن اشتهيت زيادة إيضاح المقام بحيث ينقشع عن بصيرتك سحاب الارتياب في هذا المرام ، وينكشف عن قلبك أغشية المرية والاوهام ، فاستمع لما يتلى عليك من الكلام.

فنقول : كما أنّ للوجود معنيين :

أحدهما معنى مصدريّ انتزاعيّ يعبّر عنه في العربيّة ب «الكون والحصول» ، وفي الفارسية ب «بودن».

والآخر ما به يصير الشيء موجودا ، وبه يصحّ انتزاع ذلك المعنى الأوّل الانتزاعيّ عنه.

__________________

(١) التعلميّات خ ل.

(٣) المحاكية خ ل.

(٤) في المصدر : ما تذهب ..

(٥) علمنا لها ...

(٦) يتأثّر ...

(٧) وكذلك إن كانت ...

(٨) وذلك يكون إمّا ...

(٩) أو في نفوسنا ...

(١٠) فيبقى ...

(١١) الأشياء قائمة.

١٦٩

وبالجملة مناط الموجوديّة ومنشأ انتزاعها ، وقد يعبّر عنه فى الفارسية ب «هستى».

وكذلك للعلم معنيان :

أحدهما معنى مصدريّ انتزاعيّ هو عبارة عن انكشاف المعلوم عند العالم به ، وقد يعبّر عنه في الفارسية ب «دانا بودن ودانستن».

والآخر ما به يصير الشيء عالما ، وبه يصحّ انتزاع ذلك المعنى الانتزاعيّ عنه ، وقد يعبّر عنه في الفارسية ب «دانش».

وكذلك الحال في كثير من الصفات ، كالحياة والقدرة. فكذلك الإدراك أيضا ـ سواء اريد به المعنى العامّ المتناول لأقسامه الأربعة ، أعني الإحساس والتخيّل والتوهّم والتعقّل المسمّى بالعلم ، كما هو المراد هنا ، حتّى يكون العلم أيضا قسما منه وأخصّ منه ، مندرجا عنه اندراج النوع تحت الجنس ، أو أريد به خصوص الإحساس ، كما قد يطلق ويراد به ذلك وإن لم يكن مرادا هنا ـ فله أيضا معنيان :

أحدهما معنى مصدريّ انتزاعيّ ، هو عبارة عن انكشاف المدرك عند المدرك ، وقد يعبّر عنه فى الفارسية ب «دريافتن».

والآخر ما به يصير الشيء مدركا ، وبه يصحّ انتزاع ذلك المعنى الانتزاعي عنه.

فكما أنّ في الإدراك والعلم الحضوريّ يكون مناط ذلك الإدراك حضور ذلك المعلوم والمدرك عند العالم به المدرك له ، ويكون ذلك مستندا إلى أمر به كان الحضور ، كالاتّحاد والعينيّة في علم النفس بذاتها ، أو ربط الآليّة في علم النفس بما يدركه حواسّها آلاتها ، أو ربط العلّيّة التامّة ، كما يقولون في علم الله تعالى بالموجودات بعد وجودها. كذلك في الإدراك الحصوليّ ـ سواء كان إدراكا لأمر جزئيّ أو كلّيّ ـ يجب أن يكون لذلك الإدراك مناط ومنشأ ، إذ من المعلوم أنّه عند إدراك شيء خارج عن ذات المدرك إدراكا حصوليّا يحصل للذات المدركة له ـ كالنفس ـ أمر بسببه تكون قد أدركته ، ولم يكن ذلك الأمر قد حصل لها قبل ذلك ، فلم تكن مدركة له ؛ وأنّ ذلك الأمر الحاصل حينئذ هو منشأ ذلك الإدراك.

١٧٠

وقد علمت فيما نقلنا عن الشيخ في «الشفاء» أوّلا ، أنّه قال : إنّ ذلك الأمر الحاصل في كلّ إدراك جزئيّ أو كلّيّ هو صورة المدرك صورة مجرّدة عن المادّة ولواحقها نحوا من التجريد الحاصل في كلّ إدراك ، وأنّ كلّ إدراك إنّما هو أخذ صورة المدرك بنحو من الأنحاء ، وإن كان قد أطلق على مدركات الوهم اسم المعاني أيضا ، أي المعاني التي يأخذها عن المادّة ، سواء كانت تلك المعاني أنفسها مادّيّة ، كالشكل واللون والوضع ، أو غير مادّيّة ، لكن قد يعرض لها أن تكون مادّية كالخير والشّرّ والموافق والمخالف.

وفيما نقلنا عنه في «الإشارات» أنّه قال : إنّ إدراك الشيء ـ أي مطلقا ـ هو أن يكون حقيقته متمثّلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك ، فأطلق عليه اسم الحقيقة ، أي الحقيقة المتمثّلة من المدرك عند المدرك ، وإن كان أطلق عليه بعد ذلك اسم مثال الحقيقة أيضا ، وكذا أطلق على مدركات الحواسّ مطلقا اسم الصورة ، أي الصورة المتمثّلة من المدرك فى المدرك ، وعلى مدركات العقل اسم الماهيّة ، أي الماهيّة المجرّدة من اللواحق الغريبة المشخّصة.

وفيما نقلنا عنه في «الشفاء» أخيرا إنّه قال في صورة حصول العلم ، أي الإدراك الكلّيّ : أنّ ذلك الأمر الحاصل هو صور الموجودات مجرّدة عن موادّها ، فأطلق عليه اسم الصورة ، وإن كان قد أطلق عليه أيضا اسم الماهيّة ، والمعقول من الماهيّة ومعنى الماهيّة والآثار الحاكية لها.

فحريّ بنا أن ننظر في ذلك ، أي في بيان معاني هذه الألفاظ ، وبيان المراد منها ، وبيان مدلولات هذه الأسماء ، وفي بيان الوجه في كون حصولها على ذلك الوجه المخصوص سببا للإدراك.

فنقول : كما ذكر الشيخ في إلهيّات الشفاء في فصل في العلل العنصريّة والصوريّة والغائيّة (١) «إنّه (٢) قد يقال صورة لكلّ معنى بالفعل يصلح أن (٣) يعقل حتّى يكون الجواهر

__________________

(١) الشفاء ـ الالهيّات / ٢٨٢.

(٢) في المصدر : قد يقال ...

(٣) أن يفعل حتّى تكون.

١٧١

المفارقة صورا بهذه المعنى. ويقال : صورة لكلّ هيئة وفعل (٣) في قابل وحدانيّ أو بالتركيب حتّى يكون (٤) الحركات والأعراض صورا ، ويقال : صورة لكلّ ما (٥) يكمل (١) به المادّة بالفعل ، فلا يكون (٦) حينئذ الجواهر العقليّة والأعراض صورا (٧) ، ويقال لما يكمل به المادّة ، وإن لم (٨) يكن متقوّمة بها بالفعل ، مثل الصحّة (٩) وما يتحرّك إليها بالطّبع ، ويقال صورة خاصّة لما يحدث في الموادّ بالصناعة من الأشكال وغيرها. ويقال : صورة لنوع الشيء ولجنسه ولفصله ولجميع ذلك. ويكون (١٠) كلّية الكلّ صورة في الأجزاء أيضا ، والصورة قد تكون ناقصة كالحركة ، وقد تكون تامّة كالتربيع والتدوير».

وذكر في طبيعيّات الشفاء في فصل في تعديد قوى النفس (٢) : «إن (١١) الفرق بين إدراك الصورة وإدراك المعنى أنّ الصورة هو الشيء الذي يدركه الحسّ (١٢) الباطن ، والحسّ الظاهر يدركه أولا ويؤدّيه إلى الحسّ الباطن ، مثل إدراك الشاة صورة (١٣) الذئب ، أعني بشكله (١٤) وهيئته ولونه ، فإنّ الحسّ الباطن من الشاة يدركها ، لكن إنّما يدركها أوّلا حسّها الظاهر.

وأمّا المعنى ، فهو الشيء الذي يدركه (١٥) النفس من المحسوس من غير أن يدركه الحسّ الظاهر أوّلا ، مثل إدراك الشاة للمعنى المضادّ في الذئب ، أو للمعنى الموجب لخوفها (١٦) إيّاه وهر بها منه ، من غير أن يدرك الحسّ ذلك البتّة. فالذي يدرك من الذئب أوّلا الحسّ الظاهر ، ثمّ الحسّ الباطن ، فإنّه يخصّ في هذا الموضع باسم الصورة. والذي يدركه (١٧) القوى الباطنة دون الحسّ ، فيخصّ في هذا الموضع باسم المعنى» ـ انتهى ـ.

وذكر أيضا في طبيعيّات الشفاء في فصل في نسبة الطبيعة إلى المادّة والصورة والحركة : «إنّ لكلّ جسم طبيعة ومادّة وصورة وأعراضا ، فطبيعته (١٨) هي القوّة التى يصدر عنها تحرّكه أو تغيّره الذي يكون (١٩) عن ذاته ، وكذلك سكونه وثباته ؛ وصورته هي ماهيّته (٢٠)

__________________

(١) يتقوّم خ ل.

(٢) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٣٥ ، الفصل الخامس من المقالة الاولى في الفنّ السادس.

(٣) في المصدر : وفعل يكون في ...

(٤) تكون ...

(٥) ما تتقوّم به المادّة ...

(٦) فلا تكون ...

(٧) ويقال صورة لما تكمل ...

(٨) لم تكن ...

(٩) الصورة وما يتحرّك بها بالطبع ...

(١٠) وتكون كلّيّة الكلّي صورة للاجزاء أيضا ...

(١١) والفرق ...

(١٢) الحسّ الباطن والحسّ الظاهر معا ، لكنّ الحسّ الظاهر يدركه أوّلا ...

(١٣) لصورة ...

(١٤) لشكله ...

(١٥) تدركه النفس ...

(١٦) لخوفها ...

(١٧) تدركه القوّة ...

(١٨) وطبيعته ...

(١٩) يتكوّن ...

(٢٠) ماهيّته.

١٧٢

التي بها هو ما هو. ومادّته هي المعنى الحامل لماهيّة (٣) ، والأعراض هي الأمور التي إذا تصوّرت مادّته بصورته وتمّت نوعيّته ، لزمته أو عرضت له من خارج.

وربّما كانت طبيعة الشيء هي بعينها صورته ، وربّما لم تكن.

أمّا في البسائط ، فإنّ الطبيعة هي الصورة بعينها ، فإنّ طبيعة الماء هي بعينها الماهيّة (٤) التي بها الماء هو ما هو ، لكنّها إنّما تكون طبيعة باعتبار ، وصورة باعتبار ، فإذا (٥) قيست إلى الحركات والأفعال الصادرة عنها سمّيت طبيعة ، واذا قيست إلى تقويمها لنوع الماء ، وإن لم يلتفت إلى ما يصدر عنها من الآثار والحركات ، سمّيت صورة» (١) ، انتهى.

وذكر المحقّق الطوسيّ (ره) في التجريد «إنّ المهيّة مشتقّة عمّا هو ، وهو ما به يجاب عن السؤال بما هو ، ويطلق (٦) غالبا على الأمر المعقول (٧) ، ويطلق الذات والحقيقة عليها مع اعتبار الوجود» (٢) ، انتهى.

وذكر الشارح القوشجيّ في شرح هذا الكلام «انّه (٨) يطلق لفظ الماهيّة غالبا على الأمر المتعقّل (٩) ، أي الحاصل في القوّة العاقلة ، فلا يكون إلّا كلّيّا موجودا في الذهن ، ومن ثمّ قيل : لفظ الماهيّة يدلّ على مفهوم الكلّيّة التزاما. ويطلق الذات والحقيقة غالبا عليها ، أي على الماهيّة مع اعتبار الوجود (١٠) أي الخارجيّ ، فلا يقال حينئذ : ذات العنقاء أو (١١) حقيقتها ، بل ماهيّتها. وهذا بحسب الأغلب ، إذ قد تستعمل (١٢) هذه الألفاظ الثلاثة بلا اعتبار فرق بينها». انتهى.

وحيث عرفت ذلك ، فنقول : إنّ ذلك الأمر الحاصل الذي ذكر أنّه لا بدّ من حصوله في الإدراك الحصوليّ حتّى يحصل الإدراك ، لا خفاء في أنّه لا يمكن أن يكون أمرا مبائنا للمدرك والمعلوم ، ومغايرا له من كلّ وجه ؛ فإنّه لو كان كذلك ، لما كان لحصوله في المدرك إفادة للعلم بالمدرك ، وهو ظاهر. ولا عينه ومتّحدا معه من كلّ وجه ؛ إذ لو كان كذلك ، لكان قد حصل المعلوم والمدرك بوجوده العينيّ في المدرك ، أي في النفس وفي القوى

__________________

(١) شرح التجريد / ٨٢ ، للقوشجي.

(٢) شرح التجريد / ٨٥ ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ، ١٤١٢ ه‍.

(٣) في المصدر : لماهيّته ...

(٤) الماهيّة ...

(٥) فإذا الحركات قيست إلى الحركات والأفعال ...

(٦) تطلق لفظة ...

(٧) المعقول ...

(٨) وهي (أي الماهيّة) ...

(٩) تطلق المتعقّل والذات والحقيقة ...

(١٠) للوجود الخارجي ...

(١١) وحقيقتها ، بل ماهيّتها ...

(١٢) يستعمل.

١٧٣

الدرّاكة ، ولكان يجب أن يترتّب على ذلك المدرك عند حصوله في المدرك آثاره الخارجة المطلوبة منه ، المترتّبة على وجوده العينيّ ؛ ولكان يجب أن لا يبقى فرق بين الوجود العينيّ والوجود الذهنيّ أصلا ، ومع ذلك يلزم انتقال الأعراض أيضا إذا كان الإدراك متعلّقا بها ، إلى غير ذلك من الأمور التي هي معلومة البطلان.

فبقي أن يكون ذلك الأمر مغايرا للمدرك من وجه ، حتّى لا يلزم تلك المفاسد ، وكذا متّحدا معه نوعا من الاتّحاد من وجه آخر حاكيا آثاره ، حتّى يكون حصوله في المدرك منشأ لإدراكه ولحصول العلم به. وحينئذ نقول : إنّ ذلك الأمر ، امّا عبارة عن شبح المعلوم ومثال المدرك ، كما يقوله القائلون بحصول الأشياء بأشباحها في الذهن ؛ وإمّا عبارة عن ماهيّته المجرّدة عن وجوده العينيّ الخارجيّ ، وعن المشخّصات التي هي عبارة عن توابع وجوده الشخصيّ نوعا من التجريد الذي تفعله النفس ، وتقتدر عليه في كلّ نوع من الإدراك بحسبه ، كما يقوله القائلون بحصول الأشياء بأعيانها في الذهن ، سواء كانت تلك الأشياء جواهر أو أعراضا ، وسواء كانت مجرّدات أو مادّيّات.

والأوّل باطل ، إذ الإدراك ـ سواء كان كلّيّا أو جزئيّا ـ قد يتعلّق بما هو ممتنع الوجود في الخارج ، وكذا بما هو معدوم في الخارج قطعا ، وإن كان ممكنا في نفسه ، ويحكم على ذلك بأحكام صادقة في نفس الأمر.

في نصرة القول بوجود الأشياء بأعيانها في الذهن

ومن المعلوم أنّ وجود الشبح لشيء ، فرع وجود ذي الشبح بوجود آخر مغاير لوجود الشبح ، حتى يصحّ نسبة الشبح إلى ذي الشبح وإضافته إليه والحكم بأنّه شبح له. فأمّا أن يكون ذلك الوجود لذي الشبح في الخارج ، فهو باطل ؛ إذ المفروض عدم الوجود له في الخارج ؛ وأمّا أن يكون في الذهن أيضا بوجود آخر مغاير لوجود الشبح فيه ، فهذا أيضا باطل ، لأنّ ذلك الوجود إمّا بأنّ حصول ذي الشبح بشبحه بشبح آخر غير الأوّل ، فننقل الكلام فيه ويلزم التسلسل في الأشباح ، وإمّا بأنّ حصول ذي الشبح ماهيّة معرّاة عن

١٧٤

الوجود الخارجيّ في الذهن ، فهو خلاف الفرض ، مع أنّه يستلزم المطلوب أيضا ، وهو حصول الأشياء بماهيّاتها في الذهن.

فإن قلت : ما ذكرته إنّما ينفي أن يكون الأشياء التي لا وجود لها في الخارج موجودة في الذهن بأشباحها ، ولا ينفي أن يكون الأشياء التي لها وجود في الخارج موجودة في الذهن بأشباحها. فلعلّ القسم الأوّل موجود فيه بمهيّته ، والقسم الثاني موجود فيه بشبحه.

قلت : هذا الفرق تحكّم لا دليل عليه ولا باعث له ، بل العقل السليم يحكم بأنّه إذا كان وجود الأشياء في الذهن بماهيّاتها في بعض الموادّ ، يجب أن يكون في الكلّ كذلك.

فإنّ قلت : لعلّ الداعي إلى هذا الفرق هو الفرار عن الإشكالات الموردة على تقدير وجود الأشياء الموجودة في الخارج بماهيّاتها في الذهن ، على ما سيأتي بيانها ، حيث إنّها لا ترد على القول بالأشباح.

قلت : هذا لا يمكن أن يكون داعيا إليه ، فإنّ تلك الإشكالات كما يمكن دفعها على تقدير القول بوجود الأشياء بأشباحها في الذهن ، كذلك يمكن دفعها على تقدير القول بوجودها بأعيانها وماهيّاتها فيه ، كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأيضا نقول : إذا كان وجود الأشياء مطلقا في الذهن عبارة عن حصول ماهيّاتها فيه ، لا يخفى أنّه يسهل الخطب في سراية العلم بتلك الماهيّات ـ التي هي معلومة بالذات ـ إلى العلم بتلك الحقائق الخارجيّة التي هي معلومات بالعرض ، والحكم عليها وإثبات المحمولات لها. سواء كانت تلك المحمولات ذاتيّات لتلك الحقائق ، أو عرضيّات لازمة أو مفارقة ، فإنّ تلك الماهيّات هي عين تلك الحقائق باعتبار الذات ، وإن كانت مغايرة لها باعتبار الوجود ، فيصحّ جعل تلك الماهيّات آلة لملاحظة تلك الحقائق وتعرّف أحوالها.

وأمّا على تقدير القول بأنّ وجود الأشياء في الذهن عبارة عن حصول أشباحها فيه ، فيصعب الخطب في ذلك ، لأنّ تلك الأشباح لا يخفى أنّها مغايرة لذوات الأشباح بحسب الذات وفي أكثر الجهات ، وإن كانت مناسبة لها من بعض الوجوه. فلا يعلم أنّ العلم بها هل يمكن أن يسري إلى العلم بتلك الحقائق الخارجيّة أم لا؟ وبذلك يصعب الخطب.

١٧٥

وحيث عرفت ذلك ، عرفت ضعف الاحتمال الأوّل بل بطلانه ، وهو حصول الأشياء بأشباحها في الذهن. فبقي أن يكون الحقّ هو الاحتمال الثاني ، وهو حصول الأشياء بأعيانها ـ أي بماهيّاتها ـ في الذهن مجرّدة عن الوجود الخارجيّ وعن لواحقه ، لا بحقائقها المأخوذة مع الوجود الخارجيّ ، إلّا أن يكون المدرك ممّا لا يكون خارجا عن ذات المدرك ، كالصورة العلميّة من حيث إنّها علم وإدراك ، على ما سيأتي بيانه. فإنّها من هذه الحيثيّة حاصلة في الذهن بحقيقتها ، مأخوذة مع الوجود الخارجيّ ، فإنّ وجودها في الذهن كذلك هو نوع وجود خارجيّ لها ، وإن كان لسببها للمعلوم والمدرك وجود ذهنيّ ، وسنزيده بيانا فانتظر.

لا يقال : كما أنّ الأشياء الممتنعة والممكنة المعدومة في الخارج لا يمكن أن يكون لها أشباح كما ذكرت ، فكذلك لا يمكن أن يكون لها ماهيّات ، إذ وجود الماهيّة لشيء فرع وجود الحقيقة له ، لأنّ الماهيّة ـ كما ذكروه ـ هي الحقيقة بعينها ، إلّا أنّ الحقيقة ماهيّة مأخوذة مع الوجود الخارجيّ ، والماهيّة حقيقة مجرّدة عنه.

لأنّا نقول : لا نسلّم ما ذكرته ، حيث إنّ عدم كون حقيقة لشيء لا يستلزم عدم كون ماهيّة له ، فإنّه قد يمكن أن لا يكون لماهيّة من الماهيّات وجود خارجيّ ، ويكون لها مع ذلك وجود ذهنيّ. ونحن نعني بالممتنع والمعدوم في الخارج ، ما كان حقيقته الخارجيّة ووجوده الخارجيّ ممتنعا أو معدوما ، لا ما كان ماهيّته الذهنيّة ووجوده الذهنيّ ممتنعا أو معدوما.

فحينئذ ، فالماهيّات المجرّدة عن الوجود الخارجيّ التي تحصل في الذهن أعمّ من أن يكون لها وجود خارجيّ فيجرّدها العقل عنه فيدركها ، كما في الموجودات الخارجيّة ، وأن لا يكون لها وجود خارجيّ حتّى تحتاج إلى تجريد ، بل يدركها العقل كما هي عليه مجرّدة عن الوجود الخارجيّ ، كما في الممتنعات والمعدومات في الخارج.

وبالجملة ، إنّ الماهيّة المتمثّلة عند المدرك إن لم تكن خارجة عن ذات المدرك ، كالصورة العلمية التي هي تلك الماهيّة الحاصلة في الذهن باعتبار أنّها علم لا باعتبار أنّها

١٧٦

معلومة ـ كما سيأتي الفرق بينهما ـ فهي بهذا الاعتبار حاصلة بحقيقتها فيه ، إذ ذلك الحصول نوع وجود خارجيّ لها ، كما أشرنا إليه وسنزيده بيانا.

وإن كانت خارجة عن ذات المدرك ، كالصورة الحاصلة التي قلنا إنّها ماهيّات الأشياء من حيث إنّها معلومات ومدركات ، فهي عند حصولها في المدرك مجردة عن الوجود الخارجيّ ، سواء كانت صورا منتزعة من الخارج إن كان الإدراك مستفادا من خارج ؛ أو صورا حصلت عند المدرك ابتداء ، سواء كانت الخارجيّة مستفادة منها أو لم تكن ، وسواء كان ما يفرض خارجيّا ممتنع الوجود في الخارج أو ممكن الوجود فيه ، واقعا في الخارج بالفعل أو غير واقع بل معدوما فيه ، ففي كلّ تلك الصور فالماهيّة الحاصلة في الذهن ماهيّة مجرّدة عن الوجود الخارجيّ البتّة ، إلّا أنّ هذا التجريد يكون على وجهين ، ففي بعضها يكون التجريد بأن يكون هناك وجود خارجيّ ، ويجرّد العقل تلك الماهيّة عنه على الأنحاء المعتبرة في كلّ إدراك ، ادراك ؛ وفي بعضها لا يكون وجود خارجيّ هناك ، فيدرك الذهن تلك الماهيّة كما هي عينه مجرّدة.

ثمّ إنّه ، كما أنّ التجريد عن الوجود الخارجيّ معتبر في تلك الماهيّة الحاصلة ، كذلك التجريد عن الغواشي الماديّة التابعة للوجود الخارجيّ في المادّيّات معتبر أيضا فيها ، إلّا أنّه يكون على وجهين أيضا : فتارة يكون بأن يكون هناك غواش مادّية فيجرّد العقل تلك الماهيّة عنها ، فيدركها تجريدا هو بحسب كلّ إدراك ، إدراك ، كما في المادّيّات ، أعمّ من أن تكون تلك المادّيّات في أنفسها مادّيّة أو غير مادّيّة ، لكن عرض لها أن تكون مادّيّة. وتارة يكون بأن لا تكون هناك غواش مادّيّة أصلا ، كما في المفارقات من العقول والنفوس ، فيدركها العقل على ما هي عليه مجرّدة عن الغواشي المادّيّة. وبالجملة فليس هناك تجريد المعقول ولا عمل تعمله النفس في جانب المعقول حتّى تعقله. بل إن كان هناك عمل فهو في جانب العاقل ، كالفكر حتّى يعقله ، وإن كان يجرّدها أيضا عن الوجود الخارجيّ حتّى يدركها. وحيث عرفت ذلك وعرفت أنّ إدراك الأشياء إنّما يكون بحصول ماهيّاتها في الذهن مجرّدة عن الوجود الخارجيّ العينيّ ، عرفت أنّ إدراك ذات الواجب

١٧٧

تعالى ممّا لا يمكن ، حيث إنّ تجريده عن الوجود العينيّ غير ممكن ، فإنّ وجوده تعالى عين ذاته عينيّة حقيقيّة ، وتجريد الشيء عن نفسه ممتنع بالضرورة.

ثمّ إنّك بعد ما تحقّقت ما ذكرناه ، تبيّنت أنّ تلك الماهيّة الحاصلة في الذهن من حيث إنّها معلومة ومدركة قد تكون جزئيّة ، وقد تكون كلّيّة. أمّا الكلّيّة فكالماهيّة التي يدركها العقل ، أي يدركها النفس بذاتها لا بتوسّط الحواسّ ، سواء كانت قد انتزعت تلك الماهيّة من جزئيّات متعدّدة ، أو جزئيّ واحد مادّيّ ، أو مجرّد ، فإنّه في جميع هذه الصور تكون تلك الماهيّة كلّيّة ، وكذلك المعلوم بالذات كلّيّا والمعلوم بالعرض جزئيّا. وأمّا الماهيّة الجزئيّة ، فكالماهيّة التي يدركها النفس بتوسّط الحواسّ ، فإنّها جزئيّة البتّة ، ويكون المدرك بالذات وبالعرض جميعا جزئيّا ، إلّا أنّ الصورة الإدراكيّة والعلميّة من حيث إنّها صورة إدراكيّة علميّة ، أي من حيث إنّها علم ، فهي جزئيّة ليس إلّا ، وإن كانت الماهيّة المعلومة كلّيّة أيضا ، لأنّها من هذه الحيثيّة صورة خاصّة حاصلة في نفس جزئيّة ، كما سنزيده بيانا.

ثمّ إنّه حيث كانت تلك الماهيّة من حيث كونها صورة علميّة ، ومن حيث كونها حاصلة في الذهن قائمة به ، موجودة في موضوع هو النفس ، أو قوّة ، من قواها فتكون هي من مقولة العرض ، وكذا تكون من مقولة الكيف ، حيث يصدق عليها رسمه الذي ذكروه له ، وهو أنّه عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا نسبة.

وحيث عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ الظاهر من كلمات الشيخ أنّه أراد بذلك الأمر الحاصل في الذهن هذا المعنى الذي ذكرنا ، إلّا أنّه أطلق عليه أسامي مختلفة وعبّر عنه بعبارات متعدّدة.

فتارة أطلق عليه اسم الصورة نظرا إلى ما نقلنا عنه ، وهو أنّ الصورة قد تطلق على معنى بالفعل يصلح أن يعقل ، أي يدركه النفس ؛ والقوّة العاقلة أعمّ من أن تدركها بذاتها ، كما في إدراكها للكلّيّات ؛ أو بتوسّط الحواسّ ، كما في ادراكها للجزئيّات. فلذلك اطلق الماهيّة على صورة الجسم فيما نقلنا عنه أيضا.

وتارة اسم المعنى في خصوص مدركات الوهم ، نظرا إلى ما نقلنا عنه ، وهو أنّ

١٧٨

المعنى قد يراد به ما يدركه الحسّ الباطن ، كما أنّ الصورة قد يراد بها ما يدركها الحسّ الظاهر.

وتارة اسم الحقيقة ، وأراد بها الماهيّة نظرا إلى ما نقلنا عن الشارح القوشجيّ ، وهو أنّه قد يستعمل لفظ الماهيّة والحقيقة والذات بمعنى واحد بلا اعتبار فرق بينها.

وتارة اسم مثال الحقيقة ، نظرا إلى أنّ الماهيّة لمّا كانت منتزعة من الحقيقة في الأغلب ، وكانت هي مجرّدة عن الوجود الخارجيّ الذي هو مأخوذ مع الحقيقة ، فكأنّها مثال للحقيقة.

وتارة اسم الماهيّة ، ووجهه ظاهر كما ذكرنا.

وتارة اسم المعقول من الماهيّة ومعنى الماهيّة ، نظرا إلى أنّ ذلك الأمر هو المعنى الذي يدركه العقل من الماهيّة.

وتارة اسم الآثار الحاكية ، نظرا إلى أنّ الماهيّة أثر من الحقيقة في الأغلب تحاكي حالها.

وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ تلك الماهيّة الحاصلة ، من حيث إنّها مدركة ومعلومة قد تكون جزئيّة وقد تكون كلّيّة.

فما ادّعاه الشارح القوشجيّ من أنّها لا تكون إلّا كلّيّة ، كأنّه خصّص ذلك بالماهيّة التي يدركها النفس بذاتها إدراكا حصوليّا ، ولذلك فسّر الأمر المعقول في كلام المحقّق الطوسيّ بالحاصل في القوّة العاقلة ، وإلّا فما تدركها بتوسّط الحواسّ تكون جزئيّة ، وما تدركه بذاتها إدراكا حضوريّا يكون جزئيّا أيضا ، كعلم النفس بذاتها وبالصور العلميّة الحاصلة فيها.

في وجه الاختلاف في أنّ العلم من أيّ مقولة

وإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه عند حصول ذلك الأمر الحاصل الذي قلنا : إنّه عبارة عن ماهيّة الأشياء مجرّدة عن الوجود الخارجي ، وقلنا : إنّه كيفيّة حاصلة ، يحصل للنفس

١٧٩

باعتبار حصولها لها امور :

منها ذات تلك الماهيّة ونفس تلك الكيفيّة.

ومنها انفعال للنّفس منها وقبول منها لها.

ومنها إضافة ما ، تحصل هي للنفس بالنسبة إلى تلك الكيفيّة.

ومنها تجريد النّفس إيّاها وأخذها من حقائق الأشياء إن كان هناك تجريد.

وكلّ من هذه الأمور ممّا له مدخل في حصول الإدراك ، ومنشأ لانتزاع الإدراك بالمعنى المصدريّ ، وإن كان العمدة والأصل في ذلك هو ذات تلك الكيفيّة الحاصلة للنّفس.

فعلى هذا ، فمن عدّ العلم والإدراك من قبيل الكيف ، كما هو المشهور بينهم ويشعر به كثير من كلمات الشيخ في الكتابين ممّا نقلناه أو لم ننقله ، بل هو صريح ما نقلناه عنه في «الشفاء» في كون العلم عرضا ، فلعلّه نظر إلى أصل تلك الكيفيّة الحاصلة.

ومن عدّهما من قبيل الانفعال ، كما هو رأي بعض ، وكأنّه ينظر إليه قول الشيخ في «الشفاء» فيما نقلناه من قوله : «إذ كان الإحساس هو قبول صورة الشيء مجرّدة عن مادّته» وكذا بعض كلمات أخر منه ، فلعلّه نظر إلى الثاني.

ومن عدّهما من قبيل الإضافة ، كما هو رأي بعض ، فلعلّه نظر إلى الثالث ، أي إلى خصوص هذه الإضافة الحاصلة بين النفس وبين تلك الكيفيّة بعد قبول النفس لها وحصولها فيها ، وإلّا فعدّهما من قبيل الإضافة مطلقا ، وإن لم تكن هي تلك الإضافة الخاصّة بل إضافة مطلقة بين المدرك والمدرك الكائن في الخارج ، كما هو ظاهر كلام بعض القائلين بها ممّا لا يكاد يصحّ. إذ ظاهر أنّ تلك الإضافة تستدعي ثبوت المتضايفين ، فيلزم أن لا تكون المدركات التي لا تكون في الخارج مدركة البتّة ، وأن لا يكون إدراك ما جهلا ، إذ الجهل هو كون الصورة الذهنيّة المدركة من الحقيقة الخارجيّة غير مطابقة إيّاها ، وأمّا الإضافة فلا توصف بالمطابقة ولا بعدمها.

وكذلك من عدّهما من قبيل الفعل ، كما ينظر إليه قول الشيخ فيما نقلناه عنه في

١٨٠